#16
|
||||
|
||||
ابن دمياط يصل أوروبا بعد ترك الراقصة (بيتي) واتهامه بالسرقة
ابن دمياط يصل أوروبا بعد ترك الراقصة (بيتي) واتهامه بالسرقة بعد مغامرة قصيرة في السينما والمرور بأول علاقة عاطفية مع راقصة تدعى «بيتي»، كان «الجمال» مستعدًا لخطوات أخرى، كما يروي في مذكراته: «أخذت من (بيتي) كل ما يمكن أن يأخذه إنسان، علمتني الكثير، غير أنني أحسست أنه قد حان الوقت لكي انتقل إلى مجال آخر، إذ فقدت الرغبة في متابعة عملي كممثل، وبدأت البحث عن عمل آخر، لأنه بدون ذلك لم أكن أستطيع كسر القيود التي كبلتني بها (بيتي). وتقدمت بطلب لوظيفة لدى شركة بترول أجنبية على ساحل البحر الأحمر، واختاروني على الرغم من كثرة عدد المتقدمين، وتسلمت العمل فورًا، ومن المؤكد أنه ساعدني في هذا أنني كنت أتحدث الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، وانتقلت إلى رأس غارب، التي تقع على بعد 150 ميلًا جنوب السويس. حاولت أن أنسى الماضي، وعملت بدأب وجد قدر استطاعتي في وظيفتي كمحاسب، وبقيت هناك لمدة خمسة عشر شهرًا، وتعلمت فيها كل ما يمكن تعلمه عن أعمال صناعة النفط وأقمت علاقات مع كثيرين من مهندسي النفط البريطانيين والأمريكيين». وكنت قد تعرفت على أحد رجال الصناعة من الإسكندرية اعتاد أن يتردد كثيرًا على السويس لأعمال تجارية، وحاول مرارًا وتكرارًا أن يشدني للعمل في شركته التي تعمل في الكيماويات، وما أن حانت الفرصة للقائه حتى سألته عما إذا كان العرض الذي قدمه لا يزال قائمًا أم لا. سره سؤالي ورد بالإيجاب، وانتقلت معه إلى الإسكندرية، ولأول مرة منذ أن خرجت من شقة سامي منذ خمس سنوات مضت وجدت في هذا الرجل وأسرته بديلًا لأسرتي، وقررت أن أضرب بجذوري في الإسكندرية، فالدفء والحب الأبوي اللذين حرمت منهما وجدت لهما بديلًا مضاعفًا هنا، فقد أبدى رئيس شركة الكيماويات رضاه البالغ عن عملي وشخصي حتى أنه رقاني وعاملني كأب لي، وزرت أسرته مرات وتعرفت على ابنته هدى». لكن القدر أراد لي شيئًا آخر، فبعد عيد ميلادي الثاني والعشرين بقليل طلب مني رئيسي في العمل السفر إلى فرع الشركة في القاهرة لأنه غير مطمئن إلى المدير هناك، وطلب مني أراجع عمله، وسافرت إلى القاهرة حاملًا معي هدايا لأختي وأبنائها. وعلى الرغم من شعوري ببعض الاكتئاب حين يعاودني التفكير في الماضي، ولأن أمي ماتت في دكرنس بينما كنت أعمل في رأس غارب، إلا أنني شعرت إيضًا بالفخر لأنني أعود لأختي وأنا رجل أعمال ناجح ومحترم. فحصت دفاتر الحسابات في فرع الشركة بالقاهرة، وراجعت كل شيء آخر فيه، لم أجد أي شيء غير عادي، بل راجعت أيضًا رصيد النقدية، ووضعت الرصيد في الخزانة وأغلقتها دون أن أدري أن مدير الفرع معه مفتاح ثان للخزانة. واكتشفت في اليوم التالي ضياع مبلغ ألف جنيه مصري، وحيث أنني من الناحية الرسمية كنت الوحيد الذي يحمل المفتاح، فقد بات واضحًا أنني سرقت النقود، واتصل مدير الفرع برئيس الشركة في الإسكندرية وأبلغه أنه قد تم العثور على النقود في غرفتي بالفندق، وذلك محض كذب». تورط «الجمال» في رحلته القصيرة إلى القاهرة، لكنه لم يهرب هذه المرة، وأوضح في مذكراته: «خجلت من جريمة لم أرتكبها وعدت إلى الإسكندرية، ولكن سرني أن رئيس الشركة قال لي إنه يصدقني، وإنني ضحية دهاء مدير الفرع، ولكن رئيس الشركة لم يستطع الإبقاء علي في وظيفتي تجنبًا لإجراء أي تحقيقات رسمية، ورتب لي فرصة الالتحاق بعمل جديد لدى صديق له يدير خطًا ملاحيًا، صدمت ولكن لم يكن أمامي خيارا آخر. بدأت عملي كمساعد لضابط الحسابات على سفينة شحن اسمها (حورس)، وبعد أسبوعين كنت على متن السفينة لأغادر مصر لأول مرة. طال سفرنا، وتقوقعت على نفسي غير مصدق أنني أبحر بعيدًا عما أردته لنفسي. توقفنا في نابولي وجنوة ومارسيليا وبرشلونة وجبل طارق وطنجة، ثم بعد ذلك وصلنا إلى ليفربول. وفي ليفربول أدخلت السفينة إلى الحوض الجاف، لعمل بعض الإصلاحات، وكان من المقرر أن تتجه بعد ذلك إلى بومباي، وحيث أنه كان من المقرر أن نظل وقتًا طويلًا في انجلترا، فقد بدأت مغامراتي لاستكشاف المنطقة داخل ليفربول وحولها، وذات ليلة وأنا في مرقص قابلت فتاة اسمها جودي موريس». وكان المرقص شاهدًا على ولادة علاقة عاطفية جديدة لابن دمياط: «ذكرتني بـ(بيتي)، رقصنا معًا وقضينا أمسية رائعة، أحببتها ومارست معها كل ما تعلمته من بيتي، وقعت (جودي) في غرامي، ومنذ ذلك الحين أصبحنا نقضي معًا كل لحظة تكون فيها بلا عمل، ورحب بي أبوها، الذي كان شخصية نقابية هامة ورئيسًا للعمال في الأحواض الجافة، ودعاني لزيارتهم في البيت، وأمضيت معهم وقتًا رائعًا. عندما تهيأت (حورس) للسفر إلى الهند بكت (جودي) بحرقة، وتوسلت إلي ألا أسافر، ولم أكن أنا أيضًا متحمسًا للسفر إلى الهند، غير أنني لم أكن أريد أن أفقد وظيفتي، ولا أن أبقى في انجلترا بطريقة غير مشروعة، ولكن (جودي) أوضحت لي أن كثيرين من البحارة يضطرون إلى استئصال الزائدة الدودية، ومن ثم يتخلفون عن السفر، وينتظرون إلى أن تعود سفنهم مرة ثانية إلى ليفربول ليلتحقوا بها، وأخبرتني أن أباها يمكنه مساعدتي في الحصول على تصريح إقامة. قالت وفعلت، وادعيت أنني أعاني ألمًا حادًا تم تشخيصه على أنني مصاب بالتهاب الزائدة الدودية ويتطلب إجراء جراحة فورًا، وعقب إجراء العملية خرجت لأكون في رعاية (جودي)، وبعد أن شفيت بدأت أعمل مع والد (جودي) في الميناء، بعد أن رتب لي تصريحًا بالعمل. وخلال هذه الفترة، قابلت قسًا طلب مني أن يعرف كل شيء عن الإسلام، واتفقنا سويًا أن أعلمه كل ما أعرفه عن الإسلام، ويعلمني هو في المقابل كل ما يعرفه عن المسيحية، وأسعدني أن تتاح لي فرصة أن أقدم بعض معلوماتي وأن أتعلم شيئًا جديدًا، غير أنني لم أكن مستعدًا للتخلي عن إيماني بديني، ولم تعبأ (جودي) بذلك، إذ كان كل ما تريده هو أن تتزوج مني أيًا كانت عقيدتي، وحين تأملت أحوال أسرتها وأحوالها وتدبرت أمري أيقنت أنها لا تصلح لي كزوجة، ولذلك، فإنه ما أن عادت (حورس) حتى ودعتها وصعدت إلى السفينة عائدًا إلى مصر، وودعتني (جودي) وهي تقول إنها سوف تنتظرني، ولكنني كنت على يقين من أنه لا أمل من ذلك». |
#17
|
||||
|
||||
