|
#1
|
|||
|
|||
في ظلال رمضان
أعظم النعم في الشرائع دلالتها على رضا الله تعالى ومحبته:
ليس الشأن في أن تتعب أو تنصب، أو تجوع أو تظمأ، لكن أعظم النعم، والشأن كل الشأن، أن ينال عملك شرف الوصول الى الله. * فرهبان النصارى، والبوذيون، والهنادكة، وأتباع كونفوشيوس، والدلايلاما في التبت، والوثنيون في افريقيا، وغيرهم كثير، يتعبون وينصبون أكثر منك، وهم يظمؤون ويجوعون أكثر منك، ويحرمون أنفسهم من متع الدنيا وطيباتها ويحرمونها على أنفسهم أكثر مما تترك أنت من الخبائث المحرمة، بكثير. * يعيشون على وهْمٍ ويخترعون تعبدات، وبمضي الزمن يقدَس واضعوها ومخترعوها، ثم يأتي ملايين ممن هم كالأنعام لا سمع يعقلون به ولا بصر ولا أفئدة تعقل، يتلقون بلا عقل، فيتتابعون كالفراش في النار. * إن من أعظم نعم الله تعالى علينا أننا لم نخترع شريعة ولا عبادة، بل علمنا أدلة صحة الرسالة، وهي متواترة متكاثرة، تتزاحم على النفس كثرتها، فاستيقنّا صحة الرسالة وعلمنا أنها متضمنة لما يرضي الله تعالى.. فأفعال الصلاة وأقوالها أنزلها الله تعالى وضمنها رضاه، فاستيقنا وصول أقوالها وأفعالها اليه تعالى إن استوفينا شروطها الشرعية. * وترك الطعام والشراب نهار رمضان أمر بوحي استيقنا رضا الله تعالى عنه وعلمنا وصول العمل لله.. وهكذا مناسك الحج تعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي فعلم أن أفعاله وأقواله وزمنه ومكانه هو محل رضوان الله تعالى يقينا، واستيقنا وصوله اليه تعالى. * وكذا كل الشرائع وأحكامها، عبادة كانت أو معاملة، قولا أو فعلا أو اعتقادا أو معاني في القلوب. * ولهذا حرمت البدع لما تتضمن من المفاسد الكثيرة، وأعظمها أنها ضلال عظيم حيث يدعي مخترعها رضا الله تعالى عنها من قول أو عمل أو اعتقاد، وهذا المدعي كاذب على الله مفرٍ عليه، ولن يقبل عملا من مفترٍ، فمن تلقاها منه لم يجد شيئا عند لقاء الله تعالى بعد تعبه وكدّه وفناء عمره فيما لا ينفع.. لهذا كانت الشرائع والتكاليف من الله تعالى أعظم النعم. * *ولهذا ختم تعالى آية الصيام ببيان أن تفصيل الشرائع من أجلّ النعم {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}*[البقرة: 185]، وقال في خاتمة آية الضوء*{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}*[المائدة: 6]، وقال في خاتمة آية كفارة حنث اليمين {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}*[المائدة: 89] وقال في سياق آيات أحكام الطلاق والعدة {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ}*[البقرة: 231]. * *ولهذا فرح مؤمنو أهل الكتاب بما أنزل تعالى وبشرائعه {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}*[الرعد: 36]وأمر تعالى بالفرح بما {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}*[يونس: 58]، يعني الإيمان والقرآن.. وقال تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}*[آل عمران: 164] فالحمد لله على نعمه. * إن عظمة الشرائع أنها تدل قطعا على ما يرضي رب العالمين تعالى من قول وعمل واعتقاد وموقف، وتصل العبيد بالله تعالى، فتمنع العبد أن يقضي عمره ضالا يظن نفسه مهتديا، وتمنعه من ثم من حياة عابثة أو عمل ضائع يجعله الله يوم القيامة هباء منثورا. * إن تلك الوصلة بالله تعالى، ويقين الطريق اليه، نعمة ما بعدها نعمة، وهذه خاصة شرائع الرسل.. فقبل أن تتعب؛ انظر هل فيما تقدم عليه رضوان الله يقينا أم لا؟ * فمن حملَنا على شريعة غير شريعة الله تعالى فقد أجرم، ومن ابتدع بدعا لنعمل عليها فقد خدعنا، ومن أوصل الينا شرائع الله تعالى ودعانا اليها وأقامنا عليها فقد نصح، ولهذا قال تعالى{وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ}*[الصافات: 181] وذلك لسلامة وصحة ما بلغوه عن ربهم.. فسلام الله عليهم.. فاللهم اجعلنا ممن طلب رضاك فأدركه، ولا تجعلنا ممن تعب وكد ولم يرضك. مدحت القصراوي
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|