|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
احذروا تقنيط الناس من رحمة الله
الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي خضعت لعزَّته الرقاب، وأشرقت لنور وجهه الظلمات، وصلح على شرعه أمر الدنيا والآخرة، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ ﴿ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46].
* أمَّا بَعْدُ: فيجبُ على المسلم ألَّا يقنط أحدًا مِن المسلمين مِن رحمة الله تعالى التي وسِعَتْ كلَّ شيء؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]. * • قَالَ الإمَامُ ابن كثير رحمهُ اللهُ: هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ دَعْوَةٌ لِجَمِيعِ الْعُصَاةِ مِنَ الْكَفَرَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ تَابَ مِنْهَا، وَرَجَعَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَهْمَا كَانَتْ، وَإِنْ كَثُرَتْ وَكَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ؛ (تفسير ابن كثير ـ جـ 12 ـ صـ 139:138). * • روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ [الفرقان: 68]، وَنَزَلَتْ: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53]؛ (البخاري، حديث 4810 / مسلم، حديث:122). * • روى مسلمٌ عَنْ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَ ((أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ))؛ (مسلم حديث: 2621). * معاني الكلمات: يَتَأَلَّى: يَحْلِفُ. * الشرح: قال الإمامُ النووي رحمه الله: "مَعْنَى يَتَأَلَّى: يَحْلِفُ، وَالْألِيَّةُ: الْيَمِينُ، وَاحْتَجَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ بِهِ فِي إِحْبَاطِ الْأَعْمَالِ بِالْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهَا لَا تُحْبَطُ إِلَّا بِالْكُفْرِ، وَيُتَأَوَّلُ حُبُوطُ عَمَلِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ أُسْقِطَتْ حَسَنَاتُهُ فِي مُقَابَلَةِ سَيِّئَاتِهِ، وَسُمِّيَ إِحْبَاطًا مَجَازًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ أَمْرٌ آخَرُ أَوْجَبَ الْكُفْرَ"؛ (مسلم بشرح النووي، جـ8، صـ:422). * روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((كَانَ رَجُلانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ، وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ: أَقْصِرْ، فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَقْصِرْ، فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ: أَكُنْتَ بِي عَالِمًا، أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا؟ وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ))؛ (حديث حسن)، (صحيح سنن أبي داود؛ للألباني، حديث: 4097). * معاني الكلمات: مُتَوَاخِيَيْنِ: متصادقين. أَقْصِرْ: تَوَقَّفْ وامْتَنِعْ. فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا: أمَاتَهُما. أَوْبَقَتْ: أَهْلَكَتْ. * الشرح: قَوْلُهُ: ((يُذْنِبُ))؛ أَيْ: منهمكٌ في المعاصي. قَوْلُهُ: ((مُتَوَاخِيَيْنِ))؛ أَيْ: متصادقين لأمرٍ مِن أمور الدنيا. قَوْلُهُ: ((أَقْصِرْ))؛ أَيْ: أَمْسِكْ وَامْتَنِعْ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ مِنَ الذَّنْبِ. قَوْلُهُ: ((خَلِّنِي وَرَبِّي))؛ أَي: اتْرُكْنِي مَعَهُ، فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَوْلُهُ: ((أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟)): استفهام إنكاري؛ أَيْ: أَرْسَلَكَ اللَّهُ تعالى عَلَيَّ حَافِظًا وَرَقِيبًا. * قَوْلُهُ: ((وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَدًا، وَلَا يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ))؛ أَيْ: فَقَالَ الْمُجْتَهِدُ مِنْ كَمَالِ غُرُورِهِ وَعُجْبِهِ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَدًا، وَلَا يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، وهذا القول مِنْ الرَّجُلِ الْمُجْتَهِدِ فيه تعدٍّ على حقٍّ مِن حقوق الله تعالى؛ لأن الْمُجْتَهِدَ أقْسَمَ على الله أنه لن يغفر لصديقه العَاصي، ومعلوم أن الله عز وجل يغفرُ الذنوب جميعًا إلا ما كان شركًا؛ كما قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]. * قَوْلُهُ: ((ادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي))؛ أَيْ: جَزَاءً لِحُسْنِ ظَنِّكَ بِي. * قَوْلُهُ: ((وَقَالَ لِلْآخَرِ)): فِي الْعُدُولِ عَنِ التَّعْبِيرِ بِالْمُجْتَهِدِ فائدةٌ لَا تَخْفَى، وَهِيَ أَنَّ اجْتِهَادَهُ فِي الْعِبَادَةِ ضَاعَ لِقِلَّةِ عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِصِفَاتِ رَبِّهِ، فَانْقَلَبَ الْأَمْرُ وَصَارَ فِي الذَّنْبِ كَالْآخَرِ، وَالْمُذْنِبُ بِحُسَنِ عَقِيدَتِهِ وَاعْتِرَافِهِ بِالتَّقْصِيرِ فِي مَعْصِيَتِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْمُجْتَهِدِ. * قَوْلُهُ: ((اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ))؛ أَي: قَالَ الرَّبُّ خِطَابًا لِلْمَلائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالنَّارِ: اذهبوا به إِلَى النَّارِ حَتَّى يَذُوقَ الْعَذَابَ؛ جَزَاءً عَلَى غُرُورِهِ وَعُجْبِهِ؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي الهروي، جـ 4، صـ 1626). * قَوْلُهُ: ((أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ))؛ أي: أهلكت دنياه وآخرته، وهذا معناه: أنه أُمِرَ به إلى النار، وصار من أهل النار، ولكن كما هو معلوم مَن دخل النار وهو من أهل التوحيد، لا بد أن يخرج منها ويدخل الجنة، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكُفَّار الذين هم أهلها والذين لا سبيل لهم إلى الخروج منها؛ وإنما هم باقون فيها إلى غير نهاية. * فائدة مهمة: هذا الشَّخْصُ العَاصي المذكور في هذا الحديث يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا مَغْفُورًا لَهُ، أوَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَسَنَاتٌ خَفِيَّةٌ أَوْجَبَتْ لَهُ رَحْمَةَ اللَّهِ تَعالى، كَمَا غَفَرَ الله تعالى لِلَّذِي قَالَ: إِذَا مِتُّ فَاسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي، ثُمَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ لِخَشْيَتِهِ، وَكَانَ يَظُنُّ بجَهْلِهِ أَنَّ اللَّهَ تعالى لَا يَقْدِرُ عَلَى جَمْعِهِ وَإِعَادَتِهِ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ؛ (شرح العقيدة الطحاوية؛ لابن أبي العز الحنفي، جـ 1، صـ299). * روى البخاريُّ (في الأدب المفرد) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَضحَكُون ويتَحَدَّثُون فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِه لَوْ تَعْلَمُون مَا أَعلَمُ، لضَحِكتُم قَلِيلًا، ولَبَكَيْتُم كَثيرًا، ثُمَّ انْصَرَفَ وأَبْكَى القومَ، وأَوحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ: يَا مُحمد لِمَ تُقَنِّط عِبَادي؟ فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((أبْشِروا، وسَدِّدُوا، وقَارِبُوا))؛ (حديث صحيح)، «صحيح الأدب المفرد؛ للألباني، صـ 112، حديث: 254). * معاني الكلمات: رَهْطٌ: جَمَاعَةٌ. * الشرح: قَوْلُهُ: ((لِمَ تُقَنِّط عِبَادي)؛ أيْ: تجْعَلهم يشعُرون باليأس. * ختامًا: أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سُبحانه أن ينفع به طلابَ العِلْمِ الكرام. * وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. الشيخ صلاح نجيب الدق
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|