#256
|
||||
|
||||
آداب النصيحة يُحكى أن الحسن والحسين مرَّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء. فاتفقا على أن ينصحا الرجل ويعلماه كيف يتوضأ، ووقفا بجواره، وقالا له: يا عم، انظر أَيُّنا حسن وضوءًا. ثم توضأ كل منهما فإذا بالرجل يرى أنهما يحسنان الوضوء، فعلم أنه هو الذي لا يحسنه، فشكرهما على ما قدماه له من نُصح دون تجريح. *** النصيحة دعامة من دعامات الإسلام. قال تعالى: {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر]. وقال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة). قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [متفق عليه]. وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. [متفق عليه]. وللنصيحة جملة من الآداب، منها ما يتعلق بالناصح، ومنها ما يتعلق بالمنصوح. آداب الناصح: الإخلاص: فلا يبغي الناصح من نصحه إظهار رجاحة عقله، أو فضح المنصوح والتشهير به، وإنما يكون غرضه من النصح الإصلاح، وابتغاء مرضاة الله. الحكمة والموعظة الحسنة واللين: فالكلمة الطيبة مفتاح القلوب، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [_النحل: 125]. عدم كتمان النصيحة: المسلم يعلم أن النصيحة هي أحد الحقوق التي يجب أن يؤديها لإخوانه المسلمين، فالمؤمن مرآة أخيه، يقدم له النصيحة، ويخبره بعيوبه، ولا يكتم عنه ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست). قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك فانصحْ له، وإذا عطس فحمد فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته) [مسلم]. أن تكون النصيحة في السر: المسلم لا يفضح المنصوح ولا يجرح مشاعره، وقد قيل: النصيحة في الملأ (العلن) فضيحة. وما أجمل قول الإمام الشافعي: تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصح أحد الحاضرين يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، ما بال أحدكم يفعل كذا. وقيل: النصح ثقيل فلا تجعلوه جبلا، ولا ترسلوه جدلا، والحقائق مرة فاستعينوا عليها بخفة البيان. الأمانة في النصح: فلا يخدع المنصوح ولا يستهين بأمره، بل يبذل الجهد، ويعمل الفكر، قبل أن ينصح، وعليه بيان ما يراه من المفاسد إن وجد في ستر وأمانة. آداب المنصوح: أن يتقبل النصيحة بصدر رحب: وذلك دون ضجر أو ضيق أو تكبر، وقد قيل: تقبل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه. عدم الإصرار على الباطل: فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} [_البقرة: 206]. أخذ النصح من المسلم العاقل: لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أمرًا فشاور فيه امرءًا مسلمًا، وَفَّقَهُ الله لأرشد أموره) [الطبراني]. شكر الناصح: يجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله. |
#257
|
||||
|
||||
الدستور في الإسلام : تدوينه وأساليب نشأته ونهايته
أولا : تعريف الدستور في الإسلام سبق تعريف الدستور لغة ، وسيتم هنا عرض لتعريف الدستور في الإسلام من الناحية الاصطلاحية . ويمكن أن يعرف الدستور في الإسلام بتعريفين : أحدهما عام ، والآخر خاص : أ - التعريف العام : الدستور في الإسلام هو مجموعة القواعد والأحكام العامة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية ، التي تنظم المبادئ الرئيسة التي يقوم عليها الحكم في الإسلام . فالدستور الإسلامي بهذا التعريف العام ثابت على مدى الزمن ، لا يمكن تعديله ، أو تغييره ، أو إلغاؤه بحال ؛ لأنه وحي من الله وليس لبشر أن يغير في الوحي أو يبدل. ب - التعريف الخاص : الدستور في الإسلام هو مجموعة القواعد والأحكام الأساسية في الدولة المسلمة، التي تبين نظام الحكم وشكل الدولة ، والسلطات العامة فيها ، والأشخاص والهيئات التي تتولى هذه السلطات ، وارتباطها ببعضها ، وبيان حقوق الأفراد ، وواجباتهم ، صادرة في ذلك عن مبادئ الإسلام العامة ، وتنظيماته في الشؤون الدستورية . وتعريف الدستور بهذا المعنى ، يمكن أن يسمى ( التعريف الفني أو القانوني ) ، وهو الذي تعنى به هذه الدراسة ، والدستور بهذا المعنى لا يعني الأحكام الشرعية الثابتة ، والمبادئ الأساسية لنظام الحكم في الإسلام ، وإنما يعني الدستور في دولة إسلامية - مهما اختلف زمان وجودها ومكانها - الذي يبين التنظيمات الأساسية في تلك الدولة حسب ظروفها وأحوالها ، وقد يختلف عن دستور دولة إسلامية عن أخرى ، باختلاف مكانها أو زمانها . ومما يوضح التعريفين السابقين ، أن الأحكام والقواعد الدستورية في النظام الإسلامي تنقسم إلى قسمين : ثابتة ، وغير ثابتة ، فالثابتة هي ما ورد صريحا من قواعد عامة في نصوص القرآن والسنة ، وما كان محل إجماع علماء المسلمين منها ، في الشؤون الدستورية كالشورى ، والعدالة ، والمساواة ، والتعاون . وغير الثابتة هي الأحكام المستنبطة عن طريق الاجتهاد والرأي ، مما يتعلق بالأساليب والأنظمة ، والتفصيلات التي تختلف تبعا لاختلاف ظروف الزمان والمكان. ووفقا لما عليه الفقه الدستوري المعاصر الذي قسم الدساتير إلى جامدة ومرنة يجد الباحث في المقابل أن قواعد الدستور في الإسلام تشمل النوعين الجامد والمرن ، وهي ما يقصد بها هنا الثابتة وغير الثابتة ، فالثابتة تقابل الجامدة وغير الثابتة تقابل المرنة ، ومن الأمثلة على القضايا الدستورية الثابتة في الإسلام عدم جواز تغيير دين الدولة الإسلامية ، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار . ومن القضايا المرنة : ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بصفته السياسية ، أي باعتباره إماما ورئيسا للدولة ، مما هو مبني على المصلحة الموجودة في عصره صلى الله عليه وسلم ، مثل طريقة إرسال الجيوش . للقتال ، وتولية القضاة والولاة ، وعقد المعاهدات وتدبير أمور الدولة المالية والإدارية ، فهذه أحكام وتشريعات وقتية حسب المصلحة والظروف في ذلك الزمن ، مثل ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم بصفته قاضيا ؛ لأنه يحكم بناء على ما يسمع من حجة ، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض, وإنما أقضي لكم على نحو ما أسمع منكم فمن قضيت له من حق أخيه شيئا ، فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة » رواه البخاري. ثانيا : تدوين الدستور في الإسلام اتضح مما سبق أن الأحكام الدستورية الإسلامية قسمان ، قسم ثابت وقسم غير ثابت ، وعليه فإن الأحكام والقواعد الثابتة لا تتغير مدى الزمن ، سواء دونت فيما يسمى بوثيقة الدستور أم لم تدون ، بل لم يثبت تدوينها على مر التاريخ الإسلامي ، إذ ليس هناك حاجة إلى تدوينها ما دامت ثابتة في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع المسلمين والمفترض أن الدولة الإسلامية يتوفر فيها العلماء والفقهاء الذين يهدون مسيرتها الدستورية ويستندون إلى هذه المصادر . وسواء دونت هذه الأحكام أم لا فإن لها السمو على جميع القوانين والأحكام دستوريها وغير دستوريها ؛ لأنها وحي من الله لا يسمو فوق حكمه حكم . فالبحث في تدوين الدستور إنما هو لدولة إسلامية معينة بما يحتويه من أحكام غير ثابتة ؛ لأنها تختلف من دولة لأخرى ، ولأنها هي التي يجب أن يحتويها الدستور ، أما الأحكام الثابتة فإن تدوينها في دستور دولة معينة أمر لا لزوم له كما سبقت الإشارة إليه ؛ لأن هذه الأحكام ثابتة في آيات القرآن وتفسيرها والأحاديث وشروحها ، ومباحث الفقه وأصوله ؛ ولأن هذه الدولة الإسلامية يجب أن تلتزم في دستورها بأحكام الشرع وأن لا تخالفها ، وبالتالي فلها أن تعد دستورها وفق ظروفها ، موافقة في ذلك شرع الله ، ويحتوي هذا الدستور الأحكام الخاصة بدستور هذه الدولة . وفي هذا المجال نجد بعض الباحثين في شأن الدستور الإسلامي يرى أن هناك تدوينا للدستور في بعض العصور ، ويمثل بالوثيقة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة ، ويعتبرها دستورا للدولة في ذلك العصر ، موافقا لظروف ومتطلبات الوقت الذي وضع فيه ، والحقيقة أن هذه الوثيقة تحوي أحكاما دستورية تعالج بعض القضايا الدستورية في ذلك الوقت الذي وضعت فيه ، ويمكن الاستئناس بها عند تدوين أي دستور لدولة إسلامية ، ولكنها ليست دستورا كاملا بمعنى الدستور الفني أو الخاص بل هي وثيقة دستورية لها أهميتها في تاريخ الدولة الدستورية . ولم يثبت بعد هذه الوثيقة تدوين يشبهها لأحكام دستورية في الدولة الإسلامية ، بل استمر العمل بالرجوع إلى الأحكام الثابتة ، واستنباط أحكام جديدة لما يستجد من وقائع ، والتعارف على أعراف معينة غير مخالفة لأحكام الشريعة تستقر لفترة من الزمن ، حتى بدأت حركة تدوين الدساتير في الدول الإسلامية بإعلان الدستور التونسي عام 1276هـ الموافق 1861م ثم الدستور العثماني عام 1293هـ الموافق 1876م . اللذين يمكن اعتبارهما أول دستورين إسلاميين بمعنى الدستور الخاص تم تدوينهما . ويستنتج من ذلك وفقا للمعنى الخاص للدستور أنه من الممكن أن توجد دساتير مدونة في بعض الدول الإسلامية وأخرى غير مدونة ، أو توجد بعض قواعد الدستور مدونة وبعضها الآخر غير مدون ، أي أنه ليس هناك إلزام بتدوين الدستور في النظام الإسلامي ، ولا إلزام بعدم التدوين ، وأن ذلك راجع لما تستقر عليه الآراء في الدولة الإسلامية وللظروف المتغيرة ، بحيث قد يكون الأفضل في جهات متعددة التدوين صيانة لحقوق عامة للمسلمين واستئناسا بتوثيق التداين ، { وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا } سورة البقرة آية 282 ، واستئناسا بتدوين السنة مع ورود نصوص تصرف عن ذلك وبالوثيقة النبوية التي كتبها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة . وقد لا يحتاج إلى التدوين في جهات وأزمان معينة إذا أمن جانب صيانة حقوق عامة المسلمين وترجحت مراعاتها ، فليس المهم في النظام الإسلامي النظر إلى الشكل ولكن المهم هو المضمون ، وهو وجود قواعد دستورية راسخة وصريحة متمشية مع حكم الله ، تضمن للحاكم والمحكوم حقوقهما على حد سواء ، وليس ضروريا بعد ذلك أن تكون هذه القواعد مدونة في وثيقة تسمى الدستور أو تكون غير مدونة . ثم إن الدستور بمعناه الخاص في الدولة الإسلامية قد يكون ثابتا أو مرنا حسب ظروف كل دولة ، وما يستقر الرأي الدستوري فيها عليه من أمر بهذا الخصوص ، ولا علاقة بين تدوين الدستور وثباته ، فقد يكون الدستور مدونا ومرنا ، وقد يكون ثابتا وهو غير مدون ، والعكس كذلك ، وهذا الثبات الذي أشير إليه هنا متعلق بالدستور بمعناه الفني أو القانوني ، وبالتأكيد فإن الثبات هنا هو ثبات نسبي . وفي حالة تدوين دستور معين لدولة إسلامية ، يجب النص على أن الحكم لله وحده ، وأن السيادة المطلقة لله { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } سورة الأنعام آية 57 . وإن التشريع الملزم هو من عند الله { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } سورة المائدة آية 48 . كما أنه لا يفضل وضع نص قرآني ضمن مواد الدستور ؛ لأن مواد الدستور من طبيعتها التغير ، وليس ذلك من طبيعة نصوص القرآن ؛ ولأن النصوص القرآنية فوق النصوص الدستورية وبالتالي فإن وضعها مادة في الدستور إنقاص من شأنها ، وإنما يستخلص الحكم الدستوري من الآية ، ويذكر أن ذلك استنادا إلى الآية كذا ، ومثال ذلك عندما يراد أن ينص على أن الشورى أساس من أسس الحكم ، لا توضع آية : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } سورة الشورى آية 38 , مادة كبقية المواد ، وإنما يقال مثلا : " إن الشورى أساس من أسس الحكم " ، ثم تفصل كيفية الشورى ونطاقها وفق ظروف الواقعة . والخلاصة : أن تدوين الدستور في الدولة الإسلامية ليس بضرورة ، فالأمر فيه متروك للحاجة والمصلحة ، ويتأكد التدوين عند قلة العلماء المجتهدين ، وضعف الوازع الديني لدى المؤسسات الدستورية ، والخوف على حقوق عامة المسلمين . وعدم تدوين الدستور في الدولة الإسلامية لا يعني عدم وجود المؤسسات الدستورية ، فوجودها غير مرتبط بالتدوين أو عدمه ؛ لأن وجودها مرتبط بوجود الدولة الإسلامية ذاتها . |
#258
|
||||
|
||||
ثالثا : أساليب نشأة الدساتير في الإسلام ونهايتها :
