|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
أخطار تهدد كيان الأسرة
أخطار تهدد كيان الأسرة الحمد لله الذي خلقنا في أحسن تقويم، وربانا على موائد بره وخيره العميم، أحمده- سبحانه- وأشكره، وهو الحكيم العليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين. أما بعد: حين نتجول في أسر السلف الصالح تتلألأ هذه النماذج. يقول القاسم بن راشد الشيباني: "كان رفعة بن صالح نازلا عندنا، وكان له أهل وبنات، وكان يقوم فيصلي ليلا طويلا، فإن كان السحر نادى بأعلى صوته..قال: فيتواثبون: من هنا باك، ومن هاهنا داع، ومن ها هنا قاري،ومن هاهنا متوضيء، فإذا طلع الفحر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القوم السرى". وانتبهت امرأة حبيب العجمي بن محمد ليلة وهو نائم، فنبهته في السحر وقالت له: "قم يا رجل، فقد ذهب الليل وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت ونحن قد بقينا". وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من قومن فلما كان جوف الليل قامت الجارية فقالت: يا أهل الدار الصلاة، فقالوا: أصبحنا؟ أطلع الفجر؟ فقالت: وما تصلون إلا المكتوبة؟ قالوا: نعم، فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي، بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة، ردني، فردها. وعن إبراهيم بن وكيع قال: "كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحد يصلي إلا صلى، حتى جارية لنا سوداء". وعن ابن عثمان النهدي قال: "كان أبو هريرة- رضي الله عنه- وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثا، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذان ثم يوقظ هذا". هذه الأسر بمنهجها هذا، تمثل قلعة من قلاع الدين، إنها أسر مؤمنة في سيرتها، متماسكة من داخلها، حصينة في ذاتها، مثلها الأعلى أسوة وقدوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسر قائمة على الاستمساك بشرع الله المطهر، الصدق والإخلاص، والحب والتعاون، والاستقامة والتسامح، والخلق الزكي. والحديث عن الأسرة له أهميته، فهي حجر الزاوية في بناء المجتمع، والقاعدة التي يقوم عليها بناء الأمة، ألا ترى أولئك النابغين من التابعين كيف ملؤوا التاريخ بطولة ومثلا وقيما؟ لقد كانت الأسرة في حياتهم تمثل أهم عناصر النبوغ، وزرع الهمة العالية منذ نعومة أظفارهم، وهذا ما قد يفسر لنا سر اتصال سلسلة النابغين من أبناء أسر معينة كآل تيمية مثلا. وهل كان يمكن لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أن يقوم بواجبه في تجديد الدين، ويتهيأ له، لولا البيئة الصالحة والأسرة الكريمة التي وجهته إلى المعالي، وبذرت الهمة العالية في قلبه منذ الطفولة.؟ لهذا عني الإسلام ببناء الأسرة وأحكامها من بدء الخطبة إلى عقد الزواج، وبين واجبات الزوجين، والأبناء، والأقربين، شرع النفقات، والطلاق، والميراث، أحاط الأسرة بالرعاية والحماية، وأمن لها الاستقرار والمودة، خطب المغيرة بن شعبة امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما » [رواه الترمذي]. أي أجدر أن تتآلفها، وتجتمعا وتتفقا. لحفظ الأسرة بين الإسلام أسباب الألفة، ووسائل حسن المعاشرة، شيد صرح المحبة بين أفرادها بتأسيس حقوق معلومة. حذر الإسلام من هدم الأسرة، وحث على تماسكها، ونفر من زعزعة أركانها، وانفصام عراها. وإذا اشتدت الأزمات، شرع الطلاق في أجواء هادئة، بمعزل عن أحوال الغضب الهوجاء. واعتبر إيقاع الطلاق الثلاث دفعة واحدة سلوكا طائشا ولعبا بكتاب الله- عز وجل-. إن الكيان الأسري ليس امرأة فقط، وليس رجلا أيضا، إنما هو كيان متكامل، للمرأة وظيفة أنثوية، وللرجل وظيفته المكملة، ولو تعاضدا وتشاورا وأدى كل منهما رسالته في التربية والبناء لما أصيب السواد الأعظم من الأسر بالخور، والفشل، والضعف، والهلاك. وإنك لتحزن لذلك الدفق الهائل من السموم عبر "الفضائيات" لمسخ الأسرة المسلمة، وهدم نظامها بالدعوة إلى تحرير المرأة والتمرد على قوامة الرجل، ورفض بل نزع الحجاب، والنكوص على الأعقاب بتزيين العري والاختلاط، ومحاربة القيم، وتعدد الزوجات، ناهيك عن الدعوة إلى تأخير الزواج،، حيث يصورونه أغلالا، وقيودا تكبل الحرية، وتحجز عن الانطلاق، ثم لوثوا العقول، وأفسدوا القلوب بعلاقات مشينة سموها صداقة، وزمالة، ومخادنة!.. ومما يؤسف له أن هذه الأسر المغزوة من قبل أعدائها، مهددة من قبل أصحابها المسؤولين عنها. حين تنشأ الأسرة على قاعدة هشة من الجهل بمقاصد الزواج السامية، والحقوق الشرعية المتبادلة، وفن التعامل، بحيث يكون الزوجان لم يهيآ ويتهيأ لتحمل مسؤولية الحياة وتبعاتها، وجد العيش وتكاليفه، فيكون السقوط السريع والمريع عند أول عقبة في دروب الحياة. ذلك أنهم يظنون أنها حياة تمتع دائم لا ينقطع، وسرور لا ينغص، وبهجة لا تنطفىء، مع أحلام وردية، وأمان ساحرة. لهذا ترى هذا السيل الجارف المحزن من حالات الطلاق بلا أسباب مقنعة أو خلافات جوهرية، بل تذهل لسماع قذائف من ألفاظ تحمل في طياتها طلاقا بائنا، لا تراعي فيه ضوابط الشرع، وهكذا يكسر هذا الكيان الصغير الجميل، والبيت الذي كانت تظلله سحائب المحبة والوئام، يكسر بمعاول الجهل والغرور، والمكابرة والعناد وهوج التفكير، وخطله. وما أفظعها من خاتمة مروعة موجعة، هي قرة عين الشيطان، فعن جابر- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجي أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا قال: ثم يجي أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت، فيلتزمه » [أخرجه مسلم]. والشيطان حين يفلح في فك روابط الأسرة، لا يهدم بيتا واحدا، ولا يضع شرا محدودا، إنما يوقع الأمة جمعاء في شر بعيد المدى، ذلك أن الأمة التي يقوم بناؤها على لبنات ضعيفة، من أسر مخلخلة وأفراد مشردين، وأبناء يتامى لن تحقق نصرا، ولن تبلغ عزا، بل تتداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعة الطعام. القوامة الفعالة إن القوامة تعني القدوة في الإيمان والاستقامة. إن القوامة ليست مجرد توفير طعام وشراب، وملبس ومسكن، إنها مسؤولية الإضطلاع بشؤون أسرة كاملة، تبدأ من الإهتمام بشؤون شريكة الحياة: الزوجة أخلاقها وسلوكها، ثم لا تلبث أن تشمل الأبناء والبنات، إنها مسؤولية صنع أبناء الأمة وبناتها، وإعطاء الأمة انتماءها بالحفاظ على كيان الأسرة. القوامة ليست لهوا وعبثا، ونوما متواصلا، إنما هي عمل، وتخطيط، وجهد متواصل في مملكة البيت للمحافظة على أمنه واستقراره. إن واجب قيم الأسرة، أن يغرس في نفوس أفراد أسرته الدين والمثل السامية، وأن ينمي فيهم حب الله، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم مما سواهما، ينمي فيهم مخافة الله والرغبة فيما عنده من الثواب. قال تعالى: { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } [ق: 37]. لو تأملنا بعض آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لوجدنا أن أهم مقاصد تكوين الأسرة هي: أولا: إقامة حدود الله وتحقيق شرعه ومرضاته، وإقامة البيت المسلم الذي يبني حياته على تحقيق عبادة الله. ثانيا: تحقيق السكون النفسي والطمأنينة: قال تعالى: { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها } [الأعراف: 189]. ثالثا: تحقيق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنجاب النسل المؤمن الصالح. رابعا: إرواء الحاجة إلى المحبة عند الأطفال. خامسا: صون فطرة الطفل عن الرذائل والانحراف. ذلك أن الطفل يولد صافي السريرة، سليم القلب، فعلينا-معشر المسلمين- تعليم أسرنا عقيدتها، وأن نسلحها بسلاح التقوى، لتحقيق مجتمع أسمى وأمة أقوى. اللهم ظلل على بيوت الموحدين الأمن، والإيمان، والمحبة، والإخلاص. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين |
العلامات المرجعية |
|
|