#1
|
||||
|
||||
نور الدين محمود.. سيرة ملك عادل ومجتمع مستقر
نور الدين محمود.. سيرة ملك عادل ومجتمع مستقر تنتشر - حالياً - في المنطقة العربية حُمى الثورات الشعبية ضد بعض الحكام؛ وذلك في سبيل الحصول على بعض حقوقها، ثم تطور الأمر إلى المطالبة بتغيير أنظمة الحكم. هذه الحالة التي تمر بها المنطقة هي نتيجة طبيعية لتراكمات سلبية تعاني منها الأمة الإسلامية عموماً منذ سقوط الخلافة العثمانية. حيث ساد الخواء الروحي الديني، والفساد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأخلاقي على مستوى الفرد والجماعة.. وبذلك سقطت المجتمعات الإسلامية في شَرَك الجوع والفقر، ومتاهة الجهل الديني والمعرفي، ونفق التفسخ الأخلاقي.. وتحولت هذه المجتمعات إلى كيانات مفككة ضعيفة، تتلاعب بها الأمم الأخرى كيفما تشاء.. وتسير على غير هدى كغثاء سيل لا وزن له ولا رجاء فيه.. وبالتالي عندما تثور هذه المجتمعات تكون أهم مطالبها تيسير وتوفير لقمة العيش، بصرف النظر عن صفات الحاكم ونظام حكمه.. فهي غالباً لا تنظر في معايير الشرع - التي تحدد الصفات الصحيحة في الحاكم ونظام الحكم - لأن الجهل وطغيان الشهوات وسطوة الشهوات، جعلت غاية الناس في الحياة المأكل والمشرب وتحصيل ملذات الحياة. والأسوأ من ذلك عندما تكون معايير الأمم الأخرى – في الغرب والشرق – هي المنهج الذي يوجه مسار تفكير المجتمعات الإسلامية ويحكم سلوكها. وهذا جزء من المشكلة؛ لأنه كلما ابتعد حاكم في بلاد المسلمين عن دين الله اقترب من الفساد بشتى صوره؛ وبالتالي يصبح مجتمعه ضحية ذلك ديناً ودنيا..فالإسلام قد ربط صلاح أحوالنا ومعاشنا أو فسادها، وعزنا أو ذلنا، وقوتنا أو ضعفنا بقدر تمسكنا بشرع الله حكاماً ومحكومين.. وفي تاريخنا كل الشواهد على ذلك، حيث نجد أنه في الحالات التي كانت الأمة - أو حتى جزء منها - قوية وغنية ومهابة أمام الأخرى نجد أن قائدها قريباً من الله في نفسه وفي تعامله مع رعيته، إلى جانب الصفات والسمات الشخصية الناجحة والقوية، وكلٌ بحسب ما وفقه الله إلى ذلك. وقد ذكرنا في تقارير سابقة نماذج تاريخية من قادة الأمة العظماء أمثال الخليفة عمر بن عبد العزيز وبعض سلاطين الدولة السلجوقية، ومن آل زنكي.. وكل هؤلاء الذين تمتعوا بخير الصفات الدينية والدنيوية كانت مجتمعاتهم في زمانهم أقوى المجتمعات وأرقاها وأغناها وأصلحها. وفي هذا التقرير نموذج عظيم آخر تفتخر وتعتز به الأمة الإسلامية، وفي نفس الوقت تفتقر إلى أمثاله.. إنه الملك العادل نور الدين محمود زنكي..ففي سيرته - كما في سيرة أمثاله - نجد جواب كل سؤال عن حال الأمة في الماضي والحاضر، والقدرة على فهم أحوالها في المستقبل..وسنجد الصفات التي يفترض أن تكون موجودة في كل قائد وحاكم ومسؤول؛ لتحقيق الاستقرار والعز والرفعة والقوة في المجتمع المسلم. ملك عظيم قال عنه الإمام الذهبي: صاحب الشام، الملك العادل، نور الدين، ناصر أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام، أبو القاسم محمود ابن الأتابك قسيم الدولة أبي سعيد زنكي ابن الأمير الكبير آقسنقر التركي، السلطاني، الملكشاهي. مولده: في شوال سنة إحدى عشرة وخمس مائة. ووصفه ابن خلكان بأنه كان ملكاً عادلاً زاهداً عابداً ورعاً، متمسكاً بالشريعة مائلاً إلى أهل الخير، مجاهداً في سبيل الله تعالى، كثير الصدقات، بنى المدارس بجميع بلاد الشام الكبار مثل دمشق وحلب وحماة وحمص وبعلبك ومنبج والرحبة. وبنى بمدينة الموصل الجامع النوري، ورتب له ما يكفيه، وبحماة الجامع الذي على نهر العاصي، وجامع الرها وجامع منبج. وبيمارستان دمشق، ودار الحديث أيضاً.. وكان أسمر اللون طويل القامة حسن الصورة، ليس بوجهه شعر سوى ذقنه. وذكر ابن خلكان أن بعض أصحاب نور الدين حاولوا إقناعه - في بعض غزواته - بتموين الجيش من خلال الاستعانة بالهبات التي يقدمها، وقالوا له: إن في بلادك إدرارات وصدقات وصلات كثيرة على الفقهاء والصوفية والقراء، ولو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح. فغضب من ذلك غضباً شديداً، وقال: "إني لا أرجو النصر إلا بأولئك؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم. كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطئ، وأصرفها إلى من لا يقاتل عني إلا بسهام قد تصيب وتخطئ. وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال فكيف يحل أن أعطيه غيرهم". إلى أن قال ابن خلكان: وله من المناقب والمآثر والمفاخر ما يستغرق الوصف. ووصفه الذهبي بقوله: "وكان نور الدين حامل رايتي العدل والجهاد، قلّ أن ترى العيون مثله. حاصر دمشق، ثم تملكها، وبقي بها عشرين سنة. افتتح أولاً حصوناً كثيرة.. وهزم البرنس صاحب أنطاكية، و***ه في ثلاثة آلاف من الفرنج، وأظهر السنة بحلب، وقمع الرافضة". وكان بطلاً، شجاعاً، وافر الهيبة، حسن الرمي، مليح الشكل، ذا تعبد وخوف وورع، وكان يتعرض للشهادة. سمعه كاتبه أبو اليسر يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير. وبنى دار العدل، وأنصف الرعية، ووقف على الضعفاء والأيتام والمجاورين، وأمر بتكميل سور المدينة النبوية، وفتح درب الحجاز، وعمر الخوانق والربط والجسور والخانات بدمشق وغيرها، وكذا فعل إذ ملك حران وسنجار والرها والرقة ومنبج وشيزر وحمص وحماة وصرخد وبعلبك وتدمر. وكان نور الدين مليح الخط، كثير المطالعة، يصلي في جماعة، ويصوم، ويتلو، ويسبح، ويتحرى في القوت، ويتجنب الكبر، ويتشبه بالعلماء والأخيار.. ذكر هذا ونحوه الحافظ ابن عساكر. ثم قال: روى الحديث، وأسمعه بالإجازة. وكان من رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه، رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره.. وحكى من صحِبَه - حضراً وسفراً - أنه ما سمع منه كلمة فحش في رضاه ولا في ضجره. وكان يؤاخي الصالحين، ويزورهم، وإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوجهم بجواريه. ومتى تشكوا من ولاته عزلهم. وغالب ما تملّكه من البلدان تسلمه بالأمان. وكان كلما أخذ مدينة، أسقط عن رعيته قسطاً. وقال أبو الفرج ابن الجوزي: وكان يميل إلى التواضع وحب العلماء والصلحاء، وكاتبني مراراً، وعزم على فتح بيت المقدس، فتوفي في شوال سنة تسع وستين وخمس مائة. وقال الموفق عبد اللطيف: كان نور الدين لم ينشف له لِبد من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، ينسخ تارة، ويعمل أغلافاً تارة، ويلبس الصوف، ويلازم السجادة والمصحف، وكان حنفياً، يراعي مذهب الشافعي ومالك، وكان ابنه الصالح إسماعيل أحسن أهل زمانه. وقال ابن الأثير: كان أسمر، له لحية في حنكه، وكان واسع الجبهة، حسن الصورة، حلو العينين. ثم قال: طالعتُ السير، فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحرياً منه للعدل، وكان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف إلا من مِلكٍ له قد اشتراه من سهمه من الغنيمة. لقد طلبت زوجته منه (زيادة في النفقة)، فأعطاها ثلاثة دكاكين، فاستقلّتها، فقال: ليس لي إلا هذا، وجميع ما بيدي أنا فيه خازن للمسلمين. وكان يتهجد كثيراً، وكان عارفاً بمذهب أبي حنيفة، لم يترك في بلاده على سعتها مكساً. وسمعت – الكلام لابن الأثير - أن حاصل أوقافه في البر في كل شهر تسعة آلاف دينار صورية. ثم نقل ابن الأثير قول القطب النيسابوري له: بالله لا تخاطر بنفسك، فإن أصبت في معركة لا يبقى للمسلمين أحد إلا أخذه السيف، فقال: ومن محمود حتى يقال هذا؟!. حفظ الله البلاد قبلي، لا إله إلا هو. ثم قال ابن الأثير: كان ديناً، تقياً، لا يرى بذل الأموال إلا في نفع، وما للشعراء عنده نفاق. وفيه يقول شاعر: سلطاننا زاهد والناس قد زهدوا ** لــــه فكــل علــى الخيــرات منكمش أيامه مثل شهر الصوم طاهــرة ** من المعاصي وفيها الجوع والعطش وقال سبط الجوزي عنه: لم يلبس نور الدين حريراً ولا ذهباً، ومنع من بيع الخمر في بلاده.. وكان كثير الصوم، وله أوراد في الليل والنهار، ويكثر اللعب بالكرة. فأنكر عليه فقير، فكتب إليه: والله ما أقصد اللعب، وإنما نحن في ثغر، فربما وقع الصوت، فتكون الخيل قد أدمنت على الانعطاف والكر والفر.