1 - أساليب نشأة الدساتير في الإسلام : سبق الكلام حول أساليب نشأة الدساتير ، حيث يحدد علماء الفقه الدستوري المعاصر عدة أساليب لنشأة الدساتير التي حصروها في : أ - أسلوب المنحة . ب - أسلوب التعاقد . جـ - أسلوب الجمعية الوطنية المنتخبة . د - أسلوب الاستفتاء التأسيس . وقد رجحت الرأي القائل بأن حصر أساليب نشأة الدستور أمر غير مسلّم وأن كل أسلوب من الأساليب المذكورة يمثل الأسلوب الذي اتبع في مرحله معينة لها ظروفها التي أدت إلى وجود هذا الأسلوب ، وأنه قد تستجد أساليب جديدة وفق ظروف معينة ، إضافة إلى أن الأساليب المذكورة تمثل ما تم اتباعه في ظل الأنظمة الغربية التي هي نتيجة لثقافة وظروف وتاريخ تلك الأنظمة ، وأنه قد تتبع أساليب أخرى بالنسبة للنظام الإسلامي ؛ وذلك لاختلاف الظروف الحضارية والتاريخية لهذا النظام عن النظم الغربية المعاصرة . ومن الباحثين في الفقه الدستوري الإسلامي من حدد أساليب أو أسلوبا معينا لنشوء الدستور في الدولة الإسلامية ، كأسلوب المنحة وأسلوب التعاقد ، أو أسلوب الجمعية الوطنية المنتخبة ، وهذا أمر غير مسلم به كذلك ؛ لأنه قد تستجد أساليب أخرى بتغير الظروف ، ثم إن اختيار أسلوب من الأساليب المتبعة في الأنظمة الغربية ، وتحديده أسلوبا لنشوء الدستور في النظام الإسلامي أمر غير مقبول ؛ لأن النظام الإسلامي متميز عن ما سواه من الأنظمة الوضعية ، وإن وافق في شيء من الجزئيات بعض هذه الأنظمة ، فذلك لا يعني أن يصبغ النظام الإسلامي بصبغة هذه الأنظمة ، فهو نظام له خصوصيته واستقلاليته . فالدستور في ظل النظام الإسلامي قد ينشأ بأسلوب مشابه شكلا لأحد الأساليب المستخدمة في الأنظمة الغربية ، أو بأسلوب مختلف ومعايير لجميع تلك الأساليب ، فالباحث في هذا المجال يجب أن يتحرر من إلزام نفسه باتباع المنهج الغربي التقليدي لتميز النظام الإسلامي في هذا المجال عن غيره من الأنظمة ، فنشأة الدستور في النظام الإسلامي مرتبطة بالشرعية الإسلامية وأحكامها ، فمن المعروف أن الأحكام الدستورية الثابتة ليست منحة من البشر ، وليست كذلك مجالاللمناقشة بقبولها أو رفضها سواء من الحكومات ، أو من الشعوب فهي ملزمة للجميع ، فمعروف أن السيادة في الإسلام لله وحده وليست للحكومة أو للشعب كما في بعض النظم ، وبالتالي فالدولة تتقيد في سيادتها الداخلية والخارجية بالإسلام ولا تخرج على أحكامه ، فأحكام الإسلام لها السيادة المطلقة ، والأحكام الدستورية المتغيرة التي قد تدون فيما يسمى بوثيقة الدستور هي التي يكون المجال لنشوئها متروكا للأسلوب الذي يوافق ظروف الدولة الإسلامية وقت نشوء هذا الدستور الذي لا يخرج بحال عن أحكام الإسلام ولا يخالفها ، وبالتالي فإن مسألة موافقة الحاكم أو الشعب على الدستور في ظل النظام الإسلامي مسألة نسبية ، فالحكم المطلق والتشريع المطلق في الإسلام لله وحده ، وإنما يكون اختيار الناس وموافقتهم فيما لم يرد فيه نص قاطع وما كان محلا للاجتهاد من أهل الاجتهاد , كل في تخصصه حسب الوقائع فلكل واقعة تتطلب الاجتهاد وأهلها ؛ فينبغي التفريق هنا بين تحرير الواقعة التي يؤخذ فيهما رأي ذوي الخبرة من ساسة واقتصاديين ومهندسين وأطباء ، أو عامة مستفيدين مما كان منفعته عامة ، وبين ما كان اجتهادا في إظهار الحكم الشرعي وليس ذلك إلا لذوي العلمبالشريعة من أفراد تكمل بهم أداة الاجتهاد تفسيرا وحديثا وفقها وأصولا ولغة وبلاغة . إذن فنشأة الدستور في الدولة الإسلامية مرتبطة بالتزام المجتمع ، والدولة بالإسلام عقيدة وشريعة ، ثم إن بيعة الناس للحاكم ملزمة للطرفين بالتحاكم إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالتالي فإن الدولة المسلمة ملزمة بالدستور الإسلامي ، ولا يتصور وجود حاكم مسلم أو دولة مسلمة غير ملتزمة بهذا الدستور . فنشأة الدستور بالمعنى المتعارف عليه لدى فقهاء القانون غير وارد في النظام الإسلامي ؛ لأن الأحكام الدستورية الثابتة موجودة أصلا ولا داعي لإنشائها ، أما الأحكام المتغيرة فمردها إلى المجتهدين من العلماء المسلمين ، وإن كان هناك تشابه بين أسلوب نشوء - هذه الأحكام المتغيرة ، وأحد الأساليب المتعارف عليها لدى الفقهاء القانونيين فهذه المشابهة شكلية فقط . 2 - أساليب نهاية الدساتير في الإسلام : ذكر في الباب الأول الأساليب التي ينتهي بها الدستور عادة ، وفقا للفقه الدستوري الوضعي وهي : أ - الأسلوب السلمي . ب - الأسلوب غير العادي . ت - أسلوب العرف . والنظام الدستوري الإسلامي يختلف عن النظم الوضعية ، ذلك لأن جزءا من أحكامه وحي ، والوحي غير قابل للتعديل والإنهاء من البشر . أما الجزء الآخر من أحكامه والتي قد تقنن ، بناء على الاجتهاد والمصلحة في الدولة الإسلامية ، فهذا يرجع لما يتفق عليه أهل الرأي حول إنهاء الدستور أو بعض أحكامه ، فقد تنهى عن طريق الأسلوب الذي وضعت به ، أو أي أسلوب يضمن عدم انتهاك حقوق الأفراد . وهو ما يشبه إلى حد ما الأسلوب السلمي ، أو قد تنهى بعض أحكام الدستور بسبب تقادمها وعدم إمكانية تطبيقها فتهمل ، أو ينشأ حكم جديد يتعارف عليه يكون ملغيا لحكم غير مبني على حكم شرعي ثابت ، بشرط أن لا يكون في إلغائه ضرر ، وأن لا يكون الحكم الجديد مخالفا لأحكام الشرع . أما ما اصطلح عليه في الفقه الوضعي بالأسلوب غير العادي أو الأسلوب الثوري ومقتضاه أن توجد ظروف وأوضاع تؤدي إلى إلغاء الدستور أو تعطيله فهذا لا يوجد نظيره في الإسلام فيما يتعلق بالدستور بمعناه الثابت أو العام ؛ لأن المسلمين ملتزمون بدستورهم بحكم إيمانهم وعقيدتهم ، وتطبيق الدستور دين ملتزمون به ، أما فيما يتعلق بالدستور بمعناه الخاص أو الفني فالأمر فيه راجع لأهل الحل والعقد . الإسلام والدستور |
#259
|
||||
|
||||
الدستور الإسلامي
الدستور لفظة غير عربية يراد بها عدة معاني من أهمها: القاعدة أو الأساس الذي يُبنى عليه، وأكثر ما تُستخدَم هذه الكلمة في عالمنا المعاصر في المجال السياسي، ويراد بها القانون الأعلى في الدولة؛ فهو بهذه المثابة أبو القوانين الذي تنبثق منه بقية القوانين التي تحكم المجتمع في مجالاته المتعددة كافة؛ حيث يُنَص فيه على شكل الدولة وشكل الحكومة ونظام الحكم والسلطات العامة في الدولة؛ فيبين ما السلطات العامة وكيفية تكوينها، واختصاصات كل سلطة وحدودها، والعلاقة بين السلطات، وصلاحيات كل سلطة، وكيفية الرقابة على السلطات، وحقوق الأفراد والجماعات الأساسية وواجباتهم وحرياتهم، وضمانات حفظ ذلك. والدستور غريب في لفظه وكيفيته على الفقه السياسي الإسلامي في عصر الراشدين وما تلاه من العصور، وإن كان كل ما يتضمنه الدستور تدل عليه أحكام الشريعة؛ سواء بالموافقة أو الرفض. والمؤلفات في الأحكام السلطانية مما يمكن أن تُعَد النواة لكتابة الدساتير في الفقه السياسي الإسلامي ولو تفحصنا كتاباً مثل كتاب الأحكام السلطانية للماوردي لوجدناه يشتمل على حديث في كثير من الأمور التي تتضمنها الدساتير؛ حيث عقد باباً للإمامة (رئاسة الدولة) تكلم فيه عن حكم نصب الإمامة وشروط الإمام، وكيفية وصوله لمنصبه، وشروط من يختاره لهذا المنصب، ثم تحدث عن واجبات الإمام (أي حقوق الملة والأمة تجاهه وحقوقه على الأمة)، كما تحدث عن المسوغات التي يفقد بها الإمام منصبه إذا تحققت فيه، وعقد باباً للحديث عن الوزارة؛ فبين أنواعها والشروط التي ينبغي وجودها في من يلي هذا المنصب وعقد باباً للحديث عن أمراء الأقاليم، وباباً في الحديث عن الإمارة على الجهاد، وباباً في الحديث عن الولاية على حروب المصالح، وكل ما تقدم يدخل في ما يسمى الآن بالسلطة التنفيذية. كما عقد باباً في ولاية القضاء تحدث فيه عن شروط من يتولى القضاء وكيفية انعقاد ولاية القضاء وحدود ولاية القاضي، وهذه تعد بالمعايير المعاصرة السلطة القضائية. كما عقد باباً لولاية المظالم وهي معنية بالنظر في المقام الأول في تعديات الولاة على الرعية وهي تُعَد في أيامنا هذه من باب القضاء الإداري، وهكذا حتى أتم عشرين باباً، تناول أموراً في صلب ما يسمى بالدستور. لكن هناك فروقاً جوهرية بين كتب الأحكام السلطانية وبين الدساتير تتمثل في: 1 - أن كتب الأحكام السلطانية عندما تذكر الأحكام فإنها تذكرها من قبيل المدارسة الفقهية، بينما ما تذكره الدساتير تذكره على أنه أحكام باتة نافذة ملزِمة. 2 - أن كتب الأحكام السلطانية تشتمل على ما يعد من قبيل المواد الدستورية والمواد الأقل شأناً؛ أي في منزلة القانون العادي، بينما الدساتير تتضمن فقط المواد التي يمكن أن تُعَد أنها مواد دستورية دون أية مواد أخرى. 3 - والفرق الثالث أن كتب الأحكام تُكتَب من طرف أهل العلم وليس هناك أية آلية يجب اتباعها لكتابة المؤلفات في الأحكام السلطانية؛ فيمكن لكل عالم أن يكتب كتاباً في ذلك يضمِّنه مذهبَه ورأيَه واختياراته ويمكن لأي عالم أن يرجع عن بعض أقواله إذا تبين له أن هناك ما هو أصوب من رأيه المرجوع عنه؛ من غير أن يكون هناك طريق يجب عليه سلوكه في ذلك. بينما الدستور يوضع وَفْقَ آلية معيَّنة وهو دستور وحيد للدولة، ويظل سارياً نافذاً ولا يمكن التراجع عن بعض أحكامه إلا وَفْق آلية معيَّنة. إذا نظرنا لبعض الدساتير المعاصرة التي كتبت من منظور إسلامي فسنجد أنها تناولت ما تتناوله الدساتير الوضعية (عناوينَ وموضوعاتٍ) لكنها تختلف عنها في كونها تثبت الوجهة الإسلامية في كل ما تذكر، وقد تضيف بعضَ المواد الدستورية التي لا نظير لها في الدساتير الوضعية؛ نظراً لطبيعة شمول أحكام الإسلام لكل ما يتعلق بالفرد والجماعة، لكن الحقيقة ليس هناك ضابط موضوعي يضبط الموضوعات التي يشملها الدستور والتي لا يشملها. |
#260
|
||||
|
||||
مكونات الدستور الإسلامي:
يحتوي الدستور الإسلامي على مجموعة من المواد تعالِج وضع الدولة بين الدول وعلاقة الدولة بغيرها من الدول الإسلامية، ودين عامة أهلها، ووضع الطوائف المغايرة للأغلبية، ووضع الفرد من حيث الحقوقُ والحرياتُ والواجباتُ، ومجموعة من المواد التي تعالج النظام السياسي، ومجموعة من المواد التي تعالج الوضع الاقتصادي، ومجموعة من المواد التي تعالج الحالة الاجتماعية: كالتعليم والصحة والأسرة والزواج والطلاق، ومجموعة من المواد التي تبيِّن أسس المجتمع الإسلامي: يذكر فيها محورية الإيمان بالله واليوم الآخر والتحاكم إلى شرع الله - تعالى - وأن الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع وأن كل ما خالفها باطل، ومجموعة من المواد التي تبيِّن السلطات في الدولة والعلاقة بينها، ومجموعة من المواد التي تتحدث عن الشورى والتشريع والرقابة. كما يتبين في الدستور الإسلامي الغاية الإسلامية التي تسعى إليها الدولة، وحدود طاعة الرعية لها والأحوال التي تصبح معها الرعية في حِلٍّ من طاعتها أو مقاومتها. مصادر الدستور الإسلامي: مصادر الدستور الإسلامي تنحصر في مصادر ثلاثة: 1 - القرآن الكريم: الذي فيه الإرشاد والدلالة على الخير كله في أمور الدنيا والآخرة كلها، والذي ضمَّنه الله الهداية والسعادة لمن اتبعه وجعله إمامه وأمامه ولم يجعله خلفه أو تابعاً. 2 - سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: وهي التفسير العملي لما جاء في كتاب الله تعالى. وقد أوجب الله - تعالى - طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بل علق الإيمان بتحكيم الرسول في كل شيء من شؤوننا وأقسم على ذلك بذاته العَلية فقال - تعالى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]. 3 - سنة الخلفاء الراشدين: وهم الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعهم؛ حيث قال: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين..." ، فقد وطدوا - رضي الله تعالى - عنهم دعائم الدولة وانتقلت السلطة في مدة ثلاثين سنة إلى أربعة خلفاء كل منهم بطريقة مباينة لبقية الطرق وهو ما أوجد قدراً من السوابق الدستورية التي تثري هذا الباب من العلم. ما تقدم يمثل المصادر الأصلية للدستور، وهناك ما يُعَد من قبيل المصادر التبعية التي لا تستقل بإفادة المطلوب؛ وإنما لا بد من اعتمادها على المصادر الأصلية وهي اجتهادات المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. تدوين الدستور: المقصود بتدوين الدستور أن تدوَّن المسائل التي يعالجها الدستور في وثيقة مكتوبة تكون لها السمو والعلو على جميع القوانين السائدة في المجتمع، وهذه الوثيقة (الصك) يطلق عليها الدستور. إن المسائل التي ينظر إليها على أنها دستورية لم تفرَد في الدولة الإسلامية على مدى أكثر من اثني عشر قرناً عن بقية المسائل التي تضمنتها الشريعة، ومن لوازم ذلك ألا يكون هناك تدوين لتلك المسائل مجتمعة في وثيقة واحدة. والحقيقة أن التدوين لا يحتاج الناس إليه في كل أحوالهم، بل يُحتَاج إليه عند توافر شروط معيَّنة، ومن أهم دواعي تدوين الدستور عند شعب من الشعوب أن لا يكون لهذه الشعوب مصادر قانونية تحظى بالاحترام والتقدير من الشعب جميعه، وحينئذٍ يكون الاتفاق على وثيقة (دستور) يتفق عليها الناس تقود النظام السياسي للبلاد مخرجاً من التفرق والتناحر الذي يمكن أن تنجرف إليه كل طبقات المجتمع في حالة عدم وجود مثل تلك الوثيقة؛ حيث تحدد الوثيقة الحقوق والواجبات والمسؤوليات والصلاحيات والعلاقات بين مكونات المجتمع؛ سواء الأفراد أو الجماعات أو الحكومة، ومن البيِّن أن الدول الإسلامية تنفرد عن بقية دول العالم بخاصية لا توجد في دولة غيرها؛ وذلك أن الدول الإسلامية لها دين محفوظ معلوم المصادر، له في كل ما ينزل بالمجتمع والجماعة والأفراد حكمه وهدايته، ويتمتع حكم الإسلام وهدايته بالاحترام والتقدير والتقديس من كل نفس تشهد أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن ثَمَّ فليست هناك دواعٍ موضوعيةٌ لكتابة دستور؛ إذ يكفي في ذلك نشر العلم بالفقه السياسي وتفعيل دور مؤسسة الحسبة في الجانب السياسي، لكن لو اختار الناس أن يكون للبلد دستور مكتوب فليس هناك ما يمنع من ذلك إذا كان الدستور يحافظ على الأحكام الشرعية المتعلقة بالسياسة وهذا لا يمكن حدوثه إلا إذا كانت صياغة الدستور تحدث من قِبَل علماء الشريعة أو تحت إشرافهم الكامل. |
