اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > أخبار و سياسة

أخبار و سياسة قسم يختص بعرض الأخبار و المقالات من الصحف يوميا (المصرية والعربية والعالمية )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-01-2015, 10:52 PM
أ/رضا عطيه أ/رضا عطيه غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 37,683
معدل تقييم المستوى: 53
أ/رضا عطيه is just really nice
افتراضي (طريق الأذى ) --- يسرى فوده

من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش.. يسرى فودة فى طريق الأذى العـودة إلى الفـخ (الأخيرة)




غلاف كتاب «طريق الأذى» ليسري فودة

إعداد ــ ياسر محمود نشر فى : الثلاثاء 13 يناير 2015 - 11:04 ص

• فودة يسقط فى أيدى المخابرات السورية بعد الإفلات من حرس الحدود العراقى.. وأبونور ينجح فى تهريب الشرائط إلى كردستان

• المقاومة العراقية العلمانية القلب والروح تنجح فى اجتذاب حماسة الشارع المقاوم برفع راية الإسلام

• القائد العسكرى لـ «الجيش الإسلامى فى العراق»:الجيوش التى تقاتل بعقيدة الأرض تختلف عن الجيش الذى يقاتل بعقيدة السماء

• منير مقدح مؤسس «كتائب شهداء الأقصى»: ليس عارا أن يدخل العدو إلى أرضنا.. العار إذا خرج سالما.. فهذه بلاد الشام بركان تحت رماد

• مروحيات رامسفيلد تنهى الرحلة فى الصحراء العراقية.. وأبوثائر يهدد: ارجع لوحدك بلا حماية إذا استطعت أن ترجع

• كثير من المتطوعين للجهاد فى العراق خرجوا من مخيمات فلسطينية



ينطلق فودة ورفاقه بحسب الخطة الموضوعة للتحرك إلا أن خروجهم من تغطية شبكات الهواتف الخلوية يجبر دليل الرحلة أبوليث على فعل كل شىء: «يفتح الباب ويخرج من السيارة بحثا عن إشارة ربما تكون مختبئة بين طيات الهواء الصحراوى. لا يوجد. يصعد لدهشتى فوق سقف السيارة عسى أن توجد إشارة فى طبقة أعلى! كوميديا ساخرة لولا أنها غير مضحكة فى موقف كهذا».. وأخيرا تلجأ المجموعة إلى سؤال «أولاد الحلال» عن الطرق الفرعية، فيتطوع أحد المواطنين ويحمل بندقيته الكلاشينكوف ويتولى قيادتهم فى قلب الصحراء.

«فجأة، سمعنا أزيزا يشبه أزيز طائرة هليكوبتر. سمعناه يقترب منا. التفتّ إلى حيث ظننت أنه مصدر الصوت، لكننى لم أر شىءا بينما يستمر الصوت فى الاقتراب أكثر وأكثر. أدركت لأول وهلة أن طائرة فى الغالب تطير على ارتفاع منخفض وأنها ستنبثق فجأة فى أى لحظة من وراء التلال. تجمد رجل الكلاشينكوف بسيارته اللاندروفر أمامنا فتجمدنا خلفه. «ماحدش ينطق ولا كلمة ولا حركة خالص». هتفت بهم بينما سلمت أمرى إلى الله.. ثم فجأة انبثقت طائرتان أدركت مباشرة أنهما من طراز «بلاك هوك»، واحدة فى ذيل الأخرى، وخلفهما مباشرة عن يمين وعن يسار طائرتان أخريان من طراز «أ****ى».

«تلاوة القرآن سرّا تفرض نفسها تلقائيّا والتسليم بقضاء الله، فماذا عساك تفعل إن قرر ذلك الطيار، ذعرا منا أوغير ذلك، أن يضغط على زر إطلاق قذيفة واحدة من طائرة كهذه من ارتفاع كهذا».

«...» كلمة غير مهذبة من ثلاثة حروف بالعامية المصرية انفجرت فجأة من فمى دون كثير من الوعى، مع جملة كانت هذه المرة أمرا مباشرا أكثر من أى شىء آخر: «لف بالعربية، إحنا راجعين». بُهت أبو ليث الذى لم يكن قد أفاق بعد من الصدمة فتحرك بالسيارة حركة الإنسان الآلى عائدا الأدراج. حتى رجل الكلاشينكوف الشهم لا أذكر إلى الآن إن كنا شكرناه على مجهوده.

تهديد ووعيد

ويكتشف فودة بعد عودته إلى منزل أبو نور فى قرية «الخضر» أن وزير الدفاع الأمريكى، دونالد رامسفيلد، قام اليوم بزيارة سرية إلى إحدى القواعد العسكرية الأمريكية فى شمالى العراق.»كان هو إذا بشحمه ولحمه فوقنا بعشرة أمتار. يا للهول!».

تتلقى المجموعة اتصالا غاضبا من أبو ثائر، والذى كان منفعلا من قرار العودة الذى اتخذه فودة:»بدأت المناقشة على الهاتف تتخذ اتجاها كنت أجهد فى أن أتجنبه. ارتفع منسوب التوتر بينما زادت المقاطعات أثناء محاولات مستميتة للإقناع والإقناع المضاد. ثم صرخ الرجل بنبرة متأثرة مستنكرة لا تخلو من كبر: «أنا آتى لك بالرجل الكبير وأنت تريد أن تلقى بى إلى محكمة شرعية؟!». ثم سرعان ما تطورت هذه النبرة إلى نبرة مهددة ندم عليها كثيرا بعد ذلك: «إذا أصريت على العودة بعد ذلك كله فأنت وحدك؟» ما الذى يعنيه ذلك تماما وأنا مغروز فى أعماق العراق تحت الأرض؟ «ستعود وحدك.. لا دليل ولا سيارة ولا حماية ولا تنسيق.. إذا استطعت أن تعود».

بُهت الرجل عندما عاجلته بالرد دون تفكير وفى نبرة هادئة: «حسنا.. موافق، وأشكركم على كل ما قدمتموه لنا حتى الآن». زادت حدة الرجل فاتخذ خطوة أخرى.



