اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا

محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 01-07-2010, 05:39 PM
الصورة الرمزية عمر ابو قطرة
عمر ابو قطرة عمر ابو قطرة غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
العمر: 39
المشاركات: 1,204
معدل تقييم المستوى: 17
عمر ابو قطرة is on a distinguished road
Neww1qw1 الاربعون النووية

تركت فيكم ماء أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي
[IMG]file:///C:/Users/018235%7E1/AppData/Local/Temp/msohtml1/01/clip_image001.gif[/IMG]الأربعون النووية
الحديث الأول ...
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بنالخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى , فمن كانت هجرته إلى اللهورسوله فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها و امرأة ينكحهافهجرته إلى ما هاجر إليه " متفق عليه .
الشرح :هذا الحديث اصل عظيم في أعمال القلوب , لان النيات من أعمال القلوب قالالعلماء : وهذا الحديث نصف العبادات , لأنه ميزا الأعمال الباطنة وحديث عائشة رضيالله عنها "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفيلفظ آخر "من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد " نصف الدين ,لأنه ميزا الأعمال الظاهرة فيستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات " أنه ما من عمل إلا وله نية , لأن كل إنسانعاقل مختار لا يمكن أن يعمل عملا بلا نية , حتى قال بعض العلماء "لو كلفنا الله عملا بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق" ويتفرعمن هذه الفائدة :
الرد على الموسوسين الذين يعملون الأعمال عدة مرات ثم يقوللهم الشيطان : إنكم لم تنووا . فإننا نقول لهم : لا , لا يمكن أبدا أن تعملوا عملاإلا بنية فخففوا على أنفسكم ودعوا هذه الوساوس .
ومن فوائد هذا الحديث أنالإنسان يؤجر أو يؤزر أو يحرم بحسب نيته لقول النبي صلى الله عليه وسلم "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"
ويستفاد من هذا الحديث أيضا أن الأعمال بحسب ما تكون وسيلة له ,فقد يكون الشيء المباح في الأصل يكون طاعة إذا نوى به الإنسان خيرا , مثل أن ينويبالأكل والشرب التقوي على طاعة الله , ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "تسحروا فإن في السحور بركة"
*
ومن فوائدهذا الحديث :أنه ينبغي للمعلم أن يضرب الأمثال التي يتبين بها الحكم , وقدضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا مثلا بالهجرة , وهي الانتقال من بلد الشرك إلىبلد الإسلام وبين أن الهجرة وهي عمل واحد تكون لإنسان أجرا وتكون لإنسان حرمانا ,فالمهاجر الذي يهاجر إلى الله ورسوله هذا يؤجر , ويصل إلى مراده . وهذا الحديث يدخلفي باب العبادات وفي باب المعاملات وفي باب الأنكحة وفي كل أبواب الفقه .
ــــــــــالحديث الثاني
*عن أم المؤمنين أم عبدا لله عائشةرضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحدثفي أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم , وفي رواية لمسلم "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
* الشرح :هذا الحديث قال العلماء :إنه ميزانظاهر الأعمال وحديث عمر الذي هو في أول الكتاب "إنما الأعمالبالنيات " ميزان باطن الأعمال , لأن العمل له نية و له صورة فالصورة هي ظاهرالعمل والنية باطن العمل .
* وفي هذا الحديث فوائد :أن من أحدث في هذا الأمر -أي الإسلام- ما ليس منه فهو مردود عليه ولو كانحسن النية وينبني على هذه الفائدة أن جميع البدع مردودة على صاحبها ولو حسنت نيته .
* ومن فوائد هذا الحديث :أن من عمل عملا ولو كانأصله مشروعا ولكن عمله على غير ذلك الوجه الذي أمر به فإنه يكون مردودا بناء علىالرواية الثانية في مسلم .

وعلى هذا فمن باع بيعا محرما فبيعه باطل , ومنصلى صلاة تطوع لغير سبب في وقت النهي فصلاته باطلة ومن صام يوم العيد فصومه باطلوهلم جرا , لأن هذه كلها ليس عليها أمر الله ورسوله فتكون باطلة مردودة .
ــــــــــ
الحديث الثالث ...
عن أبيعبدالله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول "إن الحلال بين و الحرام بين , وبينهما مشتبهات قد لا يعلمهنكثير من الناس , فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه , ومن وقع في الشبهات فقدوقع في الحرام , كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه , ألا وأن لكل ملك حمى ,ألا وإن حمى الله محارمه , إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله , وإذافسدت فسد الجسد كله , ألا وهي القلب " رواه البخاري ومسلم .
*الشرح :قسم النبي صلى الله عليه وسلم الأمور إلى ثلاثة أقسام :
قسم حلال بين لا اشتباه فيه , وقسم حرام بين لا اشتباه فيه , وهذان واضحانأما الحلال فحلال ولا يأثم الإنسان به , وأما الحرام فحرام ويأثم الإنسان به .
مثل الأول :حل بهيمة الأنعام ...ومثال الثاني :تحريم الخمر .
أما القسم الثالث فهم الأمرالمشتبه الذي يشتبه حكمه هل هو من الحلال أم من الحرام ؟ ويخفى حكمه على كثير منالناس , وإلا فهو معلوم عند آخرين .
فهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلمالورع تركه وأن لا يقع فيه ولهذا قال : "فمن اتقى الشبهات فقداستبرأ لدينه وعرضه " استبرأ لدينه فيما بينه وبين الله , واستبرأ لعرضهفيما بينه وبين الناس بحيث لا يقولون :فلان وقع فيالحرام , حيث إنهم يعلمونه وهو عند مشتبه ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلممثلا لذلك بالراعي يرعى حول الحمى "أي حول الأرض المحمية التيلا ترعها البهائم فتكون خضراء , لأنها لم ترعى فيها فإنها تجذب البهائم حتى تدبإليها وترعاها" " كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتعفيه " ثم قال عليه الصلاة والسلام : "ألا وأن لكل ملكحمى "يعني بأنه جرت العادة بأن الملوك يحمون شيئا من الرياض التي يكون فيهاالعشب الكثير والزرع الكثير "ألا وإن حمى الله محارمه " أيما حرمه على عباده فهو حماه , لأنه منعهم أن يقعوا فيه ثم بين أن في الجسد مضغةيعني لحمة بقدر ما يمضغه الاكل إذا صلحت صلح الجسد كله ثم بينها بقوله "ألا وهي القلب " وهو إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يراعي مافيقلبه من الهوى الذي يعصف به حتى يقع في الحرام والأمور المشتبهات .
*فيستفاد من هذا الحديث :
أولا :أن الشريعة الإسلامية حلالها بين وحرامها بين والمشتبه منها يعلمه بعض الناس .
ثانيا :أنه ينبغي للإنسان إذا اشتبه عليه الأمرأحلال هو أم حرام أن يجتنبه حتى يتبين له أنه حلال .
*ومنفوائد الحديث :أن الإنسان إذا وقع في الأمور المشتبه هان عليه أن يقع فيالأمور الواضحة فإذا مارس الشيء المشتبه فإن نفسه تدعوه إلى أن يفعل الشيء البينوحينئذ يهلك .
*ومن فوائد هذا الحديث :جواز ضربالمثل من أجل أن يتبين الأمر المعنوي بضرب الحسي أي أن تشبيه المعقول بالمحسوسليقرب فهمه .
*ومن فوائد هذا الحديث :حسن تعليمالرسول عليه الصلاة والسلام بضربه للأمثال وتوضيحها .
*ومنفوائد هذا الحديث :أن المدار في الصلاح والفاسد على القلب وينبني على هذهالفائدة أنه يجب على الإنسان العناية بقلبه دائما وأبدا حتى يستقيم على ما ينبغي أنيكون عليه .
*ومن فوائد الحديث :أن فاسد الظاهردليل على فاسد الباطن لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا صلحتصلح الجسد كله , وإذا فسدت فسد الجسد كله " ففساد الظاهر عنوان فساد الباطن
ـــــــــ
الحديث الرابع ...
عن عمر بنالخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتيوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر , لا يرى عليه أثر السفر ,ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيهووضح كفيه على فخذيه , وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام , فقال رسول الله صلى اللهعليه وسلم "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسولالله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليهسبيلا " قال صدقت فعجبا له يسأله ويصدقه , قال : أخبرني عن الإيمان قال "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدرخيره وشره " قال : صدقت , قال : فأخبرني عن الإحسان , قال "أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك " قال ,فأخبرني عن الساعة , قال "ما المسئول بأعلم من السائل " قال فأخبرني عن اماراتها . قال "أن تلد الأمة ربتها وأن ترىالحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " . ثم انطلق فلبثمليا , ثم قال " يا عمر , أتدري من السائل ؟" , قلت : الله ورسوله أعلم , قال "فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " رواه مسلم .
*الشرح :هذا الحديث يستفاد من فوائد :
منها أن من هديالنبي صلى الله عليه وسلم مجالسة أصحابه وهذا الهدي يدل على حسن خلق النبي صلى اللهعليه وسلم , ومنها أنه ينبغي للإنسان أن يكون ذا عشرة من الناس ومجالسة وأن لاينزوي عنهم .
*ومن فوائد الحديث :أن الخلطة معالناس أفضل من العزلة ما لم يخش الإنسان على دينه , فإن خشي على دينه فالعزلة أفضل , لقول النبي صلى الله عليه وسلم " يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعفالجبال ومواقع القطر "
*ومن فوائد هذا الحديث :أنالملائكة عليهم الصلاة والسلام يمكن أن يظهروا للناس بأشكال البشر , لأن جبريل عليهالصلاة والسلام طلع على الصحابة على الوصف المذكور في الحديث رجل شديد سواد الشعرشديد بياض الثياب لايرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الصحابة أحد .
*ومن فوائد هذا الحديث :حسن أدب المتعلم أما المعلم حيث جلسجبريل عليه الصلاة والسلام أمام النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجلسة الدالة علىالأدب والإصغاء والاستعداد لما يلقى إليه فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه علىفخذه .
*منها :جواز دعاء النبي صلى الله عليه وسلمباسمه لقوله "يا محمد " وهذا يحتمل أنه قبل النهي أي قبلنهي الله تعالى عن ذلك في قوله "لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَالرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا " ]النور/63[ ... على أحدالتفسيرين ويحتمل أن هذا جرى على عادة الأعراب الذين يأتون إلى الرسول صلى اللهعليه وسلم فينادونه باسمه يا محمد وهذا أقرب , لأن الأول يحتاج إلى التاريخ .
*ومن فوائد هذا الحديث :جواز سؤال الإنسان عمايعلم من أجل تعليم من لا يعلم , لأن جبريل كان يعلم الجواب , لقوله في الحديث "صدقت " ولكن إذا قصد السائل أن يتعلم من حول المجيب فإن ذلك يعتبر تعليما لهم .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن المتسبب له حكمالمباشر إذا كانت المباشرة مبنية على السبب , لقول النبي صلى الله عليه وسلم "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " مع أن المعلم هو الرسول صلىالله عليه وسلم لكن لما كن جبريل هو السبب لسؤاله جعله الرسول عليه الصلاة والسلامهو المعلم .
*ومن فوائد هذا الحديث :بيان أنالإسلام له خمسة أركان , لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بذلك وقال "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاةوتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا "
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه لا بد أن يشهد الإنسان شهادة بلسانهموقنا بها بقلبه أن لا إله إلا الله فبمعنى لا إله أي لا معبود حق إلا الله فتسهدبلسانك موقنا بقلبك أنه لا معبود من الخلق من الأنبياء أو الأولياء أو الصالحين أوالشجر أو الحجر أو غير ذلك حق إلا الله وأن ما عبد من دون الله فهو باطل لقول اللهتعالى "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَايَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّالْكَبِيرُ " الحج/62 ...
*ومن فوائد هذا الحديث :أن هذا الدين لا يكمل إلا بشهادة أن محمدا رسول الله وهو محمد بن عبداللهالقرشي الهاشمي , ومن أراد تمام العلم بهذا الرسول الكريم فليقرأ القران وما تيسرمن السنة وكتب التاريخ .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدارسول الله في ركن واحد , وذلك لأن العبادة لا تتم إلا بأمرين الإخلاص لله وهو ماتضمنته شهادة أن لا إله إلا الله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ماتتضمنه شهادة أن محمدا رسول الله , ولهذا جعلهما النبي صلى الله عليه وسلم ركناواحدا في حديث ابن عمر حيث قال "بني الإسلام على خمس : شهادة أنلا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وإقام الصلاة ..." وذكر تمام الحديث .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن لا يتم إسلام العبدحتى يقيم الصلاة , وإقامة الصلاة أن يأتي بها مستقيمة حسب ما جاء به الشريعة , ولهاأي إقامة الصلاة- إقامة واجبة و إقامة كاملة , فالواجبة أن يقتصر على أقل ما يجبفيها .
والكاملة أن يأتي بمكملاتها على حسب ما هو معروف في الكتاب والسنةوأقوال العلماء .
*ومن فوائد الحديث :أنه لا يتمالإسلام إلا بإيتاء الزكاة . والزكاة هي المال المفروض من الأموال الزكوية وإيتاؤهاوإعطاؤها من يستحقها , وقد بين الله ذلك في سورة التوبة في قوله "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَعَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِيسَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌحَكِيمٌ " التوبة/60 ...
وأما صوم رمضان فهو التعبد لله تعالىبالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس , ورمضان هو الشهر الذي بينشعبان وشوال .
وأما حج البيت فهو القصد إلى مكة لأداء المناسك , وقيدبالاستطاعة , لأن الغالب فيه المشقة وإلا فجميع الواجبات يشترط لوجوبها الاستطاعةلقوله تعالى "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " التغابن/16
ومن القواعد المقررة عند العلماء " أنه لاواجب مع عجز ولا محرم مع الضرورة" .
*ومن فوائدهذا الحديث :وصف الرسول الملكي للرسول البشري محمد صلى الله عليه وسلمبالصدق ولقد صدق جبريل فيما وصفه بالصدق فإن النبي صلىالله عليه وسلم أصدق الخلق .
*ومن فوائد الحديث :ذكاء الصحابة رضي الله عنهمحيث تعجبوا كيف يصدق السائل من سأله , والأصل أن السائل جاهل والجاهل لا يمكن أنيحكم على الكلام بالصدق أو الكذب لكن هذا العجب زال حين قال النبي صلى الله عليهوسلم "هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم " .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن الإيمان يتضمن ستة أمور : وهيالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره .
*ومن فوائد هذا الحديث :التفريق بين الإسلاموالإيمان , وهذا عند ذكرهما جميعا فإنه يقسر الإسلام بأعمال الجوارح والإيمانبأعمال القلوب ولكن عند الإطلاق يكون كل واحد منها شاملا للآخر فقوله تعالى ".. وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .." المائدة/3 ...وقوله "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا .." ال عمران/85 ... يشمل الإسلام والإيمان وقوله تبارك وتعالى "وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ..." الأنفال/19 ... وماأشبهها من الآيات يشمل الإيمان و الإسلام وكذلك قوله تعالى " .. فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ .." النساء/92 ... يشمل الإسلام والإيمان .

*ومن فوائد هذا الحديث العظيم :أن الإيمان بالله أهم أركانالإيمان وأعظمها ولهذا قدمه النبي صلى الله عليه وسلم فقال "أنتؤمن بالله .." .
والإيمان يتضمن الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيتهوأسمائه وصفاته ليس هو الإيمان بمجرد وجوده بل لا بد أن يتضمن الإيمان هذه الأمورالأربعة : الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته .
*ومن فوائد هذا الحديث العظيم :إثبات الملائكة والملائكة عالغيبي وصفهم الله تعالى بأوصاف كثيرة في القران ووصفهم النبي صلى الله عليه وسلم فيالسنة وكيفية الإيمان بهم : أن نؤمن بأسماء من عينت أسماؤهم منهم ومن لم يعينلأسمائهم فإننا نؤمن بهم إجمالا ونؤمن كذلك بما ورد من أعمالهم التي يقوموه بها ماعلمنا منها , ونؤمن كذلك بأوصافهم التي وصفوا بها ما علمنا بها , ومن ذلك أن النبيصلى الله عليه وسلم رأى جبريل الصلاة والسلام وله ستمائة جناح قد سد بها الأفق علىخلقته التي خلق عليها .
وواجبنا نحو الملائكة أن نصدق بهم وأن نحبهم لأنهمعباد الله قائمون بأمره كمال قال تعالى".. وَمَنْ عِنْدَهُ لَايَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَوَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ" الأنبياء19/20.
*ومنفواد هذا الحديث :وجوب الإيمان بالكتب التي أنزلها الله عزوجل على رسلهعليهم الصلاة والسلام قال تعالى " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَابِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ .." الحديد/25 .
فنؤمن بكل كتاب أنزله الله على رسله لكن نؤمن إجمالاونصدق بأنه حق . أما تفصيلا فإن الكتب السابقة جرى عليها التحريف والتبديل والتغييرفلم يكن للإنسان أن يميز من الحق منها والباطل وعلى هذا فنقول : نمن بما أنزله اللهمن الكتب على سبيل الأجمال . أما التفصيل فإننا نخشى أن يكون مما حرف وبدل وغير هذابالنسبة للإيمان بالكتب . أما العمل بها فالعمل إنما هو بما نزل على محمد صلى اللهعليه وسلم فقط . أما ما سواه فقد نسخ بهذه الشريعة .
*ومنفوائد هذا الحديث :وجوب الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام فنؤمن بأن كلرسول أرسله الله فهو حق أتى بالحق صادق فيما أخبر صادق بما أمر به فنؤمن بهم إجمالافيمن لم نعرفه بيعنه وتفصيلا فيمن عرفناه بيعنه .
قال تعالى " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَاعَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ .." غافر/78.. فمن قصعلينا وعرفناه آمنا به بيعنه ومن لم يقص علينا ولم نعرفه نؤمن به إجمالا , والرسلعليهم الصلاة والسلام أولهم نوح و آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم , ومنهم الخمسةأولوا العزم الذين جمعهم الله في آيتين من كتاب الله فقال الله تبارك وتعالى فيسورة الأحزاب " وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْوَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ .." الآية الأحزاب/7 , وقال تعالى في سورة الشورى " شَرَعَ لَكُمْمِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَاوَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَاتَتَفَرَّقُوا .." الاية الشورى/13 .
*ومن فوائد هذا الحديث :الإيمان باليوم الآخر , واليوم الآخر هو يوم القيامة وسمي آخرا , لأنه آخرالمطاف للبشر فإن للبشر أربعة دور :
الدار الأول :بطن أمه ...الدار الثاني :هذه الدنيا ...والدار الثالث :البرزخ ...والدار الرابع :اليوم الآخر , ولا دار بعده فإما إلى جنة أو إلى نار .
والإيمانباليوم الآخر يدخل فيه – كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- " كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت فيدخل فيذلك ما يكون في القبر من سؤال الميت عن ربه ودينه ونبيه وما يكون في القبر من نعيمأو عذاب "
*ومن فوائد هذا الحديث :وجوبالإيمان بالقدر خيره وشره وذلك بأن تؤمن بأمور أربعة :
الأول :أن تؤمن أن الله محيط بكل شيء علما جملة وتفصيلا أزلاوأبدا .
الثاني :أن تؤمن بأن الله كتب في اللوحالمحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة .
الثالث :أن تؤمن بأن كل ما يحدث في الكون فإنه بمشيئة الله عزوجل لا يخرج شيء عنمشيئته .
الرابع :أن تؤمن بأن الله خلق كل شيء ,فكل شيء مخلوق لله عزوجل سواء كان من فعله الذي يختص به كإنزال المطر وإخراج النباتأو من فعل العبد وفعل المخلوقات , فإن فعل المخلوقات من خلق الله عزوجل , لأن فعلالمخلوق ناشئ من إرادة وقدرة والإرادة والقدرة من صفات العبد . والعبد وصفاتهمخلوقة لله عزوجل فكل ما في الكون فهو من خلق الله تعالى .
ولقد قدر اللهعزوجل ما يكون إلى يوم القيامة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة فما قدر علىالإنسان لك يكن ليخطئه وما لم يقدر لك يكن ليصيبه . هذه أركان الإيمان الستة بينهارسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتم الإيمان إلا بالإيمان بها جميعا . نسأل اللهأن يجعلنا جميعا من المؤمنين بها .
*ومن فوائد هذا الحديث : بيان الإحسان وهو أن يعبد الإنسان ربه عبادة رغبة وطلب كأنه يراه فيحب أنيصل إليه , وهذه الدرجة من الإحسان الأكمل , فأن لم يصل إلى هذه الحال فإلى الدرجةالثانية : أن يعبد الله عبادة خوف وهرب من عذابه ولذلك قال النبي صلى الله عليهوسلم "فإن لم تكن تراه فإنه يراك " أي فإن لم تعبده كأنكتراه فإنه يراك .
*ومن فوائد هذا الحديث العظيم :أن علم الساعة مكتوم لا يعلمه إلا الله عزوجل فمن ادعى علمه فهو كاذب , وهذاكان خافيا على أفضل الرسل من الملائكة جبريل عليه الصلاة السلام وأفضل الرسل منالبشر محمد عليه الصلاة السلام .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن للساعة أشراطا أي علامات كمال قال تعالى " هَلْيَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَايَشْعُرُون" الزخرف/66 ... أي علاماتها , وقسم العلماء علامات الساعة إلىثلاثة أقسام :
قسم مضى وقسم لا يزال يتجدد , وقسم لا يأتي إلا قرب قيام الساعةتماما وهي الأشراط الكبرى العظمى كنزول عيسى ابن مريم عليه السلام والدجال ويأجوجومأجوج وطلوع الشمس من مغربها .وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم منأماراتها أن تلد الأمة ربتها يعني أن تكون المرأة أمة فتلد امرأة فتكون هذه المرأةغنية تملك مثل أمها وهو كناية عن سرعة كثرة المال وانتشاره بين الناس ويؤيد ذلكالمثل الذي بعده "وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاةيتطاولون في البنيان " .
*ومن فوائد هذا الحديث :حسن تعليم النبي صلى الله عليهوسلم حيث استفهم الصحابة هل يعلمون هذاالسائل أم لا ؟ من أجل أن يعلمهم به وهذا أبلغ مما لو علمهم ابتداء , لإنه إذاسألهم ثم علمهم كان ذلك أدعى لوعي ما يقول وثبوته .
*ومنفوائد هذا الحديث العظيم :أن السائل عن العلم يعتبر معلما وسبقت الإشارةإلى هذا لكن أريد أن أبين أنه ينبغي للإنسان أن يسأل عما يحتاجه ولو كان عالما بهمن أجل أن ينال أجر التعليم . والله الموفق
ــــــــــ
الحديث الخامس ...
*عن أبيعبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى اللهعليه وسلم يقول "بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا اللهوأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " رواه البخاري ومسلم
* الشرح :هذا الحديث بين فيهالنبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بمنزلة البناء الذي يظلل صاحبه ويحميه منالداخل والخارج , وبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه بني على خمس ك شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضانوقد تقدم الكلام على كل هذه الأركان في حديث عمر بن الخطاب الذي قبل هذا فليرجعإليه .
سؤال :ما فائدة إيراد هذا الحديث مرة أخرىمن أنه ذكر في سياق حديث عمر بن خطاب رضي الله عنه الحدث ]الحديث الرابع [ ؟
الجواب :الفائدة أنه لأهمية هذا الموضوع أرادأن يؤكده مرة ثانية هذا من جهة ومن جهة أخرى أن في حديث عبدالله بن عمر التصريح بأنالإسلام بني على هذه الأركان الخمسة أما حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فليس بهذهالصيغة وإن كان ظاهره يفيد ذلك , لأنه قال "الإسلام أن تشهد أن لاإله إلا الله وأن محمد رسول الله .. إلخ "
ـــــــــ
الحديث السادس ...
عن أبيعبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلموهو الصادق المصدوق "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومانطفة ثم علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك , ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ,ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه , وأجله , وعمله , وشقي أم سعيد . فوالله الذي لاإله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبقعليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار , وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكونبينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة " رواهالبخاري ومسلم
*الشرح :
هذا الحديث الخامسمن الأحاديث النووية وفيه بيان تطور خلق الإنسان في بطن أمه وكتابه وأجله ورزقهوغير ذلك .
فيقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه "حدثنارسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " الصادق في قوله المصدوقفيما أوحي إليه وإنما قد عبدالله بن مسعود هذه المقدمة , لأن هذا من أمور الغيبالتي لا تعلم إلا بوحي فقال "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمهأربعين يوما ... الخ " .
*ففي هذا الحديث منالفوائد :بيان تطور خلقة الإنسان في بطن أمه , وأنه أربعة أطوار .
الأول :طور النطفة أربعون يوما ...والثاني :طور العلقة أربعون يوما ...والثالث :طور المضغة أربعون يوما ...والرابع :الطور الأخير بعد نفخ الروح فيه فالجنين يتطور في بطنأمه إلى هذه الأطوار .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنالجنين قبل أربعة أشهر لا يحكم بإنه إنسان حي , وبناء على ذلك لو سقط قبل تمامأربعة اشهر فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه , لأنه لم يكن إنسانا بعد .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه بعد أربعة أشهر تنفخفيه الروح ويثبت له حكم الإنسان الحي , فلو سقط بعد ذلك فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليهكلما لو كان ذلك بعد تمام تسعة أشهر .
*ومن فوائد هذاالحديث :أن للأرحام ملكا موكلا بها لقوله : "فيبعث إليهالملك " أي الملك الموكل بالأرحام .
*ومن فوائد هذاالحديث :أن أحوال الإنسان تكتب عليه وهو في بطن أمه .. رزقه .. عمله ..أجله .. شقة أم سعيد , ومنها بيان حكمة الله عزوجل وأن كل شيء عنده بأجل مقدروبكتاب ى يتقدم ولا يتأخر .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة , لأن رسول الله صلى الله عليه وسلمأخبر "إن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلاذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها "
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه لا ينبغي لإنسان أن يقطع الرجاء فإنالإنسان قد يعمل بالمعاصي دهرا طويلا ثم يمن الله عليه بالهداية فيهتدي في آخر عمره .
فإن قال قائل :ما الحكمة في أن الله يخذل هذاالعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعملبعمل أهل النار ؟

فالجواب :إن الحكمة في ذلك هوأن هذا الذي يعمل بعمل أهل الجنة إنما يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإلافهو في الحقيقة ذو طوية خبيثة ونية فاسدة , فتغلب هذه النية الفاسدة حتى يختم لهبسوء الخاتمة نعو بالله من ذلك . وعلى هذا فيكون المراد بقوله "حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع " قرب أجله لا قربه من الجنةبعمله .
ــــــــــ
الحديث السابع ...
عن أبي تميمبن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الدينالنصيحة قلنا لمن ؟ قال : لله ولرسوله وللأئمة المسلمين و عامتهم " رواهالبخاري ومسلم .
*الشرح :
فالنصيحة لله عزوجل :هي النصيحة لدينه كذلك بالقيام بأوامرهواجتناب نواهيه وتصديق خبره والإنابة إليه والتوكل عليه وغير ذلك من شعائر الإسلاموشرائعه .
والنصيحة لكتابه :الإيمان بأنهكلام الله وأنه مشتمل على الأخبار الصادقة والأحكام العادلة والقصص النافعة وأنهيجب أن يكون التحاكم إليه في جميع شئوننا .
والنصيحةللرسول صلى الله عليه وسلم :الإيمان به وأنه رسول الله إلى جميع العالمينومحبته والتأسي به وتصديق خبره وامتثال أوامره واجتناب نهيه والدفاع ونحو عن دينه .
والنصيحة لأئمة المسلمين :مناصحتهم ببيان الحقوعدم التشويش عليه والصبر على ما يحصل منهم الأذى وغير ذلك من حقوقهم المعروفةومساعدتهم ومعاونتهم فيما يجب فيه المعونة كدفع الأعداء ونحو ذلك ..
والنصيحة لعامة المسلمين :أي سائر المسلمين هي أيضا بذلالنصيحة لهم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليمهم الخير وماأشبه هذا , ومن أجل ذلك صار الدين النصيحة وأول ما يدخل في عامة المسلمين نفسالإنسان أن ينصح الإنسان نفسه .
*ومن فوائد هذا الحديث :
أولا :انحصار الدين في النصيحة لقول النيصلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة "
ثانيا :أن مواطن النصيحة خمسة : لله , ولكتابه , ولرسوله ,لأئمة المسلمين , وعامتهم .
*ومن فوائد الحديث :الحث على النصيحة في هذه المواطن الخمسة , لأنها إذا كانت هذه هي الدين فإنالإنسان بلا شك يحافظ على دينه ويتمسك به , ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلمالنصيحة في هذه المواطن الخمسة .
*ومن فوائد هذا الحديث :تحريم الغش لأنه إذا كانت النصيحة الدين فالغش ضد النصيحة فيكون على خلافالدين وقد ثبت عن النـبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من غشنا فليسمنا " .
ـــــــــ
الحديث الثامن ...
عن ابنعمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أمرت أنأقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاةويؤتوا الزكاة , فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهمعلى الله تعالى " رواه البخاري ومسلم
*الشرح:
"
أمرت" : أي أمره الله عزوجل وأبهم الفاعل لأنهمعلوم فإن الامر والناهي هي الله تعالى .
"
أقاتل الناس حتىيشهدوا " هذا الحديث عام لكنه خصص بقوله تعالى " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِالْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَدِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَعَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ"التوبة/29
وكذلك السنة جاءت بأن الناسيقاتلون حتى يسلموا و يعطوا الجزية .
*ومن فوائد هذاالحديث :وجوب مقاتلة الناس حتى يدخلوا في دين الله أو يعطوا الجزية لهذاالحديث وللأدلة الأخرى التي ذكرناها .
*ومن فوائد هذاالحديث :أن من امتنع عن دفع الزكاة فإنه يجوز قتاله ولهذا قاتل أبوبكر -رضيالله عنه- الذين امتنعوا عن الزكاة .
*ومن فوائد الحديث :أن الإنسان إذا دان الإسلام ظاهرا فإن باطنه يوكل إلى الله , ولهذا قال : " فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم علىالله "
*ومن فوائد الحديث :إثبات الحساب أيأن الإنسان يحاسب على عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال الله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْمِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ) الزلزلة7-8
ــــــــــ
الحديث التاسع ...
عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم , فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلم واختلافهم على أنبيائهم " رواهالبخاري ومسلم .
*الشرح
"
ما " في قوله "ما نهيتكم " وفي قوله "ما أمرتكم " شرطية يعني الشيء الذي أنهاكم عنه اجتنبوه كلهولا تفعلوا منه شيئا , لأن الاجتناب أسهل من الفعل كل يدركه , وأما المأمور فقال "وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " لأن المأمور فعل وقديشق على الإنسان , ولذلك قيده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "فأتوا منه ما استطعتم " .
*فيستفاد منهذا الحديث فوائد :وجوب اجتناب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلكما نهى الله عنه من باب أولى . وهذا ما لم يدل دليل على أن النهي للكراهة .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه لا يجوز فعل بعضالمنهي عنه بل يجب اجتنابه كله ومحل ذلك ما لم يكن هناك ضرورة تبيح فعله .
*ومن فوائد الحديث :وجوب فعل ما أمر به ومحل ذلكما لم يقم دليل على أن الأمر للاستحباب .
*ومن فوائده :أنه لا يجب على الإنسان أكثر مما يستطيع .
*ومنفوائده :سهولة هذا الدين الإسلامي حيث لم يجب على المرء إلا ما يستطيعه .
*ومن فوائده :أن من عجز عن بعض المأمور كفاه بماقدر عليه منه فمن لم يستطع الصلاة قائما صلى قاعدا ومن لم يستطع قاعدا صلى على جنبومن أكنه أن يركع فليركع ومن لا يمكنه فليومئ بالركوع , وهكذا بقية العبادات يأتيالإنسان منها بما يستطيع .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه لا ينبغي للإنسان كثرة المسائل لأن كثرة المسائل ولا سيما في زمن الوحيربما يوجب تحريم شيء لم يحرم أو إيجاب شيء لم يجب , وإنما يقتصر الإنسان في السؤالعلى ما يحتاج إليه فقط .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن كثرة المسائل والاختلاف على الأنبياء من أسباب الهلاك كما هلك بذلك منكان قبلنا .
*ومن فوائد الحديث :التحذير من كثرةالمسائل والاختلاف , لأن ذلك أهلك من كان قبلنا , فإذا فعلناه , فإنه يوشك أن نهلككما هلكوا ..
ــــــــــ
الحديث العاشر ...
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه: " حديث حسن رواه الترمذيوغيره هكذا
*الشرح :
هذا الحديث أصل فيالأدب والتوجيه السليم وهو أن الإنسان يترك ما لا يعنيه أي ما لا يهمه وما لا علاقةله به فإن هذا من حسُن إسلامه ويكون أيضا راحة له , لأنه إذا لم يكلف به فيكون راحةله بلا شك وأريح لنفسه .
*فيستفاد من هذا الحديث : :أن الإسلام يتفاوت منه حسن ومنه غير حسن لقوله " من حسن إسلام المرء " .
*ومن فوائد هذا الحديث : :أنه ينبغي للإنسان أنيدع ما لا يعنيه لا في أمور دينه ولا دنياه , لأن ذلك أحفظ لوقته وأسلم لدينه وأيسرلتقصيره لو تدخل في أمور الناس التي لا تعنيه لتعب , ولكنه إذا أعرض عنها ولم يشتغلإلا بما يعنيه صار ذلك طمأنينة وراحة له .
*ومن فوائدالحديث : :أن لا يضيع الإنسان ما يعنيه أي ما يهمه من أمور دينه ودنياه بليعتني به ويشتغل به ويقصد إلى ما هو أقرب إلى تحصيل المقصود .
ــــــــــ
الحديث الحادي عشر ...
عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانتهرضي الله عنهما قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم "دع مايريبك إلى ما لا يريبك " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
*الشرح :
عن أبي محمد الحسن بن علي سبط رسول الله صلىالله عليه وسلم رضي الله عنه وعن أبيه وأمه وهو ابن بنت رسول الله صلى الله عليهوسلم وهو أفضل الحسنين فإن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليه وقال "إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين " ,فأصلحالله بين الفئتين المتنازعتين حين تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان فنال بذلكالسيادة .
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "دع ما لايريبك إلى ما لا يريبك " يعني أي اترك الذي ترتاب فيه وتشك فيه إلى الشيءالذي لا تشك فيه , وهذا يشبه الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "بينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقداستبرأ لدينه وعرضه " فالذي يريبك وتشك فيه سواء كان في أمور الدنيا أو أمورالآخرة فالأحسن أن ترتاح منه وتدعه حتى لا يكون في نفسك قلق واضطراب فيما فعلتوأتيت .
*فمن فوائد هذا الحديث :
ما دل علىلفظه من ترك الإنسان للأشياء التي يرتاب فيها إلى الأشياء التي لا يرتاب فيها ,ومنها أن الإنسان مأمور باجتناب ما يدعو إلى القلق .
ــــــــــ
الحديث الثاني عشر ...
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني قال : "لا تغضب " فردد مِرارا , قال "لا تغضب " رواه البخاري .
*الشرح
الوصية هي العهد بالأمر الهام , وهذا الرجل صبي من النبي صلى الله عليهوسلم أن يوصيه فقال "لا تغضب " وعدل النبي صلى الله عليهوسلم عن الوصية بالتقوى التي أوصى الله عز وجل بها هذه الأمة وأوصى بها الذين أوتواالكتاب من قبلنا إلى قوله "لا تغضب " لأنه يعلم من حال هذاالرجل والله أعلم أنه كثير الغضب ولهذا أوصاه بقوله "لا تغضب " وليس المراد النهي عن الغضب الذي هو طبيعة من طبيعةالإنسان , ولكن المراد : املك نفسك عند الغضب بحيث لا تنفذ إلى ما يقتضيه ذلك الغضب , لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فلهذا تجده تحمر عيناه وتنتفخأوداجه وربما يذهب شعوره بسبب الغضب ويكون أشياء لا يحمد عقباها وربما يندم ندماًعظيماً على ما حصل منه , فلهذا أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الوصية وهيوصية له ولمن كان حاله مثل حاله .
*ما يؤخذ من الحديث :أنه ينبغي للمفتي والمعلم أن يراعي حال المستفتي وحال المتعلم وأن يخاطبهبما تقتضيه حاله , وإن كان لو خاطبا غيره فخاطبه بشيء اخر .
ــــــــــ
الحديث الثالث عشر ...
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيراً أو ليصمت , ومن كان يومبالله واليوم الاخر فليكرم جاره , ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه"رواه البخاري ومسلم .
*الشرح
هذاالحديث من الاداب الإسلامية الواجبة :
الأول :إكرام الجار فإن الجار له حق , قال العلماء :إذا كان الجارمسلماً قريباً فله ثلاث حقوق , الجوار والإسلام والقرابة , وإن كان كان مسلماً غيرقريب فله حقان , وإذا كان كافراً غير قريب له حق واحد حق الجوار .
الثاني :وأما الضيف فهو الذي نزل بك وأنت فيبلدك وهو مارٌ مسافر , فهو غريب محتاج وأما القول باللسان فإنه من أخطر ما يكون علىالإنسان فلهذا كان مما يجب عليه أن يعتني بما يقول فيقول خيراً أو يسكت .
*ففي هذا الحديث من الفوائد :وجوب إكرام الجارفيكون بكق الأذى عنه وبذل المعروف له , فمن لا يكف الأذى عن جاره فليس بمؤمن , لقولالنبي صلى الله عليه وسلم "والله لا يؤمن , والله لا يؤمن واللهلا يؤمن" قالوا من يا رسول الله ؟ قال "من لا يأمن جارهبوائقه " .
*ومن فوائد هذا الحديث :وجوبإكرام الضيف لقوله عليه الصلاة والسلام "من كان يؤمن بالله واليومالاخر فليكرم ضيفه" ومن إكرامه إحسان ضيافته , والواجب في الضيافة يوموليلة وما بعده فهو تطوع ولا ينبغي لضيف أن يكثر على مضيفه بل يجلس بقدر الضرورةفإذا زاد على ثلاثة أيام فليستأذن من مضيفه حتى لا يكلف عليه .