#261
|
||||
|
||||
تعديل مواد الدستور:
في جميع الدساتير الوضعية توجد آلية محددة لتعديل أو تغيير بعض مواد الدستور، وذلك نابع من أن الدستور يوضع معبِّراً عن تصورات الشعب وتطلعاته وَقْتَ صدوره، لكن هذه التصورات والتطلعات عرضة للتغير مع مرور الزمن من أجل ذلك تحسَّبوا لذلك عن طريق إمكانية التعديل أو الإلغاء، وأما الدستور الإسلامي فينبغي ألا توضع فيه إلا الأحكام التي لا تكون عرضة للتغير بمرور الزمن حتى يحفظ للدستور هيبته ولا يكون عرضة للتغيير حسب آراء أو أهواء بعض الناس، وأما الآليات التي تكون عرضة للتغيير فوضعها في وثيقة أخرى أدنى من الدستور منزلة قد يكون أوفق من وجهة نظري. وعندما يوضع الدستور على النحو الذي ذكرته لا يكون الدستور عرضة للتغيير ومن ثَمَّ يكون إلزامه ليس قاصراً على الجيل الذي وضع الدستور؛ بل يمتد ليشمل الأجيال التالية، وبهذا أيضاً يكون الدستور للبلاد الإسلامية كلها دستوراً واحداً، وهو ما يوجِد تجانساً كبيراً بين تلك الدول ويقرِّب ما بينها. مشروعات الدساتير الإسلامية المعاصرة: اطلعتُ على عدة مشروعات لدساتير إسلامية من ذلك: 1 - إعلان دستوري إسلامي للمستشار الدكتور علي جريشة - رحمه الله - وهو مكون من 49 مادة. 2 - نموذج لدستور وضعه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وهو مكون من 141 مادة 3 - نموذج لدستور إسلامي وضعه الدكتور مصطفى كمال وصفي نائب رئيس مجلس الدولة المصري - رحمه الله - وهو مكون 74 مادة. 4 - نموذج لدستور إسلامي أقره المجلس الإسلامي العالمي في إسلام أباد وهو مكون من 87 مادة. هذه المشروعات مجموعة في كتيب واحد على الترتيب الذي أوردته هنا تحت اسم إعلان دستوري إسلامي صادر عن دار الوفاء للطباعة والنشر بالمنصورة بمصر. |
#262
|
||||
|
||||
الشورى في حياة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام الشورى لها مكانة عظيمة في ديننا الإسلامي، وقد سمى الله تعالى سورة في القرآن الكريم باسم الشورى. والشورى هي أن يأخذ الإنسان برأي أصحاب العقول الراجحة والأفكار الصائبة، ويستشيرهم حتى يتبين له الصواب فيتبعه، ويتضح له الخطأ فيجتنبه، وهي تكون في الأمور التي ليس فيها أمر من الله، أو أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ إنه لا شورى مع وجود نص شرعي. ولقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يشاور المسلمين، ويأخذ آراءهم، فقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159). وإن المتأمل لسيرته وحياته صلى الله عليه وسلم رغم علو منزلته عند ربه، ومكانته بين أصحابه، يجده كثير التشاور معهم، بل وحتى مع زوجاته صلى الله عليه وسلم، ومن ثم كان أصحابه رضي الله عنهم يبادرونه بالرأي والمشورة، ولكن في الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي، أما ما ورد فيه نص، فليس أمام المسلم سوى القبول والتسليم، وإن خالف عقله وهواه، ومشاهد الشورى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته المطهرة كثيرة. ففي أمور الحرب، تبرز مواقف النبي صلى الله عليه وسلم التي شاور أصحابه فيها، ابتداء بغزوة بدر، حيث شاورهم في الخروج لملاقاة العدو، واختيار المكان الذي ينزلون فيه، وقال صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة: (أشيروا علي أيها الناس)، ثم تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عند أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحُبَاب بن المنذر ـكخبير عسكري ـ وقال: يا رسول الله! أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟! فقال صلى الله عليه وسلم: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة)، فقال الحباب: يا رسول الله! إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ـأي جيش المشركين- فننزله ونغوِّر (نخرب) ما وراءه من الآبار، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماءً، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أشرتَ بالرأي). فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي الحباب ومشورته، ونهض بالجيش حتى أقرب ماء من العدو، فنزل عليه ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من الآبار. وفي غزوة (أُحد) جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وشاورهم في البقاء في المدينة والتحصن فيها أو الخروج لملاقاة المشركين، وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم البقاء في المدينة، إلا أن الكثير من الصحابة ـخاصة الذين لم يشهدوا بدراًـ أشاروا بالخروج للعدو، فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم على رأيهم. وعندما أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بفكرة حفر الخندق، استحسن النبي صلى الله عليه وسلم فكرته وأمر بتنفيذها، فكانت سبباً رئيسياً من أسباب النصر في تلك الغزوة. لقد ربَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وعودهم على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى ولو خالفت رأيه، فهو إنما يشاورهم فيما لا نص فيه، تعويداً لهم على التفكير في الأمور العامة ومعالجة مشاكل الأمة، ولم يحدث أن عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم أحداً لأنه أخطأ في اجتهاده ولم يوفق في رأيه ومشورته. ولو ذهبنا بعيداً عن المعارك والحروب، لوجدنا أيضاً في حياته وسيرته صلى الله عليه وسلم الكثير من المواقف التي ظهر من خلالها اهتمامه وترسيخه للشورى بين المسلمين. فشاور صلى الله عليه وسلم كلاً من علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما في قضيّة الإفك، وشاور الناس في كيفيّة التعامل مع من آذاه في عرضه الشريف. وفي صلح الحديبية، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عزم على الخروج إلى مكة، والصحابة يحلمون بعمرة يزورون فيها بيت الله الحرام، فلما علموا بالصلح والرجوع، حزنوا وتثاقلوا مع أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذبح الهدي والحلق، ظنا منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتحلل من الإحرام أخذا بالرخصة في حقهم، وأنه سيستمر هو في إحرامه، فأشارت عليه زوجته أم سلمة رضي الله عنها بمباشرة النحر وحلق الشعر بنفسه، فسارع الصحابة رضوان الله عليهم لامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان رأيها سديداً ومشورة مباركة. وحين دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً لها، أشار عليه عمه العباس بقوله: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئاً، فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لمشورة عمه، وقال: (نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن) رواه أبو داود. وقد حدث بهذه المشورة تثبيت لأبي سفيان رضي الله عنه على الإسلام وتقوية لإيمانه. لا شك أن الشورى التي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم عليها بقوله وفعله، يتحقق من ورائها أهداف عظيمة، فهي تعمل على نشر الألفة بين أفراد المجتمع، وهي وسيلة للكشف عن أصحاب الرأي السديد، ومَنْ بإمكانهم وضع خطط يؤخذ بها في المواقف الصعبة الطارئة، مما يفتح الباب للاستفادة من كل العناصر المتميزة في المجتمع، وحينما تكون الشورى أمراً إلهياً وسلوكاً نبويًّا، فإن المجتمع الذي يتمسك بها، ويسير على دربها، سيحوز الأمن والأمان والتوفيق والنجاح، قال الله تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159)، وقال: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (الشورى:38). |
#263
|
||||
|
||||
محمد عليه الصلاة والسلام الرسول القائد لابد أننا نجزم ونؤكد على أن رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- هو رجل دولة الأول: سياسياً وعسكرياً. وفي كل مرة كان في القمة التي لا يرقى إليها أحد وهو الأمي الذي لا يعرف قراءة ولا كتابة مما يدل على أن المسألة هنا ربانية المبدأ والطريق والنهاية. ولابد أن لنجاح القيادة السياسية نقاط توقف نختصرها كما يلي:
ولنستعرض جوانب سيرة رسول الله، تلك الجوانب العملية لنرى براهين ذلك: 1 - استيعابه - صلى الله عليه وسلم- لدعوته نظرياً وعملياً وثقته بها وبانتصارها: لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- واضحاً تماماً في أن منطلق دعوته هو أن الحاكم الحقيقي للبشر لا يجوز أن يكون غير الله. وأن خضوع البشر لغير سلطان الله شرك، وأن التغيير الأساسي الذي ينبغي أن يتم في العالم هو نقل البشر من خضوع بعضهم لبعض إلى خضوع الكل لله الواحد الأحد. والأمثلة كثيرة ولكني سوف اختار لكم منها: طالب المشركين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة أن يطرد المستضعفين من المسلمين حتى يجلسوا إليه، وفي كل مرة كان يتنزل قرآن ويكون موقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرفض، ومن هذه ما أخرجه أبو نعيم عن ابن مسعود قال : من الملأ (أي السادة) من قريش على رسول الله وعنده صهيب وبلال وخباب وعمار –رضي الله عنهم– ونحوهم وناس من ضعفاء المسلمين فقالوا (أي الملأ مخاطبين رسول الله): أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء الذين منَّ الله عليهم؟ اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم اتبعناك قال: فأنزل الله عز وجل: وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ. أخرجه أحمد والطبراني. وبذلك يكفيك أن تعلم أن الناس يعتبرون العمل السياسي الإسلامي عملاً مثالياً لا يستطيعه أي إنسان فإذا ما عرفنا بعد ذلك أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- استطاع أن يقود الناس بهذا الإسلام. فلا نجد موقفاً من مواقفه تناقض مع نصوص ومبادئ دعوته، وعلمت أنه ما من زعيم سياسي إلا ويضطر للتناقض، إما لاحقا مع سابق أو دعوى مع عمل أو داخلياً مع خارجي، أدركت مدى الكمال في القيادة المحمدية، وخاصة إذا عرفت أنه لم يستطيع أن يرتفع من حكّام الأمة الإسلامية إلى القيادة بالإسلام الكامل بحق، إلا أفراد منهم الخلفاء الراشدون الأربعة، أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد ساس الناس بالإسلام ولم ينزل بالإسلام إلى مستوى الناس، بل رفع الناس إلى مستواه على وتيرة واحدة ونسق واحد في الفكر والعمل. 2 - استطاعته -صلى الله عليه وسلم- الاستمرار بدعوته تبليغاً وإقناعاً: هناك شيئان أساسيان يجب أن يتفطّن لها قادة الحركات السياسية الفكرية الجديدة: أ) الحرص على استمرار عملية التبليغ والإقناع. ب) البصر الحكيم بالموقف الذي يتخذ من الخصم. إن أي دعوة من الدعوات إذا لم تستطع تأمين عملية استمرار التبليغ والإقناع تجمد ثم تنحصر ثم تموت. وأي دعوة من الدعوات لا تتخذ الموقف المناسب من الخصم تضرب ضربة ساحقة ثم تزول. عندما ندرس هذين الجانبين في العمل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تجد أنه -صلى الله عليه وسلم- قد نجح فيهما. فرغم تألب الجزيرة العربية كلها عليه، ورغم العداء العنيف الذي ووجه به، ورغم كل شئ فإن عملية التبليغ لم تنقطع لحظة من اللحظات. أما للأمر الثاني، فأنت تلاحظ حكمة مواقفه تجاه العدو، فهو في مكة يصبر ويأمر أتباعه بالصبر، ولم يأمر بقتالهم، ولو فعل ذلك لخسر أتباعه قتلاً، ولشغل بذلك في قضايا الثأر، ولما أمكنه أن يتابع عملية التبليغ. فكسب بهذه الخطة كثيراً من القلوب.فإذا ما انتقل إلى المدينة رأيت تجدد مواقفه على حسب الظروف الجديدة من معاهدة إلى سلام إلى حرب إلى ضربة هنا ووثبة هناك. ولكن هذا كله لم يؤثر بتاتاً على عملية تبليغ الحق وإقناع الناس به على كل مستوى وبكل وسيلة ملائمة.وخلاصة القول: لا توجد حركة سياسية تقوم على أساس عقدي نجحت كما نجحت دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي فترة قصيرة، وهذا يدلنا على أن الأمر أكبر من أن يكون –لولا التوفيق الإلهي– لهذا الرسول الأعظم الفذ على مدى التاريخ بين الرجال. 3 - قدرته صلى الله عليه وسلم على استيعاب أتباعه تربية وتنظيماً وتسييراً ورعاية: أ) ألا تقدر هذه الدعوة على أن تربي أتباعها تربية نموذجية بحيث يعطي أتباعها صورة حسنة عنها، مما يؤدي إلى نفور الناس منها كأثر عن نفورهم من أصحابها، فيكون التابع حجة على الدعوة بدلاً من أن يكون حجة لها. وعلى العكس من ذلك إذا ما ربي أفرادها تربية نموذجية حية فإن الناس يؤمنون بهم قبل إيمانهم بدعوتهم، ويحبونهم قبل أن يعرفوا ما يدينون به، وكم رجال ضربوا دعوتهم بسلوكهم مع أنهم يحملون دعوة عظيمة. ب) أن يدخل الدعوة ناس ولا تستطيع هذه الدعوة أن تسخر طاقاتهم في سبيلها. وأمثال هؤلاء يكونون في وضع مشلول فلا هم ضد الدعوة ولا هم يقدمون شيئاً لها. هذه النواحي الثلاث لابد من تلافيها لأي دعوة تقوم على أساس مبدأ معين وعدم تلافيها يعطل سير الدعوة ويقتلها. ومن دراستنا لحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- نجد أنه يتجنبها وتجد ما يقابلها بشكل لا مثيل له بحيث لا تستغرب بعد كيف انتصرت هذه الدعوة وهذه الجماعة وكيف توسعت على مر الأيام.فنرى:
