اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 02-03-2016, 08:24 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New علو الهمة (خطبة)

العنصر الأول
تمهيد للموضوع
أيها الأحباب:
إن عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته، وتحقيق بغيته، لأنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره، وأن المصالح والخيرات، و اللذات و الكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب:
بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها
تُنال إلا على جسر من التعب
فقل لِمُرَجِّي معالي الأمور
بغير اجتهاد: رجوتَ المحالا
أحزان قلبي لا تزول
حتى أبشر بالقبول
وأرى كتابي باليمين
وتُسَرَّ عيني بالرسول
*
فعالي الهمة يُرى منطلقاً بثقة وقوة وإقدام نحو غايته التي حددها على بصيرة وعلم، فيقتحم الأهوال، ويستهين الصعاب..
ذريني أنل ما لا يُنال من العُلا
فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين إدراك المعالي رخيصة
ولا بُدَّ دون الشَّهْدِ من إبر النحْلِ
*
من أراد الجنة سلعةَ الله الغالية لم يلتفت إلى لوم لائم، ولا عذل عاذل، ومضى يكدح في السعي لها.
*
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19].
*
وقال صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".
*
وعالي الهمة يعرف قدر نفسه، في غير كبر، و لا عجب، ولا غرور، وإذا عرف المرء قدر نفسه، صانها عن الرذائل، وحفظها من أن تهان، ونزهها عن دنايا الأمور، و سفاسفها في السر والعلن، وجنبها مواطن الذل بأن يحملها ما لا تطيق أو يضعها فيما لا يليق بقدرها، فتبقى نفسه في حصن حصين، وعز منيع لا تعطى الدنية، و لا ترضى بالنقص، ولا تقنع بالدون..
*
العنصر الثاني
الحث على علو الهمة في القرآن والسنة
والمتأمل في نصوص القرآن والسنة يري أنها قد حثت المؤمنين على ارتياد معالي الأمور، والتسابق في الخيرات، وتحذيرهم من سقوط الهمة، وتنوعت أساليب القرآن في ذلك..
*
فمنها: ذم ساقطي الهمة وتصويرهم في أبشع صورة:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ ﴾[الأعراف: 175، 176].
*
ومنها: ثناؤه سبحانه على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.. ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الأحقاف: 35].
*
ومنها: أنه عبر سبحانه عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات على الطاعة، والقوة في دين الله ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].
*
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ﴾ [النور: 37].

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].
*
ومنها: أنه سبحانه أمر المؤمنين بالهمة العالية، والتنافس في الخيرات..
*
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148].
*
أما السنة الشريفة فمليئة بالكثير من الصور..
قال صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها).

وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها).

وقال صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه: (إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه عز وجل).

وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس..فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة).

العنصر الثالث
همة السلف في طلب العلم
قال الخطيب البغدادي: (سمعت علي بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي، يحكي: أن محمد بن جرير الطبري - المتوفي سنة 310 ه - - مكث أربعين سنة، يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة).أي: أنه - رحمه الله - كتب ما يقارب 584000) ورقة خلال هذه السنين!! فأي همة هذه التي وصلت بهذا العالم الجليل إلى هذه المنزلة العالية!!!!
*
• الإمام أبو الفرج ابن الجوزي يقول عن نفسه: (كتبت بأصبعي هاتين ألفي مجلدة، وتاب على يديَّ مائة ألف، وأسلم على يديَّ عشرون ألف يهودي ونصراني).ويقول: (ولو قلت إني قد طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعد في الطلب).فإذا كان قدر ما قرأ وهو في الطلب (عشرين ألف) مجلدة، واحتسبنا أن صفحات المجلد الواحد في المتوسط (300) صفحة، كان مقدار ما قرأ (6000000) ستة ملايين صفحة!! وإذا كان ما كتب بأصبعيه (ألفي) مجلدة، كان مقدار ما كتب (600000) ستمائة ألف صفحة!!هذا ما قرأ ونسخ، فما هو مقدار ما كتب وصنف؟!!
*
• ويحدث الإمام ابن عقيل عن همته وهو في عشر الثمانين من عمره، فيقول: (إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشدَّ مما كنت أجده وأنا ابن عشرين).