«سيدات أوروبا أغرقوني بالأموال لتمضية وقت معهن» في مارس من عام 1950، عاد رفعت الجمال إلى مصر ليروي: «كنت موزع الوجدان بين الإحساس بالسعادة والحزن، لم أجد لي أسرة أعود إليها، ومن ثم قررت أن أترك البلاد ثانية بأسرع ما يمكن، عدت لأعمل مستخدمًا على متن سفينة تحمل العلم الفرنسي، وأبحرت بي لنصل بعد أربعة أيام إلى مارسيليا. وهناك نزلت في فندق في الميناء سيء جدًا وصغير جدًا، واستثمرت إجادتي للفرنسية وسحري مع النساء وكل ما تعلمته من (بيتي)، وأفضى بي هذا إلى أن تشملني امرأتان عجوزتان برعايتهما وتتوليان أمري وتدفعان لي أجرًا مقابل صحبتهما والترفية عنهما، وظننت أن الأسلوب الذي نجح معي في مارسيليا سوف ينجح أيضًا في باريس، وربما على نحو أفضل، فشددت الرحال إلى العاصمة الفرنسية، ولم أكن مخطئًا في ما اعتقدته، إذ وجدت سيدات كثيرات دفعن لي مالًا وفيرًا مقابل تمضية وقتا ممتعا، وواجهت خطر الطرد من البلاد لأنني لم أكن أملك تأشيرة إقامة. لهذا ركبت القطار إلى لندن زاعمًا أنني مضطر إلى استشارة الطبيب الذي أجرى لي العملية الجراحية لاستئصال الزائدة الدودية، وحصلت على تأشيرة دخول لزيارة تمتد أسبوعين. بدا الأمر مختلفًا هذه المرة فقد أصبحت جسورًا مغامرًا بصورة عدوانية وأنانية. وقفت مستقلًا قادرًا على أن أفعل كل ما أريد، لم يعد بمقدور أحد أن يدفعني بعيدًا عن طريقي المرسوم، حققت بعض الثروة بفضل سخاء السيدات اللاتي صاحبتهن، لم يكن لي من حاجة تدفعني للسفر إلى ليفربول غير أني ذهبت إلى هناك لأرى (جودي)» ان لقاء «جودي» هذه المرة مختلفًا بالنسبة للشاب المصري: «استبدت بها فرحة غامرة لرؤيتي جعلتها تبكي طوال الوقت، ظنت أنني عائد إليها ومن أجلها، ولم يكن هذا صحيحًا، غير أنني مكثت معها إذ أدركت أن هذه أفضل فرصة لي، وساعدني القس الذي التقيت به سابقًا في الحصول على وظيفة في وكالة للسفريات حيث بدأت العمل بحماس كبير. كان اسم وكالة السفريات التي عملت بها (سلتيك تورز)، وكانت لدي أفكار لتطوير عملها، إذ أقنعت رئيسي بأن أسافر إلى لندن في محاولة للحصول على موافقة السفارة المصرية على أن تتولى وكالتنا تنظيم سفر الديبلوماسيين المصريين والحاصلين على منح دراسية من وإلى بريطانيا العظمى، وكنت على ثقة من نجاحي على الرغم من أن شركة (توماس كوك) كانت هي التي تقوم بهذه الأعمال وقتذاك. ذهبت في لندن لمقابلة الملحق المصري وأقنعته بأن يوكل إلينا هذا النشاط، وأوضحت له أن أسعارنا أرخص، وأنني كابن بلد سوف أتابع ذلك لأضمن لجميع العملاء أفضل رعاية. وعدت إلى ليفربول حاملًا في جيبي عقدًا مربحًا، وبلغت عمولتي عن هذه الصفقة 2000 جنيه إسترليني». ابتسمت الحياة مجددًا لـ«الجمال»، كما يروي في مذكراته: «كانت هذه مجرد بداية، وفي أقل من خمسة أشهر تضاعف حجم عمل وكالة السفريات وزادت حصتي إلى 5000 جنيه وأودعتها في بنك أمريكان إكسبرس مقابل شيكات سياحية بنفس القيمة، واقترحت بعد ذلك على رئيسي أن أبذل نفس المحاولة مع السفارة المصرية في نيويورك، ووافق على الفور وحجز لي تذكرة سفر إلى نيويورك. ودعت (جودي) ووعدتها بالعودة سريعًا، ولم يدر بخاطري أن هذا كان وداعنا الأخير». وفي نيويورك، قال لي المدير المسؤول عن وكالة للسفريات حاولت التعاون معه فيما جئت لأجله إن ليفربول مدينة صغيرة ولا يمكن أن يتم فيها تنظيم السفريات لأمريكا، وامتدحني قائلًا إنني موهوب وأن علي أن أبرز مواهبي في نيويورك، وعرض علي وظيفة وقبلتها، واهتز قلبي فرحًا لنجاحي. كان قبولي لهذا القرار يعني من الناحية القانونية أنني خدعت صاحب الوكالة الإنجليزية، وحصلت بموجب ذريعة كاذبة على تذكرة سفر بالطائرة من إنجلترا إلى الولايات المتحدة، ومن ثم كان منطقيًا أن يوجه لي رئيسي السابق في ليفربول تهمة الغش. مع إقلاع طائرته من إنجلترا متوجها إلى الولايات المتحدة، كان فصلا جديد يستعد أن يكتب في قصة حياة رفعت الجمال: «بقيت في نيويورك وحولت شيكاتي السياحية إلى دولارات، بما يساوي قيمة ما معي من جنيهات إسترلينية مرتين ونصفًا، وأصبحت بذلك أملك اثني عشر ألف دولار ملكية قانونية، غير أن إقامتي في الولايات المتحدة لم تكن قانونية لأني لم أحصل على بطاقة التأمين الاجتماعي الخضراء، التي تضفي على وجودي وضعًا قانونيًا، وبدأ موظفو إدارة الهجرة يهتمون بي، لذلك رحلت إلى كندا، حيث تقدمت بطلب للحصول على تأشيرة دخول للزيارة في مطار مونتريال، وحصلت على التأشيرة لزيارة مدتها أسبوع، وعلى أية حال، فلم أكن أرغب في البقاء أطول من ذلك لأن كندا كانت جزءً من الكومنولث البريطاني، وهو ما من شأنه أن يسبب مشكلة لي. تم وضع اسمي في القائمة السوداء في الولايات المتحدة، ومن ثم توجهت إلى فرانكفورت في ألمانيا، حيث حصلت على تأشيرة عبور لمدة 48 ساعة، ومن هناك طلبت السفر إلى النمسا، غير أن الأمور جاءت على غير ما أريد». توجهت إلى القنصلية المصرية وأبلغت عن فقدي لجواز السفر، وتقدمت بطلب للحصول على جواز جديد، وألمح القنصل إلى أنني بعت جواز سفري لأن كثيرين من النازيين السابقين كانوا آنذاك يحاولون الخروج من البلد، ومن ثم يشترون جوازات سفر أجنبية ليسافروا بها. وبعد يومين أوقفتني الشرطة للتحقق من شخصيتي، واحتجزوني مؤقتًا في حجز قضائي، وأحالوني إلى القضاء، وأودعوني الحبس بتهمة الإقامة غير المشروعة، وصدر ضدي حكما بعد ثلاثة أشهر بدفع غرامة كنت قد استنفذت قيمتها خلال فترة احتجازي إلى حين المحاكمة، ورحلوني قسرًا على متن أول طائرة إلى القاهرة». آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 08-02-2016 الساعة 02:08 PM |
#18
|
||||
|
||||
زورت 3 جوازات سفر فاعتقدوا أنني يهوديًا وألقوا بي في السجن في مايو 1951، كانت العودة الثانية لرفعت الجمال لأرض الوطن، ويروي عنها: «عدت إلى القاهرة مرة ثانية في مايو 1951، ومعي مبلغًا كبيرًا من المال ولكن بدون جواز سفر، وتقدمت بطلب للحصول على جواز سفر جديد ولكن طلبي رفض، لأن القنصل المصري في فرانكفورت أرسل تقريرًا عن الحادث الذي وقع لي إلى القاهرة. وأصبح بلدي سجنًا كبيرًا بالنسبة لي، وقررت البحث عن مكان لي فيه. فكرت في أن أفضل فرصة متاحة لي بفضل قدراتي في اللغات هي العمل في شركة قناة السويس، ولكنني كنت بحاجة إلى وثائق هوية للسفر إلى هناك، فتعرفت على رجل يزور ويبيع جوازات السفر، وأعد لي جواز سفر باسم علي مصطفى، كانت الوثيقة أصلية غير أن الصورة هي فقط التي أبدلت بصورتي. وفي يونيو 1951، سافرت إلى قناة السويس باسم علي مصطفى، اجتزت الكثير من نقاط التفتيش والتحقق ونجحت هويتي المزيفة، وحصلت على وظيفة في شركة القناة، وسارت الأمور سيرًا حسنًا