أن الدعوة العقدية السياسية تصاب من قبل أتباعها بسبب قيادتها من نواح ثلاث: ج) عندما لا يحس الأتباع بالرعاية الدائمة، والملاحظة التامة، وعندما لا يوضعون فيما يحس وضعهم به، أو عندما يحسون بأنهم منسيون، أو عندما لا يعرف الإنسان محله ومهمته بها، كل هذا يؤثر على نفسية الأتباع ويولد عندهم فتوراً عن الدعوة. أخرج ابن إسحاق عن أم سلمة أنها قالت: لما ضاقت مكة وأوذي أصحاب رسول الله وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم وأن رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شئ مما يكره، ومما ينال أصحابه. فقال لهم رسول الله: (إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه). وقد وجههم مرتين إلى الحبشة. مرة في السنة الخامسة، ومرة في السنة السابعة. حيث كان المسلمون مقدمين على أعظم مراحل الاضطهاد مرحلة المقاطعة الشاملة.والأمثلة كثيرة وفيها دلالة على مبلغ دقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في توجيه أصحابه بالشكل الذي يحمون فيه ويأمنون، وكيف أنه لا ينسى أحد منهم بل يستوعبهم جميعاً برعايته، وكيف يعدهم للحظة المناسبة، وكيف يسيّر كل واحد منهم بحكمة تناسب وضعه. 4- الثقة التي كان يتمتع بها -صلى الله عليه وسلم- عند أتباعه:للثقة بين الناس وقائدهم أهمية عظيمة جداً عند أصحاب الفكر السياسي، لذلك ترى في أنظمة الحكم الديمقراطية أن الحكومة تبقى حاكمة ما دامت متمتعة بثقة شعبها التي تعرفها ببعض الوسائل، وهذا حال الناس الذين يثقون بحكوماتهم ومتعاونين معها فإنهم يستطيعون بالتالي أن يسدوا النواقص. أما إذا فقدت الثقة فقد تلاشى كل شئ وفقدت الأمة قوتها ويضعف روحها المعنوية ويضرب اقتصادها وبالتالي يهوي بها.لذلك كان من أهم عوامل القائد السياسي لأمة ثقة الأمة به ومحبتها له، فإن هذا إذا وجد يعوض كل النواقص وكل الفراغات فإذا ما وضح هذا بشكل عام نقول: أن تاريخ العالم كله لا يعرف مثلاً واحداً يشبه ما كانت عليه ثقة أتباع الرسول –صلى الله عليه وسلم- به. إن ثقة الناس بالقائد الرسول كانت ثقة غير متناهية يكفي لإدراكها أن ترى بعضاً من مواقف الصحابة في أدق وأصعب وأحوج الأحوال:قال أبو الهيثم بن التيهان: يا رسول الله وإن بيننا وبين الناس حبالاً (أي أحلافاً وعهوداً) فلعلنا نقطعها ثم ترجع إلى قومك وقد قطعنا الحبال وحاربنا الناس. فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله وقال: الدم الدم، الهدم الهدم، وفي رواية: بل الدم الدم والهدم الهدم. أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم. ثم أقبل أبو الهيثم على قومه فقال: يا قوم هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشهد أنه لصادق وأنه اليوم في حرم الله وأمنه وبين ظهري قومه وعشيرته، فاعلموا أنه إن تخرجوه رمتكم العرب عن قوس واحدة، فإن كانت طابت أنفسكم بالقتال في سبيل الله وذهاب الأموال والأولاد فادعوه إلى أرضكم فإنه رسول الله حقاً، وإن خفتم خذلاناً فمن الآن. فقالوا عند ذلك: قبلنا عن الله وعن رسوله ما أعطيانا، وقد أعطينا من أنفسنا الذي سألتنا يا رسول الله، فخل بيننا يا أبا الهيثم وبين رسول الله فلنبايعه، فقال أبو الهيثم: أنا أول من بايع. |
#264
|
||||
|
||||
الأمثلة كثيرة وكلها تشعر الإنسان بمقدار الثقة التي كانت تملأ قلوب هذا الرعيل الأول مع معرفتهم بما سيترتب على هذه البيعة من آثار مخيفة. والحقيقة أن شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم كانت- من الأسر والقوة والنفاذ بحيث لا يملك من يخالطها إلا أن يذوب فيها، إلا إذا كانت شخصية معقدة، ولعل في قصة مولاه زيد بن حارثة ما يؤكد هذا المعنى. إذا يأتي أبو زيد وأعمامه ليشتروه ويرجعوا به إلى أهله حراً ولكن زيداً يختار صحبة محمد مع العبودية والغربة، على فراقه مع الحرية ولقاء الأهل. وهذه ظاهرة عجيبة أن يصارح زيد أهله بهذا، وهو ليس صغير السن بل كان وقتذاك ناضج الفكر فكافأه محمد -صلى الله عليه وسلم- (كان ذلك قبل النبوة) أن حرره وتبناه.
5 - استطاعة القائد الاستفادة من كل إمكانيات الأتباع العقلية والجسمية أثناء الحركة، مع المعرفة الدقيقة بإمكانية كل منهم ووضعه في محله:إن عبقرية القيادة لا تظهر في شئ ظهورها في معرفة الرجال، ووضع كل في محله، واستخراج طاقات العقول بالشورى، واستخلاص الرأي الصحيح. وفي كل من هذين كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأسوة العليا للبشر.إن الشورى في فن السياسة عملية تستجمع فيها طاقات العقول كلها لاستخلاص الرأي الصالح، ويتحمل فيها كل فرد مسؤولية القرار النهائي، ويقتنع فيها كل فرد بالنتيجة. فيندفع نحو المراد بقوة وترتفع بها ملكات الفرد وروح الجماعة. ويبقى الإنسان فيها على صلة بمشاكل أمته وجماعته، ولذلك جعل الله أمر المسلمين شورى بينهم، حتى يتحمل كل فرد من المسلمين المسؤولية كاملة ولا يبقى مسلم مهملاً.والظاهرة التي نراها في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كقائد. حبه للشورى وحرصه عليها ومحاولته توسيع دائرتها واستخلاصه الرأي الأخير في النهاية:قبيل غزوة بدر استشار الناس فأشار المهاجرون، فلم يكتف ثم استشار الناس فأشار الخزرج والأوس، ثم اتخذ قراره الأخير حتى يمحو أي تردد عن أي نفس. وقبيل يوم أحد استشار الناس وأخذ برأي الأكثرية. ويوم الأحزاب أخذ برأي سلمان الفارسي. ويوم الحديبية أشارت عليه أم سلمة زوجته فأخذ برأيها.أنها القيادة التي لا تستكبر أن تنزل على رأي مسلم كائناً من كان، ما دام الرأي سليماً صحيحاً. والقيادة الصالحة هي التي تعمم الشورى حتى لا يبقى أحد عنده رأي إلا قاله وخاصة فيما يكون فيه غرم.أما معرفة الرجال ووضع كل في محله المناسب له وتكليفه بالمهمة التي يصلح لها، فكذلك لا يلحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد فيها.إن أبا بكر وعمر كانا في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقبهما الصحابة بالوزيرين له، وكان يسمر معهما في قضايا المسلمين، ولما مرض -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا بكر أن يصلي بالناس وهذا الذي جعل المسلمين يختارونه بعده خليفة، ثم كان عمر الخليفة الثاني، والناس يعرفون ماذا فعل أبو بكر وعمر يوم حكما الناس، فهل يشك أحد أن تركيز الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هاتين الشخصيتين كان في محله، وأنهما من الكفاءة في المحل الأعلى، وأن رأي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهما في محله. وهذان مثلان فقط وإلا فما اختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً إلا ورأيت الحكمة في هذا الاختيار.لكل مقام رجال وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر الخلق فراسة في اختيار الرجل المناسب للمقام المناسب. 6- قدرته الكاملة -صلى الله عليه وسلم- على حل المشاكل الطارئة:إن انهيار الدعوات والتنظيمات السياسية عادة ما يكون بسبب مشكلة طارئة لا تستطيع القيادة أن تحلها حلاً موفقاً، مما يؤدي إلى انقسام أصحابها أو ضربها والقضاء عليها. فكلما كانت القيادة أقدر على حل المشاكل كان ذلك أضمن لنجاح الدعوة.وقد يحدث أن بعض القيادات تحل المشاكل حلاً غير مشروع، فتستعمل القوة مع أتباعها، فتبيد المعارضين أو تسجنهم كما نرى كثيراً من هذا في عصرنا الحاضر. إلا أن الظاهرة التي لا مثيل لها في تاريخ القيادات العالمية أنك تجد عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدرة لا مثيل لها على حل المشاكل بكل بساطة، هذا مع سلوك الطريق الألطف مع الأتباع. والذي عرف العرب عن كثب يدرك كفاءة هذه القيادة التي استطاعت أن تشق الطريق بأقل قدر ممكن من المتاعب.أنه لا توجد أمة في العالم أكثر مشكلات من الأمة العربية، فالعوامل النفسية التي تثير المشاكل كثيرة جداً، فكلمة قد تثير حرباً، وجرح كرامة قد يؤدي إلى ويلات، ونظام للثارات وشعور بالولاء وعواطف متأججة وعصبية عارمة وجرأة نادرة وقسوة وصلابة وعدم انضباط، وكل واحدة من هذه تحتاج إلى قيادة تتمتع بكفاءة منقطعة النظير، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائد الذي استطاع أن يدير أمر هذا الشعب القوي المراس ويحل كل مشاكله بكل بساطة.وأبرز الأمثلة حله لمشكلة وضع الحجر الأسود قبل النبوة حين هدمت قريش الكعبة وأعادت بناءها.في رواية ابن اسحاق للحادث قال: ثم أن القبائل جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها حتى بلغ البناء موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحاوزوا وتحالفوا وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسموا لعقة الدم. فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتشاوروا وتناصفوا فزعم (إذ يروي أن المشير على قريش مهشم بن المغيرة، ويكنى أبا حذيفة) بعض أهل الرواية: أن أبا أمية بن المغيرة عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان عامئذ أسن قريش كلها، قال: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ففعلوا. فكان أول داخل عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد. فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر، قال -صلى الله عليه وسلم- هلمّ إليّ ثوباً، فأتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال: لنأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوا جميعاً ففعلوا. حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بني عليه. والنماذج كثيرة كلها تبين كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحل المشكلات اليومية بسرعة عجيبة فلا يبقى لها أي أثر. هذه الإمكانية العجيبة في حل المشكلات جعلت رجلاً كبرناردشو الأديب الإنكليزي المشهور يقول: ما أحوج العالم إلى رجل كمحمد يحل مشاكله وهو يشرب فنجاناً من القهوة (أي ببساطة)!ومن قرأ كتب الحديث رأى كثرة المشكلات اليومية والفردية والجماعية التي كانت تعترض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يسوس شعباً من أعصى شعوب العالم انقياداً وطاعة وسياسة، ومع هذا فما عرف أن مشكلة مرت عليه إلا وحلها بسهولة كاملة واستقامة مع منهج الحق الذي يدعو إليه والذي يمثل أرقى صور الواقعية والمثالية بآن واحد، وما كان ذلك ليكون لولا توفيق الله ورعايته. 7- بعد نظرة -صلى الله عليه وسلم- وضرباته السياسية الموفقة:إن الدارس لتصرفات رسول الله يجد أنه لا يوجد تصرف إلا وفيه غاية الحكمة وبعد النظر. فمثلاً يرسل كسرى إلى عاملة على اليمين (باذان) أن يهيج رسول الله، وأن يقبض على رسول الله ليرسله إلى كسرى، فيرسل باذان رجلين ليقبضا على رسول الله ويأتيا به إلى كسرى ويأمر باذان أحد الرجلين أن يدرس أحوال رسول الله، فلما وصل الرجلان أبقاهم الرسول عنده خمسة عشر يوماً دون رد عليهم وقُتل كسرى في اليوم الخامس عشر فأنبأهم -عليه السلام- بقتل كسرى يوم مقتله وأهدى أحد الرجلين منطقة فيها ذهب وفضة وأرسل إلى باذان رسالة مضمونها أنه إن أسلم أعطاه ما تحت يده وكان من آثار هذا كله أن خلع باذان ولاءه لكسرى وأسلم معلناً ولاءه لمحمد -صلى الله عليه وسلم-.إن الأمثلة كثيرة جدا ولكن يبقى أن تدرك الأفق العالي الذي كان ينظر منه -عليه السلام- وتدرك أن قيادته جزء من صلته بالله المحيط علماً بكل شئ فكان مسدداً راشداً مهدياً. 8 و 9 - الوصول إلى النصر وتطبيق ما كان العمل من أجله بعد النصر وإحكام البناء بحيث يكون قادراً على الصمود في المستقبل ووضع أسس النمو الدائب المتطور بحيث تحتفظ الدعوة بإمكانية السير عبر العصور:لقد مضى على بدء الإسلام أربعة عشر قرناً، ولا زال الإسلام في انتشار، ولا زال يتوسع، رغم كل ما تبذله الدعايات الكافرة من أعدائه، سواء كانوا أصحاب دين أو غير أصحاب دين بطرق منظمة وغير منظمة، فلا زال الإسلام هو الإسلام ولا زال قادراً على الحركة. ورغم الملابسات التاريخية التي أوقعت العالم الإسلامي في قبضة أعدائه، ورغم سيطرة الأعداء فالإسلام باق. ورغم أن الكافرين استطاعوا أن يهيؤا لأعداء الإسلام وسائل الانتصار داخل العالم الإسلامي فالإسلام شامخ يتحدى ويقهر.وخلال هذا التاريخ الطويل سقطت دول تحكم باسم الإسلام وقامت دول تحمل الإسلام واستوعب الإسلام الجميع. وفي كل مرة كان الإسلام محمولاً حق الحمل كان أصحابه هم الغالبين وحضارته أرقى الحضارات وما ذلّ المسلمون إلا من تقصيرهم وتفريطهم وجهلهم بالإسلام.القرون الوسطى عند الأوروبيون قمة التأخر والقرون الوسطى عندنا قمة التقدم وكانوا يومها متمسكين بدينهم وكنا لا زلنا متمسكين بديننا ومن هنا مفرق الطريق، حيث كان الإسلام حمل أتباعه على التقدم وحيث كان غير الإسلام ديناً كان تأخر. وهذا هو الإسلام يصارع الآن على كل مستوى شرقاً وغرباً فكراً وسلوكاً وهو في كل حال أبداً غالب وأن اضطهد المسلمون فذلك لقوة فكرهم لا لشيء آخر.وما أحد يجهل أن روح الجهاد في قلوب المسلمين هي التي حررت العالم الإسلامي من قبضة مستعمريه في عصرنا هذا. لقد استطاع الإسلام أن يفعل هذا لأن الأساس الذي بناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له خلال ثلاثة وعشرين عاماً كان من القوة بحيث يحمل كل العصور ويسع كل العصور.أن الظاهرة التي نراها في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه خلال عشر سنوات فقط كان كل جزء من أجزاء دعوته قائماً يمشي على الأرض على أكمل ما يكون التطبيق، وكل جزء من أجزاء دعوته قابلاً للتطبيق خلال كل عصر، وما مر عصر إلا ورأيت الإسلام مطبقاً بشكل من الأشكال. فإذا ما عملت بأن دعوة سياسية فكرية تحتاج إلى عشرات السنين حتى تنتشر وتنتصر وقد تطبق وقد لا تطبق أدركت أن العملية هنا ليست عملية عادية وإنما هي شئ خارق للعادة تحس وراءه يد الله. وتحس بالتالي أن الدين دين الله وأن محمداً عبده ورسوله. |
