#661
|
||||
|
||||
المدَاراة في واحة الشعر قال الشافعي: وداريتُ كلَّ الناسِ لكنَّ حاسدي***مداراتُه عزَّت وعزَّ منالُها وكيف يُداري المرءُ حاسدَ نعمةٍ***إذا كان لا يرضيه إلا زوالُها؟ وقال أحمد الخطابي: ما دمتَ حيًّا فدارِ النَّاس كلَّهم***فإنما أنت في دارِ المدَاراةِ من يَدرِ دارى ومن لم يَدرِ سوف يرَى***عما قليلٍ نديمًا للنداماتِ وقال القاضي التنوخي: القَ العدوَّ بوجهٍ لا قطوبَ به***يكادُ يقطرُ من ماءِ البشاشاتِ فأحزمُ النَّاسِ من يلقَى أعاديَه***في جسمِ حقدٍ وثوبٍ من مودَّاتِ الرفقُ يمنٌ وخيرُ القولِ أصدقُه***وكثرةُ المزحِ مفتاحُ العداواتِ وقال زهير: ومَن لم يُصانعْ في أمورٍ كثيرةٍ***يُضرَّس بأنيابٍ ويُوطَأ بَمنْسِمِ وقال النمر بن تولب: وأبغِضْ بغيضَك بُغضًا رويدًا***إذا أنت حاولتَ أن تحكما وأحبِبْ حبيبَك حبًّا رويدًا***فليس يعولك أن تصرما وقال علي بن محمد البسامي: دارِ مِن الناسِ مَلالاتِهم***مَن لم يدارِ الناسَ ملُّوه ومكرمُ النَّاسِ حبيبٌ لهم***مَن أكرمَ الناسَ أحبُّوه وقال آخر: تجنبْ صديقَ السوءِ واصرمْ حبالَه***وإن لم تجدْ عنه محيصًا فدارِه وأحببْ حبيبَ الصدقِ واحذرْ مراءَه***تنلْ منه صفوَ الودِّ ما لم تمارِه وقال عبد الله السابوري: مَن لم يكنْ لعيشِه مُداريًا***عاداه مَن كان له مواليًا ولا غِنى للفاضلِ الكبيرِ***عن المدَاراةِ ولا الصغيرِ يستجلبُ النفعَ بها الحكيمُ***ويدركُ الحظَّ بها المحرومُ مَن وارب الناسَ يخاتلوه ***ومَن يصانعهم يجاملوه قال الشاعر: وإذا عجزتَ عن العدوِّ فدارِهِ***وامزحْ له إنَّ المزاحَ وفاقُ |
#662
|
||||
|
||||
المروءَة معنى المروءَة لغةً واصطلاحًا
معنى المروءَة لغةً: المروءة هي كمال الرجولية، مصدر من: مَرُؤ يَمْرُؤ مُروءة، فهو مَرِيء أي: بَيِّن المروءَة، وتَمَرَّأ فلان: تَكَلَّف المروءَة. وقيل: صار ذا مُروءَةٍ، وفلان تَمَرَّأ بالقوم: أي سعى أن يوصف بالمروءَة بإِكرامهم، أَو بنقصهم وعَيْبهم . معنى المروءَة اصطلاحًا: قال الماورديُّ: (المروءَة مراعاة الأحوال إلى أن تكون على أفضلها، حتَّى لا يظهر منها قبيحٌ عن قصد، ولا يتوجَّه إليها ذمٌّ باستحقاق) . وقال ابن عرفة: (المروءَة هي المحافظَةُ على فِعْل ما تَرْكُه من مُباحٍ يُوجِبُ الذَّمَّ عُرْفًا... وعلى ترْك ما فعلُه من مُباحٍ يوجبُ ذَمَّه عُرْفًا...) . وقال الفيومي: (المروءَة آداب نفسانيَّة، تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات) |
#663
|
||||
|
||||
أهمية المروءَة
يقول الماوردي: (وفي اشتقاق اسم المروءَة من كلام العرب ما يدل على فضيلتها عندهم، وعظم خطرها في نفوسهم، ففيه وجهان: أحدهما: مشتقة من المروءَة والإنسان، فكأنها مأخوذة من الإنسانية، والوجه الثاني: أنها مشتقة من المريء وهو ما استمرأه الإنسان من الطعام، لما فيه من صلاح الجسد، فأخذت منه المروءَة لما فيها من صلاح النفس) . (وهي خلق رفيع القدر، يستعمله الأدباء في المدح، وعلماء الأخلاق والنفس في مكارم الأخلاق وسموِّ النفس، وعلماء الشرع من فقهاء ومحدِّثين في صفات الراوي والشاهد؛ ليوثق بكلامهما، والقاضي ليطمئنَّ إلى عدل، فتجدها في كتب أصول الفقه في صفات الراوي، وكذلك في كتب الحديث، بينما تجدها في كتب الفقه في كلِّ باب يتعرض للعدالة بالشرح والتفصيل، كالقضاء والشهادة والوقف) . فأكثرَ العلماء، والفقهاء، والأدباء، والشعراء، من ذكرها وبيان كنهها، وماهيتها، وبمَ تكون، وكيف تكون، فتنوعت فيها الأقوال، وتعددت فيها الآراء، وتباينت فيها العبارات (فمن قائل قال: المروءَة ثلاثة: إكرام الرجال إخوان أبيه، وإصلاحه ماله، وقعوده على باب داره، ومن قائل قال: المروءَة إتيان الحق، وتعاهد الضعيف، ومن قائل قال: المروءَة تقوى الله، وإصلاح الضيعة، والغداء والعشاء في الأفنية، ومن قائل قال: المروءَة إنصاف الرجل من هو دونه، والسموُّ إلى مَن هو فوقه، والجزاء بما أُتي إليه، ومن قائل