إلى أن بدأ البريطانيون في شهر أكتوبر في فحص الهويات بتدقيق أكثر». [IMG]https://ahistorystudent.files.wordpress.com/2012/02/heading-to-korea-suez-c****-1950.jpg[/IMG] شعر «الجمال» بالخطر فتصرف على الفور: «قررت ترك هذه المنطقة والعودة إلى القاهرة، حيث حاولت الحصول على هوية جديدة لمواطن من دولة محايدة مثل سويسرا، ووجدت ضالتي وأصبحت الآن صحفيًا من جنيف اسمه (شارلز دينون)، كنت لا أزال أملك 12 ألف دولار في صورة شيكات سياحية لأني كنت قبل ذلك أنفق على معيشتي من راتبي من شركة القناة، ارتديت ملابس أجنبية ونزلت في فندق دولي. وفي تلك الفترة وقعت في القاهرة اضطرابات سياسية وبدأت الشرطة تحركات مكثفة للتنقيب والتحقق، ومن ثم كان لابد وأن أنهي إقامتي سريعًا، وقررت في مارس 1953 مغادرة هذه المدينة باسم الصحفي السويسري شارلز دينون. ركبت القطار إلى الإسكندرية ومعي شيكاتي السياحية، مقتنعًا بأن أفضل شيء لي هو مغادرة البلاد، سعيت للحصول على جواز سفر جديد بشخصية جديدة، وحصلت بالفعل على جواز سفر بريطاني باسم (دانييل كالدويل)، وعزمت على الخروج من مصر عبر ليبيا متجهًا مباشرة إلى بنغازي، عن طريق التطفل على السيارات العابرة (أوتوستوب)». استطاع «الجمال» أن يوقف إحدى السيارات والصعود على متنها: «سارت الأمور على خير وجه وعبرت الحدود إلى ليبيا وكانت آنذاك مجرد سور صغير. وبعد أن قطعت عشرين ميلًا داخل حدود ليبيا، التقيت بدورية عسكرية بريطانية، لم تساورني أي شكوك بالنسبة لسلامة هويتي الشخصية، كنت على يقين من أنني سأجتاز عملية التحقق هذه دون مشكلات، ولكنني كنت مخطئًا، إذ وقف الضابط المسؤول قبالتي وسألني عن جواز سفري، فناولته جواز السفر، وقد ارتسمت على شفتي ابتسامة عريضة، متأكدًا من أنني سوف أجتاز هذا الاختبار الصغير. وسألني: – هل أنت دانييل كالدويل أجبت دون اكتراث: – نعم يا سيدي. مؤكد أنا. – هل يمكنني أن أرى جميع الوثائق الأخرى التي تحملها معك؟ – يقينًا. هكذا أجبته للمرة الثانية، وأنا أناوله حافظتي الجلدية. تفحص كل شيء بداخلها بدقة شديدة، ثم سألني ثانية: – هل أنت دانييل كالدويل؟ – نعم. ثم رددت عليه بسؤال آخر: – ومن تظنني إذن سواه؟ كنت قد فكرت في كل شيء إلا في شيكاتي السياحية، إنها باسمي الحقيقي، اشتد توتري وجاهدت للخروج من الموقف. وعاد الضابط ليسألني: – إذا كانت هذه الشيكات لك إذن فما هو اسمك؟ أجبت: – دانييل كالدويل. سألني: – ومن هو صاحب هذه الشيكات؟ أجبت: – أنا قال: – هذه الشيكات بحاجة إلى توقيع ثان عند صرفها، وحيث أن التوقيع الأول لشخص اسمه رفعت الجمال، فكيف لك أن تصرفها؟ وكانت الإجابة الوحيدة والشديدة الغباء التي يمكن أن أدلي بها هي قولي: – هذه ليست مشكلة، سوف أوقع رفعت الجمال. قال الضابط بجفاء: – أخشى أن تكون هناك مشكلة، هذا تزوير في وثائق رسمية. واستطرد قائلًا: – إما أنك البريطاني دانييل كالدويل، أو المصري رفعت الجمال، أم أن لديك رأيًا آخر؟ صحت به: – وماذا يعنيك أنت في هذا؟ أنا مجرد عابر طريق، وسوف أترك بنغازي مباشرة، وأموري المالية ليست من شؤونك. ولكن الضابط قال: – ولكنك بريطاني يا سيدي كما تقول، وهذا يهمني، ربما كنت جنديًا فارًا من الجيش، فكثيرون من الجنود يفرون من وحداتهم في الإسكندرية. آسف ولكن واجبي يقتضي التحري عنك في لندن. سألته: – وماذا لو أنني لست مواطنًا بريطانيًا؟ أجاب: – إذا لم تكن بريطانيًا، فإن معنى هذا أنك مزور لهويتك الشخصية، وحيث أنك قادم من الحدود المصرية، فسوف اضطر إلى إعادتك إلى السلطات المصرية. وكان سؤالي الوحيد: – ثم ماذا بعد؟ – قال: هذه مشكلة السلطات المصرية، غير أن لدي انطباعًا بأنك لست بريطانيًا ولا مصريًا، أظن أنك يهودي مصري، واحد من أولئك الكثيرين من اليهود الذين يحاولون شق طريقهم من مصر إلى إسرائيل، إنك مجرد ديفيد آرونسون آخر من عديدين». تعقدت الأمور على الشاب المصري، و«كان الموقف ميؤوسًا منه، وما هو مقدر لابد منه، أعادوني إلى السلطات المصرية، وحططت الرحال داخل أحد أقسام الشرطة في الإسكندرية. أخذ الضابط البريطاني جواز سفري المزور، وهو الشيء الوحيد الذي كان يعنيه وأرسله للتدقيق والمراجعة. وفي الإسكندرية مثلت أمام القاضي الذي جابهني قائلًا إنني يهودي، ديفيد آرونسون، أحاول مغادرة مصر بأوراق مزورة وشيكات سياحية مسروقة، ودار حوارا مع القاضي دفاعًا عن نفسي باللغة العربية، وزاد هذا الطين بلة وجعلني في موقف أسوأ، ذلك أن الذنب الذي اقترفته، في نظر القاضي، تأكد من خلال كلامي بلغة عربية مصرية. توقفت عن الحوار ورفضت كل ما عدا ذلك، ورحلوني إلى مصر الجديدة في القاهرة لأن اسم رفعت الجمال مسجل هناك. وفي القاهرة بدأ كل شيء دورته من جديد، استجوبوني ولم أجب، وبقيت في الحجز عدة أيام، وذات يوم أحضروني إلى أحد المكاتب، وتوقعت المزيد من الاستجواب. رأيت في انتظاري رجلًا ضخم البنية، يوحي بالجدية، يرتدي ملابس مدنية، هادئ الصوت في ود حين يلقي أوامره. وجه كلامه للحارس الذي اصطحبني قائلًا: يمكن أن تتركنا الآن وحدنا. واتجه ناحيتي وطلب مني الجلوس، جلست وفي داخلي قلق حقيقي يسيطر علي مزاج عنيد وملل وضيق مما سيأتي، فقد سأمت وضقت ذرعًا من القيود التي وضعوني فيها، وعندما قدم لي الجالس قبالتي سيجارة ثنيت يدي في هدوء فانسلتا خارج القيد الحديدي، تردد الرجل لحظة، ولكنه لم ينطق بشيء، ولم يستدع الحارس، جلس خلف مكتبه، الذي أجلس قبالته، وقد رسم على شفتيه ابتسامة وهو يتطلع إلي». |
#19
|
|||
|
|||
سعدت بقراءتى لتلك الكلمات فى شخصية
اكن لها الكثير من الاعجاب كنت اقرا على نغمات الموسيقار عمار الشريعىhttps://www.youtube.com/watch?v=PdCEQQtF1OQ رائع ما تناولت استاذى لك منى كل التحايا والتقدير
__________________
|
#20
|
||||
|
||||
اقتباس:
و أنا سعدت أكثر أستاذتى الغالية جدا ام علاء لزيارتك الموضوع و قراءته
بالفعل السير الذاتة التى يكتبها الأشخاص عن أنفسهم تكون ممتعة خاصة لو كانت سير هؤلاء الذين قدموا لمصر كل التضحيات و لم يطلبوا منها شيئا أنا أعدت قراة ما فات على أنغام موسيقى عمار الشريعى و بالفعل هناك فارق فى القراة و كأننا نستحضر أثناء القراءة اعجابنا و حبا لشخصية رأفت الهجان جزاك الله خيرا وبارك الله فيك |
#21
|
||||
|
||||
