#1
|
|||
|
|||
حكم من لم تبلغهم الدعوة في الآخرة
حكم من لم تبلغهم الدعوة في الآخرة بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله --- اما بعد نحن نقرأ قول الله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ونرى أن في هذه الأيام الملايين من البشر يعيشون في معزل عن العلم ، فالحقيقة وقد انقطع الوحي، وما عاد الرسل يأتون. وطبعاً نحن نعرف حكم أهل الفترة في هذه المسألة بالذات، فهل يقاسون هؤلاء على أهل الفترة، وما هو الشيء الذي لا يؤاخذون به شرعاً؟ في اعتقادي أن علة التكليف، مناط الحكم في المؤاخذة وعدمها، هو وصول الدعوة وعدم وصولها، فأي جماعة أو أي شعب أو أي أمة نفترض أنها لم تبلغها دعوة الرسول عليه السلام، وهذا الذي يهمنا بالنسبة ... لخاتم [الأنبياء] حين ذاك يرتفع القلم عن هؤلاء فلا يؤاخذون بكفرهم وبضلالهم، ما دام أننا افترضنا أنهم لم تبلغهم دعوة الرسول عليه السلام، قال تعالى {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} وهذه الآية فيها لفت النظر لبعض الناس الذين يستشهدون لهذه المسألة بمثل قوله تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} إذاً: ما دام أن آباءهم لم ينذروا، فإذاً: يتبادر إلى الذهن أنهم من أهل الفترة. أنا أقول: أولاً الآية عطفت، قال: {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} ، وهذا يعني أن النذير لا يشترط في إقامة الحجة أن يكون اتصل بالقوم مباشرةً بجسده وصوته ودعوته، هذا طبعاً واقع ولكن ليس شرطاً، إنما المهم أن تبلغهم الدعوة، والذي يؤكد لنا هذا أن أي نبي وبخاصة خاتم الأنبياء لو أتى قوماً وبشرهم وأنذرهم، لكن فيهم رجل أصم، فإذاً: هذا جاءه الرسول مباشرة، لكن ليس هذا هو المقصود، لكن أن تصل الدعوة إليه، وهذا باعتباره أصم أو باعتباره أحمق، ونحو ذلك، فهو غير مؤاخذ لأنه لم تبلغه الدعوة، مع أنه شخص الرسول اتصل به، فالعكس بالعكس تماماً. ونقول لهؤلاء الذين يتمسكون بالآية السابقة: {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} نحن الآن المسلمين على هذا الفهم الضيق للآية السابقة: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} نحن أيضاً ما جاءنا من نذير، لكن نحن جاءتنا الدعوة، بلغتنا، ولذلك فنحن مُكلَّفون، وإذا لم نستجب فنكون غير معذورين. نفس الكلام يقال تماماً بالنسبة لأهل الفترة قبل الرسول عليه السلام، ومنه نستطيع أن نأخذ جواب الحديثين السابقين لا نستطيع أن نقول أن الذين كانوا قبل الرسول عليه السلام كلهم من أهل الفترة، ولا نستطيع أن نقول كلهم ليسوا من أهل الفترة، لا نستطيع أن نقطع بأن كل فرد من أفراد العرب الذين كانوا قبل الرسول بلغته الدعوة، كما أن العكس لا نستطيع أن نقوله، أن كل فرد من أفراد هؤلاء ما بلغتهم الدعوة. إذاً: القضية مربوطة بالبلاغ وعدم البلاغ، إذا كان هذا بيناً كما تعلمون، حينئذ أقول: إذا جاءنا خبر عن الرسول عليه السلام صحيح بأن فلاناً كان من أهلالجاهلية وهو في النار، نحن نقطع فوراً أن هذا بلغته الدعوة، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ولا يخفاكم أن هذه الآية تعني أيضاً رسولاً إما مباشرةً وإما بدعوته، فإذا سلفت هناك أحاديث مثل حديث: «إن أبي وأباك في النار» يحكم على ناس ماتوا في الجاهلية قبل بعثة الرسول عليه السلام، فذلك يعني تماماً أن هؤلاء بلغتهم دعوة التوحيد، ولذلك جحدوا بها، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} اليوم ، أمم في الشمال القطب الشمالي، القطب الجنوبي، بل أوروبا، بل أمريكا إلى آخره، لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، والحقيقة: ليس المقصود ببلوغ الدعوة ألفاظها، وإنما المقصود معاني الدعوة وحقائقها. السماع الحق.