|
التنمية البشرية يختص ببناء الانسان و توسيع قدراته التعليمية للارتقاء بنفسه و مجتمه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
المنحى الاقتصادي في الحضارة الإسلامية
المنحى الاقتصادي في الحضارة الإسلامية
د. عبدالحكيم درقاوي إذا كان الفكر الاقتصادي الغربي قد تجرَّد من الصبغة الروحية، وغلب عليه الطابع البراغماتي النفعي، فإن الفكر الاقتصادي الإسلامي لا يتم بمَعْزل عن عقيدة الإسلام وشريعته. ومعنى ذلك: أن الدين الإسلامي هو دين شامل وكامل، دين الآخرة والدنيا؛ قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]. والاقتصاد في الإسلام يَصير عبادةً إذا قُصد به وجه الله تعالى، وإضافة إلى ذلك فإن النشاط الاقتصادي الإسلامي لا يهدف إلى الربح المادي فقط، وإنما يتخذ من هذا الهدف وسيلة لغاية أخرى، هي إعمار الأرض لتحقيق حضارة الإنسان. وبالرجوع إلى القرآن الكريم، نجد أن الله قد سخَّر المال لتيسير الحياة على الناس، وأمرهم بالاستمتاع به في اعتدال بلا إسراف ولا تبذير؛ فقال سبحانه: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وحرم الله كنزه لغير مصلحة، وذم البخل في إنفاقه؛ لأن في ذلك تعطيلاً لمصالح المسلمين، وتعسيرًا على الفقراء؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 37]، وقال - أيضًا - في موطن آخر: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34]. وينظر القرآن إلى الموارد الطبيعية نظرة شمولية، فكل الموارد التي سخرها الله عز وجل كافية لإشباع حاجة الإنسان، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ [إبراهيم: 32، 33]. وعلى هذا الأساس: فإن أي قصور في استغلال هذه الموارد يعتبر سببًا رئيسًا في خلق أزمة الفقر، كما أن سوءَ التوزيع وعدم الإنفاق سببٌ آخر لهذه المعضلة، وقد قال تعالى عن ذلك: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 47]، وقد عالج القرآن هذا الموقف من ناحيتين: الأولى: من ناحية الإنتاج؛ فالإنتاج النافع واجب لا يتم الواجب الديني إلا به، بشرط أن يكون هذا الإنتاجُ منسجمًا مع دائرة الحلال، ويعتبر الإنتاج فرضَ كفاية على الأفراد، وواجبًا على الدولة؛ ولهذا يأمرنا سبحانه بممارسة العمليات الإنتاجية كافة، فيقول: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]. الثانية: من ناحية التوزيع، وهنا يكفل الإسلام حدَّ الكفاية، بمعنى: أنه إذا عجز فرد عن توفير مستوًى مناسب لمعيشته لسبب خارج عن إرادته، فإن نفقته تكون واجبة في بيت مال المسلمين، ولتحقيق التكافل الاقتصادي بين أفراد الأمة الإسلامية قضى القرآن بما يلي: الزكــاة: والزكاة حق معلوم للفقراء في مال الأغنياء، وهي تؤخذ وتعطى بقواعد حددها الشارع الحكيم، وقد حدد الإسلام مصارفها، والمستحقين لها؛ فقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60]. وقد حدَّد الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومقدار ما يجب إخراجه من كل صنف، ومنها: النقدان (الذهب والفضة)، والحيوان (الإبل والبقر والجاموس والغنم والخراف والماعز)، والزروع، وعُروض التجارة، وزكاة الرِّكاز (وهو ما يستخرج من باطن الأرض، مثل: البترول والمعادن). فالزكاة شعار وحدة المسلمين، وهذه الوحدة مطلب أساسي من مطالب النهوض بالحضارة؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثَل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثَل الجسد الواحد، إذا اشتكى فيه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمَّى))؛ متفق عليه[1]. الحق المعلوم للسائل والمحروم: وإذا لم تكفِ الزكاة لسد حاجة الفقراء وكسوتهم، فإنه يؤخذ من أموال الأغنياء ما يكفي حاجة الفقراء ويسد رَمَقهم، وهذا الحق مقداره أن تُكفَى حاجة الفقراء. فإذا كان المالُ مملوكًا ملكية مطلقةً لله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 120]، فإنه أوجده لجميع خلقه؛ القادر منهم والعاجز، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [المعارج: 24، 25]، عن ابن عباس في قوله: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾يقول: هو سوى الصدقة، يصِلُ بها رَحِمه، أو يَقْري بها ضيفًا، أو يحمل بها كَلاًّ، أو يعين بها محرومًا"[2]. مميزات الرقي الاقتصادي في القرآن الكريم: 1- الملكية المطلقة لله -تعالى-: والأصل فيها قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ [طه: 5، 6]، وقوله سبحانه: ﴿ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ [الإسراء: 6]. 2- الملكية الفردية: والأصل فيها قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274]. 3- الملكية الجماعية: والأصل في الملكية أنها لخير الأفراد والمجتمعات، ينتفعون بها على نحو ما رسم الله سبحانه وتعالى؛ قال عليه السلام: ((المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ، والماء، والنار)). 4- يرفض الإسلام أن تكون الملكيات الكبيرة في أيدي فئة قليلة، إذا لم يخرجوا منها حقَّ الله؛ وذلك حتى لا تتسع الهُوَّة بين الأغنياء والفقراء؛ قال تعالى: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ [الحشر: 7]. 5- أجاز الإسلام التفاوت بين الناس في الملكية على أساس التفاوت بينهم في الجهد والكسب، والعمل والمواهب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 30]. 6- الدعوة إلى العمل والتكسُّب، ونبذ الكسل والجمود. 7- الرقابة الإلهية والذاتية: فإذا كان الاقتصادُ الوضعيُّ تحكمه القوانين الوضعية، فإن الاقتصاد الإسلامي تحكمه رقابة الضمير، القائمة على الإيمان بالله، والبعث والجزاء في اليوم الآخر. وهذا إذا رأى المسلم أنه قد يفلت من رقابة السلطة، فإنه لن يفلت من مراقبة الله له؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء ﴾ [آل عمران: 5]، ويقول أيضًا: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]. قال ابن كثير في تفسيره للآية: "يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها؛ ليحذَر الناسُ عِلمَه فيهم، فيستحوا من الله حقَّ الحياء، ويتَّقوه حقَّ تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة - وإن أبدت أمانة - ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر"[3]. [1] صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم. [2] تفسير الطبري، ص: 613 ج23. [3] تفسير بن كثير، ص: 1636 ج4. |
العلامات المرجعية |
|
|