#1
|
|||
|
|||
هل تعرف من هو أبو جعفر المنصور.
هل تعرف من هو أبو جعفر المنصور. الحمد لله هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو جعفر المنصور. وكان أكبر من أخيه أبي العباس السفاح، وأمه أم ولد اسمها سلامة.روى عن جده عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه " بويع له بالخلافة بعد أخيه في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة، وعمره يومئذ إحدى وأربعون سنة، لانه ولد في سنة خمس وتسعين على المشهور في صفر منها بالحميمة من بلاد البلقاء، وكانت خلافته ثنتين وعشرين سنة إلا أياما وكان أسمر اللون موفر اللمة خفيف اللحية، رحب الجبهة، أقنى الانف، أعين كأن عينيه لسانان ناطقان، يخالطه أبهة الملك، وتقبله القلوب، وتتبعه العيون، يعرف الشرف في مواضعه، وال*** في صورته، والليث في مشيته، هكذا وصفه بعض من رآه. وقد رأى المنصور في صغره مناما غريبا كان يقول: ينبغي أن يكتب في ألواح الذهب، ويعلق في أعماق الصبيان. قال: رأيت كأني في المسجد الحرام وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة والناس مجتمعون حولها، فخرج من عنده مناد: أين عبد الله ؟ فقام أخي السفاح يتخطى الرجال حتى جاء باب الكعبة فأخذ بيده فأدخله إياها، فما لبث أن خرج ومعه لواء أسود. ثم نودي أين عبد الله ؟ فقمت أنا وعمي عبد الله بن علي نستبق، فسبقته إلى باب الكعبة فدخلتها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وبلال، فعقد لي لواء وأوصاني بأمته وعممني عمامة كورها ثلاثة وعشرون كورا، وقال: " خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة ". وقد اتفق سجن المنصور في أيام بني أمية فاجتمع به نوبخت المنجم وتوسم فيه الرياسة فقال له: ممن تكون ؟ فقال: من بني العباس، فلما عرف منه نسبه وكنيته قال: أنت الخليفة الذي تلي الارض.فقال له: ويحك ماذا تقول ؟ فقال: هو ما أقول لك، فضع لي خطك في هذه الرقعة أن تعطيني شيئا إذا وليت.فكتب له، فلما ولي أكرمه المنصور وأعطاه وأسلم نوبخت على يديه، وكان قبل ذلك مجوسيا. ثم كان من أخص أصحاب المنصور. وقد حج المنصور بالناس سنة أربعين ومائة، وأحرم من الحيرة، وفي سنة أربع وأربعين، وفي سنة سبع وأربعين.وفي سنة ثنتين وخمسين، ثم في هذه السنة التي مات فيها. -وبنى بغداد والرصافة والرافقة وقصره الخلد. سمع المنصور يقول: الخلفاء أربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. والملوك أربعة: معاوية وعبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، وأنا. -وقال مالك: قال لي المنصور: من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت: أبو بكر.وعمر. فقال: أصبت وذلك رأي أمير المؤمنين. و سمع المنصور على منبر عرفة يوم عرفة يقول: أيها الناس ! إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على ماله أقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه، وقد جعلني الله عليه قفلا فإن شاء أن يفتحني لاعطياتكم وقسم أرزاقكم فتحني، وإذا شاء أن يقفلني عليه قفلني.فارغبوا إلى الله أيها الناس وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي وهبكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه، إذ يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) أن يوفقني للصواب ويسددني للرشاد ويلهمني الرأفة بكم والاحسان إليكم ويفتحني لاعطياتكم وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم، فإنه سميع مجيب. وقد خطب يوما فاعترضه رجل وهو يثني على الله عز وجل، فقال: يا أمير المؤمنين أذكر من أنت ذاكره، واتق الله فيما تأتيه وتذره. فسكت المنصور حتى انتهى كلام الرجل فقال: أعوذ بالله أن أكون ممن قال الله عزوجل فيه (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم) أو أن أكون جبارا