عينة من ترسانة منير المقدح «مؤسس كتائب شهداء الأقصى» فى مخيم عين الحلوة بلبنان

«والشرائط.. تترك الشرائط وكل ما صورتموه.. تتركها جميعا وراءك».

«لا بأس.. رغم أن هذا ليس من حقك، ولكن لا بأس».

لم يصدق عُدى أذنيه فبادرنى بالسؤال فور انتهاء المحادثة: «الشرائط؟ هل حقّا ستترك الشرائط لهم؟» زادت دهشته عندما أومأت له إيجابا (..) كنت أنظر إلى المسألة كلها من منظور عملى بحت لا علاقة له بكبرياء أو ببطولة. كنت أعلم فى سريرتى أن أياما قليلة لن تمر قبل أن تهدأ النفوس فتتيح مجالا أوسع أمام العقول. وحين يحدث هذا ستُعاد الحسابات وسيسعون هم إلى إيجاد وسيلة لتوصيل الشرائط إلى أى عنوان نختاره نحن، ربما أيضا مع اعتذار واجب والتماس بإكمال عملية إنتاج التحقيق بما نراه مناسبا.

فى قبضة المخابرات

«أما وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه انقلب الرأى العام فى ذلك المنزل الآمن بشكل واضح إلى جانبى. «سأصطحبكما فى صباح الغد إلى النقطة التى التقطتكما منها أول مرة فى سوريا حتى أطمئن على وصولكما بالسلامة»، هكذا تطوع أبو ليث وأنا أعلم أنه يعلم أن تصرفا كريما كهذا ربما يكلفه حياته. ثم انضم أبونور إلى ما صار الآن يحمل جانبا من ملامح الثورة: «وأنا سأتأكد من خروجكما من هنا حتى منطقة الحدود سالمين مهما كلفنى الأمر». انفرجت أسارير عُدى وهو يستعيد ابتسامته الطفولية العذبة لأول مرة منذ وقت بعيد.. ثم فجأة طلب منى أبو نور أن أنتحى معه جانبا قبل أن يهمس فى أذني: «ابحث عن طريقة لعمل نسخة من الشرائط وسأجد أنا طريقة للشرائط الأصلية كى تصلك بسرعة ربما قبل عودتك إلى لندن».

وتبدأ رحلة فودة فى طريق العودة إلى سوريا من الأراضى العراقية « كانت أشبه بمعجزة صغيرة تلك التى حملتنا على جناحيها بصورة غريبة أكثر من مرة عبر دوريات مفاجئة لقوات الحرس الوطنى العراقى التى انبثقت فجأة فى طريقنا»..

كانت تجربة العودة من قلب العراق فى اتجاه الحدود شاقة، وبعدما يعاكسه الطقس السيئ، وتهطل الأمطار محولة طريقه الترابى إلى «معجنة» من الطين.. يصل أخيرا إلى «منزل بدا مهجورا لدى نهاية المنطقة الفاصلة» بعدما يودع أبونور، ويمضى ليلته مع رفيقية عدى وأبوليث.

وقبل أن يتجاوز فودة الحدود، يسقط فى أيدى المخابرات السورية، لتبدأ مرحلة جديدة من عناء الإستجوابات المتراوحة بين الود والترحيب وبين التجاوز والخروج عن اللياقة، بل والتهديد أحيانا.. وأخيرا تنتهى فى أحد فنادق دمشق فى أنتظار لقاء مع وزير الإعلام السورى الدكتور محسن بلال.

ويختتم فودة رحلته وكتابه:» فى اليوم التالى وصلت الحقيبة كاملة المحتويات فاتخذت طريقى عائدا إلى لندن. فى تلك الأثناء كان أبونور قد أفلح فى تسريب الشرائط إلى مراسل الجزيرة فى كردستان الذى أوصلها عبر الحدود إلى مكتب الجزيرة فى تركيا ومن هناك وصلت بعد أيام قليلة إلى مكتبى فى لندن.. كاملة».

كانت تلك تجربة على الصعيد الشخصى من الصعب أن أكرر مثلها مرة أخرى، وعلى الصعيد المهنى فتحت آفاقا لكثير من الدروس التى ستبقى معى ما حييت، وأرجو أن يكون جانب منها على الأقل مصدرا للإلهام، خاصة لهؤلاء من زملائى الذين يبدأون أحلامهم على درب الصحافة الاستقصائية. لكنها على الصعيد السياسى أوقدت شمعة فى طريق فهم جانب مما تكشّف بعد ذلك، سواء فيما يخص العراق وسوريا كاثنتين من أكثر الدول العربية ثقلا وأهمية، أو ما يخص رؤية السلفية الجهادية لتطور الصراع مع الغرب فى ربوع إقليم الشام، أو فيما يخص تململ الشارع العربى من أنظمته.

بعد الختام

السطور الأخيرة من كتاب يسرى فودة «فى طريق الأذى من معاقل داعش إلى حواضن القاعدة» الصادر أخيرا عن «دار الشروق»، يختمها بما يصفه بـ«رؤية ثاقبة.. يطرحها بشجاعة نادرة أمام الكاميرا فى حلب الدكتور عبدالرزاق عيد، من جمعية إحياء لجان المجتمع المدنى، فى إبريل عام 2006، قبل خمس سنوات من بداية انفتاح بطن سوريا: «يعنى الوضع فى سوريا لا يختلف جوهريّا عن الوضع فى العراق (قبل الغزو)، والمقدمات التى ساقت إلى الحالة العراقية متوافرة بكاملها عندنا فى سوريا، إن كنت تريد أن تتحدث عن مسألة تغييب المجتمعات.. وبالتالى يعنى السلطات هى التى فرضت وصايتها أن تكون بديلا للجميع. وبالتالى يعنى كان الدرس العراقى بالنسبة لنا مثل وسيلة إيضاح.. لا يمكن لمجتمع أن يدافع عن سيادته الوطنية الخارجية بدون تحقيق سيادة وطنية داخلية... وإلا فالناس لا تدافع عن سيادتها وإنما عن سيادة حكامها أو سادتها».