قال العماد في (البرق الشامي): أكثر نور الدين عام موته من البر والأوقاف وعمارة المساجد، وأسقط ما فيه حرام، فما أبقى سوى الجزية والخراج والعشر، وكتب بذلك إلى جميع البلاد، فكتبت له أكثر من ألف منشور. وقال ابن واصل: كان من أقوى الناس قلباً وبدناً، لم ير على ظهر فرس أحد أشد منه، كأنما خلق عليه لا يتحرك. وكان من أحسن الناس لعباً بالكرة، يجري الفرس ويخطفها من الهواء، ويرميها بيده إلى آخر الميدان، ويمسك الجوكان بكمه تهاوناً بأمره. وكان يقول: طالما تعرضت للشهادة، فلم أدركها. قال سبط الجوزي: حكى لي نجم الدين بن سلام عن والده: أن الفرنج لما نزلت على دمياط، ما زال نور الدين عشرين يوماً يصوم، ولا يفطر إلا على الماء، فضعف وكاد يتلف، وكان مهيباً، ما يجسر أحد يخاطبه في ذلك. فقال إمامه يحيى: إنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم يقول: يا يحيى، بشر نور الدين برحيل الفرنج عن دمياط. فقلت: يا رسول الله، ربما لا يصدقني. فقال: قل له: بعلامة يوم حارم. وانتبه يحيى، فلما صلى نور الدين الصبح، وشرع يدعو، هابه يحيى، فقال له: يا يحيى، تحدثني أو أحدثك؟. فارتعد يحيى، وخرس، فقال: أنا أحدثك، رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الليلة، وقال لك كذا وكذا. قال: نعم، فبالله يا مولانا، ما معنى قوله بعلامة يوم حارم؟. فقال: لما التقينا العدو، خفت على الإسلام، فانفردت، ونزلت، ومرغت وجهي على التراب، وقلت: يا سيدي من محمود في البين، الدين دينك، والجند جندك، وهذا اليوم افعل ما يليق بكرمك. قال: فنصرنا الله عليهم. وقال الإمام ابن كثير: كان طويل القامة، أسمر اللون، حلو العينين، واسع الجبين، حسن الصورة، تركي الشكل، ليس له لحية إلا في حنكه. مهيباً متواضعاً، عليه جلالةٌ ونورٌ. يعظم الإسلام وقواعد الدين. هذه نبذة من أقوال علماء ومؤرخي الأمة في صفات هذا الملك.. وفي السطور التالية سنجد بعض تفاصيل هذه الصفات وأثرها العظيم في الأمة الإسلامية. توحيد نظام الحكم بعد استشهاد عماد الدين سنة 541هـ تولى القيادة ابنه الملك العادل المجاهد نور الدين محمود. وفي هذا الوقت كانت الدولة الزنكية قد انقسمت - بعد م*** مؤسسها عماد الدين - بين ولديه سيف الدين غازي الذي حكم الموصل والجزيرة، ونور الدين محمود الذي حكم مدينة حلب وما جاورها من مدن الشام. أما أخوهما نصرة الدين أمير أميران، فقد حكم حّران تابعاً لأخيه نور الدين محمود. في حين كان الأخ الرابع قطب الدين مودود لا يزال في رعاية أخيه سيف الدين غازي بالموصل. وكان نهر الخابور هو الحد الفاصل بين أملاك الأخوين؛ وأدَّى الوضع الجغرافي الشرقي إلى أن يرث غازي الأول المشاكل الداخلية، مع كل من الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية في العراق: أ- يحمي حدود الإمارة من غارات سلاجقة فارس. ب- يحمي ثغور الإمارة الشمالية من تعديات سلاجقة الروم والداشمنديين والبيزنطيين في آسيا الصغرى. أما في القسم الغربي، فقد ورث نور الدين محمود المشكلتين الكبيرتين المتمثلتين بأتابكية دمشق، والإمارات الصليبية المنتشرة في مختلف بلاد الشام. وكان من الطبيعي أن تنشأ بين البيتين الزنكيين في كل من الموصل وحلب علاقات وثيقة، بفعل الروابط الأسرية من جهة، واشتراك آل زنكي بهدف واحد، وهو الجهاد ضد الصليبيين في بلاد الشام. وكانت حلب تشكل بالنسبة للموصل خط الدفاع الأول وصَّمام الأمان ضد أي خطر تتعرض له؛ فنشأت نتيجة لذلك علاقات جيدة بين سيف الدين غازي الأول، صاحب الموصل، وأخيه نور الدين محمود، صاحب حلب. ثم بين الأمراء الذين توالوا على حكم الموصل بعد غازي الأول، إلا أن هذه العلاقات الودية القائمة على التعاون والدفاع المشترك، شهدت في بعض الأوقات فتوراً عاماً، كان لا يلبث أن يتلاش لتعود المحبة والألفة. فبعد استقراره في الموصل والجزيرة وبعض مناطق بلاد الشام كحمص والرحبة والرقة، كان على سيف الدين غازي الأول أن ينَّسق مع أخيه نور الدين محمود في حلب، ويتعاون معه لاستكمال سياسية والدهما القاضية بالتصدي للصليبيين، مُدركاً في الوقت نفسه أهمية هذا التعاون، خشية أن يستغل أعداء الأسرة فرصة انقسام الإمارة الزنكية لمهاجمتها، بالإضافة إلى الظهور، بمظهر القوة أمامهم؛ لذلك، رأى ضرورة الاجتماع بأخيه بين وقت وآخر لتسوية ما قد ينشأ بينهما من أزمات داخلية بسبب توزيع الإرث الزنكي. ويبدو - كما يقول الصلابي - أن العلاقات بين الأخوين تعرضت لأزمة عابرة عقب وفاة والدهما بدليل أن سيف الدين غازي الأول أرسل إلى أخيه نور الدين محمود يدعوه للحضور إليه إلا أن صاحب حلب تأخر في تلبية الدعوة معَّللا تصرفه بانهماكه في محاربة الصليبيين. وقد كانت هناك مجموعة من الأسباب ساهمت في فتور العلاقة بين الأخوين، وهي: أ- رأى سيف الدين غازي الأول أنه كان يجب على أخيه الوقوف إلى جانبه عندما تعرض الحكم الزنكي في الموصل لخضة سياسية أثارها الملك ألب أرسلان السلجوقي بهدف الاستيلاء على السلطة، وذلك حتى تستقر الأوضاع لهما في البلاد، ثم يستأذنه في العودة إلى بلاد الشام. ب- عّد سيف الدين غازي الأول تصرف أخيه نور الدين محمود بعد م*** والدهما أمام قلعة جَعْبَر خروجاً على التقاليد الأسرية عند القبائل التركية التي تقضي بأن تكون السيادة للابن الأكبر. ج - رأى سيف الدين غازي الأول في تصرف أخيه انفصالاً واضحاً عن الدولة الزنكية؛ لأن استئثار نور الدين محمود بأملاك الأسرة في حلب يعني تكوين حكم انفصالي عن دولة الأتابكة في الموصل. ولكن سرعان ما استطاع سيف الدين ونور الدين أن يحلا المشاكل التي بينهما، وتعاونا على البر والتقوى. وكان من مظاهر التعاون بين الأخوين اشتراك عساكر الموصل جنباً إلى مع عساكر الشام في الجهاد ضد الصليبيين، وذلك في الدفاع عن دمشق ضد الصليبيين - الذين حاصرت قواتهم المدينة في المحملة الصليبية الثانية عام 543هـ /1148م - ونجاحهم في حمل الصليبيين على الرحيل عن دمشق. ومن مظاهر التعاون أيضاً، اشتراك عساكر الموصل مع عساكر نور الدين في فتح حصن العُريمة وطرد الصليبيين منه. كما كان من مظاهر التعاون بين الأخوين اشتراك عساكر الموصل مع قوات حلب في هريمة الصليبيين في إنّب، وفي فتح أفاميه سنة 544هـ/1149م. إلا أن العهد لم يطل بسيف الدين غازي حيث توفي بالموصل في جمادي الآخرة من سنة 544هـ / 1149م بعد أن حكم الموصل ثلاث سنين وشهراً وعشرين يوماً.. وكان سيف الدين غازي جواداً كريماً