قال: مروءة الرجل صدق لسانه، واحتماله عثرات جيرانه، وبذله المعروف لأهل زمانه، وكفُّه الأذى عن أباعده وجيرانه، ومن قائل قال: إن المروءَة التباعد من الخلق الدني فقط، ومن قائل قال: المروءَة أن يعتزل الرجل الريبة، فإنه إذا كان مريبًا كان ذليلًا، وأن يصلح ماله، فإنَّ من أفسد ماله لم يكن له المروءَة، والإبقاء على نفسه في مطعمه و مشربه، ومن قائل قال: المروءَة حسن العشرة، وحفظ الفرج واللسان، وترك المرء ما يُعاب منه، ومن قائل قال: المروءَة سخاوة النفس وحسن الخلق، ومن قائل قال: المروءَة العفة والحرفة، أي: يعف عمَّا حرم الله، ويحترف فيما أحل الله، ومن قائل قال: المروءَة كثرة المال والولد، ومن قائل قال: المروءَة إذا أعطيت شكرت، وإذا ابتليت صبرت، وإذا قدرت غفرت، وإذا وعدت أنجزت، ومن قائل قال: المروءَة حسن الحيلة في المطالبة، ورقة الظرف في المكاتبة، ومن قائل قال: المروءَة اللطافة في الأمور وجودة الفطنة، ومن قائل قال: المروءَة مجانبة الريبة، فإنه لا ينبل مريب، وإصلاح المال، فإنه لا ينبل فقير، وقيامه بحوائج أهل بيته، فإنه لا ينبل من احتاج أهل بيته إلى غيره، ومن قائل قال: المروءَة النظافة وطيب الرائحة، ومن قائل قال: المروءَة الفصاحة والسماحة، ومن قائل قال: المروءَة طلب السلامة واستعطاف الناس، ومن قائل قال: المروءَة مراعاة العهود، والوفاء بالعقود، ومن قائل قال: المروءَة التذلل للأحباب بالتملُّق، ومداراة الأعداء بالترفُّق، ومن قائل قال: المروءَة ملاحة الحركة ورقة الطبع، ومن قائل قال: المروءَة هي المفاكهة والمباسمة...) إلى غير ذلك من الأقوال والآراء في حقيقة المروءَة وحدِّها الذي تعرف به، وفي تنوع هذه الأقوال دليل على فضل هذه السجية الكريمة، وعلو شأنها ورفعة قدرها، وبيان ما تنطوي عليه من الفضائل التي تسمو بالنفس عن منزلة البهيمية الحيوانية، إلى منزلة الإنسانية الكاملة. وإنَّ الاختلاف في تعريف المروءَة ليس من باب اختلاف التضاد والتباين، بل هو من باب اختلاف التنوع وتعدد الأجناس تحت الأصل الواحد، فكلُّ هذه التعاريف مندرجة تحت لواء المروءَة مستظلة بظلها الوارف ، فهي تشمل كل ما ذكر من فضائل وسجايا وأخلاق كريمة، وكفى بذلك فضلًا وشرفًا. قال أبو حاتم: (اختلفت ألفاظهم في كيفية المروءَة ومعاني ما قالوا قريبة بعضها من بعض) . |
#664
|
||||
|
||||
حقيقة المروءَة
يتكلم ابن القيم عن حقيقة المروءَة فيقول: حقيقتها: (اتصاف النفس بصفات الإنسان، التي فارق بها الحيوان البهيم والشيطان الرجيم، فإنَّ في النفس ثلاثة دواع متجاذبة: 1- داع يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشيطان، من الكبر، والحسد، والعلو، والبغي، والشرِّ، والأذى، والفساد، والغشِّ. 2- وداع يدعوها إلى أخلاق الحيوان، وهو داعي الشهوة. 3- وداع يدعوها إلى أخلاق الملك: من الإحسان، والنصح، والبرِّ، والعلم، والطاعة، فحقيقة المروءَة: بغض ذينك الداعيين، وإجابة الداعي الثالث، وقلة المروءَة وعدمها: هو الاسترسال مع ذينك الداعيين، والتوجه لدعوتهما أين كانت، فالإنسانية والمروءَة والفتوة: كلها في عصيان الداعيَيْن، وإجابة الداعي الثالث) |
#665
|
||||
|
||||
الفرق بين المروءَة وبعض الصفات - الفرق بين المروءَة والفتوَّة:
قد يظنُّ ظانٌّ أنَّ المروءَة والفتوة شيء واحد لا يختلفان في معناهما، وليس ذلك بصحيح، بل بينهما فرق واضح وهو أنَّ المروءَة أعمُّ من الفتوة، فالمروءَة هي ما يتخلَّق به الإنسان مما يختص به في ذاته، أو يتعدَّى إلى غيره، بينما الفتوة ما يتخلَّق به الإنسان، ويكون متعديًا إلى غيره. قال ابن القيم في التفريق بينهما: (أن المروءَة أعمُّ منها، فالفتوة نوع من أنواع المروءَة، فإنَّ المروءَة استعمال ما يجمل ويزين مما هو مختصٌّ بالعبد، أو متعدٍّ إلى غيره، وترك ما يُدنِّس ويشين مما هو مختص أيضًا به، أو متعلِّق بغيره، والفتوة إنما هي استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق) . - العلاقة