ويقول كذلك فى آخر فقرة من كتابه: ويا له من تحد ينذر أكثر مما يبشر ذلك الذى يبسطه فى هدوء مؤسس كتائب شهداء الأقصى، منير مقدح، قبل سبع سنوات من انسلاخ داعش من بين أضلاع القاعدة على طريق «حركة الجهاد العالمى»، التى تؤمن بأن نزالا أخيرا بين المسلمين والكفار واقع لا محالة فى هذا القطاع من العالم: «ونحن هنا نقول.. ليس عارا أن يدخل العدو إلى أرضنا.. العار إذا خرج سالما. فهذه بلاد الشام مهيأة.. مهيأة لأى شىء.. وهى بركان تحت رماد. متى ينفجر؟ الله أعلم».

والفقرتان الأخيرتان من الكتاب، تستدعيان بالضرورة عبارات كثيرة وردت فى ثنايا مغامرته عبر الحدود السورية العراقية، لعل أولاها ما أحتواه حوار أجراه فودة مع القائد العسكرى لجماعة «الجيش الإسلامى فى العراق»، أبو مشتاق الزبيدى، الذى كان يتحدث لأول مرة لوسيلة إعلام فى إجابة مصورة عن أسئلة طرحها فودة.. والأسئلة هنا تنصب على «بواعث الغالبية العظمى من جماعات المقاومة فى العراق التى ترفع راية الإسلام وتنطق بلكنة بِنْلادِنِيَّة؟

ويقول الزبيدى: «إنما نحن فقد عُبئنا قبل أن تأتى أمريكا وقبل أن تأتى بريطانيا (إلى العراق)، وقد عُبئ ذلك من خلال قراءتنا للقرآن، ومن خلال فهمنا لسنة النبى عليه الصلاة والسلام، ومن خلال ما أردنا من هذه العبادة: أن ندخل الجنة. فنحن علمنا أن هذه الجيوش عندما تقاتل بعقيدة الأرض تختلف عن الجيش الذى يقاتل بعقيدة السماء».

وكان فودة بعدما قطع رحلته المحفوفة بالمخاطر، توصل إلى حل وسط «قمت فى إطاره بإمدادهم بأسئلة مكتوبة قرأها عليه أحد أعوانه ثم أرسلوا لى بعد ذلك بإجاباته المصورة على شريط».

البنلادنبة

«على الشريط نفسه سجلوا بعد إجاباته ما كنت أخشاه: اجتماعا لعدد من القادة الميدانيين للجيش الإسلامى يخططون لعملية كبرى، تم تصويره «حصريّا» لصالح التحقيق الذى كنت أقوم به. يظهر هؤلاء القادة فى الشريط ملثمين، لا بتلك الشالات العربية ذات اللونين الأحمر والأبيض ولكن بأقنعة سوداء من الواضح أنها فصلت خصيصا لهذا الغرض. حوالى دستة من القادة جلسوا، لا على الأرض بل على مقاعد مريحة حول طاولة طويلة أنيقة كأنها فى قاعة اجتماعات لشركة حديثة، لا فى كهف ناءٍ بل فى غرفة عادية مزدانة. أمام كل منهم جهاز كمبيوتر متنقل (لاب توب) وفى منتصف الطاولة الممتدة عرش من الأزهار وخريطة ورقية معقدة، وأمامهم جميعا على الحائط شاشة بلازما عرضها 50 بوصة تنبعث منها خريطة حديثة لوسط بغداد. بهذه التفاصيل كلها لا يجد الذهن صعوبة فى إدراك أنك داخل غرفة عمليات».

«على رأس الطاولة يجلس الآن رجل ظهره إلى الكاميرا وصوته ينبئ بأنه ربما يكون قائد القادة. يفتتح الاجتماع بآيات من القرآن الكريم قبل أن ينقله المونتاج إلى: «إذا، نعلم الآن أن ساعة الصفر هى الساعة الواحدة ليلا.. ليلة الخميس على الجمعة الساعة زيرو مية. لقائد القوة مجموعتان من كتيبة الديرة ومجموعتان من كتيبة سلمان لمهاجمة قطاعات العدو فى منطقة.. (قطع فى المونتاج).. أريد أن أعرف كم قذيفة لديك كى أسجلها عندى؟» يبدأ رجل يجلس فى المنتصف الإجابة: «بالنسبة لى»، فيقاطعه القائد مفصلا السؤال: «قذائف 60 ملليمترا، كم رأسا تقدر أن تؤمّن لى؟» فيستطرد الرجل فى الإجابة: «أقدر أؤمّن لك 30 رأسا»، فيكررها القائد للتأكيد، وهو يسجل فى أوراقه: «30 راسا 60 ملليمترا».

تبدو«اللكنة البنلادنية» مختلفة قليلا هنا، أليس كذلك؟ فمنذ متى كانت تحتوى على مفردات ومصطلحات من مثل «الساعة زيرو مية» و«كتيبة» و«قطاعات العدو» و«قذائف 60 ملليمترا»؟ مفردات القاموس العسكرى المحترف من شأنها فقط أن تؤكد إيحاءات بأن عناصر من الجيش العراقى المسرّح ومن البعثيين ومن القوميين استطاعت أن تجمع شتات حركة مقاومة جادة داخل العراق. ورغم أنها علمانية القلب والروح فقد استطاعت أن تفاجئ نفسها وتفاجئ المتابعين عندما اجتذبت حماسة الشارع المقاوم، لكن ذلك لم يكن ليحدث فى نظر كثيرين إلا عندما علقت راية الإسلام على مدخل المكان.

يكفى اسمها، «الجيش الإسلامى فى العراق»، لجذب المئات من المقاتلين والمجاهدين وطلاب الشهادة ولتحويلها فى وقت قصير إلى كبرى جماعات المقاومة وأكثرها فتكا. يستطيع جورج بوش الصغير أن يستخدم كلمة «بعثيين» فى سياق سلبى كل مرة يرهق نفسه لتزيين غزو العراق، لكن هؤلاء من الأمريكيين الذين يعلمون حقيقة الأمر سيجدون فى استعداد المئات، بل الآلاف، للشهادة تحت لواء الإسلام ولو كان الذين يرفعونه بعثيين، هزيمة لمشروعه فى بلاد الرافدين.