وجهًا لوجه مع أول ضابط مخابرات مصري مغامرات رفعت الجمال عبر العالم انتهت به في قسم بمصر الجديدة، ليستدعيه رجلًا «ضخم البنية، يوحي بالجدية، يرتدي ملابس مدنية، هادئ الصوت في ود حين يلقي أوامره»، حسب وصفه، ويجلس معه وحيدًا، في حين تخلص الشاب المصري من القيود الحديدية بنفسه في مشهد ربما أبهر أو أقلق الرجل الذي جلس في مواجهته، ليدور حديث بينهما رواه «الجمال» كالتالي، في مذكراته. «قدم لي نفسه قائلًا: اسمي حسن حسني من البوليس السياسي. قفزت إلى رأسي علامة استفهام كبير: ما علاقتي أنا بالبوليس السياسي؟ إن المباحث الجنائية هي وحدها المسؤولة عن الجرائم التي يحاولون اتهامي بها. استطرد الرجل قائلًا: لا أستطيع أن أخاطبك باسمك لأنني لا أعرف أي اسم استخدمه من أسمائك الثلاثة، يجب أن تعرف أن قضيتك صعبة جدًا، ليست المسألة خطورة جرائمك، بل لأننا ببساطة لا نعرف من أنت، إن الثورة في بلدنا لا تزال حديثة العهد، بلا خبرة أو استعداد، ونحن لا نستطيع إصدار وثائق إثبات الشخصية للجميع لأننا لا نملك الوسائل اللازمة ولا العاملين اللازمين لذلك، وكما ترى فإنني صريح معك، وحيث أنك حتى هذه اللحظة مجرد مشتبه فيه، فالواجب يقضي بأن لا تبقى في الحجز أكثر من يومين، بعد هذا لابد من عرضك على قاض أو إطلاق سراحك، ولكن يجب أن نتحفظ عليك حتى تفصح لنا عن حقيقة هويتك، نحن في ثورة ولسنا على استعداد لتحمل أي أخطاء في هذه المرحلة. أنصت إليه بانتباه محاولًا تصور ما يرمي إليه. واستطرد قائلًا: أود أن أغلق قضيتك. لا يوجد أي بلاغ عن سرقة جواز سفر بريطاني باسم دانييل كالدويل، ولا أستطيع أن أفسر كيف ظهر في ملفك إنك يهودي اسمك ديفيد آرونسون، ثم إن رفعت الجمال لا توجد اتهامات ضده ولا أبلغ هو عن سرقة أي شيكات سياحية، سأدعك تخرج إلى حال سبيلك شريطة أن أعرف فقط من أنت على حقيقتك، والآن ما هو قولك؟ قلت له: – ألا تريد أن تخبرني لماذا أنت مهتم بي؟ واضح إنني لست هنا بسبب اتهام ما. وكان رده: – أنا معجب بك، إجابتك أسرع مما توقعت. تصورت أنه ما دام من البوليس السياسي، وهو ما أصدقه، فليس من المنطقي أن يعرفني باسمه مع أول اللقاء، إلا إذا كان على يقين من أمري. كان عمل البوليس السياسي في ذلك الوقت يشبه عمل من المخابرات، وعلى الرغم من إدعائه من أنهم لا يملكون الإمكانيات إلا أنهم كانوا يعملون بدأب شديد. استطرد قائلًا: – أنا مهتم بك، فقد تأكد لنا أنك قمة في الذكاء والدهاء، لقد أثرت حيرة للمسؤوليين إزاء ما ظهرت به حتى الآن، قد تكون إنجليزيًا، أو يهوديًا، أو مصريًا، غير أن ما أثار اهتمامي كثيرًا بشأنك هو أن أحد رجالنا الذين دسسناهم بينكم في حجز الإسكندرية أفاد بأن جميع النزلاء اليهود الآخرين اعتقدوا عن يقين أنك يهودي. دهشت للطريقة التي يعملون بها، لقد وصل بهم الأمر إلى حد وضع مخبرين داخل السجن للتجسس على الخارجين على القانون. وواصل حسن حسني حديثه قاصدًا مباشرة إلى ما يرمي إليه فقال: – يجب التزام الحذر، أعداء الثورة في كل مكان ويريدون دفع مصر مرة ثانية إلى طريق التبعية للأجانب وكبار الملاك الزراعيين، بيد أن هذا موضوع آخر، فأنت كإنجليزي لا يعنيك هذا في كثير أو قليل، وأنا على يقين من أنك لا تضمر كراهية للشعب المصري. انفجرت فجأة قائلًا: – هذه إهانة أنا مصري، وحريص كل الحرص على مصر وشعبها. صحت وصرخت بأعلى صوتي لهذه الإهانة التي وجهها لي ما أن انتهيت من ثورتي الغاضبة حتى أشعل سيجارة وابتسم ابتسامة المنتصر، وعندئذ عرفت أنني وقعت في المصيدة التي نصبها لي، عرفت أنه انتصر علي، فقد استفزني إلى أقصى الحدود ليجعلني أظهر على حقيقتي، واستطاع ببضع كلمات عن أعداء مصر أن يجعلني أكشف الستر عما أخفيته. وهنا قال: – رفعت أنا فخور بك، أنت مصري أصيل، أطلب منك أن تخبرني شيئًا واحدًا وبعدها سأعترف لك بالسبب في أنك هنا، وفي أني مهتم بك أشد الاهتمام، كيف نجحت في جعل اليهود يقبلونك كيهودي؟ أجبت قائلًا: – هذه قصة طويلة، وأنا واثق من أنك لا تريد سماعها. وكانت إجابته: – جرب عندي وقت طويل. سألته: – وفيما يهمك هذا؟ رد: لأنني بحاجة إليك، وعندي عرض أريد أن أقترحه عليك. ربما كنت انتظر هذه اللحظة، إذ سبق لي أن عشت أكاذيب كثيرة في حياتي، وبعد أن قضيت زمنًا طويلًا وحدي مع أكاذيبي، أجدني مسرورًا الآن إذ أبوح بالحقيقة إلى شخص ما. وهكذا شرعت أحكي لحسن حسني كل شيء عني منذ البداية، كيف قابلت كثيرين من اليهود في استوديوهات السينما، وكيف قلدت سلوكهم وعاداتهم من منطلق الاهتمام بأن أصبح ممثلًا. وحكيت له عن الفترة التي قضيتها في إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، ثم أخيرًا في مصر. بسطت له كل شيء في صدق أمامه، إنني مجرد مهرج، مشخصاتي عاش في التظاهر ومثل كل الأدوار التي دفعته إليها الضرورة ليبلغ ما يريد في حياته. بعد أن فرغت من كلامي اتسعت ابتسامة حسني أكثر مما كانت وقال لي: – رفعت الجمال، أنت إنسان مذهل، لقد اكتسبت في سنوات قليلة خبرة أكبر بكثير مما اكتسبه شيوخ على مدى حياتهم، أنت بالضبط الشخص الذي أبحث عنه، يمكن أن نستفيد منك استفادة حقيقية. وكان سؤالي هذه المرة: – ما الذي تريدني من أجله. أجاب قائلًا: – كما قلت لك من قبل هناك مشكلات خارجية كثيرة تواجه مصر، وتوجد في مصر أيضًا رؤوس أموال ضخمة يجري تهريبها، والملاحظ أن كثيرين من الأجانب، وخاصة اليهود، هم الذي يتحايلون لتهريب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد. يمكنهم تحويل مبالغ بسيطة فقط بشكل قانوني، غير أنهم نظموا فرقًا تخطط وتنظم لإخراج مبالغ ضخمة من مصر، واليهود هم الأكثر نشاطًا في هذا المجال. إن إسرائيل تأسست منذ خمس سنوات مضت، وهناك كميات ضخمة من الأموال تتجه إليها، ونحن ببساطة لا نستطيع تعقب حيلهم، ومن ثم فنحن نريد أن نغرس بينهم شخصًا ما، يكتسب ثقتهم ويطمئنون إليه، وبذا يكتشف حيلهم في تهريب أموالهم إلى خارج البلاد، كما يكشف لنا عمن وراء ذلك كله. نريد أن نعرف كيف تعمل قنوات النقل التي يستخدمونها وكل شيء آخر له أهمية وأنت الشخص المثالي لهذا العمل، الشخص الذي نزرعه وسطهم لابد وأن يكون يهوديًا، ولقد استطعت إقناعهم بأنك كذلك، ما رأيك؟ هل أنت على استعداد لهذه المهمة؟ حدقت فيه كأنه نزل إلي من السماء، لم أشعر بالاطمئنان، ولم تكن لدي فكرة عما أنا مزمع عمله. أوضح لي أنني أفضل فرس رهان بالنسبة له، وأضاف أنهم سوف يتولون تدريبي وإيجاد قصة جيدة الإحكام لتكون غطاء لي، ثم يضعوني وسط المجتمع اليهودي في الإسكندرية. سألته: – وماذا يعود علي أنا من هذا؟ رد: – سيتم محو ماضي رفعت الجمال تمامًا، ويجري إسقاط جميع الإجراءات القضائية الأولية لإقامة دعاوى ضدك بسبب جوازات السفر المزورة، والبيانات الشخصية عن علي مصطفى وشارلز دينون ودانييل كالدويل، وأي أسماء أخرى سبق لك أن استعملتها، كما سيتم إسقاط أي اتهامات أخرى ضدك، وسوف تستعيد قيمة شيكاتك السياحية، أو تكتب بالاسم الذي تتخذه لنفسك وتعيش به كيهودي، هل نعقد الصفقة معًا؟. عدت لأسأله: – هل لي حق الاختيار؟ رد: – من حيث المبدأ لك الخيار، فإذا كنت قد اعتدت على حياة السجن، فمن المؤكد أنك تستطيع اختيار هذا لأن السجن سيكون هو مكانك ومآلك زمنًا طويلًا ما لم تسقط الاتهامات ضدك. – وكيف نبدأ إجرءاتنا من هنا إذا ما قبلت عرضك؟ – سنشرع في تدريبك على الفور، سيكون تدريبًا مكثفًا ويحتاج إلى زمن طويل، وسوف تكون لك شخصية جديدة وتنسى ماضيك تمامًا، وما أن توضع في مكانك الجديد حتى تغدو مسؤولًا عن نفسك، لن يكون لنا دور سوى دعمك بالضرورات، ولن نتدخل إلا إذا ساءت الأمور، أو أصبح الوضع خطرًا. جلست في مكاني أفكر في الفرص المتاحة لي، مدركًا ألا خيار آخر أمامي إذا لم أشأ دخول السجن، لقد أوقع بي حسن حسني حيث أراد لي، ولا حيلة لي إزاء ذلك. وقفت وبسطت يدي لأصافحه موافقًا وأنا أقول له: – حسنا، أظنك أوقعت بي حيث تريد لي أن أكون، إذن لنبدأ. أجاب وعلى شفتيه ابتسامة: – أنا سعيد جدًا أن أسمع هذا منك». |
#22
|
||||
|
||||
وطبعاً لا ننسى الدور العظيم الذي قام به ضابط المخابرات المخضرم/ عبد المحسن فائق في تجنيد الجمال
فلولاه لما عُرف رفعت الجمال وشكرًا جزيلاً لحضرتك مستر/ أيمن على الموضوع الأكثر من رائع وتحية للبطل/ رفعت الجمال واللواء/ عبد المحسن فائق
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
اقتباس:
جزيل شكرى وتقديرى على مرورك الكريم أستاذنا الفاضل حاتم
أتفق معك فى كل ما تفضلت به و الحقيقة هى ملحمة كاملة عظمة لكل من شارك فيها جزاك الله خيرا وبارك الله فيك |
#24
|
||||
|
||||
بداية انزلاقي في الجاسوسية وافق رفعت الجمال على العرض الذي تلقاه من ضابط البوليس السياسي، حسن حسني، ليصبح عميلًا للجهاز الأمني داخل الطائفة اليهودية، لمعرفة كيفية تهريبهم للأموال خارج مصر، ويروي ما حدث معه بعد ذلك في مذكراته قائلًا: «وبدأت فترة التدريب مكثف. شرحوا لي أهداف الثورة وفروع علم الاقتصاد، وتعلمت سر نجاح الشركات متعددة القوميات، وأساليب إخفاء الحقائق بالنسبة لمستحقات الضرائب، ووسائل تهريب الأموال، وتعلمت بالإضافة إلى ذلك عادات اليهود وسلوكياتهم، وتلقيت دروسًا مكثفة في اللغة العبرية كما تعلمت تاريخ اليهود في مصر وأصول ديانتهم، وعرفت كيف أميز بين اليهود الأشكيناز (من شرق أوروبا) والسفارد (من إسبانيا والبحر المتوسط)، والشازيد (من طائفة اليهود الحسينيين الذين نشأوا في بولندا وأوكرانيا وغيرها). وأضاف: «حفظت عن ظهر قلب، الشعائر اليهودية وعطلاتهم الدينية حتى أنني كنت أرددها وأنا نائم، وتدربت أيضًا على كيفية البقاء على قيد الحياة معتمدًا على الطبيعة في حالة إذا ما اضطرتني الظروف إلى الاختفاء فترة من الزمن. وتدربت بعد هذا على جميع عادات الشرطة السرية للعمل بنجاح متخفيًا، وأخيرًا تقمصت شخصيتي الجديدة، وأصبحت منذ ذلك التاريخ جاك بيتون، المولود في 23 أغسطس عام 1919 في المنصورة، من أب فرنسي وأم إيطالية، وأسرتي تعيش الآن في فرنسا بعد رحيلها من مصر، وهي أسرة كانت لها مكانتها وميسورة الحال، وديانتي هي يهودي أشكينازي، وتسلمت وثائق تحمل اسمي الجديد والتواريخ الجديدة». وخرجت إلى العالم بهذه الشخصية الجديدة، وبكل ما تعلمته قصدت الإسكندرية مباشرة، كنت رسميًا في الرابعة والثلاثين من العمر آنذاك، وإن كنت أبدو أصغر سنًا، وتسلمت رقم تليفون، وتحدد لي موعدا للاتصال عن طريقه، والإفادة بما لدي من معلومات. وصدرت لي تعليمات بأن يكون الاتصال مع حسن حسني فقط عن طريق هذا الرقم، إذ كان هو الوحيد، لدواعي الأمن، الذي يعرف دوري ومهمتي. وعثرت في الإسكندرية على شقة صغيرة جميلة في منطقة يكثر بها اليهود، وحصلت على وظيفة كاتب في إحدى شركات التأمين، ورويدًا رويدًا تزايدت ثقتي بنفسي وزالت مخاوفي وبدأت (أقتنع) بأنني يهوديًا. وبعد فترة قصيرة قابلت ليفي سلامة، الذي زاملته في زنزانة السجن وقتما كنت نزيلًا به في فترة سابقة باسم ديفيد آرونسون. حياني كصديق قديم واصطحبني وقدمني إلى أصدقائه، وعلى الرغم من حذري إلا أنني كنت على يقين من أنه صدقني وسلم بأن هذه هي حقيقتي، وبذا كان مفتاحي إلى قلب الطائفة اليهودية، وحيث أنني لم أكن قد قلت له اسمي قبل ذلك، فلم أجد مشكلة في تقديم نفسي له باسم جاك بيتون. وبعد ثلاثة أيام من لقائنا قابلني بعد انتهاء العمل وقدمني إلى امرأة شابة تدعى (مارسيل نينو) كانت في زيارة إلى القاهرة. وكان واضحًا في ضوء ما تعلمته في السابق أن القصد من اللقاء هو أن تتفحصني بدقة نيابة عن ليفي سلامة وأصدقائه، وحيث أنني كنت أعرف الهدف جيدًا من اللقاء، فقد اجتهدت وسارت الأمور على ما يرام. كانت (مارسيل) امرأة جذابة، ومن ثم لعبت عليها وبدأت علاقة معها. جذبت كل الخيوط التي أعرفها، وسرعان ما كسبتها في صفي، وقدمتني لرجل كان يحمل لحساب نفس المجموعة. كان اسمه إيلي كوهين، أبواه من سوريا ولذا كان يتحدث العربية بلكنة سورية، وهو يهودي وعضو له مكانته وسط الطائفة اليهودية في المدينة. أصبحنا صديقين وبدأنا نقضي معًا وقتًا طويلًا، وكان (سلامة) قريبًا منا أيضًا، وذات يوم قلت له إنني أريد إخراج مبلغ كبير من أموال الأسرة إلى خارج البلاد، وثبت صواب شكوكي من أن سلامة متورط مع المسؤولين المباشرين عن هذا، إذ تلقف الكرة على الفور، وأتاني بعروض عديدة رفضتها جميعًا بحجة أنها غير جادة. مارسيل نينو نجح الغطاء الذي اتخفى تحته، وتلقيت تعليمات للتأكد من حقيقة إيلي كوهين. أصبحنا صديقين بمرور الزمن، ووثق بي (كوهين) وقال لي الكثير من أسراره. اكتشفت أنه نشيط جدًا في مناهضة البريطانيين، وأنه يساعد اليهود على الهجرة من مصر إلى إسرائيل، وعرفت أنه عضوًا نشيطًا لحساب مجموعة (العالياه بيت) المسؤولة عن تنظيم عمليات الهجرة إلى إسرائيل. الضابط الإسرائيلي أفرام دار، الذي دخل مصر متخفيًا تحت اسم «جون دارلينج» وهكذا أصبح دوري الآن أشد خطرًا بكثير من السابق، فها أنا ذا الآن أتعامل مع