|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله
في شوال من العام الثالث للهجرة وبعد انتهاء القتال في غزوة أُحُد ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم ـ يتفقّد أحوال الجرحى والشهداء، فرأى كثيراً من خيرة أصحابه قد فاضت أرواحهم، منهم حمزة بن عبد المطلب، وأنس بن النضر، وسعد بن الربيع، ومصعب بن عمير، وحنظلة بن أبي عامر، وعبد الله بن عمرو بن حرام (والد جابر)، واليمان (والد حذيفة)، وعبد الله بن جُبيرٍ، وغيرهم ـ رضوان الله عليهم ـ أجمعين، فلما رآهم - صلى الله عليه وسلم – قال : ( أشهد على هؤلاء، ما مِن مجروح جرح في الله ـ عز وجل ـ إلا بعثه الله يوم القيامة، وجرحه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، انظروا أكثرهم جمعا للقرآن، فقدموه أمامهم في القبر ) رواه أحمد، وقد قال الله تعالى في غزوة أحد: { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }(آل عمران من الآية: 140 : 142) . ومع ما في غزوة أحد مِن جراح وآلام، وشهداء بلغوا سبعين شهيداً من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ، إلا أن فيها من المواقف والفوائد والحِكم الكثير، قال ابن حجر: " قال العلماء: وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة "، ومنها: حب الصحابة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لقد ظهرت في غزوة أُحُد صور كثيرة من حب الصحابة الشديد للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فحينما حاصر المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سارع الصحابة إليه، وأقاموا حوله سياجاً بأجسادهم وسلاحهم، وبالغوا في الدفاع عنه، فقام أبو طلحة يسور نفسه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو، ويقول:" نحري دون نحرك يا رسول الله " . وأبو دجانة يحمي ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسهام تقع عليه ولا يتحرك . ومالك بن سنان ـ رضي الله عنه ـ يمتص الدم من وجنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أنقاه . وأَبو طلحةَ بَينَ يَدَيِ النبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ مُجَوِّبٌ عَلَيهِ بِحَجَفَةٍ له ( أَيْ مُحِيطٌ بِهِ بِتُرسٍ لِيَحمِيَهُ ) ويقول:" يَا نبيَّ اللهِ ، بِأَبي أَنتَ وَأُمِّي، لا تُشرِفْ يُصبْكَ سَهمٌ مِن سِهَامِ القَومِ، نحري دُونَ نحرِكَ " . وطلحة ـ رضي الله عنه ـ تَعْرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - صخرة من الجبل فينهض إليها ليعلوها فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فصعد عليه، حتى قال الزبير ـ رضي الله عنه ـ: " وأبلى طلحة بلاء حسنا يوم أحد، ووقى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنفسه، واتقى عنه النبل بيده، حتى شلت أصبعه وضرب الضربة في رأسه، وحمل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ظهره، حتى استقل على الصخرة، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أوجب طلحة ) أي الجنة . وكما ظهر من رجال الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أمثلة كثيرة تدل على مدى حبهم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أثناء المعركة، فقد ظهرت كذلك صور من صور الحب الشديد من نساء الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ـ جاءت أم سعد بن معاذ، وهي كبشة بنت رافع ـ رضي الله عنها ـ تعدو نحو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد وقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: " يا رسول الله! أمّي!، فقال: مرحبا بها، فدنت حتى تأملت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالت: أما إذ رأيتُك سالما فقد أشوت (هانت) المصيبة، فعزّاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعمرو بن معاذ ابنها، ثم قال: ( يا أمّ سعد، أبشري وبشّري أهليهم: أنّ ***اهم ترافقوا في الجنة جميعا، وقد شفّعوا في أهليهم، قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟، ثم قالت: يا رسول الله ادع لمن خلّفوا فقال: اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خُلّفوا ) . ـ وروى الطبراني عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: (لما كان يوم أحد حَاصَ أهل المدينة حَيصَةً، وقالوا: قُتِلَ محمدٌ، حتى كثر الصراخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار مُتَحَزِّمَةً، فاستقبلت بأبيها ابنها وزوجها وأخيها (أُخْبِرَت بم***هم)، لا أدري أيّهم استقبلت به أولا، فلما مرّت على آخرهم قالوا: أبوك، زوجك، أخوك، ابنك، فتقول: ما فعل رسول الله؟