*ومن فوائد هذا الحديث :رعاية الإسلام للجوار والضيافة , فهذايدل على كمال الإسلام وأنه متضمن للقيام بحق الله سبحانه وتعالى وبحق الناس .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه يصح نفي الإيمانلانتفاء كماله لقوله "من كان يؤمن بالله واليوم الاخر" ونفي الإيمان ينقسم إلى قسمين :
نفي مطلق :ونالإنسان به كافراً كفراً مخرجاً من الملة .
ومطلق نفي :وهذا الذي يكون به الإنسان كافراً من هذه الخصلة التي فرط فيها لكنه معهأصل الإيمان , وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة أن الإنسان قد يجتمع فيه خصالالإيمان وخصال الكفر .
ــــــــــ
الحديث الرابع عشر ...
عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه – خادم رسول اله صلى الله عليه وسلم قال "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاريومسلم
*الشرح :
"
لايؤمن " يعني الإيمان الكامل . قوله "حتى يحب لأخيه " أي أخيه المسلم . "ما يحب لنفسه " من أمور الدين والدنيا , لأن هذا مقتضى الأخوة الإيمانية أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك .
*فيستفاد من هذا الحديث :أن الإيمان يتفاضل منه كامل , ومنهناقص وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص .
*ومن فوائد هذا الحديث :الحث على محبة الخير للمؤمنين لقوله "حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .
*ومن فوائد هذا الحديث :التحذير من أن يحب للمؤمنين ما لا يحبلنفسه لأنه ينقص بذلك إيمانه حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى عنه الإيمان ,مما يدل على أهمية محبة الإنسان لإخوانه ما يحب لنفسه .
*ومن فوائد الحديث :تقوية الروابط بين المؤمنين .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن من اتصف به فإنه لا يمكن أن يعتديعلى أحد من المؤمنين في ماله أو في عرضه أو أهله , لأنه لا يحب أن يعتدي أحد عليهبذلك فلا يمكن أن يحب اعتداءه هو على أحد في ذلك .
*ومنفوائد الحديث :أن الأمة الإسلامية يجب أن تكون يداً واحدة وقلباً واحداًوهذا مأخوذ من كون كمال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
*ومن فوائد الحديث :استعمال ما يكون به العطف في أساليب الكلامفي قوله "لأخيه " ولو شاء لقال "لا يؤمنأحدكم حتى يحب للمؤمن ما يحب لنفسه " لكنه قال "لأخيه " استعطافاً أن يحب للمؤمن ما يحب لنفسه .
ــــــــــ


الحديث الخامس عشر ...
عن أبي هريرة –رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ،وان الله أمر المؤمنين بما أمر بهالمرسلين ..فقال تعالى " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَالطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا..." المؤمنون /51... وقال الله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَارَزَقْنَاكُم ..." البقرة/172 ... ثم ذكر رجل يطيل السفر أشعث اغبر يمد يده إلىالسماء يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسة حرام وغذي بالحرام فإنىيستجاب له " رواه المسلم .
*الشرح :
"
إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً " الطيب فيذاته طيب في صفاته طيب في أفعاله ولا يقبل ألا طيبا في ذاته وطيبا في كبسة .وأماالخبيث في ذاته كالخمر ، أو في كبسة كالمكتسب بالربا فإن الله تعالى لا يقبله "وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين " فقال تعالى "... كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم ..." البقرة/172... فأمر الله تعالى للرسل وأمره للمؤمنين واحد أن يأكلوا منالطيبات وأما الخبائث فأنها حرام عليهم لقوله تعالى في وصف الرسول الله صلى اللهعليه وسلم"...وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُعَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ..."الأعراف/157 ... ثم أن رسول الله ذكر الرجلالذي يأكل الحرام انه تبعد إجابة دعائه وان وجدت منه أسباب الإجابة يطيل السفر أشعتأغبر يمد يديه إلى السماء "السماء يا رب يا رب ، ومطعمه حرامومشربه حرام وملبسة حرام وغذي بالحرام فإني يستجاب لذلك " هذا الرجل اتصفبأربع صفات :
*الأولى :بأنه يطيل السفر والسفرالإجابة أي إجابة داعي
*الثانية :انه أشعث أغبروالله تعالى عند المنكسر قلوبهم من أجله وهو ينظر إلى عباده يوم عرفه ويقول "أتوني شعثاً غبراً " وهذا من الأسباب الإجابة أيضا .
*الثالثة :أنه يمد يديه إلى السماء ومد اليدين إلى السماء منأسباب الإجابة ، فإن الله سبحانه وتعالى يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهماصفرا .
*الرابعة :دعاءه إياه "يا رب يا رب " وهذا يتوسل إلى الله بربوبيته وهو من أسباب الإجابةولكنه لا تجاب دعوته ..لأن مطعمه حرام ، وملبسه حرام و غذي بالحرام فاستبعد النبيصلى الله عليه وسلم أن تجاب دعوته وقال "فأنى يستجاب لذلك "
يستفاد من هذا الحديث فوائد:
-
منها وصف اللهتعالى بالطيب ذاتاً وصفاتٍ وأفعالاً .
-
ومنها تنزيه الله تعالى عن كل نقص.
-
ومنها أن من الأعمال ما يقبله الله ومنها ما لا يقبله .
-
ومنها أنالله تعالى أمر عباده الرسل والمرسل إليهم أن يأكلوا من الطيبات وأن يشكروا اللهسبحانه وتعالى .
-
ومنها أن الشكر هو العمل الصالح لقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواصَالِحًا..." المؤمنون/51 ... وقال للمؤمنين "... كُلُوامِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ..." البقرة/172...فدل هذا على أن الشكر هو العمل الصالح .
-
ومنها أن من شرط إجابة الدعاءاجتناب أكل الحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مطعمه حرام وملبسه حراموغذي بالحرام "أنى يستجاب لذلك " .
-
ومنها أي منأسباب إجابة الدعاء كون الإنسان في سفر .
-
ومنها أي من أسباب إجابة الدعاءرفع اليدين إلى الله .
-
ومنها أي من أسباب إجابة الدعاء التوسل إلى اللهبالربوبية لإنها هي التي بها الخلق والتدبير
-
ومنها أن الرسل مكلفونبالعبادات كما أن المؤمنين مكلفون بذلك .
-
ومنها وجوب الشكر لله على نعمهلقوله تعالى ".. وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ..." البقرة/172.
-
ومنها أن ينبغي بل يجب على الإنسان أن يفعل الأسباب التي يحصل بها مطلوبهويتجنب الأسباب التي يمتنع بها مطلوبه .
ــــــــــ
الحديث السادس عشر ...
ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدىثلاث : الثيب الزاني , والنفس بالنفس , والتارك لدينه المفارق للجماعة " رواه البخاري ومسلم .
*الشرح :
هذا الحديثبين فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أن دماء المسلمين محترمة وأنها محرمة لا يحلانتهاكها إلا بإحدى ثلاث :
-الأول : " الثيب الزاني " وهو الذي تزوج ثم زنى بعد أن من الله عليه بالزواج , فهذا يحل دمه , لأن حده أن يرجم بالحجارة حتى يموت .
-الثاني : " النفس بالنفس " وهذا فيالقصاص لقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَعَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ..."البقرة/ 178 .

-الثالث :" التارك لدينه المفارقللجماعة " والمراد به من خرج على الإمام , فإنه يباح قتله حتى يرجع ويتوبإلى الله عزوجل , وهناك أشياء لم تذكر في هذا الحديث مما يحل فيها دم المسلم لكنالرسول عليه الصلاة والسلام كلامه يجمع بعضه من بعض ويكمل بعضه من بعض .
*في هذا الحديث فوائد :منها احترام المسلم وأنهمعصوم الدم لقوله "لا يحل دمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث " ومنها أنه يحل دمُ المرء بهذه الثلاث "الثيب الزاني " وهوالذي زنى بعد أن منّ الله عليه بالنكاح الصحيح وجامع زوجته فيه ثم يزني بعد ذلكفإنه يرجم حتى يموت . "والنفس بالنفس " يعني إذا قتل شخصاًوتمت شروط القصاص فإنه يُقتل به , لقوله تبارك وتعالى " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ..." البقرة/178 ... وقال تعالى "وَكَتَبْنَاعَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ" المائدة/ ...45 "والتارك لدينه المفارق للجماعة " وهذا المرتد وإنه إذا ارتد بعدإسلامه حل دمه , لأنه صار غير معصوم الدم .
*ومن فوائد هذاالحديث :وجوب رجم الزاني لقوله "الثيب الزاني " .
*ومن فوائده أيضا :جواز القصاص لكن الإنسان مخيّرأعني من له القصاص- بين أن يقتص أو يعفو إلى الدية أو يعفو مجاناً .
*ومن فوائده أيضاً :وجوب قتل المرتد إذا لم يتب .
ــــــــــ
الحديث السابع عشر ...
عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله كتب الإحسان على كل شيء , فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ,وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " رواه مسلم .
*الشرح : " الإحسان " ضدالإساءة وهو معروف . "كتب " بمعنى شرع , وقوله "على كل شيء " الذي يظهر أنها بمعنى في كل شيء , يعني أن الإحسانليس خاصاً في بني آدم بل هو عام في كل شيء "فإذا قتلتم فأحسنواالقتلة , وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " وهذامن الإحسان .
وقوله "إذا قتلتم " هذا حين القتل منبني آدم أو مما يباح قتله أو يسنُ من الحيوانات من وحوش وغيرها .
وقوله "فأحسنوا القتلة " أن يسلك أقرب الطرق إلى حصول المقصود بغيرأذية لكن يرد على هذا ما ثبت من رجم الزاني المحصن والجواب عنه أن قال : إنه مستثنىمن الحديث وإما أن يقال : المراد "فأحسنوا القتلة " موافقةالشرع وقتل المحصن بالرجم موافق للشرع .
وأما قوله "فأحسنوا الذبحة " والمراد به المذبوح من الحيوان الذي يكون ذبحهذكاة له مثل الأنعام والصيد وغير ذلك .. فإن الإنسان يسلك أقرب الطرق التي يحصل بهاالمقصود الشرعي من الذكاة , ولهذا قال "وليحد أحدكم شفرته " أي سكينته , "وليرح ذبيحته " أي يفعل ما به راحتها .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن الله سبحانه وتعالىجعل الإحسان في كل شيء حتى إزهاق القتلة , وذلك بأن يسلك أسهل الطرق لإرهاق الروحووجوب إحسان الذُبحة كذلك بأن يسلك أقرب الطرق لإزهاق الروح ولكن على الوجه المشروع .
*ومن فوائد هذا الحديث :طلب تفقد آلات الذبحلقوله عليه الصلاة والسلام "وليحد أحدكم شفرته " .
*ومن فوائد هذا الحديث :طلب راحة الذبيحة عندالذبح ومن ذلك أن يضجعها برفق دون أن تتعسف في إضجاعها ومن ذلك أيضا أن يضع رجلهعلى عُنقها ويدع قوائمها الأربعة اليدين والرجلين بدون إمساك , لأن ذلك أبلغ فيإراحتها وحريتها في الحركة , ولأن ذلك أبلغ في خروج الدم عنها فكان أولى .
ــــــــــ
الحديث الثامن عشر ...
عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبدالرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال "اتق الله حيثما كنت , وأتبع السيئةالحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " رواه الترمذي , وقال : حديث حسن وفيبعض النسخ : حسن صحيح
*الشرح :
قوله "اتق الله" فعل أمر من التقوى وهو اتخاذ وقاية من عذاب اللهبفعل أوامره واجتناب نواهيه فهذا هو التقوى وهذا هو أحسن حد قيل فيها .
وقوله "اتق الله حيثما كنت " في أي مكان كنت ,فلا تتقي الله في مكان يراك الناس فيه , ولا تتقيه في مكان لا يراك فيه أحد , فإنالله تعالى يراك حيثما كنت فأتقه حيثما كنت .
وقوله "وأتبعالسيئة الحسنة " يعني اعل الحسنة تتبع السيئة , فإذا فعلت سيئة فأتبعهابالحسنة ومن ذلك –أي إتباع السيئة بالحسنة- أن تتوب إلى الله من السيئة فأن التوبةحسنة .
وقوله "تمحها " يعني الحسنة إذا جاءت بعدالسيئة فإنها تمح السيئة ويشهد لهذا قوله تعالى "...إِنَّالْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ..."هود/114 .
*وفي هذا الحديث من الفوائد :حرص النبي صلى الله عليه وسلم علىأمته بتوجيههم لما فيه الخير والصلاح , ومنها وجوب حرص تقوى الله عزوجل في أي مكانكان ومنها وجوب التقوى في السر والعلن , لقوله صلى الله عليه وسلم "اتق الله حيثما كنت " .
*ومن فوائد هذاالحديث :الإشارة إلى السيئة إذ اتبعها الحسنة إذا اتبعتها الحسنة فإنهاتمحوها وتزيلها بالكلية , وهذا عام في كل حسنة وسيئة إذا كانت الحسنة هي التوبة ,لأن التوبة تهدم ما قبلها , أما إذا كانت الحسنة غير التوبة وهو أن يعمل الإنسانعملاً سيئاً ثم يعمل عملاً صالحاً فإن هذا يكون بالموازنة فإذا رجح العمل السيئ زالأُره كما قال تعالى "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِالْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْخَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " الأنبياء/47 ... ثمقال "وخالق الناس بخلق حسن " عاملهم بالأخلاق الحسنةبالقول والعمل , فإن ذلك خير وهذا الأمر , إما على سبيل الوجوب وإما على سبيلالاستحباب .

*فيستفاد منه :مشروعية مخالفة الناسبالخلق الحسن وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم كيفية المخالفة , وهي تختلف بحسبأحوال الناس فقد تكون حسنة لشخص , ولا تكون حسنة لغيره , والإنسان العاقل يعرف ويزن .
ــــــــــ

الحديث التاسع عشر ...

عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلميوماً فقال "يا غلام , إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك , احفظالله تجده تجاهك , إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله , واعلم أن الأمةلو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , وإن اجتمعواعلى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام وجفتالصحف " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي "احفظ الله تجده أمامك , تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة , واعلمأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لك يكن ليخطئك , واعلم أن النصر مع الصبر ,وأن الفرج مع الكرب , وأن مع العسر يسراً " .
*الشرح :
قوله "كنت خلف النبي " يحتمل أن راكب معه , ويحتمل أنه يمشي خلفه , وأياً كان فالمهم أنه وصاه بهذهالوصايا العظيمة .
قال : "إني أعلمك كلمات " قالذلك من أجل أن ينتبه لها .
الكلمة الأولى :قوله "احفظ الله يحفظك " هذه كلمة "احفظ الله" يعني احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه يحفظك في دينك وأهلكومالك ونفسك , لأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين بإحسانهم .
وعُلم من هذا أنمن لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عزوجل , وفي هذا الترغيب على حفظ حدودالله عزوجل .
الكلمة الثانية :قال "احفظ الله تجده اتجاهك "ونقول في قوله "احفظالله" كما قلنا في الأولى , ومعنى "تجده اتجاهك " أي تجده أمامك يدلك على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه .
الكلمة الثالثة :قوله "إذا سألت فاسأل الله" إذا سألت حاجة فلا تسأل إلا الله عزوجل ولا تسأل المخلوق شيئاً , وإذاقُدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه , فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هو اللهعزوجل فاعتمد على الله تعالى .
الكلمة الرابعة : :قوله "وإذا استعنت فاستعن بالله" فإذا أردت العون وطلبتالعون من أحد فلا تطلب إلا من الله , لأنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وهويعينك إذا شاء وإذا أخلصت الاستعانة وتوكلت عليه أعانك وإذا استعنت بمخلوقٍ فيماقدر عليه فاعتقد أن سبب وأن الله هو الذي سخره لك .
الكلمة الخامسة : :قوله "واعلم أن الأمة لواجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك " الأمة كلهامن أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللهلك وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة , لأنه هوالذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله تعالى ونعلم , أن الأمة لا يجلبونلنا خيراً إلا بإذن الله عزوجل .
الكلمة السادسة : " وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللهعليك" وعلى هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فارض بقضاءالله وبقدره ولا حرج أن تحاول أن تدفع الضر عنك لأن الله تعالى قال " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا" الشورى/40 .
الكلمة السابعة :" رفعتالأقلام وجفت الصحف " يعني أن ما كتبه الله تعالى قد انتهى فالأقلام رفعتوالصحف جفت ولا تبديل لكلمات الله .
*
رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ,وفي رواية غير الترمذي "احفظ الله تجده أمامك " وهذا بمعنى " احفظ الله تجده اتجاهك " .
"
تعرفعلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " يعني قم بحق الله عزوجل في حال الرخاء , وفي حال الصحة , وفي حال الغنى "يعرفك في الشدة" إذازالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واحتجت إلى الله عرفك بما سبق لك , أو بما سبق منفعل الخير الذي تعرفت به إلى الله عزوجل .
"
واعلم أن ماأخطأك لم يكن ليصيبك , وما أصابك لم يكن ليخطئك " يعني أن ما قدر الله تعالىأن يصيبك فإنه لا يخطئك , بلا لابد أن يقع , لأن الله قدره .
وأن ما كتبالله أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك أبداً فالأمر كله بيد الله وهذا يؤدي إلى أنيعتمد الإنسان على ربه اعتماداً كاملاً ثم قال "واعلم أن النصر معالصبر " فهذه الجملة فيها الحث على الصبر , لأنه إذا كان النصر مع الصبر فإنالإنسان يصبر من أجل أن ينال الصبر .
وقوله "وأن الفرج معالكرب , وأن مع العسر يسراً " الفجر انكشاف الشدة والكرب الشديد جمعه كروبكمال قال تعالى " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَالْعُسْرِ يُسْرًا " الشرح/5-6 .
في حديث عبدالله بن عباس رضي اللهعنها – فوائد :
*من فوائده :ملاطفة النبي صلىالله عليه وسلم لمن هو دونه حيث قال "يا غلام إني أعلمككلمات " .
*ومن فوائده :أنه ينبغي لمن ألقىكلاماً ذا أهمية أن يقدم له ما يوجب لفت الانتباه حيث قال "ياغلام إني أعلمك كلمات " .
*ومن فوائد الحديث :أن من حفظ الله حفظه لقوله "احفظ الله يحفظك" وسبقمعنى احفظ الله يحفظك .
*ومن فوائد الحديث :أن منأضاع الله –أي أضَاع دين الله- فإن الله يضيعه ولا يحفظه قال تعالى " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْأَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " الحشر/19 .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن من حفظ الله عزوجل هداه ودله على مافيه الخير وأن من لازم حفظ الله له أن يمنع عنه الشر إذ قوله "احفظ الله تجده تجاهك " كقوله في اللفظ الآخر "تجده أمامك" .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن الإنسان إذا احتاج إلى معونة فليستعن بالله ولكن لا مانع أن يستعين بغيرالله ممن يمكنه أن يعينه لقوله النبي صلى الله عليه وسلم "وتعينالرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة " .
*ومن فوائد الحديث :أن الأمة لن تستطيع أن ينفعوا أحداً إلا إذاكان الله قد كتبه له ولن يستطيعوا أن يضروا أحداً إلا أن يكون الله تعالى قد كتبذلك عليه .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه يجب علىالمرء أن يكون معلقاً رجاؤه بالله عزوجل وأن لا يلتفت إلى المخلوقين فإن المخلوقينلا يملكون له ضراً ولا نفعاً .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن كل شيء مكتوب منتهى منه , فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اللهقدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة .
*ومن فوائد الحديث :في الرواية الأخرى أن الإنسان إذا تعرف إلىالله بطاعته في الصحة والرخاء , عرفه الله تعالى في حال الشدة فلطف به وأعانه وأزالشدته .
*ومن فوائده :أن الإنسان إذا كان قد كتبالله عليه شيئاً فإنه لا يخطئه , وأن الله إذا لم يكتب عليه شيء فإنه لا يصيبه .
*ومن فوائد هذا الحديث :البشارة العظيمةللصابرين وأن النصر مقارن للصبر .
*ومن فوائده :البشارة العظيم أيضاً بأن تفريج الكربات وإزالة الشدات مقرون بالكرب فكلماكرب الإنسان الأمر فرج الله عنه .
*ومن فوائده أيضاً :البشارة العظيمة أن الإنسان إذا أصابه العسر فلينتظر اليسر وقد ذكر اللهتعالى ذلك في القران فقال تعالى " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " الشرح/5-6 ... فإذا عسرت بك الأمور فالتجئإلى الله عزوجل منتظراً تيسيره مصدقاً بوعده .
ــــــــــ
الحديث العشرون ...
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري – رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم "إن ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى , إذا لمتستح فاصنع ما شئت " واه البخاري .
*الشرح :
قال في الأربعين النووية : الحديث العشرون عن أبي مسعود عقبة بن عمروالأنصاري البدري – رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى , إذا لم تستح فاصنع ماشئت " يعني أن من بقايا النبوة الأولى التي كانت في الأمم السابقة .
وأقرتها هذه الشريعة "إذا لم تستح فاصنع ما شئت " يعني إذا لم تفعل فعلاً يستحى منه فاصنع ما شئت هذا أحد وجهين , أي ففعله في المعنىالثاني أن الإنسان إذا لم يستح يصنع ما شاء ولا يبالي وكلا المعنين صحيح .
*يستفاد من هذا الحديث :أن الحياء من الأشياءالتي جاءت بها الشرائع السابقة , وأن الإنسان ينبغي له أن يكون صريحاً , فإذا كانالشيء لا يستحى منه فليفعله وهذا الإطلاق مقيد بما إذا كان في فعله مفسدة فإنهيمتنع الفعل خوفاً من هذه المفسدة .
ــــــــــ
الحديث الحادي والعشرون ...
عن أبي عمرو وقيل : أبي عمرة سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه – قال : يا رسولالله , قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك, قال "قلآمنت بالله ثم استقم " رواه مسلم .
*الشرح :
الحديث الحاوي والعشرون من الأربعين النووية عن أبي عمرو وقيل : أبيعمرة سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه – قال : يا رسول الله , قل لي فيالإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك, قال "قل آمنت بالله ثماستقم " يعني قولاً يكون جامعاً واضحاً بيناً لا أسأل أحداً غيرك فيه فقالله النبي صلى الله عليه وسلم "قل آمنت بالله ثم استقم " آمنت بالله هذا بالقلب , والاستقامة تكون بالعمل , فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلمكلمتين تتضمنان الدين كله فآمنت بالله يشمل إيماناً بكل ما أخبر الله به عزوجل ننفسه وعن اليوم الآخر وعن رسله وعن كل ما أرسل به , وتتضمن أيضاً الانقياد ولهذاقال "ثم استقم " وهو مبني على الإيمان ومن ثم أني ب " ثم "الدالة على الترتيب والاستقامة ولزوم الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهممن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , ومتى بنى الإنسان حياته على هاتينالكلمتين فهو سعيد في الدنيا وفي الاخرة.
*في هذا الحديثفوائد :حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال عما ينفعهم في دينهم ودنياهم .
ومنها عقل أبي عمرو أو أبي عمرة حيث سأل هذا السؤال العظيم الذي فيالنهاية ويستغني عن سؤال أي أحد . حيث قال "قل لي في الإسلامقولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك " .
*ومن فوائده :أنه أجمع وصية وأنفع وصية ما تضمنه هذا الحديث , الإيمان بالله ثم الاستقامةعلى ذلك بقوله "آمنت بالله ثم استقم "
*ومن فوائد هذا الحديث :أن الإيمان بالله لا يكفي عن الاستقامةبل لا بد من إيمان بالله واستقامة على دينه .
*ومن فوائدهذا الحديث :أن الدين الإسلامي مبني على هذين الأمرين , الإيمان ومحلهالقلب , والاستقامة ومحلها الجوارح , وإن كان القلب منها نصيب لكن الأصل أنها فيالجوارح . والله أعلم .
الحديث الثاني والعشرون ...
عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول اللهصلى الله عليه وسلم فقال :أرأيت إذا صليت المكتوبات , وصمترمضان وأحللت الحلال , وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة ؟قال -نعم-رواه مسلم .
قال النووي : ومعنى حرمتالحرام :اجتنبته ... ومعنى الحلال :فعلته معتقداً حله .
قال الشيخ رحمه الله :
الحديث الثاني : عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضيالله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال -أرأيت-بمعني : أخبرني .
- أرأيت إذاصليت المكتوبات-بمعنى الفرائض , وهي الفرائض الخمس والجمعة .
-وصمت رمضان-وهو الشهر الذي بين شعبان وشوال .
-وأحللت الحلال-أي فعلته معتقداً حله .
-
وحرمت الحرام-أي اجتنبته معتقداً تحريمه .
-
ولم أزد على ذلك , أأدخل الجنة ؟قال - نعم -. رواه مسلم .
في هذا الحديث يسأل الرجل رسول اللهصلى الله عليه وسلم إذا صلى المكتوبات وصام رمضان وأحل الحلال وحرم الحرام ولم يزدعلى ذلك شيئاً هل يدخل الجنة ؟ قال - نعم - .
وهذاالحديث لم يذكر فيه الزكاة ولم يذكر فيه الحج , فإما أن يقال : إن ذلك داخلاً فيقوله "حرمت الحرام - لأن ترك الحج حرام وترك الزكاة حرام .
ويمكن أن يقال : أما بالنسبة للحج فربما يكون هذا الحديث قبل فرضه , وأمابالنسبة للزكاة فلعل النبي صلى الله عليه وسلم علم من حال هذا الرجل أنه فقير وليسمن أهل الزكاة فخاطبه على قدر حاله .
*في هذا الحديث منالفوائد :حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم .
*وفيه :أن الغاية من هذه الحياة هي دخول الجنة .
*وفيه أيضا :أهمية الصلوات المكتوبات , وأنهاسبب لدخول الجنة مع باقي ما ذكر في الحديث ,
*وفيه أيضا :أهمية الصيام , وفيه وجوب إحلال الحلال وتحريم الحرام , أي أن يفعل الإنسانالحلال معتقداً حله وأن يتجنب الحرام معتقداً تحريمه , ولكن الحلال يخير فيهالإنسان إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله , أما الحرام فلا بد أن يتجنبه ولا بد أنيصطحب هذا اعتقاداً .
تفعل الحلال معتقداً حله , والحرام تجتنبه معتقداً تحريمه .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن السؤال معادٌ فيالجواب فإن قوله - نعم - يعني تدخل الجنة .
"
قالالنووي –رحمه الله- ومعنى حرمت الحرام :اجتنبتهوينبغيأن يقال : اجتنبته معتقداً تحريمه " والله أعلم .
ــــــــــ
الحديث الثالث والعشرون ...
عن أبي مالك –الحارث بن عاصم- الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم -الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحانالله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياءوالقران حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو مُوبقها -" رواهمسلم .
قال الشيخ رحمه الله :-
الحديث الثالث والعشرون : عن أبي مالكالحارث بن عاصم- الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - الطهور شطر الإيمان - بضم الطاء يعني الطهارة .
شطرالإيمان أي نصفه وذلك أن الإيمان تخلي وتحلي , أما التخلي فهو التخلي عن الإشراك ,لأن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى - إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ]التوبة28[
فلهذا كان الطهور شطر الإيمان , وقيل : - إن معناه أنالطهور للصلاة شطر الإيمان , لأن الصلاة إيمان ولا تتم إلا بطهور- ... لكنالمعنى الأول أحسن وأعم .
*
وقال : -والحمد لله تملأالميزان - الحمد لله تعني : وصف الله تعالى بالمحامد والكمالات الذاتيةوالفعلية تملأ الميزان , أي ميزان الأعمال لأنها عظيمة عند الله عزوجل ولهذا قالالنبي صلى الله عليه وسلم - كلمتان خفيفتان إلى الرحمن خفيفتان علىاللسان ثقيلتان في الميزان , سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم - .
*
وقال -سبحان الله والحمد لله- يعني الجمع بينهما - تملأ - أو قال -تملان ما بين السماء والأرض-وذلك لعظمهما ولاشتمالهما على تنزيه الله تعالى عن كل نقص , وعلى إثبات الكمال للهعزوجل ففي التسبيح تنزيه الله عن كل نقص وفي الحمد وصف الله تعالى بكل كمال , فلهذاكانتا تملان ما بين السماء والأرض .
*
ثم قال -والصلاةنور-يعني : أن الصلاة نور في القلب وإذا استنار القلب استنار الوجه , وهيكذلك نور يوم القيامة قال تعالى - يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَوَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ...-]الحديد12[
وهي أيضاً نور بالنسبة للاهتداء والعلم وغير ذلك من كلما فيه النور .
*
وقال : -والصدقة برهان-أي دليلعلى صدق صاحبها , وأنه يحب التقرب إلى الله وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس ولايصرف المحبوب إلا في محبوب أشد منه حباً وكل إنسان يبذل المحبوب من أجل الثوابالمرتجى وهو برهان على صحة إيمانه وقوة يقينه.
*
قال -والصبر ضياء-الصبر أقسامه ثلاثة : صبر على طاعة الله , وصبر علىمعصية الله , وصبر على أقدار الله .
*
وقال -"ضياء-نوراً مع حرارة كما قال تعالى -هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا-]يونس5].
والشمس فيها النور والحرارة ,والصبر كذلك لأنه شاق على النفس فهو يعاني كما يعاني الإنسان من الحرارة ومن الحار .
*
وقال أيضا -والقران حجة لك أو عليك-والقرانحجة لك , أي عند الله عزوجل أو حجة عليك ...
فإن عملت به كان حجة لك , وإن أعرضتعنه كان حجة عليك , ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن كل الناس يغدون أي يذهبونالصباح إلي أعمالهم .
*
وقال -فبائع نفسه فمعتقها أوموبقها-كل الناس يغدون ويكدحون ويتعبون أنفسهم , فمنهم من يعتق نفسه ومنممن يوبقها أي يهلكها بحسب عمله فإن عمل بطاعة الله واستقام على شريعته فقد اعتقنفسه أي حررها من رق الشيطان
*ففي الحديث فوائد :
1-الحث على الطهور وبيان منزلته من الدين , وأنه شطر الإيمان .
2-الحث على حمد الله وتسبيحه , وأن ذلك يملأ الميزان وأن الجمع بين التسبيحوالحمد يملأ ما بين السماء والأرض .
3-الحث على الصلاة , وأنها نور يتفرع علىهذه الفائدة أنها تفتح للإنسان باب العلم والفقه .
4-الحث على الصدقة , وبيانأنها برهان ودليل عل صدق إيمان صاحبها .
5-الحث على الصبر وأنه ضياء وأنه يحصلمنه مشقة على الإنسان كما تحصل المشقة بالحرارة .
6-أن القران حجة للإنسان أوعليه , وليس هناك واسطة بحيث لا يكون حجة للإنسان أو حجة عليه , بل إما كذا وإماكذا , فنسأل الله أن يجعله حجة لنا نافعاً لنا .
*ومنفوائد الحديث :أن كل الناس لا بد أن يعملوا لقوله -كلالناس يغدو-وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال -أصدق الأسماء حارث وهمام-لأن كل إنسان حارث وهمام .
*ومن فوائد الحديث :أن العامل إما أن يعتق نفسهوإما أن يوبقها , فإن عمل بطاعة الله واجتنب معصيته فقد أعتق نفسه وحررها من رقالشيطان وإن كان الأمر بالعكس فقد أوبقها . أي أهلكها .
*ومن فوائد الحديث :أن الحرية حقيقة هي : القيام بطاعة اللهوليست إطلاق الإنسان نفسه ليعمل كل شيء أراده , قال ابن القيم رحمه الله في النونية :
هربوا من الرق الذي خلقوا له وبلوا برق النفسوالشيطان
فكل إنسان يفر من عبادة الله , فإنه سيبقى في رق الشيطانويكون عابدا للشيطان .
ــــــــــ
الحديث الرابع والعشرون ...
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربهعزوجل أنه قال : -يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي , وجعلتهبينكم محرماً فلا تظالموا , يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم , ياعبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم , يا عبادي كلكم عارٍ إلا منكسوته فاستكسوني أكسكم , يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوبجميعاً فاستغفروني أغفر لكم , يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعيفتنفعوني, يا عبادي , لو أن أولكم و آخركم, وإنكسم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلواحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً , يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكمكانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً , يا عبادي لو أن أولكمو آخركم وإنكسم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقصذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر , يا عبادي إنما هي أعمالكمأحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنإلا نفسه-رواه مسلم
*
الحديث الرابع والعشرون : عن أبي ذر الغفاريرضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم واله وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل وهذاالحديث وأشباهه يسمى الحديث القدسي , لأنه يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن اللهعز وجل قال -"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكممحرما-فبين الله عز وجل في هذا الحديث أنه حرم الظلم على نفسه فلا يظلمأحداً لا بزيادة سيئة ولا بنقص حسنة كما قال تعالى - وَمَنْيَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَاهَضْمًا ]-طه112] .
-
وجعلته بينكم محرماً - أي جعلت الظلم بينكم محرماً , فيحرم عليكم أن يظلم بعضكم بعضاً , ولهذا قال -فلا تظالموا - والفاء للتفريع على ما سبق -ياعبادي , كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم - العباد كلهم ضال في العلموفي العمل إلا من هداه الله عزوجل وإذا كان الأمر كذلك فالواجب طلب الهداية من الله , ولهذا قال -فاستهدوني أهدكم-أي اطلبوا مني أهدكم ,والهداية هنا تشمل هداية العلم وهداية التوفيق , - يا عبادي كلكمجائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم - , وهذه كالتي قبلها بين سبحانهوتعالى أن العباد كلهم جياع إلا من أطعمه الله ثم يطلب من عباده أن يستطعموهليطعمهم وذلك لأن الذي يخرج الزرع ويدر الضرع هو سبحانه وتعالى كما قال سبحانهوتعالى - أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْتَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًافَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ] -الواقعة63-64-65] ... ثم المال الذي يحصل بهالحرث هو لله عزوجل .
- يا عبادي كلكم عار-أي قدبدت عورته إلا من كساه الله ويسر له الكسوة , ولهذا قال -إلا منكسوته فاستكسوني أكسكم-اطلبوا مني الكسوة أكسكم , لأن كسوة بني ادم مماأخرجه الله تعالى من الأرض , ولو شاء الله تعالى لم يتيسر ذلك .
- يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفرونيأغفر لكم-وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح-كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون-فالناس يخطئون ليلاًونهاراً أي يرتكبون الخطأ وهو مخالفة أمر الله ورسوله بفعل المحذور أو ترك المأمور , ولكن هذا الخطأ , له دواء – ولله الحمد – وهو قوله -فاستغفرونيأغفر لكم-أي اطلبوا مغفرتي أغفر لكم , والمغفرة :سترالذنب مع التجاوز عنه .
-يا عبادي إنكم لن تبلغواضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي-لأن الله سبحانه وتعالىغني عن العالمين ولو كفر كل أهل الأرض فلن يضروا الله شيئاً , ولو آمن كل أهل الأرضلن ينفعوا الله شيئاً , لأنه غني بذاته عن جميع مخلوقاته .
- يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحدمنكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا-لأن طاعة الطائع إنما تنفع الطائع نفسه أماالله عزوجل فلا ينتفع بها لأنه غني عنها , فلو كان الناس كلهم على أتقى قلب رجلواحد ما زاد ذلك ملك الله شيئاً .
-يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكيشيئاً-وذلك لأن الله غني عنا , فلو كان الناس والجن على أفجر قلب رجل مانقص ذلك من ملك الله شيئاً .
- يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلكمما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر-وذلك لكمال جوده وكرمه وسعةما عنده , فإنه لو أعطى كل إنسان مسألته لم ينقصه شيئاً , وقوله -إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر-وهذا من باب تأكيد عدم النقص , لأنه من المعلوم أن المخيط إذا دخل في البحر ثم نزع منه فإنه لا ينقص البحر شيئاًلأن البلل الذي لحق هذا المخيط ليس بشيء .
- يا عبادي إنماأعمالكم أحصيها لكم-أي أعدها لكم وتكتب على الإنسان -ثمأوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه-ومع هذا فإنه سبحانه يجزي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرةويجزي السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح فيما دون الشرك والله أعلم
وهذا حديث عظيمحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربهتبارك وتعالى أنه قال-إني حرمت الظلم على نفسي...-وقدشرحه شيخ الإسلام رحمه الله في رسالة جيدة كما شرحه ابن رجب ضمن الأحاديث الأربعينالنووية .
*وفيه من الفوائد :رواية النبي صلى اللهعليه وسلم عن ربه وهو ما يسميه أهل العلم بالحديث القدسي .
*ومن فوائده :أن الله عزوجل حرم الظلم عل نفسه لكمال عدله جلوعلا , فهو قادر على أن يظلم , قادر على أن يبخس المحسن من حسناته وأن يضيف إلىالمسيء أكثر من سيئاته ولكنه لكمال عدله حرم ذلك على نفسه جل وعلا .
*ومن فوائده :أن الظلم بيننا محرم وقد بين الرسول صلى الله عليهوسلم أنه يكون في الدماء والأموال والأعراض قال عليه الصلاة والسلام في مِنى يوم-إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام محرمة يومكم هذافي شهركم هذا في بلدكم هذا- .
*ومن فوائد هذاالحديث :أن الأصل في الإنسان الضلال والجهل بقوله تعالى -وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَشَيْئًا .....]-النحل78] ... وقوله في هذا الحديث " يا عبادي كلكم ضال إلامن هديته فاستهدوني أهدكم " . والأصل فيه أيضاً الغي والظلم .
*ومن فوائده :وجوب طلبالهداية من الله لقوله تعالى في الحديث - استهدوني أهدكم- .
*ومن فوائد الحديث :أن الإنسانبل كل العباد جائعون مضطرون إلى الطعام إلا من أطعمه الله عزوجل , ويترتب على هذهالفائدة سؤال الإنسان ربه واستغناؤه بسؤال الله عن سؤال عباد الله , ولهذا قال - فاستطعموني أطعمكم - .
