#1
|
||||
|
||||
علم محاكاة الطبيعة و تطبيقاته المتنوعة
علم محاكاة الطبيعة و تطبيقاته المتنوعة
أحمد عبد الكريم ملخص عندما نقرأ عبارة محاكاة الطبيعة لا بد وأن يتبادر لأذهاننا و بشكل مباشر علم المحاكاة و النمذجة الذي يستخدمه عادة علماء الرياضيات و بعض المهندسين المختصين بعلم المحاكاة في العديد من المجلات العلمية سواء الفيزيائية، الطبية أو الحيوية من العلوم المختلفة التي تمتلك أهمية كبيرة في حياتنا اليومية. من حيث المبدأ لا يختلف علم محاكاة الطبيعة كثيراً عن ذلك العلم المذكور آنفاً فهو صورة مشابهة له و تناغم ساحر بين جميع فروع العلوم التطبيقية كالفيزياء و الكيمياء و العلوم الهندسية الصناعية التطبيقية و علم الأحياء بشكل خاص فهو تطبيق مباشر له و على أرض الواقع لأننا لو تمعنا بالمفهوم الإصطلاحي اللغوي لأمكننا القول بأنه تكرار أو محاكاة للعديد من العمليات و الظواهر الحيوية الموجودة في الطبيعة ضمن إطارٍ فلسفي علمي ليعكس لنا و من دون أن ندري كيف أن الطبيعة تحاكي بل هي تطبيق مباشر لكثير من حقول العلوم التطبيقية و الصناعية و بشكل خاص علم المواد و على كل المقاييس ابتداءً من المقاييس الماكروية الكبيرة مروراً بالمقاييس الميكروية و انتهاءً بالمقاييس النانوية المرتبطة مع علم النانوتكنولوجيا الذي ساهم في قفزة نوعية هائلة في تطور العلوم و تقدمها. هل سألت نفسك يوماً من أين أتت فكرة اللاصق (قفل - مفتاح) الموجودة في الحذاء الرياضي من خلال لاصق خاص ذو خواص عملية جيدة ؟ أيضاً لا بد وأنك قد سمعت عن النوافذ التي تنظف نفسها ذانياً دون الحاجة لأي شيء آخر الجواب بكل بساطة هو علم محاكاة الطبيعة و لكن كيف ؟ . هذا ما سوف أوضحه و بكل تواضع في هذا البحث المصغر المتواضع ليكون فكرة بسيطة عن هذا العلم الرائع و الجذاب ذو الأهمية التطبيقية الكبيرة في المجتمعات العالمية المتقدمة و المتحضرة في كافة المجالات و خاصة علم الأحياء الذي يرتبط معه بصورة مباشرة و يتطور بتقدمه و ليحاكي عقول القراء العرب و بكل مستوياتهم العلمية و ليرسم لنا صورة براقة عن أهمية العودة للطبيعة و فهم مكنوناتها لكي نستقيد منها في جميع نواحي حياتنا التطبيقية .ذاك العلم الذي هو قديم في جذوره و حديث في تطبيقاته .فإن كان علم الحاسوب و تطوراته السريعة قد حمل اسم القرن العشرين فإن علم محاكاة الطبيعة سيحمل اسم القرن الحادي و العشرون يداً بيد مع علوم النانوتكنولوجي و المواد المركبة و ذلك من حيث استخداماتهم و تطبيقاتهم المتنوعة و ذات الأهمية الكبرى من وجهة نظري على أقل تقدير. لقد توخيت البساطة المطلقة في هذا البحث بعيداً عن تعقيدات العلاقات الرياضية التي قد تكون عسرة الفهم لبعض القراء و ضمن قالب فلسفي علمي مبسط. مقدمة عامة عن علم محاكاة الطبيعة ابتكر مفهوم أو مصطلح علم محاكاة الطبيعة بواسطة الأكاديمية الأميركية المخترعة ( Schmitt 1969 ) Otto H Schmitt [3,1].