*
• كان عثمان الباقلاوي دائم الذكر لله تعالى، فقال: (إني وقت الإفطار أحس بروحي كأنها تخرج! لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر).
*
• وقال عُبيد بن يعيش: (أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل، كانت أختي تُلقِّمُني وأنا أكتب الحديث).
*
• قال أبو زرعة: (كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألفِ حديث (أي: مليونا)، فقيل له: ما يدريك؟ قال: ذاكَرتُه وأخذت عليه الأبواب).
*
• قال أبو زرعة الرازي: (أحفظ مائتي ألف حديث، كما يحفظ الإنسان: (قل هو الله أحد) وفي المذاكرة ثلاثمائة حديث).
*
• قال المبرد: (ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ، والفتح بن خاقان، وإسماعيل بن إسحاق القاضي:
أما الجاحظ: فإنه كان إذا وقع في يده كتاب، قرأه من أوله إلى أخره، أي كتاب كان..
*
وأما الفتح: فكان يحمل الكتاب في خفه، فإذا قام من بين يدي المتوكل ليبول أو ليصلي، أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي، حتى يبلغ الموضع الذي يريد، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه..
*
وأما إسماعيل بن إسحاق: فإني ما دخلت عليه قط إلا وفي يده كتاب ينظر فيه، أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه، أو ينفض الكتب).
*
• ومن المعاصرين قال الشيخ راغب الطباخ رحمه الله: (كان علامة حلب الشيخ أحمد الحجار رحمه الله يحب اقتناء الكتب، حتى سمعنا أنه رأى كتاباً يباع، ولم يكن معه دراهم، وكان عليه ثياب، فنزع بعضها وباعه، واشترى الكتاب في الحال)..
*
• قال رُفيع بن مهران البصري: (كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالبصرة، فما نرضى حتى نركب إلى المدينة فنسمعها من أفواههم).
*
• وهذا يحيى بن معين رحمه الله خلَّف له أبوه ألف ألف درهم، فأنفقها كلها على تحصيل الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه).
*
• وقد قال ابن القاسم: (أفضى بمالك - أي الإمام مالك - طلب الحديث إلى أن نقض سقف بيته فباع خشبه).
*
• عن فرقد أنهم دخلوا على سفيان في مرض موته، فحدثه رجل بحديث فأعجبه، وضرب سفيان يده إلى تحت فراشه فأخرج ألواحاً فكتبه، فقالوا له: على هذه الحال منك؟!!! فقال: إنه حسن، إن بقيت فقد سمعت حسنا، وإن مت فقد كتبت حسنا.
*
• قال القاضي إبراهيم الجراح تلميذ الإمام أبو يوسف الذي كان يقال له قاضي قضاة الدنيا: مرض أبو يوسف - أي مرض الموت - فأتيته أعوده، فوجدته مغمىً عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم، ما تقول في مسألة؟ قلت: في مثل هذه الحالة؟!! قال: ولا بأس بذلك، ندرس لعله ينجو به ناج، ثم قال: يا إبراهيم، أيهما أفضل في رمي الجمار - أي في مناسك الحج - أن يرميها ماشياً أو راكباً؟ قلت: راكباً، قال: أخطأت، قلت: ماشياً، قال: أخطأت، قلت: قل فيها يرضى الله عنك، قال: أما ما كان يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه ماشياً، وأما ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكباً.ثم قمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات رحمه الله.
*
• قال عبد الرحمن بن مهدي:لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غداً، ما قدر أن يزيد في العمل - أي الصالح - شيئا.
*
• وعن وكيع قال: كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه أكثر من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة.
*
• كان الربيع بن خثيم يُقاد إلى الصلاة وبه الفالج - الشلل - فقيل له: قد رُخِّص لك.. قال: إني أسمع حي على الصلاة، فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبواً.
*
• قال بكر بن حمدان المروزي: سمعت ابن خراش يقول: شربت بولي في طلب هذا الشأن - يعني طلب الحديث - خمس مرات.
