اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > التاريخ والحضارة الإسلامية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-02-2018, 11:39 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp زبيدة أم الأمين

زبيدة[1] بنت جعفر بن المنصور: سيدة جليلة ذات خدمات جلى في الحضارة والعمران، ذات عقل راجح ولسان مبين، عطفت على الأدباء والشعراء والأطباء فكان لعملها هذا أثر عميق في تقدم الحضارة وازدهارها.
*
ربيت زبيدة تربية عالية وثقفت ثقافة رفيعة كانتا خيري معين على نبوغها وتسابقها إلى فعل الخير والعمل المثمر، ولما ترعرعت وبلغت سن الزواج أعرس بها الرشيد سنة 165هـ في خلافة المهدي ببغداد، فصار لها عند الرشيد منزلة عظمى ورأي مسموع ونفوذ وسلطان في الدولة والرعية.
*
ثم صرفت كل ما لديها من قوة وسلطان في سبيل تسنُّم ولدها الأمين عرش الخلافة، ولا دليل على ذلك أكبر من غمها لما ذكر الرشيد البيعة لابنه المأمون، فدخلت على الرشيد تعاتبه أشد المعاتبة وتؤاخذه أ*** المؤاخذة فقال الرشيد: ويحك إنها أمة محمد ورعاية من استرعاني الله تعالى مطوقاً بعنقي، وقد عرفت ما بين ابني [المأمون] وابنك [الأمين]. ليس ابنك يا زبيدة أهلاً للخلافة ولا يصلح للرعية. قالت: ابني والله خير من ابنك وأصلحُ لما تريد؛ ليس بكبير سفيه ولا صغير فهيه، أسخى من ابنك نفساً وأشجع قلباً، فقال هارون: ويحك إن ابنك قد زينه في عينك ما يزين الولد في عين الأبوين، فاتق الله فو الله إن ابنك لأحب إلي إلا أنها الخلافة لا تصلح إلا لمن كان لها أهلاً وبها مستحقاً، ونحن مسؤولون عن هذا الخلق ومأخوذون بهذا الأنام، فما أغنانا أن نلقى الله بوزرهم وننقلب إليه بإثمهم، فاقعدي حتى أعرض عليك ما بين ابني وابنك. فقعدت معه على الفراش، فدعا ابنه عبدالله المأمون، فلما صار بباب المجلس، سلم على أبيه بالخلافة ووقف طويلاً وقد طأطأ برأسه وأغض ببصره ينظر الإذن حتى كادت قدماه ترمي، ثم أذن له بالجلوس فجلس فاستأذن بالكلام، فأمر له فتكلم فحمد الله على ما منَّ عليه من رؤية أبيه، ويرغب إليه في تعجيل الفرج مما به، ثم استأذن في الدنو من أبيه فدنا منه، وجعل يلثم أسافل قدميه ويقبل باطن راحتيه ثم انثنى ساعياً إلى زبيدة فأقبل على تقبيل رأسها ومواضع ثدييها، ثم انحنى إلى قدميها، ثم رجع إلى مجلسه فحمد الله إليها فيما منَّ به عليها من رضى أبيه عنها وحسن رأيه فيها، ويسأله تعالى العون لها على بره وأداء المفروض عليها من حقه ويرغب أن يوزعا شكره وحمده.
*
فقال الرشيد: يا بني إني أريد أن أعهد إليك عهد الأمانة، وأقعدك مقعد الخلافة، فإني قد رأيتك لها أهلاً وبها حقيقاً. فاستعبر المأمون باكياً وصاح منتحباً يسأل الله العافية من ذلك ويرغب إليه ألا يريه فقد أبيه.
*
فقال له: يا بني إني أرى أنني لما بي، وأنت أحق، وسلم الأمر لله، وارض به، واسأله العون عليه. فلا بد من عهدي يكون في يومي هذا.
*
فقال عبدالله المأمون: يا أبتاه أخي أحق مني وابن سيدتي ولا إخال إلا أنه أقوى على هذا الأمر مني وأشد استطلاعاً، عرض الله ما فيه الرشاد والخلاص، وللعباد الخير والصلاح، ثم أذن له، فقام خارجاً.
*
ثم دعا هارون بابنه محمد الأمين، فأقبل يجر ذيله ويتبختر في مشيته، فمشى داخلاً بنعله، قد أنسي السلام وذهل عن الكلام نخوة وتجبراً وتعظماً وإعجاباً، فمشى حتى صار مستوياً مع أبيه على الفراش، فقال هارون: ما تقول يا بني فإني أريد أن أعهد إليك، فقال يا أمير المؤمنين ومن أحق بذلك مني وأنا أسن ولدك وابن قرة عينك؟ فقال هارون: اخرج يا بني، ثم قال لزبيدة: كيف رأيت ما بين ابني وابنك، فقالت يا أمير المؤمنين: ابنك أحق بما تريد وأولى بما لديك.
*
ومن شدة رفقها بالأمين بعثها خالصة جاريتها إلى الكسائي مؤدب ولدها الأمين، وكان شديداً عليه فقالت الجارية: يا كسائي إن السيدة تقرأ عليك السلام، وتقول لك: حاجتي أن ترفق بابني محمد في تأديبه فإنه ثمرة فؤادي وقرة عيني، وأنا أرق عليه رقة شديدة، فقال الكسائي لخالصة: إن محمداً مرشح للخلافة بعد أبيه، ولا يجوز التقصير في بابه.