التي وضحت و فسرت جميع الدراسات و الآليات و الطرق و العمليات المتعلقة بمفهوم علم محاكاة الطبيعة [3]. هذا المصطلح مشتق بالأساس من مجموع كلمتين الأولى ( bios ) و التي تعني الحياة في اللغة الإغريقية و كلمة (mimesis) و التي تعني المحاكاة [1]. إن علم محاكاة الطبيعة كما هو موجود على (Miriam Websters online ) هو عبارة عن: تشكيل بُنى و وظائف للمواد المنتجة بشكل بيولوجي مثل (الأنزيمات و الحرير) و الآليات و العمليات البيولوجية مثل (تصنيع البروتين و عمليات التركيب الضوئي) و ذلك بهدف إنتاج منتجات صناعية و بآليات صنعية ( من صنع الإنسان ) مشابهة و تحاكي مثيلاتها الطبيعية الأخرى [2]. كما يعرف علم محاكاة الطبيعة بأنه اختبار للطبيعة و لنماذجها و أنظمتها و عملياتها و عناصرها لكي تنافس من قبل البشر و تعالج بالإيحاء من أجل حل مشاكل البشرية [1]. كما أن علم محاكاة الطبيعة يعرف أيضاً بأنه العلم الذي يدرس البنى و اﻷفعال الموجودة في اﻷنظمة البيئية بهدف تصميم و هندسة المواد [5]. لقد حاكت الطبيعة الإنجازات البشرية و ذلك على مد العصور و قد قادتها إلى بنى ، أدوات، مواد ، آليات ، و عمليات و طرق و أنظمة فعالة. إن هذا الحقل المعرفي الذي يعرف باسم علم محاكاة الطبيعة (biomimetics) يقدم لنا طاقة هائلة من أجل المحاكاة الحيوية لطاقات جديدة بهدف الوصول إلى تكنولوجيا مستقبلية مثيرة .و كما نعلم إن قدرات الطبيعة تتفوق في العديد من المناحي و المجالات على قدرات الإنسان البشرية. و فيما إذا نظرنا إلى المخلوقات الطبيعية على أنها تصميم هندسي فإنها سوف تتفوق على مثيلاتها الصناعية و التجارية في العديد من المظاهر العامة و الإمكانيات الخاصة. على النقيض تماماً من التصاميم و البنى الهندسية التي تكون من صنع الإنسان و التي تتطلب تكرار دقيق في طبيعة عملها فإن الكائنات الحية سيكون لها القدرة على أداء عملها بالشكل الأمثل و امتلاك القدرة على التعرف و التمييز لكل عضو من الأعضاء التي تمتلك نفس النوع البيولوجي [3]. كما أن الحيوانات و النباتات و الحشرات في الطبيعة قد تطورت أيضاً على مدى الملايين من السنين و ذلك بهدف إيجاد و تطوير حلول أكثر فعالية و أكثر جدوى مثل الكراهية الفائقة للماء (superhydrophobicity)، التنظيف الذاتي، التصليح الذاتي، مصونية الطاقة، الإلتصاق الجاف .. الخ. مقارنة بالحلول المقدمة من قبل الإنسان حتى تاريخنا هذا. من الممكن القول بأن بعض هذه الحلول قد حاكت البشرية و ذلك من أجل الحصول على نتيجة بارزة. فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن أن تكون فكرة شبكة الصيد قد تأصلت من خلال الفكرة المستوحاة من الطبيعة التركيبة لنسيج العنكبوت [1]. و الجدير بالذكر أن علم محاكاة الطبيعة يمتلك التأثير الهام و الأكبر و ذلك في تصنيع و تركيب المواد النانوية [4]. تلك المواد النانوية ذات المقاييس الصغيرة من رتبة (10-9 m) قد أحدثت ثورة هائلة في كافة مجالات و ميادين العلوم سواء كانت الطبية , الفضائية أو الهندسية من حيث الوصول إلى روبوتات ذات مقاييس نانوية تستخدم في المجالات الطبية من أجل إجتياز حاجز (دم - دماغ) من أجل معالجة الكثير من الأمراض الدماغية و بشكل خاص بما يتعلق بمعالجة سرطان الدماغ. و الأمراض العقلية الأخرى مثل الباركسونية و الألزهايم. أو من حيث تطبيقاتها الأخرى في مجال تصغير الدارات الإلكترونية المستخدمة في صناعة الحواسيب الإلكترونية و الخ من التطبيقات الهامة. و هناك العديد من الأمثلة عن الإختراعات التي استنبطت و استوحت من الأنظمة البيولوجية الموجودة في الطبيعة. لم يكن الهدف الأساسي من علم محاكاة الطبيعة مضاهاة أسلوب