*
• وعن عبد الرحمن ابن تيمية قال عن أبيه: كان (الجدُّ) إذا دخل الخلاء يقول لي: اقرأ في هذا الكتاب، وارفع صوتك حتى أسمع..أي لا يريد ان يضيع وقته حتى وهو في الخلاء رحمه الله.
*
• قيل للشافعي: كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف - أي بالكلمة - مما لم أسمعه، فتودُّ أعضائي أن لها أسماعاً تتنعم به ما تنعمت به الأذنان.
*
• قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: كنت يتيماً في حجر أمي، فدفعتني إلى الكُتَّاب، ولم يكن عندها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أَخلُفه إذا قام، فلما جمعت القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، وكنت أسمع الحديث فأحفظها، فلم يكن عند أمي ما تعطيني أشتري به القراطيس، فكنت أنظر إلى العظم فآخذه فأكتب فيه، فإذا امتلأ طرحته في جرة، فاجتمع عندي حُبَّان.
*
• وكان الإمام البخاري ذكياً جداً فقد حفظ سبعين ألف حديثاً وهو صغير، يقول محمد بن حاتم: كنت أختلف أنا والبخاري - وهو غلام - إلى الكُتَّاب، فيسمع ولا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له يكتب مثلنا، فلما بلغ ما كتبناه خمسة عشر ألف حديث طلب منا أن نسمعها منه، وقرأها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نحمك كتبنا على حفظه.
*
• رحل يحيى بن يحيى إلى الإمام مالك وهو صغير، وسمع منه وتفقه، وكان مالك يعجبه سمته وعقله، وروي أنه كان يوماً عند مالك في جملة أصحابه، إذ قال قائل: قد حضر الفيل، فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه غيره - أي: وبقي يحيى مكانه - فقال له مالك: لم تخرج فترى الفيل، لأنه لا يكون بالأندلس، فقال له يحيى: إنما جئت من بلدي لأنظر إليك واتعلم من هديك وعلمك، ولم أجيىء لأنظر إلى الفيل، فأعجب به مالك وسماه) عاقل أهل الأندلس.
*
• لما فرَّ عبد الرحمن الداخل من العباسيين، وتوجه تلقاء الأندلس، أهديت إليه جارية جميلة، فنظر إليها، وقال: إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن.. وردَّها على صاحبها.
*
• قيل للإمام الشعبي: من أين لك هذا العلم كله؟ قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمار، وبكور كبكور الغراب.
*
• وحكي عن الإمام ثعلب أنه كان لا يفارقه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى دعوة شرط عليه أن يوسع له مقدار مِسورة - وهي المتكأ من الجلد - يضع فيه كتاباً ويقرأ.وكان سبب وفاته أنه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر وكان قد لحقه صمم، لا يسمع إلا بعد تعب، وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق، فصدمته فرس فألقته في هُوَّة، فأُخرج منها وهو كالمختلط، فحُمل إلى منزله على تلك الحال وهو يتأوه من رأسه فمات ثاني يوم رحمه الله تعالى.
*
• رأى الإمام أحمد بعض عارفيه في إحدى رحلاته في طلب الحديث، فقال له معترضاً مستكثراً ما حفظ وما كتب وما روى: مرة إلى الكوفة، ومرة إلى البصرة!!! إلى متى؟!! فقال الإمام أحمد: مع المحبرة إلى المقبرة.
*
• عن فاطمة بنت عبد الملك زوج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله قالت: ما رأيت أحداً أكثر صلاة ولا صياماً منه، ولا أحد أشد فرقاً من ربه منه، كان يصلي العشاء ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه ثم ينتبه، فلا يزال يبكي حتى تغلبه عيناه، ولقد كان يكون معي في الفراش فيذكر الشيء من أمر الآخرة فينتفض كما ينتفض العصفور من الماء، ويجلس يبكي فأطرح عليه اللحاف.
*
• كان الأسود بن يزيد يجتهد في العبادة، ويصوم في الحر حتى يخضر جسده ويصفر، فكان علقمة بن قيس يقول له: لم تعذب نفسك؟ فيقول: كرامتها أريد.
*
• قال أحمد بن إدريس القرافي: قام الشيخ تقي الدين أربعين سنة لا ينام الليل إلا أنه كان إذا صلى الصبح اضطجع على جنبه إلى حيث يضحى النهار.
