|
#1
|
|||
|
|||
العشر الأواخر من رمضان سلوك وتربية
عناصر الخطبة:
1- بقي الثلث والثلث كثير. 2- لماذا العشر الأواخر من رمضان. 3- هدي النبي العدنان في العشر الأواخر من رمضان. * الخطبة الأولى الحمد لله، الحمد لله فتح أبواب الرحمة، وبسط أسباب المغفرة، ووعد بمنته بالعتق من النيران في شهر رمضان، له الحمد سبحانه وتعالى على ما أفاض من الخيرات، وما أنزل من الرحمات، وما ضاعف من الحسنات، وما محا من السيئات، نحمده جل وعلا حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء الأرض والسماوات، نحمده جل وعلا كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، حمداً يوافي فضله وإنعامه، ويولي لنا رحمته ورضوانه، ويقينا سخطه وعذابه، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه؛ فله الحمد في الأولى، وله الحمد في الآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آنٍ. * وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، ختم الله به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله إلى الناس كافة أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، وهدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وكثر به من بعد قلة، وأعز به من بعد ذلة. * وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته. * ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70 - 71]. * أما بعد: بدأت أواخر شهرنا هيا ابدؤوا عزما جديدا في رحاب أواخر واستنهضوا جهدا حميدا راشدا ليحل فيكم نور فضل ذاخر فالصوم آذان بالرحيل فشمروا صدق انطلاق للضياء الفاخر فستندمون إن فاتكم شهر الهدى في لهو إغفال و سوء تفاخر * العنصر الأول: بقي الثلث والثلث كثير: أمة الإسلام ها هي شمس رمضان قد آذنت بالغروب فلم يبق من شهر الكرم والجود إلا الثلث. فماذا عملت في الثلثين من خيرات وماذا أسهمت من قيام وطاعات وما عساك أنت فاعل في الثلث وما ادرك ما الثلث؟ إنه الثلث الذي من أدركه لله طاعا فقد حلت عليه الرحمات وغفرة له الزلات ورفعة له في الجنة الدرجات. إنه ثلث العباد. إنه ثلث القوام. * كان أبو إسحاق السَّبيعي - رحمه الله - يقول: "يا معشر الشَّباب، جدُّوا واجتهدوا، وبادروا قوَّتكم، واغتنِموا شبيبتَكم قبل أن تعجزوا، فإنَّه قلَّ ما مرَّت عليَّ ليلة إلاَّ قرأت فيها بألف آية". وكان عبدالواحد بن يزيد - رحِمه الله - يقول لأهله في كل ليلة: "يا أهلَ الدَّار، انتبهوا - أي: من نومكم - فما هذه - أي: الدنيا - دار نوم، عن قريب يأكلُكم الدود". * وقال محمد بن يوسف: كان سفيان الثَّوري - رحِمه الله - يُقيمنا في اللَّيل ويقول: "قوموا يا شباب، صلُّوا ما دمتم شبابًا، إذا لم تصلُّوا اليوم، فمتى؟!". انه ثلث القدر والرفعة قال أحمد بن حرب: "يا عجبًا لِمن يعرف أنَّ الجنَّة تُزَيَّن فوقه، وأنَّ النَّار تسعَّر تحته، كيف ينام بيْنهما؟!". تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعار تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار فلنستدرك ما مضى بما بقى وما تبقى من ليال أفضل مما مضى * العنصر الثاني لماذا العشر الأواخر من رمضان؟ معاشر الصائمين: فإن سألتم لماذا العشر الأواخر من رمضان؟ الجواب بحول الملك الوهاب: اعلم علمني الله تعالى وإياك - أن الله تعالى جعل للعشر من الخصائص والمزايا ما ليس لغيرها من سائر الليالي وهاك بيان ذلك: 1- أن فيها ليلة القدر، التي قال الله عنها: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 3-5]. وقال فيها: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 3، 4]. أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الكاتبين كل ما هو كائن في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر، وغير ذلك من أوامر الله المحكمة العادلة. * يقول النبي: "وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم". حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجه. قال الإمام النخعي: "العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها". * من خصائص هذه العشر الاعتكاف فيها، وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وهو ثابت بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]. وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً". * 2- الأن الأعمال بالخواتيم: فمن احسن في أول الشهر ثم أصابه الفتور و استولى عليه الشيطان فترك قراءة القران و هجر المسجد و صلاة التراويح وكلت نفسه عن الطاعة فهذا من الخاسرين. ومن اجتهد و جد