بناء (هيكل) بيولوجي محدد أو حتى نظام بيولوجي و إنما استخدام هذه المعرفة كمصدر لمبادئ إرشاد و أفكار جديدة . إذ أن الفلسفة الأساسية لهذا العلم تكون مبنية على ما يمكن أن يعبر عنه كتفسير معتدل (soft interpretation) مع مقدار كبير من التخيل أو الخيال إن صح التعبير [1]. و بالتالي من خلال هذه المقالة سوف أقوم بتعريف علم محاكاة الطبيعة، و أهم التطبيقات الصناعية المباشرة و الطبية و الفضائية لهذا العلم و بشكل خاص في مجال الأجزاء الصناعية البديلة المستخدمة في المجال الطبي. أمثلة متنوعة عن تطبيقات علم محاكاة الطبيعة في يوم من الأيام من عام 1948 كان المهندس السويسري (George De Mestral) ينظف كلبه من القشور العالقة من ثمار النبات المتساقط , عندها أدرك كيف استطاعت خلابات القشور أن تتعلق بالفرو، هذا الإدراك العبقري قاده إلى اختراع جديد في مجال العلوم التصنيعة و الذي يحمل اسم Velcro في العديد من المجالات و بشكل خاص صناعة الأحذية الرياضية و الموضحة في الشكل رقم (1). و هذا ما أتيت على ذكره في بداية المقالة. و يوجد العديد من التطبيقات الصناعية و الطبية و الفضائية الهامة و التي سأذكر أهمها: أوراق زهرة اللوتس و طبيعة التنظيف الذاتي و الكراهية للماء. أعين حشرة العث (Moth) ضد الانعكاس و ضد التوهج، حيث تستطيع هذه الحشرة تجميع أكبر كمية من الضوء و دون انعكاس للضوء الوارد للحماية من الحيوانات المفترسة , و قد تم محاكاة هذه الخاصية في مجال تصنيع شاشات العرض المسطحة و المستوية و عدسات الهواتف النقالة [5] . حصادة المياه المستوحاة من الخنفساء . حيث تقوم ما يسمى بالخنفساء الصحراوية الناميبية بتخزين قطيرات الماء قي الصباح بسبب طبيعة تركيبة سطحها [5,6]، و قد استثمرت هذه الخاصية من أجل تزويد الماء في معسكرات اللاجئين و التي لا تتطلب أي نوع من الضخ [6]. المادة اللاصقة المستوحاة من الشعر الموجود في أرجل أبو أبريص . مادة الإيبوكسي المستوحاة من الرخويات، حيث تبدي مايسمى بالرخويات الزرقاء Mytilus edulis مادة لاصقة طبيعية عازلة للماء و آمنة و صديقة للبيئة ترتبط بسطوح الصخور و الزجاج و التفلون يمكن استخدامها كمادة لاصقة [8]. جلد سمك القرش سطح قاسي و خشن و يمتاز بقنوات على شكل حرف (u)، و التي تولد دوامات مائية صغيرة تقلل من الاحتكاك . تم الاستفادة من خواص جلد سمك القرش في صناعة ورق الزجاج من أجل التلميع , و في صنع لباس السباحة الرياضي [5]. المحاكاة و الإيحاء من زعنفة الحوت , من أجل صنع مراوح هوائية ذات طاقات متجددة مستمدة من طاقة الرياح و مستوحاة من زعانف الحوت [5]. الحساسات الشعرية الناعمة المستوحاة من الصرصور (الجندب الأميركي). قوة و متانة منقار طائر التوكان ذو الوزن الخفيف. تحديد المدى بواسطة طائر الخفاش عن طريق ظاهرة الصدى (Echolocation). عبارة عن أمواج فوق صوتية يرسلها كلاً من الخفاش و الدلفين من أجل تحديد أماكن تواجد الأشياء . تستخدم في الأنظمة الرادارية [11]. خيوط العنكبوت عبارة عن ألياف قوية غير ذوابة و خفيفة و مستمرة و مقاومة للمطر و الريح و ضوء الشمس و قد تم استثمار و محاكاة هذه الخاصية في التكنولوجيا النانوية بما يسمى بجهاز الغزل الكهربائي من أجل صنع ألياف قوية وناعمة [3]. ينتج جهاز الغزل الكهربائي ألياف نانوية