*
العنصر الرابع
قصة واقعيه عن علو الهمه
كان زميلاً لي في الكلية العسكرية... كان الأول على زملائه في كل شيء في طاعته لله... في حسن خلقه... في دراسته... في تعامله... كان صاحب قيام ليل ومحافظة على صلاة الفجر وغيرها وحب للخير... وبعد أن تخّرج وفرح كما يفرح الطلبة بالتخرج وإذا به يُصاب بما نسميه (الأنفلونزا) وتطور معه المرض حتى أصاب العمود الفقري فأصيب بشلل تام ولم يعد يستطيع الحركة... حتى أن طبيبه المعالج قال لي أنه حسب مرئياته فلا أمل له في الشفاء... وإن احتمال رجوعه لما كان عليه ونجاح العلاج معه لا تتجاوز العشرة في المائة فقلت الحمد لله على كل حال وسألت الله له الشفاء وهو القادر على كل شئ... ثم زرته في المستشفى وهو مقعد يرقد على السرير الأبيض لمواساته وتذكيره بالله والدعاء له فإذا به هو الذي يذكّرني بالله!! وهو الذي يواسيني... وجدته قد امتلأ وجهه نوراً... واشرق بالإيمان نحسبه والله حسيبه...
*
قلت له: الحمد لله على السلامة... وأسأل الله لك الشفاء العاجل طهور إن شاء الله...فأجابني بالشكر والدعاء ثم قال كلمته العجيبة في حالته المأساوية نعم إنها كلمة عجيبة!! لم يشتكي! ولم يتبرم!! ولم يقل أرأيت ماذا حل بي يا أخ خالد!! إنما قال تلك الكلمة التي دوّت في أذني وأثرّت في قلبي وما زلت احفظها حتى الآن... قالها وهو يبتسم... قال حفظه الله: يا أخي لعل الله علم منى تقصيري في حفظ القـرآن فلهذا أقعدني لأتفرغ لحفظه... وهذه نعمة من نعم الله!! سبحـان الله... مـا هذا الكلام؟! من أين هذه العبارات؟! كيف تتحول النقمة إلى نعمة؟!
*
إنه الإيمان يصنع المعجزات بعد فضل الله وتوفيقه...
وصدق الله في جزاء من صبر واسترجع عند المصيبة وقال إنا لله وإنا إليه راجعون إن له ثلاث جوائز... قال تعالى ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157].
*
نعم إنها الرحمة من الله والثناء منه والهداية لصراطه المستقيم والثبات على شرعه القويم وفي صحيح مسلم من حديث صهيب مرفوعاً... (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذاك لأحد إلا لمؤمن إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) مختصر مسلم 2092.
*
ما أجمل تلك العبارات التي قالها... إنها والله تعدل عشرات الكلمات النظرية... لأن المواقف الإيمانية تربي وتعلّم الشيء الكثير... وفي كل خير...
*
نعم لقد تعجبت ودهشت من موقفه وإيمانه وصبره وثباته رغم ما هو فيه من مرض خطير... وشلل تام... ورغم أنه لم يمض على تخرجه ستة أشهر ولم يفرح بالرتبة والراتب والعمل الجديد أياماً... والله لقد غبطته على إيمانه... وحمدت الله جل وعلا أن في الأمة أمثال هذا الرجل... وأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها الخير ولله الحمد.
*
ثم زرته بعد فترة وعنده بعض أقاربه... فسلمت عليه ودعوت له... ثم رأيت أمرً عجيباً... وسمعت منه ما أدهشني مرة أخرى... وفي كل زيارة له يزداد الإيمان من مواقفه العجيبة الإيمانية.
*
قال له ابن عمه: حاول تحريك رجلك... ارفعها للأعلى... فقال له: إني لاستحي من الله أن استعجل الشفاء فإن قدّر الله لي وكتب الشفاء فالحمد لله... وإن لم يكن مقدوراً لي فالحمد لله... فالله أعلم بما هو خير لي... فقد يكون في الشفاء ما لا تحمد عقباه... وقد أمشي بقدميّ هاتين إلى الحرام... ولكني أسأل الله إن يكتب لي الخير فهو العليم الحكيم... ولا تعليق على كلامه الإيماني إلا بما هو خير قال تعالى ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].
