|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا (خطبة)
الخطبة الأولى
الحمدُ لله الَّذي لا مانعَ لما وَهَب، ولا مُعْطيَ لما سَلَب، طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب، وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب، هَيَّأ قلوبَ أوْلِيائِهِ للإِيْمانِ وكَتب، وسهَّلَ لهم في جانبِ طاعته كُلَّ نَصَب، أحمدهُ على ما مَنَحَنَا من فضْله وَوَهَب، وأشهَدُ أن لا إِله إلاَّ الله وَحْدهُ لا شريكَ لَهُ هزَمَ الأحْزَابَ وَغَلَب، وأشْهَدُ أن محمداً عبدهُ وَرَسُولهُ الَّذي اصْطَفاه وانتَخَبَ، صلَّى الله عَلَيْهِ وعلى صَاحِبه أبي بكر الْفائِقِ في الفَضَائِلِ والرُّتَب، وعلى عُمَرَ الَّذي فرَّ الشيطانُ منهُ وهَرَب، وعَلَى عُثْمان ذي النُّوُريَنِ التَّقيِّ النَّقِّي الْحسَب، وَعَلى عَليٍّ صهره وابن عمه في النَّسب، وعلى بقِيَّةِ أصحابه الذينَ اكْتَسَوا في الدِّيْنِ أعْلَى فَخْرٍ ومُكْتسَب، وعلى التَّابِعين لهم بإحْسَانٍ ما أشرق النجم وغرب، وسلَّم تسليماً. * أما بعد: فاعلم علمني الله وإياك: أن المسلم لا بد من أن يحاسب نفسه على أقواله وأفعاله في سفرة وحضره، يحاسبها على العمل سواء كان الأمر يتعلق بالدين أو الدنيا، أو كان يتعلق به في خاصته أو يتعلق بغيرة من إخوانه، فإن ذلك هو أسلم الطرق للنجاة من النار ومن شدة المحاسبة في الآخرة. * تعريف المحاسبة: عرفها الإمام الماوردي فقال: المحاسبة أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعاله نهاره فإن كان محمودا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموما استدراكه إن أمكن وإن لم يمكن فيتبعها بالحسنات لتكفيرها وينتهي عن مثلها في المستقبل. * دعوة القران والسنة إلى المحاسبة: والمحاسبة لا نجاة إلا بها ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المجادلة 6]. * والمحاسبة تصدر من التأمل في هذه النصوص، ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ المحاسبة انطلاقا من آثار قوله تعالى ﴿ يوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران 30]. والمحاسبة تنطلق من الإيمان باليوم الآخر وأن الله يحاسب فيه الخلائق وقد حذرنا الله من ذلك اليوم فقال سبحانه وتعالي ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة 281]. محاسبة النفس طريقة المؤمنين وسمة الموحدين وعنوان الخاشعين فالمؤمن متق لربه محاسب لنفسه مستغفر لذنبه يعلم أن النفس خطرها عظيم وداؤها وخيم ومكرها كبير وشرها مستطير فهي أمارة بالسوء ميالة إلى الهوى داعية إلى الجهل، قائدة إلى الهلاك تواقة إلى اللهو إلا من رحم الله فلا تترك لهواها لأنها داعية إلى الطغيان، من أطاعها، قادته إلى القبائح ودعته إلى الرذائل وخاضت به المكارة... وغوائلها عجيبة ونزعاتها مخيفة وشرورها كثيرة فمن ترك سلطان النفس حتى طغى فإن له يوم القيامة مأوي من جحيم ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات 37 - 39] (وعلى النقيض ) ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات 40، 41] . الآية التي أمرنا الله فيها بالمحاسبة هي قوله تعالى* ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر 18] تنظر أي تفكر و تتفكر. * يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - عن هذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه وأنه ينبغي له أن يتفقدها فإن رأى ذنب تدركه عنه بالإقلاع والتوبة النصوح والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه وإن رأى نفسه مقصرا في أمر الله بذل جهده واستعان بربه في تتميمه وتكميله وإتقانه ويقايس بين منن