التي تستخدم في العديد من التطبيقات الهامة منها الفلاتر و المرشحات [12]. تطبيقات مستوحاة من الطبيعة الحيوية و الفيزيولوجية لجسم الانسان مثل الحساسات الحيوية حيث يتم تقليد الأنف و اللسان البشري من خلال مايسمى بالأنوف الإلكترونيةالتي تعمل كحساس في مجال ضبط البيئة المحيطة و المراقبة النوعية في حقول معالجة الغذاء [3]. و في تحليل الأعراض التي يعاني منها المريض بل بتحسس العوامل الممرضة في جسم المريض ودمه [13] . أو ما يسمى اللسان الإلكتروني في التعرض للمركبات الخطرة و تلوث البيئة [3] .و في مجال العضلات الإصطناعية التي تحاكي الطبيعية المصنوعة من مواد بوليميرية فعالة كهربائياً [3] . و للأهمية العلمية لبعض التطبيقات سوف أقوم بدراسة علمية مبسطة لآلية عمل خواص هذه الكائنات و محاكاتها على أرض الواقع. يمثل الشكل رقم (2) شكل توضيحي لأوراق زهرة اللوتس و المقاطع المكبرة لسطح هذه الأوراق مظهرة خشونة السطح و التي تلعب دور أساسي في عملية التنظيف. يظهر الشكل رقم (3) تمثيل و شرح توضيح للعلاقة الفيزيائية بين الخشونة (السطح الخشن) و عملية التنظيف الذاتي فعندما يكون السطح ناعم فإن جزيئات الماء المتدحرجة تقوم بتحريك جزيئات الأوساخ و لكن لا تقوم بتنظيفها , بينما في المقابل بالنسبة لجزيئات الماء التدحرجة على السطح الخشن تقوم بتحريك الأوساخ و حملها و الإلتصاق بها و تنظيفها بعيداً عن السطح تماماً كما قي أوراق زهرة اللوتس. ميكانيزما الإلتصاق و شرح الآلية الفيزيائية كما هو الحال في خلايا بشرة الجلد تبدي ورقة زهرة اللوتس تجعدات (ثنيات) و بلورات شمعية جليدية فوفانية epicuticular wax crystals بارزة من سطح الورقة مسببة في خشونة سطحية على المقاييس الميكروية، و بما إن التصاق الماء إلى الهواء هو أقل من التصاق الماء إلى الأجسام الصلبة، فإن السطوح الخشنة تميل إلى تحفيض قوى الإلتصاق على قطيرات الماء، لأن الهواء المحجوز في الفراغ البيني للسطح الخشن يسبب في تخيفض مساحة التماس بين (السائل – الصلب). و هذا يسمح بتجاذب ذاتي لقطرة الماء، و عندئذ تميل إلى أن تأخذ شكل الكرة المكتمل (بمعنى آخر غير مفلطح). و بالتالي فإن الأوساخ على سطح الورقة تلتصق إلى قطيرات الماء و ذلك بسبب الإلتصاق الطبيعي بين الماء و الأجسام الصلبة و بسبب أن التماس مع سطح الورقة (قوى الإلتصاق) يخفض بما يزيد عن 95% و ذلك بسبب الطبيعة التبوغرافية الميكروية للورقة. و عندئذ بسبب قوة النسيم العابرة فإن جزيئات الماء تتدحرج بعيداً عن سطح الورقة جاذبة معها الأوساخ و بالتالي تنظيف ذاتي من دون استخدام أي طاقة تنظيف. طبقت هذه الطريقة في صناعة الأقمشة و الزجاج [14]. استطاعت الطبيعة أن تحاكي العديد من الإبتكارات في كافة المجالات العلمية. إحدى هذه الإبتكارات استوحت من أقدام أبو أبريص كما موضح في الشكل رقم (5) الذي يتميز بقدرته على تسلق الجدران من خلال استخدام مخالبه أو عيارة عن مواد لاصقة، حيث يكون بمقدوره الإلتصاق إلى سطوح ناعمة بواسطة الإلتصاق الجاف و الذي لا يتطلب طاقة من أجل التثبيت على الحائط [7].هذه القوة الإلتصاقية الجافة تأتي من قوى التماس مثل قوى فاندرلفالس بين المواد المتلامسة [7،5]. تركيبة بنية أصابع قدم أبو أبريص و الآلية الفيزيائية للإلتصاق تكمن الميزة الخاصة لأبوأبريص في إمكانية التصاقه على الحائط في أقدامه، و بشكل خاص في الشعيرات الناعمة جداً المتوضعة في إصبع القدم كما هو موضح في الشكل رقم (6) .