شجاعاً. من صفات الملكالعادل يحلل الدكتور الصلابي شخصية نور الدين محمود زنكي بأن مفتاحها شعوره بالمسؤولية وحرصه على تحرير البلاد من الصليبيين وخوفه من محاسبة الله له وشدة إيمانه بالله وباليوم الآخر. وكان هذا الإيمان سبباً في التوازن المدهش والخلاّب في شخصيته، فقد كان على فهم صحيح لحقيقة الإسلام وتعبد الله بتعاليمه. وتميزت شخصيته بمجموعة من الصفات الرفيعة والأخلاق الحميدة والتي ساعدته على تحقيق انجازاته العظيمة، والتي من أهمها: عبادته ولجوؤه إلى الله عمق نور الدين محمود فهمه للتوحيد ومعرفته بالله تعالى.. وحقق في حياته مفهوم التوحيد الصحيح، وحقق الإيمان بكل معانيه، والتزم بشروطه وابتعد عن نواقضه. وفي ساحة الحرب، حيث الموت على بعد خطوات وحيث لقاء الله آت وراء كل لحظة، كان نور الدين يذوب تواضعاً وإشفاقاً وتصفه تقواه العميقة في حضور مؤثر أمام الله، حيث تتمزق في أعماق وعيه بقايا الستائر والحجب التي ظل يكافح من أجل تمزيقها لكي يقف نقياً.. فعندما التقت قواته في حارم بالصليبيين الذين كانوا يفوقونهم عدة وعدداً، انفرد نور الدين تحت تل حارم وسجد لربه عز وجل ومّرغ وجهه وتضرع، وقال: يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك. وإيش فضول محمود في الوسط؟. ويشرح أبو شامة هذا الدعاء بقوله: يشير إلى أنك يا رب إن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر. وروى أبو شامة أن نور الدين دعا الله: اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً. من هو محمود الكلب حتى يُنصر. وفي إحدى المعارك سنة 556هـ، قضى الله بانهزام عسكر المسلمين، وبقي الملك العادل مع شرذمة قليلة، وطائفة يسيرة، واقفاً على تلَّ يقال له تل حبيش، وقد قرب عسكر الكُفَّار بحيث اختلط رجّالة المسلمين مع رجالة الكُفَّار، فوقف الملك العادل بحذائهم مولَّيا وجهه إلى قبلة الدُّعاء، يقول: "يا رَبَّ العباد، أنا العبد الضعيف ملَّكتني هذه الولاية وأعطيتني هذه النيَّابة، عمرت بلادك، ونصحت عبادك، وأمرتهم بما أمرتي به ونهيتني عما نهيتني عنه، فرفعت المنكرات من بينهم، وأظهرت شعار دينك في بلادهم، وقد انهزم المسلمون، وأنا لا أقدر على دفع هؤلاء الكفار أعداء دينك ونبيَّك محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أملك إلا نفسي هذه وقد سلمتها إليهم ذاباً عن دينك وناصراً لنبيك". فاستجاب الله تعالى دعاءه وأوقع في قلوبهم الرُّعب وأرسل عليهم الخذلان فوقفوا في مواضعهم وما جسروا على الإقدام عليه. وظنوا أن الملك العادل عمل عليهم الحيلة، وأن عسكر المسلمين في الكمين، فإن أقدموا عليه تخرج عساكر المسلمين في الكمين فلا ينفلت منهم أحد فوقفوا وما أقدموا عليه.. إن من أسباب نجاح نور الدين محمود في مشروعه النهضوي، استيعابه العميق لفقه الدعاء ومقدرته على استخدامه كسلاح فتاك ضد الأعداء، وحسن تضرعه وانكساره بين يدي المولى عز وجل. عبادته: كان الملك العادل نور الدين محمود يصلي أكثر الليالي ويناجي ربه مقبلاً بوجهه عليه ويؤدي الصلاة في أوقاتها بتمام شرائطها وأركانها وركوعها وسجودها.. ويحافظ على الجماعة. وكان كثير الابتهال إلى الله عز وجل في أموره كلها. وكان من عادة نور الدين أنه ينزل إلى المسجد بغلس، ولا يزال يركع فيه حتى يصلي الصبح. وقال ابن الأثير: حدثني صديق لنا بدمشق فقال: كان نور الدين يصليّ فيطيل الصلاة، وله أوراد في النهار، فإذا جاء الليل وصلى العشاء نام، ثم يستيقظ نصف الليل، ويقوم إلى الوضوء والصلاة والدعاة إلى بكرة، ثم يظهر للركوب ويشتغل بمهام الدولة. وقال ابن كثير: كان نور الدين كثير المطالعة للكتب الدينية، متبعاً للآثار النبوية، محافظاً على الصلوات في الجماعات، كثير التلاوة، صموتا وقوراً. كان نور الدين كثير الصيام وله أوراد في الليل والنهار، وكان يقدم أشغال المسلمين عليها ثم يتمم أوراده. تجردهوزهده لقد فهم نور الدين محمود زنكي - من خلال معايشته للقرآن الكريم وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تفكره في هذه الحياة -بأن الدنيا دار اختبار وابتلاء، وعليه فإنَّها مزرعة للآخرة؛ ولذلك تحَّررَ من سيطرة الدنيا بزخارفها، وزينتها، وبريقها، وخضع وانقاد، وأسلم نفسه ظاهراً وباطناً. قال ابن الأثير: وحكى لنا الأمير بهاء الدين علي ابن الشكري، وكان خصيصاً بخدمة نور الدين قد صحبه من الصبا، وأنس به وله معه انبساط، قال: كنت معه في الميدان بالُّرها والشمس في ظهورنا، فكلّما سرنا تقدمنا الظل، فلما عدنا صار ظلنا وراء ظهورنا، فأجرى فرسه وهو يلتفت وراءه، وقال لي: أتدري لأي شيء أجري فرسي وألتفت ورائي، قلت: لا، قال: قد شبهت ما نحن فيه بالدنيا، تهرب ممن يطلبها وتطلب من يهرب منها. قلت: رضي الله عن مَلك يفكر في مثل هذا. تشبه نور الدين محمود بعمر بن عبد العزيز في زهده، فكان نور الدين لا ينفق على نفسه وعلى أهله إلا من مِلك اشتراه من سهمه من الغنائم. وكان يحضر الفقهاء ويستفتيهم فيما يحل له من تناول الأموال المرصدة لمصالح المسلمين فيأخذ ما يفتونه بحله ولم يتعداه إلى غيره البتة. وأما ما يهدي إليه من الثياب والألطاف وهدايا الملوك من المناديل والسكاكين والمهاميز والدبابيس، وكل دقيق وجليل لا يتصرف في شيء منه بل يعرض نظره عنه، وإذا اجتمع يخرجه إلى مجلس القاضي ليحصل أثمانها الموفورة ويصرفها في عمارة المساجد المهجورة. ولم يلبس قط ما حّرمه الشرع من حرير أو ذهب أو فضة.. وحكي عنه أنه حمل إليه من مصر عمامة من القصب الرفيع مذهبة فلم يحضرها عنده، فوصفت له فلم يلتفت إليها، وبينما هم معه في حديثها، إذ قد جاءه رجل صوفي فأمر له بها، فقيل له: إنها لا تصلح لهذا الرجل، ولو أعطي غيرها لكان أنفع له، فقال: أعطوها له فإني أرجو أن أعّوض عنها في الآخرة. وكانت زوجة نور الدين قد قلت عليها النفقة ولم يكفها ما كان قد قّرره لها فلما طلبت زيادة تنكر واحمّر وجهه ثم قال: من أين أعطيها، أما يكفيها مالها؟. والله لا أخوض نار جهنم في هواها، إن كان تظن أن الذي بيدي من الأموال هي لي فبئس الظن؛ إنما هي أموال المسلمين ومرصدة لمصالحهم ومعدّة لفتق من عّدو الإسلام، وأنا خازنهم عليها، فلا أخونهم فيها. ثم قال: لي بمدينة حمص ثلاث دكاكين ملكاً قد وهبتها إياها فلتأخذها: وكان يحصل منها قدر قليل نحو عشرين ديناراً. قال ابن كثير: كان نور الدين عفيف البطن والفرج، مقتصداً في الإنفاق على أهله وعياله في المطعم والملبس؛ حتى قيل: إنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلى نفقة منه، من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا. وأما مقّر سكن نور الدين – وهو حاكم الجزيرة والشام ومصر واليمن - فكانت دار متواضعة تطل على النهر الداخل إلى القلعة من الشمال، ألحق بها صُفّة يخلو فيها للعبادة، فلما ضربت الزلازل دمشق، بنى بإزاء تلك الصفة بيتاً من الأخشاب، فهو يبيت فيه ويصبح ويخلو بعبادته ولايبرح.. ولما توفي دفن في البيت البسيط المقام من الأخشاب. وامتد زهده إلى التخلي عن الألقاب السلطانية الطنانة؛ خوفاً أن يكون في طياتها الكذب والمبالغة والزيف، وخوفاً أن تقوده إلى نوع من الاعتداد والغرور كثيراً ما انتهى إليهما القادة العاملون. وأما نور الدين الذي علمه التجرد كيف يكون الرفض فإنه يتمنع حتى