اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم (مكتوب و مسموع و مرئي)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-06-2014, 10:13 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ


تفسير القرآن الحكيم

تفسير قول الله تعالى

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6]


قول الله جل ثناؤه ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 6، 7].

قال الراغب في مفرداته: الكفر في اللغة: ستر الشيء، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، والزارع لستره البذر في الأرض. وكفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها. قال تعالى ﴿ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾.

وأعظم الكفر جحود الوحدانية، أو النبوة؛ أو الشريعة، والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا، والكفر في الدين أكثر، والكفور فيهما جميعا.

والكافر على الإطلاق متعارف يمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها. وقد يقال "كفر" لمن أخل بالشريعة، وترك ما لزمه من شكر الله عليه اهـ بتصرف.

وقال في لسان العرب: وقال بعض أهل العلم: الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به. وكفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق، من لقي ربه بشيء من ذلك لم يغفر له؛ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

فأما كفر الإنكار: فهو أن يكفر بقلبه ولسانه، ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد وكذلك روى في قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ أي الذين كفروا بتوحيد الله. وأما كفر الجحود فأن يعرف بقلبه ولا يقر بلسانه، فهو كافر جاحد؛ ككفر إبليس، وكفر أمية بن أبي الصلت. ومنه قوله تعالى ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ﴾ يعني كفر الجحود. وأما كفر المعاندة فهو أن يعرف الله بقلبه. يقر بلسانه؛ ولا يدين به حسداً وبغياً ككفر أبي جهل وأضرابه. وفي التهذيب: يعرف بقلبه ويقر بلسانه، ويأبى أن يقبل، كأبي طالب حيث يقول:
ولقد علمت بأن دين محمد
من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة، أو حذار مسبة
لوجدتني سمحاً بذاك مبينا


وأما كفر النفاق: فأن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه. وكتب عبد الملك بن مروان إلى سعيد بن جبير يسأله عن الكفر. قال: «الكفر على وجوه؛ فكفر هو شرك يتخذ مع الله إلها آخر، وكفر بكتاب الله ورسوله، وكفر بادعاء ولد، وكفر مدعي الإسلام، وهو أن يعمل أعمالا بغير ما أنزل الله، ويسعى في الأرض فساداً؛ وي*** نفساً محرمة بغير حق؛ ثم نحو ذلك من الأعمال كفران: أحدهما كفر نعمة الله، والآخر التكذيب بالله» وأصل الكفر: تغطية الشيء تغطية تستهلكه.

قال الليث: إنما سمي الكافر كافراً لأن الكفر غطى قلبه كله. قال الأزهري: وفيه قول أحسن مما ذهب إليه، وذلك أن الكافر لما دعاه الله إلى توحيده، فقد دعاءه إلى نعمة؛ وأحبها له إذا أجابه إلى ما دعاه إليه، فلما أبى ما دعاه إليه من توحيده كان كافراً نعمة الله، أي مغطيًا لها بإبائه، حاجبًا لها عنه. قال: وكل من ستر شيئاً فقد كفره وكفره ا هـ.

وقال الإمام العلامة المحقق ابن القيم رحمه الله في طبقات المكلفين: الطبقة السادسة عشرة: رؤساء الكفر ودعاته؛ الذين كفروا وصدوا عباد الله عن الإيمان وعن الدخول في دينه رغبة ورهبة فهؤلاء عذابهم مضاعف. ولهم عذابان: عذاب بالتكفل، وعذاب بصد الناس عن الدخول في الإيمان. قال تعالى ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ ﴾ فأحد العذابين بكفرهم، والعذاب الآخر بصدهم عن سبيل الله وقد استقرت حكمة الله وعدله: أن يجعل على الداعي إلى الضلالة مثل آثام من اتبعه واستجاب له، ولا ريب أن عذاب هذا يتزايد ويتضاعف بحسب من اتبعه وضل به وهذا النوع في الأشقياء مقابل دعاة الهدى في السعداء. فأولئك يتضاعف ثوابهم وتعلو درجاتهم بحسب من اتبعهم واهتدى بهم وهؤلاء على عكسهم.

