#391
|
|||
|
|||
الوسائل العلمية والعملية لمواجهة العلمانيين
قبل الدخول في هذا الموضوع لمن يريد التعرف علي العلمانية له الدخول علي الرابط التالي
العلمانية كما أعرفها الوسائل العلمية والعملية لمواجهة العلمانيين بقلم / أبو عمر توطئة : العلمانية لا تحتاج لتعريف لكثرة ما كتب عنها ، ولذا لا يهمنا الآن التعريف ولكن يهمنا كيفية المواجهة مع هذا الفكر .. الأصل أن تكون المواجهة من خلال خطط مدروسة لا مجرد ردود أفعال ، وأن تكون الخطة طويلة المدى ولها أهداف مرحلية واضحة لا مجرد مواقف آنية تنتهي بنهاية الحدث. أولاً الموقف من العلمانية والعلمانيين: 1. إبراز حقيقة العلمانيين والبعد الديني لها ، وحكم العلمانية والعلمانيين في الإسلام ، ونشر المقالات عن طرق العلمانية وبرامج حوارية عنها لتبيين خطرها ، وبيان أنهم غير منتجين. 2. إبراز أهداف العلمانيين وفضح رموزهم. 3. إبراز وسائلهم في محاربة الإسلام والمسلمين وكذلك خطرهم على الأمة وبيان أوجه الشبه بينهم وبين المنافقين. 4. رصد وجمع مقالاتهم وأطروحاتهم ثم تصنيفها وإيصالها لمن يستطيع الرد والإنكار عليهم ، ومناظرة رموزهم وقياداتهم الضالة. 5. الرد على العلمانيين من خلال المنابر المتوفرة : خطب الجمعة ، الشريط الإسلامي ، الانترنت ، القنوت الفضائية ، الصحافة ، الكتب والمؤلفات ، المحاضرات والندوات ...الخ. 6. ربط أحداث العنف بتطرف العلمانيين وأطروحاتهم .. وهذه هي الحقيقة.. (مروة الشربينى). 7. التوضيح لأهل الحل والعقد أهدافهم وأعمالهم وتبيين عيوبهم ومرادهم في المجتمع. 8. النصح لهم وذلك عن طريقين مباشر وغير مباشر إما عن طريق الذهاب لهم والجلوس معهم والتحاور معهم مباشرة أو مهاتفتهم عما يحصل وما حصل ، أو عن طريق المراسلات عن طريق الرسالة والبريد الأرضي والالكتروني وغيره. 9. اختراق أماكنهم وفضح مخططاتهم. 10. الذهاب إلى أماكنهم وفضح مراميهم وأهدافهم والرد عليهم مباشرة. 11. وضع عمل مؤسسي للرد على العلمانيين. 12. وضع كتب صغيرة وأشرطة في الفقه الميسر وغيره 13. ............ ثانياً : التفاعل والتعايش مع المجتمع: 14. المعايشة العملية لمشاكل المجتمع بإظهار الاهتمام بها ، وطرح الحلول العلمية والعملية لها ، على سبيل المثال : البطالة ، العنوسة ، الطلاق ، الجريمة .. الخ. 15. إنشاء المؤسسات والنوادي الاجتماعية وتطوير أنشطة الجمعيات الخيرية. 16. إعداد الكوادر المناسبة لإدارة المؤسسات أعلاه لا سيما " التعامل مع الجماهير". 17. تفريغ بعض الطاقات الجيدة للعمل في المجال الإعلامي " القنوت الفضائية ، الصحافة ، الانترنت ... الخ. 18. الاستفادة من تجارب الإسلاميين في الدول الأخرى في مواجهة المد العلماني والعمل الإصلاحي ، " المجالس البلدية ، النوادي الاجتماعية ، ...الخ. 19. الاهتمام بتربية الأمة بعامة والأجيال الناشئة بخاصة على أساسيات الدين والمنهج الإسلامي لأنهم هم شباب المستقبل وعماد الأمة. 20. تحصين المجتمع والصف الإسلامي تجاه القضايا التي يطرحها العلمانيون ( المرأة ، سد الذرائع ، الخ .. ) من خلال التأصيل الشرعي العلمي المقنع الذي يراعي مستوى المخاطبين ( عوام ، مثقفون ، شباب ) . 21. تعبئة الناس بالدين الإسلامي والعقيدة الصحيحة من التدخلات المسيئة. 22. توثيق الصلة بالجمعيات الخيرية وبين الناس. 23. ضبط الأمور والقوائم المالية في هذه الجمعيات التي قد يدخل منها العلمانيين. ثالثاً : تفعيل دور العلماء والدعاة : 24. إبراز النماذج الإسلامية والقيادات المتميزة للمجتمع لمحاربة التيار العلماني. 25. إيصال صوت العلماء والدعاة للمسؤولين والحكام في البلاد. 26. توحيد صف العلماء والدعاة لتكون المواجهة قوية مع العلمانيين. 27. تحصين المجتمع والصف الإسلامي تجاه القضايا التي يطرحها العلمانيون ، من خلال التأصيل الشرعي لها ، قضايا المرأة ، سد الذرائع..الخ. 28. عدم الانسياق وراء الأطروحات المائعة والغامضة وعدم الانشغال بها. 29. إظهار النماذج الاسمية كقدوات واقعية في القضايا التي يطرحها العلمانيون ويحاربون الإسلام من خلالها. 30. نشر الوعي الشرعي بالوسائل المختلفة وخصوصاً الفقه الميسر. 31. دعم المفكرين الإسلاميين وإبرازهم على المستوى الإعلامي .. 32. وضع برامج نقاش مع العلمانيين تبث مباشرة. 33. تبيين وجه الشبه بينهم وبين المنافقين. 34. استخدام المنابر الإسلامية للدفاع ومن ذلك خطب الجمعة والمحاضرات وغيره. 35. توضيح معتقدهم بأسلوب متزن. رابعاً : حماية المرأة : 36. الاهتمام بالمرأة وقضاياها وعدم ترك أي مجال أو مدخل ينفذ من خلاله العلمانيون ، بل والعمل على تأهيل الداعيات وإعدادهن لمواجهة هجمات المعادية لهن. 37. المطالبة بإيجاد جمعية لحقوق المرأة في الإسلام " أفضل وسيلة للدفاع الهجوم ". 38. المشاركة الفعالة للمرأة المسلمة في الرد على أطروحات العلمانيين فيما يتعلق بحقوق المرأة . 39. الدعاء بأن يحفظ الله على هذه الأمة دينها وهويتها الإسلامية ، وأن يخزي هؤلاء العلمانيين ويرد كيدهم في نحورهم. خامساً : أفكار أدبية للرد على العلمانية: الكثير من العلمانيين يدخلون أفكارهم وماتخفي صدورهم في رواياتهم الأدبية وقصصهم وتعابيرهم الأدبية عموماً ولذا وجب علينا أن نرد وندافع من نفس صنيعهم ومن ذلك: 40. نشر الأدب الإسلامي بشكل واسع وخصوصاً الروايات الإسلامية الراقية لتكون بدلاً عن روايتهم المخزية. 41. توزيع كتب الأدب الإسلامي بسعر رخيص. 42. إيجاد قصص الأدب الإسلامي أو القريبة منه والتي لا تحتوي على توجيه مباشر. 43. دعم المحاضرات والملتقيات الأدبية والشعرية. 44. إيجاد وسائل إعلام هادفة محايدة ( قنوات ، صحف ، ...الخ) لظهور الأدباء الإسلاميين فيها. سادساً : وسائل التقنية (المنتديات والمواقع والقنوات الفضائية والإذاعة) : حيث أن المنتديات والمواقع من أهم الوسائل الالكترونية التي تعمل في الوقت المعاصر فلذا لا بد من الاستفادة منها وكذلك بعض وسائل التقنية من قنوات فضائية وإذاعة وغيره وذلك بعدة طرق: 45. تنفيذ جميع ما ذكر أعلاه وذلك عن طريق المواقع والمنتديات والقنوات وغيره. 46. إقامة مواقع متخصصة في هذا الشأن لتبيين شبههم وكذلك طرح الأجوبة السليمة بعيداً عن التكلف. 47. الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي وصلها هذا الفكر في هذا الموضوع. سابعاً : محاذير : في كل عمل لا بد من محاذير مهمة ومن ذلك: 48. لا يلزم أن أي شخص يكتب مقالاً أو موضوعاً من مواضيعهم أن يوافقهم في الفكر ، فلا بد من التأني والنصح له فقد يكون جاهلاً 49. الانتباه لردود الفعل التي قد تحصل من بعض الشباب وربما تفسد بعض النتائج المثمرة من استعجال وغيره. 50. ......... |
#392
|
|||
|
|||
الإسلام والعلمانية أزمة المصطلح والارتباط
الإسلام والعلمانية أزمة المصطلح والارتباط د.ماهر خميس كثيراً ما يطرق أسماعنا العديد من المصطلحات الغريبة مثل: أسلمة العلمانية أو علمنة الإسلام أو الإسلام دين علماني ..... أو غير ذلك من المصطلحات التي يتنافس المفكرون القدامى والجدد في ابداعها سناقش في هذه المقالة مشكلة المصطلحات السابقة بعرض بسيط بعيد عن التقعر والتحدب والإغراب. أولاً: ماهو الإسلام الذي تبحث عنه العلمانية: لكي نرتكز على قاعدة متينة في النقاش يجب أن نقر المبادئ التالية: الإسلام دين سماوي وهو خاتم الأديان ويتألف في مضمونه من ثلاثة أقسام كبرى: 1-العقيدة:وترتكز على أنه لا إله إلا الله ......وبقية أركان الإيمان. 2-التشريع: وهنا لب الموضوع....... 3-الاخلاق: أقرها الإسلام ويشترك فيها غالبة البشر مثل تحريم السرقة والقتل والكذب ....... أما عن التشريع الإسلامي فله قسمان كبيران: 1- التشريع الأخروي: ويمثل علاقة العبد الروحية مع خالقه كالصلاة والصيام والحج ..... 2- التشريع الدنيوي: ويهتم بأمور الحياة مثل :أحكام الزكاة والمعاملات والجنايات .... وهذان القسمان لا يفترقان تماماً بل هما متداخلان فلكل تشريع دنيوي أثر أخروي ،ولكل تشريع أخروي أثر دنيوي ..ولن نفصل كثيراً في ذلك. ولنأتي إلى التشريع الدنيوي والذي يتألف من أقسام عديدة ومتجددة حسب حاجات الإنسانية ومن أهم اقسامه: 1- التشريع الاقتصادي. 2- التشريع السياسي. 3- التشريع الجنائي والمدني. 4- التشريع الاجتماعي.......... ومن المعروف أن التشريع الإسلامي يتمتع بالمرونة الكافية لمواكبة التقدم العصري واستيعاب كل المستجدات في أحكامه، ومما يدل على غنى التشريع الإسلامي وعدم تحجُّره تعدد المدارس التشريعية وتعدد الآراء الفقهية وكثرة الفقهاء والمجتهدين عبر التاريخ الإسلامي وحتى الآن. ولنعد لفكرتنا الأساسية حول العلمانية التي تركز اهتماماتها دائماً على نقطة واحدة وتمثل جزء من التشريع السياسي وهي(فصل الدين عن الدولة) على الرغم من أن العلمانية العربية المعاصرة تشعبت كثيراً وابتعدت عن الفكرة الأساسية وأوجدت لنفسها شكلاً جديداً أسميه بـ(العلمانية الإسلاموية) التي تتخذ من الإسلام قاعدة لتجديده أو نقضه أو تحويره أو إعادة هيكلته على أسس فكرية غربية وهو ما سأناقشه في مقالات لاحقة. ولكن تبقي فكرة (فصل الدين عن الدولة) الهدف الأسمى للعلمانية العربية بأي وسيلة على النهج الميكافيللي. وسنطرح في هذا المقام الأسئلة التالية لتوضيح المصطلحات: 1- ما هو مفهوم الدين الذي يجب فصله عن الدولة؟ 2- من يمثل الدين (أشخاص)والذين يجب ابعادهم عن السلطة السياسية؟ 3- ما هو مفهوم الدولة وشكلها التي يجب إبعاد الدين عنها ؟ 4- هل في الدين الإسلامي نموذج واحد للدولة؟ واعتقد أن العلمانيين العرب عندما يجيبون على هذه الأسئلة بموضوعية سوف يدورون في حلقة مفرغة لا نهاية لها ...... وكإجابة بسيطة على هذه الأسئلة: من الصعوبة والمفارقة الغريبة مقارنة الدين الإسلامي بالدين المسيحي الذي ولد من رحمه العلمانية ,لأن العلمانية في الغرب قامت لإقصاء الدين المسيحي ورجالاته عن السياسة وإعادته لأصله الروحي (اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله) فالدين المسيحي في جوهره فلسفة روحية أخلاقية لا تشريعية. فتوحيد مصطلح الدين ليشمل كل الأديان لهو عين الخطأ . فالإسلام دين إذا اعتبرنا أن الدين يعني الارتباط الروحي والإسلام نظام تشريعي ، والإسلام فلسفة فكرية ،والإسلام نموذج إلهي للحياة البشرية.........إذن فعبارة( فصل الدين عن الدولة) لا تقابل عبارة (فصل الإسلام عن الدولة). وأما عن آلية فصل الدين عن الدولة فهل تقوم على فصل رجال الدين الإسلامي عن القيادة السياسية للدولة؟ أم فصل التشريع الإسلامي السياسي والاقتصادي عن الدولة؟ أم إزاحة نموذج الدولة الإسلامية واستبداله بالنموذج الغربي؟ فمن المعروف أن التشريع السياسي في الإسلام هو تشريع غير محدد المعالم فالنبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يعطي نموذجاً لشكل الحكم في الإسلام بل تركه للصحابة الذين انتخبوا أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن وبعدهم تحول نظام الحكم من الإنتخاب إلى الملك وأقرها مجمل الصحابة ومن ثم تحول إلى نموذج الوزارة والغلبة وتعدد الدول والخلافات وقد أقر معظم العلماء في تلك العصور تطور شكل الحكم في الإسلام..........إذن لا يوجد نموذج إسلامي موحد لشكل الحكم ومع ذلك فالإسلام يقدم المبادئ الأساسية والقواعد الأولية للفقه السياسي والتي يرتكزعليها الفقهاء في إقرار أشكال الحكم المختلفة. وفي التشريع الإسلامي ليس من المهم والضروري أن يكون رأس السلطة السياسية وبقية أركان الحكم من رجال الدين أو المجتهدين ، فالسياسي مهني مثله مثل الطبيب والمهندس والعامل، فكما يعمل الطبيب وفق مبادئ الطب وأخلاقياته كذلك يعمل السياسي وفق مبادئ السياسة واخلاقياتها وإن إقصاء التشريع الإسلامي نهائياً عن التشريع السياسي لهو نوع من الغباء - وكما قلت سابقاً عن مرونة التشريع الإسلامي وقدرته على استيعاب جميع المتغيرات – فكيف لنا أن نقصي أصولنا وفكرنا وابداعنا ونلهث وراء أصول وفكر وابداع الغرب وكأننا نعاج وبحاجة للغرب ليقودوننا ،أو نحن أغبياء بالفطرة والغرب أذكياء بالفطرة ، و طبعاًهذا لا يعني أن التشريع الإسلامي لا يستفيد من التشريع الغربي ، فأي تشريع غربي يتوافق مع أصول التشريع الإسلامي فلا بأس به. ثانياً: وتعود بنا الدائرة الآن إلى نقطة البداية هل هنالك تقابل بين الإسلام والعلمانية أم تداخل أم تكيف؟ الجواب بسيط:رفض كل الاحتمالات، فلا مجال للمقارنة ين الإسلام والعلمانية كمن يقارن بين الحب والنظرية النسبية ويؤكد بأن الحب إذا دخل في النظرية النسبية فإنه يطورها أويمثل بديل عنها فهذا ضرب من الهذيان فالحب مشاعر والنظرية النسبية مجموعة قوانيين فيزيائية!!!! وأكد دائماً بأننا لسنا في موقف الضعف لكي نبحث عن كل ما هو غربي في الإسلام ، فما من فكرة غربية جديدة أو قديمة إلا ونحث الخطا لنجد لها شكلاً أو بديلاً اسلامياً: فمع الاشتراكية قالوا الإسلام دين اشتراكي ومع الليبرالية قالوا الإسلام دين ليبرالي ومع العلمانية قالوا الإسلام دين علماني ومنهم حاول قولبة العلمانية على الشكل الإسلامي وفق مصطلح أسلمة العلمانية ومنهم من حاول أن يجدد في الإسلام ويقولبه ضمن العلمانية وفق مصطلح علمنة الإسلام ونغوص في أزمة المصطلحات الكثيرة والتعاريف والتوضيحات ثالثاً:النتيجة النهائية: الإسلام ككيان متكامل شيء ،والعلمانية كفكرة أو فكر شيء آخر لا وجه للمقارنة بينهما ولا جدوى من إلصاق العلمانية بالإسلام أو استبدال الإسلام بالعلمانية أو التحوير أو التجميل أو التجديد ......... فلننتهي من هذه السجالات والنقاشات ولنتطلع إلى ايجاد فكر إسلامي سياسي واقتصادي يحتذي الغرب به ويقلده ويحدث ثورة في بنيانه كما أثر ابن رشد سابقاً ويحاول الاقتصاد الإسلامي (البنوك الإسلامية) أن تحدثه الآن في ظل المتغيرات الاقتصادية الأخيرة. |
#393
|
|||
|
|||
بارك الله فيك وجزاك خيراً اخي الحبيب
|
#394
|
|||
|
|||
دعاة التغريب
دعاة التغريب التغريب هو تيار فكري كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، يرمي إلى صبْغ حياة الأمم بعامة، والمسلمين بخاصة، بالأسلوب الغربي، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية. قيام التغريب في البلاد الإسلامية أسباب كثيرة من أهمها: 1ـ انخداع بعض المسلمين وتأثرهم بالمنصرين والمستشرقين. 2ـ استعانة بعض المسؤولين والمؤسسات من المسلمين بعلماء غربيين في شتى المجالات وبعضهم في مجال التوجيه والمسؤولية وهذا بخلاف هدي المسلمين فقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أحد عماله حين طلب إليه أن يستعين بنصراني ماهر فكتب إليه "هبه مات". 3ـ عدم مراقبة تحركات النصارى في بعض البلدان الإسلامية وإطلاق الحبل على الغارب لهم يقيمون احتفالاتهم وأعيادهم ودعاياتهم ودعواتهم بل ويحضرها بعض المسؤولين المسلمين لمباركتها بحجة التلاحم الشعبي والتسامح الديني. 4ـ ابتعاث بعض الدارسين إلى الغرب ليتعلموا شتى العلوم ومن الغريب – حسب ما يقال – أن بعضهم يذهب لدراسة بعض العلوم الإسلامية واللغوية والتاريخية. 5ـ قيام بعض المسؤولين من المسلمين بإلزام جيوشهم وخدمهم بلباس الغرب افتخارا به خصوصا في المجالات الرسمية. 6ـ إنشاء مكاتب ومدارس وجمعيات تدعو إلى التغريب. 7ـ ترجمة الكثير من الكتب الغربية إعجابا بأشخاصها وتوزيعها في كل بلد للكبار والصغار. 8ـ وقوف النصارى في كل بلد إلى جانب الغرب وإظهار إعجابهم بهم وتحبيبهم إلى نفوس الناس وهم بمثابة العيون للغرب. 9ـ قيام بعض عملاء الغرب بإصدار مجلات ودعايات وتمثيليات وأشرطة تسجيل وقصص للكبار والصغار تدعو إلى الإعجاب بالحضارة الغربية وتحقير الحضارة الإسلامية والتقليل من أهميتها. 10ـ إثارة بعض القضايا ومهاجمة الإسلام من خلالها كقضية جواز الزواج بأكثر من واحدة وحق الطلاق للرجل والحجاب ومنع الاختلاط وحقوق المرأة.... وغير ذلك وتضخيمها والرد على الإسلام من خلالها بتلفيق الأكاذيب والشبهات الباطلة حولها. بدأ المشرقيون في العالم الإسلامي مع نهاية القرن الثامن عشر ومطلع التاسع عشر بتحديث جيوشهم وتعزيزها عن طريق إرسال بعثات إلى البلاد الأوربية أو باستقدام الخبراء الغربيين للتدريس والتخطيط للنهضة الحديثة، وذلك لمواجهة تطلع الغربيين إلى بسط نفوذهم الاستعماري إثر بدء عهد النهضة الأوربية. لما قضى السلطان محمود الثاني على الانكشارية العثمانية سنة 1826م أمر باتخاذ الزي الأوربي الذي فرضه على العسكريين والمدنيين على حد سواء. استقدم السلطان سليم الثالث المهندسين من السويد وفرنسا والمجر وانجلترا وذلك لإنشاء المدارس الحربية والبحرية. قام محمد علي والي مصر، والذي تولى سنة 1805م، ببناء جيش على النظام الأوربي، كما عمد إلى ابتعاث خريجي الأزهر من أجل التخصص في أوربا. أنشأ أحمد باشا باي الأول في تونس جيشا نظاميا، وافتتح مدرسة للعلوم الحربية فيها ضباط وأساتذة فرنسيون وإيطاليون وإنجليز. افتتحت أسرة الفاجار التي حكمت إيران كلية للعلوم والفنون على أساس غربي سنة 1852م. منذ عام 1860م بدأت حركة التغريب عملها في لبنان عن طريق الإرساليات، ومنها امتدت إلى مصر في ظل الخديوي إسماعيل الذي كان هدفه أن يجعل مصر قطعة من أوربا. التقى الخديوي إسماعيل في باريس مع السلطان العثماني عبد العزيز 1284 هـ/1867م حينما لبيا دعوة الإمبراطور نابليون الثالث لحضور المعرض الفرنسي العام، وقد كانا يسيران في تيار الحضارة الغربية. ابتعث كل من رفاعة الطهطاوي إلى باريس وأقام فيها خمس سنوات 1826/1831م وكذلك ابتعث خير الدين التونسي إليها وأقام فيها أربع سنوات 1852 – 1856م وقد عاد كل منهما محملا بأفكار تدعو إلى تنظيم المجتمع على أساس علماني عقلاني. منذ 1830م بدأ المبتعثون العائدون من أوروبا بترجمة كتب فولتير وروسو ومونتسكيوفي محاولة منهم لنشر الفكر الأوربي الذي ثار ضد الدين الذي ظهر في القرن الثامن. أنشأ كرومر كلية فيكتوريا بالإسكندرية لتربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي ليكونوا أداة المستقبل في نقل ونشر الحضارة الغربية. قال اللورد لويد (المندوب السامي البريطاني في مصر ) حينما افتتح هذه الكلية سنة 1936م : كل هؤلاء لن يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين والتلاميذ. كان نصارى الشام من أول من اتصل بالبعثات التبشيرية وبالإرساليات ومن المسارعين بتلقي الثقافة الفرنسية والإنجليزية، كما كانوا يشجعون العلمانية التحررية وذلك لعدم إحساسهم بالولاء تجاه الدولة العثمانية فبالغوا في إظهار إعجابهم بالغرب ودعوا إلى الاقتداء به وتتبع طريقه، وقد ظهر ذلك جليا في الصحف التي أسسوها وعملوا فيها. كان ناصيف اليازجي 1800 – 1871 م وابنه إبراهيم اليازجي 1847 – 1906 م على صلة وثيقة بالإرساليات الأمريكية الإنجيلية. أسس بطرس البستاني 1819 – 1883 م في عام 1863م مدرسة لتدريس اللغة العربية والعلوم الحديثة فكان بذلك أول نصراني يدعو إلى العروبة والوطنية إذ كان شعاره : "حب الوطن من الإيمان". كما أصدر صحيفة الجنان سنة 1870م التي استمرت ست عشرة سنة وقد تولى منصب الترجمة في قنصلية أمريكا ببيروت مشاركا في الترجمة البروتستانتية للتوراة مع الأمريكيين سميث وفانديك. أنشأ جورجي زيدان 1861 – 1914م مجلة الهلال في مصر سنة 1892م، وقد كان على صلة بالمبعوثين الأمريكان، كما كانت له سلسلة من القصص التاريخية التي حشاها بالافتراءات على الإسلام والمسلمين. أسس