يوجد البلايين من الشعيرات الرفيعة و التي تخلق تماس مع السطوح , كما أنها تخلق مساحة سطح كبيرة من أجل التماس . تمتلك الشعيرات العديد من الخواص الفيزيائية التي تتركها لتنحني و تتكيف مع مجال عريض من خشونة السطح. هذا يعني بأن السر يتوضع في بنية هذه الشعيرات. إن البنية التركيبية لشعيرات اللاصق البيولوجية معقدة جداً و ناعمة جداً . كما هو موضح في الشكل رقم (6) نجد أن كل شعيرة مكونة من فروع متعددة .حيث يتوضع على قمة كل شعيرة ميكروية التي تمتلك نصف قطر بحدود (5) ميكرون شعيرات النانوية البعد و التي يتراوح عددها بين عدة عشرات إلى عدة مئات بنصف قطر حوالي (200) نانمومتر على هيئة شجرة متفرعة [7]. لقد تم محاكاة و تطوير هذه الخاصية في العديد من التطبيقات الصناعية و كما هو موضح في الشكل رقم ] [7 و التي من أبرزها اللاصق الصناعي [7,5]، و في التطبيقات الجراحية و صناعة الروبوتات التي تتسلق الجدران [7 المحسات الشعرية الناعمة المستوحاة من الصرصور (الجندب الأميركي) إن الصاصير البالغة تمتلك حوالي 1000 أو أكثر من الشعيرات و التي تمتلك طول من 100 وحتى 1500 ميكرون و ذلك على عضو في الصرصور يدعى الجهاز الحسي cerci و التي تسمح باكتشاف الحركات الهوائية و التي هي ما دون1mm/s. مشيرة إلى دنو الحيوانات المفترسة . و تأتي هذه الحساسية العالية من الشعيرات المائلة التي تطبق ضغط عند قواعد الأعصاب , معززة و ذلك من خلال تضخيم الرافعة الميكانيكية (mechanical lever). كما هو موضح في الرسومات الموجودة في الشكل رقم (8) تطوير نوع جديد من السمعات الطبية لتحاكي حشرة صغير جداً من غابات أميركا الشمالية .إن صرصور أدغال bush cricket أميركا الشمالية و الذي يدعى أيضاً بالجندب الأميركي، يمتلك أصغر أذن لمخلوق حي موجود على سطح الأرض .و على الرغم من التركيبة الفيزيائية للآذان البشرية تكون مختلفة جداً عن أذن الصرصور و تارخ تطوري مختلف بشكل كامل، إلا أن أذن الجندب الأميركي تعمل بطريقة مشابهة للأذن البشرية من المعروف جيداً بأن الصراصير تمتلك جهاز مشابه لعمل طبلة الأذن على كلتا قدميها الأماميتان كما هو موضح في الشكل رقم (8) . و في دراسات حديثة توصل الباحثون لاكتشاف عضو مايكروسكوبي بحيث أنه يعمل كأذن داخلية . و بالتالي يمكن الإستفادة من هذه التقنية في صنع السماعات البشرية و أجهزة التصوير الطبية التي تمثل جسراً يمتد بين علمي الأحياء و العلوم الهندسية ليخلق حساس مستوحى من الطبيعة في المستقبل القريب [9]. قوة و متانة منقار طائر التوكان ذو الوزن الخفيف المنقار عبارة عن هواء مسترطب يمتلك منطقة مجوفة و التي في مقدمتها تكون الإجهادات مهملة، و بما أن مقدمة المنقار عبارة عن مادة حاضنة لألياف عظمية سيللوزية قاسية و التي يبدو و كأنها كانت مغموسة في داخل محلول صابوني و من ثم جففت مولدة أغشية تشبه الطبل [5,10] متوضعة على شكل صندويش بين الطبقات الخارجية لبروتين الكيراتين و الذي يعتبر من المكونات الأساسية للشعر و أظافر اليد [10]. و النتيجة النهائية عبارة عن مادة رغوية صلبة من الخلايا المعلقة بالهواء و التي تعطي متانة و قساوة إضافية للثتي [10,5] تماماً كما هو موضح في الشكل رقم (9) [5]. و تشبه هذه البنية بالبيت المغطى بسقوف من الألواح الخشبية، حيث المادة الرغوية تكون مغطاة برقاقات من الكيراتين المتداخلة و التي تكون مغراة مع بعضها البعض لإنتاج الصفائح [10]. ما هي العلاقة بين قوة منقار طائر التوكان مع علم محاكاة الطبيعة ؟ قبل أن أدخل في التفاصيل الدقيقة من أجل الإجابة عن هذا السؤال الهام لا بد لي أولاً من التطرق إلى فكرة بسيطة لها علاقة علمية بشكل أوآخر مع إجابتي هذه كل العاملين و الباحثين في حقل المواد المركبة يعلم بأنه من إحدى الأهداف الأساسية لصنع مادة مركبة هو الحصول على مادة متينة ذات مواصفات ميكانيكية و صناعية عالية و قد ركزت على هذا المصطلح العلمي و ذلك لأهميته الكبيرة في علم المواد المركبة حيث كما شرحت سابقاً في مقدمة هذه المقالة إن كان القرن العشرين عصر الحاسوب فإن القرن الواحد و العشرون سيكون عصر المواد النانوية و المركبة و علم محاكاة الطبيعة مع مراعاة الترتيب حسب الأهمية التطبيقية للعلم. و بالتالي نجد أن المواد المتينة تقوم بحرف الشقوق و التصدعات و ذلك بإقامة موانع متعددة في طريقها و كما أنها تمنع الشقوق من التقدم في خط مستقيم. و الكثير من المواد في الطبيعة تستخدم إستراتيجيات متنوعة و ذلك من أجل منع إنجاز هذه النتيجة. إحدى هذه الإستراتيجيات تكون من خلال إنضمام ألياف الكولاجين المرنة أو المطوطة (Stretchy) في المعادن الهشة. و طرق أخرى باستخدام السطح البيني بين طبقات المواد من أجل خلق إعاقة في طريق الشقوق أو التصدعات. إن الحيوانات قد طورت من متانة البنى علاوة على أنها خفيفة الوزن و ذلك بما ينسجم و يتلاءم مع طبيعة حركتها، و بما فيها حركة الطيران. عند التفكير العميق و العلمي الدقيق بريش الطائر و بمنقار الطائر نجد أن هذه البنى تكون مصنوعة من مواد بحيث أنها لا تنثني مهما كانت خفيفة. و أغلب هذه المواد تكون ذو بنية تشبه الأنبوب مع نصف قطر كبير نوعاً ما. و لكن عند ازدياد نصف القطر إلى حجم معين فإنها ومن المحتمل أن تبعج. و من أجل زيادة مقاومة الإنبعاج تملأ هذه الأنابيب مع مواد شبيهة بالرغوية كما في مثالنا السابق [10] . حيث أن المواد المركبة الحيوية الموجودة في منقار طائر التوكان استطاعت و بامتياز و بكل جدارة علمية و تطبيقية أن تحاكي و تستوحي تصميم الطائرات ومركبات العجلات فائقة الخفةultra-light [10]. و هذا هو تماماً التجسيد الرائع و الجذاب لعلم محاكاة الطبيعة من خلال تصنيع مواد متينة و خفيفية في آن واحد و ذو تطبيقات صناعية هامة . أهمية علم محاكاة الطبيعة في التطبيقات الفضائية يمكننا أن نتخيل عضلات اصطناعية قوية و متينة و ذلك بالإعتماد على المواد البوليميرية الذكية الفعالة كهربائياً و التي سوف تمكننا في السنوات القادمة من إنتاج روبوتات متعددة الأرجل و محاكاة حيوياً بحيث أنها تركض بسرعة الشيتا وهو نوع من القرود أو حتى بسرعة الفهدة و تحمل أوزاناً مثل الحصان و بإمكانها التسلق لمنحدرات شديدة مثل أبو برص و تغير من شكلها مثل الأخطبوط و تطير مثل الطيور و تحفر القنوات مثل السنجاب، و ذلك بهدف اكتشاف الكواكب في الكون و تقودنا إلى رحلات فضائية مستقبلية. من الميزات الهامة لهذه الروبوتات بأنه يمكنها أن تعمل