ولهذا كان فرعون وقومه في أشد العذاب، قال تعالى في حقهم ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ وهذا تنبيه على أن فرعون نفسه في الأشد من ذلك ولأنهم إنما دخلوا أشد العذاب تبعاً له، فإنه هو الذي استخفهم فأطاعوه وغرهم فاتبعوه ولهذا يكون يوم القيامة إمامهم وفرطهم في هذا الورد قال تعالى ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴾ والمقصود بأنهم استحقوا أشد العذاب لغلظ كفرهم؛ وصدهم عن سبيل الله وعقوبتهم من آمن بالله فليس عذاب الرؤساء في النار كعذاب أتباعهم. ولهذا كان في كتب النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل «فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين» والصحيح أنهم الأتباع ولهذا كان عدوا لله إبليس أشد أهل النار عذابا، وهو أول من يكسى حلة من النار؛ لأنه إمام كل كفر وشرك أو شر، فما عصي الله إلا على يديه وبسببه، ثم الأمثل فالأمثل من نوابه في الأرض ودعاته، ولا ريب أن الكفر يتفاوت، فكفر أغلظ من كفر، كما أن الإيمان يتفاوت، فإيمان أفضل من إيمان بل هم درجات عند الله فكذلك الكفار ليسوا في طبقة واحدة ودرك واحد، بل النار دركات كما أن الجنة درجات، ولا يظلم الله من خلقه أحداً، وهو الغني الحميد.

وغلظ الكفر الموجب لغلظ العذاب يكون من ثلاثة أوجه.
أحدها: من حيث العقيدة الكافرة في نفسها. كمن جحد رب العالمين بالكلية. وعطل العالم عن الرب الخالق المدبر له، فلم يؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، ولهذا لا يقر أرباب هذا الكفر على الجزية عند كثير من العلماء ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم اتفاقا؛ لتغلظ كفرهم، وهؤلاء هم المعطلة والدهرية وكثير من الفلاسفة وأهل الوحدة القائلين بأنه لا وجود للرب سبحانه غير وجود هذا العالم.

الجهة الثانية: تغلظه بالعناد والضلال عمداً على بصيرة، ككفر من شهد قلبه أن الرسول حق، لما رآه من آيات صدقه، وكفر عناداً وبغياً، كقوم ثمود وقوم فرعون واليهود الذين عرفوا الرسول صلى الله عليه وسلم كما عرفوا أبناءهم، وكفر أبي جهل، وأمية بن أبي الصلت، وأمثال هؤلاء في كل زمن.

الجهة الثالثة: السعي في إطفاء نور الله، وصد عباده عن دينه بما تصل إليه قدرتهم. فهؤلاء أشد الكفار عذابا بحسب تغلظ كفرهم، ومنهم من يجتمع في حقه الجهات الثلاثة ومنهم من يكون فيه جهتان منها أو واحدة.

فليس عذاب هؤلاء كعذاب من هم دونهم في الكفر، ممن هو ملبوس عليه لجهله؛ والمؤمنون من أذاه في سلامة لا ينالهم منه أذى. ولم يتغلظ كفره كتغلظ كفر هؤلاء. بل هو مقر بالله ووحدانيته وملائكته و*** الكتب والرسل واليوم الآخر، وإن شارك أولئك في كفرهم بالرسول، فقد زادوا عليه أنواعا من الكفر؛ وهل يستوي في النار عذاب أبي طالب وعذاب أبي لهب وأبي جهل وعقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف وأضرابهم؟ ثم قال:
الطبقة السابعة عشرة: طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً لهم، يقولون ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ﴾ وإنا على أسوة منهم، ومع هذا فهم متاركون لأهل الإسلام، غير محاربين لم، كنساء المحاربين وخدمهم وأتباعهم الذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصب له أولئك أنفسهم من السعي في إطفاء نور الله وهدم دينه وإخماد كلماته، بل هم بمنزلة الدواب. وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم، إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغهم الدعوة؛ وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم؛ وإنما يعرف من بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام.

وقد قال صلى الله عليه وسلم «إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة» وهذا المقلد ليس بمسلم وهو عاقل مكلف، والعاقل المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر. أما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف في تلك الحال؛ وهو بمنزلة الأطفال والمجانين.

والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله ورسله واتباع ما جاء به، فمن لم يأت بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل، فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفار فإن الكافر من جحد توحيد الله - أي توحيد الإلهية فدعا غيره ونذر لغيره واتخذ من دونه أولياء من عباده الموتى الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشوراً، وإن أقر مع هذا بتوحيد الربوبية وأن الله هو الخالق وحده والضار النّافع وحده والمالك لكل شيء وحده، وأن أولئك المدعوين من الأولياء إنما يتخذهم شفعاء عند الله ويدعوهم وينذر لهم ويطوف حول قبورهم ويتمسح بأركانها ليقربوه إلى الله زلفى - وكذب رسوله إما عناداً أو جهلا وتقليدا لأهل العناد. فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد.

وقد أخبر الله في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار وان الأتباع مع متبوعيهم، وأنهم يتحاجون في النار، وأن الأتباع يقولون ﴿ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ وقال ﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾ [غافر: 47، 48]..

ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض فتأمل هذا الموضع؛ والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله اهـ ما أردناه من كلام العلامة المحقق ابن القيم رحمه الله.

إذا قرأنا آيات الإيمان وصفات المؤمنين وأعمالهم، وأمعنا التأمل فيها اتضح لنا الإيمان والمؤمنون، وعرفنا ما هو الكفر، ومن هم الكافرون. وبضدها تتميز الأشياء.

ففي الآيات السابقة وصف الله المؤمنين بأنهم المتقون الذين يهتدون بالقرآن ويؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بما أنزل الله على كل الأنبياء، خصوصا ما أنزل على خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، ويقنون بلقاء الله وحسابه وعقابه في الدار الآخرة، وأنه لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما، وأن جزاءهم على ذلك الهداية والتوفيق والتسديد في الدنيا؛ ليحيوا فيها الحياة الطيبة؛ والفلاح والفوز بنعيم الآخرة المقيم، وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً. فالكافرون على نقيض هذه الصفات والأعمال: إعراض عن ذكر الله ما فيه من هداية ونور، وتكذيب بالغيب، وإضاعة للصلاة استكبارا عن السجود لله، وتعالياً عن عبادته والخضوع لجبروته وعظمته، وغمضا لنعمته، وتعامياً عن فضله ومنته؛ وظن السوء به جل شأنه أنه بخيل لا يخلف على المتصدق؛ ولا يكافئ على الإحسان، ويضيع أجر المحسنين، أو فقير ليس عنده ما يكافئ ويجزى به، وإغراق للشهوات وملاذ الحياة الدنيا مهما تطلبت من تضحية مال ونفس، وإهمال ومجانبة لما أنزل الله من علم ودين لتقويم المعوج وإصلاح الفاسد، على حين أنهم يطلبون صلاح أنفسهم ودنياهم من غير ما أنزل؛ وفي غير هدى الله، لأنهم لا يرون فيه مبتغاهم من الخير، ومرتجاهم من الصلاح، وزينت لهم شياطينهم عادات وتقاليد، ونظما وعلوما، ونظريات وقوانين، توهموا أن بها صلاحهم، وأن فيها علاجهم وشفاءهم، فضلوا أبعد الضلال؛ وشقوا أعظم الشقاء، وجنوا منها عيشه ضنكا، وسيحشرون يوم القيامة عمياً وبكما وصما، مأواهم جهنم وساءت مصيرا فالكفر على الحقيقة غمط الحق واحتقاره؛ وحسده والبغي عليه. فإن أول من وسمه الله بسمة الكفر هو إبليس لعنه الله. وإنما كان كفر هذا اللعين كما قال الله ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «الكبر بطر الحق» ولم يكن إبليس بحاجة إلى علم جديد يعرف به أن الذي يأمره هو الله الخالق البارئ المصور الجبار المتكبر سبحانه، بل كان بمكان يتجلى له فيه من آيات الله وعظمته ما يجعله أول المستجيبين لو أنه عوفي من هذا الكبر، وتجنب هذا التعالي بالباطل.

وأني لا أشك في أن إبليس إمام الكفر في كل زمان - إنما يصنع حزبه ويربي أتباعه على هذا الأصل الأول - الكبر - ليسيروا سيرته، ويتتبعوا في الكفر بالله ورسله خطته. وإن كانوا في الغالب الأكثر لا يجنون إلا الذلة والمهانة.

كما أن الإيمان بالله حقيقته العبودية الخالصة لله؛ والخضوع التام له، والاستسلام الصادق لكل ما يدعو إليه من عمل وخلق وصفة؛ على ما قال إبراهيم عليه السلام ﴿ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ وعلى أمر الله خاتم رسله صلى الله عليه وسلم أن يقول ﴿ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163] وهذا واضح بيّن من مقالة كل رسول ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ والعبادة: نهاية الذل مع نهاية المحبة.

