المعارضة.. من «السجادة الزرقا» لـ«أطفال الشوارع»
نشوى الحوفى
المعارضة.. من «السجادة الزرقا» لـ«أطفال الشوارع»
«تحية كبيرة للمعارضة فى مصر اللى قدرت تحول نفسها بمستواها إلى (نكتة) فى وسط يوم كله شغل وتعب، رسالة معناها باختصار.. اعرف حجمك». تلك الكلمات كتبها أحد الشباب -لم يتجاوز عمره 21 سنة- تعليقاً منه على دعابة الرئيس السيسى للواء كامل الوزيرى عن تغيير لون السجادة الحمراء إلى زرقاء يوم الخميس الماضى عند افتتاح عدد من المشروعات الهامة فى مصر.
استوقفتنى العبارة التحليلية لشاب التقطت عيناه ملاحظة غاية فى الأهمية لما وصلت له أحوال المعارضة فى بلادى لتلخص ما أصابها من مسخ أفقدها التأثير فى غالبية المصريين بعد أن فقدت مصداقيتها ونزاهة ما تتبناه من قضايا. نعم، وللأسف، باتت المعارضة فى بلادى عديمة التأثير بعد فشلها على مدار السنوات الخمس الماضية فى إثبات قدرتها على حشد الجماهير ومنحهم الرؤية لعلاج ما واجهناه من مشكلات مصيرية كاد الوطن أن يهلك فيها لولا عناية الله. اكتفت المعارضة بنقاشات الصالونات المغلقة فيما بينهم، وأطروحات الفضائيات الجوفاء المصحوبة بصدى أصواتهم عبر ميكروفونات لم تعد تصل أصواتها لآذان المتلقى الذى اكتشف أن معارضته تجيد القول لا الفعل. تجيد ترتيب الكلمات لا ترتيب الوطن وأوراقه وقضاياه. تطلع على الناس فى مناسبات وأحداث بعبارات رنانة ظناً منها أنها قادرة على الحشد بها. تختفى فى الأزمات الطاحنة فى الشارع الذى لم يعد ينتظر طلعتها البهية لتسويد الدنيا فى عينيه بينما يكافح هو لتسهيل الحياة فى وطن يسعى لاستعادة ما فقده رغم كل التحديات. نعم يا سادة، هى معارضة تنتظر منحها الزعامة الشعبية والحقوق السياسية دون أى مجهود عدا ما تمنحه لنا من جدل فارغ من المضمون.
وليت تأثيرها توقف عند هذا الحد، لكنها منحت جيلاً من الشباب نموذجاً سيئاً لمعنى المعارضة بالصوت، فصحونا على معارضين شباب أدمنوا التمرد بحكم العمر الزمنى مع افتقادهم للقدوة والخُلق والمعلومة الصحيحة فى التاريخ والسياسة والاقتصاد والمجتمع رافعين شعار «خالف تُعرف، تطاول يُسمع صوتك، وابتذل لتشتهر». ولعل أقرب الأمثلة لما أتحدث عنه مَن يطلقون على أنفسهم فرقة «أطفال الشوارع» التى قُبض على أعضائها مؤخراً فقامت الدنيا ولم تقعد فى الخارج قبل الداخل بدعوى حرية الرأى والتعبير. تأملت فى تلك المجموعة المبتذلة شكلاً ومضموناً لأكتشف حجم المسخ فيما يدّعونه من آراء وحجم الابتذال فيما يدّعونه من فن. فلا هذه سياسة معارضة ولا هكذا يكون الفن. فمنحونى التسامح مع قرار إلقاء القبض عليهم لما يثيرونه من تشويه للحقيقة وللخُلق وفيما يزيفونه من واقع، فيما عدا اسمهم الذى أطلقوه على أنفسهم، فهم بحق أطفال شوارع وجبت معاملتهم وفقاً للمسمى، بجمعهم وتنظيفهم وقص شعورهم المجدولة المشوشة وإعادة تربيتهم وتدريسهم الفنون والتاريخ والسياسة، وقبل كل ذلك معنى الرجولة ليدركوا ما فاتهم وما عليهم تعلمه.
نعم، نحن فى أزمة عنوانها غياب المعارضة المستنيرة الجادة الفاعلة المؤمنة بقضايا الوطن وضرورة حمايتها، المُدركة لضرورة علاج ما شاب المجتمع من مشكلات على مدار السنوات الماضية، المُتنزهة عن أمراض الزعامة والأنا العليا والمصلحة الشخصية، المُقدرة لما تمر به منطقتنا من تحولات وظروف دولية تسعى لكسر الإرادة الوطنية. الساعية للبناء، لا بل السابقة للبناء يداً بيد مع الدولة. الناقدة لما نعانيه من أخطاء لا بهدف الهدم ولكن من أجل البناء. المُنكرة للذات ليحيا الوطن، والعاملة فى كل مجال بين الناس وعلى أرض الواقع للارتقاء بالمواطن وفكره وبالوطن ومصيره. نعم يا سادة، نحن فى أزمة غياب المعارضة التى كفر الكثيرون بها فى بلادنا لما لمسوه منها من تناحر فيما بينها على مناصب فى أحزابهم، وخدمة لمصالح الغرب على حساب الوطن، وغياب بصيرة بما نعانيه بحق، وإنكار لحقائق لم يعد من الممكن إخفاؤها. وما هكذا تكون المعارضة التى خبرنا معانيها فى قصص التاريخ، فما نراه ممن يدّعون المعارضة مجرد مسخ أجوف لا يمنحهم إلا البقاء مُحاطين بمسوخ أخرى لا تعرف معنى الوطن.
__________________
الحمد لله
|