اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > الأدب العربي

الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-08-2010, 02:35 PM
الصورة الرمزية Mr Mohamed Alaswany
Mr Mohamed Alaswany Mr Mohamed Alaswany غير متواجد حالياً
معلم لغة انجليزية
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
المشاركات: 88
معدل تقييم المستوى: 17
Mr Mohamed Alaswany is on a distinguished road
Icon5 ليس حلما بل حقيقة




خلت المدرسة علينا بعد يوم دراسي ليس بالطويل
تنهد وقال لي بعد أن اعتدل في جلسته وارتشف الشاي متحسسا بأنامله دفء الكوب :


كنت أذهب للعمل في الصباح وأعود في المساء للبيت البعيد في هذا الطرفالقصي من تلك المدينة المكتظة الراقدة بين تلوث وضجيج .. يحدث ذلك خمسةأيام في الأسبوع .. وحين كنت أنزل في الصباح كثيرا ما أجد على محطةالأتوبيس كثيرا ما أجد فتاة خمرية في خدها طابع الحسن عسلية العينينوبمجرد أن تراني قادما من بعيد تحول وجهها للناحية الأخرى ولا تنظر فيوجهي أبدا مهما طال وقوفنا

عندما أعود إلى البيت في المساء . أتجول في الشقة الخالية إلا من بقايا جرائد قديمة ودوواين شعر ملقاة في كلجانب .. أبحث عن شيء يؤكل .. أكلم نفسي في المرآة قليلا .. أفتح التلفازوأغلقه وأعود لأفتحه ولاشيء يستفز عيني للفرجة .. أجلس قليلا في شرفتيالساكنة وأتذكر أن أروي صبارتي اليتيمة

ألمح طيفها في الشارعالطويل ..قدها المتناسق ومشيتها الواثقة .. كانت تأخذ في يدها طفل لم يتعدالخامسة أو السادسة وكأنه البودي جارد يمشي معها في ثقة ليذود عنها ويدفعبأي مضايقة قد تعترضها

تقبع ملامحها الرقيقة في ذاكرتي وتتلاشيكل الصور القديمة .. وبعد أن تغيب عن النظر وتضيع في الأفق الممتد إلى آخرالشارع أعود لأبحث في التلفاز عن أغنية قديمة.. أضناني البحث حتى وجدتهاقاربت على النهاية

سهر الشوق في العيون الجميلة
حلم آثر الهوى أن يطيله
وحديث في الحب إن لم نقله
أوشك الصمت حولنا أن يقوله...


استسلمت للنوم أبغي حلما ورديا أن يجيء ودعوت الله أن يقصر أيام وحدتي وأشفى من البحث عن هذا الإحساس الخاطف الذي يحكون لي عنه ..

في الصباح ذهبت إلى العمل وكنت سريعا نشيطا على غير المعتاد لأقاوم لفحةبرد بعيدة ولكن في محطة كانت السمراء هناك وحولت وجهها .. دهشت من نفسيلأنني أهتم بذلك

ولكن حدثت مفاجأة
كان يوم السبت حيث لا عمل .. قمت من نومي على صوت هاتفي المحمول متوترا وكانت المكالمة من مديرة المدرسة تطالبني بتودد ورجاء بأن أذهب للمدرسة في الحال لأرافق البنات في رحلة المتحف المصري فالمدرس الذي كان سيرافقهم زوجته تضع مولودها لأول في المستشفى .. وافقت على مضض فأنا لا أحب جو الرحلات وأكره الدوشة وأمقت دلع البنات وانتظر العام الدراسي ينتهي لأرحل من هذه المدرسة إلى مدرسة للبنين قريبة من شقتي الجديدة

المهم ارتديت ملابسي وسارعت لألحق بهم ووجدتهم جميعا بانتظاري وكيل المدرسة وإحدى الزميلات والسائق ينظر لساعته والشرر يتطاير من عينيه تحاشيت نظرته وصعدت أبحث عن أقرب مكان وأنا لم أفق إلا بعد أن ناولني الوكيل كوب من الشاي

بدأ التصفيق والغناء ولم أدخل بعد في أجواء الرحلة وبدأ الخبط والرزع تدق أصداؤه في أحشاء رأسي ولكني خفت من أن أطلب من السائق من أن يقف عند أقرب صيدلية لاشتري أي شيء للصداع

تناسيت بقراءة أخبار اليوم وحاولت أن أتشاغل عنه بالقراءة حتى نصل للتحرير وأذهب لأقرب صيدلية ولما وصلنا تركت الوكيل ينهي إجراءات الدخول للمتحف واستأذنته بأن أذهب لأقرب صيدلية لأجد ما يداوي صداعي الرهيب الذي يشق رأسي .

رحت وأتيت واتصلت به على المحمول لأسأله في أي مكان هم بالتحديد قال لي : اصعد إلى قاعة توت عنخ آمون .. تجاوزت قاعات وطالعات وجوها لسائحين تقفز نظراتهم انبهارا ومررت على غرف وقاعات وصعدت سلالم حتى وصلت إليهم .

