اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-05-2015, 10:13 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 60
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي حصاد الألسن

حصاد الألسن


مبروك رشيد



الاعتقاد القلبي والكلام اللساني وعمل الجوارح قضية واحدة تعني أن الكلام أو الكلمة لها ارتباط بالاعتقاد، وقد وردت أدلة شرعية - بدون حصر- من كتاب الله - تعالى - و سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على أن الكلام من أعمال المسلم التي يحاسب بمقتضاها، وأنه يترتب عليه من الثواب أو العقاب ما الله به عليم.

قال - تعالى - :{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[1]،و قال:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[2]، و قال: {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا}[3].

إن هذه الآيات و غيرها تبين خطورة الكلمة و الكلام في دين الله - عز وجل - ، و أنها معدودة على قائليها، و أنهم محاسبون على ما يتكلمون؛ لأن الكلام من جملة الدين الذي يُسأل الإنسان عنه.

وكذلك جاء في السنة المطهرة الكثير من الأحاديث التي تثبت خطر الكلام و أثره في دين العبد ثواباً أو عقاباً؛ فمن ذلك حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه قال: ((يا رسول الله و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! و هل يكب الناس على وجوههم في النار - أو قال علي مناخرهم - يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم))[4].

و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - انه سمع رسول الله - عليه الصلاة و السلام - يقول: (( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار))[5].

و عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، و إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه))[6].

من هذه النصوص و غيرها يتبين أن الكلمة في دين الله عز و جل عظيمة الشأن،من حيث الربح أو الخسارة؛و لله در ابن القيم-رحمه الله-عندما قال :"و أما اللفظات فحفظها بألا يخرج لفظة ضائعة، بألا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح و الزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر؛ هل ربح فائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، و إن كان فيها ربح نظر؛ هل تفوت بها كلمة هي أربح منها فلا يضيعها بهذه؟"إلى أن قال:"و من العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ و الإحتراز من أكل الحرام و الظلم و الزنا و السرقة و شرب الخمر، و من النظر إلى المحرم و غير ذلك.

و يصعب التحرز من حركة لسانه،حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين و الزهد و العبادة،و هو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقى لها بالاً، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق و المغرب،و كم ترى من رجل متورع عن الفواحش و الظلم، و لسانه يفري أعراض الأحياء و الأموات و لا يبالي ما يقول؛ و إذا أردت أن تعرف ذلك فانظر فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال رجل:و الله لا يغفر الله لفلان!فقال الله- عزوجل -
(من ذا الذي يتألى علي أني لا اغفر لفلان؟قد غفرت له و أحبطت عملك)).فهذا العابد الذي عبد الله ما شاء أن يعبده،أحبطت هذه الكلمة عمله كله، ثم قال أبو هريرة - صاحب الرواية الأخرى من الحديث -:"تكلم بكلمة أوبقت دنياه و آخرته"[7].

كل واحد منا على خطر دائم مما يجنيه لسانه، و لو كان مجرد كلام فيما لا يعنيه،و ما أكثر ما نتكلم به فيما لا يعنينا،و عن أنس قال: " استشهد غلام منا يوم أحد،فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع، فمسحت أمه التراب عن وجهه وقالت:هنيئا لك يا بني الجنة،فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-ما يدريك؟لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه،ويمنع ما لا يضره "[8].

لهذا كان الصمت أحياناً أضمن طريق للنجاة من ورطات اللسان؛حيث يمتنع الإنسان عن التكلم إلا فيما يعلم حقاً أنه خير،و هذه وصية رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لنا؛فقد قال:"من كان يؤمن بالله و اليوم الأخر فليقل خيراً أو ليصمت"[9].

لقد كان رسول الله-عليه الصلاة و السلام-يتخوف علينا من ألسنتنا،و يأمرنا بالإستقامة التي تدخل فيها استقامة اللسان،فقد طلب سفيان بن عبد الله الثقفي من رسول الله طلباً عزيزاً:"قال له:يا رسول الله!قل لي في الإسلام قولا لا اسأل عنه أحدا بعدك.قال:قل:ربي الله،ثم استقم"[10].و في رواية للترمذي:" قل:ربي الله،ثم استقم". فقال يا رسول الله!ما أخوف ما تخاف علي؟فأخذ بلسان نفسه،ثم قال:"هذا"[11].

فلنحذر جميعاً أشد الحذر إخواني- رحمني الله و إياكم- أن تخرج من أفواهنا الألفاظ التي لا نعي معناها؛فقد تكون من كلام الشر و السوء التي تضرنا في دنيانا و آخرتنا؛ فالله – تعالى - يقول:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[12].

لقد فقه السلف مسؤولية الكلمة،و عرفوا أمانتها، ووعوا خطورتها؛ فهذا صديق الأمة: أبو بكر - رضي الله عنه - كان يضع حصاة في فيه يمنع بها نفسه عن الكلام، و كان يشير إلى لسانه و يقول:"هذا الذي أوردني الموارد".