*
يواصل الدكتور حديثه قائلاً:
سافرت لإكمال الدراسات العليا ثم عدت بعد ثلاثة أشهر وكنت متوقعاً إنه في منزله حيث لا أمل في علاجه وسيبقى في منزله على فراشه يحمل من مكان إلى آخر...
*
سألت عنه الزملاء في المستشفى هل خرج؟! وكيف حالته؟! فقالوا: هذا الرجل عجيب جداً... لقد كان عنده قوة في العزيمة وهمة عالية وابتسامة دائمة ورضىً بما كُتب له...
*
ولقد تحسنت حالته شيئاً ما... فنُقل إلى التأهيل للعلاج الطبيعي...
*
ذهبت إلى مركز التأهيل فإذا به على كرسي المعاقين ففرحت به وقلت له: الحمد لله على السلامة... الحمد لله أصبحت الآن تتحرك أحسن مما مضى...
*
فقاطعني قائلاً: الحمد لله... أبشرك إنني قد أتممت حفظ القرآن!!
*
فقلت: سبحان الله!! ما أعجب هذا الرجل... لا يمكن أن أزوره إلا وأجدُ فائدة إيمانية... فدعوت له... وسألت الله من فضله.
*
سافرت مرة أخرى وغبت عنه أكثر من أربعة أشهر... ولما عدت حصل ما لم يخطر لي ببالي الضعيف المسكين وهو ليس بعجيب ولا غريب على قدرة الله تعالى الذي يحي العظام وهي رميم...
*
أتدرون ماذا حصل؟!
لقد كنت أصلي في مسجد المستشفى... فإذا برجل يناديني يا أبا محمد أتدرون من المنادي؟! إنه صاحبنا... نعم والله إنه الزميل الحبيب الذي كان مشلولاً معاقاً تماماً يناديني وهو يمشي وبصحة جيدة وعافية... نعم إنها قدرة الله... ثم إنه الإيمان يصنع المعجزات قال تعالى ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 257] إنه التقوى قال تعالى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].
*
إنها النجاة والعافية من الله للمؤمنين قال تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88].
*
نعم... لقد جاءني يمشي... وسلمت عليه وضممته إلى صدري وأنا أبكي نعم أبكي مرتين... ولأمرين... أما الأول فأبكي فرحاً لما حصل له من شفاء...
*
هجم السرور علىّ حتى أنه.........من فرط ما قد سرني أبكاني.
*
وأما الثانية فعلى نفسي المسكينة المقصرة...
*
فكم نحن فيه من نعم وخيرات ولم نقم بشكر الله عليها ولم نجتهد في حفظ القرآن وعمل الصالحات... وكلنا تقصير وتسويف... نسأل الله العفو والغفران. ليس هذا فحسب بل منّ الله عليه بأمور كثيرة... فمنها موافقة المسئولين لبعثته بعثة داخلية لجامعة الملك سعود بالرياض لإكمال دراسته العليا...
*
ولهذا البعثة قصة أخرى... فقد طلب ذلك منذ تخرجه من الكلية ولم يأته الرد... وقبل أيام... وبعد شفائه ولله الحمد جاءت الموافقة عليها بعد أن نسيها فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
*
ثم قال لي بعدها: يا دكتور خالد إن ما حصل لي حجة علي إن لم أقم بشكر النعمة...
*
قلت: بل هي حجة علينا جميعاً...
القصة لم تنته بعد... فلقد زارني بعد سبع سنوات في مراجعة لجدة المريض بالقلب...
فماذا رأيت؟! رأيت شاباً وضيئاً... وقد رزقه الله الترقيات حتى وصل إلى رتبة رائد...
فأسأل الله أن يجعله رائداً في الخير والنفع والصلاح وأن يصلح أحوالنا جميعاً أنه سميع مجيب.
*
العنصر الخامس
نماذج من علو الهمة عند الصحابة
الصحابة رضي الله عنهم قد ضربوا لنا أروع الأمثلة في الهمة العالية، سواء كان في الجهاد في سبيل الله، والتضحية في سبيل هذا الدين، أو في طلب العلم، وغير ذلك، وكذا سار التابعون على منوالهم، وإليك بعضًا من النماذج التي تدل على علو همتهم.
