|
#1
|
||||
|
||||
الإعجاز العلمي في حديث الثلث
الإعجاز العلمي في حديث الثلث
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة كلمات الدليل: البطن وعاء، لُقيمات، إقامة الصُّلب، ثُلُث الطعام، ثُلُث الشراب، ثلث النفس ... انظر النص. كلمات الدليل العلمي: انظر النص. المقدمة: روى الترمذي في صحيحه عن مقدام بن معدي كرب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطنٍ، بحسب ابن آدم أكلات يُقمن صُلبه، فإن كان لا مَحالة، فثُلُث لطعامه، وثُلُث لشرابه، وثُلُث لنَفَسَه))؛ قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح[1]. كما رواه ابن ماجه في سُننه عن نفس الصحابي: المقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطنٍ حسب الأدمي لُقيمات يُقمنَ صُلبه، فإن غلَبت الآدميَّ نفسُه، فثُلث للطعام، وثُلث للشراب، وثلث للنَّفَس))[2]؛ ورواه الإمام أحمد في مسنده عن نفس الصحابي أيضًا[3]. أشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى عِدة حقائق، فقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم المعدة - (المشار إليها في الحديث بالبطن) - بالوعاء، وقسَّم النبي صلى الله عليه وسلم حَجم المعدة إلى ثلاثة أقسام، وأخبَر أن أكبر كميَّة من الطعام والشراب يُمكن أن يتناوَلَها المرءُ عند الحاجة المُلحَّة، هو مقدار ما يَملأ ثُلُثي حجم المعدة، وأخبَر صلى الله عليه وسلم أن ترْك ثُلث حجم المعدة خاليًا من الطعام والشراب، ضروري لنَفَس الإنسان، وقد أثبت العلم الحديث هذه الحقائق وأيَّدها. إن تقسيم حجم المعدة إلى ثلاثة أثلاث: ثلثين للطعام والشراب، وثُلُث للنفس، لم يذكر عرضًا في هذا الحديث، بل لحكمة أن مَلء هذا الوعاء بكثرة الأكل شرٌّ على الإنسان. ونُصْحه بالاكتفاء منه على قدر الاحتياج أصبح بالغًا جليًّا واضحًا في هذا الزمان، فلماذا هذا التقسيم وتحديده بالثُّلث؟ ثم كم مقدار هذا الثلث؟ وما الذي يحدث إذا تجاوز المرء ولم يلتزم بهذا التوجيه النبوي؟ سأحاول الإجابة على هذه الأسئلة وَفق ما استقر من حقائق العلم الحديث في علم التشريح ووظائف الأعضاء، معتمدًا على الركائز التالية: سأعرض شرحًا للحديث لعلمائنا السابقين، ثم طرحًا للجوانب العلمية الحديثة في الموضوع، ثم بيانًا لوجه الإعجاز العلمي في هذا الحديث العظيم. أولاً: أقوال شُرَّاح الحديث: 1- أضرار امْتلاء المعدة: قال ابن القيم في هذا الحديث[4] تحت عنوان: فصل في هدْيه صلى الله عليه وسلم: في الاحتماء من التُّخَم والزيادة في الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشرب، قال: والأمراض نوعان: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة: أفرطت في البدن حتى أضرَّت بأفعاله الطبيعية، وهي الأمراض الأكثرية، وسببها: إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن، وتناول الأغذية القليلة النفع، البطيئة الهضم، والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة، فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية، واعتاد ذلك، أورثته أمراضًا متنوعة، منها بطيء الزوال أو سريعه، فإذا توسَّط في الغذاء، وتناوَل منه قدر الحاجة، وكان معتدلًا في كميته وكيفيته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير، فامتلاء البطن من الطعام مُضِر للقلب والبدن، هذا إذا كان دائمًا أو أكثريًّا، وأما إذا كان في الأحيان، فلا بأس به، فقد شرِب أبو هريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن، حتى قال: "والذي بعثَك بالحق لا أجد له مَسلكًا"، وأكل الصحابة بحضرته مرارًا حتى شبِعوا. والشِّبَع المُفرط يُضعف القوى والبدن، وإن أخصبه، وإنما يَقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء، لا بحسب كثرته. وقال الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي[5]: رُوِي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أصل كل داء البَرَدة))، ورُوي أيضًا عن ابن مسعود: والبَرَدة: التُّخمة؛ لأنها تُبرد حرارة الشهوة، فينبغي الاقتصار على الموافق الشهي بلا إكثار منه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنٍ، حسب ابن آدم أكلات يُقمنَ صُلبه، فإن كان لا مَحالة، فثُلُث لطعامه، وثُلُث لشرابه، وثلث لنفسه)). وأكلات: جمع أكلة، وهي اللقمة، وهذا باب من أبواب حفظ الصحة. وقال عمر رضي الله عنه: "إياكم والبِطنة، فإنها مُفسدة للجسم، مُورثة للسَّقَم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم والقصد؛ فإنه أصلح للجسد، وأبعد عن السَّرَف، وإن الله تعالى ليُبغض الحبر السمين"؛ رواه أبو نعيم. واعلم أن الشِّبَع بدعة ظهَرت بعد القرن الأول؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يأكل في مِعًى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء))؛ متفق عليه. ولا تدخل الحكمة معدة مُلِئت طعامًا، فمن قلَّ طعامه قلَّ شربه، ومن قل شربه خفَّ منامه، ومن خفَّ منامه ظهرت بركة عُمره، ومن امتلأ بطنه كثُر شربه، ومن كثُر شربه ثقُل نومه، ومَن ثقُل نومه مُحِقت بركة عُمره، فإذا اكتفى بدون الشِّبع، حَسُن اغتذاء بدنه، وصلَح حال نفسه وقلبه. ومَن تملَّى من الطعام ساء غذاء بدنه، وأشِرَت نفسُه وقسا قلبُه، فإياكم وفضولَ المطعم؛ فإنه يَسِم القلب بالقسوة، ويُبطئ بالجوارح عن الطاعة، ويُصِم الأذن عن سماع الموعظة"؛ ا.هـ. 2- تقسيم حجم المعدة إلى ثلاثة أقسام، وتخصيص الثُّلُث للنفس: قال ابن القيم: ومراتب الغذاء ثلاثة؛ أحدها: مرتبة الحاجة، والثانية: مرتبة الكفاية، والثالثة: مرتبة الفضلة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أنه يكفيه لُقيمات يُقمِن صُلبه، فلا تسقط قوته ولا تَضعُف معها؛ فإن تجاوزها، فليأكُل في ثُلث بطنه، ويَدَعِ الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام، ضاق عن الشراب، فإذا ورَد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرَض له الكرب والتعبُ بِحَمْله بمنزلةِ حامل الحمل الثقيل، هذا إلى ما يَلزم ذلك من فساد القلب، وكسلِ الجوارح عن الطاعات، وتحرُّكها في الشهوات التي يستلزمها الشِّبَع[6]. وقال الحافظ ابن حجر[7]: قال القرطبي في "شرح الأسماء": "لو سمع بقراط بهذه القسمة، لعجِب من هذه الحكمة، وقال الغزَّالي قبله في باب كسر الشهوتين من "الإحياء" ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة، فقال: ما سمعت كلامًا في قلة الأكل أحكمَ من هذا، ولا شك في أن أثر الحكمة في الحديث المذكور واضح، وإنما خص الثلاثة بالذكر؛ لأنها أسباب حياة الحيوان، ولأنه لا يدخل البطن سواها، وهل المراد بالثلث التساوي على ظاهر الخبر، أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة؟ محل احتمال، والأول أَوْلَى". ثانيًا: الشرح العلمي: المعدة: التركيب والوظيفة[8]: المعدة هي جزء مُتسع من القناة الهضمية، وتقع بين المريء والأمعاء الدقيقة، ويقع معظمها تحت الغشاء المبطن للضلوع، وتتمثل على ظاهر البطن في المنطقة الشراسيفية (Epigastric rgion)، ومنطقة السرة ومنطقة الربع الأيسر الأعلى من البطن، وتحيط بها من الداخل الأعضاء التالية: من الأمام: الفص الأيسر من الكبد، وجدار البطن الأمامي، ومن الخلف: الجزء الباطني من الشِّريان الأورطي والبنكرياس، والطحال والكلية اليسرى، والغدة الكظرية. ومن الأعلى: الحجاب الحاجز والمريء، والفص الأيسر من الكبد، ومن الأسفل: القولون المستعرض والأمعاء الدقيقة. ومن الأسفل لليسار: الحجاب الحاجز والطحال. ومن الأسفل لليمين: الكبد والاثنا عشر. وتتصل المعدة بالمريء عند الصمام القلبي Cardiac Sphincter، وهذا يمنع رجوع الطعام إلى المريء كما تتصل بالأمعاء الدقيقة عند صمام البواب، والذي يغلق عندما تحتوي المعدة على الطعام، ويقسم علماء الطب المعدة إلى ثلاثة مناطق: قاع المعدة Fundus، وجسم المعدة، ومنطقة الغار البوابي Pyloric antrum، وتصل للمعدة الأعصاب الودية Sympathatic nerves من الشبكة البطنية Coeliac Plexus، وهي المسؤولة عندما تُثار وقت الشدة في تثبيط حركة الأمعاء، وتثبيط إفراز العصارة المعدية، بينما تصل إليها الأعصاب نظيرة الودية Parasympathatic nerves من العصب المبهم Vagus nerve، وهي المسؤولة عن تنشيط حركة الأمعاء، وتنشيط إفراز العصارة المعدية، ويتجمع الطعام في المعدة في هيئة طبقات يبقى الجزء الأخير منه في قاع المعدة لبعض الوقت، ثم يخلط بالعصارة المعدية بالتدريج، كما يبقى لبعض الوقت أيضًا لإضافة العصارة الحمضية على الطعام، لوقف عمل أنزيمات اللعاب Salivary Amylase. ويتركَّب جدار المعدة من ثلاث طبقات من العضلات: طبقة خارجية من ألياف عضلية طولية، وطبقة متوسطة من ألياف عضلية مستديرة، وطبقة داخلية من ألياف عضلية مائلة، وهذا التنظيم يسمح بالحركة الطاحنة المميزة لنشاط المعدة بالإضافة إلى حركتها الدودية، وتتقوى العضلات المستديرة في منطقة الغار البوابي والصمام البوابي؛ وذلك لإحكام إغلاق هذين الصمامين وقت الحاجة، أما الغشاء المبطن للمعدة، فيكون في ثنيات طولية أو تجاعيد عندما تكون المعدة فارغة، وعندما تمتلئ المعدة تزول هذه التجاعيد، وتُصبح بطانة المعدة ذا ملمس مخملي. وتحت هذا الغشاء توجد غدد عديدة لإفراز العصارة المعدية، وتفرز المعدة حوالي لترين من هذه العصارات في اليوم، تتكون من الماء والأملاح المعدنية، والمخاط وحمض الهيدروليك، وعامل داخلي وبعض مقدمات الإنزيمات الخاملة، ودائمًا توجد كميات قليلة من هذه العصارات حتى والمعدة خالية من الطعام، ثم تزداد هذه العصارات في وجود الطعام، وتصل إلى ذِروتها بعد ساعة من تناوله، ثم تبدأ في النقصان حتى تعود إلى ما كانت عليه في البداية بعد 4 ساعات من تناول الطعام، ويعتمد إفراغ المعدة على نوعية الطعام بداخلها؛ فوجبة الكربوهيدرات تترك المعدة بعد 2-3 ساعات، بينما تتأخر وجبة البروتينات إلى فترة أطول، وأما وجبة الدهنيات، فتمكث فترة أطول منهما. [1] صحيح الترمذي، كتاب الزهد، حديث رقم 2302. [2] سنن ابن ماجه، كتاب الأطعمة، حديث رقم 3340. [3] مسند أحمد، مسند الشاميين، حديث رقم 16556. [4] الطب النبوي؛ ابن القيم، ص 12. [5] الطب النبوي؛ للذهبي، ص67-69. [6] الطب النبوي؛ ابن القيم، ص 12. [7] فتح الباري، ج9، ص438. [8] Ross and Wison (2001), Anatomy and Physiology, 9 Ed, Churchil livingstone. |
العلامات المرجعية |
|
|