#1
|
|||
|
|||
سقوط الخلافة الفاطمية وصلاح الدين يحكم مصر 1169م
بداية النهاية للخلافة الفاطمية في مصر كانت هذه الفترة من أسوأ الفترات السياسية في تاريخ مصر الإسلامي، فقد أصبح الخليفة الفاطمي يشارك في مؤامرات و دسائس ضد وزرائه للتخلص منهم و ذلك لضعفه و عدم قدرته علي عزلهم بنفسه، فنجد أن كل الأطراف كانت تتآمر ضد كل الأطراف و لا يخجل أي طرف من أن يتقوي بالصليبيين ضد منافسه ، مما أدي إلي تحريك أطماع الصليبيين في الإستيلاء علي مصر . ولكن لحسن القدر تحركت أيضاً رغبات نور الدين محمود في ضم مصر إلي الشام في جبهة واحدة ضد الصليبيين و كان نور الدين قد نجح في توحيد معظم مدن و إمارات الشام تحت إمرته و أصبح يوجه للصليبيين ضربات موجعة. ظهر ضرغام أبو الأشبال، أمير فرقة من الجند المغاربة تخدم في مصر ، كمنافس لشاور علي كرسي الوزارة زمن الخليفة العاضد . و استطاع ضرغام خلع شاور من وزارة مصر بمساعدة الخليفة الفاطمي. فما كان من شاور إلا أن هرب إلي الشام و استنجد بنور الدين محمود زنكي ليعيد إليه الوزارة، و وعده بثلث خراج ( إيراد ) مصر، و أن يمنح جنده إقطاعات يقيمون فيها في مصر. بعد فترة من التردد وافق نور الدين محمود زنكي علي مساعدة شاور لاستعادة الوزارة في مصر شريطة أن يعترف شاور بسيادة نور الدين علي مصر. و كان نور الدين يرغب في تحويل مصر إلي المذهب السني و توحيد مصر و الشام ضد الصليبيين. أرسل نور الدين محمود قائده أسد الدين شيركوه علي رأس جيش إلي مصر. و أصطحب أسد الدين معه ابن اخيه صلاح الدين الأيوبي الذي كان في الخامسة و العشرين من عمره آنذاك . تقابل جيش شيركوه و جيش ضرغام عند القاهرة، و استطاع شيركوه أن يهزم قوات ضرغام و يقتله، و يعيد شاور إلي الوزارة ، و لكن شاور نكث بعهده و رفض الاعتراف بولائه لنور الدين محمود، و طلب من شيركوه أن يعود إلي الشام. و لكن شيركوه توجه بجيشه إلي مدينة بلبيس في دلتا مصر و تحصن بها ضد شاور. فأرسل شاور هذه المرة إلي اموريِAmalricus)) ملك بيت المقدس الصليبي ليساعده في التخلص من أسد الدين شيركوه. و كان سقوط عسقلان في غزة، بوابة مصر الشرقية ، في يد الصليبيين قد أغري أموري ملك بيت المقدس بالاستيلاء علي مصر لتصبح أحد الممالك الصليبية، إلي جانب أنه أراد أن يمنع نور الدين من أن يوحد الشام و مصر ضد الصليبيين. و مما يؤكد ذلك قول المؤرخ الصليبي وليم الصوري ” لن تنعم القدس بالأمان إلا إذا استمر العداء بين القاهرة و دمشق”. فوافق أموري و سار بجيش إلي مصر و حاصر شيركوه في بلبيس ثلاثة أشهر. و في النهاية قبل شيركوه الخروج كمن مصر مقابل خروج الصليبيين أيضاً. و الحقيقة أن ما دفع الصليبيين إلي الموافقة علي الخروج من مصر هو أن نور الدين محمود في الشام عمد إلي الإغارة علي قلاع و مدن مملكة بيت المقدس، و سقط العديد منها في قبضته، ثم أرسل أعلام هذه المدن والقلاع التي غنمها لتنشر علي أسوار بلبيس. فلما رأي أموري ذلك انزعج بشدة ، فوافق علي الخروج من مصر ليسرع بالعودة إلي مملكته. و لكن شيركوه الذي رأي ضعف مصر و هوان الخلافة الفاطمية، عاد يلح علي نور الدين ليرسل حملة أخري إلي مصر. فوافق نور الدين، و بعد سنتين أي عام 1167 م / 562 هج، أرسل جيشا ً آخر إلي مصر بقيادة شيركوه و معه صلاح الدين مرة أخري. و مرة أخري استنجد شاور باموري ملك بيت المقدس الصليبي، و لكن شيركوه كان