قضايا عسكرية وليس مع مواطنين عاديين يقترفون جريمة ما، ثم إن المجموعة التي كنت أتابع حينذاك نشاطها متخفيًا لم تكن تتورع عن *** عدوها، لا أدري ما الذي حفزني إلى ذلك، غير أنني كنت مقتنعًا تمامًا بأني أعمل كل ما في وسعي لكي أساعد بلدي. وحضر حسن حسني بنفسه إلى الإسكندرية لكي يسمع مني معلوماتي، وما أن وصلت إلى النقطة الخاصة باجتماعنا السري حتى وجدته بصحبة رجل آخر. إيلي كوهين شكرني (حسني) على جهودي حتى الآن، وتركني مع علي غالي وحدنا. قال لي (غالي) إنه فخور بجهدي حتى الآن، ويريدني أن أبقى على العهد وأكون عند حسن الظن. وأخبرني أن الاستعدادات تجري لتوسيع نشاط جهاز المخابرات المصري. وأضاف أنني الآن أصبحت واحدًا من عملائه، ويتوقع مني أن أستمر في عملي مثلما كنت في السابق. اختلط علي الأمر وإن لم يهن عزمي، وأيقنت أنني انزلقت إلى ميدان الجاسوسية، لم أدرك الفارق، وفي عام 1953، كنت ضمن مجموعة كولونيل أفراهام دار، ومعي إيلي كوهين، ونظرًا لوجود مجموعات مماثلة لهذه المجموعة في البلدان العربية الأخرى، فقد أطلق على التنظيم الموجود في مصر اسم (الوحدة 131)». آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 10-02-2016 الساعة 01:07 PM |
#25
|
|||
|
|||
جزيل الشكر والتقدير لحضرتك أستاذنا
|
#26
|
||||
|
||||
سلسلة جميله جدا
__________________
|
#27
|
||||
|
||||
خالص شكرى وتقديرى لحضراتكم
شرفت بمروركم الكريم مثقاب و أستاذنا القدير مستر عادل جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم |
#28
|
||||
|
||||
«رعبتني فكرة الذهاب إلى إسرائيل وهذا هو سر اللعبة» تسلم علي غالي، المسؤول في مصر عن نشاط الجاسوسية والجاسوسية المضادة، رفعت الجمال، من زميله حسن حسني، وأصبح مسؤولًا عن إدارته، ليكن أول ما يواجهه مع «الجمال» تشكيل (الوحدة 131) ليروي العميل المصري ما حدث بعد ذلك في مذكراته قائلًا: «كنت ما أزال مرتبطًا بمارسيل التي انضمت هي الأخرى إلى المجموعة، وكانت خطة المجموعة حينذاك هي إفساد العلاقات المصرية الأمريكية عن طريق القيام بمجموعة من الأعمال الإرهابية تنفذها (الوحدة 131)، وتقرر أن توجه جميع الأنشطة ضد المؤسسات الأمريكية فقط، ويفضل أن تتم أثناء الليل، وأراد رئيسي (غالي) التريث لمعرفة أكبر قدر من المعلومات حتى يتسنى القبض على أكبر عدد ممكن من أعضاء (الوحدة 131). واكتشفت في هذه الأثناء أن ماكس بينيت، الشخصية البارزة في دوائر اليهود المصريين من أعضاء المخابرات العسكرية الإسرائيلية (أمان) ، وأن (بينيت) على اتصال كذلك بالوحدة (131)، وأنه نشيط جدًا، وأن (الوحدة 131) خططت للعديد من عمليات تفجيرات القنابل الكبرى في القاهرة والإسكندرية على أساس أن يتم تنفيذها في يوليو 1954. ماكس بينيت مع اللواء محمد نجيب أبلغت (غالي) بكل شيء وبأماكن وجود أعضاء (الوحدة 131) ليلة الحادث. كانوا قد وضعوا القنابل في المواقع المحددة لها، ولكنها لم تنفجر، وألقي القبض على 14 عضوًا من أعضاء (الوحدة 131) وتم القبض على ماكس بينيت في بيته، واعتقلوني أيضًا، حيث كنت مع إيلي كوهين في نفس الليلة، ولم يشأ (غالي) أن تنكشف حقيقتي. كان (بينيت) صيدًا ثمينًا، وأحيط أمر اعتقاله بالكتمان، وقد انتحر في السجن قبل تقديمه للمحاكمة، وحوكم أعضاء (الوحدة 131) وصدرت ضدهم أحكاما مختلفة، منها الإعدام شنقًا لاثنين، والسجن خمسة عشر عامًا لمارسيل وشخص آخر، وسبع سنوات لاثنين آخرين، وبراءة الباقين. وأطلق سراحي أنا وإيلي كوهين، حيث أننا لم نكن عضوين لهما حيثية تذكر، ولم يكن هناك ما يديننا، وتلقينا إنذارًا بالطرد من البلاد في حالة وقوع أي اعتداء آخر. وأدى اعتقال ماكس بينيت وتدمير (الوحدة 131) إلى وضع نهاية مفاجئة لنشاط التجسس والتخريب الإسرائيلي في مصر خلال تلك الفترة. ماكس بينيت بعد انتحاره وأحدثت القضية صدى عميقًا في إسرائيل، وثارت شكوك بأن عضوًا من مجموعة «أفراهام دار» في إسرائيل هو الذي أفشى للسلطات في مصر أمر (الوحدة 131). واتجهت الشكوك إلى بول فرانك الذي كان خارج البلاد آنذاك، وما أن عاد إلى إسرائيل حتى قبض عليه وأودع السجن لمحاكمته، وصدر ضده حكم بالسجن اثني عشر عامًا. واسغربت عندما سمعت بذلك في فترة تالية، خاصة وأنني أنا الذي كشفت العملية و(الوحدة 131). عدت إلى الإسكندرية لفترة، واختفى إيلي كوهين، ولم يكن لدي أي دليل عن مكان وجوده. بلغ الوضع السياسي في مصر ذروته، ورأى اليهود أن فرصهم في مصر تنحسر وتتقلص إلى الصفر، وكما قلت لك في السابق مرات كثيرة يا زوجتي، فقد أجبروا على ترك البلاد وهاجر أكثرهم إلى إسرائيل. طلبوا مني العودة إلى القاهرة لكي أقابل علي غالي، وحين وصلت لم يشأ الرجل أن يضيع وقتًا، ودخل في الموضوع مباشرة، وقال: – جاك نحن فخورون بك ولكن لسوء الحظ لا نستطيع أن نخبر أي إنسان بما أسديته لبلدك، لأننا لا نريد أن نكشف الغطاء المحكم الذي تتخفى وراءه، ونود أن نستفيد بك أكثر من ذلك في الخارج. صدمت وصحت قائلًا بأعلى صوتي: – في الخارج، ما هو المطلوب مني هناك؟ رد: – نفس الشيء الذي فعلته هنا. لقد أديت دروك بامتياز، وقدمت عملًا رائعًا، فجاك بيتون لا تحيط به أي شبهات ونود إرسالك إلى الخارج، حيث يتلقفك ممثلو الوكالة اليهودية ليتفحصوك بدقة ويتحروا عنك، وسوف يتبين لهم أنك على ما يرام، والأهم من ذلك أنهم سيعرفون أنك من أعضاء (الوحدة 131) مما يجعلك تتلألأ بين صفوفهم، وتستطيع بمساعدتهم أن تغير اتجاهك إلى إسرائيل عن طريق إيطاليا، ومن هناك يمكنك أن تزودنا بمعلومات قيمة، تذكر ما فعلناه من أجلك، وأنت لا تزال بشكل أو بآخر مدين لنا، فما رأيك؟ مرة أخرى وجدت نفسي أقف عند نقطة تحول خطيرة في حياتي. لم أكن أتصور أنني ما أزال مدينًا لهم، ولكن الأمر كان شديد الحساسية عندما يتعلق بجهاز المخابرات، فمن ناحية روعتني فكرة الذهاب إلى قلب عرين الأسد، فليس ثمة مكان للاختباء في إسرائيل، وإذا قبض علي هناك فسوف يسدل الستار علي نهائيًا، والمعروف أن إسرائيل لا تضيع وقتًا مع العملاء الأجانب، يستجوبونهم ثم ي***ونهم، ولست مشوقًا إلى ذلك، ولكني كنت أصبحت راسخ القدمين في الدور الذي تقمصته، كما لو كنت أمثل دورًا في السينما، وكنت قد أحببت قيامي بدور جاك بيتون، أحببت اللعبة، والفارق الوحيد هذه المرة هو أن المسرح الذي سأؤدي عليه دوري هو العالم باتساعه، وموضوع الرواية هو الجاسوسية الدولية. قلت في نفسي أي عرض مسرحي مذهل هذا، لقد اعتدت دائمًا وبصورة ما أن اكون مغامرًا مقامرًا، وأحببت مذاق المخاطرة، وتدبرت أمري في إطار هذه الأفكار، وتبين لي أن لا خيار أمامي، سوف أؤدي أفضل أدوار حياتي لأواجه خيارين في نهاية المطاف: إما أن يقبض علي ويتم استجوابي وأشنق، أو أن أنجح في أداء الدور وأستحق عليه جائزة أوسكار، وكنت مقتنعًا أيضًا باني أعمل الصواب من أجل مصر وشعبها. قلت لـ(غالي): – إذا كنت تعتقد أنني قادر على أداء المهمة فإني لها. ثم كان السؤال الثاني: – كيف نبدأ من هنا؟ رد: – سوف يجري تدريبك على العمل على الساحة الدولية، كل ما تتعلمه يجب أن يسري في دمك، هذا هو سر اللعبة، أنت مخرج عرضك المسرحي، وإما ان تنجح فيه بصورة كاملة أو تواجه الهلاك. تصافحنا كعلامة للموافقة وبدأت جولة تدريب مكثفة». |