سليم تقلا صحيفة الأهرام في مصر وقد سبق له أن تلقى علومه في مدرسة عبية بلبنان والتي أنشأها المبشر الأمريكي فانديك. أصدر سليم النقاش صحيفة المقتطف التي عاشت ثمانية أعوام في لبنان انتقلت بعدها إلى مصر سنة 1884م. تجول جمال الدين الأفغاني 1838-1897م كثيرا في العالم الإسلامي شرقا وغربا وقد أدخل نظام الجمعيات السرية في العصر الحديث إلى مصر، كما يقال بأنه انضم إلى المحافل الماسونية، وكان على صلة بالمستر بلنت البريطاني. كان الشيخ محمد عبده 1849 – 1905م من أبرز تلاميذ الأفغاني، وشريكه في إنشاء مجلة العروة الوثقى، وكانت له صداقة مع اللورد كرومر والمستر بلنت، ولقد كانت مدرسته ومنها رشيد رضا تدعو إلى مهاجمة التقاليد، كما ظهرت لهم فتاوى تعتمد على أقصى ما تسمح به النصوص من تأويل بغية إظهار الإسلام بمظهر المتقبل لحضارة الغرب كما دعا الشيخ محمد عبده إلى إدخال العلوم العصرية إلى الأزهر لتطويره وتحديثه. كان المستشرق مستربلنت : يطوف هو وزوجته مرتديا الزي العربي، داعيا إلى القومية العربية وإلى إنشاء خلافة عربية بغية تحطيم الرابطة الإسلامية. قاد قاسم أمين 1865 – 1908م وهو تلميذ محمد عبده، الدعوة إلى تحرير المرأة وتمكينها من العمل في الوظائف والأعمال العامة. وقد كتب تحرير المرأة 1899م والمرأة الجديدة 1900م. كان سعد زغلول : الذي صار وزيرا للمعارف سنة 1906م شديد التأثر بآراء محمد عبده وقد نفذ فكرة كرومر القديمة والداعية إلى إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي بقصد تطوير الفكر الإسلامي من خلال مؤسسة غير أزهرية منافسة له. كان أحمد لطفي السيد 1872 – 1963م من أكبر مؤسسي حزب الأحرار الدستوريين الذين انشقوا عن سعد زغلول سياسيا، وكان يدعو إلى الإقليمية الضيقة وهو صاحب العبارة المشهورة التي أطلقها عام 1907م وهي : "مصر للمصريين" وقد تولى شؤون الجامعة المصرية منذ تسلمتها الحكومة المصرية عام 1916م وحتى 1941م تقريبا. وكان طه حسين 1889 – 1973م من أبرز دعاة التغريب في العالم الإسلامي حيث تلقى علومه على يد المستشرق كايم دور وقد نشر أخطر آرائه في كتابيه الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة في مصر. يقول في كتابه الشعر الجاهلي ص26 : للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي. ويقول بعد ذلك : وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح. كما أنه ينفي فيه نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أشراف قريش. لقد بدأ طه حسين محاضرة له في اللغة والأدب بحمد الله والصلاة على نبيه ثم قال : سيضحك مني بعض الحاضرين إذا سمعني أبدأ هذه المحاضرة بحمد الله والصلاة على نبيه لأن ذلك يخالف عادة العصر. ازدهرت حركة التغريب بعد سيطرة الاتحاديين عام 1908م على الحكم في الدولة العثمانية وسقوط السلطان عبدالحميد. وفي سنة 1924م ألغت حكومة مصطفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية مما مهد لانضمام تركيا إلى الركب العلماني الحديث، وفرض عليها التغريب بأقصى صوره وأعنفها. علي عبدالرزاق : نشر سنة 1925م كتابه الإسلام وأصول الحكم الذي ترجم إلى الإنجليزية والأردية، يحاول فيه المؤلف أن يقنع القارئ بأن الإسلام دين فقط وليس دينا ودولة، وقد ضرب سميث مثلا به عندما أشار إلى أن التحررية العلمانية والعالمية لا تروج في العالم الإسلامي إلا إذا فسرت تفسيرا إسلاميا مقبولا، وقد حوكم الكتاب والمؤلف من قبل هيئة العلماء بالأزهر في 12/08/1925م وصدرت ضده إدانة أخرجته من زمرة العلماء،و كان يشرف على مجلة الرابطة الشرقية كما أقام حفل تكريم لأرنست رينان في الجامعة المصرية بمناسبة مرور مائة سنة على وفاة هذا المستشرق الذي لم يدخر وسعا في مهاجمة العرب والمسلمين. وكان محمود عزمي من أكبر دعاة الفرعونية في مصر، درس على أستاذه دور كايم الذي كان يقول له : إذا ذكرت الاقتصاد فلا تذكر الشريعة، وإذا ذكرت الشريعة فلا تذكر الاقتصاد. وسبق أن قدم منصور فهمي 1886 – 1959م : أول أطروحة للدكتوراه على أستاذه ليفي بريل مهاجما نظام الزواج في الإسلام التي موضوعها حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطوراتها، وفي هذه الرسالة يقول : محمد يشرع لجميع الناس ويستثني نفسه، ويقول : إلا أنه أعفى نفسه من المهر والشهود، لكنه انتقد بعد ذلك حركة التغريب في سنة 1915م وجاهر بآرائه في الأخطاء التي حملها طه حسين ومدرسته. ويعتبر إسماعيل مظهر من أئمة مدرسة التغريب لكنه لم يلبث أن تحول عنها إبان عصر النهضة الحديثة. وكان زكي مبارك في مقدمة تلاميذ طه حسين، درس على أيدي المستشرقين وسبق له أن قدم أطروحة للدكتوراه في الغزالي والمأمون مهاجما الغزالي هجوما عنيفا لكنه رجع عن ذلك فيما بعد وكتب مقاله المعروف إليك أعتذر أيها الغزالي. ويعتبر محمد حسين هيكل 1888 – 1956م رئيس تحرير جريدة السياسة في الفترة الأولى من حياته من أبرز المستغربين وقد أنكر الإسراء بالروح والجسد معا انطلاقا من نظرة عقلانية في كتابه حياة محمد، لكنه عدل عن ذلك وكتب معبرا عن توجهه الجديد في مقدمة كتابه في منزل الوحي. وكان الشيخ أمي الخولي وهو من مدرسي مادتي التفسير والبلاغة بالجامعة المصرية، يروج لأفكار طه حسين في الدعوة إلى دراسة القرآن دراسة فنية بغض النظر عن مكانته الدينية، وقد استمر في ذلك حتى كشفه الشيخ محمود شلتوت سنة 1947م. وقاد شبلي شميل 1860 – 1917م الدعوة إلى العلمانية ومهاجمة قيم الأديان والأخلاق. قد ذكر الشيخ محمد حامد الناصر أن مجمل تيارات التغريب تكمن في ثلاثة: 1ـ تيارات مدرسة الاستعمار وهو من أدوات المستعمر لتنفيذ سياسته في إدارة شؤون البلاد ومن هؤلاء "سعد زغلول" و" أحمد لطفي السيد". 2ـ التيار الثاني تطوير الإسلام وأهل هذا التيار ينصب اهتمامهم في زعمهم تطوير الدين وإعادة تفسيره وفق الحضارة الغربية ومن هؤلاء "رفاعة الطهطاوي" و"خير الدين التونسي" ثم أصبحت على يد "محمد عبده" ومدرسته. 3ـ التيار الثالث: ويمثله نصارى العرب وجهوا جل اهتمامهم إلى تأسيس الصحف اليومية كصحيفة الأهرام والمقطم وتحملان الأنباء العالمية والمذاهب السياسية وبعضها كان يحمل طابعا أدبيا علميا مثل صحيفة المقتطف، وصحيفة الهلال.وقد ذكرت شخصيات كثيرة تنادي بهذا التغريب مثل " أديب إسحاق" و "سليم نقاش" و"بطرس البستاني" وهم من أنشط العرب في نقل الحضارة الغربية. هدافهم تتمثل في رغبتهم الشديدة في أن يحولوا العالم الإسلامي إلى مقلدين للغرب في كل شيء وأن يكونوا تبعا لهم , وأما أساليبهم فهي كثيرة ومتنوعة ومن أهمها: 1ـ إحياء ما يسمونه بالحضارات القديمة في العالم الإسلامي ومنها النفاذ إلى قيام الحضارات الغربية المتمثلة في الاستخفاف بالقديم في النهاية ونبذه وقد استعد "روكفلر" اليهودي المتعصب بمبلغ عشرة ملايين دولار تبرعا لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر وملحق به معهد أيضا وقد فعل الكثير منهم ذلك والغرض من هذا هو النفاذ إلى تفريق كلمة المسلمين وبتبديدهم من خلال إرجاع كل قطر إلى جاهليته القديمة قبل الإسلام والالتفاف حولها. 2ـ التركيز على المناداة بالقضاء على التفرقة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي حتى تبقى للمسلم شخصية متميزة ويسمون ذلك تطورا في الفكر والثقافة على غرار عصر التنوير عند الأوربيين. 3ـ إحياء الدعوة إلى تقديس الوطنية والقومية وغيرها من النعرات الجاهلية والاعتزاز بها لتكون بديلا عن الاعتزاز بالدين وقيمه والإشادة بما حققته الوطنية الغربية وإظهار الإعجاب بها وذلك لضمان عدم عودة المسلمين إلى الألفة العامة بينهم وعدم اتحادهم في كتلة واحدة ليسهل على الغرب وأتباعهم التأثير على كل قطر بمفرده. 4ـ الدعوة إلى الالتفاف حول ما يسمونه الإنسانية لكي يجتمع الجميع تحتها فتزول الفوارق والخلافات الدينية فيحل السلام وتصبح الأرض وطنا للجميع – بزعمهم – وهي دعوة يهودية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، لأنها في حقيقتها سراب. موقفهم من القرآن الكريم: ردد بعض دعاة التغريب ما قرره أعداء الإسلام من المنصرين والمستشرقين من شبهات باطلة حول كلام الله عز وجل – القرآن الكريم – وما كان أجدر بهم أن ينأوا بأنفسهم عن ضلالات الحاقدين على الإسلام والمسلمين ما داموا يشهدون الشهادتين ولكن تلمذتهم على أولئك هي التي أنتجت هذا الخلط الشنيع في مفاهيمهم من أن القرآن الكريم صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه سجع على طريقة السجع الذي كان معروفا في الجاهلية – بزعمهم – وغير ذلك من أقوالهم ولا ريب أن من اعتقد هذا يكون قد خلع ربقة الإسلام من عنقه وارتد عن الشريعة السمحاء واختار طريق الضلال. ولعل القارئ لا ينسى من لقّبه الغرب بعميد الأدب العربي "طه حسين" مكافأة له على تهجمه على القرآن الكريم والسنة النبوية ومحاباته لليهود الذي كان يقول "تفكيري فرنسي وكتابتي بالعربية". وقد كان طه حسين عميلا وفيا للغرب محاربا لله ولرسوله ولدين الإسلام مفضلا الغرب وحضارته على الإسلام ونوره فهو مرة يهاجم اللغة العربية ويفضل عليها اللاتينية واليونانية ومرة يدعو إلى التجديد وهو السير سير الأوربيين في كل شيء ومرة يهاجم الفتح الإسلامي ويعتبره غزوا واحتلالا لمصر التي لم تسترد حريتها إلا حين رجعت إلى حضارتها الفرعونية – بزعمه – وقد سماه الرافعي " المبشر طه حسين" و " المستر طه حسين" بدلا عن لقبه الأوربي "عميد الأدب العربي" ومما يذكر أن طه حسين لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة في كتابه " في الشعر الجاهلي" وكرر في كتبه أن القرآن الكريم من الأساطير. وأما كتابه" في الشعر الجاهلي" فقد كان حاداً جاداً في السخرية بالقرآن الكريم والإشادة بالإلحاد الغربي والزندقة وقد حاكمه مجلس البرلمان في مصر وصدر الحكم بتكفيره وإتلاف كتابه وفصله من الجامعة ولكن القوى التي كانت تدفعه إلى هذا تدخلت لحمايته فأُعيد إلى عمله ورُفع ليكون مديراً للجامعة ثم وزيرا للمعارف ليكمل مهمته من مظلة السلطة. وكانت لطه حسين صلات حميمة بكثير من مشاهير أعداء الإسلام مثل " كازانوفا" و"مرجليوث" و"ماسينون" و"بلاشير" وغيرهم من أصدقائه الذين يفتخر بصداقتهم وقد استورد كثيرا من المستشرقين والمنصرين الحاقدين استوردهم للتدريس بالجامعة – بحكم وظيفته – وقرب اليهود والنصارى واتخذهم بطانة له. موقفهم من السنة النبوية: وإذا كان دعاة التغريب قد جرؤا على محاربة كتاب الله عز وجل وانتقدوه وشككوا فيه إتباعا لمشايخهم من المنصرين والمستشرقين، فما الظن بهم بالنسبة للسنة الشريفة على صاحبها أزكى الصلاة والسلام تلك السنة الغراء التي أقلقت أعداء الإسلام وضاقوا بها ذرعا وخططوا الخطط المتلاحقة والمؤتمرات المتتابعة للتشاور في أمرها وكيفية القضاء عليها ومع تلك المحاولات المستميتة إلا أن السنة النبوية ظلت على صفائها ونقائها ولمعان نورها الذي يكاد يخطف أبصار الذين كفروا. وقد ذكر الشيخ " محمد حامد الناصر" في كتابه (العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب) من (ص133: 137): بعض دعاة التغريب وذكر منهم من اشتهر أمره بالانحياز للغرب والحضارة الغربية مثل " أحمد أمين" و"محمود أبو رية" و "محمد توفيق صدقي" وإسماعيل أدهم" والشاعر" أحمد زكي أبو شادي" و" صالح أبو بكر". لعل القارئ الكريم قد أدرك مما سبق إيراده أن المستشرقين لم يكونوا أمناء ولا أصحاب بحوث علمية مجردة عن التعصب – كما زعموا – بل إنهم غزاة العقول ومعاول الهدم {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:18] وقد عرف المسلمون كثيرا من حيلهم وأساليبهم الماكرة وعرفوا منهجهم في كتابتهم عن الإسلام والمسلمين وأنها كانت تنفث حقدا وعصبية وأنهم جواسيس لشعوبهم الغربية ولدياناتهم المحرفة وأن ما تظاهروا به من ود وموضوعية ونزاهة فيما يكتبون إنما هو تغرير يقصد به ذر الرماد في العيون ولا أدل على هذا من أنهم لا يستدلون على ما يوردونه عن الإسلام والمسلمين إلا ما يوافق أهواءهم ولا من الأحاديث إلا الساقط منها المفترى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعارضون بها جادين الأحاديث الصحيحة بل والآيات الكريمة من كتاب الله تعالى ويجعلون ذلك من التناقض الموجود في الشريعة المحمدية – بزعمهم – مع أنهم يعرفون تماما أن ما يستدلون به لتشويه الإسلام هو واه كبيت العنكبوت ولكن لا حيلة لهم إلا ذلك. فإذا وجدوا أدنى شبهة تشبثوا بها وضخموها وصدق بعضهم بعضا في إيرادها على التفسير الذي يرتضونه ولا ينظرون فيها نظرة الفاحص الطالب للحقيقة ولهذا تجد – أخي القارئ – تفسيرات باطلة ومحرفة لنصوص كثيرة سواء كانت في تفسير كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أوفي التاريخ الإسلامي أو الفقه أو غير ذلك ثم يقدمونه للناس على أنه بيان للإسلام وتعاليمه. ولم يقف الأمر عند تفسير النصوص ولكن جاءوا بما هو أدهى من ذلك إذ أنهم يضعون القضية التي يريدون إلقاءها يصنعونها من تلقاء أنفسهم على أنها محسوبة على الإسلام والمسلمين ثم بعد ذلك يتصيدون لها الأدلة والشبهات والأقوال ويصولون ويجولون حولها حتى يقتنع من لا خبرة له بمكرهم أنهم على شيء وأنهم فطاحل بحث وتحقيق ونزاهة وأن ما قالوه عن الإسلام صحيح لا مرية فيه. أفكار تغريبية: المستشرق الإنجليزي (جب) ألف كتاب (إلى أين يتجه الإسلام) الذي يقول فيه : من أهم مظاهر سياسة التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة وقد أعلن في بحثه هذا صراحة أن الهدف معرفة إلى أي مدى وصلت حركة تغريب الشرق وما هي العوامل التي تحول دون تحقيق هذا التغريب عندما دخل اللورد اللنبي القدس عام 1918م أعلن قائلا : "الآن انتهت الحروب الصليبية". يقول لورنس بروان : إن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي. ولهذا فلابد من الدعوة إلى أن يطبع العالم الإسلامي بطابع الغرب الحضاري. تشجيع فكرة إيجاد فكر إسلامي متطور يبرر الأنماط الغربية ومحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية بغية إيجاد علائق مستقرة بين الغرب وبين العالم الإسلامي خدمة لمصالحه. الدعوة إلى الوطنية ودراسة التاريخ القديم والدعوة إلى الحرية باعتبارها أساس نهضة الأمة مع عرض النظم الاقتصادية الغربية عرضا مصحوبا بالإعجاب، وتكرار الكلام حول تعدد الزوجات في الإسلام وتحديد الطلاق واختلاط الجنسين. نشر فكرة العالمية والإنسانية التي يزعم أصحابها بأن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد تزول معه الخلافات الدينية والعنصرية لإحلال السلام في العالم، ولتصبح الأرض وطنا واحدا يدين بدين واحد ويتكلم بلغة واحدة وثقافة مشتركة بغية تذويب الفكر الإسلامي واحتوائه في بوتقة الأقوياء المسيطرين أصحاب النفوذ العالمي. إن نشر الفكر القومي خطوة على طريق التغريب في القرن التاسع عشر وقد انتقل من أوربا إلى العرب والإيرانيين والترك والإندونيسيين والهنود، إلى كيانات جزئية تقوم على رابط جغرافي يجمع أناسا ينتمون إلى أصول عرقية مشتركة. تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة، يقول المستشرق (جب) : وقد كان من أهم مظاهر سياسة التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن .. وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوربا ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دورا مهما في تقوية القوميات المحلية وتدعيم مقوماتها. عرض روكفلر الصهيوني المتعصب تبرعه بعشرة ملايين دولار لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر وملحق به معهد لتخريج المتخصصين في هذا الفن. أن كلا من الاستعمار والاستشراق والشيوعية والماسونية وفروعها والصهيونية ودعاة التوفيق بين الأديان "وحدة الأديان" قد تآزروا جميعا في دعم حركة التغريب وتأييدها بهدف تطويق العالم الإسلامي وتطويعه ليكون أداة لينة بأيديهم. نشر المذاهب الهدامة كالفرويدية والداروينية والماركسية والقول بتطور الأخلاق (ليفي برويل) وبتطور المجتمع (دور كايم) والتركيز على الفكر الوجودي والعلماني والتحرري والدراسات عن التصوف الإسلامي والدعوة إلى القومية والإقليمية والوطنية والفصل بين الدين والمجتمع وحملة الانتقاص من الدين ومهاجمة القرآن والنبوة والوحي والتاريخ الإسلامي والتشكيك في القيم الإسلامية عن فكرة الجهاد وإشاعة فكرة أن سبب تأخر العرب والمسلمين إنما هو الإسلام. اعتبار القرآن فيضا من العقل الباطن مع الإشادة بعبقرية محمد صلى الله عليه وسلم وألمعيته وصفاء ذهنه ووصف ذلك بالإشراق الروحي تمهيدا لإزالة صفة النبوة عنه. مؤتمرات تغريبية: - عقد مؤتمر في بلتيمور عام 1942م وهو يدعو إلى دراسة وابتعاث الحركات السرية في الإسلام. في عام 1947م عقد في جامعة برنستون بأمريكا مؤتمر لدراسة (الشؤون الثقافية والاجتماعية في الشرق الأدنى ) وقد ترجمت بحوث هذا المؤتمر إلى العربية تحت رقم 116 من مشروع الألف كتاب في مصر، شارك فيه كويلر يونغ وحبيب كوراني وعبدالحق إديوار ولويس توماس. عقد مؤتمر (الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة) في صيف عام 1953م في جامعة برنستون وشارك فيه كبار المفكرين من مثل ميل بروز، وهارولد سميث، وروفائيل باتاي، وهارولد ألن، وجون كرسويل، والشيخ مصطفى الزرقا، وكنت كراج، واشتياق حسين، وفضل الرحمن الهندي. وفي عام 1955م عقد في لاهور بالباكستان مؤتمر ثالث لكنه فشل وظهرت خطتهم بمحاولتهم إشراك باحثين من المسلمين والمستشرقين في توجيه الدراسات الإسلامية. انعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والمسيحية في بيروت 1953م، ثم في الإسكندرية 1954م وتتالت بعد ذلك اللقاءات والمؤتمرات في روما وغيرها من البلدان لنفس الغرض. في سبتمبر 1944م عقد بالقاهرة مؤتمر السكان والتنمية بهدف نشر أفكار التحلل الجنسي الغربية بين المسلمين من إتاحة للاتصالات غير المشروعة بين المراهقين والإجهاض والزواج الحر والسفاح والتدريب على موانع الحمل.. وقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية فتوى بضرورة مقاطعته والحذر من توصياته وأهدافه. كتب تغريبية خطرة: - (الإسلام في العصر الحديث) لمؤلفه ولفرد كانتول سميث، مدير معهد الدراسات الإسلامية وأستاذ الدين المقارن في جامعة ماكجيل بكندا، حصل على الدكتوراه من جامعة برنستون سنة 1978م تحت إشراف المستشرق هـ. أ. ر - جب الذي تتلمذ عليه في جامعة كمبريدج وهذا الكتاب يدعو إلى التحررية والعلمانية وإلى فصل الدين عن الدولة. نشر هـ. أ. ر – جب كتابه (إلى أين يتجه الإسلام)، الذي نشر بلبنان سنة 1932م كان قد ألفه مع جماعة من المستشرقين وهو يبحث في أسباب تعثر عملية التغريب في العالم الإسلامي ووسائل تقدمها وتطورها. إن بروتوكلات حكماء صهيون التي ظهرت في العالم كله عام 1902م ظلت ممنوعة من الدخول إلى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي حتى عام 1952م أي تقريبا إلى ما بعد قيام إسرائيل في قلب الأمة العربية والإسلامية ولاشك بأن منعها كان خدمة لحركة التغريب عموما. تصوير بعض الشخصيات الإسلامية في صور من الابتذال والعهر والمزاجية كما في كتب جورجي زيدان، وكذلك تلك الكتب التي تضيف الأساطير القديمة إلى التاريخ الإسلامي على هامش السيرة لطه حسين والكتب التي تعتمد على المصادر غير الموثوقة مثل (محمد رسول الحرية) للشرقاوي وكتبه عن الخلفاء الراشدين والأئمة التسعة. لقد ارتدت الحملة الصليبية مهزومة بعد حطين، وفتح العثمانيون عاصمة الدولة البيزنطية ومقر كنيستهم عام 1453م واتخذوها عاصمة لهم وغيروا اسمها إلى اسلامبول أي دار الإسلام، كما أن جيوش العثمانيين قد وصلت أوربا وهددت فيينا سنة 1529م وقد ظل هذا التهديد قائما حتى سنة 1683م، وسبق ذلك كله سقوط الأندلس وجعلها مقرا للخلافة الأموية، كل ذلك كان مدعاة للتفكير بالتغريب، والتبشير فرع منه، ليكون السلاح الذي يحطم العالم الإسلامي من داخله. أن التغريب هجمة نصرانية صهيونية استعمارية في آن واحد التفت على هدف مشترك بينها وهو طبع العالم الإسلامي بالطابع الغربي تمهيدا لمحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية. قد استطاعت حركة التغريب أن تتغلغل في كل بلاد العالم الإسلامي، وإلى كل البلاد المشرقية على أمل بسط بصمات الحضارة الغربية المادية الحديثة على هذه البلاد وربطها بالغرب فكرا وسلوكا. - لقد تعالت تأثير حركة التغريب إذ أنه قد ظهر بوضوح في مصر، وبلاد الشام وتركيا وإندونيسيا والمغرب العربي وتتدرج بعد ذلك في البلاد الإسلامية الأقل فالأقل ولم يخل بلد إسلامي أو مشرقي من آثار وبصمات هذه الحركة. أن التغريب تيار مشبوه يهدف إلى نقض عرى الإسلام والتحلل من التزاماته وقيمه واستقلاليته والدعوة إلى التبعية للغرب في كل توجهاته وممارساته ومن واجب قادة الفكر الإسلامي كشف مخططاته والوقوف بصلابة أمام سمومه ومفترياته التي تبثها الآن شخصيات مسلمة وصحافة ذات باع طويل في محاولات التغريب، وأجهزة وثيقة الصلة بالصهيونية العالمية والماسونية الدولية، وقد استطاع هذا التيار استقطاب كثير من المفكرين العرب، فمسخوا هويتهم وحاولوا قطع صلتهم بدينهم والذهاب بولائهم وانتمائهم لأمتهم الإسلامية من خلال موالاة الغرب والزهو بكل ما هو غربي وهي أمور ذات خطر عظيم على الشباب المسلم. |