النهاية عن الذهاب مع الإغراء إلى ما يريد الشيطان لا ما يريد الله. تلقى يوماً من بغداد هدية تشريف عباسيه ومعها "قائمة" بألقابه التي كان يذكر بها على منابر بغداد: "... اللهم أصلح المولى السلطان الملك العادل العالم العامل الزاهد العابد الورع المجاهد المرابط المثاغر نور الدين وعدته ركن الإسلام وسيفه، قسيم الدولة وعمادها، اختيار الخلافة ومعزها، رضيّ الإمامة وأثيرها، فخر الملّة ومجدها، وشمس المعاني وملكها، سيد ملوك المشرق والمغرب وسلطانها، محي العدل في العالمين المظلومين من الظالمين ناصر دولة أمير المؤمنين". لكن نور الدين أسقط جميع الألقاب، وطرح دعاءً واحد يقول: اللهم أصلح عبدك الفقير محمود بن زنكي. ولقد مدح ابن القيسراني نور الدين في زهده فقال: يغشى الوغى أفرس فرسانها ** وفي التقى أزهد زُهّادها ويقول أيضاً:ثنى يده عن الدنيا عفافاً ** ومال بها عن الأموال زهدا ويصوره ابن منير من الصالحين الأبرار الذين يزهدون فيما يتنازع عليه الناس من عرض الدنيا، فيقول:لازلت تقفــو الصالحين مسابقـــاً ** لُهُم وتَطلْعُ خلفك الأبرار نفس السيادة زهد مثلك في الذي** فيه تفانت يَعْـرُبُ ونــزار الشعور بالمسوؤليةتولد عن ورع نور الدين وتقواه إحساس شديد بالمسؤولية، ظهر في جميع أعماله وحالاته، فالخشية من الله تعالى تجعله دائماً في موقع المحاسب لنفسه المراقب لها حتى لا تتجاوز إلى ما يغضب الله. فهو يعتبر نفسه مسؤولاً أمام الله عن كل ما يتعلق برعيته، وكل ما يتعلق ببلاد المسلمين ودمائهم وحقوقهم حتى لو كانوا من غير رعيته. فإذا كان باستطاعته مساعدتهم فهو مسؤول إذا قصر في تقديم هذه المساعدة. كان نور الدين يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه الوقت أن يضيع هباء والدم المسلم من أن يُهدر، والكرامة الإسلامية من أن تهان والأرض الإسلامية من أن تُغزى وتُقتطع. فحينما علم في عام 544هـ /1149م بتحالف الصليبيين قال: لا أنحرف عن جهادهم. إلا أنه مع ذلك كان يكفّ أيدي أصحابه عن العبث والإفساد في الضيَّاع. ويحسن الرأي في الفلاحين، ويعمل على التخفيف عنهم؛ الأمر الذي أكسبه عطف وتأييد جماهير دمشق وسائر البلاد التابعة لها، فراحت تدعو له النصر. وكتب إلى زعماء دمشق: إنني ما قصدت بنزولي هذا المنزل طالباً لمحاربتكم، وإنما دعاني إلى هذا الأمر كثرة شكاية المسلمين بأن الفلاحين أخذت أموالهم وشتت نساؤهم وأطفالهم بيد الفرنج، وانعدام الناصر لهم: فلا يسعني مع ما أعطاني الله وله الحمد من الاقتدار على نصرة المسلمين وجهاد المشركين وكثرة المال والرجال، ولا يحلّ لي القعود عنهم والانتصار لهم؛ مع معرفتي بعجزكم عن حفظ أعمالكم والذبّ عنها والتقصير الذي دعاكم إلى الاستصراخ بالفرنج على محاربتي وبذلكم لهم أموال الضعفاء والمساكين من الرعية ظلماً لهم وتعدياً عليهم. وهذا مالا يرضي الله تعالى ولا أحداً من المسلمين. وفي العام التالي خرج إليه أهل دمشق وكثير من أجنادها، بعد أن قرر عدم مهاجمتها عنوة كراهية لسفك دماء المسلمين، والتقى بعدد من الطلاب والفقراء والضعفاء، فلم يخيب أحداً من قاصديه. وقد أصر نور الدين طيلة الفترة التالية على عدم القيام بهجوم على البلد تحرجاً من *** المسلمين، وقال: لا حاجة إلى *** المسلمين بأيدي بعضهم بعضاً، وأنا أرفههم ليكون بذل نفوسهم في مجاهدة المشركين. فهو يعلم جيداً أن الأمة إذا ***ت نفسها سهلت على العدو، وإذا قدرت على حماية دمها بذلته رخيصاً في مجاهدة هذا العدوّ.. معادلة واضحة يمكن أن تفسر لنا الكثير من هزائم الأمم وانتصاراتها على السواء. ومن ثم كانت عادة نور الدين كما يقول أبو شامة: إنه لا يقصد ولاية أحد من المسلمين إلا ضرورة، إما ليستعين على قتال الفرنج، أو للخوف عليها منها كما فعل بدمشق ومصر وغيرها. لقد كان الدم عنده عظيما، لما كان قد جبل عليه من الرأفة والرحمة والعدل. الجدية والذكاء المتوقد منُذ البداية والتكوين الجاد لنور الدين كان يدفعه إلى الإسراع لسّد أي تسلل أو هجوم من قِبل الأعداء: فلما *** زنكي 541هـ كان جوسلين الفرنجي راسل أهل الرها، وكان عامتهم من الأرمن، وواعدهم يوماً يصل إليهم فيه فأجابوه إلى ذلك فسار في عساكره إليها وملكها، وامتنعت عليه القلعة بمن فيها من المسلمين، وقاتلهم وجّد في قتالهم. فبلغ الخبر إلى نور الدين فساراً مجداً إليها في العسكر الذي عنده، فلما سمع جوسلين بوصوله خرج عن الرها إلى بلده ودخل نور الدين المدينة ونهبها وسبى أهلها فلم يبق منهم إلاّ القليل وأجلى من كان بها من الفرنج. وكان أبوه زنكي قد استرد هذا الموقع الخطير من الصليبيين عام 539هـ، وأمر جنده يومها بالكف فوراً عن النهب والسلب والتخريب. ومنح النصارى المحليين حريات واسعة وحمى كنائسهم وممتلكاتهم في محاولة منه لفك ارتباطهم بالغزاة الصليبيين الذين مارسوا معهم الكثير من أساليب التمييز والتفرقة الدينية. أما وقد تآمروا - ثانية - في أخريات عهد زنكي، وثالثة بعد م***ه لإعادة الرها إلى السيطرة الصليبية؛ يجئ الرد بمستوى الجّد الذي يقتضيه الموقف إذا ما أريد لهذا الموقع أن يبقى مجرداً، وألا يعود ثانية إلى قبضة الغزاة. وفي عام 567هـ هاجم صليبيو اللاذقية مركبين للمسلمين كانا مملوءين بالأمتعة مكتظين بالتجار، وغدروا بالمسلمين. وكان نور الدين قد هادنهم فنكثوا، فلما سمع الخبر استعظمه وأرسل إلى الصليبيين يطلب إعادة ما أخذوه، فغالطوه فلم يقبل مغالطتهم. وكان لا يهمل أمراً من أمور رعيته كما يقول ابن الأثر، إذ ما لبث أن جمع عساكره وبث سراياه في بلاد الصليبيين بين أنطاكية وطرابلس، وقام بحصار حصن عرقة وتخريب ربضه، والاستيلاء على حصني صافيتا والعزيمة شمالي، وإجراء أعمال نهب وتخريب واسعة النطاق؛ الأمر الذي اضطر الصليبيين إلى مراسلة نور الدين يعرضون عليه استعدادهم لإعادة ما أخذوه من المركبين وتجديد الهدنة بين الطرفين، فأجابهم نور الدين إلى ذلك لحاجته الماسّة – كما يبدو – إلى هدنة كهذه. وكان نور الدين – كما يقول ابن الأثير -: إذا فتح حصناً لا يرحل عنه حتى يملأه رجالاً وذخائر يكفيه عشر سنين خوفاً من نصرة تتجدد للفرنج على المسلمين فتكون حصونهم مستعدة غير محتاجة لشيء. وهكذا ترتبط جدّية نور الدين بذكائه الحذر ودهائه الذي حقق له الكثير من المكاسب والمنجزات والذي لم يتح لأحد من الأعداء في الداخل والخارج أن ينفذ لتوجيه ضربة أو إصابة م***. وكان يكثر من أعمال الحيل والمكر والخداع مع الفرنج، وأكثر ما ملكه من بلادهم به. وفي محاولته فتح دمشق أدرك أن اعتماد ال*** سيستفز حكامها ويدفعهم إلى مراسلة الصليبيين والاستعانه بهم؛ فعمد إلى أعمال الحيلة والسياسة فأخذ يراسل صاحبها مجير الدين ويستميله ويبعث إليه بالهدايا الموصولة ويظهر له المودة حتى وثق إليه. وأخذ نور الدين يكاتبه مشككاً إياه بنوايا عدد من أمرائه وإنهم بصدد الاتصال به ضد ملكهم؛ الأمر الذي دفع مجير الدين إلى إبعاد واعتقال عدد من أبرز أصحابه. فلما خلت دمشق من زهرة أمرائها انتقل نور الدين خطوة أخرى فاتصل بأحداث دمشق (أي حرسها الشعبي) وجماهيرها واستمالهم فأجابوه إلى تسليم البلد، وعند ذاك تقدم لحصار دمشق وتمكن بمعونة أهلها أنفسهم من دخولها بسهولة بالغة ودونما إراقة للدماء، فحقق بذلك الهدف الكبير الذي طالما سعى له أبوه. وقبل