إجابات

وتضم ثنايا قصة الرحلة أجزاء أخرى تحتوى معلومات عن «حواضن داعش»، نختتم عرضنا لكتابه «طريق الأذى» بهذى الإجابات:

لدى القاعدة وشبيهاتها على أى حال أصدقاء ومتعاطفون كثر فى بلاد الشام. بعضهم سيتحول بعد ذلك إلى حلفاء، سرّا أوعلنا، وبعضهم سيكون جزء لا يتجزأ من التنظيم. أحد الحقول الطبيعية للإخصاب تقبع فى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التى تجاوزت أحوالها من التردى بكثير الحدود الدنيا لأى معايير إنسانية. فى ظل حياة بائسة وآمال ضائعة فى مخيمات دول الطوق المحيطة بالإسرائيليين فى بلاد الشام يشكل مئات الآلاف من هؤلاء أهدافا سهلة للتجنيد.

خذ على سبيل المثال مخيم عين الحلوة فى لبنان الذى يؤوى نحو 80 ألف روح (وقتها، عام 2006) يتكدسون طبقات فوق طبقات فى مساحة لا تزيد على ميل واحد مربع. هو فى واقع الأمر دولة أخرى داخل الدولة اللبنانية، يحكمها ويديرها رجل خارج عن القانون بحكم محكمة أردنية. منير المقدح مقاتل فلسطينى شرس شارك عام 2000، فى غمار رحلة عمر طويلة مع المقاومة المسلحة، فى تأسيس «كتائب شهداء الأقصى» كجناح عسكرى لحركة فتح بأمر مباشر من الزعيم الفلسطينى الراحل، ياسر عرفات. فى ذلك العام نفسه، أصدرت محكمة أردنية حكما غيابيّا بإعدامه بتهمة تدريب مجموعة من أتباع أسامة بن لادن الذين كانوا يخططون لتفجير عدد من الأهداف الإسرائيلية والأمريكية فى الأردن. وبعد خمس سنوات، عام 2005، أُعلن هذا التنظيم تنظيما إرهابيّا من قبل الإسرائيليين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وكندا واليابان.

كيف التقى صاحب الفكر اليسارى المتشدد صاحب الفكر اليمينى المتشدد؟ هناك ما يثير مزيدا من الدهشة التى تفتح مجالا أرحب للفهم. شريد هو الآن فى مجتمع مغلق على نفسه، لا يغادر حدود المخيم لأسباب واضحة، ومن ناحيتها لا تستطيع السلطات اللبنانية اقتحام حدوده. لديه حرية الحركة فى أزقة المخيم، وهى تكفيه؛ فعلى مدى سنوات طويلة يستمر فى الإشراف على دورات تدريبة عسكرية مر من خلالها عدد ضخم من الشباب، من داخل المخيم ومن خارجه، حتى هولا يستطيع إحصاءه. يبدو هو الآن لمن يلتقى به وقد اكتسى وجهه بكثير من التجاعيد وانحنى ظهره قليلا، لكنه فى انضباطه وحزمه واتقاد ذهنه لا يزال يبدو وكأنه فى منتصف العمر.

لكن الاختلاف الأكثر وضوحا، الأكثر إثارة للدهشة لأول وهلة، هوفى ميله الواضح الآن إلى أفكار كتلك التى يحملها أسامة بن لادن، ومن أبرزها انعدام الحدود بين أراضى الإسلام. بعد عمر طويل، بلغ كُفر خريج مدرسة فتح بالأنظمة العربية فى مواجهة الإسرائيليين حدّا صار معه لا يؤمن الآن بالحدود. يتباهى أمامى بأن «كثيرا من المتطوعين للجهاد فى العراق خرجوا من مخيمات فلسطينية. معظمهم يأتى من دول أوروبية، أو أنهم على الأقل يحملون جوازات سفر أوروبية. يذهبون إلى هناك من أجل المقاومة، وهذا حق طبيعى مثلما يأمرنا نبينا محمد، صلوات الله عليه وسلامه، بأنه إذا احتُل شبر من أرض المسلمين وجب القتال على كل مسلم.. يصبح الجهاد فرض عين».






اقرأ أيضًا..

فى طريق الأذى.. كتاب جديد يجيب عن السؤال: كيف باع أمير قطر يسرى فودة للأمريكان؟ (1-5)

كتاب يسرى فودة «فى طريق الأذى».. أسرار 48 ساعة مع قائدى «غزوة مانهاتن» (2-5)

يسرى فودة فى كتابه «طريق الأذى»: رئيس قناة الجزيرة اختطفنى من «أجواء لندن» بعد وصول الشريط الثانى من القاعدة (3-5)

يسرى فودة فى كتابه «طريق الأذى» يروى تفاصيل مغامرة اختراق الحدود العراقية السورية مع عصابات تهريب المجاهدين إلى الجماعات المسلحة (4-5)






اخبار متعلقة

يسرى فودة فى كتابه «طريق الأذى» يروى تفاصيل مغامرة اختراق الحدود العراقية السورية مع عصابات تهريب المجاهدين إلى الجماعات المسلحة (4-5)
يسرى فودة فى كتابه «طريق الأذى»: رئيس قناة الجزيرة اختطفنى من «أجواء لندن» بعد وصول الشريط الثانى من القاعدة (3-5)
كتاب يسرى فودة «فى طريق الأذى».. أسرار 48 ساعة مع قائدى «غزوة مانهاتن» (2-5)







http://www.shorouknews.com/news/view...6-613c8c230804
__________________
الحمد لله
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-01-2015, 11:47 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

خالص شكرى وتقديرى لحضرتك على هذا الموضوع



جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-01-2015, 02:03 AM
أ/رضا عطيه أ/رضا عطيه غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 37,683
معدل تقييم المستوى: 53
أ/رضا عطيه is just really nice
افتراضي

جزاكم الله خيرا على المرور الكريم
__________________
الحمد لله
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-01-2015, 12:57 AM
الفيلسوف الفيلسوف غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 7,669
معدل تقييم المستوى: 24
الفيلسوف will become famous soon enough
افتراضي