بين المروءَة والعقل: سُئِلَ بعض الحكماءِ عن العلاقة بين العقل والمروءَة فقال: (العَقل يأمرك بِالْأنفعِ، والمروءَة تأمرك بِالأجمل) . - الفرق بين المروءَة والكرم: (الكرم والمروءَة... قرينان في الفضل، ومتشاكلان في العقل، والفرق بينهما مع التشاكل من وجهين: أحدهما: أن الكرم: مراعاة الأحوال، أن يكون على أنفعها وأفضلها، والمروءَة: مراعاة الأحوال، أن يكون على أحسنها وأجملها. والوجه الثاني: أن الكرم، ما تعدى نفعه إلى غير فاعله. والمروءَة: قد تقف على فاعلها ولا تتعدى إلى غيره، فإن استعملها في غيره مازجت الكرم، ولم ينفرد بالمروءَة وصار بالاجتماع أفضل، وإن افترقا كان الكرم أفضل لتعدي نفعه، وتعدي النفع أفضل. وليس واحد من الكرم والمروءَة خلقًا مفردًا، ولكنه يشتمل على أخلاق يصير مجموعها كرمًا ومروءةً) . |
#666
|
||||
|
||||
__________________
اللهم اجعلنا نمشي في روضك .. وندرج على حبك ونحيا على ذكرك ونستقيم على قرآنك .. ونموت على شهادتك ..اللهم بارك لنا ولوالدينا في جمعتك وارحمنا يا أرحم الراحمين برحمتك ..
|
#667
|
||||
|
||||
|
#668
|
||||
|
||||
أولًا: المروءَة في القرآن الكريم المروءَة: هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات، وهي رعيٌ لمساعي البر ورفع لدواعي الضر، وهي طهارة من جميع الأدناس والأرجاس؛ لذا فإنَّ كلَّ آية من كتاب الله تأمر بفضيلة من الفضائل، أو تنهى عن رذيلة من الرذائل فهي تدلُّ على المروءَة، وترشد إلى طريقها، ونحن هنا بصدد ذكر بعض الآيات التي تأمر بالتحلي بمحاسن الأخلاق، والتزين بجميلها:
- قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 99]. قيل لسفيان بن عيينة: (قد استنبطت من القرآن كل شيء، فهل وجدت المروءَة فيه؟ فقال: نعم، في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ، يقول: ففيه المروءَة وحسن الأدب ومكارم الأخلاق، فجمع في قوله: خُذِ الْعَفْوَ صلة القاطعين والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين، وذلك في قوله: خُذِ الْعَفْوَ، ودخل في قوله: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار، ودخل في قوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الحض على التخلق بالحلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة والأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة). - وقال الله تبارك وتعالى في صفات عباده الذين اتصفوا بأعلى صفات المروءَة ووصلوا إلى غاياتها: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 63-76]. - وقال فيهم أيضًا شاهدًا لهم بالفلاح: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون: 1-10]. - وقال أيضًا في وصفهم: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا [الإنسان: 7 – 9]. - وقال الله عزَّ وجلَّ: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 77]. قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى في هذه الآية: (فيها عين المروءَة وحقيقتها) . - وقال الله تبارك وتعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه ويعطيه دروسًا في القيم ومعالم في المروءَة: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِيَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 17-19]. - وقال الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [النحل: 90 – 92]. وقد جعل سفيان الثوري المروءَة مبنية على ركنين استمدهما من هذه الآية الكريمة، حيث سئل عن المروءَة ما هي؟ فقال: (الإنصاف من نفسك، والتفضل لله تعالى: إنَّ الله يأمر بالعدل، وهو الإنصاف، والإحسان، وهو التفضل، ولا يتمُّ الأمر إلا بهما، ألا تراه لو أعطى جميع ما يملك، ولم ينصف من نفسه لم تكن له مروءة؛ لأنَّه لا يريد أن يعطي شيئًا إلا أن يأخذ من صاحبه مثله، وليس مع هذا مروءة) . فكلُّ هذه الآيات وما سواها -وما أكثرها في كتاب الله تبارك وتعالى- متضمنة لأصول المروءَة وركائزها التي تبنى عليها، وإن كانت لا تدلُّ على المروءَة بحروفها. |