الأسرع هذه المرة و وصل إلي القاهرة قبل أن يعترضه جيش أموري. و تقابل عند النيل جيش شيركوه علي ضفة و جيش أموري و شاور علي الضفة الأخري و صد شيركوه محاولتهم عبور النيل ، و تظاهر بالانسحاب جنوباً فتبعه أموري فاطبق عليه جيش شيركوه و نجا أموري بحياته بأعجوبة في مكان اسمه البابين جنوب المنيا الحالية. و فرت جيوش شاور و أموري إلي القاهرة. و بعد هزيمة اموري و شاور لم يتجه شيركوه لدخول القاهرة، و لكنه بدلاً من ذلك اتجه إلي الاسكندرية ليفتحها، و كان أهل الاسكندرية يكرهون شاور لتحالفه مع الصليبيين. و لكن شيركوه وقع في فخ نصبه له أموري الذي حاصره في الاسكندرية بمساعدة أسطول الصليبيين. استطاع شيركوه أن ينسل بجيشه خارج الأسكندرية و ترك حامية مكونة من ألف رجل يقودها صلاح الدين الأيوبي لتواجه حصار جيش أموري و شاور. حاول شاور أن يفاوض أهل الاسكندرية ليسلموا له صلاح الدين مقابل فك الحصار و لكنهم رفضوا أن يسلموا صلاح الدين للخائن شاور لأن معه الصليبيين. دام حصار الاسكندرية و الحامية أربعة أشهر و اضطر شيركوه أن يدخل في مفاوضات مع اموري لفك الحصار. و تم الاتفاق علي أن ينسحب أسد الدين شيركوه بجيشه من مصر و أن تدفع الضرائب من مصر لأموري ملك بيت المقدس في مقابل جلاء القوات الصليبية عن مصر. و كانت هذه المفاوضات هي أول اتصال مباشر بين صلاح الدين و الصليبيين . و يحسب لصلاح الدين أنه أدار المفاوضات بمهارة و حصل علي جلاء الصليبيين عن مصر. و يقول صلاح الدين عن فترة حصاره في الاسكندرية ” و الله لو أعطيت ملك مصر ما سرت إليها، فلقد قاسيت بالاسكندرية من المشاق ما لا انساه أبداً. “ كان في ذلك الوقت لا يدري أن ملك مصر سيصير إلي بعد سنتين بلا عناء. أسد الدين شركوه يتولي وزارة مصر و بداية الحكم الأيوبي لم يتخل أموري ملك بيت المقدس عن حلمه بالاستيلاء علي مصر ، و لكنه أدرك أنه لن يتمكن من مواجهة جيوش نور الدين محمود وحده . لذلك سعي إلي عقد صفقة مع الامبراطور البيزنطي ليتقاسما مصر بينهما علي أن يمده الامبراطور البيزنطي بجيش يسانده. سار أموري بجيشه إلي مصر عام 1168 م بدعوي أن شاور لم يدفع له الضرائب المتفق عليها ، و هزم الجيش الفاطمي بقيادة شاور في بلبيس و سار إلي القاهرة. استنجد شاور بنور الدين محمود لينقذه من الصليبيين هذه المرة . قدر نور الدين خطورة سقوط مصر في يد الصليبيين. فقرر إرسال حملة ثالثة بقيادة شيركوه و صلاح الدين هذه المرة ليتخلص نهائياً من شاور و الحكم الفاطمي و التهديد الصليبي و يضم مصر إلي الشام تحت امرته. أصبح شاور يائساً من مواجهة الهزيمة علي يد الصليبيين و جيش شيركوه ، فعمد إلي اللعب علي الطرفين حيث قام بدفع ثلث ريع ( أجمالي الناتج المحلي) مصر إلي نور الدين محمود ليحميه من الصليبيين ، و في نفس الوقت قام بتحذير أموري من قدوم جيش نور الدين ليكسبه في صفه. ثم قرر شاور حرق مصر ( الفسطاط) لعرقلة دخول الصليبيين القاهرة ، و أمر أهل الفسطاط بترك بيوتهم و محالهم و الانتقال إلي القاهرة التي بناها المعز، و قام بإحراق الفسطاط عن آخرها، و ظلت النار مشتعلة فيها 54 يوماً، و كان الدخان يري علي مسيرة 3 ايام ، و بذلك ضاع كل أثر للفسطاط التي بناها عمرو بن العاص و لم يبق منها إلا جامع عمرو بن العاص. عندما سار جيش الصليبيين بقيادة أموري لاعتراض جيش شيركوه ، استطاع شيركوه الماكر بقواته السريعة