رسالة المأمون في إلزام الأمة بخلق القرآن
الحمد لله الذي أحكم ما خلق وقدر ، وعدل فيما قسم بين خلقه ودبر ، وأنذر الوليد بن المغيرة لما فَكَّرَ وَقَدَّرَ ، فَقُتِل كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِل كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ ، وقال عن القرآن إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ البَشَرِ ، فتوعده الله بسقر ، فقال سبحانه وتعالي : ( إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ، فَقُتِل كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِل كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَال إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ البَشَرِ سَأُصْليهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لوَّاحَةٌ للبَشَرِ عَليْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) (المدثر:22) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلحْ لكُمْ أَعْمَالكُمْ وَيَغْفرْ لكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) ، ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ، أما بعد .
فإن نصوص القرآن والسنة أثبتت صفة الكلام لله عز وجل ، فالآيات والأحاديث التي لا حصر لها ، تدل على أن الله يتكلم متي شاء وإذا شاء وكيف شاء وأنه سبحانه يتكلم بحرف وصوت يسمع ، سمعه جبريل من الله ، وسمعه موسي عليه السلام ، وسمعه محمد صلي الله عليه وسلم ، فلا عبرة بقول المعتزلة في زعمهم إن القرآن مخلق خلقه الله ولم يتكلم به ، فإنهم يعارضون القرآن وما جاء في قوله : ( تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) ( البقرة : 253 ) وآيات القرآن أكثر من أن تحصي .
وقد بوب الإمام البخاري أبوابا كثيرة في إثبات كلام الربِّ عزَّ وجل يوم القيامةِ ، مع الأنبياء وأهل الجنة وغيرهم وروي من حديث عبد اللهِ بن مسعود أن رسول اللهِ صلي الله عليه وسلم قال : ( إن آخِرَ أهل الجنة دخولاً الجنة ، وآخِرَ أهل النار خروجاً من النارِ رجلٌ يخرجُ حَبْواً ، فيقول له ربُّه : ادخل الجنةَ ، فيقولُ : رب الجنةُ ملأي ، فيقول له ذلكَ ثلاثَ مَرَّات ٍ، فكلُّ ذلك يعيد عليه ، الجنة ملأي ، فيقول : إنَّ لكَ مثل الدنيا عشرَ مرار ) ، ومن حديث عدي بن حاتم ، قال رسولُ الله صلي الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلمهُ ربهُ ليس بينَهُ وبينَهُ ترجمان ، فينظرُ أيمنَ منهُ فلا يري إلاّ ما قدَّمَ من عمله ، وينظرُ أَشْأَمَ منه فلا يَرَي إلا ما قدَّمَ ، وينظرُ بين يديه فلا يري إلاَّ النارَ تِلقاء وجهه ، فاتَّقوا النار ولو بِشقِّ تمرة ) .
ومن حديث صفوان بنِ مُحْرِز أنَّ رجلاً سأل ابن عُمر: كيف سمعتَ رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في النجوي ؟ قال : يدنو أحدُكم من ربِّه حتى يضع كنفه عليه – يعنى ستره – فيقول : أعملتَ كذا وكذا ؟ فيقول ُ: نعم ، ويقول : عملتَ كذا وكذا؟ فيقول : نعم ، فيقررهُ ثم يقول : إني سَترتُ عليك في الدنيا ، وأنا أغفِرها لك اليوم ) ، وفي كلام الله مع أهل الجنة روي أبو سعيدٍ الخُدرِيِّ رضي الله عنه أن النبيُّ صلي الله عليه وسلم قال : ( إن اللهَ يقولُ لأهل الجنةِ: يا أهل الجنةِ ، فيقولون: لبيْك ربنا وسعدَيك ، والخير في يَدَيْك ، فيقول : هل رضيتُم ؟ فيقولون : وما لنا لا نَرضي يا رب وقد أعطيتَنا ما لم تُعطِ أحداً من خلقِك فيقول ألا أُعطيكُم أفضَل من ذلك ؟ فيقولون : يا ربّ وأيُّ شيء أفضلُ من ذلك ؟ فيقول : أُحِلُّ عليكم رِضواني فلا أسخَطُ عليكم بعدَهُ أبدا ) .
|