الذي عناه الله أيضاً بقوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} المقصود معاني الدعوة وحقائقها مصير من وصلهم الدين على غير حقيقته نقول الإسلام يبني أحكامه على الظواهر، ويدع البواطن لله عز وجل، والإسلام كما تعلمون جميعاً له شروط وأركان، فكل من اعترف بها حسب مسلماً، وقد يكون اعترافه نفاقاً، فنفاقه بينه وبين ربه الله يحاسبه، ونحن ليس لنا إلا الظاهر، فهؤلاء ، لا شك أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويصومون ويحجون، إذاً: هم جاءوا بأركان الإسلام الخمسة، ثم هم يؤمنون بالله وملائكته و .. وكتبه الأركان المعروفة الإيمانية، لكن بلا شك يسيئون فهم كثير من هذه الشروط أو الأركان. أول ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق في الوجود إلا الله، ومعنى: وأن محمداً رسول الله، أننا لا نعبد الله إلا بما جاء به رسول الله، فمن حقق هذا المعنى في الشهادة الأولى، وهذا المعنى في الشهادة الأخرى يكون مسلماً ويصدق عليه ما قاله عليه السلام: «فإذا قالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله فلهم ما لنا وعليهم ما علينا». إذاً: هؤلاء نحن نسوقهم مساق المسلمين، أما الله عز وجل فهو المحاسب لهم هو أعلم بهم، نحن نفرق هنا بين هؤلاء المساكين الذين لم تبلغهم دعوة الحق التي نسميها نحن بالدعوة السلفية، وبين كثير من هؤلاء العرب الذين يعيشون في البلاد العربية وقد سمعوا دعوة الحق ثم جحدوها وأنكروها، فأعتقد أنهما أي الفريقين ليسوا سواء عند رب العالمين؛ ذلك لأن الفريق الأول يعتبر جله عذراً لهمأي: لم تبلغهم الدعوة، وربنا عز وجل يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} و أقول: {حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} إما رسولاً بشخصه ودعوته أو بدعوته دون شخصه كما هو شأننا اليوم، نحن ما جاءنا رسول، لكن جاءتنا دعوة الرسول، فالحجة قائمة علينا، لكن ليس كل فرد في العالم -كل العالم الإسلامي وغير الإسلامي- قد قامت الحجة عليه كأمثال هؤلاء الذين ما عرفوا الإسلام إلا من الزاوية الطرقية . لذلك نحن موقفنا بالنسبة لهؤلاء حقيقة موقف الطبيب بالنسبة للمريض، فهو شفيق على مريضه وحريص على شفائه؛ وذلك بما يقدم إليه من أدويته، هؤلاء يجب العناية بهم أن يفهموا القرآن ولو بِلُغَتِهِم، وأظن مهما بلغ بهم الجهل والتشبث بالطرق فلابد أنهم سمعوا بشيئين أحدهما القرآن والآخر السنة، فحينئذ يدندن حولهم دائماً أن الإسلام هو القرآن والسنة .. القرآن والسنة .. القرآن والسنة .. ولو بقي الداعية بينهم سنين حتى يغرس في أذهانهم أن الإسلام قال الله قال رسول الله، فإذا ما غرست هذه النواة في قلوبهم يبدأ الداعية يفهمهم بعض الأمور المتعلقة بالكتاب والسنة وبخاصة ما ذكرته آنفاً من التوحيد، ما معنى لا إله إلا الله، وهذه العقيدة والحمد لله بينة جداً في القرآن الكريم: {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} المشركون هكذا إذا دعوا أن يقولوا: لا إله إلا الله يستكبرون، فيبين لهم ما معنى هذه الآيات، ويلفت نظرهم الفرق بين ما يعنيه القرآن والسنة أيضاً عن الرسول عليه السلام وبين ما هم عليه مما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم. والحمد لله رب العالمين |
العلامات المرجعية |
|
|