*ومن فوائدهذا الحديث :أن العباد عراة إلا من كساه الله عزوجل ويسر له الكسوة وسهلهاله , ولهذا قال - فاستكسوني أكسكم - أي اطلبوا مني الكسوةأكسيكم , وإنما ذكر الله عزوجل العري بعد ذكر الطعام , لأن الطعام كسوة الداخلواللباس كسوة الظاهر .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنبني ادم خطاء يخطئون كثيراً في الليل والنهار , ولكن هذا الخطأ يقابله مغفرة اللهعزوجل لكل ذنب , وأن الله يغفر الذنوب جميعاً كما قال تعالى - قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا -]الزمر53] ,ويترتب على هذا أن الإنسان يعرف قدر نفسه , فكلما أخطأاستغفر الله عزوجل .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنالذنوب مهما كثرت فإن الله تعالى يغفرها إذا استغفر الله الإنسان ربه , لقوله تعالىفي الحديث القدسي -"وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفرلكم-وقوله -يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولنتبلغوا نفعي فتنفعوني-وذلك لأن الله سبحانه وتعالى مستغن عن جميع خلقه ,ومن أسمائه العزيز وهو الذي عز أن يناله ضرر , وكذلك هو الغني الحميد فلا حاجة إلىأن يسعى أحد لنفعه ولن يبلغ أحد ضرره لكمال غناه جل وعلا .
-يا عبادي , لو أن أولكم و آخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلواحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً-وذلك لكمال غناه عزوجل فلو كان الناسكلهم من إنس وجن على أتقى قلب رجل فأن ذلك لا يزيد من ملك الله شيئاً ً .
-يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلواحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً " وذلك لكمال غناه فلا تنفعه طاعةالطائعين , ولا تضره معصية العاصين والمقصود من هاتين الجملتين : الحث على طاعةالله عزوجل والبعد عن معصيته .
-يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلكمما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر-وذلك لكمال غناه جل وعلاوسعته , فيستفاد من هذه الجملة : أن الله سبحانه وتعالى واسع الغنى والكرم وقوله -إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر-سبق لنا أن المقصودبذلك المبالغة في أن ذلك لا ينقص من الله شيئاً
وقوله-يا عبادي إنما أعمالكم ...الخ-فيستفاد منها الحث على العملالصالح حتى يجد الإنسان الخير .
*ومن فوائده أيضاً :أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً .
*ومن فوائده :أن العاصي سوف يلوم نفسه إذا كان في وقت لا ينفعهاللوم ولا الندم لقوله "ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلانفسه
ــــــــــ
الحديث الخامس والعشرون ...
عن أبي ذر رضي الله عنه أن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالواللنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يُصلون كما نصليويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال -أوليس الله جعل لكمما تصدقون به إن لكم بكل تسبيحة صدقة , وكل تكبيرة صدقة , وكل تحميدة صدقة وكلتهليله صدقة , وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ,وفي يُضح أحدكم صدقة-قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال -أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان لهأجر-
الحديث الخامس والعشرون أيضاً :
يعني بالإضافة إلىالحديث السبق القدسي أن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبيصلى الله عليه وسلم -يا رسول الله – وهؤلاء فقراء – قالوا : يارسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور-يعني أهل الأموال ذهبوا بالأجور , يعنياختصموا بها .
- يصلون كما نصلي و ويصومون كما نصومويتصدقون بفضول أموالهم-فهم شاركوا الفقراء في الصلاة والصوم وفضولهم فيالصدقة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم –أو ليس قد جعل اللهلكم ما تصدقون ... إلخ-
لما اشتكى الفقراء إلى رسول الله صلى اللهعليه وسلم أنه ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما يصلون ويصومون كما يصومون ويتصدقونبفضول أموالهم يعني والفقراء لا يتصدقون . بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم الصدقةالتي يطيقونها فقال –أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به , إن لكمبكل تسبيحة صدقة-يعني أن يقول الإنسان سبحان الله صدقة "وبكل تكبيره صدقة-يعني إذا قال : الله أكبر فهذه صدقة -وكل تكبيرة صدقة-يعني إذا قال : الله أكبر فهذه صدقة -وكل تحميده صدقة-يعني إذا قال : الحمد لله فهذه صدقة -وكل تهليلة صدقة - يعني إذا قال : لا إله إلا الله فهذه صدقة -وأمر بالمعروف - يعني إذا أمر شخصاً أن يفعل طاعة فهذه صدقة - ونهياً عن منكر - يعني إذا نهى شخصاً عن منكر فإن ذلكصدقة "وفي بضع أحدكم صدقة - يعني إذا أتى الرجل زوجته فإنذلك صدقة وكل له فيها أجر ذكروا ذلك لتقرير قوله صلى الله عليه وسلم " وفي بضعأحدكم صدقة " وليس للشك في هذا , لأنهم يعلمون أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلمفهو حق لكن أرادوا أن يقرروا ذلك فقالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون لهفيها أجر ؟ ونظير ذلك قول زكريا عليه السلام - قَالَ رَبِّ أَنَّىيَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ...- ]ال عمران40] ... أراد أن يقرر ذلك ويثبته مع أنه مصدق به .
قال - أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ - والجواب : نعميكون عليه وزر قال "فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر " وهذا القياس سمونه قياس العكس يعني كما أن عليه وزراً في الحرام يكون له أجراً فيالحلال فقال صلى الله عليه وسلم - فكذلك إذا وضعها في الحلال كانله أجر - .
*في هذا الحديث من الفوائد :
-
حرص الصحابة رضي الله عنهم على السبق إلى الخيرات .
-
ينبغيللإنسان إذا ذكر شيئاً أن يذكر وجهه لأن الصحابة رضي الله عنهم لما قالوا - ذهب أهل الدثور بالأجور - بينوا وجع ذلك فقالوا - يصلون كما نصلي ..الخ -
-
أن كل قول يقرب إلى الله تعالىفهو صدقة كالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرفكله صدقة
-
الترغيب في الإكثار من هذه الأذكار , لأن كل كلمة منه تعتبرصدقة تقرب المرء إلى الله عزوجل .
-
أن الاكتفاء بالحلال والحرام يجعل الحلالقربة وصدقة لقوله صلى الله عليه وسلم - وفي بضع أحدكم صدقة-
-
جواز الاستثبات في الخبر ولو كان صادراً من صداق لقولهم - أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ -
-
حسن تعليمالرسول صلى الله عليه وسلم بإيراد كلامه على سبيل الاستفهام حتى يقنع المخاطب بذلكويطمئن قلبه , ون هذا قوله عليه الصلاة والسلام حين سئل عن بيع الرطب بالتمر - أينقص إذا جف ؟ - قالوا : نعم , فنهى عن ذلك .
ــــــــــ
الحديث السادس والعشرون ...
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كل سُلامى من الناس صدقة , كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة ,وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أ, ترفع عليها متاعه صدقة , والكلمة الطيبة صدقة , وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة , وتميط الأذى عن الطريق صدقة " رواهالبخاري ومسلم .
الحديث السادس والعشرون : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كل سُلامى من الناس صدقة , كليوم تطلع فيه الشمس ..- كل سُلامى أي كل عضو ومفصل من الناس عليه صدقة "كل يوم تطلع فيه الشمس-أي صدقة في كل يوم تطلع فيه الشمسفقوله - كل سُلامى - مبتدأ و -عليهصدقة-جملة خبر المبتدأ -وكل يوم-ظرف والمعنىأنه كلما جاء يوم صار على كل مفصل من مفاصل الإنسان صدقة يؤديها شكراً لله تعالىعلى نعمة العافية وعلى البقاء ولكن هذه الصدقة ليست صدقة المال فقط بل هي أنواع .
- تعدل بين اثنين صدقة-أي تجد اثنين متخاصمينفتحكم بينهما بالعدل فهذه صدقة وهي أفضل الصدقات لقوله تبارك وتعالى -لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَبِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ...- ]النساء114] .
-
وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليهامتاعه صدقة - وهذا أيضاً من الصدقات أن تُعين أخاك المسلم في دابته إما أنتحمله عليها إن كان لا يستطيع أن يحمل نفسه أو ترفع له على دابته متاعه يعني -عفشه-هذا أيضاً لأنها إحسان والله يحب المحسنين .
-
والكلمة الطيبة صدقة - الكلمة الطيبة , كل كلمة تقرب إلىالله كالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءةالقران وتعليم العلم , وغير ذلك كل كلمة طيبة فهي صدقة .
-
وبكل خطوة تخطوها إلى الصلاة فإنها صدقة - وقد ثبت في الصحيحين منحديث أبي هريرة أن الإنسان إذا توضأ في بيته وأسبغ الوضوء ثم خرج من بيته إلىالمسجد لا يخرجه إلا الصلاة لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط بها خطيئة .
-
وتميط الأذى عن الطريق صدقة - إماطة الأذى يعنيإزالة الأذى عن الطريق , والأذى ما يؤذي المارة من ماء أو حجر أو زجاج أو شوك أوغير ذلك وسواء أكان يؤذيهم من الأرض أو يؤذيهم من فوق كما لو كان هناك أغصان شجرةمتدلية تؤذي الناس فأماطها فإن هذه صدقة .
*وفي هذا الحديثفوائد منها :
1-أن كل إنسان عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس علىعدد مفاصله وقد قيل إن المفاصل ثلاثمائة وستون مفصلاً –والله أعلم .
2-أن كلما يقرب إلى الله من عبادة وإحسان إلى خلقه فإنه صدقة , وما ذكره النبي صلى اللهعليه وسلم فهو أمثلة على ذلك وقد جاء في حديث آخر - أن يجزئ عن ذلكركعتان يركعهما من الضحى - .
ــــــــــ
الحديث السابع والعشرون ...
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس " رواه مسلم ... وعن وابصة بن مَعبد رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليهوسلم فقال "جئت تسأل عن البر؟ " قلت : نعم قال "استفت قلبك , البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب , والإثم ماحاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " حديث حسن رويناه فيمسندي الإمامين أحمد بن حنبل والدرامي بإسناد حسن .
*الشرح:
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال - البر حسن الخلق - البر كلمة تدل على الخير وكثرة الخيروحسن الخلق يعني أن يكون الإنسان واسع البال منشرح الصدر والسلام مطمئن القلب حسنالمعاملة , فيقول عليه الصلاة والسلام -إن البر حسن الخلق-فإذا كان الإنسان حسن الخُلق مع الله ومع عباد الله حصل له الخير الكثير وانشرحصدره للإسلام واطمأن قلبه بالإيمان وخالق الناس بخلق حسن وأما الإثم فبينه النبيعليه الصلاة والسلام بأنه -ما حاك في نفسك-وهو يخاطبالنواس بن سمعان , والنواس ابن سمعان صحابي جليل فلا يحيك في نفسه ويتردد في نفسهولا تأمنه النفس إلا ما كان إثماً ولهذا قال -ما حاك في نفسكوكرهت أن يطلع عليه الناس-وأما أهل الفسق والفجور فإن الآثام لا تحيكبنفوسهم ولا يكرهون أن يطلع عليها الناس بل بعضهم يتبجح ويخبر بما يصنع من الفجوروالفسق , ولكن الكلام مع الرجل المستقيم فإنه إذا هم بسيئة حاك ذلك في نفسه وكره أنيطلع الناس على ذلك , وهذا الميزان الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام إنما يكونمع أهل الخير والصلاح , ومثل الحديث عن وابصة بن معد رضي الله عنه قال : أتيت النبيصلى الله عليه وسلم فقال -جئت تسأل عن البر؟-قلت : نعم ,قال -استفت قلبك-يعني لا تسأل أحداً واسأل قلبك واطلبمنه الفتوى البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب , فمتى وجدت نفسك مطمئنةوقلبك مطمئن إلى شيء فهذا هو البر فافعله -والإثم ما حاكنفسك-في النفس وتردد في الصدر , فإذا رأيت هذا الشيء حاك في نفسك وتردد فيصدرك فهو إثم قال-وإن أفتاك الناس وأفتوك - يعني إن أفتاكالناس بأنه ليس فيه إثم وأفتوك مرة بعد مرة , وهذا يقع كثيراً تجد الإنسان يتردد فيالشيء ولا يطمئن إليه ويتردد فيه ويقول له الناس :هذا حلال وهذالابأس به , لكن لم ينشرح صدره بهذا ولم تطمئن إليه نفسه فيقال :مثل هذا إنه إثم فاجتنبه .
ومن فوائدهذا الحديث والذي قبله :فضيلة حسن الخلق حيث فعل النبي صلى الله عليه وسلمحسن الخلق هو البر .
ومن فوائده أيضاً :أن ميزانالإثم أن يحيك بالنفس ولا يطمئن إليه القلب .
ومن فوائده : أنالمؤمن يكره أن يطلع الناس على عيوبه بخلاف المستهتر الذي لا يبالي , فإنه لا يهتمإذا اطلع الناس على عيوبه
ومن فوائدها :فراسة النبيصلى الله عليه وسلم حيث اتى إليه وابصة رضي الله عنه فقال - جئتتسأل عن البر ؟ -
*ومن فوائدها :إحالة حكمالشيء إلى النفس المطمئنة التي تكره الشر وتحب الخير , لقوله - البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب-
*ومن فوائد الحديثين أيضاً :أن الإنسان ينبغي له أن ينظر إلى مايكون في نفسه دون ما يفتيه الناس به فقد يفتيه الناس الذين لا علم لهم بشيء لكنهيتردد فيه ويكرهه فمثل هذا لا يرجع إلى فتوى الناس وإنما يرجع إلى ما عنده .
*ومن فوائدهما :أنه متى أمكن الاجتهاد فإنه لايعدل إلى التقليد لقوله - وإن أفتاك الناس وأفتوك - .
ــــــــــ
الحديث الثامن والعشرون ...
عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليهوسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون , فقلنا يل رسول الله كأنها موعظةمودعٍ فأوصنا , قال - أوصيكم بتقوى الله عزوجل , والسمع والطاعةوإن تأمر عليك عبد , فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً . فعليكم بسنتي وسنةالخلفاء الراشدين المهدين عضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعةضلالة - رواه أبوداود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
*الشرح :قوله -وعظنا - الوعظ : هوالتذكير المقرون بالترغيب أو الترهيب , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابهبالموعظة ولا يكثر عليهم مخافة السآمة , قوله - وجلت منهاالقلوب - أي خافت , - وذرفت منها العيون - أي بكتحتى ذرفت دموعها - فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودعٍفأوصنا - لأن موعظة المودع تكون موعظة بالغة قوية فأوصنا قال - أوصيكم بتقوى الله عزوجل - وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهمأنهم استغلوا هذه الفرصة ليوصيهم النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه خير , قال - أوصيكم بتقوى الله عزوجل - وتقوى الله اتخاذ وقاية من عقابهبفعل أوامره واجتناب نواهيه وهذا حق الله عزوجل - والسمعوالطاعة - يعني لولاة الأمور أي اسمعوا ما يقولون وما به يأمرون واجتنبوا ماعنه ينهون , - وإن تأمر عليكم عبد - يعني وإن كان الأميرعبداً فأسمعوا له وأطيعوه , وهذا هو مقتضى عموم الآية - يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِيالْأَمْرِ مِنْكُمْ ...-]النساء59] .
قوله -فإنهمن يعش منكم - أي من تطول حياته فسيرى اختلافاً كثيراً ووقع ذلك كما أخبرالنبي صلى الله عليه وسلم فقد حصل الاختلاف الكثير في زمن الصحابة رضي الله عنهم ثمأمر صلى الله عليه وسلم بأن نلتزم بسنته أي بطريقته وطريقة الخلفاء الراشدينالمهدين والخلفاء الذين خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته علماً وعبادة ودعوةوعلى رأسهم الخلفاء الأربعة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم .
-
المهديين - وصف كاشف , لأن كل رشاد فهو مهدي ومعنى المهدينالذين هدوا أي هداهم الله عزوجل لطريق الحق
-
عضوا عليهابالنواجذ - وهي أقصى الأضراس وهو كناية عن شدة التمسك بها ثم حذر النبي صلىالله عليه وسلم .
ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم من محدثات الأمور فقال - إياكم - أي أحذركم من محدثات الأمور وهي الأمور وهي ما أحدثفي الدين بلا دليل شرعي وذلك لأنه لما لأمر بلزوم السنة والحذر من البدعة وقال - فإن كل بدعة ضلالة - رواه أبوداود والترمذي وقال حديث حسنصحيح .
*وفي الحديث فوائد منها :حرص النبي صلىالله عليه وسلم على موعظة أصحابه , حيث يأتي بالمواعظ المؤثرة التي توجل لها القلوبوتذرف منها الأعين .
*ومنها :أن الإنسان المودعالذي يريد أن يغادر إخوانه ينبغي له أن يعظهم موعظة تكون ذكرى لهم , موعظة مؤثرةبليغة , لأن المواعظ عند الوداع لا تنسى .
*ومنها :الوصية بتقوى الله عزوجل , فهذه الوصية هي وصية الله في الأولين والآخرينلقوله تعالى - ...وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواالْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ...- ]النساء131] .
*ومنها :الوصية بالسمع والطاعةلولاة الأمور وقد أمر الله بذلك في قوله - يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِمِنْكُمْ ...- ]النساء59 [... وهذا الأمر مشروط بأن لا يؤمر بمعصية الله ,فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة في معصية الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم - إنما الطاعة في المعروف - ومن هنا نتبين الفائدة في قولهتعالى - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَوَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...-]النساء59] ...حيث لم يعد الفعل عند ذكر طاعة أولياء الأمور بل جعلها تابعة لطاعة الله ورسوله .
*ومن فوائد هذا الحديث :حرص النبي صلى الله عليهوسلم على موعظة أصحابه كما أنه حريص على أن يعظهم أحياناً بتبليغهم الشرع , فهوأيضاً يعظهم مواعظ ترقق القلوب وتؤثر فيها .
*ومنها :أن ينبغي للواعظ أن يأتي بموعظة مؤثرة في الأسلوب وكيفية الإلقاء ولكن بشرطألا يأتي بأحاديث ضعيفة أو موضوعة , لأن بعض الوعاظ يأتي بالأحاديث الضعيفةوالموضوعة يزعم بأنها تفيد تحيرك القلوب , ولكنها وإن أفادت في هذا تضر , فقد ثبتعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال - من حدث عني بحديث يرى أنهكذب فهو أحد الكذابين - .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن العادة إذا أراد شخص أن يفارق أصحابه وإخوانه فإنه يعظهم موعظة بليغة ,لقوله "كأنها موعظة مودعٍ " .

*ومنها :طلب الوصية من أصحاب العلم .
*ومنها :أن لا وصية أفضل ولا أكمل من الوصية بتقوى الله عزوجلقال تعالى - ... وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواالْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ...-]النساء131] , وقد سبق شرحها , وقد سبق شرحها .
*ومنها :الوصية بالسمع والطاعة لولاة الأمور وإن كانوا عبيداًلقوله صلى الله عليه وسلم - والسمع والطاعة وإن تأمر عليكعبدٌ - لأن السمع والطاعة لهم تنتفي به شرور كثيرة وفوضى عظيمة.
*ومن فوائد الحديث :ظهور آية من آيات الرسول صلىالله عليه وسلم حيث قال -من يعش منكم فسيرى اختلافاًكثيراً- والذين عاشوا من الصحابة رأوا اختلافاً كثيراً كما يعلم ذلك منالتاريخ .
*ومن فوائد الحديث :لزوم التمسك بسنةالرسول عليه الصلاة والسلام لا سيما عند الاختلاف والتفرق ولهذا قال -فعليكم بسنتي-.
*ومنها :أنهينبغي التسمك الشديد حتى يعض عليها بالنواجذ , لئلا تفلت من الإنسان .
*ومن فوائد الحديث :التحذير من محدثات الأمور , والمراد بهاالمحدثات في الدين , وأما ما يحدث في الدنيا فينظر فيه إذا كان فيه مصلحة فلا تحذيرمنه ’ أما ما يحصل في الدين فإنه يجب الحذر منه لما فيه التفرق في دين الله ,والتشتت وتضيع الأمة بعضها بعضاً .