شكرا على الموضوع
__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16-01-2015, 07:43 AM
أ/رضا عطيه أ/رضا عطيه غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 37,683
معدل تقييم المستوى: 53
أ/رضا عطيه is just really nice
افتراضي

ربنا يحمى أوطاننا من الفكر المتطرف والمتاجرين به كسلعة إعلامية

كنا نظن دخلهم من البترول وفقط -- ولكن اتضح أن دخلهم من مأرب أخرى ضد الإنسانية










الأستاذ (الفيلسوف )

جزاكم الله خيرا على المرور الكريم
__________________
الحمد لله
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16-01-2015, 07:50 AM
أ/رضا عطيه أ/رضا عطيه غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 37,683
معدل تقييم المستوى: 53
أ/رضا عطيه is just really nice
افتراضي

فى طريق الأذى.. كتاب جديد يجيب عن السؤال: كيف باع أمير قطر يسرى فودة للأمريكان؟ (1ــ5)





• حمد يطلب دفع مليون دولار للحصول على «الشرائط».. ومدير «سى أى إيه»: أمير قطر أعطانا هدية مذهلة

• بن خليفة يقطع إجازته للقاء فودة فى «مطعم متواضع» فى لندن للسؤال عن تسجيلات قادة القاعدة

• مكالمة من مجهول تنتهى بلقاء مع خالد شيخ محمد ورمزى بن الشيبة فى «بيت آمن» فى ضواحى كراتشى

• خالد شيخ محمد: نحن إرهابيون.. هكذا نكسب عيشنا.. ونحن من فعلها






«صباح الرابع عشر من يونيو عام 2002، كانت قناة الجزيرة على موعد مع أكبر خبطة صحفية فى تاريخها عندما دخل فودة إلى مبناها فى الدوحة محملا بمفكرته وأسراره التى بدأ يكشف عنها. لم تكن شرائط لقائه بزعماء القاعدة قد وصلت بعد، لكنه كان قد بدأ يشعر بأن الوقت قد حان كى يُطلع رؤساءه فى العمل على الأمر».

المقدمة السابقة للصحفى والكاتب الأمريكى الكبير، رون ساسكيند، المقرب من الدوائر السياسية والأمنية فى واشنطن، استهل بها الإعلامى يسرى فودة كتابه (فى طريق الأذى.. معاقل القاعدة إلى حواضن داعش)، الصادر عن دار الشروق، واصفا حالة الدهشة التى أتابته وهو يلتهم سطور كتاب، «مبدأ الواحد فى المائة»، مطلعا على معلومات استقاها ساسكيند ـــ كما يقول ــ من مصادر المخابرات الأمريكية، ليرسم صورة دقيقة مثيرة لمنظور مهم لمشهد يخص فودة، كان من وجهة نظره «مشهد من أهم المشاهد فى حياتى».

والقصة التى يتحدث عنها الكاتب الأمريكى، هى تلك التى مر بها فودة فى أحد المنازل الآمنة وفى جعبته «اعترافات رئيس اللجنة العسكرية لتنظيم القاعدة، خالد شيخ محمد، والمنسق العام لعملية 11 سبتمبر، رمزى بن الشيبة». ليخرج علينا فودة بعد مضى نحو ثلاثة عشر عاما على تلك الأحداث بكتاب ــ صدر حديثا عن دار الشروق ــ يروى من خلاله تفاصيل اللقاء مع العقول المدبرة لهجمات سبتمبر، ويضيف إليه تجربة فريدة أخرى «اكثر خطورة»، عندما عبر الحدود من سوريا إلى العراق مع مهربين فى أعقاب الغزو الأمريكى.

50 مليون دولار

وفى مستهل روايته لما يجرى يتساءل فودة: «ماذا تفعل لو كنت مكانى؟ خارجا للتو من أحد المنازل الآمنة لتنظيم القاعدة فى مدينة كراتشى الباكستانية وفى جعبتى اعترافات خالد شيخ محمد، ورمزى بن الشيبة.. الأمريكان فى كل مكان فى أفغانستان وفى باكستان. القاعدة مشردة كما لم تتشرد من قبل. أحد فى قناة الجزيرة ولا فى غيرها يعلم أين أنا ولا من قابلت. أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى تحت الأرض، والعالم كله فى حالة مخاض. ثم فجأة.. فى جعبتى، أنا العبد الفقير إلى الله، معلومات تساوى 50 مليون دولار».

وقبل أن يروى فودة تفاصيل رحلته ينقل عن ساسكيند جانبا ظل خفيا حتى العام 2006: «الأمر استغرق أكثر من أربع سنوات قبل أن تتاح لى معرفة ما حدث من ورائى.. دخل جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (سى آى إيه) آنئذ، دخل فى ذلك اليوم، الرابع عشر من يونيو 2006، إلى اجتماع الخامسة مساء وهو يكاد ينفجر. أصر وهو يتخذ موضعه على طاولة الاجتماعات على تغيير جدول الأعمال وعلى أن يبدأ هو الحديث: «كما تعلمون، كانت لدينا خلافاتنا مع صديقى الأمير (يقصد أمير قطر آنئذ، الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى).. ولكنه اليوم أعطانا هدية مذهلة.. ويعرض تينيت التفاصيل التى بلغته من الأمير فيما يخص لقائى بالمسئولين عن قناة الجزيرة، وهو مستمتع فخور بما لديه».

ويضيف فودة: «نوقشت الشروط أثناء الاتصال الذى جمع تينيت بالأمير فيما يخص الكيفية التى ستتعامل بها وكالة الاستخبارات المركزية مع المعلومات.. لا أحد على الإطلاق  ــ ولا حتى داخل إدارة الجزيرة ــ كان على علم بأن الأمير أقام ذلك الاتصال الهاتفى».

لقاء غامض

ولا يضيع الكاتب وقتا للإثارة، فيحكى تفاصيل ذلك اللقاء المثير قبل سرد تفاصيل رحلته فى كراتشى: «بينما كان يقضى عطلته الصيفية المعتادة فى لندن، اتصل بى رئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثانى، كى يدعونى إلى عشاء فى وسط العاصمة البريطانية، ولم يكن ذلك خارج المألوف مما جمعنا من علاقة مهنية إنسانية وديَّة».

