|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
الهدى النبوى فى الأزمات : براعة السياسة "2"
العودة من الطائف ، و كيفية الدخول إلى مكة انتهت رحلة الطائف على ما نعلم من صدود أهلها عن دعوة النبى الكريم لهم و مبالغتهم فى آذاه " صلى الله عليه و سلم " و فى طريق العودة إلى مكة ، عرض على النبى منهجان لإحداث التغيير فى واقع الأحداث ، يتضح أولهما هكذا : فعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي, فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال: ذلك فيما شئت, إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين». فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشركُ به شيئًا» . كانت إصابته صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبلغ من الناحية الجسمية، أما من الناحية النفسية, فإن إصابته يوم الطائف أبلغ وأشد؛ لأن فيها إرهاقًا كبيرًا لنفسه ومعاناة فكرية شديدة جعلته يستغرق في التفكير من الطائف إلى قرن الثعالب. كان مقترح ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين, وهو يدخل تحت أسلوب الاستئصال، وقد نفذ في قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط قال تعالى: فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40]. و أما المنهج الثانى : فكان اقتراح آخر وهو أن يستمر في هجرته, والابتعاد عن مكة والطائف الكافرتين، فالأولى أخرجته والثانية خذلته, وعرض ذلك الأمر زيد بن حارثة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن القيم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن لم يجد ناصرًا في الطائف، انصرف إلى مكة ومعه مولاه زيد بن حارثة محزونًا، وهو يدعو بدعاء الطائف المشهور، فأرسل ربه تبارك وتعالى ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة، وهما جبلاها اللذان كانت بينهما، فقال: «لا، بل أستأني بهم, لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئا».. وأقام بنخلة أيامًا، فقال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك، يعني قريشًا، وخرجت تستنصر فلم تنصر، يعني الطائف فقال: «يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه» . إن النبي صلى الله عليه وسلم رفض منهج الاستئصال، وامتنع عن فكرة الاعتزال, أو الهجرة المستمرة، ونظر إلى المستقبل بنور الإيمان، وقرر الدخول إلى مكة الكافرة ليواصل جهاده الميمون، ويستثمر كل ما يستطيعه من أجل دعوة التوحيد, لم يَحْتَرْ النبي صلى الله عليه وسلم بين المنهجين السابقين, بل تقدم نحو المنهج البديل, الذي عزم عليه وهو منهج يقوم على فكرة دخول مكة الكافرة وليس الانسحاب منها، ويقوم على ضرورة الوجود على ذات الأرض التي يقف عليها الكافرون، واعتصار مؤسساتها واستثمار علاقاتها، وتحوير غاياتها ليتغذى بكل ذلك مجتمع المؤمنين الذي سيولد من أحشائها، أي أنه كان صلى الله عليه وسلم يريد أن يتخذ من أصلاب الكافرين مصانع بشرية تخرج أجيالاً من المسلمين المقاتلين في سبيل الله، فالنظر النبوي هنا مصوب نحو المستقبل بصورة جلية، ولم يكن ذلك يعني الانسحاب من الحاضر كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عزم على دخول مكة مرة ثانية، غير أن ظاهر الأحوال تدل على أن دخول مكة لم يكن أمرًا هينًا ولا آمنًا، وهنالك احتمال كبير للغدر به ولاغتياله من قبل قريش، التي لا يمكن أن تصبر أكثر, وهو قد أعلن الخروج عليها وذهب يستنصر بالقبائل الأخرى, ويوقع بينها وبين حلفائها، ثم إنه حتى لو لم تكن هناك خطورة على شخصه، فإن دخوله إلى مكة بصورة عادية وقد طردته الطائف، سيجعل أهل مكة يصورون الأمر كهزيمة كبيرة أصابت المسلمين ويجترئون عليهم ويزدادون سفهًا، ولذلك فقد اتجه نظر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المرة إلى تفجير مكة من الداخل بدلاً من تطويقها من الخارج، أي أراد أن يتغلغل في داخل بطون قريش ذاتها، ويُوجِد له حلفاء من بينهم وَيُكَوِّن له وجودًا في قلبها . وذكر ابن هشام في السيرة في معرض الحديث عن إجارة المطعم بن عدي: إنه صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه, من تصديقه ونصرته، صار إلى حراء ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره فقال: أنا حليف والحليف لا يجير، فبعث إلى سهيل بن عمرو، فقال له: إن بني عامر لا تجير على بني كعب، فبعث إلى المطعم بن عدي -سيد قبيلة بني نوفل بن عبد مناف- بعث إليه رجلاً من خزاعة، «أدخل في جوارك؟» فقال: نعم: ودعا بنيه وقومه فقال: البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدًا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم بن عدي على راحلته, فنادى: يا معشر قريش إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم, فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته, والمطعم بن عدي وولده محدقون بالسلاح حتى دخل بيته . لقد تغير الوضع كثيرًا بسبب منهجية الرسول صلى الله عليه وسلم الجديدة، فبدلاً من أن يدخل مكة منهزمًا مختفيًا دخلها ويحرسه بالسلاح سيد من سادات قريش, على مسمع منهم ومرأى، هذا ونلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اختار رجلاً من خزاعة فبعثه رسولاً، وفي هذين الاختيارين حنكة سياسية مدهشة، ووعي تاريخي ودبلوماسي عميق، لأن نوفلاً، وهو الأب الأكبر لقبيلة نوفل التي يتزعمها المطعم بن عدي آنئذ، كان خصيمًا لعبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، فقد وثب على أفنية وساحات كانت لعبد المطلب، واغتصبها، فاضطرب عبد المطلب لذلك واستنهض قومه فلم ينهض كبير أحد منهم، فكتب إلى أخواله من بني النجار من الخزرج قصيدة يستنصرهم، قالوا: فقدم عليه منهم جمع كثيف فأناخوا بفناء الكعبة وتنكبوا القسي وعلقوا التراس، فلما رآهم نوفل، قال: لشرٍّ ما قدم هؤلاء؟ فكلموه فخافهم ورد أركاح عبد المطلب إليه، فلما نصر بنو الخزرج عبد المطلب قالت خزاعة, وهم قد قووا وعزوا: والله ما رأينا بهذا الوادي أحدًا أحسن وجهًا ولا أتم خلقًا ولا أعظم حلمًا من هذا الإنسان، يعنون عبد المطلب، وقد نصره أخواله من الخزرج، ولقد ولدناه كما ولدوه, وإن جده عبد مناف لابن حبي بنت حليل بن حبشية سيد خزاعة، ولو بذلنا له نصرنا وحالفنا، انتفعنا به وبقومه وانتفع بنا، فأتاه وجوههم، فقالوا: يا أبا الحارث إنا قد ولدناك كما ولدك قوم من بني النجار، ونحن بعد متجاورون في الدار، وقد أماتت الأيام ما يكون في قلوب بعضنا على قريش من الأحقاد، فهلم فنحالفك فأعجب ذلك عبد المطلب وقبله وسارع إليه، ولم يحضر أحد من بني نوفل ولا عبد شمس. هذا النص يشير إلى جذور الصراع التاريخي القديم بين خزاعة وقريش، حينما جمع قصي بن كلاب قريشًا من متفرقات المواقع، وقاتل بهم خزاعة التي كانت لديها رئاسة البيت مبغضة لقريش كارهين لها، ولما اضطرب الأمر بين قريش وعبد المطلب, تحالفت خزاعة مع عبد المطلب, نكاية بقريش, وإضعافًا لها، وليس صحيحًا أن الأيام قد أماتت ما كان في قلوب بعضهم على قريش من الأحقاد, كما ذكر وفدهم, بل الصحيح أن الأحقاد لم تزل حية والصراع لم يزل مستمرًا، ومما يدل على ذلك أن بني نوفل وبني عبد شمس لم يدخلا ولم يحضرا هذا الحلف، إذ أنه حلف مضاد لهما. فإذا بعث الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً من خزاعة إلى سيد قبيلة بني نوفل فإن هذا الفعل إشارة ظاهرة إلى تلك الوقائع التاريخية, التي ذكرناها, كما فيها تذكير بالحلف القديم بين عبد المطلب وخزاعة، ضد بني نوفل وعبد شمس ليفهم من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقف معزولاً في مكة، وأنه قد يفعل ما فعله جده عبد المطلب، فيتحالف مع خزاعة، أو يستنصر بالخزرج؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن في الواقع يستعطف المطعم بن عدي سيد بني نوفل ليدخل في جواره، بقدر ما كان يهدده ويثير مخاوفه، وحماية المطعم بن عدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن مجرد أريحية ونبل بقدر ما كانت رعاية لمصلحته وحماية لوضعه، وصمت قريش وهي ترى محمدًا صلى الله عليه وسلم يدخل في جوار بني نوفل ويحرسونه بالسلاح, لم يكن خوفًا من سلاح نوفل، وإنما خوفا من سلاح خزاعة وقسي الخزرج . كما لا ننسى أن المطعم ممن قام بنقض الصحيفة الظالمة, مع من ذكرنا فيما مضى. وقد حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيع مطعم بن عدي، وعرف مدى الخطورة التي عرض نفسه وولده وقومه لها من أجله، فقال عن أسارى بدر السبعين يوم أسرهم: «لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له» . فمع العداء العقدي فرسول الله صلى الله عليه وسلم يفرق بين من يعادي هذه العقيدة ويحاربها، ومن يناصرها ويسالمها، إنهم وإن كانوا كفارًا فليس من سمة النبوة أن تتنكر للجميل . وهكذا صلى الله عليه وسلم, كان يوظف الأعراف والتقاليد التي في مجتمعه لمصلحة الإسلام، فكان ينظر للبناء الاجتماعي القائم، باعتباره حقيقة موضوعية، تاريخية، وينظر للإنسان الكافر ليس باعتباره رقمًا حسابيًا فرديًا منقطعًا، وإنما ينظر إليه كفرد في شبكة اجتماعية متداخلة العلاقات ومتنوعة الدوافع، وإن الإنسان يملك الفرصة والإمكان لأن يتحول هو نفسه وطوع إرادته إلى قوة اجتماعية مؤثرة، وله وزن في اتخاذ القرار ونقضه، وفقًا للقيم التي يختارها، والمطعم بن عدي لم يكن فردًا وإنما كان مؤسسة، وهي مؤسسة لم تولد بميلاده، وإنما يرجع وجودها إلى تاريخ قديم، تصارعت فيها قيم التوحيد والإشراك، فإن صارت مؤسسة خالصة للكافرين الآن ، فلا يعنى ذلك استحالة الانتفاع بها و تسخيرها للعودة للإيمان والتوحيد. و يثور فى الذهن تساؤل : ألم يكن رسول الله متوقعا أن يرفض الأخنس بن شريق و من بعده سهيل بن عمرو طلب إجارته ؟ ألم يكن النبى الكريم على دراية بأعراف القوم و قوانينهم : - الحليف لا يجير ، و الأخنس حليف !! - و الأدنى (بنو عامر و منهم سهيل ) لا يجير على الأعلى ( بنى كعب ، فرع رسول الله ) . و لماذا لم يرسل إلى المطعم بن عدى مباشرة ؟! |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
المختار, المصطفى, النبى, ابا القاسم |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|