#669
|
||||
|
||||
ثانيًا: المروءَة في السُّنَّة النَّبويَّة
وردت كثير من الأحاديث تشير إلى بعض ما تضمنته صفة المروءة من حسن الخلق وجميل المعاشرة، والتحذير من كلِّ ما يشين الإنسان، ويدنِّس عرضه، وسنقتصر على عرض بعض هذه الأحاديث: - ((قيل: يا رسول الله، من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم لله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: يوسف نبي الله، بن نبي الله، بن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) . قال النووي: (معناه أنَّ أصحاب المروءات، ومكارم الأخلاق في الجاهلية، إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس) . - ومن ذلك حديث عائشة أمِّ المؤمنين في بدء الوحي، والذي فيه قول خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلَّا واللَّه ما يخزيك اللَّه أبدًا، إنَّك لتصل الرَّحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضَّيف، وتعين على نوائب الحقِّ... )) . - و((عن أبي ذرٍّ رضي اللَّه عنه قال: سألت النَّبي صلى اللَّه عليه وسلم: أيُّ العمل أفضل؟ قال: إيمان باللَّه، وجهاد في سبيله. قلت: فأيَّ الرِّقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق. قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع النَّاس من الشَّرِّ، فإنَّها صدقة تصدَّق بها على نفسك)) . - وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السَّاعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل اللَّه وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر، وكالصَّائم لا يفطر)) . - وعن سهل رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنَّة هكذا، وأشار بالسَّبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا)) . |
#670
|
||||
|
||||
أقوال السلف والعلماء في المروءَة - قال معاوية رضي الله عنه: (المروءَة ترك الشَّهوات وعصيان الهوى) . - وحُكي أنَّ معاوية سأل عَمرًا رضي الله عنه عن المروءَة، فقال: (تقوى اللَّه تعالى وصلة الرَّحم. وسأل المغيرة، فقال: هي العفَّة عمَّا حرَّم اللَّه تعالى، والحرفة فيما أحلَّ اللَّه تعالى. وسأل يزيد، فقال: هي الصَّبر على البلوى، والشُّكر على النُّعمى، والعفو عند المقدرة. فقال معاوية: أنت منِّي حقًّا) . - وروي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (من مُرُوءَةِ الرَّجُل نقاءُ ثوْبِه) . - وسأل الحسين أخاه الحسن عن المروءَة فقال: (الدين، وحسن اليقين) . - وَسُئِل محمد بن علي عن المروءَة فقال: (أَنْ لَا تعمل في السِّر عَمَلًا تَسْتَحِي مِنْهُ فِي العلانية) . - وقال علي بن الحسين: (من تمام المروءَة خدمة الرجل ضيفه، كما خدمهم أبونا إبراهيم الخليل بنفسه وأهله) . - وقال عمر بن عبد العزيز: (ليس من المروءَة أن تستخدم الضيف) . - وقال الأحنف بن قيس: (الكذوب لا حيلة له، والحسود لا راحة له، والبخيل لا مروءة له، والملول لا وفاء له، ولا يسود سيئ الأخلاق، ومن المروءَة إذا كان الرجل بخيلًا أن يكتم ويتجمل) . - وسئل أيضًا عن المروءَة فقال: (صدق اللِّسان، ومواساة الإخوان، وذكر اللَّه تعالى في كلِّ مكان) . - وقال مرَّة: (العفَّة والحرفة) . - وقال الماوردي: (اعلم أنَّ من شواهد الفضل ودلائل الكرم، المروءَة التي هي حلية النُّفوس، وزينة الهمم) . - وسئل بشر بن الحارث عن القناعة فقال: (لو لم يكن فيها إلَّا التَّمتُّع بعزِّ الغنى لكان ذلك يجزي، ثمَّ أنشأ يقول: أفادتنا القناعة أيَّ عزٍّ***ولا عزَّ أعزَّ من القناعه فخذ منها لنفسك رأس مال***وصيِّر بعدها التَّقوى بضاعه تحز حالين تغنى عن بخيل***وتسعد في الجنان بصبر ساعه ثمَّ قال: مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء) .
