اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-12-2017, 01:33 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp كيد الكافرين (خطبة)


الحمد لله الولي القاهر، المولى الناصر، الأول الآخر، عالم الغيب ومكنون الضمائر، وأشهد ألا إله إلا الله شهادة موقن إليه صائر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الطواهر.

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله،﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ... ﴾ [البقرة: 278].

أيها المؤمنون!
عداء الكفر لأهل الإيمان عداء أزلي وجد مع وجود البشر، وهو عداء مستعر لا تُطفئ لهيبَه المجاملاتُ واصطناعُ الابتسامات؛ فقد أفصح المولى العليم عن تلك الحقيقة التي لا تزيدها الأحداث إلا يقيناً وجلاءً إذ يقول - ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ﴾ [النساء: 45] -: ﴿ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [النساء: 101]. ومن أخطر جوانب العداء وأساليبه الكيد والمكر الذي ينطوي على تقصّد بالغ الإضرار بالمؤمنين بخفية واستتار وتمويه. كيد كبير، ومكر خطير، حتى كاد بضراوته أن يقلع الجبال الرواسي عن قرارها المكين، كما قال تعالى: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم: 46]. ومع ضخامة هذا الكيد فإنه كيد دائب لا يعرف الكلل والملل. كيد تحوكه مراكز أبحاث ودراسات، ولأجله تضخ قناطير الأموال وتقام قلاع الإعلام، كما دل على ذلك حرف التأكيد المقوّى بالفعل المضارع المستمر المستقبل المؤكَّد بالمفعول المطلق المنوّن في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴾ [الطارق: 15]. يحدوهم في ذلك حسد الضلال، وأزُّ الشياطين، وتزيينهم لهم ذلك المكرَ السيء، كما قال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109]، وقال: ﴿ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ﴾ [الرعد: 33].

أيها المسلمون!
هكذا هو مكر الكافرين، فماذا عن مكر خير الماكرين؟! إن مكر الكافرين مفردة من قدر الله الذي لا يند من نظمه شيء من الخلق، قد علمه وقدّره وأحاط به، كما قال تعالى: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ﴾ [إبراهيم: 46]. فهم في قبضة تصرفه، لا يخفى عليه مكرهم، وإنما أملى لهم؛ ليمتحن سرائر الإيمان ويبلو الأخبار. وقد كشف لعباده الموقنين حقيقة مكر الكافرين وكيدهم، وأرشدهم للتعامل الأمثل إزاء ذلك المكر والكيد؛ رحمة بهم، وتسلية لهم، وتقوية لقلوبهم، ورصاً لصفوفهم. إن كيد الكافرين مهما بلغ في قوته وإحكامه ووسائله ودهائه، فإن الله مضعفه، ومُحِلٌ بَرْمَ عُقَده، ﴿ ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأنفال: 18]، وفي قراءة ﴿ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأنفال: 18]، والتشديد في صيغة اسم الفاعل دليل المبالغة في إضعاف ذلك الكيد في الحال والاستقبال. ولا عجب في ذلك؛ إذ ضعف كيد الكفر مستمد من ضعف كيد مَصدره ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]. ومن صور إيهان الله كيدَ الكافرين إلقاءُ الرعب في قلوبهم، كما قال تعالى: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾ [آل عمران: 151]، وتفرّق كلمتهم، وفشو العداوة والبغضاء بينهم، كما قال تعالى: ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر: 14]. ومكر أولئك الكافرين السوءَ راجع بالسوء عليهم، وسيصطلون بناره، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43]. ومكر الله بأولئك الماكرين متين؛ لا يدركه بُعْدَه إلا من أنار الله بصيرته بنور الوحي، وعمر قلبَه باليقين، وكان له بصر بتاريخ الأمم، ولم تغرّه ظواهر الأحوال، ولم تأسره اللحظة الحاضرة؛ فالكيد الإلهي للكافرين كيد قوي شديد، خفي، متدرج، طويل الأمد، يأتي من مأمن، ويصيب في م***، وينقضّ على أصول مكرهم السيء، ويقوّض أساس بنائه حتى يتهاوى السقف على أهله، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النحل: 26]، ويقول تعالى: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [النمل: 50، 51]. وكذلك، فإن من شأن ذلك الكيد الكفري أن يوقظ جذوة الإيمان في القلوب، ويسوق أهل الإيمان للاحتماء بربهم، والرجوع لدينه، والتمسك به. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل؛ فيدمغه؛ فإذا هو زاهق ". وهكذا ينقلب كيدهم نقيض ما أرادوا وخططوا ودبروا وموّهوا، كما حكى الله عاقبة كيد قوم إبراهيم – عليه السلام – به، فقال: ﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [الصافات: 98] وفي الآية الأخرى: ﴿ الْأَخْسَرِينَ [ ﴾الأنبياء: 70]. وذلك من تباب كيد الكافرين، وضلال سعيهم، وخسارة جهدهم، كما قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [غافر: 25].

الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد، فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله...

أيها المؤمنون!
ومع شدة ضرواة كيد الكافرين ومكرهم، فإن الله أرشد إلى التعامل الأمثل معه، حين وجّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - بألا يكترث لهذا الكيد مهما بلغت قوته، ومن أي جهة كان، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النمل: 70]. ولكن هذا التطمين إنما يكون لأهل الإيمان الذي جمعوا بين التقوى والصبر والإحسان؛ إذ هؤلاء هم أولياء الله الذي يحوطهم بكلاءته، ويحرسهم بعينه التي لا تنام، ويحفظهم بأمره الكائن بعد الكاف والنون، كما قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 127، 128]، وقال: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾. والتوكل على الله وتفويض الأمر له جُنّة مانعة من كيد الكافرين، كما ذكر الله تعالى عن نبيه هود عليه السلام إذ تحدى قومه قائلاً: ﴿ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 54 - 56]، وذكر وقايتَه مؤمنَ آل فرعون من كيد قومه حين قال بلسان الحال والمقال: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾. وتربية الفرد والمجتمع على رعاية هذه الضمانات الإلهية من كيد الكافرين من ألزم واجبات الولاة والدعاة والمربين وحقوق من يرعونهم، وهذا لا ينافي الأخذ بأسباب السلامة من ذلك الكيد الكبّار؛ من الحذر، وعدم جعل الكفار بطانة من دون المؤمنين، وإعداد القوة الحسية والمعنوية، بل ذلك من تمام التوكل.

د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
__________________
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:59 AM.