*
وأما ابنها الأمين فكان يقابل والدته وحنانها بتعظيمها وتبجيلها، حتى إنها لما شخصت سنة 193ه من الرقة بجميع ما كان معها هنالك من الخزائن وغير ذلك، تلقاها الأمين بالأنبار في جميع من كان ببغداد من الوجوه والأعيان. وكان الأمين شجاعاً ذا نفس كبيرة، تدل على ذلك كلماته التي فاء بها لأمه لما أحيط بالعدو، إذ دخلت عليه باكية قال الأمين لها: مه، إنه ليس بجزع النساء وهلعهن عقدت التيجان، والخلافة سياسة لا تسعها صدور المراضع، وراءك وراءك.
*
ولما *** الأمين، جزعت عليه جزعاً عظيماً، ورثته بقولها:
أودى بألفين من لم يترك الناسا
فامنح فؤادك عن مقتولك الباسا
لما رأيت المنايا قد قصدن له
أصبن منه سواد القلب والراسا
فبت متكئاً أرعى النجوم له
أخال سنته في الليل قرطاسا
والموت حاق به والهم قاربه
حتى سقاه التي أودى بها الكاسا
رزئته حين باهيت الرجال به
وقد بنيت به للدهر آساسا
فليس من مات مردوداً لنا أبداً
حتى يرد علينا قبله ناسا
*
ثم دخل على زبيدة بعض خدمها، فقال: ما يجلسك وقد *** أمير المؤمنين محمد؟ فقالت ويلك وما أصنع؟ فقال تخرجين فتطلبين بثأره كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان. فقالت: اخسأ لا أم لك ما للنساء وطلب الثأر ومنازلة الأبطال. ثم أمرت بثيابها فسودت ولبست مسحاً من شعر ودعت بدواة وقرطاس وكتبت إلى المأمون:
لخير إمام قام من خير عنصرِ
وأفضل راق فوق أعواد منبرِ
ووارث علم الأولين وفخرهم
وللملك المأمون من أم جعفر
كتبت وعيني تستهل دموعها
إليك ابن عمي مع جفوني ومحجري
أصبت بأدنى الناس منك قرابة
ومن زال عن كبدي فقل تصبري
أتى طاهر لا طهر الله طاهراً
وما طاهر في فعله بمطهر
فأبرزني مكشوفة الوجه حاسراً
وأنهب أموالي وأخرب أدوري
يعز على هارون ما قد لقيته
وما نالني من ناقص الخلق أعور
فإن كان ما أسدى لأمر أمرته
صبرت لأمر من قدير مقدر
*
ثم أرسلت زبيدة إلى أبي العتاهية تطلب منه أن يقول أبياتاً على لسانها للمأمون فقال:
ألا إن ريب الدهر يدني ويبعد
وللدهر أيام تذم وتحمد
أقول لريب الدهر إن ذهبت يد
فقد بقيت والحمد لله لي يد
إذا بقي المأمون لي فالرشيد لي
ولي جعفر لم يهلكا ومحمد[2]
*
فلما قرأ المأمون هذه الأبيات وجه إلى زبيدة بحباء جزيل، وكتب إليها يسألها القدوم عليه، فلم تأته في ذلك الوقت وقبلت منه ما وجه إليها، فلما صارت إليه بعد ذلك، قال لها: من قائل الأبيات؟ قالت أبو العتاهية قال وكم أمرت له؟ قالت عشرون ألف درهم. قال المأمون وقد أمرنا له بمثل ذلك. واعتذر إليها من *** أخيه محمد. وقال لست صاحبه ولا قاتله وأقول كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما بلغه *** عثمان: والله ما أمرت ولا رضيت، اللهم جلل قلب طاهر حزناً، فقالت زبيدة يا أمير المؤمنين إن لكما يوماً تجتمعان فيه وأرجو أن يغفر الله لكما إن شاء الله.
*
وفي رواية الخطيب البغدادي: أن زبيدة قالت للمأمون عند دخوله بغداد: أهنئك بخلافة قد هنأت نفسي بها عنك قبل أن أراك، ولئن كنت قد فقدت ابناً خليفة، لقد عوضت ابناً خليفة لم ألده وما خسر من اعتاض مثلك ولا ثكلت أم ملأت يدها منك، وأنا أسأل الله أجراً على ما أخذ وإمتاعاً بما عوض.
*
ثم أخذ المأمون بعد ذلك يزيد في تكرمة زبيدة وأسرتها، فكان يوجه إليها في كل سنة بمئة ألف دينار جدداً، وألف ألف درهم، فكانت تعطي أبا العتاهية منها مئة دينار وألف.

[1] زبيدة لقب غلب عليها واسمها أمَة العزيز، وكان المنصور يرفعها وهي صغيرة وكانت سمينة حسنة البدنة فيقول لها يا زبيدة فغلب عليها ذلك، وتكنى أم الواحد.
[2] العقد الفريد ج2 ص30 وفي رواية القالي خلاف باللفظ لا يؤثر على المعنى والقصد الذي نحن بسبيله.

أ. عمر رضا كحالة
__________________
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:04 AM.