#395
|
|||
|
|||
دعاة العلمانية
دعاة العلمانية يجب البدء أولاً ببيان حقيقة التسمية، وبيان صحة نسبتها إلى العلم، فهل هي كذلك؟ لقد انخدع الناس بتسمية العلمانية بهذا الاسم، ولا يزال أنصارها يتبجحَّون بها ويتطاولون بتعاليمها مغترين بها حيث وجدت لها سوقا رائجة لدى فئات ممَّن قلَّت معرفتهم أو كانت لهم أهدافاً شريرة ضد الدين لعزله عن قيادة البشر أو التحاكم إليه لإحلال تعاليم عَبدَة الأوثان وأصحاب الأحقاد محله. وحين انطلقت هذه التسمية في أوربا كان يُقصَد بها عندهم حسب ترجمتها الصحيحة فصل الدين عن السياسة، أو الفصل الكامل بينه وبين الحياة الاجتماعية، على أساس أنه لا يجتمع العلم مع الدين بزعمهم، وقد كذبوا في ذلك وقلبوا الحقيقة، فإن الدين والعلم حميمان يكمل أحدهما الآخر ويقويه، أما نسبتهم مذهبهم إلى العلم فإن الحقيقة تدل على أنه لا علاقة بين العلم وبين هذه الفكرة الضالة، بل إن تسميتها علمانية إنما هو بسبب سوء الترجمة من معناها الغربي الذي هو الابتعاد عن الدين، أو من باب الخداع والتضليل إذ كان الأولى أن تكون ترجمتها وتسميتها أيضاً هي "اللادينية" لأن مفهومها الأصلي هو هذا وليس نسبة إلى العلم. وما أقوى التشابه بين تسميتهم العلمانية بهذا الاسم نسبة إلى العلم، وبين تسميتهم الاشتراكية العلمية بهذا الاسم كذلك، كلاهما تمسح بالعلم وهو بريء منهما، وكلاهما خداع للناس وتضليل. وبعض الباحثين ذهب إلى أن "علمانية" بكسر العين وسكون اللام معناها العلم الذي هو ضد الجهل، وأما "علمانية" بفتح العين وسكون اللام فمعناها العالم أو الدنيا في مقابل الآخرة، وتأتي علمانية أيضاً بمعنى دهري وهو تفسير لكلمة "لائيك" الفرنسية وهو تعبير نشره اليهود في فرنسا فيما بين القرنين الثالث عشر والتاسع عشر الميلاديين. واقع أن دارس العلمانية سيلاحظ تعريفات كثيرة، إلا أن أصدق تلك التعريفات وأقربها إلى حقيقة العلمانية هو: أن العلمانية مذهب هدَّام يُراد به فصل الدين عن الحياة كلها وإبعاده عنها. أو هي إقامة الحياة على غير دين إما بإبعاده قهراً ومحاربته علناً كالشيوعية، وإما بالسماح به وبضده من الإلحاد كما هو الحال في الدول الغربية التي تسمي هذا الصنيع حرية وديمقراطية أو تدين شخصي. بينما هو حرب للتدين، ذلك أن حصر الدين في نطاق فردي بعيداً عن حكم المجتمع وإصلاح شؤونه هو مجتمع لا ديني لأنه أقام حياته الاجتماعية والثقافية وسائر معاملاته على إقصاء الدين ، وهو حال الحضارة الغربية الجديدة ونظامها، وهذا هو الواقع الصحيح، ولا عبرة بمراوغتهم في زعمهم أنهم يرعون التدين، فإنها مجرد خداع للمتدينين، فإن تسميتهم لهذا الإلحاد علماً هو من باب فرحهم بمعرفتهم ظاهراً من الحياة الدنيا، وأين هو من العلم الحقيقي الذي يوصل صاحبه إلى معرفة ربه ودينه وإلى السعادة في الدنيا والآخرة. قد قامت العلمانية اللادينية على الإلحاد وإنكار وجود الله تعالى وإنكار الأديان، وهي ردة في حق من يعتنقها من المسلمين مهما كان تعليله لها، وكانت العلمانية عند قيامها في مرحلتها الأولى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، تنظر إلى الدين على أنه ينبغي أن يكون أمراً شخصياً لا شأن للدولة به إلا ما يتعلق بجباية الضرائب للكنيسة، ولعل هذا كان خداعا لأهل الدين، ثم اشتدت المواجهة للدين على النحو الذي تطورت إليه بعد ذلك، وكان الخلاف محتدماً ما بين رجال الدين ورجال العلمانية على السلطة، مما جعلهم ينادون بفصل الدين عن الدولة ليستقل كل فريق بسلطته. حتى إذا جاء القرن التاسع عشر، وهي المرحلة الثالثة، إذ بالعلمانيين يتجهون اتجاها منافياً لكل مظاهر الدين والتدين، وأحلوا الجانب المادي محل الدين، وبدأ الصراع يشتد بين العلمانيين اليساريين الناشئين وبين رجال الدين الكنسي المتقهقر، إلى أن أُقصِيَ الدين تماماً، ولم يعد للإيمان بالغيب أي مكانة في النفوس، إذ حل محله الإيمان بالمادي المجرد المحسوس. ورغم وضوح الإلحاد في المذهب العلماني فقد ظهر من يزعم زوراً وكذباً أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين، وأخذ بعض الجاهلين والمتجاهلين يرددون هذا الفكر المغالط كالاشتراكيين تماماً، على أنه لا ينبغي أن يغيب عن ذهن القارئ أن حرب الغرب للدين وأهله إنما جاءهم من دين مُحرَّف معادٍ لكل مفهوم للحياة الجديدة، لأن النصرانية التي جاء بها المسيح عليه السلام قد اندثرت وحُرفِّت وضاع إنجيله بعد رفعه بفترة قصيرة، فتزعم الديانة بولس اليهودي الحاقد، فجاءت خرافية مصادمة للعقل والمنطق والواقع، ومن هنا وجد أقطاب العلمانية أن الدين – وهو تعميم خاطئ – لا يمكن أن يساير حضارتهم الناشئة، وأن رجال دينهم طغاة الكنيسة لا يمكن أن يتركوهم وشأنهم – وهو ما حدث بالفعل – وعلى إثر ذلك قامت المعركة بين الدين وأقطاب العلمانية، ونشط العلمانيون في بسط نفوذهم، وساعدتهم على ذلك عامة الشعوب الأوربية التي أذاقتها الكنيسة الذل والهوان والالتزام بدين لا يقبله عقل أو منطق، فوجدوا في الالتجاء إلى رجال الفكر العلمانيين خير وسيلة للخروج عن أوضاعهم. وإذا كان القارئ يرى أن للغرب حجتهم في رفض ذلك الدين البولسي الجاهلي، فإنه سيرى حتماً أن انتشار العلمانية في بلاد المسلمين أمر لا مبرر له بأي حال، ولا سبب له إلا قوة الدعاية العلمانية وجهل كثير من المسلمين بدينهم وجهلهم كذلك بما تبيته العلمانية للدين وأهله واتباعا للدعايات البرَّاقة. الأدوار التي مرت بها العلمانية في نشأتها: وقد ذكر الدكتور العرماني أن العلمانية قد مرت في تطورها بأدوار هي كما يلي: الدور الأول: وقد كان دور الصراع الدموي مع الكنيسة، وسُمي هذا الدور بعصر التنوير أو بداية عصر النهضة الأوربية، ويعود سببه إلى تأثر الأوربيين بالمسلمين أثر اختلاطهم بهم عن طريق طلب العلم في الجامعات الإسلامية، وقد ذاق علماء الغرب في هذا الدور ألوانا من العذاب على أيدي رجال الكنيسة إثر ظهور الاكتشافات العلمية هناك ووقوف رجال الكنيسة ضد تلك الاكتشافات وجهاً لوجه. الدور الثاني: ظهور العلمانية الهادئة وتغلب رجالها على المخالفين من رجال الكنيسة، وفيه تم عزل الدين عن الدولة وانحصرت مفاهيم الكنيسة في الطقوس الدينية فقط بعيدة عن الحياة الاجتماعية كلها. الدور الثالث: وفيه اكتملت قوة العلمانية ورجالها، وحلَّ الإلحاد المادي محل الدين تماماً . ثم برزت الرأسمالية وغيرها من الروافد المقوية للإلحاد العلماني، فاكتمل تطويق الدين ورجاله واعتبر الدين عدواً للحضارة، وصار محل سخرية الجميع في رد فعل عارم يريد أن يكتسح كل شيء أمامه مما كان موجودا ليفسح الطريق أمام الوضع الجديد المتمرد على كل الأوضاع التي قبله. قامت العلمانية أول ما قامت في أوروبا وذلك لأسباب عديدة منها: أولاً: الطغيان الكنسي: فالكنيسة طغت، وتجبرت، وأصبحت تفرض على الناس العقائد الباطلة التي لا تتفق مع نقل ولا عقل، كعقيدة العشاء الرباني، وعقيدة التثليث، وعقيدة الخطيئة الموروثة، والصلب والفداء. كما أنها أصبحت تحرم، وتحلل، حسب ما يتفق وأهواء رجال الدين. وعززت الكنيسة سلطتها الدينية الطاغية بادعاء حقوق لا يملكها إلا الله مثل حق الغفران، وحق الحرمان، وحق التحلة. ولم تتردد الكنيسة في استعمال هذه الحقوق واستغلالها، فحق الغفران أدى إلى المهزلة التاريخية صكوك الغفران السالفة الذكر،وحق الحرمان عقوبة معنوية بالغة كانت شبحاً مخيفاً للأفراد والشعوب في آن واحد؛ فأما الذين تعرضوا له من الأفراد فلا حصر لهم، منهم الملوك أمثال: فردريك، وهنري الرابع الألماني، وهنري الثاني الإنجليزي، ورجال الدين المخالفين مثل: أريوس حتى لوثر، والعلماء والباحثون المخالفون لآراء الكنيسة من برونو إلى آرنست رينان وأضرابه. أما الحرمان الجماعي فقد تعرض له البريطانيون عندما حصل خلاف بين الملك يوحنا ملك الإنجليز، وبين البابا، فحرمه البابا وحرم أمته، فعطلت الكنائس من الصلاة، ومنعت عقود الزواج، وحملت الجثث إلى القبور بلا صلاة، وعاش الناس حالة من الهيجان، والاضطراب، حتى عاد يوحنا صاغراً يقر بخطيئته، ويطلب الغفران من البابا. ولما رأى البابا ذُلَّه، وصدق توبته رفع الحرمان عنه وعن أمته. أما التَّحلَّة؛ فهو حق خاص يبيح للكنيسة أن تخرج عن تعاليم الدين، وتتخلى عن الالتزام بها متى اقتضت المصلحة - مصلحتها - ذلك. ولم يقف الأمر عند هذا الحد لاسيما بعد أن اتضح للكنيسة الأثر الإسلامي الظاهر في الآراء المخالفة، فأنشأت ذلك الغول البشع، والشبح المرعب، الذي أطلق عليه اسم (محاكم التفتيش) تلك المحاكم التي عملت على إبادة المسلمين، أو المخالفين لآراء الكنيسة. ولا يكاد المؤرخون الغربيون يتعرضون للحديث عنها إلا ويصيبهم الاضطراب، وتتفجر كلماتهم رعباً، فما بالك بالضحايا الذين أزهقت أرواحهم، والسجناء الذين أذاقتهم ألوان المر والنكال. وكانت المحكمة عبارة عن سجون مظلمة تحت الأرض بها غرف خاصة للتعذيب، وآلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، وكان الزبانية يبدأون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجياً حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم. وكان لدى المحكمة آلات تعذيبية أخرى منها آلة على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة، يلقون الضحية في التابوت، ثم يطبقونه عليه، فيتمزق جسمه إرباً إرباً، وآلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب، ثم تشد، فتقصه قطعة قطعة، وتغرز في أثداء النساء حتى تنقطع كذلك، وصور أخرى تتقزز منها النفوس، وتشمئز لذكرها. كل ما سبق جعل الناس يؤمنون بالمسيحية قسراً دون أن يتجرأ أحد على مناوءتها أو مخالفتها. أضف إلى ما سبق ما حصل من طغيان الكنيسة السياسي، حيث فرضت وصايتها على الملوك، وجعلت معيار صلاحهم معلقاً بما يقدمون للكنيسة من طاعة وانقياد. أضف إلى ذلك الطغيان المالي، ويمكن تلخيص مظاهر الطغيان الكنيسي في هذا المجال بما يلي: 1- الأملاك الإقطاعية: حيث أصبحت الكنيسة أكبر مُلاَّك الأراضي، وأكبر الإقطاعيين في أوروبا. 2-الأوقاف: فلقد كانت الكنيسة تملك المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية باعتبارها أوقافاً للكنيسة، بدعوى أنها تصرف عائداتها على سكان الأديرة، وبناء الكنائس، وتجهيز الحروب الصليبية. إلا أنها أسرفت في تملك الأوقاف حتى وصلت نسبة أراضي الكنيسة في بعض الدول إلى درجة لا تكاد تصدق. 3- العشور: حيث فرضت الكنيسة على كل أتباعها ضريبة العشور، وبفضلها كانت الكنيسة تضمن حصولها على عشر ما تغله الأراضي الزراعية، والإقطاعيات، وعشر ما يحصل عليه المهنيون وأرباب الحرف غير الفلاحين. 4- ضريبة السنة الأولى: فالكنيسة لم تقنع بالأوقاف، والعشور، بل فرضت الرسوم، والضرائب الأخرى، لاسيما في الحالات الاستثنائية؛ كالحروب الصليبية، والمواسم المقدسة، وظلت ترهق كاهل رعاياها. فلما تولى البابا حنا الثاني والعشرون جاء ببدعة جديدة هي (ضريبة السنة الأولى). وهي مجموع الدخل السنوي الأول لوظيفة من الوظائف الدينية، والإقطاعية تدفع للكنيسة بصفة إجبارية، وبذلك ضمنت الكنيسة مورداً مالياً جديداً. 5_ الهبات والعطايا: وذلك أن الكنيسة كانت تحظى بالكثير من العطايا والهبات،يقدمها الأثرياء الإقطاعيون؛ تملقاً ورياءاً، أو بدافع من الصدقة والإحسان. 6_ العمل المجاني -السخرة: وذلك بقيام بعض الناس بالعمل لخدمة الكنيسة بالمجان مدة محددة، هي في الغالب يوم واحد في الأسبوع دون مقابل. ثانياً: الصراع بين الكنيسة والعلم: فلقد قام الصراع بين الكنيسة والحقائق العلمية على أشده، فلقد كانت الكنيسة هي المصدر الوحيد للمعرفة، فلما ظهرت بعض الحقائق العلمية التي تخالف ما تقرره الكنيسة كنظرية كوبرنيق (1543م) الفلكية، ومن بعده (جردانو برونو) وغيرها من النظريات _ حصل الصراع بين الكنيسة وبين العلم، ومن هنا اصطدمت حقائق العلم بزيوف الكنيسة؛ فقامت الكنيسة بالقبض عليهم، وتكذيبهم، ومحاربة أفكارهم. ومن ثم نشأت الفكرة القائلة: إن العلم لا صلة له بالدين، وإن الدين يحارب العلم. ثالثاً: الاضطرابات والثورات التي قامت في أوروبا: كالثورة الفرنسية، وغيرها، تعد من أسباب قيام العلمانية. رابعاً: شيوع المذاهب والأنظمة الاجتماعية والنظريات الهدامة كنظرية التطور وغيرها. خامساً: الخواء الروحي عند الأوروبيين .. ذلك لأن النصرانية المحرفة لا تزكي الروح، ولا تخلص أتباعها من الأسئلة القاتلة داخل النفوس حول الكون، والإله، والمصير، وما إلى ذلك. سادساً: غياب المنهج الصحيح عن الساحة الأوروبية، وهو الإسلام. سابعاً: تقصير أمة الإسلام في أداء رسالتها تجاه البشرية. ثامناً: خلو الأناجيل المحرفة من أي تصوُّر محدد لنظام سياسي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، أو علمي. تاسعاً: المكر اليهودي الذي يحرص على إنشاء المذاهب الهدامة، أو احتوائها؛ رغبة من اليهود في إفساد البشرية وجعلها حمراً يمتطونها. كل هذه العوامل جعلت من الدين رمزاً للتسلط، والتجبر، والطغيان، والجهل والخرافة، ومحاربة العلم؛ فما الحل إذاً؟ الحل الذي ارتأوه أن الدين حجر عثرة أمام التطور، والمطلوب نبذه وإقصاؤه عن الحياة، ومن هنا قامت العلمانية. وكان جديراً بهؤلاء الذين قاوموا هذه الكنيسة أن يبحثوا عن المنهج الحق الذي يشجع العلم ولا يقف ضده، بل هو دين العلم ألا وهو الإسلام. ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، ولله في ذلك حكمة. فهذه أسباب قيام العلمانية، وتلك مسوغاتها. لعلمانية صورتان، كل صورة منهما أقبح من الأخرى : الصورة الأولى : العلمانية الملحدة : وهي التي تنكر الدين كلية: وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور، ولا تعترف بشيء من ذلك، بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين، فلا ينطلي - بحمد الله - أمرها على المسلمين، ولا يُقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفـارق دينه، ( وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف )، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب، أو السجن أو القتل. الصورة الثانية : العلمانية غير الملحدة وهي علمانية لا تنكر وجود الله، وتؤمن به إيمانًا نظريًا : لكنها تنكر تدخل الدين في شؤون الدنيا، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا، ( وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة ) من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين، فعدم إنكارها لوجود الله، وعدم ظهور محاربتها للتدين يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك. ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم، تحارب الدين حقيقة، وتحارب الدعاة إلى الله، وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين ؛ لأنها لم تظهر بالصورة الأولى، وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وسائر المسلمين، وأن يفقه الأمة في دينها حتى تعرف حقيقة هذه الأنظمة المعادية للدين. ولهذا فليس من المستبعد أو الغريب عند المسلم الفاهم لدينه أن يجد في كلمات أو كتابات كثير من العلمانيين المعروفين بعلمانيتهم ذكر الله سبحانه وتعالى، أو ذكر رسوله – صلى الله عليه وسلم - أو ذكر الإسلام، وإنما تظهر الغرابة وتبدو الدهشة عند أولئك الذين لا يفهمون حقائق الأمور. والخلاصة : أن العلمانية بصورتيها السابقتين كفر بواح لاشك فيها ولا ارتياب، وأن من آمن بأي صورة منها وقبلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله، وذلك أن الإسلام دين شامل كامل، له في كل جانب من جوانب الإنسان الروحية، والسياسية، والاقتصادية، والأخلاقية، والاجتماعية، منهج واضح وكامل، ولا يقبل ولا يُجيز أن يشاركه فيه منهج آخر، قال الله تعالى مبينًا وجوب الدخول في كل مناهج الإسلام وتشريعاته : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً}[ البقرة: 208]. وقال تعالى مبينًا كفر من أخذ بعضًا من مناهج الإسلام، ورفض البعض الآخر، {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85]. والأدلة الشرعية كثيرة جدًا في بيان كفر وضلال من رفض شيئًا محققًا معلومًا أنه من دين الإسلام، ولو كان هذا الشيء يسيرًا جدًا، فكيف بمن رفض الأخذ بكل الأحكام الشرعية المتعلقة بسياسة الدنيا - مثل العلمانيين - من فعل ذلك فلاشك في كفره. والعلمانييون قد ارتكبوا ناقضًا من نواقض الإسلام، يوم أن اعتقدوا أن هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه، وأن حكم غيره أفضل من حكمه . قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : " ويدخل في القسم الرابع - أي من نواقض الإسلام - من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سببًا في تخلف المسلمين، أو أنه يُحصر في علاقة المرء بربه، دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى ". على الرغم من أن الحضارة العلمانية الغربية قد قدمت للإنسان كل وسائل الراحة وكل أسباب التقدم المادي، إلا أنها فشلت في أن تقدم له شيئاً واحداً وهو السعادة والطمأنينة والسكينة، بل العكس قدمت للإنسان هناك مزيداً من التعاسة والقلق والبؤس والتمزق والاكتئاب، وذلك لأن السعادة والسكينة أمور تتعلق بالروح، والروح لا يشبعها إلا الإيمان بخالقها، والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4] أي جعل الطمأنينة والوقار في قلوب المؤمنين الذين استجابوا لله ولرسوله، وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما أطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت، زادهم إيماناً مع إيمانهم وكيف تنزل السكينة في قلوب أناس أقاموا حضارتهم على غير أساس من الإيمان بالله تعالى وشرعه ؟ بل الذي يحصل لهم هو مزيد من القلق والتعاسة والضيق والخوف يقول الله تبارك وتعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [ الأنعام: 125]. وبهذا يتبين لنا حالة القلق الرهيب التي تعيشها المجتمعات التي تسير على غير هدى الله وشرعه، على الرغم من تقدمها المادي، ووصولها إلى أرقى أساليب التقنية الحديثة. وهذا ما أيده الواقع الملموس في البلاد التي ابتعدت عن شرع الله، فالإنسان إنما يكون في حالة طيبة نفسياً وبدنياً عندما تقوى صلته بالله تعالى، ويلتزم بأوامره ويجتنب نواهيه.ولذلك يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "في القلب شعث - أي تمزق وتفرق - لا يلمهُ إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يُطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً" . إن إبعاد الدين عن مجالات الحياة في المجتمعات الغربية كان - ولا يزال - من أهم الأسباب التي أدت إلى الإفلاس والحيرة والضياع. وإن مما نتج عن ذلك مما هو مشاهد وملموس ما يلي: 1- الولوغ والانغماس في المشروبات الروحية والإدمان على المخدرات. 2- الأمراض العصبية والنفسية. 3- الجرائم البشعة بمختلف أنواعها كالسرقات، وال******، والشذوذ الجنسي، والقتل وغيرها. 4- تأجيج الغرائز الجنسية بين الجنسين. 5- انتشار الأمراض المخيفة كالزهري، والسيلان، وأخيراً يبتلي الله تلك المجتمعات بالطاعون الجديد وهو مرض "الإيدز". 6- الانتحار. إن الغرب يعيش حياة الضنك والقلق، فلا طمأنينة له ولا راحة، ولا انشراح لصدور أهله، بل صدورهم في ضيق وقلق وحيرة، وما ذلك إلا لضلالهم وبعدهم عن الله، وإن تنعموا ظاهراً في الحياة الدنيا. قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [ الروم:7]. ما أكثر المغالطات التي توجه إلى خلط المفاهيم إما عن جهل بالحقائق وإما عن معرفة وطوية مبيتة شريرة. ومن العجيب حقاً أن يتبجح مُنشئوا العلمانية بأنها حرب على الأديان وتذويب للمجتمعات في بوتقة اللادينية، ثم يأتي بعد ذلك من يحاول تغطية هذا المفهوم الواضح فيدَّعي التوافق بينها بحجة أن العلمانية والدين يجتمعان في الحث على نبذ التأخر – حسب مفهومهم – وعلى الحث على العلم والاكتشافات والتجارب، والدعوة إلى الحرية، أو أن العلمانية تخدم جوانب إنسانية بينما الدين يخدم جوانب إلهية.. إلخ تُرهاتهم، ولنا أن نقول للمغالطين أن العلمانية لم تظهر في الأساس إلا بسبب الخلافات الشديدة بين دينهم وبين علمانيتهم، وإلا فما الذي أذكى الخصومة بين الدين والعلمانية عندهم؟ نعم إن الدين الصحيح يدعو إلى نبذ التأخر والأخذ بالعلم ومعرفة الاكتشافات والبحث والتجارب ويدعو إلى الحرية، لكنه لا يجعل تلك الأمور بديلاً عن الخضوع للتعاليم الربانية أو الاستغناء عنها وإحلال المخترعات محل الإله عز وجل، بل يحكم على كل من يعتقد ذلك بالإلحاد ومحاربة الدين علناً، وهو ما سلكته العلمانية بالنسبة لنبذها للدين. والدين الصحيح لا يفصل بين السياسة والحكم بما أنزل الله تعالى، ولا يجعل قضية التدين قضية شخصية مزاجية، ولا يبيح الاختلاط ولا السفور وإعلان الحرب على القيم والأخلاق، بينما العلمانية لم تقم في الأساس إلا على تكريس البعد عن الدين – النصراني – وإباحة الشهوات بكل أشكالها. فأي وفاق بينهما؟ ! ! كذلك فإن الدين لا يبيح لأي شخص أن يُشرَِّع للناس من دون الله تعالى، ولا أن يتحاكموا إلى غير شرع الله تعالى، وهذا بخلاف العلمانية، كما أن التوافق بين شيئين في بعض الجوانب لا يجعلهما متماثلين حتماً. أما هل يوجد وفاق بين الإسلام بخصوصياته وبين العلمانية ؟ فإنها إذا كانت العلمانية لا تتوافق مع بعض المذاهب الوضعية الجاهلية وتقف ضد نفوذها، أفيمكن أن تتوافق مع الإسلام بخصوصه، إن الذين يتصورون ذلك لا يحترمون عقولهم ولا مشاعر الآخرين، أليس الإسلام هو العدو اللدود لجميع الجاهليات مهما اختلفت أسماؤها في حزم وصرامة دون أي تحفظ لا يختلف في ذلك مسلمان؟ وكيف تتفق العلمانية على الشرك بالله عز وجل، وبين الإسلام القائم على عبادة الله وحده لا شريك له ذلاً وخضوعاً وحكماً في كل شيء. لقد قامت العلمانية من أول يوم على محاربة الدين وعدم التحاكم إليه، و على الخضوع لغير الله تعالى إما الطبيعة وإما في عبادة بعضهم بعضاً بعد أن ابتعدوا عن الدين وعن الخضوع لرب العالمين وأشركوا معه سبحانه فئة من البشر يسمونهم بالمشرعين أو القانونيين، ويقدمون كل ما يقرره هؤلاء وينفرون عن ذكر الشريعة الإلهية والرسل والرسالات لأنها بزعمهم لا تقدم الحلول الناجحة كالتي اخترعوها، متناسين هذه الفوضى الفكرية والأخلاقية والاقتصادية.. الخ، الفوضى التي تعيشها المجتمعات العلمانية ونقضها اليوم ما أثبتته بالأمس {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء:82]. ولعل الذي حمل بعض القائلين بأن العلمانية لا تحارب الدين ما يرونه من عدم تعرض العلمانيين لسائر أهل العبادات بخلاف النظام الشيوعي، ولكن يجب أن تعرف أن أساس العلمانية لا ديني، ولعل تركهم لأهل العبادات إنما هي خطة أو فترة مؤقتة. مما لا يصح أن يختلف فيه اثنان أن العالم الإسلامي ليس بحاجة إلى العلمانية بجميع صورها وأشكالها، وذلك لأمور كثيرة، من أهمها: 1- كمال الدين الإسلامي: وقد شهد بذلك أصدق القائلين ورب العالمين، عالم الغيب والشهادة، فقد قال في كتابه الكريم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)). فالإسلام دين كامل ونعمة تامة رضيه الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اتضح بما لا شك فيه حتى عند أعداء الإسلام أن هذا الدين هو الدين الصحيح والمنهج السليم لسعادة البشرية وتحقيق آمالهم في الحياة السعيدة والأمن والأمان، قال الفيلسوف "برناردشو": إني أعتقد أن رجلاً كمحمد لو تسلَّم زمام الحكم المطلق في العالم أجمع لتم له النجاح في حكمه ولقاده إلى الخير ولحلَّ مشاكله على وجه يكفل للعالم السلام والسعادة المنشودة".. وقد جربه المسلمون حينما كانوا يطبقونه قولاً وعملاً، فكانوا سادة العالم والمنقذين للبشرية من الجهل والخرافات والظلم والتوجه الحق لعبادة فاطر السماوات والأرض ونبذ عبادة من عداه، ولهذا ولغيره فإنه لا يوجد أدنى مبرر لأي مسلم أن يُعرض عنه ويتخذ العلمانية اللادينية الجاهلية عقيدة ومنهجاً له إلا مَن سفه نفسه، ومن المؤسف أن يتكاثر السفهاء ممّن ينتمون إلى الإسلام للتهافت على موائد العلمانية القذرة وأن يزجوا بأنفسهم في الظلمات بعد أن وصلوا إلى النور وأن ينحدروا إلى الهاوية بعد أن وصلوا إلى قمة الأمان، وكأنهم لم يسمعوا بأنين أصحاب الحضارات الجاهلية والظلم الفادح الذي يتجرعون غصصه والخوف الشديد الذي يعيشونه، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً، وكأنهم لم ينتفعوا بما جرَّبه غيرهم من طلب العز بغير الإسلام وما وصلوا إليه من الذل والحقارة. ومن كمال الإسلام أنه لم يدع أي أمر يحتاج الناس إليه إلا وبينَّه أتم بيان وأوضح حكم سواء أكان ذلك في الاعتقادات أو في المعاملات، ويطول الكلام لو أردنا أن نستقصي أمثلة ذلك، بل يحتاج إلى دراسة خاصة، كما يلاحظ القارئ الكريم من خلال جهود علماء المسلمين قديما وحديثاً في بيانهم لكل ذلك على هدى من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تجد ذلك الشمول في الإسلام لجميع جوانب الحياة عقيدة وسلوكاً في كل ما يتعلق بحياة الناس الدينية والدنيوية، وعلى سبيل المثال انظر بيانه للشرك وأقسامه، والتوحيد وأقسامه، وتثبيت المراقبة الذاتية في قلب كل مسلم، والحث على الإخلاص في كل شأن وحسن المعاملة وتثبيت الفضائل والتنفير عن الرذائل والأحكام الصالحة لكل زمان ومكان، والتكافل الاجتماعي الحقيقي والمساواة بين الناس. فلم يخلُ أي جانب من جوانب الأعمال القلبية والحسية من وقوف الإسلام عنده وبيانه بصورة واضحة ترغيباً وترهيباً. تجد فيه التنفير عن الرياء والغلظة والحسد والنفاق والكبر وسوء الظن والكذب والبهتان والغيبة والنميمة وشهادة الزور والغش وقذف المحصنات الغافلات وظلم النفس وظلم الآخرين وعدم الرفق بالإنسان أو الحيوان وتحريم غمط الناس وإخلاف الوعد.. إلى آخر الصفات فتنشأ في النفس المراقبة الذاتية لله تعالى التي ينتج عنها الإخلاص الذي هو مصدر كل خير وينتج عنها الخوف من الله تعالى، بينما هذه الصفات مفقودة في العلمانية، وفاقد الشيء لا يعطيه. ولهذا نجد أن الجرائم في العالم العلماني منتشرة بشكل مخيف دون أن تجد لها الأحكام الرادعة في غياب الخوف من الله تعالى وعدم مراقبته، فلا تجد فيها الدعوة إلى التواصل والتراحم والعطف على الضعفاء والمساكين وصلة الرحم وحسن الجوار والمعاملة بالتي هي أحسن، كما يظهر فيها النقص الواضح في قضايا المعاملات سواء كانت في البيوع أو النواحي الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية وسائر المعاملات، فلا يوجد ذلك الإحساس الطيب بين الفرد ونفسه وبينه وبين قرابته، وبينه وبين سائر المجتمع، وعلى هذا فإننا نقول وبكل تأكيد واطمئنان أنه لا توجد أي حاجة أو مبرر للالتفات إلى الجاهلية العلمانية وقوانينها البشرية القائمة على التناقض والاضطراب، بل ليس فيها ما يغري بها عند أصحاب العقول والهمم الرفيعة طلاب الحق والمعرفة. 2- لأنها لا تتفق مع الإسلام، وقد سبق الرد على من زعم وجود التوافق بينهما. 3- ولأنها لا تصل إلى بلد إلا وأنتجت من الشقاء والفوضى في الحكم والأخلاق والقيم وسائر السلوك ما لا يعلمه إلا الله تعالى. 4- ولقد ثبت فشلها في إسعاد المجتمعات التي ابتُليت بها، فلماذا يجربها من ليس في حاجة إلى شيء من تعاليمها، ولماذا يدخل نفسه في شقاء لا مبرر له، والعاقل من اتعظ بغيره. 5- ولأن المسلم لا يجوز له الشك في صحة تعاليم الإسلام الحنيف، ولا أن يفضل القوانين الوضعية على الشريعة الإسلامية. 6- ولأن وجودها في أوربا وفي سائر المجتمعات الجاهلية كان له ما يبرره لفساد الحال فيها كما تقدم، بخلاف الأوطان الإسلامية التي أشرقت تعاليم الإسلام بها. 7 – ولأن عقيدة الإسلام واضحة تمام الوضوح في بيان أمر الألوهية والنبوات وكل ما يتعلق بأمر البشر والتشريع، فالله تعالى واحد لا شريك له {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:3-4] والأنبياء بشر أرسلهم الله ليسوا بأبناء الله تعالى ولا شركاء له، والبشر كلهم عبيد لله تعالى {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا} [النساء:172] والتشريع كله لله تعالى الذي لا محاباة فيه ولا مجاملة لأحد على حساب أحد كما هو حال القوانين الوضعية. 8- ليس في الإسلام حجر على أي شخص أن يتصل بربه مباشرة وبلا واسطة، إذ الكل عبيد له سبحانه، أقربهم إليه أتقاهم له، بخلاف ما كانت عليه الكنيسة إذ لا وصول فيها إلى الله تعالى إلا من خلال رجال الدين الرهبان والقسس الذين هم نواب عن المسيح الرب ويمثلونه – بزعمهم – مما أثار ثائرة المفكرين الغيورين على مستقبل حياتهم وحياة أبنائهم. 9- ليس في الإسلام رجال دين ورجال دنيا، أو رجال تشريع وقانون، أو رجال طبقات مسخرة، وغير ذلك من أوضاع الجاهلية، فالناس في الإسلام كلهم في درجة واحدة في الأصل والتكليف لا يتفاضلون إلا بعلمهم وعملهم الصالح، فلا مزية بينهم إلا في هذا الميدان، وبالتالي فلا يوجد فيه ما يبرر وجود تلك العداوات والعنصريات التي توجد في النظم الجاهلية العنصرية. 10- الإسلام يحترم العلم ويحث على طلبه بكل الوسائل كما يحترم العلماء ويثني عليهم {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر:28] {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:9]، وميدان العلم في الإسلام فسيح يشمل كل جوانب المعرفة، سواء ما يتعلق منها بالدين ومعرفته أو بالأمور الدنيوية ومعرفتها من طب وزراعة وتجارة وصناعة وغير ذلك، بينما في الديانة النصرانية لا علم إلا ما أشار إليه الكتاب المقدس، ولا حق إلا ما تفوَّه به رجال الدين مهما كان الأمر، ومن هنا كان العلم عند المسلمين يدعو إلى الإيمان، بخلاف ما عند النصارى ورجال العلمانية المحاربين للدين باسم العلم. ومن الغريب أن تجد في العالم الغربي اللاديني أن الذين ينادون بالعلمانية اللادينية هم أنفسهم الذين يساعدون الاتجاه الديني عند النصارى في دعم التنصير والاستشراق، وهم الذين يمدون الكنائس بالأموال السخية في سبيل نشر الفكر الغربي، بينما العلمانية في البلاد الإسلامية أُريد لها أن تقوم على قطع كل صلة للمسلم بدينه، إذ كانت القسمة هكذا إما أن تكون شخصاً علمانياً مثقفاً متطوراً، وإما أن تكون دينياً جامداً متخلفاً، ومن هنا نشأ بُغضُ الدين الإسلامي في قلوب الحمقى ممن ركن إلى هذه الخدع الإجرامية الغربية النصرانية، فلماذا لم يظهر هذا التمايز اليوم بصراحة في الغرب النصراني الذي تسلل إلى زعامته كبار المنصرين، والذي اتخذ من التنصير والاستشراق ستارا كثيفاً بسط نفوذه في العالم الإسلامي. لماذا أصبح المندهشون من الحضارة الغربية وهم ينتسبون إلى الإسلام يستحي أحدهم أن يقول أنا متطور ومثقف ومسلم في آن واحد، وديني هو الدين الذي دعا إلى العلم وعزَّز القائمين عليه وأكرمهم غاية الإكرام. و في كل ما تقدم وغيره عظة لكل عاقل، إذ يزداد المؤمن إيماناً بدينه وبنبيه صلى الله عليه وسلم، ويعرف أهداف العلمانية وما تسعى إليه من حرب الإسلام والمسلمين وسائر السلوك الحسن. تكونت العديد من الأحزاب والتجمعات العلمانية أو المتأثرة بها في الوطن العربي خلال القرن العشرين، وانتهت إلى الفشل الذريع في تحقيق الديمقراطية وحرية الرأي والتقدم التكنولوجي والغنى وحقوق الإنسان وهذا لا يمنع تحقيقها لبعض الإنجازات وتحقيق بعض الإنجازات لا يعني أنها ناجحة فلا يوجد شيء شر كله إلا نار جهنم واستخدمت كلمة متأثرين بالعلمانية لأن أغلب هذه الأحزاب لم تعلن تبنيها للعلمانية ولكنها عاشت بطريقة علمانية بعيدة عن الإسلام وأهدافه وعلمائه. وتعاملت مع الواقع من خلال منهج يتعامل مع الشعارات الوطنية وأهداف الحرية والمساواة والعدل والتحرير والخطابات الحماسية وترك الأمور للقيادة السياسية للحزب أو حتى للفرد الأول في الحزب سواء كان حاكما أو معارضا وجاءت نهاية هذه الأحزاب في الغالب بأيدي أصحابها نتيجة تبنيهم للعلمانية، أو تأثرهم بها، فهم مختلفون حتى ولو اتفقوا على بعض الأهداف العامة والتي عادة لا يختلف معها أي مخلص كاستقلال الأوطان وإنصاف الفقراء أو غير ذلك وهذا أدى من أول الطريق إلى ظهور الاختلافات الكثيرة الفكرية والسياسية بين العلمانيين في التعامل مع الواقع والأحداث مما أوجد الصراع والانشقاقات والتصفيات بين أعضاء الحزب الواحد لأن الأحزاب العلمانية لا تتبنى عقيدة أن القتل حرام، أو السجن بلا ذنب حرام حتى في التعامل مع المنتمين لها، وليس لها مبادئ أخلاقية هي ملتزمة بها بل كل صفحات الأخلاق غير موجودة في أدبيات هذه الأحزاب أو توجهاتها فقد أصبح أصحابها إما قاتلا أو مقتولا أو هاربا أو معزولا وانتهى الأمر فيها إلى تحكم فردي أو عائلي أو عشائري أو عسكري أو تحالف مع أجانب أو منافقين وأصبح هدفها الوحيد البقاء في المناصب وفتنة المناصب والمال فتنة عظيمة واقرءوا إن شئتم اعترافات كثيرة لأفرادها في مقالات ومقابلات وكتب لتقتنعوا بأن الرابطة العلمانية ضعيفة وأن العلمانية هي منبع الضعف والاختلاف والجهل والضياع، ولتقتنعوا أن الشعوب لم تتجاوب مع هذه الأحزاب إلا في حالات محدودة وهو تجاوب مع مصلحة الأوطان أكثر من أي شئ آخر ولتقتنعوا بأن هذه الأحزاب أصبحت فعليا نموذجا مثاليا للاستبداد والضعف والنفاق والغموض وانتهاك حقوق الإنسان وفشلوا أيضا اقتصاديا، وأصبحت دولهم من أكثر الدول فقرا وتخلفا، وانتشرت فيها الرشاوى والسرقات ولم يقتصر فشل الأحزاب العلمانية داخل أوطانها بل أيضا اختلفت وتصارعت مع جيرانها أحيانا كثيرة، وساهمت في تطوير الإنتاج العالمي بمصطلحات جديدة للشتم والسخرية والانهزامية، وهذا وغيره جعل المواطن العربي العادي يترحم على أيام الاستعمار، وعلى أنظمة قديمـــة اتهمت بالرجعية والعمالة قــال الدكتور فؤاد زكريا عما حــدث في الثمانينات من القرن العشرين (فإن التقدميين، والديمقراطيين، والعلمانيين، لم يكن لهم دور في هذا التحريك المفاجئ للأحداث بل كان يبدأ في الوقت الذي حدثت فيه المفاجأة أنهم وصلوا إلى طريق مسدود لا مخرج منه). وما أكثر ما ينتقد العلمانيون العرب دولنا العربية والإسلامية وتاريخنا وشريعتنا، ونقول لهم بأن البديل الذي تسعون إليه تم تطبيقه في الغرب والشرق وأثبت فشله واضحا في حروب عالمية، وشهوات ومخدرات وشقاء شخصي وتعاسة أسرية، وما تدعون إليه تم تطبيقه في العديد من الدول العربية خلال القرن العشرين وفشل فشلا ذريعا، وليس هدفنا إحراج أحد بذكر أمثلة تفصيلية فالمتأمل في واقع بعض الدول العربية يقتنع بذلك، وهذه تجارب واقعية، وكان كثير من قياداتها مخلصون وصادقون ولكن حققوا الفشل الكبير !!. لماذا أيها العلمانيون الجدد تريدون تكرار نفس الخطأ؟ لماذا لا تسألون العلمانيين القدماء أو من تأثر بالعلمانية لماذا فشلتم؟ لماذا لم تطبقوا الديمقراطية؟ لماذا لــم تفتحوا الأبواب للحرية؟ لماذا لم تحققوا التقدم الاقتصادي؟ ولماذا لم تسألوهم لماذا تصارعتم واختلفتم ولجأتم للقتل والتعذيب والسجن فيما بينكم وفي تعاملكم مع الشعوب؟ ومشكلة العلمانيين الجدد أنهم لا يعتبرون أي نظام عربي قديم أو حديث يمثلهم سواء كان رأسماليا، أو اشتراكيا، أو شيوعيا، أو عرقيا، أو غير ذلك، هم فعلا يتكلمون عن سراب وأحلام وأوهام وظنون وتوقعات لأن ما يريدون لم ينجح أحد في تطبيقه ومع هذا يصرون عليه. وهــم يفعلون ذلك لأن الله أعمى بصائرهم، وهـم يفعلون ذلك لأن مـــن طبيعتهم الاختلاف حتى مع أنفسهم وأساتذتهم، فكلما جاءت أمة لعنت أختها. أتمنى أن يستمعوا لما نقول لهم ولا يضعوا أصابعهم في آذانهم!!... قولوا لنا: لماذا انتهيتم إلى جزر معزولة وأفراد يائسين ومتذمرين وقلقين ؟ وقولوا لنا كم من فتنة سياسية وفكرية كنتم أنتم وراءها ؟ وكم من الاختلاف والتنافر والغضب زرعتموه في الشعوب ؟ ويا ليتكم تؤمنون بالديمقراطية وتحتكموا للشعوب، وإذا فعلتم ذلك فلن تجدوا تأييد لكم فاقتنعوا بحكم الشعوب و وفروا جهودكم. ونحن أمة ذات عقيدة إسلامية، وذات فكر صحيح و واقعي ومعتدل، أخرج الله سبحانه وتعالى البشر به من الظلام إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، وهو الفكر الذي جاء به الأنبياء جميعا وسار عليه الصالحون في كل زمان ومكان، ودخلت علينا في القرن العشرين عقائد علمانية تريد أن تغير عقائدنا، ومبادئنا، فتتهمنا بالتخلف والرجعية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتأثر بعض شبابنا بالأفكار العلمانية خاصة منهم من درس في أمريكا وأوربا فعادوا ليشعلوا الفتنة في الأمة، وكان شيئا طبيعيا أن يغضب كــــل مسلم واع مــن هؤلاء، ويدخل في صراع معهم لأن مكانة الإسلام عندنا مقدسة، ولأننا أمة نكره الكفر والشرك، ونريد أن نحاربه أينما وجد فكيف نرضى به في أرضنا؟! وسيكون الفكر الإسلامي هو المنتصر إن شاء الله سواء كان الحسم سلميا أو عنيفا ليس فقط لأن المسلمين أصبحوا يزدادون كل يوم في وعيهم وثقافتهم وخبرتـهم السياسية والإدارية بــل أيضا لأن العلمانيين بحكم طبيعة الفكر العلماني متفرقون ومتناقضون وانعزاليون ويتصارعون فيما بينهم، واتفاقاتهم سطحية وكثير منهم تركوا " النضال " وقضايا الإصلاح واكتفوا بالتنظير والكلام والجدل وتوزيع الاتهامات، فليست لديهم قواعد شعبية، ولا بناء فكري واضح، ولم يعودوا يمثلون للشعوب القدوة في الشجاعة والتضحية والوعي والعلم !!. قد يدري العلمانيون أو من تأثر بالعلمانية والأغلب أنهم لا يدرون أنهم أحد أكبر أعداء شعوبنا وأمتنا لأنهم أشعلوا كثيرا من الفتن العقائدية والسياسية والاجتماعية مما أدى إلى تفرق أمتنا وشعوبنا إلى أفراد وجماعات وحكومات وتجمعات متناقضة ومتنافرة والتفرق هو العمود الفقري للضعف والهزيمة والتخلف. قال تعالى: {وأطيعوا الله ورسولــه ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال:46]وإليكم الأدلة: 1- مطالبات العلمانيين بحرية التهجم على الدين، وفصل الدين عن الدولة، ورفض تطبيق الشريعة، وحماية الروايات الجنسية (بحجة الإبداع الأدبي)، وتقليد الغرب في بعض عقائده وعاداته واحتفالاته.. إلخ أدت إلى فتن عقائدية واجتماعية والى إشغال الشعوب بقضايا محسومة، ومن المعروف أن الاختلاف العقائدي هو أكثر الأنواع تدميراً للوحدة الشعبية، وأكثرها زرعاً للكراهية والتنافر، وتم استغلال هذه الاختلافات من بعض من فسدت ضمائرهم وأخلاقهم، فزادوا في انحرافاتهم واعتداءاتهم على مصالح الوطن والأمة، وأحب أن أذكر أن العلمانيين العرب الحقيقيين قلة قليلة وضعيفة جداً، ولكنهم نجحوا في الهدم وإثارة الشبهات والتشويش على أبصار وعقول فئات أخرى نتيجة جهل الشعوب، وضعف وعيهم واتصالاتهم، فإذا كنا كمسلمين عرفنا بفضل الله سبحانه وتعالى الحق من الباطل، والهداية من الضلال في القضايا العقائدية والتشريعية، فإن العلمانيين يريدون أن نقف ونفكر ونتساءل أين الحق وأين الباطل؟ وما هي الحرية؟ وما هو العدل؟ وهذا بحد ذاته فتنة ناهيك عن إضاعة الجهد والوقت. 2- لازال وسيبقى العلمانيون ضعيفين فكرياً وسياسياً، فهم أولاً قليلو العدد، وثانياً متناقضون فكرياً وسياسياً، وفيهم الرأسمالي والاشتراكي والشيوعي وغير ذلك، وأحياناً يسمون القوى المتحالفة غير الدينية، وهذا الضعف انعكس في قدراتهم على تحقيق إنجازات طيبة سواء على مستوى الحكومات، أو الأحزاب، أو حتى النقابات والاتحادات الطلابية. ومن وصل منهم إلى الحكم فشل فـــي تحقيق الإنجازات الطيبـــة مــــع ضخامة الموارد التي كانت تحت سيطرتهم سواء كانت بشرية أو مادية. ولا شك أن الضعف الفكري والسياسي سيحد كثيراً من القدرة على وضع رؤية للإصلاح، ووضع الخطط الاستراتيجية والشاملة للتنمية. ومعرفتهم بضعفهم جعلتهم يبحثون عن أي "قوة" ليستفيدوا منها في إعطاء وزن لهم، ولهذا وجدناهم يتحالفون مع حكومات اشتراكية ويسارية، ثم مع حكومات يمينية، وكانوا ضد أمريكا، واليوم أغلبيتهم معها فكرياً وسياسياً، ولم يمانعوا أن تستند قوتهم على أعراق معينة، أو تكتلات سياسية، أو حتى شعارات فكرية، فالمهم أن يبقوا ويعيشوا حتى ولو تنكروا لبديهيات مبادئهم المحدودة، وهذا التقلب أفقد الناس الثقة بهم، كما أدى إلى فتن وضبابية إلى درجـــة أننا لــم نعد نعرف من يحارب من؟! وماذا يريد هذا أو ذاك؟! ومـــن هو عدو الأمة ومن هو صديقها ؟! 3- قدرة العلمانيين الكبيرة لأنهم أبناء الفلاسفة في توجيه الاتهامات، وإثارة الشكوك مما جعلهم يتهمون الحكومات والجماعات والأحزاب والأفراد بتهم متنوعة، فهذا متطرف، وهذا عميل، وهذا ضعيف، وهذا حرامي، وهذا كذاب، وهذا أحمق، وهذا إرهابي، وهكذا.. فحتى الأعمال الخيرية لم تسلم من تشويه أهدافها مع أن أعمالها ظاهرة جداً في كفالة الأيتام، ومساعدة الفقراء، وبناء المدارس والمستوصفات والمساجد، ولم يقتصر التشكيك على الواقع ومن فيه بل امتد حتى تاريخنا، وأخذوا يكذبون كل ما فيه من إيجابيات، ويصدقون كل ما كتب عنه من سلبيات، بل يضيفون لها سلبيات جديدة، ولو صدقنا هذه الاتهامات لفقدنا ثقتنا في كثير مما في واقعنا من حكومات وتجمعات وأفراد ومؤسسات، ولتركنا العمل، وتقاعسنا عن المشاركة في البناء، ومن جهل العلمانيين ظنهم أن هذه الاتهامات لن يكون لها نتائج مريرة تفسد الود والوحدة والاحترام والتفاؤل، ومن طبيعة البشر أن يكرهوا من يتهمهم حتى ولو كان صادقاً، فكيف لو كان كاذباً أو جاهلاً يتبع الظنون؟ وكثيرا ما يكون الكلام أشد فتكاً في النفوس والشعوب من الرصاص، ويشعل من الكراهية والعنف الشيء الكثير، ويؤدي إلى التفرق والضعف، ونحن لسنا ضد الحوار العلمي الهادئ الباحث عن الحق والموضوعية والاعتدال ولكننا ضد اتهامات كاذبة وباطلة لعقائدنا وقيمنا وتاريخنا. 4- قال الدكتور فؤاد زكريا "أما التجارب التاريخية، فلم تكن إلا سلسلة طويلة من الفشل إذ كان الاستبداد هو القاعدة والظلم هو أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم والعدل والإحسان والشورى وغيرها من مبادئ الشريعة لا تعدو أن تكون كلاماً يقال لتبرير أفعال حاكم يتجاهل كل ماله صلة بهذه المبادئ السامية". أي قارئ لهذا الكلام سيصاب باليأس والتشاؤم إذا صدقه، ولكن الحقيقة غير ذلك فقد حققنا سلاسل من النجاح فأنشأنا دولا عظمى، وحققنا الوحدة السياسية لعالمنا العربي عدة مرات، وحققنا كثيرا من العدل والرحمة والشورى..الخ وحققنا انتصارات عسكرية وتطوراً اقتصاديا وعلميا وثقافيا، فالخلافة العثمانية كانت دولة عظمى لعدة قرون، وغير ذلك كثير، فهل حققنا هذا من خلال الاستبداد والظلم!! ولا شك أن الشورى طبقت مرات كثيرة، وكذلك العدل، وأغلب دولنا كانت العلاقة فيها طيبة بين الحكومات والشعوب وكان هناك مبادئ وأعراف تفرض العدل والاحتكام إلى الشريعة، وكلنا يعرف أن التكافل الاجتماعي قوي في المجتمع المسلم، ومن المعروف أن الإنجازات الطيبة التي تم تحقيقها كثيرة في عصرنا الحالي، ولكن العلمانيين يشككون فيها، أو في أصحابها، فهم يحطمون الأمة باليأس، ولاشك أن الهزيمة النفسية هي من أخطر أعداء الأوطان والأمم، فهي أخطر من الهزائم العسكرية والتخلف التكنولوجي والفقر، ويريد منا أعداؤنا أن نيأس وأن يشك بعضنا في بعض وهذا ما يفعله العلمانيون، بل وما يصرون عليه حتى لا تكاد تجدهم يمدحون أحدا في الأمة، وأمة لا تثق في حكوماتها وعلماء الإسلام وقيادتها لا شك أنها أمة ستبقى ضعيفة، فلابد أن نحذر من البيئة الملوثة التي صنعها العلمانيون فقتلت الحماس والبناء، والعلمانيون هم طابور خامس من حيث يدرون أو لا يدرون.!! قد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم .. وهاهي بعض الثمار الخبيثة للعلمانية: 1- رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة، والاستعاضة عن الوحي الإلهي المُنزَّل على سيد البشر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، بالقوانين الوضعية التي اقتبسوها عن الكفار المحاربين لله ورسوله، واعتبار الدعوة إلى العودة إلى الحكم بما أنزل الله وهجر القوانين الوضعية، اعتبار ذلك تخلفًا ورجعية وردة عن التقدم والحضارة، وسببًا في السخرية من أصحاب هذه الدعوة واحتقارهم، وإبعادهم عن تولي الوظائف التي تستلزم الاحتكاك بالشعب والشباب، حتى لا يؤثروا فيهم. 2- تحريف التاريخ الإسلامي وتزييفه، وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية، على أنها عصور همجية تسودها الفوضى، والمطامع الشخصية. 3- إفساد التعليم وجعله خادمًا لنشر الفكر العلماني وذلك عن طريق: أ - بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ، والطلاب في مختلف مراحل التعليم. ب - تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن. جـ - منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم. د - تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني، أو على الأقل أنها لا تعارضه. هـ - إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس، ومنعهم من الاختلاط بالطلاب، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش. و - جعل مادة الدين مادة هامشية، حيث يكون موضعها في آخر اليوم الدراسي، وهي في الوقت نفسه لا تؤثر في تقديرات الطلاب. 4- إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة، وهم المسلمون، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد، وصهر الجميع في إطار واحد، وجعلهم جميعًا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر، وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان. فالمسلم والنصراني واليهودي والشيوعي والمجوسي والبرهمي كل هؤلاء وغيرهم، في ظل هذا الفكر بمنزلة واحدة يتساوون أمام القانون، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني. وفي ظل هذا الفكر يكون زواج النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الشيوعي بالمسلمة أمرًا لا غبار عليه، ولا حرج فيه، كذلك لا حرج عندهم أن يكون اليهودي أو النصراني أو غير ذلك من النحل الكافرة حاكمًا على بلاد المسلمين. وهم يحاولون ترويج ذلك في بلاد المسلمين تحت ما سموه بـ ( الوحدة الوطنية ). بل جعلوا ( الوحدة الوطنية ) هي الأصل والعصام، وكل ما خالفوها من كتاب الله أو سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - طرحوه ورفضوه، وقالوا : (هذا يعرض الوحدة الوطنية للخطر !! ). 5- نشر ال*****ة والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية، وتشجيع ذلك والحض عليه : وذلك عن طريق : أ - القوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها، وتعتبر ممارسة الزنا والشذوذ من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة. ب - وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة، ونشر الرذيلة بالتلميح مرة، وبالتصريح مرة أخرى ليلاً ونهارًا. جـ - محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات. 6- محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق : أ - تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية، والشريعة الإسلامية. ب - إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف، ولتحريف معاني النصوص الشرعية، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يُبصِّرون الناس بحقيقة الدين. 7- مطاردة الدعاة إلى الله، ومحاربتهم، وإلصاق التهم الباطلة بهم، ونعتهم بالأوصاف الذميمة، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكريًا، ومتحجرة عقليًا، وأنهم رجعيون، يُحاربون كل مخترعات العلم الحديث النافع، وأنهم متطرفون متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور، بل يتمسكون بالقشور ويَدعون الأصول. 8- التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية، وذلك عن طريق النفي أو السجن أو القتل. 9- إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله، ومهاجمتها واعتبارها نوعًا من أنواع الهمجية وقطع الطريق. وذلك أن الجهاد في سبيل الله معناه القتال لتكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا يكون في الأرض سلطان له القوة والغلبة والحكم إلا سلطان الإسلام، والقوم - أي العلمانيين - قد عزلوا الدين عن التدخل في شؤون الدنيا، وجعلوا الدين - في أحسن أقوالهم - علاقة خاصة بين الإنسان وما يعبد، بحيث لا يكون لهذه العبادة تأثير في أقواله وأفعاله وسلوكه خارج مكان العبادة. فكيف يكون عندهم إذن جهاد في سبيل إعلاء كلمة الدين ؟!! والقتال المشروع عند العلمانيين وأذنابهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض، أما الدفاع عن الدين والعمل على نشره والقتال في سبيله، فهذا عندهم عمل من أعمال العدوان والهمجية التي تأباها الإنسانية المتمدنة !! 10- الدعوة إلى القومية أو الوطنية، وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس أو اللغة أو المكان أو المصالح، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع، بل الدين من منظار هذه الدعوة يُعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق، حتى قال قائل منهم : ( والتجربة الإنسانية عبر القرون الدامية، دلَّت على أن الدين - وهو سبيل الناس لتأمين ما بعد الحياة - ذهب بأمن الحياة ذاتها ). هذه هي بعض الثمار الخبيثة التي أنتجتها العلمانية في بلاد المسلمين، وإلا فثمارها الخبيثة أكثر من ذلك بكثير. والمسلم يستطيع أن يلمس أو يدرك كل هذه الثمار أو جُلها في غالب بلاد المسلمين، وهو في الوقت ذاته يستطيع أن يُدرك إلى أي مدى تغلغلت العلمانية في بلدٍ ما اعتمادًا على ما يجده من هذه الثمار الخبيثة فيها. لماذا نرفض العلمانية .. ؟! 1- أن الشرع لله ابتداء، وأن شريعة الله هي العليا.. وأن مقتضى ذلك ألا يكون معها شريعة أخرى، وإلا فمعنى ذلك هو الشرك، واتخاذ الآلهة مع الله، والعبادة للأرباب المتفرقين. 2- إن العلمانية تحل ما حرم الله، وتحرم ما أحل الله، وقبول التحليل والتحريم من غير الله كفر وشرك مخرج من الملة، فلا بد لنا من رفض العلمانية لنحقق لأنفسنا صفة الإسلام. 3- إن العلمانية ليست معصية ولكنها كفر بواح، وقبول الكفر والرضا به كفر.. ولذلك فلا بد لنا من رفض العلمانية وعدم الرضا بها لنبقى في دين الله، ونحقق لأنفسنا صفة الإسلام. 4- إن الأنظمة العلمانية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة والتحاكم إلى إرادة الأمة بدلاً من الكتاب والسنة ـ هذه الأنظمة ـ تفتقد الشرعية وموقف المسلم منها يتحدد في عبارة واحدة .. إنه يرفض هذه الأنظمة، ويرفض الاعتراف لها بأيّ شرعية. 5- إن العلمانية هي أقصى درجات التخلف العقيدي، والذي تنشأ منه كل ألوان التخلف الأخرى.. وهذا التخلف يولّد احتياجاً، والاحتياج يولد تبعية.. ولذلك فنحن نرفض العلمانية لأنها سبب التخلف والتبعية. 6- إن العلمانية يحكم في ظلها الأراذل والعملاء، وينتج عنها ظواهر اغتراب، وفقدان انتماء، فيؤدي ذلك إلى استنزاف الطاقات، وضياع الجهود، وفساد عريض.. ولذلك فلا بد أن نرفض العلمانية ليسقط حكم الأراذل والعملاء، ويتولى أولوا الألباب قيادة الأمة، فيكون ميلاداً جديداً للأمة الإسلامية، التي تستطيع أن تثب الوثبة القوية، وتنطلق الانطلاقة الواسعة، وتحطم الأغلال التي وضعها الأعداء على المارد الإسلامي. |
#396
|
|||
|
|||
دعاة الليبرالية
دعاة الليبرالية الليبرالية مصطلح أجنبي معرب مأخوذ من (Liberalism) في الإنجليزية، و (Liberalisme) في الفرنسية، وهي تعني " التحررية "، ويعود اشتقاقها إلى (Liberaty) في الإنجليزية أو (Liberate) في الفرنسية، ومعناها الحرية. وهي مذهب فكري يركز على الحرية الفردية، ويرى وجوب احترام استقلال الأفراد، ويعتقد أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين مثل حرية التفكير، والتعبير، والملكية الخاصة، والحرية الشخصية وغيرها. ولهذا يسعى هذا المذهب إلى وضع القيود على السلطة، وتقليل دورها، وإبعاد الحكومة عن السوق، وتوسيع الحريات المدنية. ويقوم هذا المذهب على أساس علماني يعظم الإنسان، ويرى أنه مستقل بذاته في إدراك احتياجاته، تقول الموسوعة الأمريكية الأكاديمية: ((إن النظام الليبرالي الجديد (الذي ارتسم في فكر عصر التنوير) بدأ يضع الإنسان بدلا من الإله في وسط الأشياء، فالناس بعقولهم المفكرة يمكنهم أن يفهموا كل شيء، ويمكنهم أن يطوروا أنفسهم ومجتمعاتهم عبر فعل نظامي وعقلاني) .وقول جميل صليبا: " ومذهب الحرية (Liberalism) أيضا مذهب سياسي فلسفي يقرر أن وحدة الدين ليست ضرورية للتنظيم الاجتماعي الصالح، وأن القانون يجب أن يكفل حرية الرأي والاعتقاد ". وقد أطلق مصطلح "الليبرالية" على عدة أمور، من أهمها: حركة فكرية ضمن البروتستانتية المعاصرة، وقد أطلق على هذه الحركة اسم "الليبرالية" لأنها تعتمد على حرية التفكير، وانتهاج الفكر العقلاني في التعامل مع النصوص الدينية. يقول " براتراند رسل " : بدأ يظهر في أعقاب عصر الإصلاح الديني موقف جديد إزاء السياسة والفلسفة في شمال أوروبا، وقد ظهر هذا الموقف بوصفه رد فعل على فترة الحروب الدينية والخضوع لروما مركزا في إنجلترا وهولندا.. ويطلق على هذا الموقف الجديد تجاه مشكلات الميدان الثقافي والاجتماعي اسم الليبرالية، وهي تسمية أقرب إلى الغموض، يستطيع المرء أن يدرك في ثناياها عددا من السمات المميزة، فقد كانت الليبرالية أولا بروتستانتية في المحل الأول، ولكن ليس على الطريقة الكالفينية الضيقة، والواقع أنها أقرب بكثير إلى أن تكون تطورا للفكرة البروتستانتية القائلة: إن على كل فرد أن يسوي أموره مع الله بطريقته الخاصة، هذا فضلا عن أن التعصب والتزمت يضر بالأعمال الاقتصادية". والبروتستانتية في حد ذاتها اختصرت الطريق أمام الليبرالية العقلانية المحضة، وهذه الحركة الفكرية داخلها أطلق عليها اسم الليبرالية مع أنها لازالت حركة دينية لأنها فسرت الدين بطريقة معينة جعلته متوافقا مع الليبرالية العلمانية.يقول منير البعلبكي: " كما يطلق لفظ " الليبرالية " كذلك على حركة في البروتستانتية المعاصرة تؤكد على الحرية العقلية، و على مضمون النصرانية الروحي والأخلاقي، وقد كان من آثار هذه الحركة انتهاج الطريقة التاريخية في تفسير الأناجيل" . فقد نشأت الليبرالية كردة فعل غير واعية بذاتها ضد مظالم الكنيسة والإقطاع، ثم تشكلت في كل بلد بصورة خاصة، وكانت وراء الثورات الكبرى في العالم الغربي (الثورة الإنجليزية، والأمريكية، والفرنسية)، ولكن نقاط الالتقاء لم تكن واضحة بدرجة كافية، وهذا يتبين من تعدد اتجاهاتها وتياراتها.يقول "دونالد سترومبرج" : "والحق أن كلمة الليبرالية مصطلح عريض وغامض، شأنه في ذلك شأن مصطلح الرومانسية، ولا يزال حتى يومنا هذا على حالة من الغموض والإبهام". و في الموسوعة الشاملة: "تعتبر الليبرالية مصطلحا غامضا لأن معناها وتأكيداتها تبدلت بصورة ملحوظة بمرور السنين" .وتقول الموسوعة البريطانية: "ونادرا ما توجد حركة ليبرالية لم يصبها الغموض، بل إن بعضها تنهار بسببه" .