#265
|
||||
|
||||
العـــلاقـات الاجتماعيــة في الإســلام المعاملة الحسنة إحدي السمات الشخصية التي تميز الإنسان وتدل علي مدي إيمانه وتحليه بالأخلاق الكريمة لأن الحديث النبوي يؤكد علي أن الدين المعاملة.. وقد لوحظ في الفترة الأخيرة تعامل بعض الشباب والفتيات مع الآخرين من أفراد المجتمع بأساليب غير لائقة وأخذ معظم الأمور بشيء من اللامبالاة وعدم الاهتمام وكأنه يعيش في مجتمع معزول. إسلاميات الأهرام المسائي حاورت بعض رجال الدين للوقوف علي هذه الظاهرة وكيفية مواجهتها ووضع الروشتة الشرعية للشباب والفتيات لذلك في البداية يقول الشيخ منصور الرفاعي وكيل وزارة الأوقاف الأسبق إن التعامل مع الآخرين فن والفن قيم وذوق وأخلاق وكل إنسان يتعلم هذا الفن من بيته لأن البيت يوجد فيه التعامل بين الأب والأم والأبناء وكذلك تعامل الأم مع الجيران وسرعان ما يشب الإنسان شيئا فشيئا وتتسع قدراته وينتقل الشاب إلي المدرسة ويبدأ في تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية مع نظرائه في المدرسة وكذلك الفتاة ومن هنا يأتي دور الأم فهي بمثابة المدرسة الأولي للطفل لتوضيح حسن العلاقة بينه وبين الآخرين لأنها تنمي فيه كيفية التفاهم مع غيره وحسن التعامل بالأدب والاحترام مع الأكبر سنا وكذلك كيفية اكتساب الصديق لأنه شيء مهم في حياة كل فرد لأن الإنسان بلا صديق كالغريق تحت الماء. وأضاف ان المدرس في الفصل عليه جانب كبير في تنمية المهارات التي تغرس في وجدان وأحاسيس الشاب أو الفتاة لأنه يعلمه أدب الحوار مع الآخرين لأن أسلوب الحوار شيء مهم في حياة الشاب مشيرا إلي دور عالم الدين في المسجد لأنه يهتم بتربية ضمير الإنسان ويعلمه كيف يراقب ربه في السر والعلن وكيف يرعي حق أصدقائه وجيرانه من خلال علمه بمراقبة الله له في أعماله وأفعاله وكذلك ضرورة ان يعلم الشاب او الفتاة ان الحرية لها ضوابط ليس فيها تفلت وتنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. لا ترضي أحدا وقال الرفاعي أن هناك العديد من الأفعال التي يقدم عليها بعض الشباب في التعامل مع الآخرين لا ترضي أحدا مثل ارتفاع الصوت وسوء الظن في الآخرين والتدخل في شئون الغير ولا يعلم أن من حسن خلق الإنسان تركه ما لا يعنيه وكذلك نقل الكلام إلي الآخرين وهذا يدخل في باب التجسس التي تعد رذيلة من الرذائل وخلق ذميم وعادة سيئة لذا قال الرسول صلي الله عليه وسلم( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) مشددا علي أن هناك مشكلة كبري يجب أن يتداركها الشباب وهي قيام البعض منهم بتصوير الفتيات علي المحمول ثم يقومون بتكبير هذه الصور والاحتفاظ بها والإساء إلي سمعتهم بدون وجه حق وهذا خلق ذميم لو انكشف فاعله لاحتقره الجميع: وأشار إلي أننا نلاحظ في العديد من المواصلات العامة جلوس بعض الشباب ووقوف الشيوخ والأمهات اللاتي يحملن وليدهن ولا يقوم أحد من الشباب بالتطوع بإحلال اي منهم مكانه وهذا مخالف لما تنص عليه تعاليم الدين الإسلامي والله تعالي يقول( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم) مؤكدا أن بعض الشباب يبرر بأن المرأة نادت بالمساواة فعليها ان تتحمل فهذا فكر خاطيء فالاحترام واجب والرسول ـ صلي الله عليه وسلم ــ قال( النساء شقائق الرجال) فلابد من احترام مشاعرهن كأي إنسان وكذلك الرجل المسن الذي يقول الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ في ذلك( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه) احترام الأكبر سنا وذكر الرفاعي ما قاله الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ لعبد الله بن عباس( كبر) اي احترم الأكبر منك سنا, وقال ــ صلي الله عليه وسلم ــ ايضا( أنزلوا الناس منازلهم) مشيرا إلي أنه لابد أن يعلم الشباب أن ما يفعله الآن مع الكبار سيفعله معه شباب الغد في يوم من الأيام عندما يكبر ويصل إلي مرحلة الشيخوخة والتاريخ ذكر لنا ان عبد الله بن عباس ابن عم النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ كان يركب حمارا فتقدم عبد الله بن مسعود وهو من علماء اهل زمانه وأخذ بزمام الحمار فقال بن عباس يابن مسعود يا فقيه الأمة اترك حماري فقال ابن مسعود هكذا أمرنا ان نفعل مع آل بيت نبينا ــ صلي الله عليه وسلم ــ فنزل بن عباس من علي الحمار وأمسك بيدي بن مسعود وقبلها وقال هكذا أمرنا ان نفعل مع علمائنا فهذا إن دل فإنما يدل علي مدي احترام الآخرين والصحابة لبعضهم البعض ويجب أن يتخذ الشباب والفتيات من ذلك قدوة لهم في كيفية التعامل مع الآخرين. الأخلاق الفاضلة ومن جانبه أكد الدكتور عبد الحميد عز العرب الأستاذ بجامعة الأزهر أننا في حاجة ماسة إلي الأخلاق الفاضلة والقيم الإسلامية الرفيعة التي ينبغي أن يتحلي بها كل مسلم لاسيما الشباب في عصرنا الحاضر فإننا في الواقع إذا نظرنا إلي معظم الشباب وجدناهم قد فقدوا القيم النبيلة في معاملتهم مع بعضهم ومع غيرهم فنجدهم لا يغيثون ملهوفا ولا يأخذون بيد ضعيف ولا يهتمون بأن تكون هناك علاقة طيبة بينهم وبين غيرهم وهذا كله بلاشك يتنافي مع مباديء الدين الحنيف القائمة علي التعاون بين أبناء المجتمع كلهم عملا بقوله تعالي( وتعاونوا علي البروالتقوي) وأيضا قوله ــ صلي الله عليه وسلم كان الله في عون المرء ما كان المرء في حاجة أخيه. وقال إن شبابنا اليوم يفتقر إلي القيم الدينية بكل ما تحويه هذه الكلمة من معني ولاشك ان اهتمام الشباب والفتيات بالقيم الدينية له أثره علي المجتمع وعلي الأمة بأثرها فالشباب هم عدة الوطن والأمل المنشود في بناء المستقبل وشباب بلا قيم ومباديء كشجر بلا ثمر لذا لابد ان يكون لدي الشباب من الغرس الديني ما يمكنه من التغلب علي ما يعانيه في الوقت الحاضر ولا ينبغي أن يتخذ الشباب من بعض التحديات التي تسود في ذلك العصر علة او وسيلة للبعد عن الدين او فعل التصرفات العشوائية التي نجدها من هنا أو هناك تحت مسمي الحرية أو أي مسمي آخر من المسميات التي نجدها منتشرة علي الساحة في هذا العصر. الواقع العملي * أما الدكتور عبد المهدي عبدالقادر الأستاذ بجامعة الأزهر قال إن الغرض من قول( الدين المعاملة) أن الحياة ليست بالكلام الطيب أو المظهر الطيب فقط ولكن الواقع العملي الذي يدل علي سلامة المخبر مع جمال المظهر مؤكدا أن شباب اليوم عليه أن يتعامل مع الآخرين معاملة جادة في إطار الأخلاق الكريمة وأن يتجنب الأفعال السيئة مثل قيادته السيارة بسرعة زائدة واصطدامه بالآخرين وكذلك إذا أراد أن يأخذ أو يعطي يكون بأسلوب مهذب ودرجة عالية من الالتزام وأن يتقن عمله مؤديا رسالته في المجتمع كما ينبغي أن يكون أما ما نراه من شباب اليوم من قيامهم بالإساءة إلي أنفسهم قبل الإساءة إلي الآخرين شيء مخزي ويجب أن تتقي الشاب الله ويتخلي بالأخلاق الطيبة وإذا أراد أن يتحدث مع شخص آخر فليتحدث بأسلوب لائق ويطبق قول الرسول صلي الله عليه وسلم من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه فليس منا وقال أيضا( ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه) وناشد الدكتور عبد المهدي الشباب والفتيات كل علي حدة سواء أن يتخلقوا بالأخلاق الكريمة وأن يسيرا علي خطي الكرام حتي تكون الحياة ذات مذاق طيب. * وقال إنني لست راضيا عما يحدث من الشباب والذي يعتبر رهقا يؤدي إلي شقاء الصغير والكبير وكذلك نجد بعض الأسر علي بركان ممكن أن ينفجر في أي وقت وهذا إن دل فإنما يدل علي توتر علاقات الناس مع بعضهم البعض التي تعتبر في غاية الاضطراب والكآبة مطالبا الشباب بالتحلي بالاخلاق وضبط النفس علي المكارم ولا داعي لكثرة الضجيج. حصر معني الدين * وقال الدكتور عبد العظيم المطعني الأستاذ بجامعة الأزهر أن الحديث النبوي الدين المعاملة المراد منه حصر معني الدين في أساليب التعامل مع الناس علي اختلاف منازلهم والمعني العام الذي يحمله أن المتدين الحق من الناس لا يعرف بكثرة العبادة كالصلاة والصيام والحج والاعتماد وإرخاء اللحية وحمل المسبحة في يده والإكثار من قال الله وقال الرسول صلي الله عليه وسلم وإظهار علامات الصلاح هذا كله ليس مقياسا لمعرفة المتدين من غير المتدين, وإنما المحك الحقيقي الذي يعرف به صلة الآخرين بالدين هو أساليب المعاملة التطبيقية الحسنة الصادقة مع الناس عامة لا يخص بها أفرادا دون آخرين بل هي سلوكه اليومي مع كل من يتعامل معه كالإحسان إلي الجار والزميل مع العمل والمحافظة علي الوفاء بالوعد إذا وعد والصدق في القول وأن يحب للناس ما يحبه لنفسه, وأن يعطي كل ذي حق حقه سواء كان مقربا إليه أو بعيدا عنه وأن يخلص ويتفاني في أداء الواجبات عليه سواء كان واجب عمل أو علاقات اجتماعية كمواساة المصابين ورعاية الضعفاء ومديد العون لكل مكروب إن كان ذلك في استطاعته وعيادة المريض وبذل النصيحة لمن يعرفهم وألا يكون أنانيا يحب الخير لنفسه, وأن يصون الأمانة سواء كانت مادية أو اجتماعية فلا يفشي سرا لأحد. وألا يسخر من غيره لأي سبب من الأسباب وأن يسلم الناس من لسانه ويده وبخاصة جيرانه في السكن وزملائه في العمل وأن يحترم الكبير ويرحم الصغير ويعرف لذوي الفضل فضلهم. ارحموا عزيز قوم ذل * وأضاف المطعني أنه قد جاء في الاثر.. ارحموا عزيز قوم ذل, وغنيا افتقر وعالما ضاع بين جهال. وأنه من أفضل ضروب التعامل التي يعرف بها الشاب أو الفتاة المتدين. ألا يتدخل في مالا بعينه من الأمور إلا إذا دعي للدخول فيها كأخذ رأيه والإسهام في حل المشاكل التي تنشأ بين أي أحد. وفي هذه الحالة يجب أن يكون أمينا في النصح وإبداء الرأي صادقا في إزالة الخلاف بين من استدعوه لحل مشكلاتهم * وأوضح أن الإسلام وضع فيما ومباديء لتنظيم السلوك الرفيع والمعاملة السامية ومن ذلك المبدأ الذي يقول: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به هذا المبدأ هو أرقي توجيه عرفته الإنسانية فلا تعامل أحد بما تكره أنت أن يعاملك به الآخرون والمبدأ الثاني كما تدين تدان وفيه تحذير لكل إنسان من عواقب التعامل السييء, لأن الناس يعاملون الفظ الغليظ من الناس بالفظاظة والغلظة وكذلك مما وضعه الإسلام: ان تحب لأخيك ما تحبه لنفسك أو علي الأقل لا تتمني له الشر والمصائب حتي لو كان عدوا لك فإن الله عز وجل يجزيك علي الإحسان إلي من أساء إليك مشيرا إلي قول بعض الحكماء أحسن إلي الناس تستعبد قلوبهم. * وأشار إلي أن الآباء والأمهات عليهم أن يغرسوا هذه المبادئ في نفوس أبنائهم لأن من شب علي شيء شاب عليه وكان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم تبرز قوتهم علي حسن المعاملة صغارا لتكون خلقا لهم وهم كبار, ومما عرف عن شباب الصحابة أنهم كانوا يلتزمون الصدق وتوقير الأكبر سنا منهم, حتي أنهم ما كانوا يتحدثون في مجالس الكبار تأدبا معهم إلا إذا طلب من أحدهم الحديث وعلينا جميعا بالحياء الذي يقول فيه المصطفي صلي الله عليه وسلم الحياء كله خير الحياء لا يأتي إلا بالخير. * وأخيرا ليس بآخر نقول لكل شاب وفتاة انه يجب أن يتحلي كل واحد منكم بالأخلاق الكريمة التي كان عليها شباب الصحابة رضوان الله تعالي عنهم وأرضاهم ولا تجعلوا متغيرات العصر تطغي علي مبادئكم التي يجب أن لا تتغير فتقلل من احترامكم لذاتكم وغيركم واعلموا جيدا أن المرء كما يدين يدان.. وأن ما تفعلونه اليوم من خير أو شر في شبابكم يردإليكم عند هرمكم وسرعان ما تمر الأيام وتمضي دون أن تدري فبالأمس القريب كنت جنينا في بطن أمك ثم أصبحت طفلا ثم ترعرعت وصرت شابا يافعا أو فتاة يافعة وسرعان ما تمضي الأيام وتصبح شيخا كهلا لا تقدر علي الحركة فاعمل لهذه الأيام واعلم أن الأيام تمر وتنقضي وأن هذا من عمرك وإن الملذات والشهوات لتلدغ روحك وجسدك ولن تدري إلا وأنت بين يدي رب العباد فاعمل لهذه اللحظة قبل أن يفوت الآوان وتندم وقت مالا يفيد الندم. منقول |