*ومن فوائد الحديث :أن كل بدعة ضلالة , وأنه ليس في البدع ما هو مستحسن كما زعمه بعض العلماء ,بل كل البدع ضلالة فمن ظن أن البدعة حسنةفإنها لا تخلو من أحد أمرين : إما أنهاليست بدعة وظنها الناس بدعة , وإما أنها ليست حسنة وظن اهو أنها حسنة , وأما أنتكون بدعة وحسنة فهذا مستحيل بقول النبي صلى الله عليه وسلم-فإنكل بدعة ضلالة- .
ــــــــــ
الحديث التاسع والعشرون ...
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار ؟ قال - لقد جئت تسأل عن عظيم وإنه ليسير على منيسره الله تعالى عليه : تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاةوتصوم رمضان وتحج البيت , ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جُنة والصدقةتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار , وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا -تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْخَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاأُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونََ- ]السجدة16-17]... ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟-قلت : بلى , يا رسول الله قال "رأسٍ الإسلام , وعموده الصلاةوذروة سنامه الجهاد " ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ " فقلت ك بلى يارسول الله , فأخذ بلساني وقال -كف عليك هذا-فقلت : يانبي الله , و إنا لمؤاخذون بما نتكلم ؟ فقال-ثكلتك أمك , وهل يكبالناس في النار على وجوههم-أو قال -على مناخرهم إلاحصائد ألسنتهم ؟!-رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
*الشرح:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال - قلت يا رسولالله أخبرني عن عمل يدخلني الجنة و يباعدني عن النار - الجنة هي الدار التي أعدهاالله عزوجل لعباده المتقين , فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر , والنار هي الدار التي أعدها الله عزوجل للكافرين , وفيها من العذاب الشديد ما هومعلوم في الكتاب والسنة , سأل عن هذا الأمر لأنه أهم شيء عنده رضي الله عنه وينبغيلكل مؤمن أن يكون هذا أهم شيء عنده , أن يدخل الجنة ويباعد عن النار .
وهذاهو غاية الفوز لقوله تعالى -... فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِوَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُالْغُرُورِ- ]ال عمران 185] فقال النبي صلى الله عليه وسلم - لقد سألت عن عظيم-أي شيء ذي عظمة وهو الفوز بالجنة والنجاة منالنار ولكن قال -وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه-ويحتمل أن يكون قوله-عن عظيم- عن العمل الذي يدخل الجنةويباعده عن النار -وإنه-أي ذلك العمل -ليسير عن من يسره الله تعالى عليه-أي سهل على من سهله الله عليهثم فصل له ذلك بقوله -تعبد الله ولا تشرك به شيئاً-وعبادة الله سبحانه وتعالى هي القيام بطاعته امتثالاً لأمره واجتناباً لنهيه مخلصاًله -لا تشرك به شيئاً-أي لا ملكاً مقرباً ولا نبياًمرسلاً , لأنه من شرط العبادة والإخلاص له عزوجل .
والأمرالثاني :من العمل الذي يدخل الجنة ويباعد عن النار إقامة الصلاة حيث قال -وتقيم الصلاة-ومعنى إقامتها أن تأتي بها مستقيمة تامةالأركان والواجبات والشروط وتكميلها بمكملاتها .
الأمرالثالث:-وتؤتي الزكاة-وهي المال الذي أوجبه اللهعزوجل وجل يخرجه الإنسان من أموال معينة بشروط معروفة إلى أهلها المستحقين لها ,وهذا معروف في كتب العلماء رحمهم الله .
الأمر الرابع :أي شهر رمضان وهو أيضاً معلوم والصوم هو التعبد لله تعالى بالإمساك عنالمفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
الأمر الخامس : -وتحج البيت-أي تقصد البيت الحرام وهو الكعبةلأداء المناسك .
وهذه أركان الإسلام الخمسة , تعبد الله لا تشرك به شيئاًوتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت .
وشهادة أن محمداً رسولالله داخلة في شهادة أن لا إله إلا الله إذا لم تذكر معها , لأن شهادة أن لا إلهإلا الله معناها لا معبود حق إلا الله ومن عبادة الله التصديق برسوله صلى الله عليهوسلم واتباعه .
ثم قال أي النبي صلى الله عليه وسلم -ألاأدلك على أبواب الخير؟-يعني على ما تتوصل به إلى الخير , كأنه قال نعم ,فقال النبي صلى الله عليه وسلم -الصوم جُنة - يعني أنهوقاية يقي من المعاصي في حال الصوم ويقيه من النار يوم القيامة ثم قال صلى اللهعليه وسلم-والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار- الصدقة هي بذل المال للفقير المحتاج تقرباً لله سبحانه وتعالى وتقرباً وإحساناً إلىالفقير وهذه الصدقة تطفئ الخطيئة , أي ما أخطأ به الإنسان من ترك واجب أو فعل محرم - كما يطفئ الماء النار - وكلنا يعرف أن إطفاء المار للنارلا يبقي من النار شيئاً , كذلك الصدقة لا تبقي من الذنوب شيئاً .
-
وصلاة الرجل في جوف الليل - أي تطفئ الخطيئة كما يطفئ المارالنار , وجوف الليل وسطه وأفضل صلاة الليل النصف الثاني أو ثلث الليل بعد النصفالأول وقد كان داود عليه السلام ينام نصف اللي ويقوم ثلثه وينام سدسه ثم قرأ - تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْخَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاأُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونََ- ]السجدة16-17]... قرأها استشهاداً بها , و الاية كما هو ظاهر فيها أنهاتتجافى جنوبهم عن المضاجع يعني للصلاة في الليل وينفقون مما رزقهم الله وهاتان هماالصدقة وصلاة الليل اللتان ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث .
ثم قال صلى الله عليه وسلم - ألا أخبرك برأس الأمر وعمودهوذروة سنامه؟ - قلت بلى يا رسول الله قال- رأسالإسلام - الأمر يعني الشأن الذي هو أعظم الشئون ورأسه الإسلام يعلو ولايعلى عليه وبالإسلام يعلو الإنسان على شرار عباد الله من الكفار والمشركينوالمنافقين , وعموده –أي عمود الإسلام الصلاة , لأن عمود الشيء ما يبنى عليه الشيءويستقيم به الشيء ولا يستقيم إلا به وإنما كانت الصلاة عمود الإسلام , لأن تركهايخرج الإنسان من الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله وذروة سنامه الجهاد في سبيل اللهوالسنام ما علا ظهر البعير وذروة أعلاه وإنما ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيلالله , لأن به يعلو المسلمون على أعدائهم .
ثم قال صلى الله عليه وسلم -ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟-أي بما به ملاك هذا الأمر كله- فقلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه - وقال -كف عليك هذا-يعني لا تطلقه بالكلام لأنه خطر قلت- يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم؟- هذه جملة استفهاميةوالمعنى هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به ؟ .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم -ثكلتك أمك-أي فقدتك حتى كانت ثكلى من فقدك , وهذه الجملةلا يراد بها معناها , وإنما يراد بها الحث والإغراء , على فهم ما يقال , فقال - ثكلتك أمك , وهل يكب الناس في النار على وجوههم- أو قال-على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟- , أوهنا للشك من الراوي هل قال النبي صلى الله عليه وسلم-على وجوههم-أو قال -على مناخرهم إلاحصائد ألسنتهم-أي إلا ما تحصد ألسنتهم من الكلام والمعنى أن اللسان إذاأطلقه الإنسان كان سبباً أن يُكب على وجهه في النار والعياذ بالله .
*وهذا الحديث فيه فوائد كثيرة :
حرص الصحابة رضي اللهعنهم على الأعمال التي تدخلهم الجنة وتباعدهم من النار وأن هذا هو أهم شيء عندهمولهذا سأل معاذ بن جبل رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الجنةويباعده عن النار .
*ومنها :إثبات الجنة والناروهما الان موجودتان وهما لا يفنيان أبداً .
*ومنها :بيان أن سؤال معاذ بن جبل رضي الله عنه عظيم لأن عوضه عظيم والعوض على قدرالمعوض ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -لقد سألت عنعظيم-أي سألت عن عمل عظيم بدليل ما ترتب عليه من جزاء .
ثم بينالنبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الشيء العظيم يسير على من يسره الله عليه ,فيستفاد من هذا أنه ينبغي للإنسان أن يلجأ إلى الله عزوجل في طلب تيسير الأموروليعلم أن من أسباب تيسير الله تقوى الله لقوله تعالى -... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا- ]الطلاق4] .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن أول شيء وأعظمه توحيدالله عزوجل والإخلاص لله لقوله - تعبد الله ولا تشرك به شيئاً- .
ومن فوائد هذا الحديث:: أهمية الصلاةلأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرها بعد الإخلاص فإن قال قائل : أين الشهادةالثانية ؟ شهادة أم محمداً رسول الله , قلنا : إنها معلومة من قوله - تعبد الله لا تشرك به شيئاً - وسبق بيان ذلك .
*ومن فوائد الحديث :تقديم الزكاة على الصوم لأنها أكد .
*ومن فوائد الحديث:تقديم الصوم على الحج لأنهيتكرر كل عاف بخلاف الحج فإنه لا يجب إلا في مرة في العمر .
*ومن فوائد الحديث :الإشارة في هذه الجملة إلى أركان الإسلامالخمسة - تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاةوتصوم رمضان وتحج البيت- .
*ومن فوائد الحديث :عرض المسألة على الطالب بالتشويق لقوله - ألا أدلك علىأبواب الخير ؟- .
*ومن فوائد الحديث :أنللخير أبواباً وهذه الأبواب لها مداخل وهو يشبه قول الرسول صلى الله عليه وسلم -الإيمان بضع وسبعون شعبة -
*ومنفوائد الحديث :أن الصوم جنة , أي مانع للصائم من اللغو والرفث ومن قولالزور والعمل به والجهل , وهو أيضاً جنة للصائم من النار يقيه النار لقوله تعالى - الصوم لي وأنا أجزي به - .
*ومنفوائد الحديث :فضيلة الصدقة لقوله صلى الله عليه وسلم -والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار- .
*ومن فوائد خذا الحديث :أن صلاة الرجل في جوف الليل تطفئالخطيئة لقول النبي صلى الله عليه وسلم - والصدقة تطفئ الخطيئة كمايطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل-
*ومنفوائد الحديث :ان النبي صلى الله عليه وسلم يستدل بالقران لأنه تلي قولهتعالى - تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَرَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون*فَلَا تَعْلَمُنَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوايَعْمَلُونََ- ]السجدة16-17] .
*ومن فوائد هذاالحديث :أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرض المسائل بضيغة الاستفهام لتنبيهالمخاطب كما مر في هذا الحديث .

*ومن فوائد الحديث :أن الأمر –أي شأن الخلق – له رأس وله عمود وله ذروة سنام فرأس الأمر الإسلاموعموده الصلاة يعني عمود الإسلام الصلاة , وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن تارك الصلاة كافرلقوله صلى الله عليه وسلم - وعموده –أي عمود الإسلام- الصلاة- ومعلوم أن العمود إذا سقط البنيان وهذا القول الراجح من أقوال أهل العلمبأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة وقد بينا ذلك فيرسالة لنا في هذا الأمر .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن الجهاد في سبيل الله فيه علو الإسلام ورفعته لقوله -ذروة سنامه الجهاد-.
*ومن فوائد هذا الحديث :أن الذي يملك هذا كله هو حفظ اللسان لقوله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ - فقلت ك بلى يا رسول الله , فأخذبلساني وقال - كف عليك هذا " .
*ومن فوائد هذا الحديث :جواز التعليم بالإشارة , لأنه صلى اللهعليه وسلم أخذ بلسان نفسه وقال : - كف عليك هذا -.
*ومن فوائد هذا الحديث :خطر اللسان على الإنسانلقوله صلى الله عليه وسلم - ثكلتك أمك , وهل يكب الناس في النارعلى وجوههم - أو قال -على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟!- .
*ومن فوائد هذا الحديث :تحري ما نقلفي الحديث من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال - علىوجوههم أو على مناخرهم- , وهذا يدل على الأمانة التامة في نقل الحديث ,والله الحمد .
ــــــــــ
الحديث الثلاثون ...
عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليةوسلم قال : "إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها،وحد حدودا فلاتعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثواعنها ". حديث حسن رواه الدارقطني وغيره .
*الشرح :
قوله صلى الله عليه و سلم : - ان الله فرضفرائض فلا تضيعوها- أي : أوجب إيجابا حتميا على عباده فرائض معلومة وللهالحمد كالصلوات الخمس و الزكاة و الصيام و الحج و بر الوالدين و صلة الأرحام و غيرذلك .
-
فلا تضيعوها - أي : لا تهملوها إما بترك أوبالتهاون أو ببخسها أو نقصها.
-
وحد حدودا - أي :أوجب واجبات و حددها بشروط وقيود .
-
فلا تعتدوها - أي : لا تتجاوزوها
-
وحرم أشياء فلا تنتهكوها - حرمأشياء مثل الشرك وعقوق الوالدين و قتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق و الخمر والسرقة و أشياء كثيرة .
-
فلا تنتهكوها - أي : فلاتقعوا فيها ، فأن وقوعكم فيها انتهاك لها .
-
وسكت عنأشياء - أي : أي لم يفرضها و لم يوجبها و لم يحرمها .
-
رحمة بكم - من اجل الرحمة و التخفيف عليكم .
-
غير نسيان - فإن الله تعالى لا ينسى كما قال موسى عليه الصلاة والسلام -... لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ]-طه52]فهو تركها جل وعلا رحمة بالخلق ، و ليس نسيان لها .
-
فلاتسألوا عنها - أي : لا تبحثوا عنها .
*فوائد هذاالحديث :
-
حسن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث ساق الحديثبهذا التقسيم الواضح البين .
*ومن فوائد هذا الحديث :إن الله تعالى فرض على عباده فرائض أوجبها عليهم على الحتم و اليقين ، والفرائض قال أهل العلم : أنها تنقسم الى قسمين : فرض كفاية ، و فرض عين . فأما فرضالكفاية : فأنه ما قصد فعله بقطع النظر عن فاعله ، وحكمه إذا قام به من يكفي سقط عنالباقين ، و فرض العين هو : ما قصد به الفعل و الفاعل ووجب على كل أحد بعينه ، فأماالأول فمثله الآذان و الإقامة و صلاة الجنازة و غيرها .
و أما الثاني :فمثل الصلوات الخمس و الزكاة و الصوم و الحج .
و قوله - وحدحدودا- أي: أوجب واجبات محددة و معينة بشروطها
*فيستفاد من هذا الحديث :انه لا يجوز للانسان ان يتعدى حدودالله ، و يتفرع من هذه الفائدة انه لا يجوز المغالاة في دين الله ، و لهذا أنكرالنبي صلى الله علية وسلم على الذين قال أحدهم : - أنا أصوم و لاافطر ، وقال الثاني : أنا أقوم ولا أنام ، و قال الثالث : أنا لا أتزوجالنساء - أنكر عليهم و قال : - و إما أنا فاصلي و أنام وأصوم و افطر و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني-
*ومن فوائد الحديث :تحريم انتهاك المحرمات لقوله - فلا تنتهكوها - ثم ان المحرمات نوعان كبائر وصغائر
فالكبائر : لا تغفر إلا بالتوبة ، و الصغائر : تكفرها الصلاة و الحجوالذكر و ما اشبه ذلك
*ومن فوائد الحديث :ان ماسكت الله عنه فهو عفو ، فإذا أتشكل علينا حكم الشي هل هو واجب أم ليس بواجب و لمنجد له أصلا في الوجوب ؛ فهو مما عفا الله عنه ، و اذا شككنا هل هذا حرام ام ليسحراما و هو ليس اصله التحريم ؛ كان هذا أيضا مما عفا الله عنه
*ومن فوائد الحديث :انتفاء النسيان عن الله عز زجل ، و هذا يدلعلى كمال علمه و ان الله عز وجل بكل شئ عليم فلا ينسى ما علم و لم يسبق علمه جهلا ،بل هو بكل شئ عليم أزلا و أبدا .
*ومن فوائد الحديث :انه لا ينبغي في البحث و السؤال إلا ما دعت أليه الحاجة ، و هذا في عهدالنبي صلى الله عليه و سلم ؛ لأنه عهد التشريع و يخشى ان أحدا يسال عن شئ لم يجبفيوجبه من اجل مسألته أو لم يحرم فيحرم من اجل مسألته و لهذا نهى النبي صلى اللهعليه وسلم عن البحث عنها فقال - فلا تبحثوا عنها-.
ــــــــــ
الحديث الحادي والثلاثون ...
عن ابي العباس سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عن – قال : جاء رجل إلى النبي صلىالله علية و سلم فقال : يا رسول الله الله ، دلني على عمل إذا عملته احبني الله واحبني الناس فقال : - ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عندالناس يحبك الناس- حديث حسن رواه ابن ماجه و غيره باسانيد حسنه .
الشرح :
عن آبي العباس سهل بن سعد الساعديرضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم و لم يبين اسم الرجل ؛لانه ليس هناك ضرورة إلى معرفته إذ أن المقصود معرفة الحكم و معرفة القضية فقال : - يا رسول الله ، دلني على عمل إذا عملته احبني الله و احبنيالناس- وهذا الطلب لا شك انه مطلب عالي يطلب فيه السائل ما يجلب محبة اللهله و ما يجلب محبة الناس له ، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم - ازهد في الدنيا - يعني : اترك في الدنيا ما لا ينفعك في الآخرة وهذا يتضمن انه يرغب في الآخرة ؛ لان الدنيا و الآخرة ضرتان إذا زهد في إحداهما فهوراغب في الأخرى بل هذا يتضمن أن الإنسان يحرص على القيام بأعمال الآخرة من فعلالأوامر وترك النواهي ويدع ما لا ينفعه في الآخرة من الأمور التي تضيع و قته و لاينتفع بها إما ما يكون سببا لمحبة الناس فقال -ازهد فيما عندالناس يحبك الناس - فلا يطلب من الناس شيئا و لا يتشوق أليه و لا يستشرف لهو يكون ابعد الناس عن ذلك حتى يحبه الناس ؛ لان الناس إذا سئل الإنسان ما في أيديهماستثقلوه و كرهوه ، و إذا كان بعيدا عن ذلك فانهم يحبونه .
*من فوائد هذا الحديث :حرص الصحابة – رضي الله عنهم – على سؤالالنبي صلى الله عليه و سلم فيما ينفعهم .
*و من فوائده :أن الإنسان بطبيعة الحال يحب أن يحبه الله و أن يحبه الناس ويكره أن يمقتهالله و يمقته الناس فبين النبي صلى الله عليه و سلم ما يكون به ذلك .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن من الزهد في الدنيا احبه الله ؛ لانالزهد في الدنيا يستلزم الرغبة في الآخرة ، وقد سبق معنى الزهد : و انه ترك ما لاينفع في الآخرة .
*ومن فوائد هذا الحديث :إن الزهدفيما عند الناس سبب في محبة الناس لك .
*ومن فوائد هذاالحديث :إن الطمع في الدنيا و التعلق بها سبب لبغض الله للعبد وان الطمعفيما عند الناس و الترقب له يوجب بغض الناس للإنسان ، و الزهد فيما في أيديهم هواكبر أسباب محبتهم
ــــــــــ
الحديث الثاني والثلاثون ...