عصيا، أيها الناس ! إن الموعظة علينا نزلت ومن عندنا نبتت. ثم قال للرجل: ما أظنك في مقالتك هذه تريد وجه الله، وإنما أردت أن يقال عنك وعظ أمير المؤمنين، أيها الناس: لا يغرنكم هذا فتفعلوا كفعله ثم أمر به فاحتفظ به وعاد إلى خطبته فأكملها، ثم قال لمن هو عنده: أعرض عليه الدنيا فإن قبلها فأعلمني، وإن ردها فأعلمني، فما زال به الرجل الذي هو عنده حتى أخذ المال ومال إلى الدنيا فولاه الحسبة والمظالم وأدخله على الخليفة في بزة حسنة، وثياب وشارة وهيئة دنيوية، فقال له الخليفة: ويحك ! لو كنت محقا مريدا وجه الله بما قلت على رؤوس الناس لما قبلت شيئا مما أرى، ولكن أردت أن يقال عنك إنك وعظت أمير المؤمنين، وخرجت عليه، ثم أمر به فضربت عنقه. وقد قال المنصور لابنه المهدي: إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة.والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه. وقال أيضا: يا بني استدم النعمة بالشكر، والقدرة بالعفو، والطاعة بالتأليف، والنصر بالتواضع والرحمة للناس، ولا تنس نصيبك من الدنيا ونصيبك من رحمة الله. وحضر عنده مبارك بن فضالة يوما وقد أمر برجل أن يضرب عنقه وأحضر النطع والسيف، فقال له مبارك: سمعت الحسين يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا " فأمر بالعفو عن ذلك الرجل.ثم أخذ يعدد على جلسائه عظيم جرائم ذلك الرجل وما صنعه. ودخل بعض الزهاد على المنصور فقال: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك ببعضها، واذكر ليلة تبيت في القبر لم تبت قبلها ليلة، واذكر ليلة تمخض عن يوم لا ليلة بعده .قال: فأفحم المنصور قوله وأمر له بمال فقال: لو احتجت إلى مالك لما وعظتك ودخل عمرو بن عبيد القدري على المنصور فأكرمه وعظمه وقربه وسأله عن أهله وعياله، ثم قال له: عظني.فقرأ عليه سورة الفجر إلى (إن ربك لبالمرصاد) فبكى المنصور بكاء شديدا حتى كأنه لم يسمع بهذه الآيات قبل ذلك، ثم قال له: زدني. فقال: إن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك ببعضها، وإن هذا الامر كان لمن قبلك ثم صار إليك ثم هو صائر لمن بعدك، واذكر ليلة تسفر عن يوم القيامة. فبكى المنصور أشد من بكائه الاول حتى اختلفت أجفانه. فقال له سليمان بن مجالد: رفقا بأمير المؤمنين. فقال عمرو: وماذا على أمير المؤمنين أن يبكي من خشية الله عز وجل. ثم أمر له المنصور بعشرة آلاف درهم فقال: لا حاجة لي فيها. فقال المنصور: والله لتأخذنها. فقال: والله لا آخذنها. فقال له المهدي وهو جالس في سواده وسيفه إلى جانب أبيه: أيحلف أمير المؤمنين وتحلف أنت ؟ فالتفت إلى المنصور فقال: ومن هذا ؟ فقال: هذا ابني محمد ولى العهد من بعدي. فقال عمرو: إنك سميته اسما لم يستحقه لعمله، وألبسته لبوسا ما هو لبوس الابرار، ولقد مهدت له أمرا أمتع ما يكون به أشغل ما يكون عنه.ثم التفت إلى المهدي فقال: يا بن أخي ! إذا حلف أبوك وحلف عمك فلان يحنث أبوك أيسر من أن يحنث عمك، لان أباك أقدر على الكفارة من عمك. ثم قال المنصور: يا أبا عثمان هل من حاجة ؟ قال: نعم ! قال: وما هي ؟ قال: لا تبعث إلي حتى آتيك.ولا تعطني حتى أسألك. فقال المنصور: إذا والله لا نلتقي. فقال عمرو: عن حاجتي سألتني.فودعه وانصرف. فلما ولى أمده بصره وهو يقول: كلكم يمشي رويد * كلكلم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد ومن شعره أيضا: المرء يأمل أن يعيش وطول عمر قد يضره تبلى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره وتخونه الايام حتى * لا يرى شيئا يسره كم شامت به إن هلكت وقائل لله دره قالوا: وكان المنصور في أول النهار يتصدى للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولايات والعزل والنظر في مصالح العامة، فإذا صلى الظهر دخل منزله واستراح إلى العصر، فإذا صلاها جلس لاهل بيته ونظر في مصالحهم الخاصة، فإذا