وجدتها تتحدث عن الملك الصغير الذي تجاوزت شهرته الآفاق .. تلك الفتاة الخمرية ..الآن لن تستطيع أن تحول وجهها بعيدا .. وكلما حاولت سألت إحدى الطالبات سؤالا يجبرها بأن تنظر لنا بعينيها الواسعتين اللتين ما استطعن الهروب من نظراتي المتوهجة المتسائلة .. كيف جئنا إلى هنا لنتقابل

كانت هي مرشدتهم لطريق الحضارة الفرعونية ومرشدتي أنا لطريق تلاشت فيه كل الحضارات ومسحت من على جدرانها تاريخا لتخط تاريخا آخر .. تاريخ به التيجان تنحني للحظ الإحساس الخاطف والشعور اللطيف بأنك عصفور مندس بين الخيالات البعيدة

لقد علمتني في هذا اليوم إحساسا جديدا .. لقد ذهب صداع رأسي بلا رجعة ليبدأ صداع جديد بقلبي .. لقد ذهبنا معها للمدرسة المتحفية بعد انتهاء الزيارة المقررة
وقامت الطالبات بممارسة النحت والرسم والكتابة على أوراق البردي وانشغل الوكيل بطريقة عمل الفسيفساء وانشغلت زميلتي بصنع عقد من حجارة

وبقيت أنا معلق بخيوط خيالاتي ولا تفارقني أصداء ضحكتها الرقيقة حين واجهتها بأنها لن تستطيع الهروب بوجهها بعيدا وصار اليوم من أجمل أيام حياتي

ولكن !!!

بعد أن قضيت اليوم في حلمي الوردي الذي يرفل بشتى ألوان الزهور وتعبق أنفاسه بشذا الورود عرضت عليها أن ترجع للبيت معنا في أتوبيس الرحلة بدلا من أن تتكبد عناء المواصلات .. احمر وجهها خجلا ووافقت بعد إلحاح مني مدعيا بأنها ستستمتع في طريق العودة بأهازيج البنات وجو المرح الذي سيحوطنا وخصوصا وأنهن استمتعن بالزيارة أيما استمتاع ( ولكن ليس أكثر منى )
وكأنها سمعتني وأنا أغمغم بالكلمة الأخيرة وقالت في ترو بحروف هادئة تداري بريق عينيها اللامعتين بعد أن عانقها شعاع الضوء المنفلت من النافذة الضيقة
_ لقد أسعدتمونا بزيارتكم اليوم للمتحف عموما وللمدرسة المتحفية بشكل خاص
_ لست بأكثر منا سعادة فهذا اليوم يجب أن تسجل تفاصيله على مسلة وتوضع في ميدان عام
ليراها كل الناس و يقروا ما سننحته عليها بأنك أنت سر السعادة التي طوقتنا اليوم

جاءني الوكيل هاجما ليوقظني من حلمي الناعم المضيء وقرأت في عينيه نظرة ارتياب بعيدة
وعرفته قائلا : الآنسة مـريم ..... جارتي وهي تدرس في كلية الآثار وتعمل متطوعة في جمعية أصدقاء المتحف المصري !!

وان شاء الله هاتنورنا وتركب معانا الأتوبيس ( قلتها لأضعهما تحت ضغط سياسة الأمر الواقع )

وكأنني في عالم آخر من الحلم ولا أريد أن ينتهي .. تحدثنا في كل شيء .. كانت كما حلمت بها جذابة مثقفة لبقة .. جميلة نحيلة ذات عينين عسليتان واسعتين كانت طفلة أكثر من أي وقت مضى .. تحدثنا في الشعر والفن والسياسة والحب و .......


وحين سألت عن عمل والدها بدا وجهها النضير الخالي من المساحيق متوردا مرتبكا
رفعت رأسها لي وازداد وجهها احمرارا وهي تقول :
أبي يعمل قسيسا ..

وكأن دشا باردا نزل على رأسي وصارت كلماتي لا تخرج وكأن أحبالى الصوتية تقطعت .. وأنا على هذا الحال الصعب بين مداراة مفاجأتي وبين تأكدي من أن قصر الرمال الذي بنيته هجمت عليه موجة عاتية .. كيف للزائر اللطيف الذي انتظرته أياما انسحب وغاب بلا رجعة في لحظة ؟!

ما حدث لي فيهذا اليوم أوقف الدم في عروقي لكن قلبي لم يكف عن النبض .. هل لنا في حبنااختيار .. هل اخترت قبل أن أحبها لون عينيها وحجم ابتسامتها ودرجة رقةصوتها .. هل اخترت قبل أن أحبها اسمها ولون بشرتها ودينها .. لقد أحببتهامخلوقا له قلب يشعر بي .. مخلوقا يشاركني لحظاتي بكل ما فيها..

هل اخترت أبي أو أمي لأمنحهم كل هذا الحب .. إنني أحببت أبي كما هوبعصبيته .. بدخان سجائره .. بلون بشرته الغامق .. وأحببت أمي بوزنهاالزائد .. بطيبتها المفرطة .. هل لنا في حبنا اختيار

مضت تحدثني وأنا غائب في لجة تساؤلاتي وكأننا استشعرت أننا مضينا وراء طيفعبر وضوء سطع للحظات في قلبينا وانطفئ لمجرد أن نبيي محمد ونبيها المسيح

تشاغلت عنها بالتظاهر بأنني أعد الطالبات ولكني كنت ألمحها في عيني كل تلميذة من تلميذاتي نورا بعيد من الحلم

عدت إليها بقلب مطعون وعقل يفكر في مواجهة تحديات لا حصر لها إذا استمرالقلب في نبضه فآثرت السلامة وأعطيته طعنة أخرى لكي أعدمه على مقصلة الواقع


نزلت من الأتوبيس ومشينا في طريق واحد ولكنه في منتهاه تفرع لطريقين
ومضى كل منا في طريق
على أمل اللقاء
يوما ما
ولو في الأحلام

ربما لم يكن حلما بل حقيقة






انتــــــــــهى
__________________
مستر / محمد الاسواني
مدرسة النهضة الثانوية للبنات
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:21 AM.