#266
|
||||
|
||||
أهمية الوحدة في الإسلام
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي شرع لعباده شعائر الدين، وجعل فيها تأليفا بين قلوب عباده المؤمنين، سبحانه هو الإله الواحد الفرد الصمد، الذي }لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ (الإخلاص/ 3 ـ 4)، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله إلى خلقه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، فكانت أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسار علىنهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد: فيا عباد الله }اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ (آل عمران/ 102 ـ 105)، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مدنيا بطبعه، اجتماعيا بفطرته، فلذلك كانت مصالح البشر متشابكة، ومنافعهم متداخلة، ولا يستغني أحد عن أحد مهما أوتي في هذه الدنيا من سلطان وجاه، وقوة ومال؛ ذلك من أجل أن يتعاون الناس على القيام بأعباء الخلافة في هذه الأرض؛ فإن الناس جميعا مستخلفون في هذه الأرض، ومؤتمنون على دين الله سبحانه وتعالى، فعليهم أن يتعاضدوا على هذا الخير، وأن يتعاونوا على هذا البر، وقد حض الله تبارك وتعالى على التعاون، فقد قال عز من قائل: }وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{(المائدة/2). هذا.. ونجد في كتاب الله سبحانه من الآيات البينات الدالة على وجوب الوحدة والتآلف، والقضاء على أسباب التنافر والاختلاف؛ ما فيه تبصرة للعباد، فقد سمعتم ما سمعتموه من آيات الله تبارك وتعالى التي نزلت في سورة آل عمران تدعو إلى الاتحاد كما تدعو إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وسمعتم فيها ما سمعتموه مما يدعو إلى نبذ أسباب الفرقة وما فيه من التحذير البالغ من كل ما يؤدي إلى التشتت والاختلاف، وقد بين الله سبحانه عاقبة التفرق والاختلاف عندما قال وهو أصدق القائلين: }وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ{ (الأنفال/46)، والله سبحانه وتعالى أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالدعوة الجامعة التي تؤلف هذه القلوب بعد تنافرها، وتجمعها بعد شتاتها، وقد ألف الله سبحانه بعبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بين طائفتي المهاجرين والأنصار، فكانوا أمة واحدة متحدة في آلامها وآمالها، في عقيدتها وعباداتها، في مبادئها وغاياتها، كل قلب من قلوب أبنائها ينبض بما تنبض به القلوب الأخرى، كانوا متعاونين على الخير، متآمرين بالمعروف، متناهين عن المنكر، وقد قضى الله سبحانه بهذه الدعوة التي بعث بها عبده ورسوله صلى الله عليه وسلمعلى ما كان بين طائفتي الأنصار الأوس والخزرج من الخلاف والشقاق، وقد امتن الله سبحانه على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم مظهرا للناس إعجاز هذا الدين الحنيف وآيات قدرته سبحانه عندما قال: }لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ{ (الأنفال/63)، ونجد أن النبي صلى الله عليه وسلميحض على هذه الوحدة، فهو يحذر عليه أفضل الصلاة والسلام من كل ما يدعو إلى الفرقة والخلاف والنزاع بين الناس، فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم، لا يسلمه ولا يخذله ولا يحقّره، بحسب امرئ من الشر أن يحقّر أخاه المسلم»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، ويقول صلى الله عليه وسلمفي وصف المؤمنين أيضا: «يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم». جاءكتاب الله بما يدعو إلى القضاء على أسباب الفرقة والخلاف والتحذير البالغ منها، فإن الله سبحانه وتعالى يقول:}إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ (الحجرات/10)، ثم إنه سبحانه يقول إثر ذلك: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ{ (الحجرات/ 11 ـ 12)، ثم يبين للناس جميعا من أين منشؤهم، ومن أين تناسلوا، فهم أولاد أب واحد وأم واحدة، لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى، فلا داعي إلى التعالي بالأنساب والأحساب؛ لأنها لا زنة لها عند الله سبحانه وتعالى، فالله تعالى يقول: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{ (الحجرات/ 13) فتقوى الله هي ميزان التفاضل بين الناس، وبحسب ما يكون المؤمن عليه من تقوى الله تكون منزلته من الله سبحانه، فمن كان أكثر اتقاء لربه، وعملا بأمره سبحانه، وازدجارا عن نهيه؛ كان أقرب إلى الله، ومن كان بخلاف ذلك كان أيضا بخلاف ذلك. وقد شرع الله تعالى هذه العبادات التي شرعها من أجل جمع الشمل، وتأليف القلوب، وتوحيد الصف، ورأب الصدع، فإن الله سبحانه وتعالى شرع كل عبادة من العبادات من أجل هذه الأمور السامية التي تؤدي بالعباد إلى الاتحاد في ظل العبودية لله، فقد شرع الله سبحانه وتعالى الصلوات الخمس، وشرعها في الجماعات من أجل تأليف القلوب حتى يكون الاتجاه من قبل العباد إلى الله اتجاها واحدا، فالناس مطالبون بأن يتجهوا إلى ربهم سبحانه وتعالى اتجاها واحدا، لذلك علمهم الله سبحانه في السورة التي يكررونها في الصلاة في كل يوم وليلة سبع عشرة مرة على الأقل أن يقولوا }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ (الفاتحة/5)، فهم يوجهون العبادة إلى الله بصيغة جماعية لا بصيغة فردية؛ لأن كل إنسان مطالب بأن يكون جزءا من كل، فالكل بمثابة الإنسان الواحد، وشرع الله سبحانه صلاة الجمعة من أجل ما فيها أيضا من الخير العظيم، والبر العميم، وقد حض على المسارعة إليها عندما قال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{ (الجمعة/9) وشرع الله سبحانه أيضا الزكاة لما فيها من دفع الخصاصة عن الفقراء، والتأليف بين قلوبهم وقلوب الأغنياء، واستلال الأحقاد والسخائم من قلوب هؤلاء الفقراء، وجعل قلوب الأغنياء تفيض بالمرحمة، وتفيض بعواطف الإحسان اتجاه إخوانهم الفقراء، وشرع الله سبحانه وتعالى الصيام، وأنتم الآن على أبواب شهره الكريم لهذه الغاية السامية؛ فإن في الصيام تعويدا للنفوس على الصبر، وتذكيرا لأولي اليسر بحاجات ذوي المسغبة، وجعل الله سبحانه وتعالى في الصيام روحانية بالغة، فلذلك كان الصوم من جملة أسباب تفجير مشاعر الرحمة في نفوس الناس، وعطف قلوبهم بعضها على بعض، وقد بين الله تعالى الغاية من الصيام في قوله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ (البقرة/183)،وكذلك شرع الله سبحانه الحج من أجل هذه الغايات السامية، فهو ملتقى عظيم يجمع بين عباد الله المؤمنين الذين تلتقي وفودهم من كل فج عميق في ذلك الحرم الآمن والبلد الأمين في رحاب الله الطاهرة؛ حيث تعج ألسنة الناس جميعا بلسان واحد داعية الله سبحانه، معلنة التلبية لندائه، والاستجابة لأمره، فإذاً يجب على المؤمنين جميعا أن يتعاونوا على الخير، وأن يكون كل مؤمن أخا للآخر؛ بحيث لا يفصل بينه وبينه أي فاصل، يتحدان في المشاعر والأحاسيس، والآمال والآلام، كما يتحـدان في العقيـدة والعبادة. فاتقوا الله يا عباد الله، واحرصوا على ما يقربكم إلى الله تعالى زلفى }وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{(آل عمران/ 133 ـ 135). أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البرّ الكريم. * * * الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب، وأستغفره وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله }وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{ (البقرة/281)،وليتزود كل أحد منكم من يومه لغده، ومن حاضره لمستقبله، ومن حياته لمماته، ومن دنياه لآخرته، ومن يسره لعسره، واعلموا أن الناس تسير بهم ركابهم سيرا سريعا إلى الدار الآخرة التي إليها المنتهى، وإليها الترحال، وقد جعل الله تعالى في العبادات الدورية التي تتكرر بتكرر العام، والتي تتكرر بتكرر اليوم تذكيرا للناس بمضي هذه الأوقات؛ ليحاسب الإنسان نفسه عند كل عبادة من هذه العبادات، فالصيام مثلا في كل عام يذكر الناس بمرور العام، ويذكرهم بإقبال عام جديد، ومن أجل ذلك كان الواجب على كل من يستقبل شهر رمضان المبارك أن يستقبله بالتوبة ومحاسبة النفس، والرجوع إلى الرشـد، والعض بالنواجـذ على الخير. فاتقوا الله يا عباد الله، وصلوا أنفسكم بالله، وصلوا أنفسكم بإخوانكم المؤمنين بالترابط معهم برباط المودة والإخاء، واتقوا الله في سريرتكم وعلانيتكم. |
#267
|
||||
|
||||
المضمون الأخلاقي للوحدة الإسلامية
الشيخ محسن عطوي الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الميامين وأصحابه المنتجبين. يعتبر الصوت الذي أطلقه تجمع العلماء المسلمين في لبنان, منادياً بوحدة المسلمين وداعياً إليها واحداً من الأصوات المميزة والقليلة التي أصبحت تحرص على هذا الأمر في عالم المسلمين.. فإن أعلى صوت يرتفع هو صوت هذه الجماعة من العلماء التي تعيش الوحدة حالة واقعية وتترجمها مسلكاً عملياً فيما تمارسه من أعمال وفيما تصدت له من مواقف. ولست في مقام المدح بقدر ما أنا عليه في مقام استشراق الواقع الذي هو مليء بالثقوب والأمراض, بحيث أصبح معظم المسلمين منسحقين أمام العديد من المشكلات والأعداء, ومن العجيب إغفال مسألة الوحدة وغياب الطرح الجاد في معظم وسائل الإعلام.. سيما المجلات الفكرية ذات الطابع الإسلامي التي تصدر في العديد من الدول المسلمة. والذي يبدو أن ثمة عملاً مباشراً لاستئصال هذه النزعة الفطرية التي تتطلع لها شعوب العالم الإسلامي من قبل الحكومات الحائرة التي تحكم هذه الشعوب, ومن قبل العديد من المفكرين المشبوهين المصادرين, وهذا يعني أنها أحد الأسلحة الماضية التي يمكن استخدامها في رفع مستوى وعي الأمة وفي تمكينها من الدفاع عن نفسها أمام هجمات الأعداء وهو أمر قد ضلع به الاستعمار وأدواته منذ زمن بعيد لإضعاف جماعة المسلمين وتفريق صفوفهم, بل هو أمر مؤسف مارسه السلاطين وعلماء السوء فيما مضى من عهد المسلمين الغابر, وهذه الحقيقة جديرة برفع التعجب السالف, ووضع المسلم المخلص أمام عري الحكام وزيفهم لتأكيد ضرورة إزالة هذه الحقبة من أمام التيار الثوري المخلص. وحتى إذا طرحت مسألة الوحدة في كتابات بعض المفكرين.. فإنك لا تجد فيها روح الإخلاص والنصيحة, والحرص على الوصول بها إلى مرتبة الحقيقة المعاشة, بل تطرح بنحو خاو من الحيوية والمعاناة.. وتجعلها أقرب إلى الترف الفكري منها إلى الدواء الناجع, وإذا وجد الإخلاص في طروحات البعض الآخر فهو قد ينطلق من تصورها موقفاً سياسياً خاضعاً للظروف الآنية التي تعيشها الساحة ليكون في الوحدة الإسلامية لوناً من التحالف الضروري لمواجهة الخصوم, الأمر الذي ينزع عنها نقاءها الرسالي المبدئي بوصفها واحداً من الأركان المهمة في مجتمع المسلمين وقلوبهم, والأمر الذي يجعل هذا المفهوم آنياً سطحياً يبقى ما بقيت الظروف ثم يزول بزوالها لتكون الوحدة مجرد علاج عابر لا حالة صحية دائمة ثابتة. ولم تقف هذه الروح عند صانعها بل تعدتهم إلى جمهور الناس الذي يأنس بهذه الطروحات ويبتسم لها في المهرجانات والمواقف العامة.. فإذا خلا إلى نفسه وإلى بني ***ه تبرز كل الظواهر التي يبطنها هذا المسلم في ذاته على الآخرين من مذهب الآخرين, وكذلك تبرز هذه الظواهر قوية عند حصول أدنى انتكاسة أو فتنة, بل حتى عند غياب الذكر بهذه الوحدة, والجمهور إنما يخلص ويتأثر بقدر ما يخلص الواعظ والداعية.. حيث تثبت الفكرة في القلوب بقدر ما تكون صادرة عن قلب الداعية وعمق وجدانه. وليس ما يدعى إليه من قبل التيار الإسلامي المؤمن هو مجرد انسجام مع الوحدة الإسلامية كموقف سياسي آني.. حتى لو فهمها البعض كذلك, لأن مفهوم الوحدة الإسلامي جزء من آثار المعتقد والأيديولوجية الإسلامية.. بل هي ركن من عموم الفكر الإسلامي... يقاس به سلامة الانتماء إلى الإسلام عند وضع الموازين, فمن لا يعيش هذا المفهوم في وجدانه وفي مسلكه لا يكون متمثلاً لتعاليم الإسلام, وبعد ذلك منقصة ولون من ألوان الانحراف, ولسنا مضطرين لنسوق الأدلة على هذا الأمر عندما نملك