الله عليه وبين تقصيره هو في حق الله فإن ذلك يوجب الحياء لا محالة والحرمان كل الحرمان أن يغفل العبد عن هذا الأمر ويشابه قوما نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها فلم ينجحوا ولم يحصلوا على طائل بل أنساهم الله مصالح أنفسهم وأغفلهم عن منافعها وفوائدها فصار أمرهم فرطا فرجعوا بخسارة الدارين وغبنوا غبنا لا يمكن تدركه ولا يجبر كسره لأنهم هم الفاسقون[1]. * حث السلف على محاسبة النفس: اعلم زادك الله علما:- أن سلف هذه الأمة تواتره أقوالهم على الحث على محاسبة العبد نفسه والوقوف بها عند الخطرات وغيرها، عن وهب بن منبه: قال مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذاتها، فيما يحل ويحمد في هذه الساعة عونا على تلك الساعات وإجماما للقلوب[2]. * وحق على العاقل أن لا يرى ظاعنا إلا في ثلاث زاد لميعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وحق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه، حافظا للسانه على شأنه. * قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه ): حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية[3]. * وكتب عمر ( رضي الله عنه ).. إلى بعض عماله فكان في أخر كتابه أن حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضى والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته شهواته، عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة، فتذكر ما توعظ به لكي تنتهي عما ينهي عنه[4]. * وقال الحسن بن أبي الحسن: فإذا علم العبد أنه خلق وحده ويموت وحده، ويحاسب وحده، وما قدر الله له من الذنوب والخطايا لا يحمله عنه غيره يكون حذرا ويتوقع رسولا رب العالمين عند كل كلمة وعند كل خطوة، والدنيا ميدان الله والمؤمنون خيل الله اليوم المضمار، وغدا السباق، ولا يجاوز الصراط إلا كل ضامر مهزول من خشية الله[5]. * قال الحسن البصري – رحمه الله – المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، إن المؤمن يفاجأ الشيء وبعجبه الشيء فيقول الله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما صلة إليك هيهات حيل بيني وبينك ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول هيهات ما أردت إلى هذا ومالي ولهذا، والله ما أعذر بهذا ولا أعود إلى هذا أبدا إن شاء الله، ومالي ولهذا والله ما أعذر بهذا والله لا أعود إلى هذا أبدا إن شاء الله، إن المؤمنين قوم أوقفهم القران وحال بينهم وبين هلكتهم إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئا حتى يلقى الله، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره وفي لسانه وفي جوارحه[6]. * ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل، ونوع بعده. واعلموا علمني الله وإياكم أن للمحاسبة نوعان: النوع الأول: فهو أن يقف عند أول همه وإرادته فينظر: هل العمل موافقٌ لكتاب الله وسنة رسوله صلى اللهُ عليه وسلم أم لا؟ فإن كان موافقًا أقدم، وإن كان مخالفًا ترك، ثم ينظر: هل فعله خير له من تركه؟ أو تركه خير له من فعله؟ فإن كان الثاني: تركه ولم يقدم عليه، ثم ينظر: فإن كان لله مضى، وإن كان للجاه، والثناء، والمال من المخلوق ترك. * أما النوع الثاني: فهو محاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع: أولًا: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي، وحق الله في الطاعة ستة أمور: الإخلاص لله في العمل، النصيحة لله فيه، متابعة الرسول صلى اللهُ عليه وسلم، شهود مشهد الإحسان فيه، شهود منة الله عليه، شهود تقصيره فيه، بعد ذلك كله يحاسب نفسه هل وَفَّى هذه المقامات حقها؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة؟ ثانيًا: أن يحاسب نفسه على المناهي، فإن عرف أنه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية. ثالثًا: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرًا من فعله. * فوائد المحاسبة: أخي المسلم: هيا لنرى الفوائد التي يجنيها المحاسب لنفسه بعد المحاسبة يقول ابن القيم رحمه الله: وفي محاسبة النفس عدة مصالح منها: الاطلاع على عيوبها، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله، وقد روي الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا، ثم تأمل أخي المسلم إلى أحوال السلف وحرصهم الشديد على محاسبة أنفسهم ومقتها في جنب الله:- قال مطرف بن عبد الله. لولا ما اعلم من نفسي لقليت الناس. قال أبو بكر المزني: إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لو لا أني كنت فيهم. قال: أيوب السختياني: إذا ذكر الصالحون كنت عنهم بمعزل. * ثانيا: أنه يعرف بذلك حق الله تعالى ومن فوائد محاسبة النفس: أنه يعرف بذلك حق الله تعالى، ومن لم يعرف حق الله تعالى عليه فإن عبادته لا تكاد تجدي عليه وهي قليلة المنفعة جدا، * وقد قال الإمام أحمد عن وهب قال: بلغني أن نبي الله موسى عليه السلام مر برجل يدعو ويتضرع فقال: يا رب ارحمه، فإني قد رحمته فأوحى الله إليه: لو دعاني حتى تنقطع قواه ما استجبت له حتى ينظر في حقي عليه. * ثالثا: ومن فوائد نظر العبد في حق الله عليه:- أن لا يتركه ذلك يدل بعمل أصلا، كائنا ما كان ومن أدل بعمله لم يصعد إلى الله تعالى، كما ذكر الإمام أحمد عن بعض أهل العلم بالله أنه قال له رجل، إني لأقوم في صلاتي فأبكي حتى يكاد ينبت البقل من دموعي، فقال له إنك إن تضحك وأنت تعترف لله بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك، فإن صلاة الدال لا تصعد فوقه، فقال له أوصني، قال عليك بالزهد في الدنيا وأن لا تنازعها أهلها وأن تكون كالنحلة إن أكلت أكلت طيبا وإن وضعت وضعت طيبا، و إن وقعت على عود لم تضره ولم تكسره، وأوصيك بالنصح لله عز وجل نصح الكلب لأهله، فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم وينصحهم[7]. * وقال الإمام أحمد عن الجريري قال بلغني أن رجلا من بني إسرائيل كانت له إلى الله عز وجل حاجة فتعبد واجتهد، ثم طلب إلى الله تعالى حاجته فلم ير نجاحا، فبات ليلة مزريا على نفسه وقال يا نفس مالك لا تقضي حاجتك، فبات محزونا قد أزرى على نفسه والزم إطلاقه نفسه، فقال أما والله ما من قبل ربي أُتيت ولكن من قبل نفسي أُتيت، وألزم نفسه الملامة فقضيت حاجته[8]. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم. * الخطبة الثانية أما بعد بعد أن عشنا في رياض القرآن والسنة وتعرفنا على المحاسبة وفوائده، هيا لنرى حرص السلف من الصحابة والتابعين على محاسبة أنفسهم وكيف نظروا إليها وعلموا أنه لا نجاة لهم من شدائد وأهوال يوم القيامة إلا إذا حاسبوا أنفسهم في الدنيا. * قال إبراهيم التيمي – رحمه الله –. مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق إبكارها، ثم مثلت نفسي في النار أكل من زقومها وأشرب من صديديها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي أي نفس أي شيء تريدين؛ قالت أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا، قال قلت فأنت في الأمنية فاعملي. * قال الذهبي- رحمه الله -، ويروي أن يحيى بن يحيى شرب دواء فقالت زوجته قم فتمشى في الدار، قال أنا أحب أن أحاسب نفسي أربعين سنة على خطاي فما أعلم ما هذه المشية[9]. * فتأمل أخي حال يحيى بن يحيى كيف أنه توقف عن المشي لأنه ما يعلم هذه المشية التي تريد زوجته