لكنّ الذى كان خارج المألوف أنه، لدى وصولى إلى ذلك المطعم الإيطالى المتواضع المتخصص فى وجبات البيتزا فى شارع جيمس (قرب شارع أو كسفورد)، لمحته قبل هبوطى من السيارة واقفا بنفسه فى انتظارى على باب المطعم. اصطحبنى مرحبا إلى ركن عميق منزوٍ من المطعم كى أفاجأ بطاولة يجلس إليها رجل ممتلئ البدن، كثيف الشعر، أملسه، أسوده إلى حد النصوع، يرتدى بدلة «اسبور» من الجينز الأزرق، وينهمك فى تناول حساء المينيسترونى الإيطالى المعروف. استغرقنى الأمر ثوانى عدة وسط ابتساماتهما قبل أن أدرك أننى أمام أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى (..) بعد ترحيب حار دعانى إلى الجلوس وقال إنه اضطر لقطع إجازته كى يرانى ويشد على يدى بعد ذلك السبق الصحفى. لم يضيّع وقتا كثيرا قبل الدخول إلى صلب الموضوع. «وين الشرايط يا ريّال؟»، شرحت له ملابسات ما حدث وأن وسطاء دخلوا على الخط ويحاولون الآن أن يساومونا للحصول على «تبرع» قبل توصيلها.

- «انزين.. أديش يعنى؟».

= عايزين مليون دولار.

- «ونت إيش رأيك؟».

= طبعا لأ يعنى، قولًا واحدا.

نظر الأمير إليّ فى تلك اللحظة كأنه ينظر إلى ساذج غر.

= «مش أفضل ندفعلهم وناخد شرايطنا؟».

بدأ إحساس بعدم الارتياح يتسرب إليَّ (..) كان كل ما يهمه الوصول إلى الشرائط مهما كلف الأمر، وكان إلحاحه لافتا للنظر. بوصولنا إلى هذه الفجوة، نظرت أنا بدورى إلى رئيس مجلس الإدارة ممازحا: «أومال ليه بقى عمّالين تقولولى ما عندناش ميزانيات ما عندناش ميزانيات؟» لم أكن على علم وقتها بما أورده ساسكيند فى كتابه بعد ذلك بأربع سنوات، ومرة أخرى لا أدرى إن كان لما أورده أى علاقة بما دار فى ذلك المطعم الإيطالى. لكنّ موقفى حينها هو موقفى فى كل حين هو موقفى الآن».

ويتساءل فودة فى موضع آخر من مقدمة كتابه: «ما الذى إذا يمكن أن يكون الأمير قد نقله إلى تينيت فانتشى به هذا إلى ذلك الحد؟ بل إلى حد أن يقول رون ساسكيند فى كتابه إنه «لدى تلك النقطة، كان لدى صحفى فى قناة الجزيرة معلومات أثمن مما كان لدى أعظم دولة فى العالم بكل قواها مجتمعة وبكل حلفائها».


فاعل خير

فى الجزء الأول من كتابه، والذى يحمل عنوان «الطريق إلى القاعدة»، يروى فودة ملابسات تلك الدعوة الغامضة التى تلقاها «ذات صباح، فى الأسبوع الأول من شهر أبريل 2002»: «دق هاتفى المحمول بينما كنت أهم بالدخول إلى مكتبى الجديد (..) على الخط كان صوت لم أتعرف عليه. «السلام عليكم يا أخ يسرى. أنا فاعل خير». أتى صوت عطوف بلسان عربى فصيح عبر خط رديء: «نرجو أن يكون قد خطر ببالك أن تعد برنامجا خاصا للذكرى الأولى». لم يشرح أى ذكرى يقصد، لكنه مضى سريعا، «إن كان الأمر كذلك فإن فى استطاعتنا أن نمدك بشيء خاص، سرى للغاية». لم يمض أكثر من عشرين ثانية تقريبا قبل أن يطلب «فاعل الخير»، الذى قررت بعد ذلك، تسهيلا للأمور، أن أسميه «أبوبكر»، رقم جهاز الفاكس الخاص واستأذن فى قطع الاتصال.. اضطررت إلى الانتظار أربعة أيام قبل أن يلفظ جهاز الفاكس رسالة مطبوعة من ثلاث صفحات».

وفى المساء يتلقى فودة مكالمة جديدة من «ابو بكر»: «ما رأيك فى الحضور إلى إسلام آباد (..) سنتأكد من الترتيبات ومن أنه لن يصيبك  ــ  إن شاء الله ــ مكروه ومن أنك ستعود بما تريد».. ويسافر فودة إلى باكستان بالفعل، وبعدما يستقر فى غرفة الفندق ومضى على وصوله نحو اثنتى عشرة ساعة.

: «دق الهاتف. اختطفته فإذا صوت أبو بكر واضحا جليّا هذه المرة. «حمد الله على السلامة». لم ينتظر ردّا، بل استطرد قائلا: «خذ طائرة المساء المتوجهة إلى كراتشى غدا». كان هذا كل ما فى الأمر، وعندها فقط بدأت أسمح لنفسى بتصديق احتمال أن «خبطة» صحفية قد تكون فعلا فى انتظارى. يعلمون إذا أننى الآن فى باكستان، وأننى قد التزمت بما يخصنى فى أول اتفاق، وأننى من الآن فصاعدا أضع نفسى راضيا بين أيديهم».

فى كراتشى

وفى اليوم التالى، وبعدما يصل فودة إلى كراتشى، وقبل دقائق من وصوله إلى فندق ماريوت «دق الهاتف. كانت لدى أبو بكر تعليمات جديدة: «اطلب من السائق أن يغير مساره إلى فندق ريجينت بلازا «Regent Plaza». كان الماريوت أقرب مما ينبغى إلى القنصلية الأمريكية فى كراتشى وكان يرتاده كثير من الدبلوماسيين وأعضاء البعثات الأجنبية، مثلما شرح أبو بكر فيما بعد. بالمصادفة البحتة ــ أو بغيرها».

بعد حوالى نصف الساعة كانت الغرفة رقم 322 مسرحا لأول لقاء لى بأحد أعضاء تنظيم القاعدة (..) لم ينتظر الرجل دعوة وإنما اندفع مباشرة داخل الغرفة وهو يغلق الباب فى الوقت نفسه.

