#1
|
||||
|
||||
النمل في القرآن الكريم
النمل في القرآن الكريم
حامد شاكر العاني من المعلوم لدى طلاب العلم أن القرآن الكريم يلفت أنظار الناس إلى سر الله عز وجل في مخلوقاته ومنها النمل، والنمل كما يراه الإنسان وللوهلة الأولى بأنه أضعف المخلوقات وأتفهها، ولكن حينما يسبر في غور وعمق هذا المخلوق يجد سر الله العظيم فيه، لهذا ذكره الله تقدست أسماؤه وصفاته متحدياً به من ينكر عظمته وتدبيره، وأفرد له آيات عديدة في سورة اسماها (النمل) لأهمية وسر هذا المخلوق العجيب. قال الله تعالى في سورة النمل: ﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ٱدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكَاً مِّنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾[1]. فهذه الآيات المباركات تصف لنا جيش نبي الله سليمان عليه السلام، وهو في موكب رهيب مهيب، جيش يتألف من الجن والإنس والطير بقيادته وإمرته، فلا واحد منهم يقدر على عصيانه ومخالفته، ﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾[2]، يدبرون ويرد أولهم على آخرهم، وينظمون غاية التنظيم في سيرهم ونزولهم، وحلهم وترحالهم[3]، فهو حشد عسكري منظم وفق معايير بأعظم ما يكون من التنظيم والتنسيق، هذا الركب من الجند المنظمين، ولكأنه في استعراض عسكري مهيب، هذا الجيش يسير ببركة الله وقوته، ففي إحدى أسفاره، وعند اقترابه من وادي النمل، فإذا بنملة تصرخ بأعلى ما تملك من صوت محذرة قومها وناصحة لهم، وكأنها ممثلة عنهم، تقول بلغتهم التي لا يعلم كنهها إلاَّ خالقها: يا أيها النمل خذوا حذركم، وأسرعوا إلى مساكنكم فادخلوها بسلام قبل أن يأتينكم موكب سليمان فيطؤُونكم بأقدامهم ويحطمونكم ويسحقونكم وهم لا يشعرون. هذه النملة المسؤولة كانت تعرف بإلهام الله لها بأن سليمان نبي من الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وإنما يعمل بوحي من الله سبحانه وتعالى، وأن جنده صالحون لا يتعمدون إيذاء أي مخلوق، لهذا نبهتهم بما سيحدث لهم إن عصوها. قال ابن القيم: (ويكفي في هداية النمل ما حكاه الله سبحانه في القرآن عن النملة التي سمع سليمان كلامها وخطابها لأصحابها بقولها: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فاستفتحت خطابها بالنداء الذي يسمعه من خاطبته، ثم أتت بالاسم المبهم ثم أتبعته بما يثبته من اسم ال*** إرادة للعموم ثم أمرتهم بأن يدخلوا مساكنهم فيتحصنون من العسكر، ثم أخبرت عن سبب هذا الدخول وهو خشية أن يصيبهم معرة الجيش فيحطمهم سليمان وجنوده ثم اعتذرت عن نبي الله وجنوده وهم لا يشعرون بذلك، وهذا من أعجب الهداية، وتأمل كيف عظم الله سبحانه شأن النمل بقوله وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون، ثم قال: حتى إذا أتوا على وادي النمل، فأخبر أنهم بأجمعهم مروا على ذلك الوادي ودل على أن ذلك الوادي معروفاً بالنمل كوادي السباع ونحوه)[4]. وقال سيد قطب (رحمه الله) واصفاً هذا المشهد الإعجازي العجيب: (لقد سار موكب سليمان من الجن والإنس والطير في ترتيب ونظام، يجمع آخره على أوله، وتضم صفوفه وتتلاءم خطاه، حتى إذا أتوا على وادٍ كثير النمل، حتى لقد أضافه التعبير إلى النمل فسماه (وادي النمل)، قالت نملة لها صفة الإشراف والتنظيم على النمل السارح في الوادي، ومملكة النمل كمملكة النحل دقيقة التنظيم تتنوع فيها الوظائف، وتؤدي كلها بنظام عجيب، يعجز البشر غالباً عن اتباع مثله، على ما أوتوا من عقلٍ راقٍ وإدراكٍ عالٍ، قالت هذه النملة للنمل، بالوسيلة التي تتفاهم بها أمة النمل، وباللغة المتعارفة)[5]. ثم من الإعجاز أيضاً كيف أن سليمان عليه الصلاة والسلام فهم ما قالت تلكم النملة، وكيف فهمت هي الأخرى أن هذا الجيش هو جيش سليمان حيث قالت للنمل: ادخلوا مساكنكم كي لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، إنها في منتهى الغرابة في قياس البشر، وقد لا يصدقها كثير من الناس، ولكن قدرة الله عز وجل فوق كل هذا. قال سيد في الظلال: (فأدرك سليمان ما قالت النملة وهش له وانشرح صدره بإدراك ما قالت، وبمضمون ما قالت، هش لما قالت كما يهش الكبير للصغير الذي يحاول النجاة من أذاه وهو لا يضمر أذاه، وانشرح صدره لإدراكه، فهي نعمة الله عليه تصله بهذه العوالم المحجوبة المعزولة عن الناس لاستغلاق التفاهم بينها وقيام الحواجز، وانشرح صدره له لأنه عجيبة من العجائب أن يكون للنملة هذا الإدراك، وأن يفهم عنها النمل فيطيع)[6]. واللافت للنظر أن العلماء وجدوا أن مجتمع النمل يستجيب لأي نداء يوجه إليه من أي نملة تحذرهم من أي خطر مهما كان نوعها ولونها، لدرجة أن النمل يلبي النداء على الفور وبدون تلكؤ، لهذا استجاب النمل بمجرد سماع نداء النملة فدخلوا مساكنهم مخافة أن يحطمهم ويدوسهم ويسحقهم سليمان وجنوده. [1] سورة النمل الآيات 17 و 18 و 19. [2] قال الرازي: (وقال الحسن: لابد للناس من (وازع) أي من سلطان يكفهم) ، يقال (وزعت) الجيش إذا حبست أَوَّلهم عل آخرهم قال الله تعالى: ﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾. ينظر: الصحاح: 719 مادة (وزع). [3] ينظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 602. [4] ينظر: شفاء العليل ص 69. [5] ينظر: في ظلال القرآن: 6 /267. [6] ينظر: في ظلال القرآن 6 /267. |
#3
|
|||
|
|||
سبحاااااااااااااااااان الله
|
العلامات المرجعية |
|
|