#29
|
||||
|
||||
ودعت مصر إلى إسرائيل دون معرفة ما سيأتي به المستقبل وافق رفعت الجمال على الذهاب إلى إسرائيل، واستهوى لعبة الخطر، لكن كان عليه أن يتعلم قواعدها، وبدأت جولة تدريب مكثفة، ويروي عنها في مذكراته قائلًا: «درست تاريخ اليهود الأوروبيين والصهيونية وموجات الهجرة إلى فلسطين. تعلمت كل شيء عن الأحزاب السياسية في إسرائيل والنقابات و(الهستدروت) أو اتحاد العمال، والاقتصاد والجغرافيا والطوبوغرافيا وتركيب إسرائيل. وأصبحت خبيرًا بأبرز شخصيات إسرائيل في السياسة والجيش والاقتصاد عن طريق دراسة أفلام نشرات الأخبار الأسبوعية. وأعقب هذا تدريبًا على القتال في حالات الاشتباك المتلاحم والكر والفر، والتصوير بآلات تصوير دقيقة جدًا، وتحميض الأفلام وحل شفرات رسائل أجهزة الاستخبارات والكتابة بالحبر السري، ودراسة سريعة عن تشغيل الراديو، وفروع وأنماط أجهزة المخابرات والرتب والشارات العسكرية، وكذلك الأسلحة الصغيرة وصناعة القنابل والقنابل الموقوتة. وانصب اهتمام كبير على تعلم الديانة الموسوية واللغة العبرية. واعتدت أن أستمع كل يوم ولمدة ساعات إلى راديو إسرائيل، بل وعمدت إلى تعميق لهجتي المصرية في نطق العبرية لأنني في نهاية الأمر مولود في مصر. بعد التدريب تحددت لي مهنة، تقرر أن أكون وكيل مكتب سفريات حيث أن هذا سيسمح لي بالدخول إلى إسرائيل والخروج منها بسهولة، وتقرر أن أؤدي اللعبة لأطول مدة ممكنة. لم يكن ثمة حد زمني، وكان لي الخيار بأن أترك الأمر كله إذا سارت الأمور في طريق خطر، وسوف نرى إلى أين تمضي بنا الأمور. وقيل لي إنني أستطيع بعد ذلك العودة إلى مصر وأستعيد شخصيتي الحقيقية. وتسلمت مبلغ 3000 دولار أمريكي لأبدأ عملي وحياتي في إسرائيل، وفي يونيو 1956 استقليت سفينة متجهة إلى نابولي قاصدًا في الأصل أرض الميعاد، ودعت مصر دون أن أدري ما سوف يأتي به المستقبل». صورة لإحدى السفن التي غادرت مصر حاملة مهاجرين إلى إسرائيل وصورها أعضاء بالوكالة اليهودية توقف «الجمال»، في مذكراته عن سرد بداية قصته مع الجاسوسية، ليعود ويتحدث عن وضعه على فراش المرض قائلًا: «كم هو غريب أن أتذكر ماضي. انقضى الآن أسبوعين وأنا أحاول ذلك جاهدًا، مما استنفد قدرًا كبيرًا من عافيتي. أحس بالبرودة تسري في جسدي وأكاد أشعر كيف ينهشني المرض من الداخل، ولكن يجب أن أمضي قدمًا فيما عزمت عليه، فلا يزال هناك الكثير مما يتعين علي أن أقوله، وأتساءل في نفسي ترى ماذا تقولين يا زوجتي وفيما تفكرين وأنت تقرأين هذا الكلام؟، ربما كنت غاضبة أشد الغضب مني الآن، بيد أنني فعلت ما كان لزامًا علي أن أفعله. كنت مكرهًا من ناحية على أن أعيش هذه الحياة وأحببتها من ناحية أخرى لأنها عرض مسرحي مثير. تحدثت إلى «دانييل» طويلًا اليوم، إنه يعرف أنني سأموت، لم يقل ذلك غير أنني أدركت من عينيه أنه يعرف. لقد نضج كثيرًا خلال الأسابيع الماضية، أعرف أن الأمر قاس عليه غير أنه يواجه الوضع على نحو جيد. أكره أن أحمله المسؤولية منذ الآن، ولكن ليس أمامي خيارًا آخر، لقد حمل القضاء وسوف أقضي عاجلًا ومن ثم عليه أن يتدبر أمره، وأني على ثقة من أنه سيحسن التصرف. أعرف أنك تواجهين وقتًا عصيبًا في الشركة، ولا تريدين التحدث إلي في هذا الشأن، أفعلي ما ترينه صوابًا، لا تثقي في أي إنسان آخر، جميع المشاركين لا يعنيهم غير ملء جيوبهم بالمال، حافظي عليها فإنك تقومين بعمل بارع. إن مرضي يستفحل ويسوء يومًا بعد يوم، والألم يزداد حدة مع كل لحظة، أتمنى لو زال ولو لساعة أو ساعتين على الأقل، كم يكون جميلًا لو حدث هذا، إذ أستطيع أن أستريح لفترة قصيرة. أجد لزامًا علي أن أمضي فيما اعتزمت أن أفضي به إليكِ قبل أن يقضى الأمر ويحين أجلي». رفعت الجمال وزوجته وابنه دانيال – أدون جاك بيتون؟ تلفت حولي ووجدتني قبالة رجلين يبدو أنهما أوروبيان تمامًا. قال الرجل الواقف إلى اليمين: – أنا برونو شتينبرج، وهذا هو روبرت جيزيل. قلت لهما: – طالما أنكما تعرفان اسمي، فهل لي أن أسألكما ماذا يمكن لي أن أفعله من أجلكما؟ – لا، لا يوجد ما تستطيع أن تقدمه لنا، بل ما الذي نستطيع نحن أن نقدمه لك. نحن من الوكالة اليهودية ونرحب بك في نابولي، ونحن هنا لمساعدتك في كل ما تحتاج إليه. وكانت إجابتي: – معي كل ما أحتاج إليه، شكرًا. وكان سؤالهما الثاني: – هل لنا أن نسألك عما تعتزم عمله الآن، وإلى أين تريد أن تذهب من هنا؟ – لا أدري بعد، غير أنني أريد التوجه إلى فرنسا حيث أن لي أسرة هناك. – ألم تفكر في التوجه إلى إسرائيل؟ أجبت بالسؤال التالي: – وما حاجتي للذهاب إلى هناك؟ نابولي عام 1953 كنت قد عرفت من علي غالي أن الوكالة اليهودية ستحاول الاتصال بي، لقد سمعوا عني وعرفوني مثلما عرفوا (الوحدة 131) ويريدون مني الذهاب إلى إسرائيل، حيث يمكن أن تستفيد الدولة من أمثالي. كنت شابًا ذكيًا نشيطًا وأبديت رغبتي في مساعدة إسرائيل، أو هكذا بدوت على الأقل في نظرهم، وعرفت أن عليّ أن أبذل جهدًا مضنيًا لأنجح فيما أنا بصدده ولا تتكشف حقيقة نواياي، ها هما لا يريدان مني أن أمضي إلى حال سبيلي، ويريدان إقناعي بالتوجه إلى إسرائيل. قلت لهما إنني بحاجة إلى أن أفكر في هذا وسوف أخبرهما. وما أن وصلت إلى نابولي حتى اصطحبني (شتينبرج) و(جيزيل) إلى أحد الفنادق حيث كانا قد أعدا لي غرفة دفعا تكاليفها. شعرت في داخلي برغبة في الضحك لأمر هذين المهرجين، وأنهما يعرفان حقًا ما أنا عازم عليه لتخلصا مني فورًا، ولكنهما لا يعرفان شيئًا، تركاني وشأني ليلًا حيث ذهبت للنوم مبكرًا، وعادا في صباح اليوم التالي، وقررت أن اللحظة المناسبة قد حانت لأدعهما يلحان علي ليقنعاني بالذهاب إلى إسرائيل. سأدعهما يبذلان معي جهدًا كبيرًا ثم أوافق في النهاية على الذهاب إلى إسرائيل. وأحسا بالسعادة والرضا عندما نجحا في مهمتهما بكفاءة. وحجزا لي تذكرة مدفوعة الثمن للسفر بحرًا إلى إسرائيل على أول سفينة متجهة إلى هناك. وقبيل الرحيل قالا لي إن هناك من سيستقبلني وكل شيء سيسير في مجراه، ووقفت على ظهر السفينة التي ستنقلني إلى وجهتي الجديدة بإحساس متبلد. |