صلى العشاء نظر في الكتب والرسائل الواردة من الآفاق، وجلس عنده من يسامره إلى ثلث الليل، ثم يقوم إلى أهله فينام في فراشه إلى الثلث الآخر، فيقوم إلى وضوئه وصلاته حتى يتفجر الصباح، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيجلس في إيوانه. وقد ولى بعض العمال على بلد فبلغه أنه قد تصدى للصيد وأعد لذلك كلابا وبزاة، فكتب إليه ثكلتك أمك وعشيرتك، ويحك إنا إنما استكفيناك واستعملناك على أمور المسلمين، ولم نستكفك أمور الوحوش في البراري، فسلم ما تلي من عملنا إلى فلان والحق بأهلك ملوما مدحورا. -وقد كان المنصور في شبيبته يطلب العلم من مظانه والحديث والفقه فنال جانبا جيدا وطرفا صالحا، وقد قيل له يوما: يا أمير المؤمنين هل بقي شئ من اللذات لم تنله ؟ قال: شئ واحد، قالوا: وما هو ؟ قال: قول المحدث للشيخ من ذكرت رحمك الله. فاجتمع وزراؤه وكتابه وجلسوا حوله وقالوا: ليمل علينا أمير المؤمنين شيئا من الحديث، فقال: لستم بهم، إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، رواد الآفاق وقطاع المسافات، تارة بالعراق وتارة بالحجاز، وتارة بالشام، وتارة باليمن.فهؤلاء نقلة الحديث. 23-قال ابن جرير : أن المنصور أطلق في يوم واحد لبعض أعمامه ألف ألف درهم وفي هذا اليوم فرق في ؟ يته عشرة آلاف درهم، ولا يعلم خليفة فرق مثل هذا في يوم واحد. وقرأ بعض الفراء عند المنصور (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) فقال: والله لو لا أن المال حصن للسلطان ودعامة للدين والدنيا وعزهما ما بت ليلة واحدة وأنا أحرز منه دينارا ولا درهما لماأجد لبذل المال من اللذة، ولما أعلم في إعطائه من جزيل المثوبة. وقرأ عنده قاري آخر (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) فقال: ما أحسن ما أدبنا ربنا عز وجل. وقال المنصور: سمعت أبي يقول سمعت علي بن عبد الله يقول: سادة أهل الدنيا في الدنيا الاسخياء، وسادة أهل الآخرة في الآخرة الاتقياء. ولما عزم المنصور على الحج في هذه السنة دعا ولده المهدي فأوصاه في خاصة نفسه وبأهل بيته وبسائر المسلمين خيرا، وعلمه كيف تفعل الاشياء وتسد الثغور، وأوصاه بوصايا يطول بسطها وحرج عليه أن لا يفتح شيئا من خزائن المسلمين حتى يتحقق وفاته فإن بها من الاموال ما يكفي المسلمين لو لم يجب إليهم من الخراج درهم عشر سنين، وعهد إليه أن يقضي ما عليه من الدين هو ثلاثمائة ألف دينار ، فإنه لم ير قضاءها من بيت المال.فامتثل المهدي ذلك كله. وأحرم المنصور بحج وعمرة من الرصافة وساق بدنه وقال: يا بني إني ولدت في ذي الحجة وقد وقع لي أن أموت في ذي الحجة، وهذا الذي جرأني على الحج عامي هذا. وودعه وسار واعتراه مرض الموت في أثناء الطريق فما دخل مكة إلا وهو ثقيل جدا، فلما كان بآخر منزل نزله دون مكة إذا في صدر منزله مكتوب: (بسم الله الرحمن الرحيم). أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت * سنوك وأمر الله لا بد واقع أبا جعفر هل كاهن أو منجم * لك اليوم من كرب المنية مانع فدعا بالحجبة فأقرأهم ذلك فلم يروا شيئا فعرف أن أجله قد نعي إليه. وكانت وفاته ليلة السبت لست وقيل لسبع مضين من ذي الحجة، وكان آخر ما تكلم به أن قال: اللهم بارك لي في لقائك. وقيل: إنه قال يا رب إن كنت عصيتك في أمور كثيرة فقد أطعتك في أحب الاشياء إليك شهادة أن لا إله إلا الله مخلصا.ثم مات. وكان نقش خاتمه.الله ثقة عبد الله وبه يؤمن. وكان عمره يوم وفاته ثلاثا وستين سنة على المشهور، منها ثنتان وعشرون سنة خليفة. ودفن بباب المعلاة رحمه الله. ومما رثي به : عجبا للذي نعى الناعيان * كيف فاهت بموته الشفتان ملك أن عدا على الدهر يوما * أصبح الدهر ساقطا للجران ليت كفا حثت عليه ترابا * لم تعد في يمينها ببنان والحمد لله رب العالمين |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|