كلمة سر

وفى اليوم التالى «لم أكن فى انتظار اتصال آخر من أبو بكر. لم يكن عليَّ الآن سوى الانتظار حتى الخامسة مساء قبل أن أبدأ فى تنفيذ التعليمات التى أخبرنى الرجل بها قبل مغادرته ليلة أمس».

فى الوقت المحدد تماما خرجت بهدوء من الباب الخلفى للفندق إلى شارع جانبى وأشرت بيدى طالبا سيارة أجرة. كانت تعليمات أبو بكر أن أتجنب السيارات المنتظرة أمام الفندق أو بالقرب منه.. توقفت سيارة كانت مسرعة فطلبت من سائقها أن يأخذنى إلى عنوان بناية بعينها. عندما وصلت إليها صعدت إلى طابقها الثانى وانتظرت على السلم. مرت خمس دقائق ثقيلة قبل أن يصعد إليَّ رجل كثيف اللحية باكستانى الملامح.. قال لى بالإنجليزية: «لقد انتهيت لتوى من توصيل حماتى إلى منزلها، ونستطيع الآن الذهاب!» كانت هذه شفرة اتفق عليها معى أبو بكر.

قادنى صاحب اللحية فى سيارته إلى ميدان مزدحم حيث توقف فجأة لشراء عصير مانجو. استغرب الصحفى داخلى وقد التزم الصمت تماما حتى تلك اللحظة قبل أن أسأل بلهجة متأدبة: «هل تعتقد أن لدينا وقتا لهذا؟» لكن الرجل رد هو الآخر بلهجة أكثر تأدبا: «لا يتعلق الأمر بما إذا كان لدينا وقت. هذه هى التعليمات وحسب يا أخى».

رحلة فى الـ«ريكشا»

كانت التعليمات أن أبقى داخل السيارة التى غرقت فى حرارة كراتشى فى مثل ذلك الوقت من العام. بينما أخذت أرشف عصير المانجو غادرنى صاحب اللحية ثلاث مرات متجها كل مرة نحو صندوق مختلف للهواتف العامة(..) أخيرا، عاد صاحب اللحية من أحد صناديق الهواتف بتعليمات جديدة. المرحلة التالية مما لا بد أنه رحلة «تتويه» ستكون على متن ما يسميه الباكستانيون «ريكشا» (تشبه التوك توك) إلى مكان لا بد من أن يبقى سرّا.. قادنى السائق عبر شوارع وأزقة ملتوية خافتة الأضواء فى رحلة غير مريحة وصل فى أحد منحنياتها إلى طريق مسدود».

وصلت الريكشا فنزلت منها سريعا دون حتى أن أودع صاحب اللحية. «لاهور؟!»، هتف به سائق سيارة صغيرة كانت تنتظر قرب المكان الذى توقفت لديه. كانت تلك كلمة السر التى همس بها فى أذنى صاحب اللحية عندما عاد من صندوق الهاتف العام. دلفت داخل السيارة فانطلق سائقها مسرعا. كان شابّا صغير السن ذا وجه عربى أليف وعينين يشع منهما الذكاء يرتدى قميصا وبنطالا عاديين. قدّم نفسه بلهجة فلسطينية: «أهلا بالأستاذ. أخوك حسن». مد يده مصافحا بحرارة وهو يقود سيارته بسرعة فائقة إلى خارج كراتشى.

فى طريق مظلم منعزل، على بعد حوالى عشرة كيلومترات خارج كراتشى، توقف حسن بالسيارة فجأة إلى جانب سيارة بدت بغطاء محركها المفتوح كأنها معطوبة. خرج منها رجل آخر يرتدى زيّا باكستانيّا قام بعد قليل بمساعدة حسن فى وضع عصابة على عينى. كانت العصابة من نوع طريف: كرتان صغيرتان من القطن الكثيف لُصقت كل منهما على إحدى العينين ثم طُلب منى أن أضع فوقهما نظارة شمسية. كانت الفكرة بسيطة ذكية لولا أن أحدا كان يمكن أن يلاحظ التناقض فى ارتداء نظارة شمسية فى عز الليل. لكن الرحلة الحقيقية كانت على أى حال قد بدأت لدى تلك النقطة.

آخر المشوار

بعد مسار طويل مليء بالمنحنيات والمطبات توقفت السيارة. فتح الرجل بابه من الداخل ثم فتح بابى من الخارج هامسا بلغة عربية بلهجة آسيوية: «هل يمكن أن تساعدنى فى حمل هذا الصندوق؟» أحسست، بينما هممت بالخروج من السيارة، بطرف صندوق ورقى متوسط الحجم يسقط بين يدى فاستجمعت قوتى فى ذراعى لاستقباله. لكن الدهشة عقدت لسانى عندما لم أشعر بأى وزن يُذكر. كان الصندوق الورقى فارغا. لم يكن ثمة شيء يستدعى المساعدة على الإطلاق، لكننى استجبت للطلب دون أسئلة. فجأة، بينما قاد الرجل الطريق ممسكا بالطرف الآخر للصندوق، أدركت عبقرية هؤلاء الناس: كانت تلك حيلة فى غاية الذكاء كى تقود رجلا معصوب العينين فى الاتجاه الذى تريده دون أن تلفت الأنظار.

بعد حوالى خمس عشر خطوات بدأ سلم طويل فيما استنتجت من صدى الصوت ودرجة الحرارة أننى الآن داخل بناية مدنية. خزنت فى ذاكرتى إحساسا بصعود أربعة طوابق قبل أن ينجذب الصندوق من يدى وأسمع صوت جرس داخلى يدق بطريقة متقطعة. لا بد أن تلك هى اللحظة التى كنت أنتظرها من شهور.