بديهة الانتماء إلى دين واحد تقل فيه الأمور التي نختلف عليها, وما كانت مقاس الوحدة في أي أمر من الأمور تعني ضرورة التوافق في الرأي.. والتحول إلى نسخة مكررة ينعدم فيها الاختلاف والتمايز. هذه البديهة مسلمة عند الجميع.. وعلى أساسها يتم التعامل حتى بين المختلفين في الرأي داخل المذهب الواحد, أو بين المذاهب المختلفة المنضوية في إطار عقائدي واحد, وليس يعني هذا القبول للاختلاف، إلا أن النفس قد تربت على المودة لهذا الفريق المعين والتجاوز النفسي لنقاط الخلاف معه حيث يتأكد القبول له والتعاون العفوي معه والارتباط الطبيعي به, وهذا المرتكز الأخلاقي (المودة) هو جوهر التضامن الاجتماعي وأساس وحدة الجماعة الإسلامية, وبقدر ما تنمو في ذات الفرد وتتعزز من خلال تقوى الله تعالى بقدر ما تتوثق عرى الوحدة وتصبح أمراً عفوياً في حياة الفرد والجماعة. وبملاحظة هذا الأمر أيضاً لا يصبح لكثير من المقولات أهميتها, من قبل ضرورة وحدة القيادة أو وحدة الفتاوى الفقهية.. أو وحدة المرتكزات العقائدية.. أو غيرها لأن مثل هذه الأمور لا تخلق وحدة نفسية ذات مرتكز أخلاقي, بل هي تساعد على إزالة الحواجز لثبات هذا المرتكز الأخلاقي وللتأكيد على ذلك نرى أن أفراداً من أسرة واحدة من بلد واحد من مذهب واحد, يتباغضون ويتنافسون عندما يفقدون الإحساس بالمودة كموقف أخلاقي من الآخرين, وعلى عكسه نرى مؤمنين تقيين يتحابان في الله مهما تباعدت المواطن أو اختلفت الأذواق. والذي يظهر من الآيات الكريمة في مسألة الوحدة قد يؤكد ما نذهب إليه, ففي تأكيد الآية الكريمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ولو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم﴾ على أن التأليف الذي حصل بين قلوب المسلمين إنما هو من الله تعالى.. في هذا التأكيد يشير إلى أن مسألة التآلف والوحدة إنما هي مسألة نفسية أخلاقية تنبع من المحبة للمؤمنين حتى حدود القبول بالتضحية في سبيلهم, في الوقت الذي لا يهتم بهذه الآية الكريمة بأثر لقيادة النبي المجمع عليها.. ولا العقيدة التي لا خلاف فيها. ونفس هذا المعنى يبدو من الآية الثانية ﴿واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً﴾ حيث يتم التأكيد على دور العناية الإلهية في هذا الأمر. وأعود للتأكيد بأني لا ألغي دور الأمة الأخرى في قضية الوحدة.. ولكني أرى أن جماع هذه الأمور وأساسها هو هذه المودة التي يجب على المؤمن أن يجاهد نفسه ليحصلها.. ليس على صعيد علاقته بإخوانه من أبناء المذهب الآخر بل أيضاً على صعيد علاقته بأسرته وأرحامه وأتباع مذهبه, حيث هي سمة إيمانية تعز على التحصيل إلا عند من بلغوا الإيمان في ركنية تقوى الله ومكارم الأخلاق، وهي تظهر في انعكاساتها. رغبة في الخير للآخرين, وإخلاصاً في النصيحة لهم, حيث يكون في التعاطي الفكري والعملي إصرار على الوصول إلى مرتبة الكمال. احتراماً للخصوصيات الفكرية والمزاجية تاتجاً عن الاحترام الحقيقي لذات هذا المسلم فينعكس هدوءاً في المحاورة.. وتقديراً لرأي ورغبة في التعرف على الحق.. وتركاً للدخول في كل ما يسيء. استعداداً للتضحية في سبيل الآخرين, بعد زوال الغل وأسباب النفرة والتباغض من داخل النفس. وحصول هذه الأمور هو كل المطلوب من أجل وحدة رائعة باقية, تعز على الفتن والهزات وتبقى معيناً للموقف السياسي الذي لا يتم في الفراغ وإنما ينطلق من مرتكزات ثابتة راسخة تعطيه النجاح والسداد. ومن هنا يبرز الدور المهم لكل العاملين وللمؤسسات والمشرفين عليها, حيث يجب التشديد على غرس هذا الأمر بكل السبل المتاحة وفي مختلف الأعمار لينشأ المسلم في وسط يعتبر الوحدة هي الحالة الطبيعية التي ألفها، وألوان الفرقة هي النشاز الذي ينفر منه ويبعد عنه؛ وتحصل هذه عندما يرى أباه وشيخه وأصحابه يحترمون رأي الآخرين ويقدرونها, وإن ناقشوها فموضوعية تامة ليس فيها تجن ولا سباب, وتحصل عندما يتأصل في نفسه الخوف من الله والتزام تعاليمه لينعكس هذا الخوف مراقبة لله في كل أمر يسدد الإنسان ويجعله أقرب إلى الله تعالى. ولست منكراً صعوبة الوصول إلى هذه الظاهرة الاجتماعية بدون سلطة، فإن السلطان أساس في إنحراف المجتمع وأساس في صلاحه, والسلطان الجائر لن يمكنك من تربية الناس لما تريد لأنه يريد همجاً رعاعاً ينعقون معه, وسوف تكون إحدى أولويات الصراع إزاحة هذا الحاكم من الطريق لتثني لك الوسادة ويستقيم لك الأمر, ولقد رأينا كيف أصبحت الوحدة حقيقة راهنة بعد انتصار الإسلام في إيران, وكيف سرى تطبيقها والإخلاص في طرحها إلى شعوب المسلمين ليجدد في قلوبهم الأمل في انبعاث إسلامي عام, وكم دعى الإمام الخميني إلى هذه الوحدة. فلم يجد صدى لهذه الدعوة.. حتى مَنّ الله عليه بالفتح وأسبغ عليه النصر, فأصبحت دعوته مدوية في الآفاق, ولكن ضآلة النتائج, عند غياب السلطان ينبغي أن لا تمنع من العمل الجاد للوصول إليها, سيما وأن بالإمكان تنويع الوسائل للوصول إلى الهدف, شرط أن نكون مخلصين في هذه الدعوة, وشرط أن تصدر من أعماقنا من معاناتنا, ومودتنا للآخرين. وهذا المضمون الأخلاقي للوحدة الإسلامية هو مضمون كل أمر في الإسلام الذي كانت الركيزة الكبرى لكونه خاتم الرسالات, أنه يريد أن يتمم الأخلاق, وأنه جعل الدين معاملة, وأنه لم يعتبر إيمان المؤمن كاملاً إلا بعد كمال الأخلاق فيه, ونحن نريد الوحدة كذلك لأننا نريدها باقية ترضي الله عز وجل. وتوصل المسلمين إلى مراتب الشرف والعزة والكرامة. والله خير مأمول |
#268
|
||||
|
||||
أهمية الوحدة بين المسلمين هيثم جواد الحداد ملخص الخطبة 1- وصية الفرقة التي بليت بها أمتنا. 2- حكم الوحدة الإسلامية وأدلتها. 3- التحذير من الفرقة والاختلاف وأسبابهما. 4- العقل والتاريخ يدلان على أهمية الوحدة. 5- ضوابط الوحدة التي ندعو إليها. 6- أحوال الوحدة الإسلامية. 7- المناصحة لا تمنع الوحدة والاجتماع. الخطبة الأولى وبعد، فإن من أكبر المصائب التي ابتليت بها هذه الأمة وفتكت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها، الاختلاف والتفرق، وصدق الله عز وجل إذ يقول: (يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ) [الأنفال:45، 46].أيها المؤمنون، إن من أهم عوامل قومة أمة من الأمم، الاتحاد، بالاتحاد تنال الأمم مجدها، وتصل إلى مبتغاها، وتعيش حياة آمنة مطمئنة، بالاتحاد، تكون الأمة مرهوبة الجانب، مهيبة الحمى، عزيزة السلطان.أيها المؤمنون، إن تنمية الوعي بأهمية وحدة المسـلمين كما يأمرهم الإسلام هي النقطة الأساس الأولى في سبيل التغلب على الواقع المؤلم الذي أوجده هذا التفرق وأفرزته هذه الإقليمية المقيتة.لقد نقلت الإقليمية المسلمين من القوة إلى الضعف، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الأخوة إلى العداوة، وولدت بينهم بؤراً بركانية قابلة للانفجار في أي لحظة.أيها الإخوة، إن أول ما نتحدث عنه في هذه الخطبة، هو حكم الوحدة بين المسلمين،قد يقول قائل: وهل يحتاج هذا السؤال إلى جواب، ثم هل يحتاج الجواب إلى برهان، وهل يحتاج البرهان إلى بيان.نعم أيها المؤمنون، نحن بحاجة ماسة إلى بيان حكم الوحدة بين المسلمين، إن واقع المسلمين اليوم، يشهد شهادة لا ريب فيها، أنهم في غفلة تامة عن حكمها، فضلاً عن عجزهم عن تطبيقها، أو السعي إليها، والقليل منهم الذي وفقه الله لإدراك أهميتها، فعمل من أجلها وجاهد في سبيل تحقيقها. حرموا هداية دينهم وعقولهم **هذا وربك غاية الخســران تركوا هداية ربهم، فإذا بهم **غرقى من الآراء في طوفان وتفرقوا شــيعاً بها نهجهم** من أجلها صاروا إلى شنآن إننا نشاهد بأم أعيننا فئاماً من إخوة لنا لا همَّ لهم إلا تفريق المسلمين، وبث بذور الاختلاف بينهم، ونراهم لاهثين في البحث عن كل ما من شأنه تشتيت ما بقي من أشلاء هذه الأمة إلى مِزق، من تجمعات محدودة لا تتطلع إلى علياء، ولا تنظر إلى أبعد من أنفها، ولا تجاوز أخمص قدميها.وإن لنا كذلك إخوة يسعون في الأرض يظنون أن الأصل أن تكون كلمة المسلمين شتى.أيها المؤمنون، إن أهم خصائص هذه الأمة أنها أمة واحدة، قال الله عز وجل: (وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ) [المؤمنون:51]. ولذلك فإننا نقول: الوحدة بين المسلمين واجبة، بنصوص القرآن والسنة.لقد تنوعت أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة، فتارة تأمر بالوحدة أمراِ صريحاً كما في قول الله عز وجل: (وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:103].قال القرطبي رحمه الله: "فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة"، ورحم الله ابن المبارك حيث قال: إن الجماعة حبـل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا وأخرج الطبري عن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال: (حبل الله الجماعة)في صحيح مسلم ٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)).وتارة تأمر بتحصيل أمور لا يمكن أن تحصل إلا بالوحدة: قال الله عز وجل: (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات:10]، وقال جل وعلا: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) [الأنفال:1].وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)) رواه الإمام أحمد، وأصله في صحيح مسلم عن أبي هريرة.فهذه الأدلة تأمر المسلمين بالأخذ بكل ما يزيد المحبة بينهم، والنهي عن كل ما يولد البغضاء في صفوفهم، وتأمرهم صراحة بأن يكونوا إخوة، ولا يمكن للمسلمين أن يكونوا إخوة إلا إذا كانوا متحدين، فإن الأخوة ضد الفرقة والاختلاف.أيها المؤمنون، ومن أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة بين المسلمين النهي الصريح عن الافتراق والاختلاف الذي هو ضد الوحدة والاجتماع.قال الله عز وجل: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ) [الأنفال:45].قال الطبري: "يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه ولا تخالفوهما في شيء، ولا تنازعوا فتفشلوا، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا وتذهب ريحكم"[1].قال الشاعر: وفي كثرة الأيدي عن الظلم زاجر **إذا حضرت أيدي الرجال بمشهد أخرج الطبري عن ابن عباس في قول الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105]، قال: في هذا ونحوه من القرآن أمرَ الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة فنهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.عن زَكَرِيَّا بْنَ سَلَّامٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: ((أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ)) ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَهَا إِسْحَاقُ[2].وعن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجماعة رحمة، والفرقة عذاب))[3].عباد الله، قد حذر الله عز وجل هذه الأمة من محنة الفرقة وبين لهم أنـهـا هـي الـسبب الـمباشر في هلاكها فقال عز وجل: (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كـَـيْـفَ نُـصَـرِّفُ الآيَاتِ لَـعَـلَّـهُـمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام:65].ومن أساليب القرآن في الحث على الجماعة ـ وإن كان لا يفيد الوجوب مباشرة ـ أن الله جعل من أخص صفات المؤمنين أنهم أولياء بعض قال الله عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].والولاية ـ يا عباد الله ـ هي النصرة والمحبة، والإكرام، والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهراً، وباطناً[4].وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وقال: ((المسلم أخو المسلم)).ومن أساليب الشريعة في الحث على الوحدة بين المسلمين تحذير الشريعة من الشذوذ ومفارقة الجماعة، ففي سنن الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ : فِينَا، ثم ذكر خطبة جاء فيها ((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ)).وعن أبي الدرداء وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من ثلاثة لا تقام فيهم الصلاة إلا وقد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية))[5].ونهت الشريعة أن يهجر المسلم أخاه المسلم، وأمرت بإفشاء المسلمين بينهم، من أجل إشاعة المحبة، وأمرت بصلاة الجماعة ولم تعذر أحداً في التخلف عنها إلا في أشد الظروف، ونهت أن يسافر الرجل وحده، وأن يبيت وحده.أيها الإخوة، لو ذهبنا نستقصي شواهد الشريعة التي تفيد بمجموعها وآحادها وجوب اجتماع كلمة المسلمين لطال بنا المقام، لكن حسبنا فيما تقدم من إشارات ما يكفي كل طالب حق ألقى السمع وهو شهيد.أيها المؤمنون، ولولا أن الاتحاد ذو منافع عديدة، وفوائد كثيرة، لم يوجبه الله عز وجل، ولهذا فإن وجوب الوحدة بين المسلمين يستدل عليها بالعقل الصحيح مع النقل الصريح الصحيح.إن العقلاء من كل ملة ونحلة في القديم والحديث اتفقوا على أن الوحدة سبيل العزة والنصرة، فهذا معن بن زائدة الذي وصفه الذهبي بقوله: أمير العرب أبو الوليد الشيباني أحد أبطال الإسلام وعين الأجواد يوصي أبناءه عند وفاته بقوله: كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا أيها المؤمنون، إن التاريخ يشهد أن من أهم أسباب سقوط الدول على اختلاف عقائدها ومللها التفرق والاختلاف، سقطت الخلافة العباسية بعد أن تفرقت الدول الإسلامية في ذلك الوقت، فنشأت الدولة البويهية، والمماليك، ودويلات الشام، ولم يبق للخلافة العباسية إلا مزع متفرقة متناثرة من العالم الإسلامي، فلما زحف المغول إلى بغداد لم يقف في وجه زحفهم غير أهل بغداد فقط، فأعملوا فيهم القتل حتى قتلوا أكثر من ثمانمائة ألف نسمة، كما قال غير واحد من المؤرخين.وسقطت الدولة الإسلامية في الأندلس بعد أن أصبحت دويلات متفرقة متناحرة، لا همّ لأحدهم سوى التلقب بألقاب الملك والسلطان حتى ولو كان على بقعة لا تجاوز حظيرة خراف. مما يزهدني في أرض أندلس أسمــاء معتضـد فيها ومعتمد ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد ولم تسقط الدولة العثمانية إلا بعد أن تمزق جسدها إلى أشلاءَ متناثرة، وبعد أغرى الصليبيون الجدد بعض زعماء المسلمين بالانفصال عنها، وأحسنوا اتقان العمل بقاعدة: فرِّق تسُد، وهاهو العالم الإسلامي اليوم منقسم إلى دويلات متناحرة، تعيش على هامش التاريخ، وتتجرع ألوان الهوان. صوت الشعوب من الزئير مجمعا فإذا تفرق كان بعض نباح إن ما ظفر به أعداء الأمة من سطو واستيلاء لا يرجع إلى خصائص القوة في أنفسهم بقدر ما يعود إلى آثار الوهن في صفوف أصحاب الحق، فالفرقة تجعل هلاك الأمة بيد أبنائها في سلاسل من الحروب في غير معركة، وانتصارات بغير عدو. ألم تر أن جمع القوم يخشى وأن حريم واحدهم مبـاح