وإذا ذكر اسم " الليبرالية " فإنه – كما يقول رسل - : تسمية أقرب إلى الغموض، يستطيع المرء أن يدرك في ثناياها عددا من السمات المتميزة". ومن أهم أسباب غموض مصطلح الليبرالية : غموض مبدأ الحرية: حيث يعتمد مفهوم الليبرالية على الحرية اعتمادا تاما، ولا يمكن إخراج "الحرية" من المفهوم الليبرالي عند أي اتجاه يعتبر نفسه ليبراليا. ولكن مفهوم، وكثرة كلام الناس فيه، لا يمكن تحديده وضبطه، لأن أصحاب الأفكار المختلفة في الحرية الليبرالية يعتمد كل واحد منهم على " الحرية " في الوصول لفكرته .. وقد خرجت أفكار مضادة لليبرالية من رحم الحرية التي تعتبر المكون الأساسي لليبرالية مثل الفاشية، والنازية، والشيوعية، فكل واحدة من هذه المذاهب تنادي بالحرية، وتعتبر نفسها الممثل الشرعي لعصر التنوير، وتتهم غيرها بأنه ضد الحرية. وقد حصل التنازع بين اتجاهات الليبرالية في تكييف " الحرية"، والبرامج المحققة لها، ومن هذا المنطلق جاء المفهوم السلبي، والمفهوم الإيجابي للحرية. تقوم الليبرالية على أسس فكرية هي القدر المشترك بين سائر اتجاهاتها وتياراتها المختلفة، ولا يمكن اعتبار أي فرد ليبراليا وهو لا يقر بهذه الأسس ولا يعترف بها، لأنها هي الأجزاء المكونة لهذا المذهب والمميزة له عن غيره. وتنقسم هذه الأسس المكونة لليبرالية إلى قسمين: ذاتية مميزة لليبرالية عن غيرها من المذاهب الفكرية الغربية التي ظهرت في عصر النهضة والتنوير، وهي أساسان هما: " الحرية " و " الفردية ". مشتركة بين الليبرالية وغيرها من المذاهب الفكرية الغربية، وهي أساس واحد هو: "العقلانية"، فكل المذاهب التي ظهرت في أوروبا في العصر الحديث خرجت من الفكر العقلاني الذي يعتقد باستقلال العقل في إدراك المصالح الإنسانية في كل أمر دون الحاجة إلى الدين. فالليبرالية حقيقة مركبة تركيبا تاما من " الحرية الفردية العقلانية "، ولكن هذه الأسس المكونة لحقيقتها مجملة، تعددت تصورات الليبراليين في تفصيلاتها الفكرية، فضلا عن آثارها العملية، والطريقة التطبيقية أثناء العمل السياسي أو الاقتصادي .. الأساس الأول: الحرية: التي تعني أن الفرد حر في أفعاله، ومستقل في تصرفاته دون أي تدخل من الدولة أو غيرها، فوظيفة الدولة حماية هذه الحرية، وتوسيعها، وتعزيز الحقوق، واستقلال السلطات، وأن يعطى الأفراد أكبر قدر من الضمانات في مواجهة التعسف والظلم الاجتماعي .. الأساس الثاني: الفردية: "الفردية هي السمة الأساسية الأولى لعصر النهضة، فها هو عصر النهضة يأتي كرد فعل لفكر القرون الوسطى، ويتحرر الفرد من الانضباط الكاثوليكي الطويل " . وقد ارتبطت الحرية بالفردية ارتباطا وثيقا، فأصبحت الفردية تعني استقلال الفرد وحريته. وقد جاءت هذه الفردية بمفهومين مختلفين: أحدهما: الفردية بمعنى الأنانية وحب الذات، وهذا المعنى هو الذي غلب على الفكر الغربي منذ عصر النهضة وإلى القرن العشرين، وهذا هو الاتجاه التقليدي في الأدبيات الليبرالية. والثاني: الفردية بمعنى استقلال الفرد من خلال العمل المتواصل والاعتماد على النفس، وهذا هو الاتجاه البراجماتي، وهو مفهوم حديث للفردية. الأساس الثالث: العقلانية: تعني العقلانية استقلال العقل البشري بإدراك المصالح والمنافع دون الحاجة إلى قوى خارجية، وقد تم استقلاله نتيجة تحريره من الاعتماد على السلطة اللاهوتية الطاغية. ونلاحظ أن الاعتماد على العقل وتحييد الدين جاء بصورة متدرجة، ولكنه استحكم في عصر التنوير، وزاد ترسيخه كمصدر وحيد للمعرفة في القرن التاسع عشر الذي هو قمة الهرب الليبرالي. وقد أصبح الاعتماد على العقل المجرد وإقصاء الدين والقيم والأخلاق سمة من أبرز سمات الفكر الأوروبي المعاصر .. الليبرالية – كما سبق – فكرة غربية مستوردة، وليست من إنتاج المسلمين، وهي تنفي ارتباطها بالأديان كلها، وتعتبر كافة الأديان قيودا ثقيلة على الحريات لابد من التخلص منها. وقد تقدم الكلام حول حقيقتها، وتصورها لمفهوم الحرية، ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أن الليبرالية مناقضة للإسلام في أصوله ومنهجه وأخلاقه وقيمه. ومحاولة التوفيق بين " الليبرالية " و " الإسلام " هي تغيير لمفهوم كل واحد منهما، وتبديل لمعناه يخرجه عن حقيقته إلى مفهوم مشوه، وصورة غير صحيحة لكل منهما. ومن البديهي أن نقول: إن فلاسفة الليبرالية ومفكريها الذين وضعوا أصولها في فترات مختلفة قد شكلوها خارج إطار الأديان جميعا، ولم يدعي أحد منهم ارتباطها بدين من الأديان ولو كان دينا محرفا. ومع هذا الوضوح يبقى من يصر من المسلمين على أنه بالإمكان الجمع بين منهج مادي يرفض قيود الأديان، ومنهج الإسلام الرباني، ولهذا سنبين بما لا يدع مجالا للشك أن الليبرالية تعني في الإسلام ألوانا متعددة من الكفر والشرك المناقض لحقيقته، وأشكالا مختلفة تنافي أخلاقه وقيمه الكريمة. أولا: نواقض الإيمان في الليبرالية : إن دارس الليبرالية يجد أنها دعوة إلى الإلحاد ورفض الأديان حيث لا تعترف بهيمنة الدين على الحياة الإنسانية، فقد نمت هذه الفكرة في أجواء رافضة للدين، ومعترضة عليه، وهي تريد أن تعطي الإنسان حريته المطلقة بالتحلل من قيود الأديان والقيم والأخلاق، فأساس الفكرة قائم على تعظيم العقل الإنساني وماديته، ولهذا ارتبطت عبارة " الفكر الحر" في كتابات الغربيين بالإلحاد والرفض للدين والقيم وعليه فإن الليبرالية لا تتفق مع الإسلام. و في هذه الفقرة سأذكر بعضا من أنواع الكفر والشرك الواقعة في الليبرالية، ليتبين من خلالها الحكم الشرعي في الليبرالية : كفر الاستحلال: الاستحلال معناه: أن يعتقد في المحرمات أنها مباحة، ويجوز فعلها مع علمه بأن الله تعالى حرمها ، وقد أجمع العلماء على أن المستحل لما حرمه الله تعالى مما هو معلوم من الدين بالضرورة ومتواتر فهو كافر خارج عن دين الإسلام ، يقول القاضي " عياض " : " وكذلك أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر أو الزنا مما حرم الله بعد علمه بتحريمه، كأصحاب الإباحة من القرامطة، وبعض غلاة المتصوفة" .. وضابط الأمر المستحل هو أن يكون أمرا ظاهرا متواترا لا يوجد فيه خلاف ولا شبهة مثل تحريم الزنا والربا وأكل الخنزير وغيرها .وسبب كفر المستحل التكذيب أو العناد، فإن اعتقاد إباحة أمر محرم يدل على تكذيبه لمن حرمه أو عناده له، وكلاهما مناقض لحقيقة الإيمان .فلا يشترط لتكفير المستحل أن يصرح بالتكذيب أو يعتقده، لأن الجحود في حد ذاته كفر ينقل عن الملة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة: كالفواحش والظلم، والخمر والميسر، والزنا وغير ذلك، أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة: كالخبز واللحم والنكاح. فهو كافر مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل " . وهذا النوع من الكفر موجود في الليبرالية، لأن من مفاهيم الليبرالية المتعلقة بالحرية " منع التحريم "، أو " منع المنع "، فلا يمكن أن يجتمع الفكر الليبرالي مع التحريم الإلهي المقيد لحرية الفرد، كما يقول جون مل: " إن التحريم يمس حرية الفرد لأنه يفترض الفرد لا يعرف مصلحة نفسه " ومن بديهيات الليبرالية " إباحة الزنا "، وهي إباحة عقائدية، وليست مجرد ممارسات عملية، ولا يمكن أن يكون الرجل ليبراليا وهو يعتقد تحريم الربا، والبيوع المنهي عنها لأن هذا يتعارض مع حرية التجارة والاقتصاد، كما أنه لا يمكن أن يكون ليبراليا وهو يعتقد تحريم الزنا والتبرج والشذوذ الجنسي لأن هذا يناقض الحرية الشخصية. والليبرالية مذهب فكري يحدد للفرد الممنوع واللازم قبل أن يكون ممارسة عملية، فهو اعتقاد وتصور واع لسائر أنماط الحياة البشرية. كفر الشك: الشك هو عدم اليقين، والتردد بين شيئين، وعدم القطع بالصحة أو البطلان، أو الخطأ أو الصواب، ونحو ذلك، وعدم وجود القطع واليقين هو من الريب والشك. ومن أساسيات الإسلام وجود اليقين في التوحيد والإيمان، فالتوحيد والإيمان لا يغني فيه إلا اليقين الجازم، ولهذا عده العلماء شرطا أساسيا من شروط لا إله إلا الله. يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [ الحجرات: 15]، فاشترط في صحة إيمانهم عدم الريبة، وهي الشك والظن ، ولهذا جاء الشك والريب وصفا للمنافقين فقال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [ التوبة: 45]، ولقد جاء في الحديث : ((أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة)) . وجاء في حديث أبي هريرة مرفوعا: ((من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة)) . " فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط". والفكر الليبرالي لا يعتقد عقائد جازمة غير حق الفرد في الحرية الفردية مهما توصل له من أفكار وعقائد وآراء، فهو لا يملك عقيدة يقينية محددة، لأن كل عقيدة قابلة للتغيير، ومن حق الآخر أن يعتقد خلافها، وهذا الفكر لا يملك جوابا محددا على أوضح الأمور مثل وجود الله تعالى وربوبيته، لأن المنهج السيال الذي يعتمد عليه يجعل كل أمر قابل للصواب أو الخطأ، وربما أوصلت المنهجية الليبرالية إلى عقائد متناقضة. وبهذا يتبين أن الليبرالية تصحح العقائد المتناقضة، والأفكار المتعارضة، ولا تجزم بحقيقة عقدية، وتبني قاعدة " قولي صواب يحتمل الخطأ، وقولك خطأ يحتمل الصواب "، وتجعل ذلك قاعدة عامة في أصول العقائد وسائر الأديان. فالمنتسب للإسلام منهم يعتقد أن إسلامه صحيح يحتمل الخطأ، وعقيدة الآخر (الكافر) خطأ يحتمل الصواب، ويرفضون الجزم العقائدي في جانب الصحة أو البطلان . وهذا هو الشك بعينه. كفر الإباء والامتناع: حقيقة الإباء والامتناع هي عدم الانقياد والاستسلام لأمر الله تعالى وشرعه، ومن المعلوم أن الإيمان يتضمن أخبار تقتضي التصديق، وأوامر تقتضي الانقياد والتسليم، ومناقضة التصديق يكون بالتكذيب، ومناقضة الانقياد والتسليم يكون بالإباء والامتناع .وقد ينضاف إلى الإباء والامتناع " الاستكبار " مثل كفر إبليس وفرعون واليهود ، وقد يكون الإباء والامتناع دون " استكبار" .وقد قرر أهل العلم أن الطائفة الممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب قتالها، وأجمعوا على ذلك، كما فعل الصحابة مع الممتنعين عن أداء الزكاة، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية أن الطائفة الممتنعة إذا قاتلهم الإمام على ذلك فقاتلوه فهم كفار وليسوا بغاة . ولا ريب أن الفكر الليبرالي يؤسس للامتناع عن شرائع الإسلام في مجال السياسة والاقتصاد، ولهذا تكونت الدول الليبرالية بعيدة كل البعد عن شرائع الإسلام في نظمها السياسية والاقتصادية. ومن ذلك امتناع الدول الليبرالية من تطبيق الحدود والعقوبات الشرعية، وكذلك الامتناع عن تحريم الربا في البنوك والمؤسسات المالية، وهكذا. الحكم بغير ما أنزل الله: والمراد هنا : تشريع القوانين الوضعية المضادة لشريعة الله أو استحلال الحكم بغير ما أنزل الله – وقد تقدم الكلام في الاستحلال -، وليس المعنى في هذه الفقرة: القاضي الملتزم بتحكيم الشرع ثم يحكم بهواه وشهوته دون تغيير أو تبديل للأحكام. والتشريع حق خاص لله تعالى، وهو الأمر الشرعي في قوله تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]، ومن نصب نفسه مشرعا من دون الله تعالى فقد نازع الله في ربوبيته كما قال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [ التوبة:31]، وحقيقة فعلهم أنهم أحلوا الحرام، وحرموا الحلال فاتبعوهم على ذلك. وقد أوجب الله تعالى الحكم بشريعته، وجعله من العبادة فقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [ يوسف:40]، وقال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57] وبين خطورة الإعراض عن الحكم بالشريعة فقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [ المائدة:44] وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إلى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} [ آل عمران:23] وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} [ النساء: 51]، والكفر الأكبر في الحكم بغير ما أنزل الله ثلاثة أنواع :الأول: استحلال الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا أمر متفق عليه، ويدخل فيه : جحد أحقية حكم الله ورسوله، أو اعتقاد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه، أو اعتقده مثله، أو اعتقد جواز الحكم بما يخالفه، أو اعتقد أن حكم الله ورسوله لا يصلح للتطبيق في زمن الحداثة، أو أنه سبب التخلف، أو أن الإسلام لا يتضمن منهجا للحكم، لأن الدين علاقة روحية بين العبد وربه، ونحو ذلك من العقائد المرتبطة بالاستحلال . الثاني: التشريع المخالف لشرع الله تعالى، ويكون ذلك بتبديل الأحكام وتغييرها، وهذا ما يحصل في الأنظمة الديمقراطية حيث يرون أن المشرع هو الشعب. يقول الشيخ " محمد بن إبراهيم آل الشيخ " عن هذا النوع: " وهو أعظمها وأشملها، وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية: إعدادا وإمدادا وإرصادا، وتأصيلا وتفريعا، وتشكيلا وتنويعا، وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني, وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك. فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا رسول الله بعد هذه المناقضة" . ويدخل في هذا من جعل لنفسه حق التشريع، أو وضع نظاما وضعيا يحكم به غير الشريعة الإسلامية. الثالث: طاعة المبدلين مع علمهم أنهم خالفوا شريعة الله وحكمه . والليبرالية هي عبارة عن اجتماع لهذه الأنواع المكفرة جميعا، لأنها تستحل الحكم بغير ما أنزل الله، وتعتبر أن من حق الفرد أن يشرع لنفسه ما يعتقد أنه الأصلح له، ولهذا فإن النظام السياسي المبني على الفكرة الليبرالية هو النظام الديمقراطي، وهو نظام يعتمد على أن الشعب هو مصدر التشريع الوحيد، وأن الدين لا دخل له في الحكم فهو مجرد علاقة روحية بين العبد وربه. وكل من تصور الليبرالية، وعرف حقيقتها فإنه يجزم أنها لا تعترف بحكم الله، ولا تقر بشريعته، وترى أن الحرية الإنسانية كافية في إصدار التشريعات دون الرجوع إلى جهة إلهية خارج نطاق العقل الإنساني. ولا ريب أن مقاييس علماء الإسلام في أحكام الكفر تنطبق عليها (الليبرالية) بمجرد معرفة حقيقة الفكرة وتصورها، ومن هذه الأحكام أنها حكم بغير ما أنزل الله استحلالا أو تشريعا. ولو قال قائل: إن الليبرالية تطبق شريعة الله وحكمه في الحدود والأموال والأسرة وغيرها لأضحك على نفسه كل باحث يعرف مفهوم الليبرالية وتاريخها ومرجعيتها. وقد تقدم معنا عرض تفصيلي عن الليبرالية اتضح لنا فيه أن الليبرالية عقيدة في الحرية الفردية تعتمد على العقلانية المنكرة للوحي، والمادية المضادة للقيم والأخلاق. شرك القصد والإرادة : عندما خلق الله تعالى الإنسان خلقه وله إرادة وقصد في كل وقت. فكل عمل يقوم به الإنسان من أعماله الاختيارية لابد أن يكون أراده وقصده قبل ذلك. وهذه طبيعة نفسية فطر الله تعالى عليها الإنسان. وهذه الإرادة قد تكون لله تعالى فتكون حينئذ توحيدا خالصا، وقد تكون لغير الله تعالى فتكون حينئذ شركا خالصا. وهي مهيأة لأن تكون على التوحيد أو الشرك. أما أن تكون النفس مريدة وليست على التوحيد ولا على الشرك فمحال. وإذا كان عبدا لغير الله كان لابد مشركا، وكل مستكبر فهو مشرك، ولهذا كان فرعون من أعظم الخلق استكبارا عن عبادة الله، وكان مشركا... بل الاستقراء يدل على أنه كلما كان الرجل أعظم استكبارا عن عبادة الله، كان أعظم إشراكا بالله، لأنه كلما استكبر عن عبادة الله ازداد فقرا وحاجة إلى مراده المحبوب الذي هو مقصود قلبه بالقصد الأول، فيكون مشركا لما استعبده من ذلك، ولن يستغني القلب عن جميع المخلوقات إلا بأن يكون الله مولاه، الذي لا يعبد إلا إياه ". و على هذا: فمن جعل الله تعالى همه وغاية مراده وقصده فهو محقق للتوحيد، لأن الإرادة الناشئة عن محبة الله تعالى والافتقار إليه وجعله غاية القصد هي أصل التأله والتعبد له تعالى، وإذا لم تكن إرادة الإنسان وهمه وقصده لله تعالى فلا بد أن تكون لغيره، وخلو القلب من هذا وذاك أمر مستحيل، وهذا الغير يكون حينئذ شريكا لله تعالى. وعلى هذا: فمن اتبع هواه مطلقا، وانصرف إلى الدنيا وآثرها، فقد أصبح عبدا لها، مشركا في الألوهية، خالدا في النار، ويدل لذلك قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [هود:15-16]. وقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [ الشورى: 20]، وقوله تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} [ الإسراء: 18]. وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [ النازعات:37 - 41]. وهذا الشرك المخرج من الملة هو عندما يكون الباعث له على العمل وقصده منه إرادة الدنيا وقصدها. وهذا الشرك ينطبق على الليبرالية لأنها اتباع تام للهوى والرغبة، وإيثار للدنيا وحطامها الفاني، وهو ما نجده في الكلام حول الحرية الشخصية، أو التطبيقات الرأسمالية الجشعة التي تدل على أن الباعث للعمل هو قصد الدنيا وإرادتها، فلا يمكن أن يقال إن الفكر الليبرالي يوصل لإرادة الله تعالى وقصد طاعته. حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص134- 156 فتوى للشيخ صالح الفوزان عن الليبرالية .. المكرم فضيلة الشيخ : صالح بن فوزان الفوزان : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ما قول فضيلتكم في الدعوة إلى الفكر الليبرالي في البلاد الإسلامية ؟ وهو الفكر الذي يدعو إلى الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي، فيساوي بين المسلم والكافر بدعوى التعددية، ويجعل لكل فرد حريته الشخصية التي لا تخضع لقيود الشريعة كما زعموا، ويحاد بعض الأحكام الشرعية التي تناقضه ؛ كالأحكام المتعلقة بالمرأة، أو بالعلاقة مع الكفار، أو بإنكار المنكر، أو أحكام الجهاد.. إلخ الأحكام التي يرى فيها مناقضة لليبرالية. وهل يجوز للمسلم أن يقول : ( أنا مسلم ليبرالي ) ؟ ومانصيحتكم له ولأمثاله ؟ الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد : فإن المسلم هو المستسلم لله بالتوحيد، المنقاد له بالطاعة، البريئ من الشرك وأهله. فالذي يريد الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي ؛ هذا متمرد على شرع الله، يريد حكم الجاهلية، وحكم الطاغوت، فلا يكون مسلمًا، والذي يُنكر ما علم من الدين بالضرورة ؛ من الفرق بين المسلم والكافر، ويريد الحرية التي لا تخضع لقيود الشريعة، ويُنكر الأحكام الشرعية ؛ من الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومشروعية الجهاد في سبيل الله، هذا قد ارتكب عدة نواقض من نواقض الإسلام، نسأل الله العافية. والذي يقول إنه ( مسلم ليبرالي ) متناقض إذا أريد بالليبرالية ما ذُكر، فعليه أن يتوب إلى الله من هذه الأفكار ؛ ليكون مسلمًا حقًا أهـ .. لقد بنيت الليبرالية على أساس مادي لا يرتبط بالقيم والأخلاق، وقد تبين لنا فيما تقدم أثر الحرية الفردية على المجتمع الغربي، فالأنانية واتباع الهوى، وما يترتب عليهما من انعكاسات أمور محمودة عندهم لأنها تحقيق لذاتية الإنسان وفرديته، وهذا ما أوصل المجتمع إلى التعامل بطريقة غير أخلاقية في سياسته واقتصاده، فقد أصبح الحديث عن الأخلاق في مجال المال والاقتصاد مثار سخرية وتندر لدى الليبراليين لأنه لا مجال للحديث عن القيم الأخلاقية في الأمور الاجتماعية، فالأخلاق هي العمل أيا كان تقويمه من حيث الجودة أو الرداءة، فالإنسان الأخلاقي هو الإنسان المنتج، وهذا ما جعل الأخلاق لا قيمة لها في الحقيقة. فانتشرت بسببها: الأثرة، والظلم، واتباع الهوى. |
#397
|
|||
|
|||
دعاة الديمقراطية