أن يمشيها، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يحاسبون أنفسهم عن كل خطوة هل هي لله وهل تعود عليه بالخير أم بالشر. * ويقول عامر بن قيس لقيت ناسا من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم - فأخبروني أن أخلص الناس يوم القيامة أشدهم محاسبة في الدنيا لنفسه وأن أشد الناس فرحا يوم القيامة أشدهم حزنا في الدنيا، وإن أكثر الناس ضحكا يوم القيامة أكثرهم بكاء في الدنيا[10]. * قال مالك بن ضغيم: حدثتني خالتي حبابة ميمونة العتكية قالت: رأيت أبا ضغيم نزل ذات ليلة من فوق البيت بكوز قد برد له حتى صبه في اكتاز من الجب ماء حارا فشرب فقلت له بأبي أنت قد، رأيت الذي صنعت فمم ذاك؛ قال: كانت مني نظرة إلى امرأة فجعلت على نفسي أن تذوق الماء البارد أيام الدنيا قلت أنغص عليها الحياة[11]. * عن عبد الجبار بن نضر السلمي قال مرّ حيان بن أبي سنان بغرفة فقال متى بنت هذه؛ ثم أقبل على نفسه فقال تسألين عمالا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة فصامها[12]. * قال مالك بن ضغيم: جاء رياح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر فقلنا إنه نائم فقال: نوم هذه الساعة؛؛! أهذا وقت نوم ؟!؛ ثم ولى منصرفا فأتبعناه رسولا فقلنا قل له ألا نوقظه لك؛ فأبطأ علينا الرسول ثم جاء وقد غربت الشمس فقلنا أبطأت جدا فهل قلت له، قال هو اشغل من أن يفهم عني شيئا أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه وهو يقول أقلت أنوم هذه الساعة ؟؛ أفكان عليك ينام الرجل متى شاء وقلت هذا وقت نوم، وما يدرك أن هذا ليس وقت نوم تسألين عما لا يعنيك وتكلمين بما لا يعنيك، أما إن لله علي عهدا لا أنقضه أبدا لا أوسدك الأرض لنوم حولا إلا لمرض جاء بك أو لذهاب عقل زائل سوءة لك سوءة لك، أما تستحين كم توبخين عن غيك لا تنهين، قال وجعل يبكي وهو لا يشعر بمكاني فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته[13]. * عن محمد بن المنكدر قال أن تميما الداري نام ليلة لم يقيم يتهجد حتى أصبح فقام سنة لم ينم عقوبة للذي صنع[14]. * فهذا حال تميم ( رضي الله عنه) حاسب نفسه على انه لم يقيم ليلة فصام سنة فما بال الخلف الذين ينامون عن صلاة الفجر ولا يصلونها في جماعة بل الواحد منهم يفرط في الفرائض وربما لا يصلها أصلا فأين الثرى من الثريا. * كان الأحنف بن قيس يجئ إلى المصباح بالليل فيضع إصبعه فيه ثم يقول " حس، حس " ثم يقول يا أحنف ما حملك على ما صنعت يوم كذا، وما حملك على ما صنعت يوم كذا[15]. * عن الشعبي قال سمع عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه) امرأة تقول - دعتني النفس بعد خروج عمرو إلى اللذات تطلع إطلاعا فقلت لها عجلت فلن تطاعي ولو طالت إقامته رباعا أحاذر أن أطيعك سب نفسي ومخزاة تحللني قناعا * فقال لها عمر: ما الذي منعك من ذلك؟؛ قالت: الحياء وإكرام زوجي فقال عمر إن هذا الحياء لهنات ذات ألوان من استحي اختفى ومن اختفى اتقى ومن اتقى وقي[16]. * قال حميد بن هلال كان الأسود بن كلثوم إذا مشي نظر إلى قدميه قال ودور النساء إذا ذاك فيها تواضع، فعسى أن يفاجأ النسوة فيقول بعضهن لبعض كلا، إنه الأسود بن كلثوم، إنه لا ينظر فلما قرب غازيا، قال اللهم إن هذه النفس تزعم في الرخاء أنها تحب لقاءك، فإن كانت صادقة فارزقها ذلك، وإن كانت كاذبة فاحملها عليه وإن كرهت فاجعل ذلك ***ا في سبيلك وأطعم لحمي سباعا وطيرا، وقال فانطلق في طائفة من ذلك الجيش الذي خرج فيه، حتى دخلوا حائطا فيه ثلمة، وجاء العدو حتى قام على الثلمة، فنزل عن فرسه وضرب وجهه فانطلق غابرا، ثم عمد إلى ماء في الحائط، فتوضأ منه، وصلى وقال تقول