#1
|
|||
|
|||
أين أنا؟ محسن العزازي
صورتان انظرُ ... في أي منهما كنتُ شقيا أم سعيدا صرتُ الصورة الأولى صورة السعداء: أين أنا منها؟ أخشى ألا اجدني فيها. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة يونس عليه السلام: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:26]. يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ لِمَنْ أَحْسَنَ الْعَمَلَ فِي الدُّنْيَا بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَبْدَلَهُ الْحُسْنَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ} [الرَّحْمَنِ: 60] وَقَوْلُهُ: {وَزِيَادَة} هِيَ تَضْعِيفُ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ بِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْلَاهُ النظرُ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، عَنْ صُهَيْبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، وَقَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوه. فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ؟ أَلَمْ يُثقِّل مَوَازِينَنَا، وَيُبِيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُزَحْزِحْنَا مِنَ النَّارِ؟ ". قَالَ: "فَيَكْشِفُ لَهُمُ الْحِجَابَ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَلَا أَقَرَّ لِأَعْيُنِهِمْ»[1]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} أَيْ: قَتَامٌ وَسَوَادٌ فِي عَرَصات الْمَحْشَرِ، {وَلا ذِلَّةٌ} أَيْ: هَوَانٌ وَصَغَارٌ، أَيْ: لَا يَحْصُلُ لَهُمْ إِهَانَةٌ فِي الْبَاطِنِ، وَلَا فِي الظَّاهِرِ، بَلْ هُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} أَيْ: نَضْرَةً فِي وُجُوهِهِمْ، وَسُرُورًا فِي قُلُوبِهِمْ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، آمِينَ[2]. الصورة الثانية صورة الأشقياء: نعوذ أن نكون من حاضريها قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس: 27]. لَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ السُّعَدَاءِ الَّذِينَ يُضاعف لَهُمُ الْحَسَنَاتِ، وَيَزْدَادُونَ عَلَى ذَلِكَ، عَطَفَ بِذِكْرِ حَالِ الْأَشْقِيَاءِ {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}، فَذَكَرَ عَدْلَهُ تَعَالَى فِيهِمْ، وَأَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى السَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا، لَا يَزِيدُهُمْ عَلَى ذلك[3]، والجزاء من *** العمل كسبوا السوء في دنياهم فيكون جزاءهم السوء، وكما أن صاحب السيئة في الدنيا في مذلة وهوان وإن تستر بالمال وتجمل بالسلطان ها هم {َتَرْهَقُهُم} أَيْ: تَعْتَرِيهِمْ وَتَعْلُوهُمْ ذِلَّةٌ مِنْ مَعَاصِيهِمْ وَخَوْفِهِمْ مِنْهَا، كَمَا وصف الله تَعَالَى حالهم: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشُّورَى: 45]، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ . مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ . وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَاب} [إِبْرَاهِيمَ: 42 -44]. وَقَوْلُهُ: {مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} أَيْ: مِنْ مَانَعٍ وَلَا وَاقٍ يَقِيهِمُ الْعَذَابَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ . كَلا لَا وَزَرَ . إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [الْقِيَامَةِ:10 -12]. وَقَوْلُهُ: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} إِخْبَارٌ عَنْ سَوَادِ وُجُوهِهِمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 106] ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عَبَسَ:42]. تظهر مذلتهم في ظلمة وجوههم، فضيحة يوم القيامة يجعلها الله عز وجل آية ليُعرف الفائز من الخاسر، نسأل الله تعالى أن نكون من الفائزين، ونعوذ به أن نكون من الخاسرين. أخي الحبيب: هل راجعت نفسك، واخترت طريقك؟ هل عرفت الحق فلذمته، وتبين لك الباطل فنبذته؟ {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة}، هذا صحابي جليل، وقد هداه الله السبيل؛ فعلم مكانه في الصورة، لقى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم شاب من الأنصار، فقال له: «كيف أصبحتَ يا حارثةُ؟». قال: أصبحتُ مؤمنًا حقًّا, قال: «انظُرْ ما تقولُ, فإنَّ لكلِّ قولٍ حقيقةً», قال : يا رسولَ اللهِ, عزفتْ نفسي عن الدنيا, فأسهَرتُ لَيلي, وأظمَأْتُ نهاري, وكأني أنظرُ إلى عرشِ ربي بارزًا, وكأني أنظرُ إلى أهلِ الجنَّةِ في الجنَّةِ كيف يتزاوَرون فيها, وكأني أنظرُ إلى أهل النارِ كيف يتعاوَوْنَ فيها. قال: «أبصرْتَ فالْزَمْ, عبدٌ نوَّرَ اللهُ الإيمانَ في قلبِه»[4]. في أوقات لا بد للمرء من أن يقف محاسبا نفسه مراجعا حاله ويتثبت من مكانه: هل أنا على طريق الحق، أم هويت إلى الباطل؟ هل انتهيت إن نهيت، وهل اجتهدت إن أمرت؟ هل صبرت إن ابتليت، أم جزعت؟ هل لبيت نداء الحق لما سمعت؟ هل أجرت أخا، أم خذلته؟ هل بررت والدي؟ هل وصلت؟ آه... ما أكثر ما قصرت! وأعظم ما اقترفت! صورتان انظر في أي منهما كنت شقيا، أم سعيدا صرت؟ فهل بصرت في أي الصورتين صرت؟ أخي الحبيب تبين أين أنت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ (1) (صحيح مسلم [181])، ورواه الترمذي في (السنن [2552])، والنسائي في (السنن الكبرى [11234])، وابن ماجه في (السنن [187]). (2) الموسوعة الشاملة (تفسير بن كثير- ت سلامة الباب [26] ج [4] ص [262]) بتصرف. (3) الموسوعة الشاملة تفسير بن كثير- ت سلامة الباب [26] ج [4] ص [262]) بتصرف. (4)*جامع العلوم والحكم ص [1/127] روي من وجوه مرسلة و متصلة والمرسل أصح.
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
جزاك ربي خيرا علي هذا العمل الرائع
تقبل الله منكم صالح الاعمال
__________________
Minds, like parachutes, only work when opened
|
العلامات المرجعية |
|
|