#30
|
||||
|
||||
أسرار لقائه بـ«موشيه ديان سهلت الوكالة اليهودية إجراءات سفر رفعت الجمال، الذي تخفى تحت اسم جاك بيتون، لإسرائيل، وصعد على متن الباخرة المتجهة إلى «أرض الميعاد» ليروي ما حدث بعد ذلك في مذكراته قائلًا: «حل يوم الوصول إلى أرض الميعاد، قابلني موظف من الجمارك كان ودودًا معي وساعدني على إنجاز جميع الإجراءات الرسمية، وحيث أنني رجل أعمال، فقد كانت لي حرية اختيار مكان الإقامة، واخترت تل أبيب حيث كانت العاصمة وقتذاك، وتم حصر ما معي من نقود أجنبية وتسجيلها، ثم أصبحت طليقًا أذهب حيث أشاء، تمشيت عبر الميناء وتعجبت لماذا سارت الأمرو هكذا في سلاسة، ربما كانوا على علم مسبق بقدومي وأرادوا فقط أن أشعر بالاطمئنان قبل أن يتدخلوا، كانت هذه الأفكار تدور في رأسي بينما أسير متجولًا باحثًا عن سيارة أجرة. – ترى أقول أدون جاك بيتون، أم أقول أدون ديفيد آرونسون؟ رأيت في مواجهتي رجلًا ضخم الجثة في ملابس مدنية، ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة وبدا لحيمًا أو شحيمًا، ومع هذا كان وجهه ودودًا، وعرفت أن وقت التحري عني قد بدأ. وأجبت قائلًا: – لا أعرف عن أي شيء تتحدث؟ – أنا سام شواب، وقد أرسلوني لتحيتك في إسرائيل ومساعدتك في أي شيء قد تحتاج إليه. نحن نعرف أنك عضو في (الوحدة 131) وأنه لشرف لي أن أقابلك، نحمد الله أن نجحت في الخروج من مصر. أهلًا بك في وطنك يا أدون جاك بيتون. وحمل عني حقيبتي وتقدمني في السير، ودون أن أعرف من هو هذا الرجل سرت وراءه. توقف أمام سيارة ووضع أمتعتي داخلها وطلب مني أن أركب. خمن الرجل أنني عازم على الذهاب إلى تل أبيب ومن ثم سيصحبني إلى هناك وينزلني في أحد الفنادق. ورأى أن يصحبني في جولة داخل المدينة ويساعدني على أن أبدأ حياتي في بلدي ووطني الجديد. وبينما كانت السيارة تمضي بنا على الطريق أمطرني بوابل من الأسئلة، ووضح لي أنه من جهاز المخابرات ويعمد إلى سبر أغواري. سألني: – قل لي يا جاك أي مهنة تريد أن تعمل بها هنا؟ رددت عليه بسؤال آخر: – لماذا؟ – لأنني أريد أن أعرف نوع المهنة التي أثبتها في جواز سفرك الجديد. وكانت إجابتي: – معي جواز سفر، ولست بحاجة إلى غيره. – إنني أتحدث عن جواز سفرك الإسرائيلي يا جاك، أنت في وطنك الآن، وسوف تتسلم جميع الوثائق اللازمة لك باسم البلد الذي تنتمي إليه الآن. أجبت مبتسمًا: – وكيل سفريات. أحسست في داخلي بهجة، وهنأت نفسي، فقبل وقت غير بعيد كنت أخشى القبض علي، ولكن ها هي الترتيبات يتم إنجازها الآن للحصول على جواز سفر إسرائيلي، إذن لقد اجتزت الامتحان. هيأ لي سام شواب غرفة في فندق أنيق واصطحبني في جولة داخل المدينة. أفادني كثيرًا إذ حصلت بفضل مساعدته على شقة مؤثثة في تل أبيب بعد أسبوع من وصولي، وأشار علي باسم محام أنجز لي جميع الترتيبات الضرورية للشروع في عملي، كما جمعني مع الدكتور وايز، الذي وافق على أن نكون شركاء في العمل. كان الدكتور وايز مقيمًا في إسرائيل منذ النشأة الأولى، وبفضله سار عملنا منذ البداية سيرًا حسنًا. كان يكبرني بعشر سنوات، رقيق الحاشية، ذكي واسع الاطلاع، له كثير من الاتصالات المفيدة. وعثرنا على مكان لمكتب السفريات الذي أقمناه في شارع برينر رقم 2 وسط المدينة في تل أبيب وكان اسمه (سي تورز)، واستأجرنا سكرتيرة، امرأة متزوجة كبيرة السن، وكان من المهم جدًا أنها متزوجة، إذ تعلمت أثناء تدريبي مدى خطر الوقوع في حب امرأة موجودة في محيط عملك طوال اليوم. وشرعت في إجراء اتصالاتي والتعرف على الناس. أفادني سام شواب في هذا كثيرًا جدًا، إذ قدمني للكثيرين من العاملين لحساب الحكومة وتعارفنا، وذات مساء خرجنا سويًا وعرفني بموشي ديان، وشعرت بنشوة غامرة لهذا، ذلك أن (ديان) شخصية هامة جدًا، ولأني أدركت أنه بمرور الوقت سوف أستطيع الحصول على كم هائل من المعلومات عن طريقه. بدأت أبدي اهتمامًا بسياسة إسرائيل، وأعجب (ديان) باهتمامي هذا ورغب في تعليمي الكثير، وعرفت من خلال (شواب) مختلف أجهزة المخابرات ومجالات نشاطها. هناك جهاز الشين بيت الخاص بالأمن الداخلي حيث يعمل (شواب)، وجهاز الموساد وجهاز الأمان. أرسلت بطاقات ورسائل إلى (أسرتي) في فرنسا، تسلمها رؤسائي وحلوا رموزها الشفرية، لم يكن قد تجمع لدي بعد الكثير من المعلومات التي أفيدهم بها، بيد أنني كنت على يقين من أنني سأكتشف الكثير بمرور الوقت، وعن طريق (ديان) قابلت عزرا وايزمان، وهو أيضًا من كبار الشخصيات داخل الجيش فضلًا عن أنه كان قائدًا متميزًا للطائرات المقاتلة. اعتدنا أن نقضي وقتًا طويلًا سويًا، كنا نذهب معًا إلى النادي، أو إلى البار ليلًا، وأقمنا معًا صداقة جيدة ووثيقة. وذات مساء ونحن في النادي عرفني سام شواب بامرأة جذابة اسمها راكيل أبشتين، وبدا واضحًا أنه يحاول سبر أغواري أكثر عن طريقها، تصور أن بإمكاني أن أقع في حبائل امرأة وأحكي لها كل شيء. عرفت نواياه والتزمت بقواعد اللعبة. كانت (راكيل) فاتنة وتعمل مدرسة، نشأت في ألمانيا وعلمتني الكثير من اللغة الألمانية، وحرصت على ألا تحصل مني على شيء تفيد به (شواب)، وعندما اطمأن منها وثق هو بي وتأكد من أنني يهودي وإسرائيلي حقًا. وعرضت عليه استعدادي لأن أعد جميع الترتيبات اللازمة لسفر زملائه إذا ما أرادوا السفر عن طريق مكتب السفريات الخاص بي. ومن هنا حصلت على حجم عمل كبير من موظفي الحكومة، قمت لهم بأعمال شراء التذاكر والحجز… إلخ، وبدأت تنهال علي بانتظام الدعوات لحضور الحفلات أو لتناول العشاء حتى يكسبوني إلى صفهم ويضمنوا الحصول على التخفيضات والخدمات اللازمة، وأفادني هذا كله فائدة جمة، إذ حصلت عن طريقه على معلومات كثيرة استطعت أن أبلغها إلى رؤسائي بالشفرة. وتسلمت في هذه الأثناء جواز سفر إسرائيليًا، وجميع الوثائق الأخرى التي تجعل مني مواطنًا مستوفيًا لجميع الشروط القانونية». |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|