ذلك، وحينما بعث إليه الفاطميون يطلبون منه القيام بهجوم على المواقع الصليبية جنوبي الشام لإشغالهم عن مهاجمة مصر، أجاب نور الدين أسامة بن منقذ سفيرهم في هذه المهمة: إن أهل دمشق، أعداء والإفرنج أعداء ما آمن منهما إذا دخلت بينهما. قدرته على مواجهة المشاكل والأحداث وبحكم ذكائه الوقاد اعتمد نور الدين محمود الحلول العقلية ذات الطابع العلمي في مواجهة المشاكل والأحداث، واضعاً نصب عينيه التعامل مع سنة الأخذ بالأسباب. ففي عام 552هـ شهدت الجهات الوسطى والشمالية من بلاد الشام زلازل عنيفة تتابعت ضرباتها القاسية فخربت الكثير من القرى والمدن، وأهلكت حشداً لا يحصى من الناس، وتهدمت الأسوار والدور والقلاع. فما كان من نور الدين إلاّ أن شمّر على ساعد الجدّ وبذل جهوداً عظيمة في إعادة إعمار ما تهدم وتعزيز دفاعاته؛ فعادت البلاد كأحسن مما كانت ولولا أن الله منّ على المسلمين بنور الدين، فجمع العساكر وحفظ البلاد، لكان دخلها الفرنج بغير قتال ولا حصار. وفي عام 565هـ ضربت بلدان المنطقة بغارة أخرى من الزلازل لم تقل هولاً على سابقتها، فلما بلغ الخبر نور الدين سار إلى بعلبك لإعادة إعمار ما تهدم من أسوارها وقلعتها. ولم يجأر إلى الله بالشكوى ويعلن أن الظلم قد فشا وأن هذا عقاب الله فقط أو أنه إشارات الساعة قد لاحت في الأفق القريب. وعندما وصل بعلبك أتاه خبر دمار باقي البلاد وهلاك كثير من أهليها، فرتب في بعلبك من يحميها ويعمرها وانطلق إلى حمص ففعل مثل ذلك، ومنها إلى حماه، فبعرين. وكان شديد الحذر على سائر البلاد من الفرنج لاسيما قلعة بعرين فإنها مع قربها منهم لم يبق من سورها شيء البتة، فجعل فيها طائفة صالحة من العسكر مع أمير كبير، ووكل بالعمارة من يحث عليها ليلاً ونهاراً. ثم أتى مدينة حلب، فلما شاهد ما صنعته الزلزلة بها وبأهلها أقام فيها وباشر عمارتها بنفسه، وكان هو يقف على استعمال الفعلة والبنائين، ولم يزل كذلك حتى أحكم أسوار جميع البلاد وجوامعها. يعلق الصلابي على هذا الوضع بقوله: إن الكوارث – التي يبتلي الله بها عباده – تجئ بمثابة تحديات دائمة تستفز الجماعات البشرية وقياداتها إلى المزيد من الوعي والانجاز، وإن الاستجابة لهذه التحديات هي التي تقود الأمم والتجارب السياسية والحضارات، خطوات إلى الأمام، والعجز عنها هو الذي يربك مسيرتها ويصيبها بالعجز والشلل والجمود. أما نور الدين فقد اختار الموقف الأول، وأعاد إعمار ما هدمته الكوارث بسرعة مدهشة وواصل الطريق. والحاكم الناجح في نظره هو ذلك الذي يعرف كيف يحقق أكبر قدر من العمران والتحضر بأقل قدر من الزمن؛ فقد بنى نور الدين المساجد والربط والزوايا للتعبد وتربية الروح. كما أنشأ المدارس ودور الحديث للتعلم وتربية العقل، وشجعَّ أعمال الفروسية وسائر النشاطات الرياضية لكسب المزيد من المهارات القتالية، وتنمية الجسد. وبنى أيضاً دوراً للأيتام لإيواء أطفال المسلمين، والمارستان لمعالجة المرضى. وأقام الجسور والقناطر والحدائق والقنوات والأسواق والحمامات والمخافر وشقَّ الطرقات العامة؛ فحفلت دولته بالكثير من المؤسسات الاجتماعية والعمرانية. قوة الشخصية كان نور الدين محمود قوي الشخصية كوالده، قديراً على الوقوف في نقطة التوازن بين الصرامة والمرونة، والشدة واللين، وال*** والرحمة. وقد وصفه ابن الأثير بأنه كان مهيباً مخوفاً مع لينه ورحمته، وأنه كانت إليه النهاية في الوقار والهيبة، شديداً في غير ***، رقيقاً في غير ضعف. ويصف مجلسه فيقول: وكان مجلسه - كما روي - في صفة مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مجلس حلم وحياء، لا تؤبن فيه الحرم، ولا يُذكر فيه إلا العلم والدين وأحوال الصالحين والمشورة في أمر الجهاد، وقصد بلاد العدو، ولا يتعّدى هذا. وقال الحافظ ابن عساكر الدمشقي: كنا نحضر مجلس نور الدين، فكنا كما قيل: كأن على رؤوسنا الطير تعلونا الهيبة والوقار، وإذا تكلم أنصتنا، وإذا تكلمنا استمع لنا. وقال ابن كثير: لم يسمع منه كلمة فحش قط في غضب ولا رضى، صموتا وقوراً. وكان نور الدين محمود يملك هيبة عجيبة على موظفيه، ويلزمهم بوظائف الخدمة: ولم يجلس عنده أمير من غير أن يأمره بالجلوس باستثناء نجم الدين أيوب.. وكان مع هذه العظمة وهذا الناموس القائم، إذا دخل عليه الفقيه أو الصوفي أو الفقير يقوم له ويمشي بين يديه ويجلسه إلى جانبه، ويُقبل عليه بحديثه كأنه أقرب الناس إليه. وإذا أعطى أحداً منهم شيئاً كثيراً يقول: هؤلاء جند الله وبِدُعائهم ننتصر على الأعداء، ولهم في بيت الله حق أضعاف ما أعطيهم فإذا رضوا منا ببعض حقهم فلهم المنة علينا. شجاعته ورث نور الدين محمود الشجاعة عن والده عماد الدين زنكي الذي يضرب بشجاعته المثل، فقد شارك نور الدين في جميع المعارك التي خاضها والده خلال فترة حكمه (521-541هـ). ومن بعد توليه الحكم أمضى معظم أيام حياته على صهوة جواده يشارك جنوده ويتقدم الصفوف ويعرض نفسه للشهادة. قال ابن الأثير: وأما شجاعته وحسن رأيه فقد كانت النهاية إليه فيهما، فإنه كان أصبر الناس في الحرب، وأحسنهم مكيدة ورأياً، وأجودهم معرفة بأمور الأجناد وأحوالهم وبه كان يضرب المثل في ذلك. سمعت جمعاً كثيراً من الناس لا أحصيهم يقولون: إنهم لم يروا على ظهر الفرس أحسن منه كأنه خلق منه لا يتحرك ولا يتزلزل، وبلغني أنه في الحرب رابط الجأش، ثابت القدم، صليب الضرب يقدم أصحابه عند الكرة ويحمي منهزمهم عند الفرّة. يقول ابن القيسراني: من باتت الأسد أسرى في سلاسله ** هل يأسر الغلب إلا من له الغلب ويقول أيضاً:أنت حيناً تقاس بالأسد ** الورد وحيناً تُعدَّ في الأولياء ويقول العماد الأصفهاني:يا غالب الغلب الملوك وصائد ** الصيّد الليوث وفارس الفرسـان يا سالب التيجان من أربابهــا ** حزت الفخار علـى ذوي التيجان وقال ابن قسيم الحموي:تبدو الشجاعة من طلاقة وجهه ** كالّرمح دلّ على القساوة لينُهُ ووراء يقظتـــــه أنــاة مُجـــرَّب ** لله سطــوة بأســـه وسُكُــونه المؤمنالقوي أحب إلى اللهتطلبت حياة نور الدين محمود الحافلة بالعمل المتواصل والجهاد المضني جسداً قوياً قادراً على تحمل الأعباء والمشقات ولا يتم بناء الجسم القوي إلا بممارسة الرياضة؛ ولذلك كان نور الدين مواظباً على ممارسة الألعاب الرياضية المعروفة في زمانه بما يتعلق بالفروسية وأعمال القتال. وكان بشكل خاص مولعاً بلعبة الكرة أو الصولجة التي تدعى في هذه الأيام بلعبة البولو. وعندما احتجّ عليه أحد الزاهدين من أصحابه لأنه يلهو ويعذب الخيل لغير فائدة دينية: قال والله ما حملني على اللعب بالكرة اللهو والبطر، وإنما نحن في ثغر، والعدو قريب منا، وبينما نحن جلوس إذ يقع صوت فنركب في الطلب، ولا يمكننا أيضاً ملازمة الجهاد ليلاً ونهاراً شتاء وصيفاً، إذ لابد من الراحة للجند، ومتى تركنا الخيل على مرابطها صارت جماماً لا قدرة لها على إدمان السير في الطلب، ولا معرفة لها أيضاً بسرعة الانعطاف في الكر والفر في المعركة، فنحن نركبها ونروضها بهذا اللعب؛ فيذهب جمامها وتتعود سرعة الانعطاف والطاعة لراكبها في الحرب؛ فهذا والله الذي يبعثني على اللعب بالكرة". وكما يقول الصلابي فقد فسر نور الدين - بكلامه هذا - الممارسة الرياضية تفسيراً إسلامياً رائعاً.. ففي هذا التفسير المنطقي والتحليل التفصيلي للعبة البولو كشف وتوضيح