عن أبى سعيد بن سعد بن سنان الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال 0 لا ضرر و لا ضِرار 0 حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني و غيرهما مسندا ورواه مالك في الموطأ مرسلا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عنالنبي صلى الله عليه وسلم فأسقط أبا سعيد ، وله طرق أخرى يقوي بعضها بعضا .
*الشرح :
عن أبي سعيد سعد بن سنانالخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال - لا ضرر و لا ضرار - ثم تكلم المؤلف – رحمه الله – على طرق هذاالحديث .
قوله - لا ضرر - أي : أن الضرر منفي شرعا ، - و لا ضرار - أي : مضاره و الفرق بينهما أن الضرر يحصل بلاقصد ، و الضرار يحصل بقصد فنفى النبي صلى الله عليه وسلم الأمرين ، و الضرار اشد منالضرر ؛ لأن الضرار يحصل قصدا كما قلنا مثال ذلك : لو إنسانا له جار و هذاالجار يسقي شجرته فيتسرب الماء من الشجرة إلى بيت الجار لكن بلا قصد ، وربما لميعلم به فالواجب أن يزال هذا الضرر إذا علم به حتى لو قال صاحب الشجرة : أنا ماأقصد المضارة ، نقول له : إن لم تقصد ؛ لأن الضرر منفي شرعا أما الضرار فإن الجاريتعمد الإضرار بجاره فيتسرب الماء إلى بيته و ما أشبه ذلك ، و كل هذا منفي شرعا وقد أخذ العلماء من هذا الحديث مسائل كثيرة في باب الجوار و غيره ، وما أحسن أنيراجع الإنسان عليها ما ذكره العلماء في باب الصلح وحكم الجوار .
ــــــــــ
الحديث الثالث والثلاثون ...
عن ابن عباس – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال -لو يعطى الناس بدعواهم ، لا دعى رجال أموال قوم و دماءهم لكن البينة علىمن المدعي و اليمن على من أنكر - حديث حسن رواه البيهقي و غيره هكذا، وبعضهفي الصحيحين .
*الشرح :
قوله -لو يعطى الناس بدعواهم - أي : بما يدعونه على غيرهم ، و ليعلم أنإضافة الشيء على أوجه :
الأول :أن يضيف لنفسهشيئا لغيره ، مثل أن يقول - لفلان علي كذا - فهذا إقرار .
و الثاني :أن يضيف شيئا لنفسه على غيره ، مثلأن يقول - لي على فلان كذا و كذا - فهذه دعوى .
فهذا الثالث :أن يضيف شيئا لغيره على غيره ،مثل أن يقول - لفلان على فلان كذا و كذا - فهذه شهادة .
و الحديث الآن في الدعوى فلو ادعى شخص على آخر قال - أنا اطلب مائة درهم مثلا - فإنه لو قبلت دعواه لا ادعى رجالأموال قوم و دماءهم ، وكذلك لو قال لاخر - أنت قتلت أبي - لكان ادعى دمه وهذا يعني أنها لا تقبل دعوى إلا ببينة ولهذا قال - لكن البينة على المدعي- فإذا ادعى إنسان على اخر شيئاُ قلنا :أحضر لنا البينة والبينة كل ما بان به الحق سواء كانت شهوجا أو قرائن حسية أو غيرذلك .
و لهذا قال - لكن البينة على المدعي - فإذاادعى إنسان على آخر شيئا قلنا : احضر البينة ، و البينة كل ما بان به الحق سواء كانشهودا أو قرائن حسية أو غير ذلك .
-
و اليمين على منأنكر- أي : من أنكر دعوى خصمه إذا لم يكن لخصمه بينة فإذا قال زيد لعمرو - أنا اطلب مائة درهم - قال عمرو : لا ، قلنا لزيد ائتببينة ، فإن لم يأتي بالبينة قلنا لعمرو : احلف على نفي ما ادعاه ، فإذا حلف برئ .
*و هذا الحديث فيه فوائد :منها أن الشريعةالإسلامية حريصة على حفظ أموال الناس و دماءهم لقوله -لو يعطىالناس بدعواهم لا ادعى رجال أموال قوم و دماءهم -
*و من فوائد هذا الحديث :أن المدعي إذا قام ببينة على دعواه حكمله بما ادعاه ، لقوله عليه الصلاة و السلام -لكن البينة علىالمدعي - و البينة كل ما بين به الحق و يتضح كما اسلفا في الشرح ، و ليستخاصة بالشاهدين أو الشاهد بل كل ما أبان الحق فهو بينة .
*ومن فوائد الحديث :أن اليمين على من أنكر أي : من أنكر دعوىالمدعي .
*ومن فوائده :أن لو أنكر المنكر و قال - لا أحلف - فإنه يقضي عليه بالنكول ووجه ذلك أنه إذا أبىأ، يحلف فقد امتنع مما يجب عليه فيحكم عليه به .
ــــــــــ
الحديث الرابع والثلاثون ...
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول -من رأى منكن منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان - رواه مسلم .
*الشرح :
قوله - من رأى - من هذهشرطية و هي للعموم ، قوله - رأى - يحتمل أن يكون المراد رؤيةالبصر، أو أن المراد رؤية القلب ، وهي العلم ، و الثاني أشمل و أعم ، و قوله - منكراً - المنكر هو : ما أنكره الشرع و ما حرمه الله عز و جل أ,رسوله ،
قوله -فليغيره بيده - اللام هذه للأمر أي: يغير هذا المنكر بأن يحوله إلى معروف ، إما بمنعه مطلقا أي : بتحويله إلى شئ مباح - بيده - إن كان له قدرة اليد .
قوله -فإن لم يستطع - أي : أن يغيره بيده
-
فبلسانه - بأن يقول لفاعله : اتقي الله ، اتركه ، و ما أشبه ذلك
-
فإن لم يستطع - باللسان بأن خاف على نفسه أو كانأخرس لا يستطيع الكلام
-
فبقلبه - أي : يغيره بقلبهو ذلك بكرا هته إياه .
و قال - و ذلك أضعف الإيمان- أي : أن كونه لا يستطيع أن يغيره إلا بقلبه هو أضعف الإيمان .
*ففي هذا الحديث فوائد:وجوب تغيير المنكر على هذه الدرجات والمراتب باليد أولا و هذا لا يكون غلا للسلطان و إن لم يستطع فبلسانه و هذا يكونلدعاة الخير الذين يبينون للناس المنكرات .
*ومن فوائده :أن من لا يستطيع لا بيده ولا بلسانه فليغيره بقلبه .
*ومن فوائد هذا الحديث :تيسير الشرع و تسهيله حيث رتب هذهالواجبات على الاستطاعة لقوله -فإن لم يستطع -
*ومن فوائد هذاالحديث :أن الإيمان يتفاوت ، بعضه ضعيف و بعضه قوي و هذا مذهب أهل السنة والجماعة وله أدلة من القرآن و السنة على أنه يتفاوت .
وليعلم أن المراتبثلاث : دعوه – أمر - تغيير . فالدعوة أن يقوم الداعي في المساجد أو أماكن تجمعالناس و يبين لهم الشر و يحذرهم منه و يبين لهم الخير و يرغبهم فيه , و الآمربالمعروف و الناهي عن المنكر : هو الذي يأمر الناس و يقول افعلوا أو ينهاهم و يقول : لا تفعلوا . و المغير : هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره و نهيه
ــــــــــ
الحديث الخامس والثلاثون ...
عن أبى هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم - لا تحاسدوا ، و لا تناجشوا ، و لا تباغضوا و لا تدابروا ، و لا يبع بعضكمعلى بيع بعض ، و كونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله ،و لا يكذبه و لا يحقره ، التقوى ها هنا – و يشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ منالشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه - رواه مسلم .
الشرح :
قوله - لا تحاسدوا - هذا نهي عن الحسد ، و الحسد هو كراهية ما انعم اللهعلى أخيك من نعمة دينية أو دنيوية سواء تمنيت زوالها أم لم تتمن ، فمتى كرهت ماأعطى الله أخاك من النعم فهذا هو الحسد .
-
و لاتناجشوا - قال العلماء : المناجشه أن يزيد في السلعة ، أي : في ثمنها فيالمناداة و هو لا يريد شراءها و إنما يريد نفع البائع أو الإضرار بالمشتري .
-
و لا تباغضوا - البغضاء هي الكراهه ، أي : لايكره بعضكم بعضا
-
و لا تدابروا - أن يولي كل واحدالآخر دبره بحيث لا يتفق الاتجاه
-
و لا يبع بعضكم على بيعبعض - يعني لا يبيع أحد على بيع أخيه ، مثل أن يشتري إنسان سلعه بعشرة فيذهبآخر على المشتري و يقول : أنا أبيع عليك بأقل ؛ لان هذا يفضي إلى العداوة و البغضاء .
-
وكونوا عباد الله إخوانا - كونوا يا عباد اللهإخوانا أي : مثل الإخوان في المودة و المحبة و الألفة و عد الاعتداء ثم أكد هذهالاخوة بقوله - المسلم أخو المسلم - للجامع بينهما و هوالإسلام و هو أقوى صله تكون بين المسلمين .
-
لايظلمه - أي : لا يعتدي عليه .
-
ولا يخذله - في مقام أن ينتصر فيه .
-
و لا يكذبه - أي : يخبرهبحديث كذب .
-
و لا يحقره - أي : يستهين به .
-
التقوى ها هنا - يعني : تقوى الله تعالى محلهاالقلب فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح - و يشير إلى صدره ثلاث مرات - يعني : يقولالتقوى ها هنا ، التقوى ها هنا ، التقوى ها هنا .
ثم قال -بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم - بحسب يعني : حسب فالباءزائدة و الحسب الكفاية و المعنى لو لم يكن من الشر إلا أن يحقر أخاه لكان هذا كافيا .
-
المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه - دمهفلا يجوز أن يعتدي عليه بقتل أو فيما دونه ذلك ،
-
وماله - لا يجوز أن يعتدي على ماله بنهب أو سرقه أو جحد أو غير ذلك .
-
و عرضه- أي : سمعته فلا يجوز أن يغتابه فيهتكبذلك عرضه .
*فوائد الحديث :النهي عن الحسد ، والنهي للتحريم ، و الحسد له مضار كثيرة منها :انه كره لقضاء الله و قدره ، ومنهاانه عدوان على أخيه ، و منها انه يوجب في القلب الحاسد حسره ؛ كلما ازدادت النعمازدادت هذه الحسرة فيتنكد على عيشه .
* ومن الفوائد :تحريم المناجشة لما فيها من العدوان على الغير و كونها سببا للتباغض وأسبابه ، فلا يجوز للإنسان أن يبغض أخاه أو أن يفعل سببا يكون جالبا للبغض .
*ومن فوائد الحديث :تحريم التدابر ، و هو أن يوليأخاه ظهره و لا يأخذ منه و لا يستمع إليه ؛ لان هذا ضد الاخوة الإيمانية .
*ومن فوائده :تحريم البيع على البيع المسام ومثله الشراء على شرائه و الخطبة على خطبته و الإجارة على إجارته و غير ذلك من حقوقه .
*ومنها :وجوب تنمية الاخوة الإيمانية لقوله - و كونوا عباد الله إخوانا -- و منها بيان حال المسلم مع أخيهو انه لا يظلمه و لا يخذله و لا يكذبه و لا يحقره ؛ لان هذا ينافي الاخوة الإيمانية .
*ومن فوائده :أن محل التقوى هو القلب ، فإذااتقى القلب اتقت الجوارح و ليعلم أن هذه الكلمة يقولها بعض الناس إذا عمل معصية وأنكر عليه قال : التقوى ها هنا و هي كلمة حق لكنه أراد بها باطلا و هذا جوابه أننقول : لو كان هنا تقوى لا تقت الجوارح لان النبي صلى الله عليه وسلم يقول -ألا إن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كلهآلا وهى القلب-
*ومن فوائد هذا الحديث :تكرار الكلمة المهمة لبيان الاعتناء بها و فهمها ، قال -التقوى ها هنا-و أ شار إلى صدره ثلاث مرات .
* ومن فوائده :عظم احتقار المسلم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم -بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم-و ذلك لمايترتب على احتقار المسلم من المفاسد .
*ومن فوائد الحديث :تحريم دم المسلم و ماله و عرضه وهذا هو الأصل ، لكن توجد أسباب تبيح ذلك ؛ ولهذا قال الله سبحانه و تعالى [إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَىالَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ][الشورى42] ... وقال تعالى [وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ][الشورى41]
* ومن فوائده :أن الأمة الإسلاميةلو اتجهت بهذه التوجيهات لنالت سعادة الدنيا و الآخرة لأنها كلها آداب عظيمة عاليةراقية ، تحصل بها المصالح و تنكف بها المفاسد .
ـــــــــ
الحديث السادس والثلاثون ...
عن ابي هريرة – رضي الله عنه قال- عن النبي صلى الله عليه و سلم قال -من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة،ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا و الآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله فىالدنيا و الآخرة ، و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . و من سلك طريقايلتمس فيه علما سهل الله به طريقا الى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللهيتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهمالملائكة و ذكرهم الله في من عنده ، و من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه-رواه مسلم بهذا اللفظ .
*الشرح :
قالالنووي – رحمه الله تعالى – في الأربعين النووية الحديث السادس و الثلاثون عن أبىهريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه و سلم قال -من نفسعن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة -- والكرب يعني : الشدة و الضيق و الضنك ، و التنفيس معناه : إزالة الكربة ورفعها ،وقوله -من كرب الدنيا - يعم المالية و البدنية و الأهلية والفردية و الجماعية .
-
نفس الله عنه- أي : كشفالله عنه و أزال.
-
كربة من كرب يوم القيامة - و لاشك أن كرب يوم القيامة أعظم و أشد من كرب الدنيا ، فإذا نفس عن المؤمن كربة من كربالدنيا نفس الله عنه كربة من مرب يوم القيامة .
-
ومن يسرعلى معسر- أي : سهل عليه أزال عسرته .
-
يسر اللهعليه في الدنيا و الآخرة - و هنا صار الجزاء في الدنيا و الآخرة و في الكربكربة من كرب يوم القيامة ؛ لان كرب يوم القيامة عظيمة جدا .
-
ومن ستر مسلما - أي : ستر عيبه سواء أكان خلقيا أو خلقيا أودينيا أو دنيويا إذا ستره و غطاه حتى لا يتبن للناس .
-
ستره الله في الدنيا و الآخرة- أي : حجب عيوبه عن الناس في الدنيا و الآخرة .
ثم قال صلى الله عليه و سلم كلمة جامعه مانعة قال -والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه - أي : ان الله تعالى يعينالإنسان على قد معونته أخيه كما و كيفا و زمنا ، فما دام الإنسان في عون أخيه فاللهفي عونه ، و في حديث آخر -من كان في حاجة أخيه كان الله فيحاجته -.
و قوله -من سلك طريقا يلتمس فيع علما سهلالله له به طريقا إلى الجنة - يعني : من دخل طريقا و صار فيه يلتمس العلموالمراد به العلم الشرعي سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، لان الإنسان علم شريعةالله تيسر عليه سلوكها ، و معلوم أن الطريق الموصل إلى هو شريعته ، فإذا تعلمالإنسان شريعة الله سهل الله له به طريقا إلى الجنة .
-
و مااجتمع قوم قي بيت من بيوت الله- المراد به المسجد فإن بيوت الله هي المساجدقال الله تعالى [ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَااسْمُهُ ...][النور36] و قال تعالى [ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوامَعَ اللَّهِ أَحَدًا ][الجن18] ... و قال : [ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَمَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ... ][البقرة114] ... فأضافالمساجد إليه ؛ لأنها موضع ذكره .
قوله -يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم-يتلونه : يقرءونه و يتدارسونه أي : يدرس بعضهم على بعض ،
-إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهمالملائكة-نزلت عليهم السكينة يعني : في قلوبهم و هي الطمأنينة و الاستقرار،و غشيتهم الرحمة : غطتهم و شملتهم
-و حفتهمالملائكة-صارت من حولهم . - و ذكرهم الله فيمن عنده-أي : منالملائكة .
-ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه-أي :من تأخر من أجل عمله السيئ فإن نسبه لا يغنيه و لا يرفعه و لا يقدمه و النسب هوالانتساب إلى قبيلة و نحو ذلك .
*في هذا الحديث فوائد :الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين لقوله صلى الله عليه وسلم -من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يومالقيامة-.
*
ومن فوائده :الإشارة الىيوم القيامة و أنها ذات كرب وقد بين ذلك الله تعالى في قوله [يَا أَيُّهَا النَّاسُاتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَاتَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍحَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَاللَّهِ شَدِيدٌ ][الحج1-2]
*و من فوائد هذا الحديث :تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة ؛ لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمينو يقام فيه العدل و يقوم الأشهاد .
*و من فوائد الحديث :الترغيب في التيسير على المعسرين لقوله صلى الله عليه وسلم -من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا و الآخر-و التيسير علىالمعسر يكون بحسب عسرته ؛ فالمدين مثلا الذي ليس عنده مالا يوفي به يكون التيسيرعليه إما بإنظاره ، و إما بإبرائه و إبراؤه أفضل من إنظاره ، و التيسير على من أصيببنكبة أن يعان في هذه النكبة و يساعد و تهون عليه المصيبة و يعود بالأجر و الثوابوغير ذلك ، المهم أن التيسير يكون بحسب العسرة التي أصابت الإنسان .
*ومن فوائد هذا الحديث :الترغيب في سترالمسلم لقوله صلى الله عليه و سلم -من ستر مسلما ستره الله فيالدنيا و الآخر-و المراد بالستر : هو إخفاء العيب ، و لكن الستر لا يكونمحمودا إلا إذا كان فيه مصلحة و لم يتضمن مفسده ، فمثلا المجرم إذا أجرم لا نسترعليه إذا كان معروفا بالشر و الفساد ، ولكن الرجل الذي يكون مستقيما في ظاهره ثمفعل ما لا يحل فهنا قد يكون الستر مطلوبا ؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة ، فالإنسانالمعروف بالشر و الفساد لا ينبغي ستره ، والإنسان المستقيم في ظاهره ولكن جرى منهما جرى هذا هو الذي يسن ستره .
*ومن فوائد هذا الحديث :الحث على عون العبد المسلم و أن الله تعالى يعين المعين حسب إعانته لأخيهلقوله صلى الله عليه وسلم -و الله في عون العبد ما كان العبد فيعون أخيه-وهذه الكلمة يرويها بعض الناس : ما دام العبد و لكن الصواب ماكان العبد في عون أخيه كما قال صلى الله عليه وسلم .
*ومن فوائد الحديث :الحث على طلب العلم لقوله صلى الله عليهوسلم -من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلىالجنة-و قد سبق في الشرح معنى الطريق و أنه قسمان حسي و معنوي .
*ومن فوائد الحديث :فضيلة اجتماع الناس علىقراءة القران لقوله -و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلونكتاب الله .. الخ- . * ومن فوائد الحديث :أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت الله أي : في مسجد منالمساجد لينالوا بذلك شرف المكان لأن أفضل البقاع مساجدها .
