#1
|
||||
|
||||
المصريون وعودة الوعي
المصريون وعودة الوعي الدكتور / محمد بكرى الكاتبة و المؤرخة / جيهان مأمون علي مدار عمر الكرة الأرضية و بين طيات كل العصور ، لم يُعرف بلدا أو شعبا انصهر الدين بمعدنه و امتزج بجوهره و صار جزءا من نسيج أفراده مثل التجربة المصرية والمصريين..... منذ بداية الدولة المصرية القديمة وتعاليم الدين شريكا أساسيا للمصريين في علاقاتهم البيئية و الإجتماعية و الإنسانية و الروحية ، احترموا قداسة الطبيعة ورسموا مفرداتها على جدران المعابد و المقابر ، تمسكوا بالماعت ، القوانين الكونية التى تعلى فضائل الحق و العدل و الضمير و الأخلاق ، عبدوا الإله الخالق الواحد الأحد و بجلوا أسماءه وصفاته ، تناغموا مع ثنائيات الكون وأدركوا قيمة الخير وتدنى الشر ، سمو النور و ضحالة الظلام ، ورمزوا لهم بحورس و ست. المتابع للتجربة المصرية يتيقن بأن مصر كانت البوتقة التي تنصهر بداخلها سائر الثقافات والديانات، لتنصبغ دائما مخرجاتها ومفرداتها بالصبغة المصرية الخالصة ، هكسوس ، فرس ، بطالمة ، رومان ، كل خضع لسطوة و أصالة تاريخ مصر ، ليبقي المصريون رباطا متلاحما أمام بطش الغزاة .... على هذه الأرض المباركة عاش كليم الله موسى الذى خاطبه ربه فى الواد المقدس طوى ، ولجأت العذراء مريم لهذه الأرض المباركة التى احتضنتها فى قلبها ، وصارت كل بقعة وطأتها قدم المسيح عيسى بن مريم مكانا للعبادة تتردد فيه ترانيم وابتهالات المصلين لمئات السنين ، فتهب نفحات من الإيمان و الحب الإلهى بهذه الأرض المقدسة، الجديرة تربع الإسلام فى قلوب المصريين ليصوغ هوية مصر المعاصرة ، و يضم فى قلبه هويتها المصرية القديمة مع هويتها القبطية فى نسيج متين مترابط عنوانه (المصري)... والمراقب للوعى المصرى يجده كالوعاء الذى استوعب كل التفاصيل التى مرت على أبناءه ، و عندما نتحدث عن الوعي المصري ، نجد الدين يحتل جزءا كبيرا منه ، ويشكل أبعادا متنوعة في سلوكيات المصرى اليومية تحت مظلة واحدة عنوانها (الدين لله والوطن للجميع) ، ومن هنا كانت وحدة المصريين متماسكة من خلال تبادل الاحترام والتقدير لشعائر وعقائد الآخر و ضمها بداخل نفس البوتقة ، ليكون التعايش السلمي بين المصريين كأفراد شعب واحد علي أرض مصر المباركة هو السمة الأساسية التي وحدتهم طوال مراحل تطور الدولة المصرية .... هذه السمة الاصيلة التي صانت المصريين حتي وصول الرومان لمصر ..... وحتى اكتشافهم لهذه السمة الجوهرية .... فبدأوا حرب مستترة هدفها زعزعة الوعي الباطني للمصرين و ضرب الوحدة المصرية فى م*** .... وبدء اضطهاد المسيحية بمصر، ليبدأ أول ....شرخ .... في بنيان الوعي الموحد للمصريين ، ولتلد فكرة دخيلة على مصر من أب غريب دخيل، ألا وهى فكرة (نحن و هم)، ولتبدأ رحلة مسيحي مصر في طريق الاضطهاد الديني علي يد الرومان لعهود طويلة. ويدخل الاسلام البوتقة المصرية ، التي تنجح في التعامل مع مفرداته في نسيج حياة الشعب المصري، الذي استقرت فى وجدانه المسيحية و اليهودية ، ونجح مفهوم التعايش السلمي في الوعي المصري الأصيل، في افراز وعي مشترك بحياة تنشد الأمن والاستقرار.... ومع توالي تبدل الولاة علي مصر ـ وبخاصة في عهود بدأ فيها الصراع بين الشعب والسلطة ـ لجئت فيه السلطة لضرب عصب الاستقرار المصري ، واستخدام الاضطهاد الديني للمصريين ـ مسلمين ومسيحييين ـ كوسيلة من وسائل ادارة الشعوب بالأزمات وزرع الفرقة بين نسيجه ، ليصاب الوعي المصري بحالة من الفصام وتعميق لفكرة (نحن و هم).... ومن هنا ظهر آهمية سؤال ألا يستدعى وعيي كمصرى الاطلاع على ظلم الولاة لأبناء هذا البلد باختلاف عقائدهم؟ ألا يستدعى وعيي كمصرى الاطلاع على تاريخ الشهداء بغض النظر عن دياناتهم؟ فمن غير العدل المجتمعي أن تظل سيرة شهداء القبط حبيسة الكنائس وهي مسطورة بحروف من نور... ألم يأن الوقت لإدراج سيرة الإمام الشافعى و الإمام الليثى و المرسى أبو العباس ، فى كتب التاريخ و ليس فى كتب الدين ليعرف أبناء الوطن الواحد باختلاف عقائدهم سيرتهم العطره المضيئة ؟ علي مدار عهود تالية ، ازداد شرخ الوعي المصري، بانقسام جناحيه داخل أنفسهم وترسيخهم لفكرة الاضطهاد كبديل للسمة الاصيلة في الحياة علي أرض مصر، ليتعمق إحساس ( نحن و هم ) في مختلف أشكال الحياة اليومية بمستويات مختلفة ... لتنفصل الأعياد بعد أن كان المصريون يحتفلون معا على مر التاريخ بعيد الأوبت و عيد الوادى ، و من بعدها بشهادة المؤرخين بعيد الغطاس ..... ومع ذلك فبوتقة مصر مازالت شابة في صهر هذه الفكرة الدخيلة والعمل المستمر علي إذابتها ... لذلك فمن المهم للوعي المصري العودة لأصله ومنبته في المحافظة علي سمة المشاركة الوجدانية التي بدأت بها وعرفتها مصر بين أبناءها منذ فجر التاريخ .... ولن يلتئم الوعي المصري بدون انفتاح حقيقي وواعي علي تاريخ وتجارب وأوجاع نسيج الوطن بشقيه ، واعادة الروح و الحياة لمفردات الوطن الاصلية فالإيمان محله القلب ، والهوية مصرية ...و الديانة دائما لله الواحد. |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|