في الظروف البيئية القاسية للفضاء و بالتالي العمل كبديل صناعي للإنسان و ذلك في ظروف خطرة جداً على الكائن البشري. و بشكل عام توجد الكثير من المتطلبات و التحديات التي تكون مترافقة مع الظروف الصعبة في الفضاء لذلك لابد لنا من إيجاد حلول موثوقة و على أسس علمية ألا وهي إنتاج عجنات صغيرة small batches. تزودنا تلك العجنات بوسائل هامة من أجل إثارة الفكرة و وضعها موضع التجريب ترافقاً مع تطوير الأجهزة و المشغلات الحديثة. إن تطوير الروبوتات ذات الأرجل يعتمد على التقدم العلمي و التطور في مجال العلوم البوليميرية الفعالة كهربائياً من خلال زيادة قوتها مع قيمة أكبر للإزاحات النانجة. ومن إحدى النواتج العلمية الرائعة لعلم محاكاة الطبيعية في المجال الخدمي للفضاء استخدام البوليميرات الفعالة كهربائياً من أجل صنع يد اصطناعية تحاكي اليد البيولوجية الطبيعية، و ذلك من خلال صنع ذراع روبوتي كان قد ملأ بواسطة المشغلات من المواد البوليميرية المذكورة آنفاً و ذلك بالإعتماد على مطاط عازل ملفوف يعمل كمشغل خطي حيث نجد من خلال الشكل رقم (10) أن القبضة الإصطناعية قد ثبتت على ذراع و هي مكونة من أربع أصابع مصنوعة من مادة بوليميرية فعالة كهربائياً (مادة مركبة معدن – بوليمير)، و التي تعمل كمشغل للحركة الإنحنائية. و بهدف تقليل الإجراءات الجراحية في الرحلات الفضائية، سنكون بحاجة إلى الإمكانات التي تمتلكها الروبوتات. كما ساهم الإزدياد الطبي المتزايد للروبوتات في تخفيض معدل الوقيات بعد العمليات الجراحية، و سرعة استعادة للصحة، و مشاكل و مضاعفات أقل . المثال النموذجي للروبوتات المستخدمة في العمليات الجراحية هو: "Vinci surgical system" الذي أصبح بمثابة أداة قياسية في زيادة عدد المشافي على مستوى العالم. لقد تم وضع تصميم حديث للروبوتات المستخدمة في العمليات الجراحية حيث تم تطويره و ذلك على شكل ذراع روبوتيه أخطبوطية مع درجات متعددة من حرية المجسات المزودة مع الأدوات الجراحية. من أجل إنجاز مثل هذه المهمة. فقد تم استخدام المواد البوليميرية الفعالة كهربائياً كمشغلات و الموائع الكهرولزجة (و هي عبارة عن موائع تبدي ازدياد في لزوجة المادة عندما تتعرض لحقل كهربائي أعلى و التجاوب يكون سريع نسبياً بالميلي ثانية ) من أجل التحكم بقساوة الذراع الروبوتي المرن، و يمكن أن تعمل عند التماس و التلامس مع الأشياء. تمتلك المادة البوليميرية الفعالة كهربائياً المكونة لهذه الأداة الجراحية شكل أسطواني و هي مصنوعة من مادة مطاطية عازلة و التي أبدت تشوه ( انفعال ) تشغيل بمقدار 380% [3]. الخاتمة من خلال ما قد عرض من دراستنا البحثية السابقة المبسطة نستنبط الفوائد البراقة لعلم محاكاة الطبيعة مجسدة في العديد من التطبيقات الهامة ضامة الألياف الأقوى , المواد متعددة الوظائف , التطبيقات الصناعية المبتكرة من روح الطبيعة و الروبوتات البارعة ...الخ من التطبيقات الهامة [3]. كما وجدنا بأن الدافع الأساسي من المواد المستوحاة من الطبيعة و المحاكاة بشكل بيولوجي هو الوصول إلى منهجية جديدة بشكل كلي من أجل تصميم مواد بوليميرية صنعية و مستوحاة من الطبيعة مع خواص ميكانيكية قابلة للتجاوب مع المحفز الخارجي مسببة تغيرات شكلية قابلة للعكس و التي تطبق في مجال الروبوتات و المزروعات الطبية [1]. فهل خيالنا العلمي الذي أوصلنا في يوم من الأيام إلى تطوير روبوتات نانويّة على شكل جسيمات نانوية مغناطيسية، قادرة على تجاوز حدود حاجز ( دم-دماغ) و فتحه .