دعاة الديمقراطية الديمقراطية كلمة يونانية في أصلها ومعناها سلطة الشعب والمقصود بها بزعمهم حكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق اختيار الشعب لحكامه وهي الكذبة التي كان يرددها النظام الشيوعي. ويذكر الباحثون أن أول من مارس هذه النظرية هم الإغريق في مدينتي أثينا وأسبرطة ولكنها ارتبطت في الغرب بالنظام السياسي والاقتصادي بخلاف نشأتها عند الإغريق وكانت طريقتهم تتمثل في أنهم كانوا يشكلون حكومة من جميع رجال المدينة وأطلقوا عليها اسم (حكومة المدينة) حيث يجتمع رجال المدينة لبحث كل أمورهم ينتخبون لهم حاكما ويصدرون القوانين في كل قضية تعرض عليهم ويتخذون لها حلا يكون حاسما ويشرفون جميعهم على تنفيذه بكل دقة وحزم واستمروا على هذه الصورة الفريدة إلى أن انتهت حكومة المدينة في كل من أثينا وأسبرطة حينما غلبهم المد النصراني وبرز رجال الكنيسة وقد بقيت تلك الحكومة في ذاكرة الناس، ثم كان لطغيان رجال الكنيسة فيما بعد الأثر الحافز على الرغبة في العودة إلى تلك الحكومة الغابرة وظل أهل أوربا يتوقون إلى الخلاص من قبضة رجال الكنيسة تحت أي تيار يسوقهم علهم يجدون متنفسا من أوضاعهم المخزية تحت سلطة الإقطاع والنبلاء والأشراف من البابوات وكبار الملاك الظالمون لجميع طبقات الشعوب. ونجم عن كثرة الضغط الانفجار الذي تمثل في الثورة الفرنسية حيث أخذ زعماؤها في التفتيش عن مصدر يحل محل ذلك الحكم البغيض ولم يكن أيام حكم المدينة غائبا عن أذهانهم خصوصا وقد اتصل كثير من الأوربيين بالمسلمين وتفهموا كثيرا من تصورات المسلمين ونظامهم الإلهي العادل الذي منعهم من الانقياد له حقدهم الشديد على الدين والمتدينين ثم رغبتهم في الانفلات من كل قيد وغير ذلك فوقع اختيارهم على ذلك الماضي الجاهلي الإغريقي ونادوا بتجديده والسير على نهجه كي يبعدهم عن شبح البابوات والأباطرة والإقطاعيين ومن جاء بعدهم من الجشعين الرأسماليين فاتخذوه شعارا – بغض النظر عن تحقيقه – يحاربون تحته ومع طموح الشعوب إلى تحقيق هذا الحلك فقد وجد الدعاة له من المشقة والتنكيل والسجن على أيدي أصحاب السلطة المستأثرين بها و على أيدي البابوات والوجهاء الأثرياء في ذلك الوقت ما لا يوصف وهو أمر بديهي إلا أن دعاة تلك الديمقراطية لم يضعف عزمهم ولم تخنهم شجاعتهم فكانوا كما قيل: أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلج وتم لهم بعد الكفاح المرير الوصول إلى كراسي السلطة وإخضاع أمراء الإقطاع والمستأثرين بالسلطة إلى الرضوخ للأمر الواقع وزحزحت البساط من تحت أقدام البابوات أصحاب الحق الإلهي المقدس بزعمهم ومن تحت أمراء الإقطاع الذين كانوا لا يسألون عما فعلوا والناس يسألون، وصدق الله تعالى حينما قال: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران :140]. وابتلى الله الظالمين بعضهم ببعض ولا يزال بأسهم بينهم شديدا وقلوبهم شتى. أما منزلتها في الإسلام : فقد ظهر أن بعض المنخدعين بها قد تصور أنه لا فرق بين الديمقراطية وبين الإسلام بل ويزعم أن مبادئ الديمقراطية هي نفس المبادئ التي دعا إليها الإسلام ولا شك أن من قرأ ما كتبه علماء المسلمين عن الديمقراطية سيلمس الفرق واضحا لا خفاء فيه والقائل بعدم الفرق إما أن يكون جاهلا أو مخادعا أو ملحدا مغالطا ومن الفوارق الواضحة أن أهداف الديمقراطية وحلولها للمشكلات كلها سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك هي غير الأهداف وغير الحلول التي جاء بها الإسلام، ولابد أن يحصل الاختلاف بكل بساطة ووضوح حلول الإسلام دائمة وعامة وحلول الديمقراطية مؤقتة ولمصالح. كما أن تعاليم الإسلام جاءت من رب العالمين عالم الغيب والشهادة بينما تعاليم الديمقراطية لم تقم إلا بتجارب البشر وبالاحتجاجات ضد طغيان السلطات الرأسمالية وقبلها الإقطاع وبالمظاهرات الصاخبة والاضطرابات المتوالية إلى أن ترقوا بمفهوم الديمقراطية إلى ما وصلوا إليه في ظاهر الأمر بينما الأمر في الإسلام يختلف تماما ذلك أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى سلوك مثل تلك المهامة ولا يحتاجون إلا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ليجدوا أنفسهم في غاية السعادة و في غاية التكافل الاجتماعي بمعناه الحقيقي و في أتم ما يكون من الأحكام العادلة الرحيمة التي يطبقها المسلم على نفسه قبل أن يطالب بها غيره ومن تصور هذا الفرق هان عليه معرفة الفرق بين الإسلام وبين الديمقراطية كما أن تعاليم الإسلام تجعل المرء يشعر ويحسن بمسئوليته أمام الله تعالى وتوجد في داخل نفسه المراقبة الذاتية لله تعالى التي لا تصل إليها أي قوة غير قوة مراقبة الله تعالى التي يتغير بموجبها سلوك الإنسان نحو معاملته لربه ومعاملته لإخوانه المسلمين بل ومع غير المسلمين في تنظيم بديع لن يصل إليه بل ولن يقاربه أي تنظيم بشري هو عرضة للنقض والتغيير بين كل فترة وأخرى وفرق بين سلوك ينتج عن مراقبة الله وخوفه وسلوك ينتج عن غيره فما من شخص يزعم أن الديمقراطية هي التي تحقق السعادة للشعوب أو أنها أرحم من التعاليم الربانية ما من شخص يزعم ذلك إلا وتجده إما جاهلا جهلا مركبا وإما ملحدا لا يعرف عن حقيقة الإسلام شيئا أو مخدوعا بشعارات الديمقراطية البراقة لم يتعظ بما يشاهده من حال بلدان دعاة الديمقراطية، كما نجد كذلك أن تعاليم الإسلام لا تجيز الفصل بين الدين والدولة بل الدين الإسلامي هو الشامل والمهيمن على كل أمور الحياة وما لم تصدر عنه فإنها تعتبر من الضلال ومن اتخاذ البشر بعضهم بعضها أربابا من دون الله تعالى بينما تعاليم الديمقراطية قائمة على الفصل بينهما فرجال الدين مهمتهم تنحصر في أماكن العبادة والمواعظ الدينية ونحو ذلك ورجال الدنيا لا حد لمهماتهم فهم المشرعون والمنفذون ومعنى هذا أن الإسلام والديمقراطية الغربية ضدان هنا فأين التوافق الذي يدعيه المغالطون. كما أن الديمقراطية لا تعتمد الحكم بما أنزل الله وتنفر منه لأنها في الغرب قامت من أول يوم على محاربة الأديان وكل شيء فيها يتصل بها وأن الحكم فيها يجب أن يتم على تشريع الشعوب والبرلمانات ورؤساء الدول وقوانينهم مقدمة على الحكم بما أنزل الله تعالى بينما الإسلام يعتبر هذا خروجا عن الدين وكفرا ومحادة لله وردا لشرعه خصوصا ممن يعلم بهذا الحق ولكنه يرفضه ويفضل حكم الجاهلية عليه كما أن في الديمقراطية الوصول للحكم مشاع لكل أحد ومن حق المرأة أن تصل إلى القضاء والتمثل الدبلوماسي والجندية والرئاسة وغير ذلك بينما الإسلام يجعل الشخص المناسب في المكان المناسب فجعل للرجال مجالات وجعل للنساء مجالات أخرى تتناسبها ولهذا فإننا نجده لم يجز للمرأة أن تتولى الإمامة العظمى لأمور كثيرة تذكر في كتب العلم ولا يجوز لها مزاحمة الرجال في حق الانتخابات. - في الديمقراطية لا حرج في أن يتولى الحكم أفسق الفاسقين وأكفر الناس لا حرج أن يتولى الحكم على المسلمين وغيرهم ما دام قد فاز – كما يصفون - في الانتخابات بينما الإسلام لا يبيح للكافر أن يحكم المسلم أو يشاركه في الحكم ولا يجيز كذلك للمسلمين أن يولوا ابتداءا شخصا معروفا بالفسق والفجور بل عليهم أن يختاروا أصلح الموجودين وأن يجتهدوا في ذلك ما أمكن. - في الديمقراطية الشورى تتم عن مشاورة عامة الشعب دون تخصيص أهل الرأي والعلم فتحصل فوضى وتدخلات الأهواء ويصبح الحق ما نادت به الأكثرين خيرا كان أم شرا، بينما الشورى في الإسلام تعتمد على مجموعة هم أفاضل الناس وفقهائهم – كما سيأتي تفصيل هذا. - في الديمقراطية لا حدود أخلاقية لحرية الفرد والجماعة ولا مكان للفضيلة ولا حاجز عن الفواحش وسوء المعاملات والكفر الصريح في الديمقراطية تحت مسميات عديدة حرية الكلمة الحرية الشخصية، حرية الفكر، حرية التملك، حرية التدين... الخ. بينما الإسلام يجعل للحرية طريقا واضحا يحقق مصلحة الفرد والمجتمع في آن واحد بحيث لا تختلط الحريات الفوضوية الظالمة بالحرية الحقيقية التي تحقق مصلحة الجميع وتؤلف بين القلوب. في الديمقراطية الحث على تفرق الناس وقيام الأحزاب المختلفة ومعارضة بعضهم بعضا ونشوب المكائد بعد ذلك واحتقار وسب بعضهم بعضا وصار مثلهم كمثل اليهود والنصارى فيما أخبر الله عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ } [ البقرة:113]. فإن كل حزب يهون شأن الحزب الآخر ولا يهتم كل حزب إلا بكيف يكسب أصوات الناخبين ومن هنا تكثر الوعود الكاذبة والتنجيح بكثرة الإنجازات التي ستتم حينما يتولى الحكم فلان. بينما الإسلام لا يأمر بذلك بل ينهى عن التفرق والكذب والخداع ويأمر بالحب في الله والبغض فيه والعمل لمصلحة الإنسان لنفسه وبغيره واحتساب الأجر عند الله في تحمل المسئولية وفي أدائها ما تفتقده الديمقراطية الغربية. هل المسلمون في حاجة إلى الديمقراطية الغربية؟ إن الجواب عن هذا السؤال لا يحتاج إلى تفكير من قبل أي مسلم لم تدنس فطرته الشبهات. لقد قامت الحياة في الدول الغربية على المناداة بالديمقراطية سلوكا ومنهجا في كل شؤون حياتهم وصار كل سياسي يتباهى بتطبيقها والرغبة في تصديرها والواقع أنه قد يكون للغرب ما يبرر كل هذا السلوك لأنهم ليسوا على شيء فلم يعرفوا من النظم إلا هذا النظام الذي اكتشفوه وفرحوا به لعدم معرفتهم بما هو أفضل منه وهو الشرع الحنيف الذي أكمله الله ورضيه لنفسه ولعباده دينا وسلوكا، وإذا كان للغرب والنظم الجاهلية ما يبرر هذا السلوك فإنه لا مبرر لانسياق الكثير من النظم الإسلامية ومن بعض المفكرين من المسلمين إلى اتباع أولئك بعد أن من الله عليهم بأفضل دين وأكمله وأفضل نظام اجتماعي وأعد له {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [ المائدة:50]، وإحكامه غاية العدل {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء:65]. يتركون هذا المعنى الفياض ثم ينساقون إلى نظام ثبت فشله ويتركون نظاما صالحا إلى يوم القيامة مضى عليه سلفهم فكانوا مصابيح الدجى ومشارق الأنوار. إن الشرع الإسلامي يستهوي بعدله ورحمته وشموله حتى أعداء الإسلام فإذا بهم ينساقون إليه مذعنين بل ويصبحون من جنوده البواسل حينما قارنوا بين ما جاء في الإسلام وبين النظم الجاهلية التي تقود البشر من شقاء إلى شقاء لأنها من صنع البشر الذين قصرت أفهامهم والتبست عليهم الأمور وهؤلاء حجة على أولئك الهاربين إلى الديمقراطية دون أن يعلموا شيئا عن الإسلام وعن تعاليمه الشاملة لقد انبهر الكثير من المسلمين ببريق الحضارة الغربية وصناعاتها المادية فظنوا أن ذلك إنما هو بسبب ما عندهم من الأنظمة ولم يفطنوا إلى أن سبب ذلك إنما يعود إلى نشاط الغرب وشحذ هممهم وإصرارهم على اكتشاف خيرات الأرض والاستفادة منها وطرقهم لآلاف التجارب دون كلل أو ملل مهما واجهتهم من المصاعب كلما فشلوا في تجربة صناعية زادهم ذلك إصرارا على إعادة الكرة والله عز وجل لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى فأعطاهم الله من الدنيا على قدر عزمهم بينما المنتظرون من المسلمين للحضارة الغربية يغطون في سباتهم، فلما أفاقوا على هدير مصانع الغرب وإنتاجهم ألقوا باللائمة على الإسلام ظلما وزورا وظنوا أن هذا التبرير يبقى على ماء وجوههم فإذا بهم لا ظهرا أبقوا ولا أرضا قطعوا فلا هم بقوا على إسلامهم وتلافوا أخطاءهم، ولا هم لحقوا بالدول الغربية في إنتاجها المادي. وكان يجب عليهم أن يعرفوا أن الإسلام الذي عاش عليه ملايين البشر في القرون الغابرة على أحسن حال وأعدل نظام لا يزال كذلك على مر الدهور عاش عليه البشر قبل أن يظهر قرن الديمقراطية التي يريدون إحلالها محله والتي قامت من أول أمرها على محاربة الدين وخداع الجماهير للوصول إلى الحكم بأي ثمن يكون واعتبار ذلك فوزا أو مغنما بينما الإسلام لا يجيز الخداع ولا النفاق ولا يجيز الاحتيال على الناس وابتزازهم لا في دينهم ولا في دنياهم بل يعتبر الوصول إلى سدة الحكم أمانة عظيمة حملها ثقيل ومزالقها خطيرة ولا يعتبر الوصول إليه فوزا كما نسمعه في تطالب الديمقراطيين للوصول إلى الحكم فتذكر أخي القارئ ما قاله أبو بكر رضي الله عنه حينما ولي الخلافة: " لقد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن اعوججت فقوموني"، وكان عمر دائم التأوه من حمل ثقل الخلافة وكان أسلافنا من أعلام الإسلام يفر أحدهم من أخذ الحكم كما يفر أحدنا من الأسد أو أشد لا جهلا به ولا خوفا من مشقته إنما هو الخوف من الله عز وجل أن يقع فيما لا يوافق الحق فإذا تم انتخاب الخليفة أسدوا إليه النصيحة وآزروه راضين مطمئنين بحكمه لا يجوزون عصيانه ولا الخروج عليه ولا تشكيل حزب معارض له ما دام يشهد الشهادتين ويطبق أحكام الإسلام حتى وإن كانت له معاصي وكبائر فهو محل طاعتهم وأمره إلى الله مع محاولتهم بيان الحق وإسداء النصيحة له. حتى إذا جاءت الديمقراطية فإذا بأقطابها يتهارشون عليها ويخادعون الناس وينافقون ويعدون بما لا يفعلون – وإذا بالناس غير الناس والقلوب غير القلوب – وكأن حال الإسلام والمسلمين يقول: ذهب الذين إذا رأوني مقبلاً هشوا إليَّ ورحبوا بالمقبل وبقيت في خلف كأن حديثهم ولغ الكلاب تهارشت في المنزل إن الحاكم في الإسلام مؤتمن على مصالح المسلمين وليس له أكثر من كونه منفذا لا مشرعا لأن التشريع إنما هو لله عز وجل وبذا يضمن الحاكم والمحكوم على حد سواء الخوف من الوقوف في الجور أو انتشار الفساد وتفكك المجتمع والفرقة التي تنشأ في الغالب من البعد عن هدي الله عز وجل وهدي نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه وهذا بخلال الديمقراطية التي يكون الحاكم فيها مشرعا من دون الله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [ يوسف:40]. {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}[ النساء:65]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:59]. فإذا طبق الشعب والحاكم هذه المفاهيم كانوا صخرة قوية تتحطم عليها كل آمال الحاقدين وأعداء الملة وعاشوا في سعادة ووئام كأنهم أسرة واحدة. قال ابن القيم رحمه الله : (فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، أتم دلاله وأصدقها، وهي نوره الذي أبصر به المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، فهي بها الحياة، والغذاء، والدواء، والنور، و الشفاء، والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود، فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم، رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة). إذا تبيـّن هذا، فليُعلم أنّ ما يُسمى ( الديمقراطية ) بمعناها الذي أراده مخترعوها، والدعاة إليها ـ فقد يُراد بإطلاقهـا جهلا أنهـا ما يُضاد الإستبداد فحسب ـ هي أعظم مناقضٍ للشريعة، والداعون إليها، هم الدعاة إلى أبواب جهنم، لأنهـم هم الداعون إلى رفض الحكم بما أنزل الله تعالى، المبتغون حكم الجاهلية، ذلك أن الديمقراطية تعني اتخاذ أحكام البشر بإعتبار أصوات غالب ممثليهم،شريعة بديلة عن شريعة الله تعالى، مهيمنة بأحكامها على الأقوال، والأفعال،والأفكار، وجميع السلوك الإنساني، والعلاقات الدولية الداخلية، والخارجية، لها أنْ تحلّ ما حرّم الله، وتحرّم ما أحلّ الله تعالى. فهي أمّ القوانين التي تخلقها إفكا، وهي منبـع الطواغيت التي تحدثها باطلا، وهي مصنع الجاهلية المعاصرة التي تصدّ عن سبيل الله تعالى، وتحارب شريعته. ومعلوم أن سدنة هذا الدين الجديد، يقولون إنّه لا يُحكـم على السلوك الإنساني منفردا أومجتمعا في صورة دولة، بأنه صواب أو خطأ، فيكون جريمة، أم سلوكا مباحا، إلاّ بقانون، ولابد للقانون من مشرِّع يشرّعه، ومصدر يُحدثه،ويُنشئـه : فإمّا إن يكون مصدره من غير البشر، وهو الله تعالى، عند أتباع الرسل. وإما أن يكون من البشر، وهذا الأخير لا يخلو : إمّا أن يكون من حاكم مستبد، يفصل في الأمور برأيه، ويقضي فيها بحكمه وهذه هي الدكتاتورية التي ثارت عليها الشعوب في القرن الماضي، حتى ساد المذهب الثالث. وهو أن يكون مصدر التشريع هو حكم الأغلبيّة بحسب العـدّ المحض، الذي يعدّ الرؤوس ولا يزنها، فيجعل العاقل الحكيم المصلح، مساويا للجاهل الأحمق المفسد، والمؤمن الصالح الأمين، مكافئا للكافر الفاسق الخائن، وسيد القوم الشريف سديد الرأي، معادلا للمرأة التي ربما تكون عاهرة.. فكلهم سواء في ميزان هذا الدين الجديد، فتُعدّ أصواتهم عدّا فحسـب، ثم يُعرف بأكثر العدّ، الشــرعُ الذي يجب أن يسيروا عليه، والنهج الذي يهديهم سواء السبيل ! ولئن قال قائل إن هذا الحمق،والجهل، والضلال المبين، لا يمكن أن يتواطأ عليه العقلاء، لأنه يعرف بالبداهة فساده، ويتبين بمنطق الأمور مناقضته للعقل الصريح. فالجواب أنهم علموا أنـّه لا فرق ـ في الحقيقة ـ بين هذا الدين الجديد، وما قبله، لأنّ فئة قليلة قادرة على التأثير على الغالب بالترغيب والترهيب، ستسيطر على عدد الأصوات، فيصير التشريع بأيديهم،علموا ذلك، غير أنهم وجدوا أنّ إبقاء اللعبة التي تُسمّى الديمقراطية، في ظاهرها تخدع الشعوب، وتخدّرهم يوم التصويـت، أنفع لهم من المجاهرة بأنهم مستبدون، يبتغون الاستيلاء والهيمنة بشعارات خداعة. وهذا يُشبه ـ من وجه ـ ما يسمى الشركات المساهمة، حيث يظنّ المساهمون أنهم تّجار بما يملكون من أسهم في الشركات، بينما يتحكم في الشركات الكبار الذين يخدرونهم بتلك الخدعة، حتى يملكوا أموالهم، كما ملكت تلك الخدعة المسماة الديمقراطية عقولهم وإرادتهم، ولهذا قال أحد المفكّرين الغربيين : إنّ أكبر كذبتين في التاريخ هما الديمقراطية، والشركات المساهمة ! ولهذا كان ما فيهما من الفساد العام، ومحق البركة من المجتمعات ما فيهما. والمقصود أنّ سدنة هذا الصنم قالوا : إنّ التشريعات التي تنتج عن حكم الأغلبيّة، مقدمة على كلّ حكم آخر حتى شريعة الله تعالى، وأنهــا ملزمة للشعوب، فهي شريعة كاملة، وأحكام نافذة، والخارج عليها مجرم، والمتمرد عليها خائن، والساعي في تعطيلها مرتد يحكم عليه أحيانا بالإعدام، أو الحبس المؤبد، أوالنكال الشديد، ثم جعلوا لهذا الدين خبـــراء يطوّرونـه، أطلقوا عليهم اسم ( فقهاء القانون ) كما أطلقوا على آراءهم ( الفتوى )، إمعانا في المضادة لشريعة الله تعالى واستبدالها بغيرها. وبهذا يتبين أن هذه القوانين الوضعية، ترجع إلى أصل عقدي، هو دين الديمقراطية، تنبثق منها على أساس إعتقاد أنّ الحكم بين الناس، والتشريع لهــم، لا يرجع فيه إلى الله تعالى خالق البشر بل إلى البشر أنفسهم. |
#398
|
|||
|
|||
دعاة الوضعية
دعاة الوضعية المذهب الوضعي مذهب فلسفي ملحد يرى أن المعرفة اليقينية هي معرفة الظواهر التي تقوم على الوقائع التجريبية، ولا سيما تلك التي يتيحها العلم التجريبي. وينطوي الذهن على إنكار وجود معرفة تتجاوز التجربة الحسية، ولاسيما فيما يتعلق بما وراء المادة وأسباب وجودها. صاغ الفيلسوف الفرنسي كونت مبادئ وأفكار المذهب الوضعي، ثم بلور من جاء بعده من الوضعيين هذه الأفكار وسار على منهجها العلمي. - وهذه خلاصة لتلك الأفكار مع نقد المفكرين والفلاسفة لها: - استحوذت على تفكير كونت فكرة التقدم الإنساني. - وضع كونت قانون التقدم الإنساني، وهو قانون الحالات الثلاث الذي يتقدم العقل البشري بمقتضاه من المرحلة اللاهوتية إلي المرحلة الميتافيزيقية ثم إلى المرحلة الوضعية الأخيرة. وقد قسم كونت المرحلة اللاهوتية إلى ثلاث مراحل : - المرحلة الوثنية – والمرحلة التعددية – والمرحلة التوحيدية وهي المرحلة الأخيرة التي بدأت بظهور النصرانية والإسلام. - والمرحلة الوضعية بدأت بالثورة الفرنسية، وهي المرحلة التي تفسر الظواهر عن طريق الاستقرار القائم على الملاحظة. - ويطبق كونت هذا القانون في التطور على جميع العلوم الإنسانية والاجتماعية مثل الحضارة والسياسة والفن والأخلاق. - نقد القانون: - وقد نقد طائفة من المفكرين قانون الحالات الثلاثة بما يلي: 1- يعتبر كونت أن الإنسانية كلٌّ لا يتجزأ وأنها خاضعة لقانون واحد بينما نجد أن هناك مجتمعات لا تسير في تطورها وتقدمها على نمط واحد في فهم وإدراك الظواهر. 2- يختلف الطريق الذي سلكه العقل الإنساني عن ذلك الذي حدده كونت ففي كثير من الأمور كان الفهم الوضعي للأمور يسير مع الفهم الديني أو الميتافيزيقي؛ ففي مجال فهم الحقائق الرياضية والفلكية مثلاً أمور كانت تسير مع الفهم الديني قديماً. ولا تزال بعض المجتمعات تفسر الحقائق العلمية القائمة تفسيراً دينيًّا. على الرغم من أننا نجتاز حالياً المرحلة الوضعية في نظر كونت. 3- لا يستمد قانون المراحل الثلاث حقائقه من التاريخ، وإنما هو فكرة فلسفية اختار لها كونت مجتمعات معينة حاول تطبيقها عليها دون استقراء لتاريخ المجتمعات الإنسانية. 4- يفسر هذا القانون بأنه التقدم، بينما نجد الحضارة عبارة عن مستوى عام للحياة المادية والروحية للمجتمع دون النظر إلى تقدمها أو تأخرها. |
