#16
|
||||
|
||||
التبرع المشبوه أكبر التبرعات، وأكثرها إثارة للجدل، جاء من شركة قناة السويس . خمسمائة جنيه مصرى، وفقا لقيمة العملة ومستويات الأسعار خلال المرحلة التاريخية، يعد بمثابة ثروة هائلة. وهنا يظهر سؤالان متداخلان متكاملان: لماذا اتجه حسن البنا إلى الشركة الأجنبية ذات السمعة السيئة فى أوساط المصريين؟ ، ولماذا قبلت الشركة فكرة أن تتبرع بسخاء لجماعة جديدة مجهولة بلا تأثير؟! . أثار التبرع حفيظة كثير من سكان مدينة الإسماعيلية، وتساءلوا فى استنكار له ما يبرره: كيف نؤدى شعائر الصلاة فى مسجد تبرع الخواجات الأجانب لبنائه؟! كان الدفاع الذى قدمه البنا شكليا، وقوامه أن مال الشركة هو مال المصريين! . منطق قد يبرر أى وكل شئ، لكنه – فى الوقت نفسه – لا يبرر شيئاً على الإطلاق ! . تكون البناء الجديد من مسجد ومدرستين: إحداهما للبنين والأخرى للبنات، واكتمل للجماعة إطارها القانونى . وخلال الفترة التى قضاها حسن البنا فى مدينة الإسماعيلية، حتى قرب نهاية سنه 1932، تم تأسيس عدد من الشعب والفروع خارجها، فى شبراخيت والمحمودية وأبو صوير وبورسعيد والبحر الصغير والسويس والبلاح . أختار البنا أن يطلق على المدرستين اللتين أسسهما اسمين إسلاميين يعبران بوضوح عن توجه الجماعة : "معهد حراء الإسلامى" لمدرسة البنين، و"مدرسة أمهات المؤمنين" لمدرسة البنات . وإذا كان اختيار مثل هذه الأسماء ينبئ مبكراً عن إيمان حسن البنا بأهمية الشعارات والعلامات الإسلامية لاكتساب الشعبية والجماهيرية، فإن النشأة قد شهدت أيضاً ميلاد تيار من العداء المستريب فى حقيقة نوايا الجماعة وطبيعة أهدافها، فقد تناثرت الإشاعات التى تشكك وتطعن، كما توالت الشكاوى الكيدية المقدمة ضد البنا بشكل شخصى. ثمة إجماع على أن البداية كانت ذات طابع وعظى تربوى تهذيبي أخلاقى، ولم يكن الشأن السياسى مطروحا خلال سنوات العمل فى الإسماعيلية، على الرغم من خطورة وسخونة الأحداث السياسية التى شهدتها مصر . لقد بدأ حسن البنا نشاطه فى الإسماعيلية، التى كانت تقطنها جاليات أوربية متنوعة، تحيا حياتها الخاصة المخالفة للأنماط الإسلامية، وسرعان ما اجتذب إلى صفه جموع أبسط طبقات الشعب والحرفيين والطلاب، ومما جذب الكثيرين إلى دعوته أنه كان يبشر بمنطق جديد يستلهم التفسير الأصولى للإسلام، ويرفض المؤثرات الغربية جملة وتفصيلاً. ولقد ساعدت شخصية البنا، فضلا عن أوضاع مصر الموضوعية العامة، على سرعة انتشار دعوته، التى مست وترا حساسا لدى قسط كبير من الكتل الجماهيرية . الأغلب الأعم من هذه الكتلة ينتمى إلى حزب الوفد، لكنهم لم يجدوا تعارضا بين ولائهم السياسي للحزب الشعبى الكبير، وبين اقتناعهم بالمبادئ والأفكار الدينية لحسن البنا، الذى تعمد تجاهل المسائل السياسية، ولم تتطرق أنشطته إلى ما كان يحدث فى مصر بين عامى 1928 و 1932. فما الذى كان يحدث فى مصر ؟! يتبع
__________________
صوت الحق عصام على أول رئيس مجلس إدارة لهذا المنتدى |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|