*
1 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
• عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط، فمرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال: «يا غلام، هل من لبن؟» قال: قلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال: «فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟» فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب، وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: «اقلص» فقلص، قال: ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول، قال: فمسح رأسي، وقال: «يرحمك الله، فإنك غليم معلم» (رواه أحمد [1/ 379] [3598]، وابن حبان [15/ 536] [7061]، والطبراني في (الكبير) [9/ 79]).
*
• وعنه أيضًا قال: "والله لقد أخذت مِن فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم" (رواه البخاري [5000])، قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادًّا يقول غير ذلك.
*
2 - أبو هريرة رضي الله عنه:
• عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: يقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث، والله الموعد، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه؟ وإنَّ إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينًا، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا: «لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا». فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها، حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق، ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا، والله لولا آيتان في كتاب الله، ما حدَّثتكم شيئًا أبدًا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 159، 160] (رواه البخاري [2350]).
*
• وعنه أيضًا قال: "إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي ولا صفق بالأسواق، إني إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها، وأكلة يطعمنيها"، فقال له ابن عمر: "أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه" (رواه البخاري [118]، ومسلم [2492]، وأحمد [2/ 2] [4453] واللفظ له). ("الودي: هو صغار النخل واحدتها ودية". غريب الحديث، لأبي عبيد [4/ 202])، ("الصفق: الضرب باليد عند البيع". الفائق في غريب الحديث، للزمخشري [4/ 51]).
*
3 - جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه:
• عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريت بعيرًا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرًا، حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله ابن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني، واعتنقته، فقلت: حديثًا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت، أو أموت قبل أن أسمعه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الناس يوم القيامة - أو قال: العباد - عراة غرلًا بُهمًا» قال: قلنا: وما بهما؟ قال: «ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار، أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حقٌّ، حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد من أهل النار عنده حق، حتى أقصه منه، حتى اللطمة» قال: قلنا: كيف وإنا إنما نأتي الله عزَّ وجلَّ عراة غرلًا بهما؟ قال: «بالحسنات والسيئات» (رواه أحمد [3/ 495] [16085]، والحاكم [2/ 475]، والطبراني في (المعجم الأوسط) [8/ 265]. وحسن إسناده المنذري في (الترغيب والترهيب) [4/ 218]، والهيثمي في (المجمع) [10/ 354]، وحسنه لغيره الألباني في (صحيح الترغيب) [3608]).
*
4 - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
• عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟ قال: فتركت ذاك وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح علي من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحقُّ أن آتيك، قال: فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني، فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني" (رواه الحاكم [1/ 188]، وابن سعد في (الطبقات الكبرى) [2/ 367]. قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي. وقال البوصيري في (إتحاف الخيرة) [1/ 212]: إسناده رجاله ثقات).
*
علو الهمة في الجهاد:
1 - أنس بن النضر رضي الله عنه:
• عن أنس رضي الله عنه قال: ((غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين؛ لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين -، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة وربِّ النضر، إني أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع ("قال ابن حجر: قال ابن بطال: يريد ما استطعت أن أصف ما صنع أنس من كثرة ما أغنى وأبلى في المشركين. قلت: وقع عند يزيد بن هارون عن حميد، فقلت: أنا معك فلم أستطع أن أصنع ما صنع، وظاهره أنه نفى استطاعة إقدامه الذي صدر منه حتى وقع له ما وقع من الصبر على تلك الأهوال، بحيث وجد في جسده ما يزيد على الثمانين من طعنة وضربة ورمية، فاعترف سعد بأنه لم يستطع أن يقدم إقدامه، ولا يصنع صنيعه، وهذا أولى مما تأوله ابن بطال" فتح الباري، [6/ 23])، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد *** وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظنُّ أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23] (رواه البخاري [2805]).
*
2 - سعد بن خيثمة رضي الله عنهما:
• عن سليمان بن بلال رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعًا الخروج معه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمر أن يخرج أحدهما، فاستهما، فقال خيثمة ابن الحارث لابنه سعد رضي الله عنهما: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد: لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، ف***ه عمرو بن عبد ودٍّ... الحديث (رواه الحاكم [3/ 209]).