لنفسية نور الدين. فهو لا يلعب الكرة للعبث وإهدار الوقت، وإنما لتحقيق العديد من الفوائد التي هي في الحقيقة استعداد وتحضير للجهاد، تحضير لأجسام اللاعبين ولأجسام خيولهم، وإشغال أوقات الفراغ بما هو مفيد. إضافة إلى ما تقتضيه الرياضة من راحة نفسية واستجمام وصفاء التفكير وذهاب الهم للجنود والقادة. وفي هذا الجواب لصاحبه الزاهد تظهر روح نور الدين الرياضية في أعلى درجاتها، فهو يخاطب الزاهد حسب مستواه من العلم والمعرفة ويأتيه من الباب الذي يقنعه، دون أن يجرح شعوره باتهامه بقلة المعرفة أو التزمت أو التعصب. وبهذا الموقف يبين لنا نور الدين فهمه للإسلام بالمنظور الشمولي الذي كان عليه رسول الله وأصحابه، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي بردة في قصة بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن.. وفي آخره قال أبو موسى لمعاذ: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟، قال: أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. وفي كلام معاذ رضي الله عنه دليل على أن المباحات يؤجر عليها بالقصد والنية. وهذا الفهم يجعل المسلم يقبل على شؤون الحياة كلها وكله حرص على إتقانها لكونها عبادة لله. ويواصل الصلابي تحليله: إن من أخطر الانحرافات التي وقعت فيها الأجيال المتأخرة من المسلمين انحرافهم عن تصور مفهوم العبادة، وحين يعقد الإنسان مقابلة بين المفهوم الشامل للعبادة الواسع العميق الذي كان يمارسه نور الدين وانعكاسه على جنوده وشعبه ودولته والمفهوم الهزيل الضئيل الذي تفهمه الأجيال المعاصرة، لا يستغرب كيف هوت هذه الأمة من عليائها لتصبح في هذا الحضيض الذي نعيشه اليوم، وكيف هبطت من مقام الريادة والقيادة للبشرية كلها لتصبح ذلك الغثاء الذي تتداعى عليه الأمم تنهشه من كل جانب كما تنهش الفريسة الذئاب. إن من شروط النهوض التي نتعلمها من دراستنا لسيرة نور الدين الشهيد أن يكون مفهوم العبادة في حس جيلنا أن عبادة الله هي غاية الوجود الإنساني كله، كما نفهم من قول الله تعالى }وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون{ (الذاريات: 56). وبهذا الفهم لمفهوم العبادة عند نور الدين وجيله حقق انجازات رائعة في كل اتجاه خاضته الدولة. قال ابن الأثير - في حديثه عن نور الدين محمود -: وكان – رحمه الله – لا يفعل فعلاً إلا بنية حسنة، ثم ذكر قصة اعتراض الزاهد على لعبه بالخيل والكرة. ثم علق ابن الأثير بعد نهاية القصة فقال: فانظر إلى هذا الملك المعدوم النظير، الذي يقلّ في أصحاب الزوايا المنقطعين إلى العبادة مثله، فإن من يجئ إلى اللعب يفعله بنية صالحة، حتى يصير من أعظم العبادات وأكثر القربات يقلّ في العالم مثله، وفيه دليل على أنه كان لا يفعل شيئاً إلا بنية صالحة، وهذه أفعال العلماء الصالحين العالمين. إن من أسباب ضياع الأمة وضعفها، وانهزامها أمام أعدائها فقدها لشرط مهم من شروط النهوض والتمكين ألا وهو تحقيق العبودية بمفهومها الشامل الصحيح. وهكذا كان نور الدين محمود لا يغيب عنه مفهوم العبادة الشامل في لهوه ولعبه وجده، وكان يمارس ألعاب أخرى تشبه في مغزاها وفائدتها لعبة البولو كلعبة طعن الحلق ورمي القبق. وكان رحلات الصيد الممتعة من رياضته الأخرى، تحمل من الجّد جنب متعتها البريئة ما يجعلها من بين المهارات الفروسية التي يتقنها ويتعشقها يومذاك الفارس والمجاهد. محبة المسلمين له عندما تحدث ابن كثير في أحداث سنة 552هـ قال: وفيها مرض نور الدين، فمرض الشام بمرضه، ثم عوفي ففرح المسلمون بذلك فرحاً شديداً. وفيما ذكره ابن كثير يظهر الحب العميق الذي تكنه الأمة لنور الدين. وهذا الحب الرباني كان نابعاً من القلب، ولم يكن حب نفاق. وما أبلغ تعبير ابن كثير: مرض نور الدين فمرض الشام بمرضه، فهل هناك تلاحم بين القيادة والقاعدة مثل هذا في ذلك الزمن. ومن أسباب ذلك الحب صفات نور الدين القيادية؛ فهو يسهر ليناموا ويتعب ليستريحوا. وكان يفرح لفرح المسلمين ويحزن لحزنهم.. وصدق الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي – حسب رواية الصلابي - عندما قال: فإذا أحب الله باطن عبده ** ظهرت عليه مواهب الفتاح وإذا صفت لله نية مصلح ** مال العبــاد عليـه بالأرواح لقد وضع الله تعالى لنور الدين قبولاً عظيماً بين أبناء أمته، وأحبته الجماهير لجهاده وإخلاصه وتفانيه في خدمة الإسلام. وامتد هذا الحب لكي يتجاوز مدن دولته وحصونها وقراها إلى ما وراء الحدود. وكسب جماهير خصومه من الداخل، وهز عروشهم، وقطع جذور مواقعهم من الأعماق، وأزاحهم من طريق الوحدة التي اعتزم بناءها دونما قطرة من دم؛ فالدم المسلم كان عنده عظيماً، وليست تجربته مع أهالي دمشق بالمثل الوحيد، فمُنذ عام 543هـ - حينما تقدم على رأس قواته للمساعدة على فك حصار الحملة الصليبية الثانية عن دمشق - شاهد الدماشقة حرمته حتى تمنوه، وراحوا يدعون له دعاءً متواصلاً.وأخذ يخرج إليه خلال المراحل التالية من الحصار عدد كبير من الطلاب والفقراء والضعفاء؛ ولهذا دلالته، فهم الذين كانوا في الواقع أصدقاءه الحقيقيين.. أما فلاحو المنطقة فكانت قلوبهم معه؛ لأنه منع أصحابه من العبث في مزارعهم، وأعلن أنه جاء لكي يحمى كدحهم من تخريب الصليبيين. وكان من الطبيعي أن يحظى هذا الملك العادل الزاهد بحب الناس له، وتمسك الشعب به راضياً مختاراً؛ وذلك عندما لمس شعبه أثر صلاح وعدل حاكمه على أرض الواقع من حيث الاستقرار والأمان والعزة والقوة.. فأنى لشعب يحكمه ملك بهذه الصفات أن يبحث عن غيره أو يسعى لتغييره.. من معالمالتجديد والإصلاح عند نور الدين يعتبر بعضُ المؤرخين نورَ الدين محمود مجدداً في الأمة؛ نتيجة الأعمال العظيمة التي أنجزها في خدمة الإسلام والمسلمين، وإعادة إحياء مجد هذه الأمة على طريقة من سبقه من قادة المسلمين العظماء.. وفيما يلي بعض صور هذا التجديد، حسب ما يراه مؤرخون وباحثون. حيث لم يغفل نور الدين عن النظر في تاريخ الأمة وماضيها؛ ليأخذ منه أصلح الأمور وأنسبها لزمانه ودولته، ويتجنب مساوئ من سبقه وهفواتهم.. فقد اتخذ نور الدين محمود من سيرة عمر بن عبد العزيز نموذجاً يقتدى به في دولته. وكتب الشيخ العلامة أبو حفص معين الدين عمر بن محمود بن خضر الإربلي سيرة عمر بن عبد العزيز؛ لكي يستفيد نور الدين منها في إدارة دولته. ولقد آتت معالم الإصلاح والتجديد الراشدي في عهد عمر بن عبد العزيز ثمارها في الدولة الزنكية؛ فقد أقتنع نور الدين بأهمية التجارب الإصلاحية في تقوية وإثراء المشروع النهضوي وتمكينه في إيجاد وصياغة الرؤية اللازمة في نهوض الأمة وتسلمها القيادة. فللتجارب التاريخية دور كبير في تطوير الدول وتجديد معاني الإيمان في الأمة؛ ولذلك حرص على معرفة هذه السير المباركة لكي يقتدي برجالها. قال أبو حفص معين الدين الإربلي عن نور الدين - في مقدمة كتابه عن عمر بن عبد العزيز وتقديمه ذلك الكتاب لنور الدين -: علماً منه أن الاقتداء بسلف الفضلاء العقلاء يكمل الأجر ويبقى الذكر، واتباع سنن المهديين الراشدين يصلح السريرة ويحسن السيرة. وأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بسلفه من الأنبياء، فقال عز من قائل }أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده{ (الأنعام: 90). وقال تعالى: }وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك{ (هود: 120)؛ فلذلك اشتد حرصه - أدام الله سعادته - على جمع السير الصالحة والآثار الواضحة، فحينئذ رأيت حقاً على بذل الوسع في مساعدته واستنقاذ القوة في معاضدته بحكم صدق الولاء وأكيد الإخاء. فصرفت وجه همتي إلى جمع سيرة السعيد الرشيد عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - والتجأت إلى الله الكريم جل اسمه أن يحسن معونتي ويُيسَّر ما صرفت إليه عزيمتي. فحين شرح الله صدري لذلك، ولاحت أمارات المعونة، بادرت إلى جمع هذه السيرة برسم خزانته المعمورة، معاونة على البر والتقوى". لقد قدم هذا الشيخ منهاجاً علمياً عملياً لنور الدين زنكي من خلال سيرة عمر بن عبد العزيز، فبنى دولة العقيدة، وحكم الشريعة وقمع البدع، وأقام العدل، ورفع الضرائب والمكوس عن الأمة، وعمل على إحياء السنة، وعمق هوية الأمة، وفجر روح الجهاد فيها ونشر العلم، وساهم في تحقيق الازدهار والرخاء. وكان نسيج وحده في زهده وورعه وعبادته وصدقه. واهتم بالإدارة والاقتصاد والقوات المسلحة، والمدارس العلمية والمؤسسات الاجتماعية. وكان شديد التقيد بأحكام الشريعة الغراء. يقول أبو شامة عن نور الدين زنكي: ".. فأطربني ما رأيت من آثاره، وسمعت من أخباره، مع تأخر زمانه وتغير خِلاّنه. ثم وقفت بعد ذلك في غير هذا الكتاب على سيرة سّيَّد الملوك بعده، الملك الناصر صلاح الدين، فوجدتهما في المتأخرين كالعُمرين - رضي الله عنهما - في العدل والجهاد. واجتهدا في إعزاز دين الله أي اجتهاد، وهما ملِكا بلدتنا وسُلطانا خُطَّتنا، خصَّنا الله تعالى بهما؛ فوجب علينا القيام بذكر فضلهما. فعزمت على إفراد ذكر دولتيهما بتصنيف يتضمن التقريظ لهما والتعريف؛ فلعلهَّ يقف عليه من الملوك من يسلك في ولايته ذلك السلوك. فلا أبعد أنهما حجة من الله على الملوك المتأخرين، وذكرى منه سبحانه فإن الذكرى تنفع المؤمنين. فإنهم قد يستبعدون طريقة الخلفاء الراشدين، ومن حذا حذوهم من الأئمة السابقين، ويقولون نحن في الزمن الأخير، وما لأولئك من نظير. فكان فيما قدر الله سبحانه من سيرة هذين الملكين إلزام الحجُةَّ عليهم بمن هو في عصرهم من بعض ملوك دهرهم، فِلن يعجز عن التشبه بهما أحد، إن وفق الله تعالى الكريم وسددَّ.. هذان حجة على المتأخرين من الملوك والسلاطين، فلله درهما من ملكين تعاقباً على حسن السيرة وجميل السريرة. وهما حنفي وشافعي شفى الله بهما كل عِيّ، وظهرت من خالقهما العناية.. والفضل للمتقَّدم، فكأن زيادة مدة نور الدين كالتنبيه على زيادة فضله، والإرشاد إلى عظيم محلهَّ، فإنه أصل ذلك الخير كله، مهد الأمور بعدله وجهاده وهيبته في جميع بلاده، مع شدة الفتق واتساع الخرق. وفتح من البلاد ما استعين به على مداومة الجهاد؛ فهان على من بعده على الحقيقة، سلوك تلك الطريقة".. فما أحقهما بقول الشاعر: وألبـس الله هاتيـك العِظــامَ وإن ** بَليِن تحت الثرى عفواً وغفراناً سقى ثرى أُودِعُوه رحمةً ملأتْ ** مثوى قبورهم روحــاً وريحاناً ومن أهم معالم التجديد والإصلاح التي قام بها نور الدين محمود في دولته:الحرص على تطبيق الشريعة لم تكن مقاليد الحكم في دولة نور الدين أداة لخدمة أهداف الطبقة الحاكمة، كما هو الحال في كثير من الدول والحكومات، ولا لتحقيق وحماية مصالح حفنة من البيروقراطيين. كما أنها لم تكن مجرد ذريعة عملية لتسيير الشؤون المادية المنفعية الصرفة للدولة فحسب، بل إن هنالك أهدافاً أكبر بكثير، وقيماً ومبادئ أبعد مدى، كان على أجهزة الدولة أن تسعى إلى تحقيقها في واقع الحياة، وأن تبذل ما تمتلكه من قدرات وخبرات للسير بالأمة قدما صوب آفاقها الرحبة الشاملة. إن تنفيذ شريعة الإسلام وقيمه ومبادئه في واقع الحياة، وبعث المجتمع الإسلامي كان هو الهدف المركزي لدولة نور الدين محمود، فهي إذن دولة ملتزمة وليست صاحبة أغراض منفعية وكسب واحتراف. وقد أكد نور الدين على هذه الحقيقة في أكثر من مناسبة وحشد لها الكثير من الأقوال والتأكيدات والتصريحات، ودعا بحماس منقطع النظير إلى تحقيقها. وسعى - فعلاً - إلى أن تنتقل هذه الدعوة - رغم المصاعب والعقبات - من ميدان الفكر إلى ميدان التطبيق. فقد قال: ونحن نحفظ الطرق من لصّ وقاطع طريق، والأذى الحاصل منها قريب، أفلا نحفظ الدين ونمنع عنه ما يناقضه، وهو الأصل. وقال: نحن شحن للشريعة نمضي أوامرها. وقال مخاطباً أحد ولاته: انظر في العوادي وما يجري فيها من الدعاوي، وميز بين المحاسن والمساوئ، واحمل الأمور فيها على الشريعة. وقال متحدثاً إلى اثنين من كبار موظفيه: والله إني أفكر في وال وليته أمور المسلمين فلم يعدل فيهم أو فيمن يظلم المسلمين من أصحابي وأعواني وأخاف المطالبة بذلك (أمام الله). فالله عليكم، وإلا فخبزي عليكم حرام، ولا تريان قصة مظلوم لا ترفع إلي، أو تعلمان مظلمة إلا وأعلماني بها وارفعاها إلي. وقال: إني جئت هاهنا امتثالاً لأمر الشرع. يقول ابن الأثير: كان نور الدين يعظم الشريعة المطهرة ويقف عند أحكامها. ويقول في مكان آخر: وعلى الحقيقة فهو الذي جدد للملوك اتباع سنة العدل والإنصاف، وترك المحرمات من المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك. فإنهم كانوا قبله كالجاهلية، همة أحدهم بطنه وفرجه لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً. حتى جاء الله بدولته فوقف مع أوامر الشرع ونواهيه وألزم بذلك أتباعه وذويه، فاقتدى به غيره منهم، واستحيوا أن يظهر عنهم ما كانوا يفعلونه. ويقول أبو شامة: سمعت أبا شداد يقول: أما فكره ففي إظهار شعار الناس وتأسيس قاعدة الدين. ويقول في مكان آخر: كان أشهى ما إليه كلمة حق يسمعها، أو إرشاد إلى سنة يتبعها. ويقول ابن كثير: كان يقوم في أحكامه بالمعدلة الحسنة واتباع الشرع المطهر.. وأظهر ببلاده السنة وأمات البدعة. ولم يدع نور الدين منكراً يسود جانباً من جوانب الحياة الاجتماعية إلا عمل على إزالته وحث موظفيه على التنفيذ الفوري لأوامره بهذا الصدد.. إنه لم يشأ أن يقاتل العدو في الخارج وفي الداخل يعشش الخراب والتفكك والعفن فيدمر الإنسان المسلم، ويفتت العلاقات الاجتماعية، ويستنزف القدرات الجهادية الخلاقة للأمة المسلمة، والتي بدونها كانت تنتهي دائماً إلى مواقع الفرار والذلة والهزيمة. لقد قالها يوماً أحد كبار الشيوخ - برهان الدين البلخي - وجهاً لوجه أمام نور الدين: أتريدون أن تنصروا وفي عسكركم الخمور والطبول والزمور؟ فلا والله. وما كان نور الدين بحاجة إلى من يقول له هذا، ولكنها الذكرى التي تهز الفؤاد وتقود إلى مزيد من الإنجاز الذي يبني الجبهة الداخلية النظيفة، المتينة القديرة على مواصلة المهمة القتالية التي قادها نور الدين.. لقد أصدر أوامره إلى كافة موظفيه بالعمل على منع ارتكاب الفواحش وشرب الخمور، أو بيعها في جميع بلاده، أو إدخالها إلى بلد ما، وإسقاط كل ما يدخل تحت شبهة الحرام وتصفية آثار الآثام، وإراقة الخمور.. وكان ينزل عقابه السريع العادل بكل من خالف عن أمره، وكل الناس عنده فيه سواء. ولقد تحققت في دولة نور الدين محمود آثار تحكيم شرع الله تعالى، من التمكين، والأمن والاستقرار، والنصر والفتح المبين والعز والشرف، وبركة العيش ورغد الحياة في عهده، وانتشار الفضائل وانزواء الرذائل.. إلخ. العدل في دولة نور الدين محمود زنكي إن من أهداف الحكم الإسلامي الحرص على إقامة قواعد النظام الإسلامي التي تساهم في إقامة المجتمع المسلم. ولقد كان نور الدين محمود زنكي قدوة في عدله، أسر القلوب، وبهر العقول. فقد كانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع.. حتى اقترن اسمه بالعدل، وسمي بالملك العادل. وكان من أسباب نصر الله لهذا الملك العادل على الباطنية والصليبيين إقامته للعدل في الرعية وإيصال الحقوق إلى أهلها، فالعدل في الرعية وإنصاف المظلوم يبعث في الأمة العزة والكرامة ويولد جيلاً محارباً وأمة تحررت إرادتها بدفع الظلم عنها. رعية تحب حكامها وتطيعهم؛ لأنهم أقاموا العدل على أنفسهم وأقاموا العدل على غيرهم. وقد سجل التاريخ سيادة العدل في دولته، وتم إيصال حقوق الناس إليهم فنشطوا في الجهاد والدفاع عن دينهم وعقيدتهم، وأوطانهم وأعراضهم. وقد أولى نور الدين المؤسسة القضائية اهتماماً كبيراً وجعلها في قمة أجهزته الإدارية، وخول القضاة صلاحيات واسعة، ومنحهم استقلالاً تاماً؛ لكونهم الأداة التنفيذية لا قرار مبادئ الحق والعدل، وتحويل قيم الشريعة ومبادئها إلى واقع ملتزم. وتوجت جهوده بإنشاء دار العدل التي كانت بمثابة محكمة عليا لمحاسبة كبار الموظفين وإرغامهم على سلوك المحجة البيضاء أو طردهم واستبدالهم بغيرهم إن اقتضى الأمر. وروي أن رجلاً طلبه إلى الشرع، فجاء معه إلى مجلس كمال الدين الشهرزوري، وتقدمه الحاجب يقول للقاضي: قد قال لك: اسلك معه ما تسلك مع آحاد الناس..فلما حضر سوى بينه وبين خصمه، وتحاكما، فلم يثبت للرجل عليه حق، وكان ملكاً، ثم قال السلطان: فاشهدوا أني قد وهبته له. وكان يقعد في دار العدل في الجمعة أربعة أيام، ويأمر بإزالة الحاجب والبوابين. وإذا حضرت الحرب، شد قوسين وتركاشين، وكان لا يكل الجند إلى الأمراء، بل يباشر عددهم وخيولهم. وكان شعاره ما أكده لأصحابه مراراً: حرام على كل من صحبني ولا يرفع إلي قصة مظلوم لا يستطيع الوصول إلي. بل إن عدله بقي بعد موته، فقد روي أن رجلاً كان بدمشق استوطنها وأقام بها لما رأى من عدل نور الدين رحمه الله، فلّما توفي تعّدي بعض الأجناد على هذا الرجل فشكاه، فلم يُنصَف، فنزل من القلعة وهو يستغيث ويبكي، وقد شق ثوبه، وهو يقول: يا نور الدين لو رأيتنا وما نحن فيه من الظلم لرحمتنا، أين عدلك؟. وقصد تربة نور الدين ومعه من الخلق مالا يحصى وكلّهم يبكي ويصيح. فوصل الخبر إلى صلاح الدين وقيل له: إحفظ البلد والرعية وإلاّ خرج عن يدك، فأرسل إلى ذلك - وهو عند تربة نور الدين يبكي والناس معه - فطيّب قلبه ووهبه شيئاً وأنصفه. فبكى أشّد من الأول، فقال له صلاح الدين لم تبكي؟، قال: أبكي على سلطان عدل فينا بعد موته، فقال صلاح الدين: هذا هو الحق، وكل ما نحن فيه من عدل فمنه تعلّمناه. الشورى اهتم الملك العادل نور الدين محمود زنكي بالشورى، فقد رأى أهميتها في حيوية الأمة وأمنها واستقرارها. واعتمد نور الدين هذا المبدأ ولم ينفرد باتخاذ القرارات، بل تبادل الآراء في كل أمور الدولة، فكان له مجلس فقهاء يتألف من ممثلي سائر المذاهب والصوفية يبحث في أمور الإدارة والنوازل والميزانية. وكان مجلسه ندوة كبيرة يجتمع إليها العلماء والفقهاء للبحث والنظر.. ولم تكن المناظرات التي شهدتها مجالسه تزجية للوقت وتخريجاً نظرياً للفروع على الأصول وترفاً فكرياً.. إنما كانت نشاطاً جاداً من أجل مجابهة المشاكل والتجارب المتجددة المتغيرة؛ بالحلول المستمدة من شريعة الإسلام وفقهما الواسع الكبير. وكان نور الدين يسأل العلماء والفقهاء عما يشكل عليه من الأمور الغامضة، وكان يقول لمستشاريه من العلماء والفقهاء: بالله انظروا أي شيء علمتموه من أبواب البر والخير دلّونا عليه، وأشركونا في الثواب. فقال له شرف الدين بن أبي عصرون: والله ما ترك المولى شيئاً من أبواب البر إلا وقد فعله، ولم يترك لأحد بعده فعل خير إلا وقد سبقه إليه. الخلاصة لا يتسع المجال هنا لذكر كل صفات الملك العادل نور الدين محمود وجوانب التجديد في دولته؛ فهي كثيرة تزخر بها كتب التاريخ والتراجم.. ويكفي ما سبق ذكره للتأكيد على أن أوضاع هذه الأمة وحال الشعوب يرتبط بسياسة الحاكم ومدى وصلاحه في أمور الدين والدنيا. فالله تعالى يقول: [ وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمُكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً]. إذاً فالوعد في هذه الآية مشروط بعبادة الله على الوجه الذي جاء به الإسلام في الاعتقاد والسلوك.. وقد وجدنا - من سيرة وتاريخ الأمة الإسلامية - أن الله قد حقق لها هذا الوعد في حالات كثيرة؛ حيث أصبح المسلمون سادة العالم وحكامه، ولم يحدث ذلك إلا على يد خلفاء وقادة وحكام وملوك التزموا بالشرط الذي وضعه الله لتحقيق السيادة على هذه الأرض وشعوبها.. وكانوا اشد حرصاً على تطبيق شرع الله في أنفسهم وفي غيرهم.. وبذلوا كل جهد ووسيلة في خدمة أمتهم ودينهم. أما إذا حصل العكس ولم يتحقق شرط الاستخلاف في الأرض فالنتيجة تنقلب إلى الضد، أي بدل الاستخلاف يكون الاستعباد وبدل العز يأتي الذل والهوان؛ وبدل يطغى الظلم والاستبداد.. وبدل الإصلاح يكثر الفساد ويعم كل مجالات الحياة كما هو حاصل في زماننا.. وفي هذه الحالة لن تثمر الثورات الشعبية – مهما كثرت وتنوعت – في إصلاح أوضاع وتحسين أحوال المجتمعات، بل ستستمر المأساة وستتجدد بصور أخرى.. وإذا لم يتوحد المجتمع حول دينه، وما لم تسلك المطالب الشعبية مسلك شريعة الإسلام ومنهجه في ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فإن الفشل حاصل لا بد منه، حتى لو تحقق في الظاهر مطالب الشعب أو ثورته؛ لأن التنازع والتضاد والتضارب الفكري والسياسي بين تيارات المجتمع ونخبه سيحول تلك المطالب أو المكاسب الشعبية إلى هباء منثوراً.. وسيظل الصراع قائماً على السلطة، وكل يريد فرض سياسته أو ثقافته أو فكره على البقية.. وحينها ستفرض (شريعة الغاب) نفسها على أرض الواقع حيث (البقاء للأقوى). والأقوى هنا سيلجأ لمبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) فلا مناص من الظلم والاضطهاد، ولا مفر من الفوضى والاضطرابات والثورات، وهلم جراً.. فلا تغرنا الشعارات البراقة المعاصرة كدعوى حرية الرأي؛ لأنها تستخدم كذرائع وأدوات تضليل أنانية لتحقيق المصالح الذاتية فقط. وتجارب المجتمعات الإسلامية في العصر الحديث تثبت أن هذا هو واقع الحال، وأن ثقافات وأفكار الأمم الأخرى لا خير فيها، بل الشر حصيلتها، إن لم تضبط بضابط ديننا الإسلامي القادر على توحيد المسلمين وإسعادهم. وصفات الصلاح والخير التي تحلّى بها قادة الأمة العظماء عبر التاريخ الإسلامي - كالعدل والورع والاستقامة والزهد وحسن التدبير وغيرها - تظل مطلوبة في كل زمان ومكان.. ومهما تغيرت سياسات ووسائل وظروف الحكم بتغير الزمان والمكان فإن تلك الصفات لا تتدبل ولا تتغير.. المصادر - (سير أعلام النبلاء)، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي. - (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان)، أبو العباس شمس الدين أحمد بن خلكان. - (البداية والنهاية)، ابن كثير. - (السيرة الزنكية)، الدكتور علي الصلابي. - (الروضتين في أخبار النورية والصلاحية)، أبو شامة المقدسي. اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|