&& الكومبارس &&

[شهدالجنة]

إمتلاء المسرح عن أخره بالجمهور
الكل يتابع العرض..ضحكات وتصفيق يملاء الصالة ويهز أركانها
عند تلك الزاوية البعيدة من خشبة المسرح يقف منتصبا" كتمثال فرعونى

عيناه ثابتة على هدف واحد بلا حراك
كل دوره فى هذه الرواية ان يقف هكذا لمدة دقائق وسط خمس من الكومبارس الصامتين..
بعد العرض يخرج سعيدا" منتشيا" بتلك القروش القليلة التى تقاضاها
ويشعر بسعادة أكثر أنه وقف وسط هؤلاء النجوم...!



وتمضى الأيام وصاحبنا قانعا" بدور الكومبارس الصامت...
حتى إذا مضى قطار العمر يكتشف أن اسواء دور يمكن أن يلعبه فى الحياة هو أن يقف كومبارسا" صامت,
ليترك غيره يحرك الأحداث ويتحكم فى نهاية الرواية كيفما يشاء...!



تلك صورة رأيتها بعينى فى عالم المسرح
وفى عالم الحياة الواقعية شاهدت صورا" أسواء لمثقفين ملاءوا عقولهم بأطايب وخبائث الثقافة والمعرفة,
يتناقشون على المقاهى ذات المقاعد المتهالكة, وينتقدون أوضاعهم وأوضاع الناس, ثم يكتفون فى نهاية سهرتهم عند الفجر بأن يجلسوا على أرصفة الصمت ليتناولوا العيش بالجبن..!


شاهدت مشايخ رؤوسهم مليئة بالعلم والفقة وقلوبهم تمتلاء ورعا" وتقوى, لكن وقت اللزوم, وقت أن تكون كلماتهم هى أهم الكلمات يختبأون تحت عمأمهم ويقفون كومبارسات صامتين ليتركوا الكلمة الاخيرة لأبطال العرض الجديد من أدعياء الدين والتدين..!


شاهدت علماء أجلاء أفنوا حياتهم من اجل العلم والبحث ليُخرجوا لنا اجيال من النابهين والنافعين للإنسانية..لكنهم يقفون فى سعادة ورضا ككومبارسات صامتين عندما تتعالى أصوات أدعياء العلم والجهل البديل....!

حتى فى المنتديات...نتناقش فى الكواليس عن عمق الفكرة ومتانة ورصانة الصياغة ووجوب أن تكون أفكارنا تمس مجتمعنا وثوابت قيمه
حتى إذا دخلنا على الصفحات المُعلنة تبارى بعضنا فى سرعة الإمساك والصيام عن الكلام
ليترك لأبطال العرض التافه فرض أولويات الحوار الباهت..

شاهدت.........وشاهدت.........نماذج رائعة نافعة, لكنها إنسحبت وتقوقعت فى سياج الصمت اللعين..

لماذا أصبحت السلبية هى الصفة السائدة فى مجتمعاتنا؟!!

لماذا أرتضى هؤلاء بلعب دور الكومبارس الصامت؟..!