وجها لوجه

فُتح الباب وشعرت بيدين تجذباننى إلى الداخل بسرعة قبل أن ينغلق الباب ورائى وتمتد اليدان كى ترفع الغمامة عن عينى. «كل شيء على ما يرام الآن. يمكنك أن تفتح عينيك». تائها للوهلة الأولى وأنا أشعر بلمسات الطمأنة بدأت تدريجيّا أميز أمامى خيالا يميل إلى القصر ممتلئا ذا لحية متوسطة الطول تميل ملامحه إلى العربية. تسارعت اللحظات الأولى لحظة بعد لحظة تترك إحساسا قابضا لديَّ بأننى رأيت ذلك الوجه من قبل. ثم فجأة نزل إدراكى عليَّ كالصاعقة. إنه هو. إنه هو بشحمه ولحمه. إنه خالد شيخ محمد، المولود فى الكويت قبل ذلك بثمانية وثلاثين عاما، يقف أمامى مباشرة على بعد نصف متر. كيف يمكن أن أنسى ذلك الوجه الذى «درست» صورته على موقع مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI؟ حتى قبل أحداث الحادى عشر من سبتمبر، كان الأمريكيون قد رصدوا خمسة ملايين دولار فى مقابل رأسه لتورطه المزعوم فى انفجار مركز التجارة العالمى عام 1993 الذى بسببه يقضى ابن أخته، رمزى يوسف، عقوبة بالسجن مدى الحياة فى أحد سجون أمريكا.

أنا الآن بين يديه، أم أنه هو الآن بين يديّ؟

ابتلعت وقع المفاجأة بينما اقتادنى خالد شيخ محمد عبر شقة بدت خاوية على عروشها (..) كانت مفاجأة أخرى فى انتظارى. على إحدى المقعدين كان يجلس مطمئنّا، محاطا بثلاثة أجهزة كمبيوتر متنقلة وخمسة هواتف محمولة، رمزى بن الشيبة، المولود فى اليمن قبل ذلك بثلاثين عاما، الذى يتهمه الأمريكيون بالضلوع فى تفجير المدمرة (يو إس إس كول) USS Cole عام 2000، ويضعه الألمان على رأس قائمة المطلوبين بعد الحادى عشر من سبتمبر.

«عرفتَنا الآن؟!» ألقى خالد بالسؤال مازحا فيما نهض رمزى ومد يمينه مصافحا إياى بحرارة. التفتتُ إلى خالد وفاجأت نفسى بجواب ظننت لأول وهلة أنه سابق لأوانه، بينما اتخذت مكانى على الأرض بين الرجلين: «يقولون إنكم إرهابيون!».

هادئا، وديعا، مستريح القسمات، رد رمزى بابتسامة متواضعة مرحّبة، لكنّ خالد هو الذى فتح فمه: «طبعا، نحن إرهابيون. هكذا نكسب عيشنا». قطعتْ سعلة مصطنعة من رمزى لحظة صمت مبكرة. «لو كان الإرهاب أن تلقى الرعب فى قلوب أعدائك وأعداء الله، فإننا نحمده ــ عز وجل ــ على أن جعل منا إرهابيين»، تدخّل رمزى بهدوء وهو يهم بالتوجه إلى المطبخ لإعداد الشاى، «إنه أمر مذكور فى القرآن، يا أخ يسري».

استغل خالد الفرصة كى يحدد لى قواعد المقابلة وشروطها.. «ليس لك أن تخوض فى طرق اتصالاتنا، ولا لك أن تذكر أسماءنا الحركية»، بدأ خالد حازما ثم استطرد أمامى وأنا أهز رأسى موافقا، «عندما (لا إذا) يسألونك كيف تبدو هيئتنا الآن ستقول لهم إننا نشبه تماما تلك الصور التى سيعرضونها أمامك». بعد ذلك طلب خالد منى أن أضع كفى اليمنى على مصحف وأن أقسم بالله العظيم أن ألتزم بهذه الشروط.

الصاعقة

حاسما، حازما، جريئا، وسريع البديهة. هكذا كان خالد منذ اللحظة الأولى. عندما أخرجت هاتفى المحمول اختطفه خالد مسرعا وأغلقه ثم استخرج من باطنه البطاقة الذكية والبطارية وألقى بهذه المكونات جميعا منعزلة فى أحد أركان الحجرة.

مرت ساعة كانت كافية لابتلاع صدمة المفاجأة، بدأت بعدها اكتسب إحساسا بالطمأنينة فيما بدأ الرجلان يكتسبان إحساسا بالثقة.. استجمعت كل ما أملك من خبرة ولياقة وثقة، ونظرت إلى خالد فى عينيه نظرة ثاقبة: «أنت الذى قام بتدبيرها!» لكنّ رمشا فى عينيه لم يتحرك. «لا تصوير اليوم»، رد حازما، «ولا تقلق بشأن الكاميرا والمصور. سنوفر لك كل ما تحتاجه غدا». ثم أضاف رمزى ما تبقى من ترتيبات: «بعد الانتهاء، ستخرج من هنا مباشرة إلى الطائرة».

لكنّ خالد لم يكن ليأذن لى بالنوم قبل أن يفجر مفاجأة أخرى نزلت عليَّ نزول الصاعقة: «أنا رئيس اللجنة العسكرية لتنظيم القاعدة، ورمزى هو منسق عملية الثلاثاء المبارك، ونعم، نحن الذى فعلها».المكالمة«نوقشت الشروط أثناء الاتصال الذى جمع تينيت بالأمير فيما يخص الكيفية التى ستتعامل بها وكالة الاستخبارات المركزية مع المعلومات.. لا أحد على الإطلاق  ــ ولا حتى داخل إدارة الجزيرة ــ كان على علم بأن الأمير أجرى ذلك الاتصال الهاتفى».



اقرأ أيضًا:

كتاب يسرى فودة «فى طريق الأذى».. أسرار 48 ساعة مع قائدى «غزوة مانهاتن» (2-5)

يسرى فودة فى كتابه «طريق الأذى»: رئيس قناة الجزيرة اختطفنى من «أجواء لندن» بعد وصول الشريط الثانى من القاعدة (3-5)

يسرى فودة فى كتابه «طريق الأذى»: يروى تفاصيل مغامرة اختراق الحدود العراقية السورية مع عصابات تهريب المجاهدين إلى الجماعات المسلحة (4-5)



http://www.shorouknews.com/news/view...3-3b29345d0785
__________________
الحمد لله
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:37 PM.