|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
كيف تفعل إذا أُبتليت بسفيه
كيف تفعل إذا أُبتليت بسفيه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم الْحَمدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، أَمَّا بَعْدُ : • فإن التَّعامل مع النَّاس على مختلف طبقاتهم أمر لا مفرَّ منه لأي إنسان يعيش على هذه البسيطة ، فالإنسان لا بد أن يعيش في مجتمع فيه العاقل والجاهل ، والرشيد والسفيه ، والذكي والبليد ، والشريف والدني ، ولو عامل الإنسان كل صنف منهم باخلاقهم فلن يذوق طعم الراحة ، لأنه سيكون متقلِّب الأطوار ، مرَّة عاقلا ومرَّة جاهلا ، ومرَّة رشيدا ومرَّة سفيها ، ومرة شريفا ومرة دنيّاً ، ولن يستطيع التلبس بكل هذه المتناقضات في كل أوقاته ، خاصة إذا كان الإنسان لا يجيد التمثيل والتلبيس على غيره ، واستخدام أكثر من وجه مع النَّاس ، فلذلك جاء الإسلام بتهذيب الأخلاق ، وترتيب التَّعاملات بين الأفراد ، ولا خير فيمن يترك تعاليم ربِّه ، والاقتداء بأخلاق نبيِّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، ثم يذهب يحاكي الأسافل في أخلاقهم والسفهاء في سفاهاتهم . • وقد مدح الله رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في كتابه بأنه صاحب خُلق عظيم فقال { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ، والمسلم لا بد أن يسأل الله أن يرزقه حسن الخُلق ، حتى يسير في هذه الحياة سيرا حميدا ، لأن السير على هذه الأخلاق والتزامها في كل الأوقات لا يكون إلا بتوفيق من الله تعالى ، وإذا كان رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سأل ربَّه ذلك كما روى الإمام مسلم وغيره عن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كان يقول إذا قام في صلاته : (( ... وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ... )) فنحن أولى بسؤال الله هذا السؤال والإلحاح في طلبه ، حتَّى يرزقنا الله خُلقا حسنا . • وعلى المسلم الذي عرف دين ربِّه ، وعقل سُنَّة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أن يظهر للناس من الأخلاق والتصرفات ما يمليه عليه دينه ، لا ما يكون فيه الانتصار لنفسه أو المجاراة لمن أساء إليه في إساءته ، ولن يسلم الإنسان من أذيَّة غيره له ، سواء كانت أذيَّة حسيَّة أو معنويَّة ، لكن الموفَّق من سدَّده ربه ، وهداه إلى كظم غيظه ، والإعراض عن مجاراة من جهل عليه وظلمه فقد قال الله تعالى { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) } ، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فيما رواه الإمام أحمد وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال : (( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ )) • وقد جاء في الشرع المطهَّر أن للمسلم أن يقتص ممن ظلمه ، لكن العفو أفضل وأكمل فقال الله تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } • وإذا ابتلي الإنسان بسفيه أو دنيء في مجلس أو منتدى فلا يجاره ، لأن مجاراة السفيه تقود العاقل إلى مشابهته ، والسفيه لا يريد من العاقل إلا ذلك ، لأن السفيه يعلم أنَّه لا يملك إلا هذه الوسيلة للانتصار لنفسه ، ولو كان يعرف طريقة غيرها لينتصر لنفسه أو لرأيه لسلكها كما يفعل العقلاء ، فما أحسن ترك السفيه وسفاهته ، وسأسوق هنا بعض الأبيات حول هذا المعنى . • قال الإمام الشَّافعي رحمه الله قَالُوا سَكَتَّ وَقَدْ خُوصِمْتَ قُلْتُ لَهُمْ === إِنَّ الْجَوَابَ لِبَابِ الشَّرِّ مِفْتَاحُ فَالصَّمْتُ عَنْ جَاهِلٍ أَوْ أَحْمَقٍ شَرَفٌ === أَيْضًا وَفِيهِ لِصَوْنِ الْعِرْضِ إِصْلاحُ أَمَا تَرَى الأُسْدَ تُخْشَى وَهِيَ صَامِتَةٌ === وَالْكَلْبُ يَخْسَى لَعَمْرِي وَهُوَ نَبَّاحُ • وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب " الحِلْمِ " قال حدثني عبد الرحمن بن صالح أنا محمد بن بشير قال أنشد رجل مسعر بن كدام لاِ تُرْجِعَنَّ إِلَى السَّفِيْهِ خِطَابَهُ === إِلاَّ جَوَابَ تَحِيَّةٍ حيَّاكَهَا فَمَتَى تُحَرِّكَهُ تُحَرِّكَ جِيْفَةً == تَزْدَادُ نَتْناً إِنْ أَرَدْتَ حِرَاكَهَا • وقال أيضا أنشدني محمود الوراق : رَجَعْتُ عَلَى السَّفِيْهِ بِفَضْلِ حِلْمٍ = وَكَانَ الْفِعْلُ عَنْهُ لَهُ لِجَاما وَظَنَّ بِيَ السَّفَاهَ فَلَمْ يَجِدْنِي ===== أُسَافِهُهُ وَقُلْتُ لَهُ سَلاَمَا فَقَامَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ ذَلِيْلاً ====== وَقَدْ كَسَبَ الْمَذَمَّةَ وَالْمَلامَا وَفَضْلُ الْحِلْمِ أَبْلَغُ فِي سَفِيْهٍ === وَأَحْرَى أَنْ يَنَالَ بِهِ انْتِقَامَا • وقال حدثني ابن أبي حاتم الأزدي نا عبد الله بن داود قال سمعت الأعمش يقول : السُّكُوْتُ جَوَابٌ . • في لسان العرب : سَفِهَ علينا وسَفُهَ : جهل فهو سَفِيهٌ والجمع سُفَهاء وسِفَاهٌ ، قال الله تعالى { كما آمنَ السُّفَهاء }أَي الجُهّال ، والسفيه الجاهل ، والأُنثى سفيهة والجمع سَفِيهات . واشتقاق الكلمة له عدَّة معان تراجع في قواميس اللغة . والسفاهة أي الجهل قد يكون جهلا بسيطا وقد يكون جهلا مركبا فالجاهل البسيط : هو من تكلم فيما لا يحسن ، وإذا نبه أو عُلِّم ، شكر من علَّمه وعاد إلى الصواب الذي لا يعلم ويظن أنه يعلم فهو يتكلم ويجادل فيما لا يحسن ويصر على رأيه ، فلا يرجع إلى رشده ، ولا يعقل كلام من يناقشه ، ويظن أنَّه الفاهم وغيره الجاهل ، وأنه الذكي وغيره الغبي . وهذا النوع هو الذي قصدته في كلامي . لأن الجهل اليسير نقع فيه جميعا ، لكنا نقبل كلام من يرشدنا ويصحح خطأنا إن كان أهلا لذلك ، وهذه الحالة تكون غالبا في الشباب قبل نضجهم وكمال عقولهم ، ولذلك قال الشَّاعر : وإنَّ سَفَاه الشَّيْخِ لاَ حِلْمَ بَعْدَهُ === وَإِنَّ الْفَتَى بَعْدَ السَّفَاهَةِ يَحْلُم وإنَّما استخدمت هذه اللفظة بدل لفظة الجاهل ، لأن تأثيرها أقوى ، ومدلولها أعمق . • اللهم اهدنا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ منقول
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|