أن يفلت منهم و أن يدخل القاهرة في 6 من ديسمبر 1168 م بدون أدني مقاومة. و كانت هذه المفاجأة كافية لأموري الذي وجد نفسه أمام جيوش مصر الفاطمية و جنود نور الدين من الشام و قد اتحدت ضده، فقام بسحب جيشه من مصر و عاد إلي بيت المقدس و قد ضاع حلمه بالاستيلاء علي مصر. أصبح شيركوه الحاكم الحقيقي لمصر و لكنه لم يعزل الخليفة الفاطمي ، فقد كان الخليفة الفاطمي مريضاً مرضاً لا يرجي شفاؤه ، فآثر شيركوه أن يتركه يموت في سلام. انحني شاور أمام شيركوه ليسترضيه و كان يأتيه بالهدايا كل يوم ، و لكن صلاح الدين أصر علي قطع رأس شاور الخائن المستبد ، و قام بالقبض عليه و قتله بعد موافقة الخليفة العاضد، و فرح المصريون فرحاً عظيما بمقتل شاور الخائن. صلاح الدين الأيوبي يتولي حكم مصر بعد تعيينه بشهرين وزيراً علي مصر توفي أسد الدين شيركوه، و خلفه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي علي وزارة مصر في 26 مارس عام 1169م / 25 جمادي الآخر 564 هج، وكان عمر صلاح الدين وقتها لا يزيد عن اثنين و ثلاثين عاماً. من الآن فصاعداً انتقل مركز القوي للعالم الاسلامي إلي مصر و استمر فيها إلي أن هزم العثمانيون الأتراك سلاطين المماليك و نقلوا هذا المركز إلي اسطنبول بعد 350 سنة. أرسل نور الدين محمود إلي صلاح الدين يأمره أن يقوم بتحويل البلاد إلي المذهب السني و الدعاء للخليفة العباسي في خطبة الجمعة بدلاً من الخليفة الفاطمي، و لكن صلاح الدين استمهله حتي يتوفي الخليفة العاضد المشرف علي الموت. و لكن نور الدين رفض التأجيل و خشي أن يكون صلاح الدين يماطل فهدده أنه سوف يسير إليه بحملة ، و أرسل إماماً سنياً من الموصل إلي مصر في 10 سبتمبر 1171 م ، فاعتلي المنبر في مسجد القاهرة و دعي إلي الخليفة العباسي بدلاً من الخليفة الفاطمي. بعد ذلك أمر صلاح الدين بالدعاء للخليفة العباسي في خطبة الجمعة ، و لكنه أخفي ذلك عن الخليفة الفاطمي العاضد و قال ” دعوه يموت في سلام “ توفي الخليفة العاضد في 10 محرم عام 567 هج. / 1171 م وهو الخليفة الفاطمي الرابع عشر و آخر الخلفاء الفاطميين و انتهت بموته الخلافة الفاطمية في مصر و التي استمرت حوالي 200 عام . تولي صلاح الدين حكم مصر منفرداً بعد وفاة الخليفة العاضد و لقب بالسلطان الناصر صلاح الدين و حكم مصر 22 عاماً تقربياً. بعد تولي صلاح الدين حكم مصر منفردا،ً طلب منه نور الدين محمود أن ينضم إليه في هجومه الكبير علي الكرك ، و لكن صلاح الدين لم يكن في عجلة من أمره و أراد أن يرتب أموره الداخلية أولاً، فاعتذر عن المشاركة في الهجوم و تعلل بمرض والده. كان علي صلاح الدين أن يتصدي أولاً للفتن الداخلية التي كانت تحاك ضد دولته الوليدة ، و منها محاولة بعض الشيعة العلويين إعادة الخلافة الفاطمية الشيعية و منهم عمارة اليمني شاعر الفاطميين ، فتآمروا ضد صلاح الدين و اتصلوا بملك صقلية النورماندي و دفعوا إليه بالأموال ليهاجم الشواطئ المصرية بسفنه ، حتي إذا خرج صلاح الدين من القاهرة ليتصدي لهجومه يقوم المتآمرون بالوثوب علي بقية جنده في القاهرة و يعيدوا الخلافة الفاطمية. و لكن صلاح الدين علم بمؤامرتهم فبعث بمدد للحامية العسكرية في الاسكندية ليصد الهجوم الصليبي، و قبض علي مدبرى الإنقلاب و أعدمهم و منهم عمارة اليمني.
__________________
|
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|