، يقولون: أمامك، حتى دُفِعَت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سَلِمْتَ من عَطَبٍ ) . ـ وفي السِّيرةِ النبوية لابنِ هِشامٍ والبداية والنهاية لابن كثير: عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال: ( مرَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بامرأة من بني دينار وقت أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أُحُد، فلما نُعوا لها قالت: ما فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟، قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، قال: فأشير لها حتى إذا رأته قالت:كل مصيبة بعدك جَلل (صغيرة) ) . ما حدث مِن الصحابة ونساءهم في غزوة أحد ما هو إلا تَعبِيرٌ عمَّا تُكِنُّه قلوبهم مِن عظيم محبتهم وتوقيرهم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وما ذلك بِغَرِيبٍ عليهم، وذلك لمعرفتهم قدر ومنزلة وحقَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الذي بعثه الله ـ عز وجل ـ رَحمَةً لهم وللعالمين، قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء الآية: 107)، وكان حريصاً عليهم، رحيماً بهم، كما قال تعالى: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة الآية : 128) . وَكَيفَ لا يحبوه ولا يَفدُونَهُ بأنفسهم وأموالهم وهو الذي ما وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَمَا قلاهُ قال تعالى: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }(الضُّحى الآية: 3)، وهو الذي شَرَحَ صَدرَه وَوَضَعَ عنه وِزْرَه، ورفع له ذِكْره؟!، كما قال تعالى:{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }(الشرح من الآية 1 : 4 ). وكيف لا َتمتَلِئُ صُدُورُهُم تعظيماً وتوقيراً وحباً له ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد رأوا الحصى والحجر يسلم عليه، والجِذعُ يحن إليه، والجَمَلُ يشكو له، والحَصَى يسبح بَينَ أَنَامِلِهِ، والماء ينبع مِنْ بَينِ أَصابعه، والشَّجَرَةُ تنقاد إليه؟، ويشهد له العدو والصديق بعظيم خلقه، وجميل شمائله، وحسن سيرته، وهو الذي زكاه ربه ـ عز وجل ـ فقال عنه: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }(النَّجم من الآية 3 : 4 )، وقال: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم الآية: 4) ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .. وقد عبَّر سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ عن مدى حب الصحابة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: " يا رسول الله، هذه أموالنا بين يديك، خذ منها ما شئت ودع منها ما شئت، وما أخذته منها كان أحب إلينا مما تركته، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا أحد، إنا والله لَصبرٌ في الحرب صدق عند اللقاء، فامض بنا يا رسول الله حيث أمرك الله " . وعبَّر كذلك زَيدُ بنِ الدِّثِنَّة ـ رضي اللهُ عنه ـ عن مدى هذا الحب الشديد للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمَّا اجتَمَعَ رَهطٌ مِن قُرَيشٍ ل***ه، وقال له أبو سفيان حِينَ قُدِّمَ لِيُقتَل: أَنشُدُكَ بِاللهِ يَا زَيد، أَتُحِبُّ أَنَّ محمدًا الآنَ عِندَنَا مَكَانَكَ نَضرِب عُنُقَهُ وَأَنَّكَ في أَهلِكَ؟، قال: والله ما أُحِبُّ أَنَّ محمداً الآنَ في مكانه الذي هو فيه تُصِيبُهُ شَوكَةٌ تُؤذِيهِ وَأني جالسٌ في أَهلي !!، فقال أَبو سفيان: مَا رَأَيتُ مِنَ الناسِ أَحداً يُحِبُّ أَحَداً كَحُبِّ أَصحَابِ محمدٍ محمداً "، وقد روي مثل ذلك عن خبيب بن عدي . وقد سُئِل علي ـ رضي الله عنه ـ كيف كان حبكم لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟، قال: " كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ ". إن حظ الصحابة من حب النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أتم وأوفر من غيرهم، وذلك لأن المحبة ثمرة المعرفة، وهم بعلو قَدْرِهِ وسمو منزلته - صلى الله عليه وسلم - أعلم وأعرف، ومن ثم كان حبهم له ـ صلوات الله وسلامه عليه - أشد وأعظم وأصدق، وقد ظهر هذا الحب واضحاً جلياً بصورة عملية من الرجال والنساء في مواقف ومواطن كثيرة، ومنها ما حدث في غزوة أحد، وكلهم يقول بلسان حاله ومقاله: ( نحري دون نحرك يا رسول الله )، ( فداك أبي وأمي يا رسول الله )، ( كل مصيبة بعدك جلل ) .
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|