مقتطفات من سلوكيات الشعب المصرى

[محمد حسن ضبعون]

ملحمة حب.. ونظافة في ميدان التحرير:
هايدي وجومانة ورميساء وأمهن يرفعن القمامة

شهد ميدان التحرير أو ميدان الشهداء كما يطلق عليه شباب ثورة 25 يناير حالة من التلاحم والتكاتف بين جميع أطياف الشعب المصري شبابا وشيوخا ليعيدوا ميدان التحرير اجمل مما كان مسبقا.
لم تقتصر عملية النظافة علي الميدان فقط بل شملت الشوارع المؤدية إليه وأهمها شارع القصر العيني.. تعالت ضحكات الشباب وأطلقوا النكات المناسبة مع الحدث. وأبرزها نداء بعضهم علي الآخر واحد حرية وصلحه. وتوالت الأحضان بين رفقاء 18 يوما بالميدان بعد ان جمعوا متاعهم في طريق العودة إلي منازلهم بعدما أدوا المهمة الموكلة إليهم بإسقاط النظام الذي ظل حاكما طوال 30 عاما أرهق خلالها البلاد والعباد وأذاق الناس العنت والضيم.
أبرز الذين كانوا يجمعون متاعهم عم سيد بياع الشاي الذي كان يسترزق من الجالسين بالميدان حيث ودع الشباب ودموعه تمتلئ بعينيه طالبا منهم زيارته بمكان أكل عيشه بميدان السكة الحديد.
الجمهورية طافت مع الشباب الذين قاموا بتنظيف الميدان التحرير حيث وضع الشباب أيديهم في أيدي القوات المسلحة في مظهر حضاري. ورددوا أغنية يا بلادي يا أحلي البلاد يا بلادي. ويرد عليهم الطرف المقابل في شارع القصر العيني قولهم إن مت يا مصر ما تحزنيش أموت أنا علشان تعيشي
البداية كانت مع رب أسرة حضر وزوجته وأبنيه عمرو وسلوان قائلا: لهم تحركوا سريعا بالقرب من مجلس الشعب وسأله عمرو 9 سنوات عن مبني المجلس فرد عليه والده محمد عبدالعظيم مهندس اتصالات بأنه مستقبلك أنت وسلوان الذي قامت لأجله الثورة وخرج منه الفاسدون وعاد الحق منه إلي مصر وعلينا أن نعمل بدون كثير كلام فتسارع الوالد والبنت في جمع اكبر قدر من الزبالة ووضعها في الأكياس المعدة لذلك ووضعوا عدة أكياس وقفزات بلاستيكية وكمامات وجه بجواره لمن يرغب في الحصول عليها.
مدام جيهان حضرت مع ابنتيها نور وهايدي وقامت بفتح شنطة السيارة أخرجت منها مكانس بلاستيكية أعطتها لأبنتيها طالبة منهم تحديد مسافة بعينها ليقوما بتنظيفها وسألتها هايدي طيب لو خلصت بسرعة هتديني إيه ردت عليها مدام جيهان: مصر هي اللي هتديكم خلاص أنا ما خدتش حاجة. لم تدرك الطفلتان لصغر سنهما ما تقوله الأم قالوا خلاص يا ماما طالما أنتي قلتي يبقي هناخد من مصر لما تيجي عندنا.
فتيات الجامعة الألمانية وقفن بجوار جنود الجيش جودي وسالي ورميساء تسارعن للتنظيف والتقاط الأوراق المليئة بالمياه الناتجة عن استعمال الحضور في الميدان ولم يلتفتوا إلي كونها منظرا غير مألوف أو يمكن أن تصيبهم بالقرف. لدرجة أنهم طلبوا من الجنود الاكتفاء بفتح الأكياس فقط وهم يلتقطون الأوراق من وسط المياه. كان احد الجنود من الصعيد فقال للفتيات عيب ما يصحش فردوا عليه كفاية عليكم أنكم وسطينا مطمئنين بيكم أنتم تعبتم الأيام الماضية. داعبت رميساء أحد زميلاتها قائلة: واحد حرية وصلحه. أما جودي فطلبت من والدتها أستاذة العلوم السياسية أن تصب للجنود نسكافيه وتديهم سندوتشات شيدر علشان نفطر سوا.
أغرب المواقف كان بكاء عم سيد بياع الشاي الذي احتضن الخارجين من الميدان بعدما جمعوا متاعهم راحلين إلي منازلهم قائلا: أبقوا تعالوا زوروني في ميدان محطة مصر بقعد هناك عند الباب من جهة احمد حلمي. والله هتوحشوني يا شباب حبيتكم في الله. مش قادر أقول أشوفكم تاني إلا في الخير ربنا ما يجيب ظلمة ولا مستبدين. عارفين يا شباب لو البلد دي فيها عدالة من زمان كنت بقيت أستاذ اقتصاد لكن معلهش ملحوقة ابني يقدر دلوقتي يبقي كده وإلا هتلقوه في ميدان التحرير.
أم أحمد بائعة الكشري جمعت متاعها هي الأخري ورحلت قائلة: والله كانت أيام حلوة لكن الهدوء أفضل وكمان صعبان عليى الولاد اللي ماتوا قدام عيني. وربنا هيرزقها من باب تاني.
جومانة خريجة الجامعة الأمريكية حملت كيس جمع القمامة وقامت بالطواف علي الجالسين في أماكنهم بالتحرير لتسألهم عن متطلباتهم لو كانوا يحتاجون إلقاء القمامة أو تقديم بعض المشروبات في لحظة الوداع.