#399
|
|||
|
|||
دعاة الشيوعية
دعاة الشيوعية لا ريب أن عقيدة الإنسان ترسم له طريقه، وتحدد له معالم سلوكه ومعاملاته فالناس توجههم عقائدهم وأفكارهم، والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خلل في الاعتقاد. ولهذا فلا غرو أن تفسد أخلاق الشيوعيين؛ لأن الأصل لديها منهار، وإذا انهار الأصل تداعت الأركان والفروع. بل إن عقائدهم أحط العقائد، فلا تسل - إذاً - عن فساد أخلاقهم، وما يتبع ذلك من انحطاط سلوكهم. فالشيوعيون على أتم الاستعداد لعمل أي شيء مناف للأخلاق، من غش وكذب، وخداع، في سبيل تحقيق مكاسبهم، والوصول إلى غاياتهم؛ فهم يأخذون بالمبدأ الميكافيلي: الغاية تسوغ الوسيلة. يقول إنجلز: إذا لم يكن المناضل الشيوعي قادراً على أن يغير أخلاقه وسلوكه وفقاً للظروف مهما تطلب منه ذلك من كذب، وتضليل، وخداع - فإنه لن يكون مناضلاً ثورياً حقيقياً. ولهذا فالشيوعيون لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم، وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم. يقول لينين في رسالة بعث بها إلى الأديب الروسي مكسيم جوركي: إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء، إنما الشيء المهم هو أن يصبح الربع الباقي شيوعياً. ولقد طبقوا هذه القاعدة في روسيا أيام الثورة، وكذلك في الصين، حيث أبيدت ملايين من البشر، كما أن اكتساحهم للجمهوريات الإسلامية كبخارى وغيرها، واكتساحهم لأفغانستان - ينضوي تحت هذه القاعدة. ومما تؤمن به الشيوعية من أخلاق - العنف، والسعيُ في إثارة الحقد والضغينة في نفوس العمال. ومن ذلك القسوة المتناهية؛ فلا يَتَصوَّر الفكر، ولا يتوهم الخيال لوناً من ألوان التعذيب الهمجي، والقمع الإجرامي، والإبادة الجماعية للمجموعات البشرية دون أية عاطفة إنسانية مع التفنن العجيب في وسائل التعذيب - إلا ويمارسه الشيوعيون بأقبح صوره، وأبشع مستوياته. بل لم يتورع القادة الشيوعيون - عن الاعتراف بتلك الأفاعيل ضد كل من خالفهم ولو كانوا رفقاء العمل الثوري، ومن حملة الفكرة الشيوعية. بل ربما كان هؤلاء أحق بأن يعاقبوا بأشد أنواع العذاب؛ فكأن الرحمة نزعت تماماً من قلوب هؤلاء القساة العساة العتاة. ومما تؤمن به الشيوعية وتدعو إليه من أخلاق - أنها تشجع على الفساد، والانحلال الخلقي، من شرب للخمور إلى ممارسة البغاء وسائر الفواحش إلى غير ذلك من طرق الفساد. ولقد صرح الرئيس اليوغسلافي الهالك - تيتو - في إحدى خطبه للشعب قائلاً: لقد تركنا لكم الخمر والنساء فخذوها، واتركوا لنا السياسة. ولهذا أصبحت المرأة في المجتمع الشيوعي أرخص سلعة في البلاد، فكانت ترمي بنفسها على الرجل ولاسيما الغريب، وقصارى ما تطلبه منه أن يتزوجها ولو مؤقتاً؛ لتفر خارج البلاد من جحيم الشيوعية. وصفوة المقال أن المجتمع الشيوعي هو أحط المجتمعات البشرية المعاصرة، سواء من الناحية الأخلاقية أو العقيدية، أو من ناحية الطمأنينة النفسية، والسعادة الاجتماعية؛ فهو مجتمع منحل، مذعور يخيم عليه كابوس الشقاء المطبق، إلى حد أن الإنسان في ذلك الوضع لا يكاد يفكر في أمل حقيقي للخلاص. |
#400
|
|||
|
|||
دعاة الرأسمالية
دعاة الرأسمالية لقد كان لتلك القوانين الرأسمالية آثارها السيئة شأن الباطل دائما وشأن الأنظمة الوضعية وتنقسم الآثار السيئة للرأسمالية إلى قسمين (حسب تقسيم الدكتور علي جريشة) .. الآثار النفسية والاجتماعية: فقد ظهرت في ضعف الوازع الديني وقوة الوازع الدنيوي المادي واستغراق حياة الناس في السعي على الرزق والمكاسب والأرباح فُفقد الإحساس بالآخرين ونشأت قوة الدواعي إلى التعالي والكبرياء والأحقاد والحسد وإلى ظهور البطالة كما هو الحال في الدول الرأسمالية الصناعية حيث أسهمت الآلات الحديثة في إدارة الأعمال بدلا عن العمال فأصبح كثير من العمال عاطلا دون عمل. الآثار السياسية: فقد ظهرت واضحة في سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على الحكم لتمكنهم من شراء الأصوات لصالحهم وتوزيع الرشاوي على حساب المتنافسين على السلطة كما ظهرت أيضا على الناخبين لنفس السبب السابق فآلت السلطة في النهاية إلى يد أصحاب رؤوس الأموال بغض النظر عن وجود الكفاءة أو عدمها فيهم فإن العامة لا يهتمون بوجود الكفاءة في الشخص بقدر ما يسديه إليهم من المنافع فابتعد الفقراء عن السلطة تماما. |
#401
|
|||
|
|||
جدلية العقل والدين بين الفكر الغربى والدين الإسلامى
جدلية العقل والدين بين الفكر الغربى والدين الإسلامى بقلم الشيخ / عبد الله بن نافع الدعجانى لعلّ أهمَّ ما يميز الفكر الغربي الحديث والمعاصر من غيره هو اصطباغه بفلسفة التفكيك، تلك الفلسفة التي ترفض المرجعية الفكرية والأخلاقية، هادفةً من ذلك نسفَ أيّ أساس للحقيقة، وإلى تقويض ظاهرة الإنسان، فليس هناك ـ في فلسفة التفكيك ـ حقيقة واحدة، بل مجموعة من الحقائق المتناثرة النسبية، وليس في الإنسان إلا بُعْدٌ واحد، وهو البُعْدُ المادي المجرَّد من القيم الأخلاقية والجمالية والروحية، تسيطر عليه العقلانية المادية وتطبّق عليه معايير العلوم الطبيعية والرياضية الكمّية. لم تولد تلك الفلسفة في عصرنا الحاضر، وإن كان يتزعمها اليوم الفيلسوف (جاك دريدا)، بل كانت بذرة كامنة في بنية العقل الغربي، بشقّيه الفلسفي والدِّيني، وما زالت تكبر وتزداد تضخُّماً حتى أوصلت المشروع الفكري الغربي إلى العدميّة المحضة. فالفكر الغربي بعد أن فكَّك الإنسانَ وجعله كائناً آلياً تحرِّكه غرائزه الوحشية المظلمة القابعة داخله كما يصوّره (دارون)، أو تدفعه القوانين الآلية التي لا يمكن تجاوزها كما تصوّره الفلسفة المادية، بعد أن فعل ما فعل بهذا المخلوق الكريم قوَّض علاقته بخالقه، وجعلها علاقةَ تناقضٍ لا علاقةَ انسجامٍ، وعلاقةَ صراعٍ لا علاقةَ عبوديةٍ. بسبب هذه الثقافة التفكيكية، استشكل الفكر الغربي الحديث والمعاصر علاقةَ العقل الإنساني بالدِّين الإلهي، ووصل بذلك إلى وصف تلك العلاقة بالتنافر والتضادّ، بل والتناقض، لكنه انقسم في محاولة حلّه هذه المشكلة المفتعلة إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: اتجاه متطرِّف غالٍ، يهدف إلى القضاء على الدِّين ومصدره جملةً وتفصيلاً، مع تأليهه العقل الإنساني. وهذا الاتجاه وإن كان قد ضعف تأثيره الفكري في فكر السواد الأعظم للشعوب الغربية، إلا أنه قد مثله لفيف من مشاهير الفلسفة الغربية باختلاف اتجاهاتهم الفلسفية من وضعية ومادية تقليدية وماركسية، فمنهم على سبيل المثال: 1 ـ (دولباخ): وهو فيلسوف مادي من القرن الثامن عشر، رفض كل الأدلة على وجود الله، بناءً على أن الطبيعة في الكون كله ـ في نظره ـ كُلٌّ واحد بذاته لا يحتاج إلى غيره في تفسيره، ولهذا أنكر الإلهَ، حتى أنه (كان يتباهى بأنه العدو الشخصي للإله)(1). 2 ـ (نيتشه): صاحب فلسفة القوة، فقد تمادى في نزعته الإلحادية، وقرّر أن: (الإنسان في لحظة تعسه من حياته اخترع ـ والعياذ بالله ـ خرافةً أسماها (الله)، وظلَّ منذ ذلك الحين مكبّلاً بقصة من خلقه هو، إلا أنه ليس من إله غير الإنسان لو واتته الشجاعة على أن يعرف قدره..)(2)، ولذلك أعلن في كتابه (هكذا تكلَّم زرادشت) موتَ الإله، إذ يقول: (جميع الآلهة قد ماتت، أو بأن الله قد مات God is dead) (3). وقد مثل هذا الاتجاهَ فلاسفةٌ كُثر غير ما ذكرت، أمثال: (ماركس ولينين وكونت وغيرهم)، إلا أن هذا الاتجاه أخفق إخفاقاً ذريعاً في محاولته حلَّ ذلك الإشكال الذي استشكله؛ لأنه هرب من المشكلة ولم يعترف بطرفها الآخر وهو الدِّين، وصادم الفطرة البشرية، ولذلك لم يكن مقنعــاً لا فلسفـياً ولا منطقياً، فلم يكن أثره الفكري بقدر أثر الاتجاه الثاني؛ لأنه اتجاه لا يملك إلا لغة الرفض والإقصاء والتطرُّف. الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه التوفيقي الذي اعترف بطرفَيْ المشكلة التي استشكلها، لكنه أقصى الطرف الثاني وهو الدِّين من ميدان المعرفة البشرية، وربطه بالوجدان القلبي المجرد من معنى العقل والتعقُّل. وقد بلور هذا الاتجاه الموقف العام للفكر الغربي المعاصر من الدِّين والوحي، فقد أصبح مفهوم الدِّين عند الغربيين مثل مفهوم الأدب والفن القائم على معايير ذاتية ترفض إقامة البراهين العقلية على صِدْقها، ويستحيل الإقناع بصِدْقها إقناعاً عقلياً. وقد ذهب إلى هذا الاتجاه كثير من الفلاسفة الغربيين على اختلاف اتجاهاتهم الفلسفية، فمنهم على سبيل المثال: 1 ـ (بسكال): فقد كان يرى أن الإيمان الدِّيني لا يخضع للعقل، بل يتعلّق بالوجدان القلبي؛ إذ يقول: (إن القلب هو الذي يستشعر الله لا العقل، هذا هو الإيمان، الله محسوس للقلب لا للعقل)(1). 2 ـ (إيمانويل كانت): إذ تهدف فلسفته النقدية وتتمحور حول تأكيـد عجــز العقــل عن إثبـات الميتافيـزيقيا ـ أي: الغيوب ـ وأعظم تلك الغيوب ـ في نظره ـ مسألة «وجود الله» و «حرية الإرادة» و "خلود النفس"، لكن (كانت) يعود ويؤكد ثبوت هذه المسائل الميتافيزيقية، لكن من طريق آخر، وهو الأخلاق أي: الوجدان الداخلي، أو كما يسميه "العقل العملي" (2). 3 ـ (برتراند رسل): فعلى الرغم من كونه ملحداً لا يدين بدين إلا أنه كان يؤكد على أن «الدِّين» لا يأتي بحلول مقنعة عقلية للمشكلات، وإنما هو قائم على الإرغام لا الإقناع العقلي، ففي سياق وصفه الفلسفة، يقول: (... لكنها ـ أي: الفلسفة ـ كذلك تشبه العلم في أنها تخاطب العقل أكثر مما تستند إلى الإرغام، سواءً كان ذلك الإرغام صادراً عن قوة التقاليد أو قوة الوحي...)(3). 4 ـ (جورج سنتيانا): الذي يقول عن الإيمان الدِّيني إنه (غلطة جميلة أكثر ملاءمة لنوازع النفس ومن الحياة نفسها) (4)، فقد كان يميل إلى الدِّين شعورياً، لكن يكفر به عقلياً، هذه المشكلة أرَّقته فدفعته إلى تأليف كتابه الشهير (العقل في الدِّين)، انتهى فيه إلى اللاأدرية المظلمة ممتزجة بميل عاطفي إلى الدِّين. ولا ريب أن من أعظم أسباب تبنِّي الفكر الغربي الحديث معاداةَ الدِّين أو إقصاءه من ميدان المعرفة البشرية، هو التأثر السلبي بالدِّين الكنسي الذي أقام أصوله على الخصومة بين الدِّين والعقل، يشهد لذلك تاريخه الأسود في حربه الشعواء وظلمه الفادح للعلم والعلماء، فالمقالات التي تدعو إلى فصل الدِّين عن العقل كانت ردّة فعل لانحدار الفكر الكنسي الذي صادر العقل، واحتكر مجالات المعرفة، وأقام اعتقاده على تفكيك الوحي عن العقل، حتى أصبحت كلمة "الدِّين" ـ بسبب هذا الشؤم الكنسي ـ في عصور الغرب الحديثة تعني: عداوة كل تفكير. لكن فلاسفة الغرب المعادين والمهمّشين للدِّين، وقعوا في خطأ منهجي فادح، ذلك بتعميمهم الموقف الكنسي على كل الأديان، وهم لم يَخبروا من الأديان إلا النصرانية، ولم يعرفوا الدِّين النصراني إلا من رجال الكنيسة، لكن أعجب منهم خطأ من يجترّ تلك المقالات الغربية ليغرسها في غير أرضها، ويطبِّقها على الدِّين الإسلامي، وهذا ما فعله بعض مفكِّري العرب، وعلى رأسهم الدكتور (زكي نجيب محمود)؛ ففي سياق شرحه حقيقة الدِّين ـ عنده ـ يقول: (... ففي الدِّين، الإدراك إيماني وليس برهانياً، إذا قيل لك هنا: إن الله موجود ففي إمكـانك أن تصـدق وتؤمن من غير أن تطلب برهاناً على ذلك، هذا إيمان، هكذا أيضاً في الفن أو الأدب: تعطي لوحة أو قصيدة، ففي لمعة البرق تتعلّق بها أو تنفر منها...)(5). - موقف الإسلام ـ إجمالاً ـ من علاقةَ العقل بالدّين: التصوُّر الإسلامي للكون قائم على ثنائية مترابطة مؤتلفة، ألا وهي ثنائية الخالق والمخلوق، والرب والمربوب، والعابد والمعبود، من هذه الثنائية العامة تتفرَّع ثنائيات متعددة كلها متّسقة بعضها مع بعض، مثل: ثنائية الروح والمادة، والعلم والدِّين، والعقل والنقل، والغيب والشهادة، والدنيا والآخرة. فالتصوّر الإسلامي ليس تصوّراً تحليلياً صِرْفاً، بحيث يفكِّك أجزاء الكون إلى جزئيات مبعثرة لا ائتلاف بينها ـ كما يفعله العقل الغربي ـ، بل إن التصوّر الإسلامي يجمع إلى منهجه التحليلي منهجاً تركيبياً يربط أجزاء الكون في وحدة تصوّرية متكاملة، فيها من جمال التركيب والصورة ما يبهر العقول ويحيِّرها. في هذا السياق تأتي العلاقة التكاملية المترابطة بين العقل والدِّين الصحيح؛ إذ لا يمكن أن تكون تلك العلاقة علاقةَ تنافر وتناقض؛ لأن مصدرهما واحد وهو "الله" سبحانه، فالعقل وما اكتسبه مخلوقٌ لله، والدِّين الصحيح وما شرعه من الله، والعقل يمثِّل إرادة الله الكونية ـ في هذا الباب ـ، والدِّين الصحيح يمثِّل إرادة الله الشرعية، ويستحـيل أن تتنـاقض الإرادتان؛ لأن مصدرهما واحد، قال ـ تعالى ـ: {أَلا لَهُ الْـخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. وبناءً عليه؛ فإنه يستحيل أن يتعارض قطعيٌّ من الدِّين بقطعيٍّ من العقل، لكن إن قُدِّر أن يتعارض ظنيٌّ من الدِّين بقطعيٍّ من العقل أو بالعكس، قُدِّر القطعيُّ سواءً كان عقلياً أو دينياً. أما تقديم العقل مطلقاً على الدِّين فمنهج باطل؛ لأنه يتضمن القدح في العقل نفسه، إذ إن العقل شاهد على صحة الدِّين، ورفضُ المشهود له ـ وهو الدِّين ـ يستلزم القدح في صدق شهادة العقل، وهذا قدح في العقل (1). والمقصود أن "الإسلام"، لا يجعل علاقةَ العقل بالدِّين موضعَ إشكال أصلاً؛ لأنهما في نظره متكاملان ومتّسقان ومؤتلفان، وذلك من وجهين: الأول: أنَّ تكليف الإنسان الإيمانَ بأصول الدِّين ـ من وجهة نظر الإسلام ـ قائمٌ على إعمالٍ عقليٍّ؛ فمن لا عقل له لا تكليف عليه، بل إن قيام الحجّة الدِّينية لا يكفي فيه مجرّد بلوغها، بل لا بد مع ذلك من فهم تلك الحجّة ـ والفهم إعمالٌ عقليٌّ ـ سيما لمن عرضت له شبهة معتبرة تمنعه من اعتقاد ما هو مقتضى تلك الحجّة، وإلا كان معذوراً في تأوّل مخالفة الحجّة الدِّينية، ولذلك جعل الله مشاقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومخالفة سبيل المؤمنين بعد العلم بالحجّة الدِّينية وتبيّنها، قال ـ تعالى ـ: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْـمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وهذا يبيّن أن الدِّين لم يقم على مجرد التسليم بلا براهين وفهم عقلي، بل إن مدار حجّة أدلة الدِّين قائمة على بلوغها وفهمها وإعمال العقل لإدراكها، فإذا كانت الغريزة العقلية والإعمال العقلي شرطاً في التكليف الدِّيني وبلوغ الحجّة الدِّينية امتنع أن تنافيَ وتناقضَ الدِّين؛ لأن ما كان شرطاً في الشيء امتنع أن يكون منافياً له. الثاني: أن "الدِّين" أو "الوحي" ملازم للدلائل والبراهين العقلية، ومتضمِّن لها، ولذلك كان الدليل والبرهان العقلي قسماً من منظومة الأدلة الشرعية القائمة على الوحي الدِّيني، وليس قسيماً لها، وفي ذلك يقول ابن تيميّة: (الأدلة العقلية والسمعية متلازمة كل منهما مستلزم صحة الآخر، فالأدلة العقليـة تستلزم صدق الرُّسل ـ عليهم السلام ـ فيما أخبروا به، والأدلة السمعية فيها بيان الأداة العقلية التي بها يعرف الله وتوحيده وصفاته وصدق أنبيائه...) (2). ولذلك، فقد تضمَّن "الوحي الدِّيني" أنواعاً كثيرة من الأدلة والبراهين العقلية التي تقتضي بيانَ الحق وترسيخ اليقين في القلوب، وهذه الأدلة العقلية هي البينات والتبيان الذي تضمّنه الوحي الدِّيني، قال ـ تعالى ـ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْـمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، فإذا كانت الأدلة العقلية ملازمة للدِّين ومتضمنة فيه، فإنه يستحيل أن تناقض الدِّين أو تعارضه. والمقصود ـ في هذا السياق ـ بيان العلاقة المنسجمة بين العقل والدِّين بياناً مُجْملاً؛ إذ يضيق المقام عن بسط تلك العلاقة، غير أني أؤكِّد على نتيجتين ضروريتين لفَهْمنا تلك العلاقة: الأولى: أن الصراع بين العقل والوحي صـراع مفتــعل لا حقيقة له، وأن كل تصوّر قام على فكرة هذا الصراع تصوّر قائم على وَهْم، ومما يُؤسفُ له أن الفكر الغربي المعاصر لم يكن وحيداً في بناء تصوّراته الفكرية على فكرة هذا الصراع ـ وإن كان قد بالغ فيها شططاً بعيداً ـ إذ شاركه في هذا المنهج مناهج ومدارس فكرية قديمة داخل إطار الفكر الإسلامي؛ كالمعتزلة والأشاعرة، إلا أن مواقفهم ـ وإن لم تبلغ من الإلحاد ما بلغه الفكر الغربي المعاصر المكذب للوحي والمنكر حقيقته ـ كانت أشدَّ تناقضاً؛ لأنهم أقرّوا بصدق الوحي عقلاً، ومع ذلك ردّوا بعض ما جاء به بناءً على مناقضته العقل (3). الثانية: أن الصدق الدِّيني ليس قائماً على الإرغام والتسليم بلا برهان عقلي، بل هو قائم على وجدان باطني وأدلة وبراهين عقلية تفيد العلم واليقين؛ فمن خالف الوحي الدِّيني فقد خالف الضرورة العقلية، ولذلك يقول الله ـ سبحانه ـ عن أهل النار: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]. ـــــــــــــــــــــــ (1) مدخل إلى الميتافيزيقيا، عزمي إسلام، مكتبة سعيد رأفت، عام 1977م، ص 113. (2) قضية العناية والمصادفة في الفكر الغربي المعاصر، دراسة نقدية في ضوء الإسلام، سارة بنت عبد المحسن آل سعود، مكتبة العبيكان، ط الأولى، 1415هـ ـ 1995م، ص 115. (3) مدخل إلى الميتافيزيقيا، عزمي إسلام، ص 114. (1) مدخل جديد إلى الفلسفة، عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط الثانية، 1979م، ص 214. (2) انظر: الميتافيزيقيا عند الفلاسفة المعاصرين، محمود رجب، ط الثالثة، 1998م، ص 21 ـ 29. (3) تاريخ الفلسفة الغربية، برتراند رسل، ترجمة: محمد فتحي الشنيطي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977م، 1/4. (4) قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، وزكي نجيب محمود، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1967م، 1/42. (5) طريقنا إلى الحرية، محاورة زكي نجيب محمود، أحمد أمين، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ط الأولى، 1994م، ص 134. (1) انظر في ذلك: دَرْء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، محمد رشاد سالم، 1/40 ـ80 ـ 170. (2) دَرْء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، 8/24 ـ 25. (3) انظر: دَرْء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، 1/181 ـ 182 ـ 189 . |
#402
|
||||
|
||||
دائما وابدا حضرتك تبهرنا بموضوعاتك
جزاك الله خيرا
__________________
متغيبة لفترة ... برجاء الدخول لزائري قسم * بوابة محافظات مصر *
|
#403
|
|||
|
|||
بارك الله فيكي أختنا الكريمة وقريبا ً نلتقي مع فصل جديد كمن الشبهات والرد عليه تابعي معنا
|
#404
|
||||
|
||||
اقتباس:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكرتني ردورد حضرتك على تلك الشبهات بكلمة جميلة لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ذكرها فى مجموع الفتاوي قال فيها:العجب من أقوام أرادوا نصرة الشرع بعقولهم الناقصة، وأَقْيِسَتِهِم الفاسدة، فكان ما فعلوه مَمَرًّا جَرَّأَ الملحدين أعداءَ الدِّين عليه، فلا الإسلامَ نصروا، ولا الأعداءَ كسروا. فجزاك الله خيراً ياأستاذ خالد على ماتقدم. ونحن في إنتظار الفصل الجديد وفقني الله وأياكم.
__________________
لا تطمعوا ان تهينونا ونكرمكم .....وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا الله يعلم أنَّا لا نحبكم ..............ولا نلومكم إن لم تحبونا |
#405
|
|||
|
|||
بارك فيك الرحمن وجزاك خيراً أخي الكريم
|
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|