#1
|
|||
|
|||
عبادة في الهرج
مشقة أي مشقة و جهاد أي جهاد أن ينفرد المسلم بالعبادة وقت اشتداد الفتن و تواليها وغفلة الناس و الغرق في المعاصي حتى الرؤوس , حيث يقل الرفيق الصالح الذي يشجع على العبادة و الطاعة و يكثر من يسبط بل و يشد المؤمن نحو الفتن شداً و يجره إلى المعاصي جراً. يوم لا تتزين المجالس إلا بالأراذل و يصبح المؤمن الطائع بين القوم مشوهاً مبعداً كأنه أحمق لا يفقه من أمر دنياه شيئاً. قال صلى الله عليه و سلم: «العبادة في الهرج كهجرة إلي» . (رواه مسلم) . قال النووي في شرح مسلم: المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد. و سنتحدث في محورين: أولاً: العبادة عند اشتداد الفتن و اختلاط أمر الناس و انتشار ال*** و الحروب. ثانيا: العبادة وقت الغفلة و كثرة المعاصي. العبادة وقت اشتداد الفتن: في بحث بعنوان العبادة في وقت الفتن يقول: محمدبن صالح المنجد: والهرج كما قال أهل العلم ومنهم الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث، الفتنة وأيام الفتن واختلاط أمور الناس، كذلك في حال ال*** والحرب، كذلك في حال الخوف والذعر، في حال اختلاط أمور الناس من الفوضى الاقتصادية أو الفوضى الاجتماعية، أو الفوضى في الفتوى، الفوضى بحيث لا تنتظم أمورهم، ويكونون في أمرٍ مريج، فالذي يجمع قلبه على ربه، في حال اختلاط أمور الناس وفي حال الخوف والذعر وفي حال الفوضى والاضطراب في حال اختلاط الأمور وفي حال اضطرابها، في حال الخفاء والجهالة من كثير من الناس لدينهم، تكون العبادة في هذا الجو في هذه البيئة في هذه الأوساط في هذه الحال «كهجرةٍ إلي»، يقول عليه الصلاة السلام، ومعلوم أجر الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ما هو أجر المهاجرين، الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وأهليهم، الذين تركوا البلاد والأهل والمال، وتركوا الوطن لله، وخرجوا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف كان أجرهم، هؤلاء الذين أتعبوا من بعدهم، فلا يصل إلى درجتهم أحد مما بعدهم ولا هجرة بعد الفتح {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَل} [الحديد: من الآية10]. مع الذي أنفق من بعد الفتح وقاتل، والهجرة بهذا الأجر العظيم ليست فقط من بلاد الكفر إلى بلد الإسلام، وإنما إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك قال «كهجرةٍ إلي»، فالعبادة في الهرج في فضله وأجرها ذات ثواب عظيم، لمن؟ لهذا الإنسان الذي عبد الله تعالى في زمن الفتن، في زمن اختلاط الأمور، في زمن ثوران الشهوات والغرائز، في زمن خفاء أمر الحلال، وخفاء كثيرٍ من الأحكام على الناس، ولكنه يعبد ربه ويعرف دينه ولذلك فهو يتمكن بالعلم الذي معه، في وقت الاضطراب والجهل والخفاء، يتمكن به من معرفة الله تعالى وعبادته، والناس في حال الفتن و الاضطراب ينشغلون عن العبادة، ويشتغلون بأنفسهم، تطيش أحلامهم تغيب عقولهم، ويعيشون في غفلة، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن سبب إكثاره من الصيام في شهر شعبان، قال «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ». العبادة وقت الغفلة و انتشار المعاصي: بيّن النبي صلى الله عليه وسلم سبب تحريه صيام شعبان بقوله «شهر يغفل الناس عنه»، فإذا ترك العبد العبادة في أوقات الغفلة صار كعامة الغافلين، ولم يكن من عباد الله المصطفين الذين يصومون إذا الناس مفطرون، ويُصلون إذا الناس نائمون. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي- رحمه الله: «وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة، ويقولون هي ساعة غفلة، ولذلك فضل القيام في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه من الذكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن»، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يُؤخر العشاء إلى نصف الليل، وإنما علل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس، ولما خرج على أصحابه وهم ينتظرونه لصلاة العشاء، قال لهم: «ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم». وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له [لطائف المعارف-137]. وتحدث الحافظ ابن رجب الحنبلي- رحمه الله- عن فوائد الطاعة في أوقات ومواطن الغفلة، فقال: «وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها: أنه يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام، فإنه سر بين العبد وربه، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء. و في بحث بعنوان: العبادة وقت الغفلة أشق على النفوس: يقول حمد بن إبراهيم العثمان: والعبادة وقت الغفلة أشق على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس، فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها، ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «للعامل منهم أجر خمسين منكم، إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون»، وقال: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء»، وفي رواية: «قيل: ومن الغرباء؟ قال: «الذين يُصلحون إذا فسد الناس»، وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العبادة في الهرج كالهجرة إليّ». وخرجه الإمام أحمد ولفظه: «العبادة في الفتنة كالهجرة إليّ»، وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم تنبيها بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، متبعا لأوامره، مجتنبا لنواهيه. ومنها أن المنفرد بالطاعة عن أهل المعاصي والغفلة قد يُدفع به البلاء عن الناس كلهم، فكأنه يحميهم ويدافع عنهم، قال بعض السلف: ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمي الفئة المنهزمة، ولولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس، وقد قيل في تأويل قوله تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ} ، أنه يدخل فيها دفعه عن العصاة بأهل الطاعة. وجاء في الأثر إن الله يدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذريته ومن حوله [لطائف المعارف باختصار:137 - 140]. أبو الهيثم محمد درويش
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|