#1
|
|||
|
|||
الأساطير
الحمد لله والصلاة والسلام على خير البشر نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: علم الأساطير من العلوم القديمة، واختلف المهتمون بالأساطير في تعريفها، لكنهم حاولوا من خلال دراستهم للأساطير، أن يفهموا بعض الأمور الاجتماعية والسياسية والدينية للشعوب، وبخاصة الشعوب القديمة ومعرفة ثقافتهم وأساليب تفكيرهم وما يهتمون به. والبعض منهم حاول الربط بينها وبين الأحداث التاريخية لفهم بعض ظواهر الطبيعية، وبخاصة ما يتعلق بنشأة الكون وما فيه من أسرار وعجائب تأثرت بها الحياة البشرية، واستنتاج ما وراء الطبيعة. وتختلف الأساطير بحسب غايتها، فقد يكون الغاية منها: 1- سياسي، مثل إبقاء الحكم في سلالة محددة كما يحدث في بعض بلاد المشرق، أو من أجل تحقيق مكاسب سياسية كما فعل اليهود في الغرب حينما نشروا بعض الأساطير لكن بصبغة صهيونية. 2- اجتماعي، مثل تعزيز قيم ومبادئ مرغوب فيها، أو بيان مصلحة العمل بالعادات والتقاليد، وأحياناً تكون للتسلية وقضاء الأوقات خاصة في الأزمنة القديمة التي لم تتوفر فيها وسائل الترفيه. 3- ثقافي، مثل تأكيد آراء فلسفية، أومن أجل الهيمنة الفكرية على المجتمع. 4- ديني، مثل أهمية التمسك بالشعائر الدينية وتفسيرها والتحذير من مخالفتها، ولذا نجد أن الأساطير تنتشر في الشعوب التي تتعدد فيها الآلهة. وحينما نتأمل هذه الغايات نجد أن الخوف عامل مشترك بينها. وهناك غايات أخرى، لكن لعل أهمها ما ذكرناه. يتناقل الناس الأساطير من جيل لآخر، بأساليب مختلفة، وطرق متعددة، سواء بالسماع، أو رواية الحكايات، أو الكتابة أو النحت، مما جعلها جزء من الفلسفة والثقافة والفن لدى غير المسلمين. فبعض العروض المسرحية الكبرى، والمقطوعات الغنائية العالمية، مأخوذة من هذه الأساطير. بل بعضهم يثبت أثرها على العلوم الحديثة، حيث إنها كانت سبباً لأفكار إبداعية وابتكارات علمية، وأن بعض المصطلحات العلمية المعاصرة أصولها أسطورية. لكن يتقلص دور الأساطير كثيراً في المجتمعات المتطورة، مما جعل بعض المفكرين المعاصرين يقلل من أهميتها ويعتبرها أنها كانت مرحلة من مراحل الفكر الإنساني وقد انتهى. وآخرون أنكروها بالكلية واعتبروها جهلاً وتخلفاً، ومعظمهم ممن لا يؤمن بالغيبيات، أو ممن يعتقد بصحة ما يثبته العلم التجريبي فقط وينفي ما عداه. وادعى بعض القوم الذين أرادوا التشكيك في الإسلام أن الأساطير موجودة عند المسلمين، وأنها مذكورة في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وتاريخ المسلمين، وهذا الدعوى باطلة، وما ذلك إلا لقلة علمهم بالكتاب والسنة، وعدم معرفتهم بفهم السلف الصالح، وجهلهم بعلم الرجال والأسانيد والروايات، وقواعد الشريعة وأصولها. إن ورود لفظة الأساطير في القرآن فيه إثبات لوجودها عند المشركين وليس لإثبات صحتها أو أن القرآن به شيء من الأساطير. ووردت لفظة الأساطير في حوالي تسع مواضع من القرآن العظيم، وكلها جاءت بأساطير الأولين. فالقرآن كلام الله عز وجل، وكلامه سبحانه وتعالى كله حق لا باطل فيه قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصلت 41،42) وقال تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ (النحل102) وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ (المائدة 48)، ولذا لم تأتي هذه اللفظة عما جاء به الأنبياء والمرسلين قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾( الأعلى 18) وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾ (الشعراء196) وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ (طه 133) وقال تعالى: ﴿وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ (النساء163 ) وقال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (الأعراف145 ) وقال تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى﴾ (النجم36). أما الأساطير فهي من كلام البشر، وكلام البشر فيه الحق وفيه الباطل. قال الجوهري رحمه الله أن الأساطير: هي الأباطيل والترهات. وقال الليث رحمه الله: سطر فلان علينا يسطره إذا جاء بأحاديث تشبه الباطل. قال تعالى: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ (الأنعام: 25). قال السعدي رحمه الله: أي مأخوذ من صحف الأولين المسطورة، التي ليست عن الله، ولا عن رسله. وهذا من كفرهم، وإلا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباء السابقين واللاحقين، والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون، والحق، والقسط، والعدل التام من كل وجه، أساطير الأولين ؟ انتهى. وعن ابن عباس رضي الله عنه يقول الذين كفروا يعني قريشاً، قال ابن عباس: قالوا للنضر بن الحارث: ما يقول محمد ؟ قال: أرى تحريك شفتيه وما يقول إلا أساطير الأولين، مثل ما أحدثكم عن القرون الماضية، وكان النضر صاحب قصص وأسفار، فسمع أقاصيص في ديار العجم مثل قصة رستم واسفنديار فكان يحدثهم.[1] فهي جاءت على لسان الكفار لرد دعوة التوحيد قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ ( النحل24 )، وأن ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم ويخبر به ويدعو إليه هو كلام قديم قد علموا شيء منه، وأنهم يعرفون شيء من أخبار الأمم السابقة قال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ ( المؤمنون 81-83 ) وقال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ ( الأنفال31) لكنهم لم يؤمنوا بالقرآن وأنه وحي من الله عز وجل بسبب عنادهم وظلمهم، فكذبوا بنبوءة محمد صلى الله عليه وسلم وأن هذا القرآن كذب اختلقه وأعانه على ذلك قوم آخرين قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ (الفرقان4-5). فمن ادعى بأن القرآن فيه شيء من الأساطير فقد اتبع سبيل الذين كفروا. وكل ما ثبت صحته للنبي صلى الله عليه وسلم فهو وحي من الله عز وجل وهو حق لا ريب فيه، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)﴾ (النجم 3-4) وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه))[2]. قال ابن باز رحمه الله تعالى: يعني أن الله أعطاه وحياً آخر وهو السنة التي تفسر وتبين معناه[3] كما قال الله عز وجل: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ( النحل44)، فالله أوحى إليه القرآن وأيضاً السنة وهي الأحاديث التي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا، فالسنة هي وحي ثان أوحاه الله إليه لإكمال الرسالة وتمام البلاغ، وهو صلى الله عليه وسلم يعبر عن ذلك بالأحاديث التي بينها للأمة قولاً وفعلاً وتقريراً. انتهى فمن ادعى وجود الأساطير في الكتاب والسنة فقد ضل ضلالاً مبيناً. وما يروى من أخبار العباد، وقصص الزهاد، وحكايات القادة الشجعان مما هو خارق للعادة أو مما هو من كرامات الأولياء الصالحين من المؤمنين، فقد اجتهد علماء المسلمين المحققين في دراسة هذه الروايات ومصادرها وأسانيدها وبينوا حال أصحابها ومعرفة زمانها أو مكانها، ووزنوها بميزان الشرع، وأصول الدين، فميزوا بين الصحيح والضعيف، والصالح والطالح. فبينوا الخرافة الكاذبة، وردوا على أهل الأهواء والتحريف والكذب وكشفوا عوارهم. أما الأساطير فإنها تنقل من جيل لآخر بلا دراسة لمصدرها ولا يمكن إثبات صدقها. فلا وجود للأساطير في القرآن والسنة ولا في تاريخ وفكر وحضارة المسلمين. وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] انظر تفسير القرطبي [2] رواه أحمد [3] أي القرآن الكريم. أحمد بن سواد
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|