العجم هكذا استسلام العرب، فلما قضي صلاته قاتلهم حتى ***، وعظم الجيش على ذلك الحائط وفيهم أخوه فقيل لأخيه ألا تدخل الحائط فتنظر ما اصيبت من فنظر ما أصبت من عظام أخيك؛ قال ما أنا بفاعل شيئا دعا به أخي، فاستحيت له[17]. * عن عطاء قال دخلت على فاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة عمر بن عبد العزيز فقلت لها يا بنت عبد الملك أخبرني عن أمير المؤمنين، قالت أفعل، ولو كان حيا ما فعلت إن عمر -رحمه الله -كان قد فرغ نفسه وبدنه للناس كان يقعد لهم يومه، فإذا أمسي وعليه بقية من حوائج يومه وصله بليله إلى أن أمسى وقد فرغ من حوائج يومه فدعا بسراجه الذي يسرج له من ماله، ثم قام فصلى ركعتين ثم أقعى واضعا رأسه على يديه تسايل دموعه على خده يشهق الشهقة فأقول، قد خرجت نفسه، انصدعت كبده، فلم يزل كذلك ليلته، حتى برق له الصبح، ثم أصبح صائما، قالت فدنوت منه فقلت يا أمير المؤمنين لشيء ما كان الليلة ما كان منك؛ قال أجل، فدعيني وشأني وعليك وشأنك قالت، فقلت إني لأرجو أن اتعظ، قال إذا أخبرك إني نظرت إلي، فوجدتني قد وُليتُ أمر هذه الأمة صغيرها وكبيرها وأسودها وأحمرها ثم ذكرت الغريب الضائع والفقير المحتاج، والأسير المفقود وأشباههم في أقاصي البلاد وأطراف الأرض، فعلمت أن الله سائلي عنهم، وأن محمد (صلى الله عليه وسلم ) حجيجي فيهم، فخفت على نفسي خوفا دمعت له عيني ووجل له قلبي، فأنا كلما ازددت لها ذكر ازددت لها وجلا، وقد أخبرتك فاتعظي الآن أو دعي[18]. * تأملوا إخوة الإسلام: في محاسبة الأخيار كيف يحاسب الواحد منهم على نفسه على أنفاسه؟ أم كيف وصلت بهم الخشية والخوف من الله إلى أن يفارق الواحد منهم الحياة فرقا من عذاب الله، كان توبة بن الصمة بالرقة، وكان محاسبا لنفسه فحسب فإذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال: يا ويلتي؛ ألقى الملك بواحد وعشرين ألف ذنب، كيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب؛ ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت، فسمعوا قائلا يقول يا لك ركضة إلى لفردوس الأعلى[19]. الدعاء..... [1] سلسلة أعمال القلوب جزء 3. [2] مجموع الفتاوى لابن تيميه جـ28 ص368، وإحياء علوم الدين جـ4 ص402،و. أخبار أصبهان - (رقم 198). [3] سبق تخريجه. [4] تاريخ دمشق جـ44 ص335.، و الزهد الكبير للبيهقي - (رقم 469)و محاسبة النفس - (رقم 16). [5] طبقات المحدثين بأصبهان جـ2 ص348. [6] المحاسبة رقم 17، و الزهد لابن المبارك - (رقم 307) ذم الهوى - (ص: 41)و تهذيب الكمال - (31 / 531). [7] الزهد لأحمد بن حنبل - (1 / 97). [8] الزهد للإمام أحمد ص97.، إغاثة اللهفان. [9] تاريخ الإسلام جـ1 ص1756. [10] تاريخ دمشق جـ26 ص5، و جامع الأحاديث - (39 / 420)[كنز العمال 8723]أخرجه ابن عساكر (26/4). [11] محاسبة النفس - (رقم 52) و ذم الهوى - (1 / 132). [12] شعب الإيمان جـ4 ص275، و بلوغ الأرب بتقريب كتاب الشعب - (1 / 339)و ذم الهوى - (ص44) محاسبة النفس - (رقم 53). [13] تاريخ دمشق جـ11 ص743 وتاريخ الإسلام جـ1 ص480 وشعب الإيمان جـ3 ص159. [14] بلوغ الأرب بتقريب كتاب الشعب - (1 / 228) و تاريخ دمشق - (11 / 77). [15] التخويف من النار ص42. [16] محاسبة النفس ص113. [17] صفة الصفوة جـ2 ص643.، المحاسبة رقم 20. [18] محاسبة النفس رقم 98، تاريخ دمشق - (45 / 197). [19] صفة الصفوة جـ4 ص196.، بلوغ الأرب بتقريب كتاب الشعب - (1 / 94) الزهد والرقائق للخطيب البغدادي - (رقم 70) و تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين - (1 / 46). السيد مراد سلامة
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|