- وقال سفيان بن حسين: (قلت لإياس بن معاوية: ما المروءَة؟ قال: أمَّا في بلدك فالتَّقوى، وأمَّا حيث لا تعرف فاللِّباس) . - وقال أحمد -في آداب مؤاكلة الإخوان-: (يأكل بالسُّرور مع الإخوان، وبالإيثار مع الفقراء، وبالمروءَة مع أبناء الدُّنيا) . |
#671
|
||||
|
||||
فوائد التحلي بالمروءَة واجتناب ما يخرمها
1- صون النفس، وهو حفظها وحمايتها عما يشينها، ويعيبها ويزري بها عند الله عزَّ وجلَّ، وملائكته، وعباده المؤمنين، وسائر خلقه . 2- توفير الحسنات، ويكون ذلك من وجهين: أحدهما: توفير زمانه على اكتساب الحسنات، فإذا اشتغل بالقبائح نقصت عليه الحسنات التي كان مستعدًّا لتحصيلها. والثاني: توفير الحسنات المفعولة عن نقصانها، بموازنة السيِّئات وحبوطها، فإنَّ السيِّئات قد تحبط الحسنات، وقد تستغرقها بالكلية أو تنقصها، فلابد أن تضعفها قطعًا؛ فتجنبها يُوَفِر ديوان الحسنات، وذلك بمنزلة من له مال حاصل، فإذا استدان عليه؛ فإمَّا أن يستغرقه الدين أو يكثره أو ينقصه، فهكذا الحسنات والسيئات سواء . 3- صيانة الإيمان؛ وذلك لأنَّ الإيمان عند جميع أهل السُّنَّة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد حكاه الشافعي وغيره عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإضعاف المعاصي للإيمان أمر معلوم بالذوق والوجود، فإنَّ العبد- كما جاء في الحديث- إذا أذنب نُكِت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب واستغفر صقل قلبه، وإن عاد فأذنب نُكت فيه نكتة أخرى، حتى تعلو قلبه . 4- سبيل إلى نيل المطالب العالية، والسبق إليها، وإن كثر عليها المتنافسون، قال بعْض الْعلماءِ: إذَا طلب رجلانِ أَمْرًا ظفِر بِهِ أَعْظمهما مروءةً . 5- التحلي بها مما يزيد في ماء الوجه وبهجته، قال ابن القيم: (أَربعةٌ تزِيد فِي ماءِ الوجهِ وبهجتِهِ: المروءَة، والوفاء، والكرم، والتَّقوى) . 6- تحجز المرء عن كلِّ لذة يتبعها ألم، وكل شهوة يلحقها ندم، فهي جُنَّة عن اللذائذ المحرمة، والشهوات المهلكة، وقد قيل: (الدين، والمروءَة، والعقل، والروح، ينهين عن لذة تعقب ألمًا، وشهوة تورث ندمًا) . 7- والمروءَة مانعة من الكذب، باعثة على الصدق؛ لأنها قد تمنع من فعل ما كان مستكرهًا، فأولى من فعل ما كان مستقبحًا . 8- داعية إلى إنصاف الرجل لجميع الخلق، سواء في ذلك من كان دونه، أو من كان فوقه، لا يفرق بين هؤلاء وهؤلاء. 9- داعية إلى الرفعة والعلو، والمنافسة في خيري الدنيا والآخرة، وعدم الرضا من الشيء إلا بأعلاه وغايته. 10- تحمل صاحبها إلى الترفع عن سفاسف الأمور، ومحقراتها. 11- تحجزه عن الوقوع في مواطن الريب والشبهات، وإن حصل ووقع في مثل هذه المواطن تحمله على التخلص منها وعدم الرجوع إليها. 12- جالبة لمحبة الله تبارك وتعالى للعبد، ومن ثم محبة الخلق له. |
#672
|
||||
|
||||
أقسام المروءَة كل من تكلم عن المروءَة وحدِّها وبيانها لم يخرجها عن أحد نوعين:
إما أفعال أو تروك، وهذا ما بيَّنه أبو حاتم البستي بعد أن سرد مجموعة من الأقوال في تعريف المروءَة، قال: (والمروءَة عندي خصلتان: - اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال. - واستعمال ما يحبُّ الله والمسلمون من الخصال) . وهذا ما عناه ابن القيم بقوله: (وحقيقة المروءَة تجنب للدنايا والرذائل، من الأقوال، والأخلاق، والأعمال، فمروءة اللسان: حلاوته، وطيبه، ولينه، واجتناء الثمار منه بسهولة ويسر. ومروءة الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض. ومروءة المال: الإصابة ببذله مواقعه المحمودة، عقلًا وعرفًا وشرعًا. ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه. ومروءة الإحسان: تعجيله، وتيسيره، وتوفيره، وعدم رؤيته حال وقوعه، ونسيانه بعد وقوعه، فهذه مروءة البذل. وأما مروءة الترك: فترك الخصام، والمعاتبة، والمطالبة، والمماراة، والإغضاء عن عيب ما يأخذه من حقِّك، وترك الاستقصاء في طلبه، والتغافل عن عثراته) . وبهذا التقسيم -أعني مروءة الفعل والبذل ومروءة الترك- ينتظم جميع الأقوال التي عرفت بها المروءَة في سلك واحد. |