حيث يتكون حاجز (دم - دماغ) من الشعيرات الدموية المحاطة بشبكة من الخلايا الدبقية و التي تسمى بالخلايا النجمية .يسمح الحاجز بمرور مواد معينة مثل ( الماء , الأيونات و الغلوكوز ) من الدم إلى السوائل ( الدماغية –النخاعية ) بينما يغلق في وجه الجسيمات الأكبر . بعد أن كان عائقاً بوجه العديد من الأدوية المعالجة لكثير من الأمراض الدماغية منها السرطان و الألزهايمر ..الخ، سيكون (الخيال العلمي) قادر على الوصول إلى مخلوق روبوتي أو كائن اصطناعي أو ماشابه ذلك !و على مستوى عالي من الدقة و التكنولوجيا بحيث بإمكانه القيام بوظائف متعددة في آن واحد ( يطير مثل الطير، يعدو مثل الفهد، سباح ماهر مثل الدلفين، و له قدرة على المناورة و الخداع و المناورة مثل السحلية) في يوم من الأيام .فتصور و تخيل هذا الكائن في الشكل رقم (12) المستوحى من مجموع حركة هذه الكائنات ككل يرعاك الله كذلك يجب علينا أن لاننسى أهمية استخدام علوم البوليميرات في علم محاكاة الطبيعة و ذلك من خلال الأمثلة التي ذكرناها سابقاً في صنع عضلة إصطناعية تحاكي عمل اليد البشرية أو في مجالات أخرى كثيرة و هامة تكون رابطة بين كلاً من علوم محاكاة الطبيعة و الأحياء و فلسفة هذين العلمين لتقدم لنا نظرة صحيحة وسليمة من أجل وضعهم موضع التطبيق العلمي السليم . و هكذا نجد بأن البشرية قد تعلمت كثيراً من الطبيعة و النتائج كانت قد ساعدت على بقاء الأجيال و الإستمرار من أجل مستقبل دائم وآمن . إن ثورة الطبيعة قادتنا إلى تقديم العديد من الآليات البيولوجية الفعالة . أرشفت الطبيعة جميع الحلول من خلال ثورتها و ذلك في جينات المخلوقات الحية من أجل تنظيم الحياة حولها .تقدم آليات محاكاة الطبيعة العديد من الإمكانيات الضخمة من أجل تطوير حياتنا و أدواتنا .لقد زودتنا بنماذج من أجل بناء الأجهزة و العمليات و الآليات المصنوعة من قبل الإنسان . و هي مرشدنا في تحديد صلاحياتنا للابتكار من حيث الأداء و التحملية و تكاملية عملها . و الأهم لتظهر لنا فكرة أساسية غابت عن أذهان الكثير من العلماء الذين انجروا وراء هذه التكنولوجيا المتقدمة التي خدعتهم ليطوروا بها و ليرموا وراء ظهورهم بالطبيعة المعطاء بكل خيراتها و حتى بعلمها و لتعطي الكثير الكثير من هؤلاء دروساً بل و ستبقى تعطيهم الدروس تلو الآخر لتكون لنا المعلم الأول و لتثبت بأن كل هذه النهضة العلمية التي يتشدقون بها تعود بأصولها الحقيقية إلى ما يسمى بعلم محاكاة الطبيعة و التي بنفسي أتشرف و أنحني لقدراتها الخلاقة و المبدعة و لأقدم هذه المقالة المتواضعة لأبناء و طننا العربي لعلى وعسى أن تكون بداية حقيقية للعمل بهذا العلم المبدع . أخيراً و ليس آخراً الإيحاء من الطبيعة سوف يستمر من أجل إنجاز المزيد من التطورات التكنولوجية في كل مظاهر حياتنا اليومية . إن بعض الحلول التي تعتبر من محض الخيال العلمي في اللحظة الراهنة بسبب سوء فهمنا للظواهر الطبيعية ستصبح في يوم من الأيام حقيقة راهنة بعد تطوير قدرات فهمنا و حبنا للطبيعة المعطاء [3]. |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|