في العشر الأواخر غفر الله تعالى له ما كان من تقصير فمن افطر قبل الغروب بلحظات فقد فسد صومه و خاب سعية و و من احدث قبل الصلاة فسدت صلاته لان الكريم اجرى سنة في خلقه إن الأعمال بالخواتيم. * كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده، وهؤلاء الذين ﴿ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون:60]. رُوي عن علي رضي اللّه عنه، قال: " كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27] ". وعن الحسن قال: " إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا ". فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون. * العنصر هدي النبي العدنان في العشر الأواخر من رمضان: للعشر الأواخر من رمضان عند النبي - صلى الله علية وسلم - و أصحابه أهمية خاصة ولهم فيها هدى خاص، فقد كانوا أشد ما يكونون حرصاً فيها على الطاعة. والعبادة والقيام والذكر ولنتعرف في هذه الدقائق على أهم الأعمال التي كان يحرص عليها الأولون وينبغي علينا الاقتداء بهم في ذلك: أولا: فمن أهم هذه الأعمال: (إحياء الليل) فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحياء الليل وأيقظ أهله وشد مئزر. * ومعنى إحياء الليل: أي استغراقه بالسهر في الصلاة والذكر و غيرهما، وقد جاء عند النسائي عنها أنها قالت: لا اعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى أصبح ولا صام شهراً كاملاً قط غير رمضان) فعلى هذا يكون أحياء الليل المقصود به أنه يقوم أغلب الليل، ويحتمل أنه كان يحي الليل كله كما جاء في بعض طرق الحديث. امنع جفونك أن تذوق مناماً وذر الدموع على الخدود سجاما وأعلم بأنك ميَّتٌ ومحاسب يا من على سخط الجليل أقاما لله قومٌ أخلصوا في حبه فرضي بهم واختصهم خُداما قومٌ إذا جنَّ الظلام عليهم باتوا هنالك سُجداً وقياما ثانيا ومن الأعمال الجليلة في هذه العشر: إيقاظ الرجل أهله للصلاة. و لقد كان النبي - صلى الله عليه و سلم- يعمل على إيقاظ الأهل للصلاة و يحثهم على ذلك لتنالهم الرحمات و تصيبهم النفحات لا كحالنا في العشر الأواخر من رمضان حيث تعمر الأسواق و ينشغل الناس عن هذه العشر بإعداد الأطعمة و الأشربة و الملابس استعدادا للعيد و ينسون في غمرة ذلك يوم الوعيد و ينسون أن من أراد المفاخر فعليه بالطاعة في العشر الأواخر. * تأملوا حال نبيكم يا رعاكم الله الله كيف كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي، ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحياء الليل وأيقظ أهله وشد مئزر. قال سفيان الثوري: " أحب إليّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه، ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك. * وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطرق فاطمة وعلياً ليلاً فيقول لهما: «ألا تقومان فُتصليان» [رواه البخاري ومسلم]. وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يُوتر. وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء في وجهه. وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: " الصلاة الصلاة "، ويتلو هذه الآية: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه:132]. * وكانت امرأة أبي محمد حبيب الفارسي تقول له بالليل: " قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا ". يا نائماً بالليل كم ترقد قم يا حبيبي قد دنا الموعد وخُذ من الليل وأوقاته ورِداً إذا ما هجع الرّقد من نام حتى ينقضي ليله ثم يبلغ المنزل أو يجهد * ثالثا - ومن الأعمال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر شد المئزر كما في الصحيحين والمعنى أنه يعتزل النساء في هذه العشر وينشغل بالعبادة والطاعة وذلك لتصفو نفسه عن الأكدار والمشتهيات فتكون أقرب لسمو القلب إلى معارج القبول وأزكى للنفس لمعانقة الأجواء الملائكية وهذا ما ينبغي فعله للسالك بلا ارتياب. * رابعا - الاعتكاف: تلك السنة التي ما تركها النبي - صلى الله عليه و سلم- منذ هاجر من مكة إلى المدينة. تلك السنة التي أصبحت تحارب باسم الإرهاب في بعض البلاد الإسلامية. تلك السنة التي يوضع من يقوم بها في الخانة السوداء و يصنف على أنه متطرف أو إرهابي أو متشدد. في حين أن الخمارات و البارات و دور الملاهي التي تفرز كل قبيح لا رقيب و لا حسيب عليها. * قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكِف العشرَ الأواخر من رمضان، حتى توفَّاه الله عَزَّ وجَلَّ وتَرَكه مرة، فقضاه في شوَّال، واعتكف مرة في العشر الأول، ثم الأوسط، ثم العشر الأخير، يلتمس ليلةَ القدر، ثم تبيَّن له أنَّها في العشر الأخير، فداوم على اعتكافه حتى لحق بربه عَزَّ وجَلَّ وكان يأمر بخباءٍ فيُضرب له في المسجد يخلُو فيه بربه عَزَّ وجَلَّ. * فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجاور في العشر التي وسط الشهر، فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلة، ويستقبل إحدى وعشرين، يرجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، ثم إنه أقام في شهر، جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس، فأمرهم بما شاء الله، ثم قال: (إني كنت أجاور هذه العشر، ثم بدالي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه، وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين). * عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده. رواه البخاري ومسلم. قال الإمام الزهري رحمة الله عليه: عجباً للمسلمين تركوا الاعتكاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم (ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل ). * ومن أسرار الاعتكاف صفاء القلب والروح إذ أن مدار الأعمال على القلب كما في الحديث (إلا و أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب). * فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلمَّا قويت المعرفة بالله، والمحبَّة له، والأنس به أورثتْ صاحبَها الانقطاعَ إلى الله تعالى بالكلية على كلِّ حال. كان بعضُهم لا يزال منفردًا في بيته، خاليًا بربه، فقيل له: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: ((أنا جليسُ مَن ذَكَرني)). أَوْحَشَتْنِي خَلَوَاتِي بِكَ مِنْ كُلِّ أَنِيسِي وَتَفَرَّدْتُ فَعَايَنْ تُكَ بِالْغَيْبِ جَلِيسِي" * خامسا اغتساله بين العشاءين: فقد وردت أحاديث و إن كان فيها ضعف و نكارة إلا أنه يعمل بها في فضائل الأعمال فعن علي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يغتسل بين العشاءين كل ليلة يعني من العشر الأواخر] و في إسناده ضعف. و روي [عن حذيفة أنه قام مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة من رمضان فاغتسل النبي صلى الله عليه و سلم و ستره حذيفة و بقيت فضلة فاغتسل بها حذيفة و ستره النبي صلى الله عليه و سلم] خرجه ابن أبي عاصم. * و في رواية أخرى [عن حذيفة قال: نام النبي صلى الله عليه و سلم ذات ليلة من رمضان في حجرة من جريد النخل فصب عليه دلو من ماء]. قال ابن جرير: " كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر ". وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة، ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر. * وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين، ويستجمر ويقول: " ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة، والتي تليها ليلتنا، يعني البصريين ". ورُوي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّه إذا كان ليلة أرْبع وعشرين، اغتسل وتطيَّب، ولبس حلَّة: إزار ورداء، فإذا أصبح طواهُما فلم يلبَسْهما إلى مثلِها من قابل. * وكان ثابتٌ البناني وحميدٌ الطَّويل يلبَسان أحسنَ ثيابِهما، ويتطيَّبان ويطيِّبان المسجد بالنَّضوح في اللَّيلة التي تُرْجَى فيها ليْلة القدر. وقال ثابتٌ: وكان لتميم الدَّاريِّ حُلَّة اشتراها بألف درهم، وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر. أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. * الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما. * أما بعد: سادسا زيادة الصدقات وإطعام الطعام لضمان الغرف وإجبار النقص: معاشر الصائمين: و من الأعمال المشروعة التي شرعها لنا الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم - المسارعة إلى الصدقات و المنافسة في قضاء الحاجات فنحن عباد الله تفتح فيه أبواب الجنان و قد دلنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على أسباب دخولها فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها. * قالوا: لمن هي يا رسول الله؟