*
3 - عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه:
• عن سعد رضي الله عنه قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟، قال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحبُّ الخروج لعلَّ الله أن يرزقني الشهادة. قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّه، فبكى فأجازه، فكان سعد رضي الله عنه يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، ف*** وهو ابن ست عشرة سنة (رواه ابن سعد في (الطبقات الكبرى) [3/ 149]، وذكره الحافظ في (الإصابة) [4/ 603]).
*
العنصر السادس
أسباب انحطاط الهمم والارتقاء بها
اولا / أسباب انحطاط الهمم
حتى نكون أبعد عن انحطاط الهمم لابد أن نتعرف على أسباب ذلك..
• الوهن.. كما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم: (حب الدنيا، وكراهية الموت).
*
• الفتور.. قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل عمل شِرَّةً، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك).
*
• اهدار الوقت الثمين في فضول المباحات.. قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ).
*
• العجز والكسل.. قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46].
*
• الغفلة.. وشجرة الغفلة تُسقى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلها.
*
قال ابن القيم رحمه الله: لابد من سِنة الغفلة، ورقاد الغفلة، ولكن كن خفيف النوم..
*
• التسويف والتمني.. وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة، الذي كلَّما همَّت نفسه بخير، إما يعيقها بسوف حتى يفجأه الموت، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم.
*
• ملاحظة سافل الهمة من طلاب الدنيا.. قال صلى الله عليه وسلم: (إنما مَثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه،وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة).
*
• العشق.. لأن صاحبه يحسر همته في حصول معشوقه فيلهيه عن حب الله ورسوله.
*
• الانحراف في فهم العقيدة.. لا سيما مسألة القضاء والقدر، عدم تحقيق التوكل على الله تعالى، بدعة الإرجاء.
*
• الفناء في ملاحظة حقوق الأهل والأولاد واستغراق الجهد في التوسع في تحقيق مطالبهم..
*
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ [التغابن: 14].
*
• المناهج التربوية والتعليمية الهدامة.. التي تثبط الهمم، وتخنق المواهب، وتكبت الطاقات، وتخرب العقول، وتنشئ الخنوع، وتزرع في الأجيال ازدراء النفس، وتعمق فيها احتقار الذات، والشعور بالدونية.
*
• توالي الضربات، وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام، مما ينتج الشعور بالإحباط في نفوس الذين لا يفقهون حقيقة البلاء، وسنن الله عز وجل في خلقه.
*
ثانيا/ أسباب الارتقاء بالهمة
• العلم والبصيرة.. العلم يصعد بالهمة، ويرفع طالبه عن حضيض التقليد، ويُصفِّي النية.
*
• إرادة الآخرة، وجعل الهموم همَّا واحداً.. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19].
*
وقال صلى الله عليه وسلم: (من كانت همّه الآخرة، جمع الله له شملَه، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همّه الدنيا، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له).
*
• كثرة ذكر الموت.. عن عطاء قال: كان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء، فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون.
*
• الدعاء.. لأنه سنة الأنبياء، وجالب كل خير، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء).
*
• الاجتهاد في حصر الذهن، وتركيز الفكر في معالي الأمور.. قال الحسن: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
*
• التحول عن البيئة المثبطة.. إذا سقطت الجوهرة في مكان نجس فيحتاج ذلك إلى كثير من الماء حتى تُنَظَّف إذا صببناه عليها وهي في مكانها، ولكن إذا أخرجناها من مكانها سهل تنظيفها بالقليل من الماء.
*
• صحبة أولي الهمم العالية، ومطالعة أخبارهم..قال صلى الله عليه وسلم: (إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر).
*
• نصيحة المخلصين.. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
*
• المبادرة والمداومة والمثابرة في كل الظروف..قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].
*
اسأل الله تعالي بمنه وكرمه أن ينفعنا بما علمنا، وان يزدنا علما والحمد لله علي كل حال ونعوذ بالله من حال أهل النار.
أحمد أحمد سلطان
__________________
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:11 AM.