#1
|
|||
|
|||
الظلم
الظلم السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة 2- وَأَوَّلُ مَنْ اعْتَرَفَ بِهَذَا أَبُو الْبَشَرِ لَمَّا تَلَقَّى مِنْ رَبِّهِ الْكَلِمَاتِ فَقَالَ : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } فَكَانَ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ اعْتِرَافُهُ بِذَنْبِهِ وَطَلَبُهُ رَبَّهُ عَلَى وَجْهِ الِافْتِقَارِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ . 3- فَالْمَغْفِرَةُ إزَالَةُ السَّيِّئَاتِ وَالرَّحْمَةُ إنْزَالُ الْخَيْرَاتِ فَهَذَا ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ لَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ لِغَيْرِهِ . 4- وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا ذَكَرَ الَّذِي هُوَ مِنْ عَدُوِّهِ { فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ } { قَالَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ } فَاعْتَرَفَ بِظُلْمِهِ نَفْسَهُ فِيمَا كَانَ مِنْ جِنَايَةٍ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا . 5-وَقَالَ يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } 6-وَفِي الصَّحِيحِ { الدُّعَاءُ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ : اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } فَهَذَا الدُّعَاءُ مُطَابِقٌ لِدُعَاءِ آدَمَ فِي الِاعْتِرَافِ بِظُلْمِ النَّفْسِ وَمَسْأَلَةِ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ . 7-{ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَوَى عَلَى الدَّابَّةِ : فَحَمِدَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ، ثُمَّ يَضْحَكُ } وَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . 8-وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالظُّلْمُ نَوْعَانِ : تَفْرِيطٌ فِي الْحَقِّ وَتَعَدٍّ لِلْحَدِّ ؛ 9-فَإِنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ ظُلْمٌ كَمَا أَنَّ فِعْلَ الْمُحَرَّمِ ظُلْمٌ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَطْلَ - وَهُوَ تَأْخِيرُ الْوَفَاءِ - ظُلْمٌ فَكَيْفَ بِتَرْكِهِ 10-ومن المعروف أَنَّ أَدَاءَ الْوَاجِبِ أَعْظَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ وَأَنَّ الطَّاعَاتِ الْوُجُودِيَّةَ أَعْظَمُ مِنْ الطَّاعَاتِ الْعَدَمِيَّةِ فَيَكُونُ جِنْسُ الظُّلْمِ بِتَرْكِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ أَعْظَمَ مِنْ جِنْسِ الظُّلْمِ بِتَعَدِّي الْحُدُودِ . 11- وَقَرَّرْ أَيْضًا أَنَّ الْوَرَعَ الْمَشْرُوعَ هُوَ أَدَاءُ الْوَاجِبِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ لَيْسَ هُوَ تَرْكَ الْمُحَرَّمِ فَقَطْ وَكَذَلِكَ التَّقْوَى اسْمٌ لِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ . كَمَا بَيَّنَ اللَّهُ حَدَّهَا فِي قَوْلِهِ : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } - إلَى قَوْلِهِ – { أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } . 12-وَمِنْ هُنَا يَغْلَطُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَيَنْظُرُونَ مَا فِي الْفِعْلِ أَوْ الْمَالِ مِنْ كَرَاهَةٍ تُوجِبُ تَرْكَهُ وَلَا يَنْظُرُونَ مَا فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَمْرٍ يُوجِبُ فِعْلَهُ . 13- مِثَالُ ذَلِكَ مَا سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَد : عَنْ رَجُلٍ تَرَكَ مَالًا فِيهِ شُبْهَةٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَأَلَهُ الْوَارِثُ هَلْ يَتَوَرَّعُ عَنْ ذَلِكَ الْمَالِ الْمُشْتَبَهِ ؟ فَقَالَ لَهُ أَحْمَد : أَتَتْرُكُ ذِمَّةَ أَبِيك مُرْتَهِنَةً ذَكَرَهَا أَبُو طَالِبٍ 14- وَهَذَا عَيْنُ الْفِقْهِ ؛ فَإِنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ وَالْغَرِيمُ حَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّرِكَةِ فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ الْوَارِثُ الدَّيْنَ وَإِلَّا فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ التَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ إضَاعَةُ التَّرِكَةِ المشتبهة الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَرِيمِ 15- وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا إضْرَارُ الْمَيِّتِ بِتَرْكِ ذِمَّتِهِ مُرْتَهِنَةً . فَفِي الْإِعْرَاضِ عَنْ التَّرِكَةِ إضْرَارُ الْمَيِّتِ وَإِضْرَارُ الْمُسْتَحِقِّ وَهَذَانِ ظُلْمَانِ مُحَقَّقَانِ بِتَرْكِ وَاجِبَيْنِ 16- وَهَكَذَا جَمِيعُ الْخَلْقِ عَلَيْهِمْ وَاجِبَاتٌ : مِنْ نَفَقَاتِ أَنْفُسِهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ وَقَضَاءِ دُيُونِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَإِذَا تَرَكُوهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ظُلْمًا مُحَقَّقًا . وَإِذَا فَعَلُوهَا بِشُبْهَةٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ ظُلْمُهُمْ . 17- فَكَيْفَ يَتَوَرَّعُ الْمُسْلِمُ عَنْ ظُلْمٍ مُحْتَمَلٍ بِارْتِكَابِ ظُلْمٍ مُحَقَّقٍ وَلِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ الْمَالَ : يَعْبُدُ بِهِ رَبَّهُ وَيُؤَدِّي بِهِ أَمَانَتَهُ وَيَصُونُ بِهِ نَفْسَهُ وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْخَلْقِ . 18-وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ : النَّاكِحُ يُرِيدُ الْعَفَافَ وَالْمُكَاتَبُ يُرِيدُ الْأَدَاءَ وَالْغَارِمُ يُرِيدُ الْوَفَاءَ } فَذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُؤْمِنُ : عِفَّةَ فَرْجِهِ ؛ وَتَخْلِيصَ رَقَبَتِهِ وَبَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ . 19- فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ ؛ وَصِيَانَةِ النَّفْسِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ النَّاسِ . لَا تُتَمَّمُ إلَّا بِالْمَالِ . 20- وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ . وَمَنْ لَا يُحِبُّ أَدَاءَ مِثْلِ هَذَا الْوَاجِبِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَقُومُ الدِّينُ إلَّا بِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ . فَهَذِهِ مِلَّةٌ وَلَهَا تَفَاصِيلُ كَثِيرَةٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . 21-وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَسَادُهُ رَاجِحٌ عَلَى صَلَاحِهِ وَلَا يُشْرَعُ الْتِزَامُ الْفَسَادِ مِمَّنْ يُشْرَعُ لَهُ دَفْعُهُ . واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين |
#2
|
|||
|
|||
جزاك الله كل خير
|
#3
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
|
#4
|
|||
|
|||
جزاك الله كل خير
|
#5
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا
|
#6
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا
|
العلامات المرجعية |
|
|