والإيمان على درجات وشعب، على قدر تلك العبودية، وتحقيقها بجميع خصائصها وفي كل حال، وكذلك الكفر على درجات وشعب، على قدر ما في القلب من كبر عن الحق واستعلاء عليه.

فقد يكون غمط الحق عن جهل به، وعدم اجتلاء لنوره ومزاياه، وما يجنى صاحبه من سعادة في قلبه وسعادة في عيشه، وسعادة في قبره وسعادة في آخرته. فكلما تجلى له ذلك واتضح كلما تكشفت عن قلبه سحب الشيطان التي نشرها من الجهالة على قلبه وانبثق نور الهداية فطرد الشيطان ووساوسه ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ فمن كان ذلك شأنه فإن كفره أهون شراً، وأقل ضراً ممن غمط الحق عن حسد وبغى، بعد أن استيقنه وقامت أمامه البراهين والآيات التي لم تدع في نفسه شكا ولا ريبة بأنه حق من عند الله، وهدى إلى الصراط المستقيم.

فالأول متى بان له الحق واضحاً ونفحته العناية الإلهية، أسرع الأوبة إلى الله وبادر بتخليص قلبه من مخالب عدوه الشيطان الرجيم. والثاني لن يهتدي إلى الحق سبيلا، ولو جاءته كل آية لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم. قال تعالى ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125] وقال ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الأنعام: 25] وقال ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 124، 125].

فهؤلاء هم الذين عنى الله تعالى بقوله ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6] وغيرها من الآيات التي وصف بها حالهم وإعراضهم واستكبارهم، حتى طبع على قلوبهم؛ وأصبحت في حجب وأكنة مما ران عليها من آثار هذا الطغيان النفسي، والتمرد على الله ورسله وشرائعه وسننه. فمهما تلي عليهم من آيات الله فآذانهم صماء عن خيره ورحمته، وأعينهم عمى عن نوره وهدايته، بما ملأ القلوب من الاستكبار والطغيان، فإن القلب هو السلطان المسيطر على الجوارح؛ إذا صلح صلحت، وإذا فسد فسدت، فهي تابعة له في تأثرها واكتسابها وتصورها، فما تصوره القلب خيرا تصورته هي كذلك، وما تصوره شرا تصورته كذلك.

ولا يظن ظان أن هذا الصنف من الناس وغيره من الكفار الذين وصف الله حالهم ومآلهم قاصر على من كانوا زمن البعثة وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم. بل يعلم كل من يرى الخبر في أن يعلم: أن هؤلاء جميعا في كل زمن وكل بلد وكل أمة، وأن العبرة في هذا ليست بالأسماء والنسب، وإنما هي بالعقائد والأعمال والأخلاق والصفات، فإن الله لا ينظر إلى أسمائكم وصوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

ولقد زعم إبليس أنه خير من آدم، ووصف نفسه الخبيثة بالخيرية.وكذلك زعم أبو جهل وأبو لهب وحيي بن أخطب، وابن أبي الحقيق، وغيرهم ممن عنى الله بالذين كفروا أنهم على دين وعلى علم؛ وأنهم أهدى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب إلى الحق وإلى الدين و إلى الجنة منه وممن تبعه؛ وما كانوا يسمون أنفسهم كفارا، بل كانوا يسمون أنفسهم حنفاء مؤمنين على ملة إبراهيم وموسى وعيسى؛ وكان يغيظهم أشد الغيظ ما يرميهم الله به من. الذين هم أحق الناس به أشد الغيظ ما يرميهم الله وهذا أبو طالب يصف دين محمد صلى الله عليه وسلم بأنه خير أديان البرية، وما يمنعه منه إلا خوف العدو والسبة فيموت على الكفر خوفا من مسبة تلحقه وتلحق بني هاشم، وشهد النبي صلى الله عليه وسلم عليه بأنه في النار خالداً فيها.

ألا فلينتبه أولئك الغافلون، وليعرفوا أولا حقيقة الإيمان والكفر، ليعرفوا بعد هذا في أي واد هم يهيمون، وإلى أي جحيم يسوقون أنفسهم بهذه الخدع والجهالات والعافية من الله؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.




__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 03:09 AM.