|
المواضيع و المعلومات العامة قسم يختص بعرض المقالات والمعلومات المتنوعة في شتّى المجالات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
هل نعيد القدس بالدعاء.؟!
هل نعيد القدس بالدعاء.؟!
دكتور محمد شحرور ينشغل العرب اليوم بموضوع قديم جديد، هو قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها في "إسرائيل" إلى القدس، ضاربة عرض الحائط بكل الوعود المقطوعة للعرب. وإذ يشعر هؤلاء بعجزهم لا يملكون إلا أن يجتمعوا وينددوا على الصعيد الرسمي، ويتظاهروا ربما على الصعيد الشعبي، ويشنوا الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي فيغيروا صورهم ويطلقوا الشعارات، وكل هذا لا يغني ولا يسمن من جوع، ولن يلبثوا إلا أن يلجؤوا إلى سلاحهم المعتاد، وهو الدعاء على أعدائهم لا سيما في صلوات الجمعة، والأدعية جاهزة ولم تنقطع أصلاً، وستكون هذه الخطوة عاملاً مهماً في تجييش الشبان للجهاد ضد الأمريكان، وترجمة هذا الجهاد بأعمال إرهابية ي*** فيها المدنيين ممن لا ذنب لهم بما يجري. خلال خمسين عام هي عمر النكسة، لم يتغير حالنا، إلا إلى الأسوء، وما زال السبب في انهزامنا برأي المتدينين هو الفسق والرقص والغناء، وبرأي الملحدين هو كثرة المساجد، وفيما ينشغل أعداءنا بالتقدم والعلم والتطور، وبإعداد لنا ولغيرنا ما استطاعوا من قوة، ننشغل نحن بالخطب الرنانة، لا سيما مع عصر الفضائيات حيث ازدادت الحاجة للمحللين السياسيين ولشيوخ التنظير على خلق الله، في ضياع تام لأي هوية، مع فشل مشاريع القرن العشرين من ماركسية وقومية وإسلامية، إذ لم يخرج أي منها عن قالب العقل القياسي الاتصالي، العاجز عن انتاج المعرفة. ورغم أن أسباب انعدام حيلتنا عديدة، إلا أن موروثنا الديني يتحمل جزءاً لا بأس به من المسؤولية، فقد اعتمدنا على الله ليقوم بمهامنا، وهو لم يعدنا بذلك، بل قال لنا {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} (التوبة 105)، و {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} (محمد 7)، ولم نفهم قضاء الله وقدره إلا على اعتبار أن كل ما يجري مكتوب سلفاً، فالاستكانة للظلم بأمره تعالى، وال*** بأمره، والمرض بأمره، ولا حول لنا ولا قوة في تغيير مجرى الأحداث، فما علينا إلا الدعاء لعل الله ينجز عنا مهماتنا، والأعمار مقدرة وحين يلد الإنسان يكتب الله عمره ورزقه والسعادة أو الشقاء، ولذلك فلا داع لبذل الجهد لتحسين الرزق أو إطالة العمر، ناهيك عما حملنا من أساطير زادت في تقاعسنا، فنحن ننتظر المخلّص لينقذنا ويملأ الأرض عدلاً، بعد أن تمتلىء ظلماً وجوراً، ويقضي على "اليهود" ويهزمهم، فلا بأس من الصبر على الذل والهوان، أما الحاكم فعليك طاعته حتى لو أخذ مالك وجلد ظهرك، و"ظلم غشوم خير من فتنة تدوم"، وهذه الوصفة السحرية التي جعلت الحكام يستبدون بشعوبهم طوال عقود، فلم تعرف بلادنا (عدا لبنان) رئيساً سابقاً على قيد الحياة، وللأسف فإن هذه الشعوب استمرأت العبودية، وحين حاولت رفع رأسها لم تكن مؤهلة لتعي أن الحرية قيمة عليا، وكان الاستبداد باسم الدين جاهزاً ليساعد الطغاة على قمع أية يقظة. والمفارقة الكبرى أننا كمسلمين مؤمنين بالرسالة المحمدية، أعطانا الله تعالى في التنزيل الحكيم قواعد أساسية لخط سير التاريخ ونهوض الأمم، إلا أننا لم نعرها اهتماماً، فظننا قوله {لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد 19) أو قوله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص 1) مجرد أقوال نرددها، وأننا بالطبع نؤمن بالله ولا نشرك به شيئاً، بدليل قيامنا بالصلاة خمس مرات في اليوم وأدائنا الزكاة وصومنا رمضان وحج البيت، وإيماننا بالقضاء والقدر خيره وشره، والملائكة والرسل واليوم الآخر، ورب من يقول "وما علاقة هذا بموضوعنا"؟ نقول إن إيماننا بالله الواحد يتطلب أن نؤمن بأن لا ثابت إلا هو، وكل ما عداه متغير متبدل، وأن سنة الله في خلقة التعددية {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود 118 – 119) فلا لون واحد ولا *** واحد ولا عرق واحد ولا ملة واحدة، يعيشون مع بعضهم البعض في تدافع مستمر {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج 40)، فلا يطغى نوع على آخر، وأساس الحساب عند الله هو التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات 13) والفصل بين الناس بيد الله وحده لا أحد غيره يوم القيامة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج 17) . وبما أن التعددية هي الأساس فكل مجتمع قروي هالك لا محالة {وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} (الإسراء 58)، والمجتمع القروي هو الأحادي، أي كل مجتمع أحادي يحمل بذور فنائه بذاته، وكل مجتمع مدني متعدد يحمل بذور تطوره داخله، ونحن عبر قرون لم نقتد بدولة رسول الله، بما حوته من تعددية وشورى ومعارضة، بل بقيت دولنا أحادية مستبدة، تحت قناع من العيش المشترك، ما يلبث أن يتمزق عند كل منعطف، يسوق فيها الحكام شعوبهم كالقطيع دون أدنى شعور بالوطن والمواطنة والقانون، فلا حقوق للمواطن ولا للوطن، ولا سيادة للقانون، والهامانات وجدت لتصدر الفتاوى التي تخدم ذلك، وتروّج لتدين كاذب، فاتسمت مجتمعاتنا بأنها متدينة، وهي منافقة بالضرورة، يقيّم الناس فيها بناءً على الشعائر، فالصالح هو من يصلي الجمعة والعفيفة هي "المحجبة"، وتقهقرت الأخلاق إلى الحد الأدنى، بينما زاد عدد مقيمي الصلاة، وارتفعت معدلات الفقر، بينما انتشرت "موائد الرحمن" الرمضانية، وتلتهت الشعوب بجواز قيادة المرأة للسيارة من عدمها، وكيفية الدخول إلى الحمام، ثم الاجتماع في يوم الجمعة للاستماع لخطبة غالباً ما تكتب في فروع الأمن، تكرس ذكورية المجتمع، يتلوها الدعاء للحكام بالديمومة وطول العمر، والدعاء على الكفار والمشركين بأن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، ويشتت شملهم، ويدحرهم ويهزمهم، والمضحك المبكي أننا ما فتئنا نزداد شتاتاً واندحاراً وهزيمة. ولا تقتصر مظاهر الأحادية في أي مجتمع على عدم قبوله للآخر، سواء مختلف أم معارض، بل تتعدى ذلك إلى الثبات وعدم التطور، ومجتمعاتنا لا تكتف بذلك بل تتراجع إلى الوراء في محاولة لعكس خط سير التاريخ، على اعتبار "خير القرون قرني"، وبالتالي هي مجتمعات مسطحة ذات بعدين فقط، بعد الكينونة لأنها موجودة، وبعد السيرورة لأنها ما زالت موجودة، أما البعد الثالث وهو الصيرورة فمفقود، وفقدت معه الغائية، حيث نستمد قوتنا من نقاط تطور الحضارت الأخرى، والثقافة العربية (الإسلامية والقومية والماركسية والليبرالية) تستند بجميع مجالاتها إلى الثقافات الأخرى، فلا صيرورة علمية، وجامعاتنا تلقن المعرفة ولا تعلم إنتاجها، ولا صيرورة تكنولوجية ويكاد يكون نتاجنا معدوماً في هذا المجال، ولا صيرورة في العلوم الإنسانية نهائياً حيث لم نقدم أي تصور للتشريع أو العلاقات الإنسانية خارج إطار الفقه الموروث أو الثقافة المستوردة من الشرق والغرب، وبقي مفهوم الحرية ضبابياً. ونحن على هذه الحال نحصد الخيبة تلو الأخرى، نريد من الله تعالى أن ينصرنا جميعاً ويشفينا جميعاً ويرزقنا جميعاً، ولا ننتبه أن الله لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الدعاء المستجاب فردي، فالله لن يشفي كل مرضى المسلمين في مخالفة لقوانين الطبيعة، لكن ربما يستجيب لدعاء مريض ما فيهييء له أسباب الشفاء من طبيب ماهرومشفى مناسب وعلاج ناجع، ولن يرزق المسلمين دون أن يعملوا فالرزق رهن بما عملته أيدينا {لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} (يس 35)، ولن يخسف الأرض بأعدائنا انتقاماً لنا ونحن عصاة نتقول عليه وعلى رسوله ون*** ونفتك باسمه، وبدل أن نصلي على النبي بالاتصال مع ما حملته نبوته من معارف وعلوم، نستهلك ما أنتجه غيرنا في شتى المجالات. وإذا كان الله لا يستجيب للدعاء إلا فردياً، إلا أنه يكافىء الناس جماعات ويعاقبهم جماعات كذلك، فأما المكافأة فتأتي في رغد العيش، بينما يأتي العقاب في الدمار والهلاك، وبنظرة سريعة إلى المجتمعات المتقدمة نستطيع أن نراها تنعم بالرفاهية، فهي مجتمعات تعددية بامتياز، تتغير وتتطور بشكل دائم، يجتمع الناس فيها على القيم الإنسانية، ويمكننا أن نغبطها على رضى الله تعالى عنها، أو نبقى نواسي أنفسنا بأننا "أمة محمد" ولنا الجنة، وأتصور برأيي المتواضع أن محمداً (ص) بريء منا. فأن تصبح القدس عاصمة لإسرائيل هي النتيجة الطبيعية لأوضاعنا، وإن لم نحاول أن نقتنص موطء قدم في هذا العالم، فما من أحد إلا وسينقض علينا، فريسة سهلة، فلا نحن أعددنا القوة ولا اعتصمنا بحبل الله جميعاً ولم نتفرق، وكل ما نفعله هو التهويل الفارغ والبكاء على ملك مضاع تلو الآخر، فهل من أمل ما زال ممكناً؟ |
العلامات المرجعية |
|
|