#1
|
|||
|
|||
موقفنا من آلام الناس
يعاني كثير من المسلمين في بقاع كثيرة من الأرض من أنواع المعاناة المختلفة، فمنهم الفقير، ومنهم المهجر، ومنهم الخائف، ومنهم المستضعف، ومنهم اللاجئ العائل ومنهم المريض ومنهم العاجز.. وغير ذلك
كثير من هؤلاء لا يجد من يواسيه أو يحمل همه أو يداوي جراحه أو يربت على كتفه أو يمسح دمعاته هؤلاء قد يكونون في أقصى الأرض أو مشرقها أو مغربها، وقد يكونون سودا أو بيضا أو صفرا، اختلفت لغاتهم وتباينت لهجاتهم.. لكن رابطا إيمانيا خفيا يربط قلوبهم جميعا مهما تباعدت بهم الأماكن، وحجزت بينهم الحواجز، هو أوثق من أي رباط مادي، إذ يُنبت في صدورهم محبة بينهم، وينشئ في نفوسهم حرصا على الخير لهم، ويحيى في عقولهم اهتماما بشئونهم، بل إنه يجعلهم وكأنهم بالفعل جسد واحد مترابط متعاضد البنيان. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:*«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر»*[متفق عليه]. أن رابط الإيمان يدوم ولا ينقطع، ويثاب المرء بتماسكه به، ويهب قيما فاضلة بين الناس، فيعلي الحق، ويدافع عن المظلوم، ويرحم الضعيف، ويكفل الفقير، ويجبر الكسير، كل ذلك ابتغاء وجه الله سبحانه. بل إن أثره بين المؤمنين يستمر حتى بعد الحياة، فيظل صاحبه يثاب بصدقته الجارية أو بعمله ذي الاثر الباقي ما يجعل الأحياء يدعون له ويذكرونه بالجميل، ثم تكون المكافأة الكبرى إذ يتوج رباط الإيمان في الحياة بأخوة وصحبة في الآخرة. إن تداعيا مبهرا يحصل بين الأعضاء عند شكوى أحدها وإيلامه، يمثل لنا نوعا معجزا من العطاء إذ تُستدعي أنسجة الجسد وغدده وأجهزته دعما لهذا العضو المريض أو المتألم، كما تشتكي تلك الاعضاء بشكواه، ولا تهدأ إلا عند شفائه. إن هذا ما يحدث في الجسد الحي الصحيح، أما الأعضاء التي لا تستشعر آلام بعضها ولا تنتهض لدعمه هي في الحقيقة أعضاء ميتة لا حياة فيها. يقول سبحانه:*{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}*قال الشوكاني عند هذه الآية: أي قلوبهم متحدة في التودد والتحبب والتعاطف..*ففي صحيح مسلم عن المنذر بن جرير، عن أبيه، قال: كنَّا عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صدر النهار قال: فجاءه قومٌ حفاةٌ عراةٌ.. فتمعرَّ وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثمَّ خرج فأمر بلالًا، فأذَّن وأقام فصلَّى، ثم خطب فقال:*{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ إلى آخر الآية إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}النساء: 1] والآية التي في الحشر {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ}الحشر: 18]، تصدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره - حتى قال - ولو بشقِّ تمرة. قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّة كادت كفُّه تعجِز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتَّى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يتهلَّل، كأنَّه مذهبة، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسَنةً، فله أجرها، وأجر من عمِل بها بعده من غير أن يَنقُص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سُنَّةً سيِّئةً، كان عليه وزرها، ووزر مَن عمِل بها من بعده من غير أن ينقُص من أوزارهم شيء»*أخرجه مسلم. إن ذاك الجسد المؤمن يئن ويشتكي ملايين من ابنائه اليوم، إن منهم آلاف الأطفال يرتجفون من الصقيع والبرد لا غطاء لهم ولا سكنى، ومنهم مئات الآلاف من المستضعفين الذين لا يقدرون على القيام بشأن أنفسهم ولا رعاية أحوالهم. إنه لا عذر لأحد في أن ينام ساكنا بينما البرد القارص يأكل أجساد الصغار، والجوع المهلك يؤلم الأسر الفقيرة المهجرة، والخوف المرعب يحيط بالأرامل والنساء اللاتي فقدن أزواجهن، والحزن القاتل يهجم على قلوب الثكالى. إن معاني الإيمان تلك ليست مجرد معان جامدة، ولا نظريات مكتوبة، بل إنها تطبيق وعمل، وتحرك وإيجابية وعطاء، ودفع تنفيذي نحو المسارعة بالمنفعة.. لقد وسع الإسلام من مفهوم المعونة والنفع والعطاء، فشكر لمن أطعم جائعا ولو كان على غير الإسلام، بشرط ألا يكون محاربا. قال الشافعي: "ولا بأس أن يُتصدق على المشرك من النافلة.. وقد حمد الله تعالى قوماً فقال (ويطعمون الطعام) " الأم وعن عائشة رضي الله عنها: «أن امرأة يهودية سألتها فأعطتها»*أخرجه احمد كما شكر لمن اهتم لحيوان فسقاه ماء، أو أطعمه طعما «ففي كل ذات كبد رطبة أجر»*البخاري فما بالكم بالموحدين والمؤمنين واصحاب الحقوق في العقيدة والرسالة؟ فلتعل الأيدي بالعطاء، ولترفع الأكف بالدعاء، ولتلهج القلوب بالمشاركة الشعورية لكل متألم. خالد روشة
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|