و كان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول:"و الله الذي لا اله إلا هو! ماشيء أحوج إلى طول سجن من لسان"، و قال طاووس:"لساني سبع؛إن أرسلته أكلني"[13].

لقد فهم سلفنا الصالح مراد الله تعالى من قوله: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[14].

أي: لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون، وإذا لم يكن فيه خير، فإما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح، وإما شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بجميع أنواعه[15].

و علموا أن النجاة في كف اللسان؛ و لهذا سأل عقبة بن عامر الجهني رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قائلا: "ما النجاة؟قال:أمسك عليك لسانك، و ليسعك بيتك، و ابك على خطيئتك"[16].

قال النووي - رحمه الله -: "اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة،و متى استوى الكلام و تركه في المصلحة؛فالسنة الإمساك عنه؛لأنه قد ينجرُ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه؛و ذلك كثير في العادة،و السلامة لا يعدلها شيء"[17].

والحاصل أننا مدعوون لتصحيح ألفاظنا كما نصحح نياتنا؛فمتى علمنا أن الكلمة في دين الله حرام، وجب علينا تصحيحها، أو التخلي عنها وإن لم نعتقد حل القول بها أو جوازها، و هذا ما نقل عن الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - عندما سئل:"بعض الناس يقول: إن تصحيح الألفاظ غير مهم مع سلامة القلب؛ فهل هذا صحيح؟

فأجاب: إن أراد بتصحيح الألفاظ إجراؤها على اللغة العربية؛ فهذا صحيح؛ فإنه لا يهم أن تكون الألفاظ غير جارية على اللغة العربية ما دام المعنى مفهوماً سليماً،أما إذا أراد بتصحيح الألفاظ ترك الألفاظ التي تدل على الكفر و الشرك، فكلام غير صحيح،بل تصحيحها مهم، ولا يمكن أن تقول للإنسان:أطلق لسانك في قول كل شيء ما دامت النية صحيحة، بل نقول: الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلامية"
[18].

ومن أخطر ما يمكن أن يجري على لسان الإنسان أن يقع في الاستهزاء بدين الله أو شيء من دين الله ظاناً أن ذلك يجوز على سبيل المزاح و الفكاهة و اللعب،يقول ابن تيمية-رحمه الله-محذراً عاقبة ذلك في أثناء بيانه لمعنى قول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}[19]."فاعترفوا و اعتذروا،و لهذا قيل لهم: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}[20]؛ فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً،بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله و آياته و رسوله كفر يُكفر به صاحبه بعد إيمانه؛ فدل على أنهم كان عندهم إيمان ضعيف ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم، و لكن لم يظنوه كفراً،و كان كفراً كفروا به،فإنهم لم يعتقدوا جوازه"[21].

من هنا تتبين خطورة الكلمة، حيث لا يصح الاعتذار بالنية؛ فإن ذلك من تلبيس إبليس؛ فالكلام الفاسد و العمل الفاسد، لا تشفع له النية الصالحة، و النية السيئة الخبيثة لا يشفع لها العمل الصحيح و الكلام الحسن، و المطلوب هو استواء النية الحسنة بالعمل الصالح.

و على قول الشاعر أختم هذه الكلمات راجياً من-الله تعالى- أن يحفظ ألسنتنا من الوقوع في المحظور.


احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان

و قال آخر:

يصاب الفتى من عثرة لسانه و ليس يصاب المرء من عثرة الرِجل
فعثرة في القول تُذهب رأسه و عثرة في الرجل تبرأ على مهل


ــــــــــــــــ
[1] ق: 18.
[2] الانفطار: 10-12.
[3] مريم: 79.
[4] صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1122.
[5] صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 540.
[6] صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 888.
[7] الداء و الدواء لابن القيم، ص 17.
[8] رواه أبو يعلى في مسنده، الجزء السابع، ر ح 4017.
[9] رواه البخاري في كتاب الأدب،باب: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره)، ح ر 5672.
[10] رواه مسلم في كتاب الإيمان،باب جامع أوصاف الإسلام، ح ر 62.
[11] صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4395.
[12] النور: 15.
[13] جامع العلوم و الحكم، لابن رجب الحنبلي، شرح حديث*قل أمنت بالله ثم استقم*.
[14] النساء،114.
[15] تفسير السعدي، 1/202.
[16] صححه الألباني في الصحيحة برقم 890.
[17] رياض الصالحين، للإمام النووي، باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان.
[18] نقلا عن كتاب "المناهي اللفظية" للشيخ بكر أبو زيد، مكتبة السنة بالقاهرة.
[19] التوبة: 65.
[20] التوبة: 66.
[21] مجموع الفتاوى، 7/273.


رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 03:26 PM.