#673
|
||||
|
||||
شروط المروءَة
للمروءة شروط لا تتأتى إلا بها، ولا يحصلها الشخص إلا بنوع من المعاناة وبذل الجهد، يقول الماوردي: (من حقوق المروءَة وشروطها ما لا يتوصَّل إليه إلَّا بالمعاناة، ولا يوقف عليه إلَّا بالتَّفقُّد والمراعاة، فثبت أنَّ مراعاة النَّفس على أفضل أحوالها هي المروءَة. وإذا كانت كذلك فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها إلَّا من تسهَّلت عليه المشاقُّ رغبةً في الحمد، وهانت عليه الملاذُّ حذرًا من الذَّمِّ) . وقد عدَّد بعض البلغاء بعض شروط المروءَة، فقال: (من شرائط المروءَة أن تعفَّ عن الحرام، وتتصلَّف عن الآثام، وتنصف في الحكم، وتكفَّ عن الظلم، ولا تطمع في ما لا تستحق، ولا تستطيل على من لا تسترق، ولا تعين قويًّا على ضعيف، ولا تؤثر دنيًّا على شريف، ولا تُسِرَّ ما يُعقب الوزر والإثم، ولا تفعل ما يقبح الذكر والاسم) . وقد أجاد الماوردي في بيان شروط المروءة، مع حسن التقسيم، وبراعة العرض، وفيما يلي تلخيص لكلامه: من هذه الشروط: الأول شروط المروءَة فِي نفسِ الشخص: وشروطها فِي نفسِه بعد التِزامِ ما أوجبه الشَّرع من أحكامِه يكون بثلاثة أمورٍ وهي: 1- العِفَّة: وهي نوعان: أحدهما: العِفَّة عن المحارِمِ: وهذه تكون بشيئين اثنين: أحدهما: ضبط الفرجِ عن الحرامِ. والثَّانِي: كفُّ اللِّسانِ عن الأعراضِ. والثَّانِي: العِفَّة عن المآثِمِ: وهذه أيضًا لا تكون إلا بشيئين: أَحدهما: الكفُّ عن المجاهرةِ بِالظُّلمِ. والثَّانِي: زجر النَّفسِ عن الإِسرارِ بِخِيانةٍ. 2- النَّزاهة: وهي نوعانِ: أَحدهما: النَّزاهة عن المطامِعِ الدَّنِيَّةِ . والثَّاني: النَّزاهة عن مواقف الرِّيبة. 3- الصِّيانة: وهي نوعانِ: أَحدهما: صِيانة النَّفسِ بالتِماس كِفايتها، وتقدِير مادَّتها. والثَّاني: صيانتها عن تحمُّل المنن من النَّاسِ، والاسترسال في الاستعانة. الثَّانِي: شروط المروءَة في غيره، وتكون بثلاثة أمور وهي: - المؤازرة: وهي نوعانِ: أحدهما: الإِسعاف بِالجاه. والثَّاني: الإسعاف فِي النَّوائِب. - والمياسرة وهي نوعانِ: أَحدهما: العفو عن الهفوات. والثَّانِي: المسامحة في الحقوق وهي نوعان: المسامحة في عقودٍ: بأَن يكون فيها سهل المناجزةِ، قلِيل المحاجزةِ، مأمون الغيبةِ، بعِيدًا مِن المكرِ والخدِيعةِ. المسامحة في حقوق: وتتنوَّع المسامحة فِيها نوعينِ: أَحدهما فِي الأَحوالِ: وهو اطِّراح المنازعةِ فِي الرُّتبِ، وترك المنافسةِ فِي التَّقدُّمِ. والثَّانِي فِي الأَموالِ: وهي ثلاثة أنواع: وهي مسامحة إسقاطٍ لِعدمٍ، ومسامحة تخفِيفٍ لِعجزٍ، ومسامحة إنكارٍ لِعسرةٍ. - والإِفضال: وهو نوعان: إفضال اصطِناعٍ: وهو نوعان: أحدهما: ما أَسداه جودًا فِي شكورٍ. والثَّانِي: ما تأَلَّف به نبوة نفورٍ. وإِفضال استكفافٍ ودِفاعٍ: وذلك لأَنَّ ذا الفضلِ لا يعدم حاسِد نِعمةٍ، ومعانِد فضِيلةٍ، يعترِيهِ الجهل بِإِظهارِ عِنادِهِ، ويبعثه اللُّؤم على البذاءِ بِسفهِهِ، فإِن غفل عن استِكفافِ السُّفهاءِ، وأَعرَض عن استِدفاعِ أَهلِ البذاءِ، صار عِرضه هدفًا لِلمثالِبِ، وحاله عُرضةً للنَّوائب، وإذا استكفى السَّفِيه، واستدفع البذِيء صان عرضه، وحمى نِعمته. ولاستِكفافِ السُّفهاءِ بالإِفضالِ شرطان: أحدهما: أَن يخفِيه حتَّى لا ينتشِر فِيهِ مطامِع السُّفهاء، فيتوصَّلون إلى اجتِذابِهِ بِسبِّه، وإِلى مالِه بِثلبِه. والثَّاني: أَن يتطلَّب له فِي المجاملة وجهًا، ويجعله فِي الإِفضال عليه سببًا؛ لأَنَّه لا يرى أَنَّه على السَّفهِ واستِدامةِ البذاءِ . |