*ومن فوائد الحديث :بيان حصول هذا الأجر العظيم تنزل عليهمالسكينة و هي الطمأنينة القلبية و تغشاهم الرحمة أي : تغطيهم و تحفهم الملائكة أي :تحيط بهم من كل جانب و يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة لأنهم يذكرون الله تعالىعن ملأ ، و قد قال الله تعالى في الحديث القدسي -من ذكرني في ملأذكرته في ملأ خير منهم- .
*من فوائد الحديث :أن النسب لا ينفع إذا لم يكن العمل الصالح لقوله -من بطأ بهعمله لم يسرع به نسبه-
*ومن فوائد الحديث :أنه ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنفسه و أن يهتم بعمله الصالح حتى ينال بهالدرجات العلى .
ـــــــــ
الحديث السابع والثلاثون ...
عن ابن عباس – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يريه عن ربهتبارك و تعالى قال -إن الله كتب الحسنات و السيئات ثم بين ذلك :فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة و إن هم بها فعملها كتبها اللهعنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، و إن هم بسيئة فلم يعملها كتبهاالله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة-رواهالبخاري و مسلم في صحيحيهما بهذه الحروف .
*الشرح :
الحديث السابع و الثلاثون عن ابن عباس – رضي الله عنه – عن رسولالله صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه تبارك و تعالى قال -إن الله كتب الحسنات و السيئات-إذا عبر الصحابي بمثل هذا التعبير أي عنالنبي صلى الله عليه و سلم فيما يرويه أو فيما رواه عن ربه فإنه يسمى عند أهل العلمحديثا قدسيا ،
و قوله -إن الله كتب الحسنات والسيئات-أي : كتب ثوابهما و كتب فعلهما فهو الذي كتب الحسنات ؛ لأن اللهتعالى حين خلق القلم قال له -اكتب قال : رب ، و ماذا اكتب ؟ قال :اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يومالقيامة-و ظاهر سياق الحديث أن المراد بهذه الكتابة الثانية ، و هي كتابةالثواب لقوله -ثم بين ذلك-أي : و ضحه بالتفصيل
فقال -فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةكالمة-الهم يعني : الإرادة ، أراد الإنسان أن يعمل حسنة و لكنه لم يعملها
*ففي هذا الحديث فوائد :أن الله كتبها حسنةكاملة يعني : لا نقص فيها . و قد دلت الأدلة على أنه إذا هم بالحسنة فلم يعملها فإنكان عاجزا عنها أي : تركها عجزا بعد أن شرع فيها فإنه يكتب له الأجر كاملا لقولهتبارك و تعالى [.... وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًاإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ... ][النساء100] . و أما إذا هم بها ثم عدل عنها لكسل أو نحوه فإنه كذلككما في هذا الحديث يكتب له حسنة كاملة و ذلك بنيته الطيبة ، قال -و إن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف على أضعافكثيرة-إذا هم بها و عملها وأحسن في عمله بأن كان مخلصا متبعا لرسول اللهصلى الله عليه وسلم فإن الله يكتبها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وهذه المضاعفة تأتي بحسب حسن العمل و الإخلاص فيه و قد تكون فضلا من الله سبحانه وتعالى و إحسانا .
قال تعالى [مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَأَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَفِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُوَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ][البقرة261] و قال -و إن همبسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئةواحدة - و إن هم بسيئة فلم يعملها فإنه يكتب له حسنة كاملة و ذلك فيما تركهالله كما في بعض ألفاظ الحديث -لأنه تركها من جرائي-أي :من أجلي و قد دلت الأدلة على أن من هم بالسيئة فلم يعملها فإنه ينقسم إلى ثلاثأقسام :
القسم الأول :أن يحاول فعلها و يسعى فيهو لكن لم يدركه لأن يكتب عليه وزر السيئة كاملة
القسمالثاني :إن بها ثم يعزف عنها لا خوفا من الله و لكن لأن نفسه عزفت فهذايكتب له و لا عليه .
القسم الثالث :أن يتركهالله عز و جل خوفا منه و خشية فهذا كما جاء في هذا الحديث يكتبها الله حسنة كاملة .
قال -و إن هم بها فعملها كتبها الله سيئة كاملة-و يشهد لهذا قوله تعالى [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُعَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ....][الانعام160] و هذا الحكم بالنسبة للسيئة أي : أنها تكون سيئة واحدة فيمكة و غيرها و في كل زمن إلا في الأشهر الحرم و لكنها في مكة تكون أشد و أعظم لهذاقال الله تعالى [وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍنُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ....][الحج25]
و قال العلماء : إنالحسنات و السيئات تضاعف في كل زمن فاضل و في كل مكان فاضل و لا تضاعف بالعدد لقولهتعالى [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُأَمْثَالِهَا... ][الانعام160] و لهذا الحديث الذي ساقه المؤلف – رحمه اللهإن الله يكتبها سيئة واحدة .قال المؤلف : رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذهالحروف . أي : أن المؤلف – رحمه الله – ساقه بلفظه وأكد ذلك – رحمه الله – لما فيالحديث من البشارة العظيمة و الإحسان العظيم .
*ومن فوائدالحديث :حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى اللهعليه وسلم عن ربه يسمى عند أهل العلم حديثا قدسيا .
* ومنفوائده :أن الله سبحانه و تعالى كتب للحسنات جزاء و للسيئات جزاء ، و هذامن تمام عدله و إحكامه جل و علا للأمور .
*ومن فوائدالحديث :أن رحمة الله سبقت غضبه حيث جعل الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائةضعف إلى أضعاف كثيرة ، و أما السيئة فواحدة .
*ومن فوائدهذا الحديث :الفرق بين الهم بالحسنة و الهم بالسيئة فالحسنة إذا هم بهاالإنسان و لم يعملها كتب الله عنه حسنة كاملة و هذا مما إذا تركها لغير عذر فإنهيكتب له الأجر كاملا أجر النية و إذا كان من عادته أن يعملها و لمكن تركها لعذرفإنه يكتب له الأجر كاملا أجر النية و العمل ؛ لحديث -من مرض أوسافر له ما كان يعمل صحيحا قائما- . أما السيئة فالهمام بها إذا تركها للهعز وجل كتبها الله عنده حسنة كاملة و إن تركها له و لا عليه ، و إن تركها عجزا عنهاكتب له وزر الفاعل بالنية إلا إذا كان قد سعى فيها و لكن عجز بعد السعي فإنه يكتبله عقوبة السيئة كاملة لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -إذاالتقى المسلمان بسيفهما فالقاتل و المقتول في النار-قالوا : يا رسول الله،هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال -لأنه كان حريصا على قتلصاحبه- .
ــــــــــ
الحديث الثامن والثلاثون ...
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -إن الله تعالى قال : من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليعبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها و لئن سألني لأعطينه ، و لئن استعاذني لأعيذنه-رواهالبخاري .
*الشرح :
قوله - إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب-هذاالحديث حديث قدسي لأن النبي صلى الله عليه و سلم رواه عن ربه و كل حديث رواه النبيصلى الله عليه وسلم عم ربه يسمى عند العلماء حديثا قدسي . المعاداة ضد الموالاة ، والولي ضد العدو و أولياؤه سبحانه و تعالى هم المؤمنون المتقون و دليله قوله و تعالى [ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَاهُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ][يونس62-63]
و قوله -آذنته-يعني : أعلمته أي :إني أعلنت الحرب ، فيكون من عادى و ليا من أولياء الله فقد آذن الله تعالى بالحرب وصار حربا لله ، ثم ذكر تبارك و تعالى أسباب الولاية فقال -و ماتقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه-يعني : ما عبدني أحد بشيءاحب إلى مما افترضته عليه لأن العبادة تقرب إلى الله سبحانه و تعالى فمثلا ركعتانمن الفريضة أحب إلى الله من ركعتين نفلا ، و درهم من زكاة احب إلى الله من درهمصدقة ، حج فريضة أحب إلى الله من حج تطوع ، صوم رمضان أحب إلى الله من صوم تطوع ،وهلم جرى ولهذا جعل الله تعالى الفرائض لازمة في العبادة مما يدل على آكاديتها ومحبته لها .
-و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل-يعني : الفرائض و الفعل -لا يزال-يدل على الاستمرار يعني : و يستمر -عبدي يتقرب إلي بالنوافل-يعني : بعد الفرائضحتى أحبه الله ، -حتى-تحتمل هنا الغاية و تحتمل التعليلفعلى الأول يكون المعنى : أن تقرب إلى الله بالنوافل ويكون هذا التقرب سببا لمحبتهو الغاية واحدة ،
-فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به-أي : سددته في كل ما يسمع فلا يسمع إلا ما فيه الخير له و ليس المعنى أن اللهيكون سمع الإنسان لأن سمع الإنسان صفه من صفاته أي: صفات الإنسان محدث بعد أ، لميكن ، و هو صفة فيه أي : في الإنسان و كذلك يقال في بصره الذي يبصر به أي : أن اللهفيما يرى إلا ما كان فيه خير و لا ينظر إلا إلى ما كان فيه خير .
-و يده التي يبطش بها-يقال فيها ما سبق في السمع أي : أن اللهتعالى يسدده في بطشه و عمله بيده فلا يعمل إلى ما فيه الخير .
-و لئن سألني-أي : دعاني بشيء و طلب مني شيئا لأعطينه .
-و لئن استعاذني لأعيذنه-فذكر السؤال الذي بهحصول المطلوب ، و الاستعاذة التي بها النجاة من المهروب و أخبر أنه سبحانه و تعالىيعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل يعطيه ما سأل و يعيذه مما استعاذ .
من فوائد الحديث :و أعني الحديث الثامن و الثلاثين فيه فوائدأولا : إثبات الولاية لله عز و جل أي : أن لله تعالى أولياء و هذا قد دل عليهالقرآن الكريم قال الله تعالى : [أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَاللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُواوَكَانُوا يَتَّقُونَ ][يونس62-63] .
*ومن فوائدالحديث :كرامة الأولياء على الله حيث كان الذي يعاديهم قد آذن الله بالحرب .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن معاداة أولياء اللهمن كبائر الذنوب لأن الله جعل ذلك إيذانا بالحرب .
*ومنفوائد الحديث:أن الفريضة أحب إلى الله من النافلة لقوله -وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه- .
*ومن فوائد الحديث :الإشارة إلى أن أوامر اللهعز وجل نوعان : فرائض ، نوافل .
*ومن فوائد الحديث :إثبات المحبة لله عز و جل لقوله -أحب إلي مما افترضتهعليه-و المحبة صفة قائمة بذات الله عز وجل ومن ثمراتها الإحسان إلىالمحبوب و ثوابه و قربه من الله عز و جل .
*ومن فوائدالحديث :أن الأعمال تتفاضل هي بنفسها .
*ومنفوائد الحديث :الدلالة على ما ذهب إليه أهل السنة و الجماعة من أن الإيمانيزيد و ينقص لأن الأعمال من الإيمان فإذا كانت تتفاضل في محبة الله لها يلزم من هذاأن الإيمان يزيد و ينقص بحسب تفاضلها .
*ومن فوائد الحديثأن في محبة الله عز وجل تسديد العبد في سمعه و بصره و يده و رجله مؤيدا منالله عز وجل .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه كلماازداد الإنسان تقربا إلى الله بالأعمال الصالحة فإن ذلك أقرب إلى إجابة دعائه واعاذته مما يستعيذ الله منه لقوله تعالى في الحديث -و لئن سألنيلأعطينه و لئن استعاذني لأعيذنه
ـــــــــ
الحديث التاسع والثلاثون ...
عن ابن عباس – رضي الله عنه – أ، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ و النسيان ، و ما استكرهوا عليه-حديث حسن رواه ابن ماجه و البيهقي و غيرهما.
*الشرح :
قوله -تجاوز-بمعنى : عفا ، -الخطأ-فعل الشيء عن غير قصد ، -النسيان-ذهول القلب عن شيء معلوم ، و الاستكراه إلجاء الإنسان ، وهذه ثلاثة أشياء بينفيها النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تجاوز عن أمته هذه الأشياء الثلاثة و قد دلعلى ذلك القرآن قال الله تعالى [...رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَاإِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ... ][البقرة286] فقال الله : قد فعللت ، وقال الله تعالى : [...وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَاأَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ... ][الأحزاب5] وقال تعالى [مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِإِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَبِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌعَظِيمٌ ][النحل106 .
*فيستفاد من هذا الحديث فوائد :
منها سعة رحمة الله عز وجل و أن رحمته سبقت غضبه ، و منها أنالإنسان إذا فعل الشيء خطأ فإنه لا يؤاخذ عليه و لكن إن كان محرما فإنه لا يترتبعليه إثم و لا كفارة و لا فساد عبادة و قع فيها ، و أما إن كان ترك واجب فإنه يرتفععنه الإثم و لكن لا بد من ترك تدارك الواجب .
*ومن فوائدالحديث :
أن من أكره على شيء قولي أو فعلي فإنه لا يؤاخذ به لقوله -وما استكرهوا عليه-و هذا عام سواء كان الإكراه على فعل أوعلى قول و لا دليل لمن فرق بين الإكراه على الفعل و الإكراه على القول ، ولكن إذاكان الإكراه في حق آدمي فإنه يعامل بما تقتضيه الأدلة الشرعية مثل : أن يكره شخصاعلى قتل شخص آخر فإنه يقتل المكره و المكره لأن الإكراه لا يبيح قتل الغير و لايمكن و لا يجوز للإنسان أن يستبقي حياته بإتلاف غيره.
ــــــــــ
الحديث الأربعون ...
عن ابن عمررضي الله عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي رضي الله عنه فقال -كن في الدنيا كأنك غريب , أو عابر سبيل-وكان ابن عمر رضيالله عنه يقول "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلاتنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لمماتك" رواه البخاري
*الشرح
الحديث الأربعون عن ابن عمر رضيالله عنهما قال -أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي-يعني : أمسك بمهما لأجل أن يسترعي انتباهه ليحفظ ما يقول فقال له -كن في الدنيا كأنك غريب , أو عابر سبيل-الغريب : المقيم فيالبلد وليس من أهلها , أو عابر سبيل : هو الذي مر بالبلد , وهو ماشي مسافر , ومثلهؤلاء - أعني الغريب أو عابر سبيل - لا يتخذ هذا البلد موطناً ومستقراً , لأنهمسافر فأخذت هذه الموعظة من عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ما أخذت من قلبه ولهذاكان يقول -إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظرالمساء-يعني إذا أمسيت فلا تقول : سوف أبقى إلى الصباح كم من إنسان أمسىولم يصبح , وكذلك قوله -وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء-فكم من إنسان أصبح ولك يمسي ومراد بن عمر في ذلك : أن ينتهز الإنسان الفرصة للعملالصالح حتى لا تضيع عليه الدنيا وهو لا يشعر , قال -وخذ من صحتكلمرضك-يعني : بادر في الصحة قبل المرض فإن الإنسان ما دام صحيحاُ يسهلعليه العمل , لأنه صحيح منشرح الصدر منبسط النفس , والمريض يضيق صدره ولا تنبسطنفسه فلا يسهل عليه العمل .
-ومن حياتك لموتك-أي انتهز الحياة ما دمت حياُ قبل أن تموت لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله صح ذك عنالنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال-إذا مات الإنسان انقطع عملهإلا ثلاث : صدقة جارية , أو علمٍ ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له- .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه ينبغي للإنسان أنيجعل الدنيا مقر إقامه لقوله -كن في الدنيا كأنك غريب , أو عابرسبيل- .
*ومن وفوائده:أن ينبغي للعاقل مادام باقياُ والصحة متوفرة أن يحرص على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله , ومنها أنينبغي للمعلم أن يفعل الأسباب التي يكون فيها انتباه المخاطب لأن النبي صلى اللهعليه وسلم أخذ بمنكبي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما .
*ومن وفوائد الحديث :فضيلة عبدالله بن عمر رضي الله عنهما حيثتأثر بهذه الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ــــــــــ
الحديث الحادي والأربعون ...
عن أبي محمد عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ما قال قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم -لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاُ لما جئت به-حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح .
*الشرح:
قوله-لا يؤمن-أي لايؤمن الإيمان الكامل , وليس المراد نفي الإيمان بالكلية وقوله -حتى يكون هواه-أي : ميله وإرادته وقوله -تبعاُلما جئت به-أي : لما جاء به من الشرع فلا يلتفت إلى غيره , قال المؤلف :حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح .
*في الحديثفوائد منها :أن الإيمان قد ينفى عن من قصر في بعض واجبه فق قوله -لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاُ لما جئت به-وهذا موقوف علىما ورد به الشرع , فليس للإنسان أن ينفي الإيمان عن الشخص بمجرد أنه رآه على معصيةحتى يثبت بذلك دليل شرعي .
*ومن فوائد هذا الحديث :وجوب الانقياد لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .
*ومنفوائده:أن يجب تخلي الإنسان عن هواه المخالف لشريعة الله .
*ومن فوائده:أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنةوالجماعة .
ــــــــــ
الحديث الثاني والأربعون ...
عن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - قال الله تعالى : يا بن ادم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كانولا أبالي , يا بن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك , يا بن ادمإنك لو أتيتني بتراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بترابهامغفرة - رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
*الشرح :
هذا الحديث من الأحاديث القدسية التي يريوها النبي صلى الله عليهوسلم عن ربه أنه قال جلال وعلا - يا بن ادم - الخطاب لجميعبني ادم
-
إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك - , - ما - شرطية يعني : متى دعوتني ورجوتني .
-
دعوتني - أي سألتني أن أغفر لك .
-
رجوتني - رجوت مغفرتي ولم تيأس .
-
غفرتلك - هذا جواب الشرط والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه , أي : أن الله يسترذنبك عن الناس ويتجاوز عنك فلا يعاقبك
وقوله -على ما كانمنك ولا أبالي - يعني على ما كان منك من المعاصي وهذا يشهد له قوله تعالى ] قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًاإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرحيم ]الزمر-53[
-
يا بنادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء - يعني لو بلغت أعلى السماء
-
ثم استغفرتني غفرت لك - يعني مهما عظمت الذنوب حتى لو وصلت السماءبكثرتها ثم استغفرت الله بصدق وإخلاص وافتقار غفر الله لك .
"
يا بن ادم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاًلأتيتك بقرابها مغفرة " قرابها يعني قرب ملئها إذا لقي الإنسان ربه عزوجلبقراب الأرض أي : ملئها أو قربه خطايا لكنها دون الشرك ولهذا قال "ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مفغرة " وهذا يدل علىفضيلة الإخلاص وأنه سبب لمغفرة الذنوب.
*في هذا الحديث منالفوائد :أن الإنسان مهما دعا الله بأي شيء ورجا الله في ألا شيء إلا غفرله .
*ومن فوائده :بيان سعة فضل الله عزوجل .
*ومن وفوائده :أن الذنوب وإن عظمت إذا استغفرالإنسان ربه منها غفرها الله له .
*ومن فوائد هذا الحديث :فضيلة الإخلاص وأنه سبب لمغفرة الذنوب وقد قال تعالى -إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ...] النساء-48[ ... فنسأل الله تعالى أ، يعمنا جميعاًبمغفرته ورضوانه وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب .
وإلى هنا انتهى شرحالأربعون النووية المباركة التي نحث كل طالب على على حفظها وفهم معناها والعملبمقتضاها , والحمد لله رب العالمين وصل اللهم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .
**
ولا تنسونا من دوعائكم الصالح بالهداية والثبات على الحق
__________________
إذا دعتك قدرتك علي ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:56 PM.