إن الغرب النصراني أدرك أن وحدة أي أمة من الأمم ـ سواه ـ خطر عليه، فأوروبا لم تستطع كتمان حلمها في تفكك الاتحاد السوفيتي الذي يمثل خطراً حضارياً، عسكرياً عليها، فساندت بكل قواها حركات التحرر التي قامت بها دويلاته، حتى استراحت من أحد مصادر القلق الذي كان يؤرق راحتها، وبقي لها عدو آخر هو التحدي الذي يمثله العالم الإسلامي.إن العالم الإسلامي بتفرقه وتنازعه لا يشكل أي هاجس خوف لأحد، لكن العالم الغربي الصليبي يخشى أن يستيقظ المسلمون من نومهم، فيسارعوا إلى الأخذ بأسباب القوة، والعودة إلى الوحدة.وتجنباً لذلك فإنه يحاول بكل جهد أن يقضي على كل منفذ يمكن أن يسلكوه، فيعود بهم إلى سابق عزهم وسالف مجدهم.وصدق الله عز وجل إذ يقول: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا) [آل عمران:120].قال قتادة: الحسنة هي الألفة والجماعة، والسيئة: الفرقة والاختلاف.إن الغرب النصراني يعمل جاهداً على تغذية كل سبب يغذي الفرقة بين المسلمين، ويكرس تباعدهم، ويزيد من تناحرهم.لقد كثر الحديث عن دويلة في شمال العراق، وآخرى في جنوب السودان، ودويلات في جنوب لبنان، ولم يغمض لأوروبا جفن إلا بعد انقسمت البوسنة والهرسك، وبدأت بقع من اندونيسيا بالانفصال، وهكذا.وفي المقابل ها هي أوروبا تسعى بكل ما تستطيع لتحقيق أكبر قدر من الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لقد سارعوا بعد أن طحنتم حروب ضروس في الحربين العالمية الأولى والثانية، إلى الاستعلاء على الخلافات الشخصية وتناسي أحقاد الماضي، وتجاوز الفوارق العقدية، وصهر حدود الفرقة.أيها المؤمنون، هذه الحقائق عن المصالح التي تؤدي إليها الوحدة، وهذه المفاسد التي تدفعها من أدلة وجوب الوحدة، فالشريعة الإسلامية جاءت لتحصيل مصالح العباد في الدارين، وتحصيل هذه المصالح يكون بتحقيق أي أمر يجلب المصلحة، ويدفع المفسدة، وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب.وعليه فإننا نقول: إن وجوب تحقيق الوحدة بين المسلمين ثابت بنصوص الكتاب والسنة المتضافرة المتآزرة، وهذا الوجوب ثابت أيضاً بالعقل والنظر الصحيح.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الأصل العظيم وهو الاعتصام بحبل الله جميعاً، وأن لا يتفرق، هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي صلى الله عليه وسلم: في مواطن عامة أو خاصة، مثل قوله: ((عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة))، وباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة بل وفي غيرها هو التفرق والاختلاف، فإنه وقع بين أمرائها وعلمائها من ملوكها ومشايخها وغيرهم من ذلك ما الله به عليم ـ وان كان بعض ذلك مغفوراً لصاحبه لاجتهاده الذي يغفر فيه خطؤه، أو لحسناته الماحية، أو توبته، أو غير ذلك ـ لكن ليعلم أن رعايته من أعظم أصول الإسلام[6]. آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 13-12-2012 الساعة 08:21 PM |
#269
|
||||
|
||||
ما هو موقف الإسلام من ترويج الشائعات؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فقد ندب دين الإسلام إلى الصدق وحذر من الكذب، فقد ثبت عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا» رواه البخاري ومسلم. والشائعات من أخطر أنواع الكذب ، وقد جاء التحذير النبوي من (قيل وقال) قال ابن كثير: "وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة: "أن رسول الله نهى عن قيل وقال"، أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تَثبُّت، ولا تَدبُّر، ولا تبَيُّن" كما أن الإسلام يحث المسلم على التثبت من مصدر معلوماته ويحذر المسلم من جهالة المصادر التي يتلقى عنها أخباره، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [الحجرات/6] وفي سورة النور سمى الله سبحانه وتعالى الشائعة التي نالت من عرض أمنا أم المؤمنين عائشة بالإفك قال تعالى:إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْم [النور/11] وقال تعالى:" لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور/12] . وقد جاء تحذير النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين من انسياقهم للشائعات فقال صلى الله عليه وسلم:"كفى بالمرء كذبا (وفي رواية : إثما) أن يحدث بكل ما سمع " ويجب على المسلم إذا بلغه أمر لم يتحقق من مصدره: - عدم إشاعته؛ لأنه قد يكون من الكذب كما بينا - أن يطلب برهان هذا الخبر كما علمنا الله في سورة الحجرات . والإشاعات إنما تروج في زمن الفتن والاضطرابات وهنا نهيب بمن يمتلك الآلة الإعلامية أن يخرج للناس بالأخبار الصحيحة الموثقة حتى يقطع دابر الشائعات ويقطع على الناس في الوقوع فيها. والله أعلم. |
#270
|
||||
|
||||
الشائعات وخطرها د. مهران ماهر عثمان بسم الله الرحمن الرحيم الشائعات وخطرها الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فقد ندب دين الإسلام إلى الصدق وحذر من الكذب، فقد ثبت عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا» رواه البخاري ومسلم. ومن أخطر صور الكذب إطلاق الشائعات: وهذا النوع من الكذب يستخدمه أعدؤنا لتدمير الشعوب، ويسمونه بأسماء كثيرة، منها: حرب الأعصاب، والحرب النفسية. ومما يدل على أنه من أنواع الكذب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رواه مسلم. وروى في المقدمة قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ». نماذج من الشائعات التي أضرت بالأمة: 1/ شائعة إسلام أهل مكة لما هاجر المسلمون إلى الحبشة، فرجع بعضهم، فأسروا وعذبوا. 2/ شائعة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم أحد، فعلا الهم الصحابة وتمكن الغم منهم، وتسربت إليهم روح الهزيمة وأوهنت قوتهم، فمن واقف لا يدري ما يفعله، ومن معتزل للمعركة فارٍّ من أرضها، ومن يائس من الحياة قائل: "ما فائدة العيش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم". 3/ شائعة حمراء الأسد التي حكاها القرآن }إنَّ الناس قد جمعوا لكم{ [آل عمران/173]. 4/ شائعة الإفك. ولا تسأل عما ترتب من أثر سيء عليها!! فرسول الله صلى الله عليه وسلم نزل به من الهم ما جعل عليا يشير عليه بطلاق زوجه. وأبوها وأمها أسكتتهما الحادثة وأحاط بهما همٌّ عظيم. وعائشة فارقها النوم، ولازمها البكاء، حتى أقحطت به عينها وجفت مآقيها. ولحق بالصحابة الذين أدّبوا أنفسهم بما أنزل الله بعدُ في الآية }لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً{ [النور/12] حزن عميق وأسى عارم. ولقد قال الله تعالى في شأن هذه الشائعة: }إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ{ [النور/15]. 5/ شائعات في الحجاز ومصر والمغرب عن عثمان رضي الله عنه أنه لم يشهد بدراً، وفر من أحد، ولم يبايع ...إلى آخر ترهات أجاب وأفاد بشأنها ابن العربي في العواصم من القواصم رحمه الله. فلما فشت هذه الأخبار، وانتشرت في الآفاق جمعت الغوغاء، فكانت سبب قتلهم له رضي الله عنه وسخط ولعن من قتله. التحذير من الشائعات: إطلاق الشائعات فعل من لا خلاق له، وقد أعلمنا ربنا في كتابه أن ذلك من خلال الكافرين المكذبين بيوم الدين.. فلقد أشاع قوم نوح عنه أن همَّه لفتُ النظر إليه والتفضل على قومه، وأشاع قوم هود عليه السلام أنه سفيه؛ ولقد علموا أنه أعقلهم وخيرهم وأنهم أولى بذلك منه، وأشاع فرعون عن نبي الله موسى: }إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِه{ [الشعراء/35]. ولا يخفى على مسلم ما قاله أعداء الله وأشاعوه من شأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم! ومن أجل ذلك نهى شرعنا وحذر من إطلاق الشائعات.. قال ابن كثير: "وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال. أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تَثبُّت، ولا تَدبُّر، ولا تبَيُّن" . وفيما يتعلق بالأعراض والقذف جاء هذا التحذير: }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{ [النور/19]. ومعنى الآية: إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَذْف بالزنى أو أي قول سيِّئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وغيره من البلايا الدنيوية، ولهم في الآخرة عذاب النار إن لم يتوبوا، والله- وحده- يعلم كذبهم، ويعلم مصالح عباده، وعواقب الأمور، وأنتم لا تعلمون ذلك. وفي حديث أسماء بن يزيد رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى». ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ» رواه أحمد. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس مطية الرجل زعموا» رواه البخاري في الأدب وأبو داود. قال البغوي رحمه الله: "إنما ذم هذه اللفظة لأنها تستعمل غالبا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه، إنما هو شيء يحكى على الألسن، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ليتوصل به إلى حاجته من قولهم: زعموا، بالمطية التي يتوصل بها الرجل إلى مقصده الذي يؤمه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتثبت فيما يحكيه والاحتياط فيما يرويه، فلا يروي حديثا حتى يكون مرويا عن ثقة" شرح السنة (3/413) . ما يجب على المسلم إذا بلغه أمر:
- عدم إشاعته؛ لأنه من الكذب كما مر معنا. - مراقبة الله، فلا يشيع خبراً، ولا يسيء ظناً، ولا يهتك عرضاً، ولا يصدق فاسقاً. طلب البرهان والتثبت. وهذا ما ندب الله تعالى إليه في كثير من آي القرآن، قال تعالى: }لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء{ [النور/13]، وقال: }وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا{ [النساء/83]، والمعنى: وإذا جاء هؤلاء الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم أمْرٌ يجب كتمانه متعلقًا بالأمن الذي يعود خيره على الإسلام والمسلمين، أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم الاطمئنان، أفشوه وأذاعوا به في الناس. ومعنى قوله: }يستنبطونه{، أي: يستخرجونه ويستعلمونه من معادنه، يقال: استنبط الرجل العين، إذا حفرها واستخرجها من قعورها. وقال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا{. وفي السنة الصحيحة: «التأني من الله والعجلة من الشيطان» رواه أبو يعلى، و«التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة» رواه أبو داود. ومن أشد الأحاديث تحذيراً من إطلاق الشائعات حديث الرؤيا في صحيح البخاري رحمه الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلين، رجلا قائما على رأس رجل، وعند القائم كلوب مِنْ حَدِيدٍ، وكان يدخل الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ». فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم لما سأل عن ذلك: «هذا –الذي يُعذب- يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ». أسأل الله أن يعمر بالإيمان قلوبنا، وأن ينزه ألسنتنا من كل ما يسخطه. رب صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الاسلام, دين, نبينا |
|
|