#674
|
||||
|
||||
درجات المروءَة للمروءة ثلاث درجات ذكرها ابن القيم، فقال:
- الدرجة الأولى: مروءة المرء مع نفسه وهي أن يحملها قسرًا على ما يجمل ويزين، وترك ما يدنس ويشين ليصير لها ملكة في العلانية، فمن أراد شيئًا في سرِّه وخلوته، ملكه في جهره وعلانيته، فلا يكشف عورته في الخلوة، ولا يتجشأ بصوت مزعج ما وجد إلى خلافه سبيلًا، ولا يخرج الريح بصوت وهو يقدر على خلافه، ولا يجشع وينهم عند أكله وحده. وبالجملة: فلا يفعل خاليًا ما يستحي من فعله في الملأ، إلا ما لا يحظره الشرع والعقل؛ ولا يكون إلا في الخلوة كالجماع والتخلي ونحو ذلك. - الدرجة الثانية: المروءَة مع الخلق، بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء والخلق الجميل، ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه، وليتخذ الناس مرآة لنفسه، فكلُّ ما كرهه ونفر عنه من قول أو فعل أو خلق فليجتنبه، وما أحبَّه من ذلك واستحسنه فليفعله. وصاحب هذه البصيرة ينتفع بكلِّ من خالطه وصاحبه، من كامل، وناقص، وسيئ الخلق، وحسنه، وعديم المروءَة، وغزيرها. وكثير من الناس يتعلم المروءَة ومكارم الأخلاق من الموصوفين بأضدادها، كما روي عن بعض الأكابر أنه كان له مملوك سيئ الخلق، فظٌّ غليظ لا يناسبه، فسُئل عن ذلك فقال: أدرس عليه مكارم الأخلاق. وهذا يكون بمعرفة مكارم الأخلاق في ضد أخلاقه، ويكون بتمرين النفس على مصاحبته ومعاشرته والصبر عليه. - الدرجة الثالثة: المروءَة مع الحقِّ سبحانه، بالاستحياء من نظره إليك، واطلاعه عليك في كلِّ لحظة ونفس، وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان، فإنه قد اشتراها منك، وأنت ساع في تسليم المبيع وتقاضي الثمن، وليس من المروءَة: تسليمه على ما فيه من العيوب وتقاضي الثمن كاملًا، أو رؤية مِنَّته في هذا الإصلاح، وأنَّه هو المتولِّي له لا أنت، فيغنيك الحياء منه عن رسوم الطبيعة، والاشتغال بإصلاح عيوب نفسك عن التفاتك إلى عيب غيرك، وشهود الحقيقة عن رؤية فعلك وصلاحك . |
#675
|
||||
|
||||
صور المروءَة وآدابها للمروءة آدابٌ كثيرة قلَّ أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى؛ ولذلك فإنَّ منازل الناس فيها تتباين تبعًا لما يُحصِّله الإنسان من آدابها ومراتبها. قال ابن هذيل: إنَّ (للمروءة وجوهًا وآدابًا لا يحصرها عدد ولا حساب، وقلَّما اجتمعت شروطها قط في إنسان، ولا اكتملت وجوهها في بشر، فإن كان ففي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم دون سائرهم، وأمَّا الناس فيها فعلى مراتب بقدر ما أحرز كلُّ واحد منهم من خصالها، واحتوى عليها من خلالها) . وقد وردت جُملةٌ من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءَة، ومنها : 1- أن يكون ذا أناةٍ وتؤدةٍ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة، كأن يُكثر الالتفات في الطريق، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حد الاعتدال. 2- أن يكون متَّئدًا في كلامه يرسل كلماته مفصَّلة، ولا يخطف حروفها خطفًا، حتى يكاد بعضها يدخل في بعض، بل يكون حسن البيان، واضح العبارة، بعيدًا عن التكلف والتقعر، ينتقي أطايب الحديث، كما ينتقي أطايب الثمر، وقد كتب عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه إِلى أبي موسى رضي الله عنه: (خُذِ النَّاس بالعربِيَّة، فإِنَّه يزيد في العَقل، ويُثبت المروءَة) . 3- أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب، أو دهشة الفرح، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السرَّاء والضرَّاء. 4- أن يتحلَّى بالصراحة، والترفع عن المواربة، والمجاملة، والنفاق، فلا يُبدي لشخصٍ الصداقة، وهو يحمل له العداوة، أو يشهد له باستقامة السيرة، وهو يراه منحرفًا عن السبيل. 