، قال: لمن طيّب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلّى بالليل والناس نيام) (الترمذي وأحمد والحاكم). و في ختام العشر فرض علينا زكاة هي طهرة لصيامنا من اللغو و الرفث و طعمة و توسعة للمساكين و الفقراء عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " أخرجه أبوداود وابن ماجة بسند حسن. * أما جود النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن سمت روحه و نهلت من معين جود الجواد -جل جلاله- فلا بد أن يتصف بصفاته و هي الجود فقد كان نبيك - صلى الله عليه وسلم - من أجود الناس فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ " أخرجه البخاري ومسلم. ما قال لا قط إلا في تشهده ♦♦♦ لولا التشهد كانت لاؤه نعم * وإنما كان جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان خاصةً أكثر لثلاثة أسباب: السبب الأول: لمناسبة رمضان، فإنَّ رمضان شهر تضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، فيتقرب فيه العبيد إلى مولاهم بكثرة الأعمال الصالحات. * السبب الثاني: كثرة قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن في رمضان، والقرآن فيه آيات كثيرة في الحث على الإنفاق في سبيل الله، والتقلل من الدنيا والزهد فيها والإقبال على الآخرة، فيكون في ذلك تحريك لقلب الإنسان لأن ينفق في سبيل الله، وحري بكل من يقرأ القرآن أن يكثر من الصدقة في سبيل الله. * السبب الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقى جبريل في كل ليلة، ولقاؤه لجبريل من باب مجالسة الصالحين، ومجالسة الصالحين تزيد في الإيمان وتحث على الطاعة، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصدقة في رمضان. * صور مِن كرم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وجوده: لقد مثَّل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة الحسنة في الجُود والكَرَم، فكان أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان أجود بالخير مِن الرِّيح المرسلة. (وقد بلغ صلوات الله عليه مرتبة الكمال الإنساني في حبِّه للعطاء، إذ كان يعطي عطاء مَن لا يحسب حسابًا للفقر ولا يخشاه، ثقة بعظيم فضل الله، وإيمانًا بأنَّه هو الرزَّاق ذو الفضل العظيم). * أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غَنما بين جبَلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلِمُوا، فإن محمدا يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجلُ لَيُسْلِمُ ما يُرِيد إلا الدنيا، فما يلبثُ إلا يسيرا حتى يكون الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها". أخرجه مسلم. * سابعا:الإكثار من الدعاء و سؤال العفو و العافية: قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوّ تحب العفو فأعف عنّي) (الترمذي). قال ابن كثير رحمه الله: (ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات. وفي شهر رمضان أكثر. وفي العشر الأخير منه. ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"). * والعفو من أسماء الله تعالى وهو: المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم على بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته. قال يحي بن معاذ: لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه، لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه. * في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الدعاء، دون غيره في هذه الليلة المباركة [ليلة القدر، كما دلّ على ذلك حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] يدل دلالة واضحة على أهميته، فالعفو هو سؤال اللَّه عز وجل التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه. قال القرطبي رحمه اللَّه تعالى: ((العفو، عفو اللَّه عز وجل عن خلقه، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها، بخلاف الغفران، فإنه لا يكون معه عقوبة البتة)). * قوله: ((تحب العفو)) أي أن اللَّه تعالى يحب أسماءه وصفاته، ويحب من عبيده أن يتعبَّدوه بها، والعمل بمقتضاها وبمضامينها [ويحب اللَّه تعالى العفوَ من عباده بعضهم عن بعض فيما يحب اللَّه العفو فيه]. وهذا المطلب في غاية الأهمية، وذلك أن الذنوب إذا تُرِكَ العقاب عليها يأمن العبد من استنزال اللَّه تعالى عليه المكاره والشدائد، حيث إن الذنوب والمعاصي من أعظم الأسباب في إنزال المصائب، وإزالة النعم في الدنيا، أما الآخرة فإن العفو يترتب عليه حسن الجزاء في دخول النعيم المقيم. يا رب عبدك قد أتاك وقد أساء وقد هفا يكفيه منك حياؤه من سوء ما قد أسلفا حمل الذنوب على الذنوب الموبقات وأسرفا و قد استجار بذيل عف وك من عقابك ملحفا رب اعف عنه وعافه فلأنت أولى من عفا السيد مراد سلامة
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
جعله الله فى ميزان حسناتك يوم تلقاه ،إنه بكل جميل كفيل و هو حسبنا و نعم الوكيل .
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
جزاك الله كل خير , وجعلها الله فى ميزان حسناتك
|
العلامات المرجعية |
|
|