5- ألا تطيش به الولاية والإمارة في زهو، ولا ينزل به العزل في حسرة. 6- ألاَّ يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعدُّوه من سقطاته والمآخذ عليه، وقد رفع محمد بن عمران التيمي شأن هذا الأدب حتى جعله هو المروءَة، فقال لما سئل عن المروءَة: ألَّا تعمل في السِّر ما تستحي منه في العلانية. 7- أن يتجنب القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها، فيكون تجنبه لها في السِّر والعلانية. 8- أن يلاقي الناس بطلاقة وجه، ولسان رطب، غير باحث عما تكنُّه صدورهم من مودة، أو بغضاء، ولكنه لا يستطيع أن يرافق ويعاشر إلا ودودًا مخلصًا. 9- أن يكون بخيلًا بوقته عن إطلاق لسانه في أعراض الناس، والتقاط معايبهم، أو اختلاق معايب لهم، فهو لا يرضى بأن يشغل وقته إلا بما تتقاضاه المروءَة من حقوق، قال رجل لخالد بن صفوان: كان عبدة بن الطيب لا يحسن يهجو، فقال له: لا تقل ذلك، فوالله ما تركه من عي، ولكنه كان يترفع عن الهجاء، ويراه ضعة، كما يرى تركه مروءةً وشرفًا، وأنشد قول أبي الهيذام: وأجرأ من رأيت بظهر غيب***على عيب الرجال ذوو العيوب وربما اضطر ذو المروءَة أن يدافع شرَّ خصومه الكاشحين بذكر شيء من سقطاتهم، ولكن المروءَة تأبى له أن يختلق لهم عيبًا يقذفهم به، وهم منه براء، فإنَّ الإخبار بغير الواقع يقوض صروح المروءَة، ولا يبقي لها عينًا ولا أثرًا، قال الأحنف: لا مروءة لكذوب، ولا سؤدد لبخيل. كما أنه يحفظ لسانه عن أن يلفظ مثلما يلفظ أهل الخلاعة من سفه القول: وحذار من سفه يشينك وصفه***إنَّ السفاه بذي المروءَة زاري 10- أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعملٍ خفيف؛ فقد ورد عن عمر ابن عبد العزيز رحمه الله قوله: (ليس من المروءَة استخدام الضيف). - أن يسود في مجلسه الجدُّ والحكمة، وأن لا يلمَّ في حديثه بالمزاح إلا إلمامًا، مؤنسًا في أحوال نادرة، قال الأحنف بن قيس: (كثرة المزاح تذهب المروءَة). 11- أن يُحسن الإصغاء لمن يُحدثه من الإخوان، فإنَّ إقباله على محدثه بالإصغاء إليه يدلُّ على ارتياحه لمجالسته، وأُنسه بحديثه. وإلى هذا الأدب الجميل يُشير أبو تمام بقوله: من لـي بإنسانٍ إذا أغضبته***ورضيتُ كان الحِلم ردَّ جوابه وتراه يُصغي للـحديث بقلبه***وبسـمعه، ولعـله أدرى بـه 12- أن يحتمل ضيق العيش، ولا يبذل ماء حيائه وكرامته في السعي لما يجعل عيشه في سعة، أو يديه في ثراء، قال مهيار: ونفس حرة لا يزدهيها ***حلى الدنيا وزخرفها المعار يبيت الحق أصدق حاجتيها***وكسب العز أطيب ما يمار 13- ألَّا يظهر الشكوى من حوادث الدهر إلا أن يتقاضى حقًّا: لا يفرحون إذا ما الدهر طاوعهم ***يومًا بيسر ولا يشكون إن نكبوا وقال عبد الله بن الزبير الأسدي في عمر بن عثمان بن عفان: فتى غير محجوب الغنى عن صديقه***ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت 14- أن يكون حافظًا لما يؤتمن عليه، من أسرارٍ وأُمور لا ينبغي أن تظهر لأحدٍ غير صاحبها. وفي هذا المعنى يقول المتنبي: كفتك المروءَة ما تتقى***وأمَّنك الود ما تحذر يريد أنه ذو مروءة، وذو المروءَة لا يُفشي سرًّا اؤتمن عليه. 15- أن يحذر أن يؤذي شخصًا ما، وأشد ما يحذر أن يؤذي ذا مروءة مثله: وأستحيي المروءَة أن تراني ***ت مناسبي جلدًا وقهرًا 16- أن يحرص على أن تطابق أقواله وأفعاله ما جرت عليه الأعراف والتقاليد الحسنة، والتي لا تخالف الشرع ولا تضادُّ الدين.
17- أن يعامل الآخرين بما يحب أن يعاملوه به، وأن يحترمهم ولا يفضل نفسه عليهم في شيء. |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة |
|
|