|
#1
|
|||
|
|||
كِتَابُ الطَّلاَقِ
كِتَابُ الطَّلاَقِ قوله: «الطلاق» اسم مصدر طلَّق، واسم المصدر يوافق المصدر في المعنى لكن يخالفه في الحروف، وهو مأخوذ من التخلية والإطلاق الذي هو ضد القيد؛ وذلك لأن النكاح عقد وقيد، فإذا فورقت المرأة انطلق ذلك القيد؛ ولهذا نقول: إن تعريفه في الاصطلاح «هو حل قيد النكاح أو بعضه»، إن كان بائناً فهو حل لقيد النكاح كله، وإن كان رجعياً فهو حل لبعضه، ولهذا إذا طلق مرة نقص فيبقى له طلقتان، وإذا طلق ثنتين بقي له واحدة. وإذا تأملت وجدت أن الزوج هو الذي بيده الأمر، وأن المرأة عنده كالناقة المعقولة؛ ولهذا أمر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن نتقي الله في النساء، وقال: «إنهن عوان عندكم» [(1)]، والعاني هو الأسير، وبه يظهر ما فضل الله به الرجل على المرأة، ونعرف أن الذين ينادون بتسوية الرجل والمرأة قد ضادُّوا الله ـ تعالى ـ في حكمه الكوني والشرعي؛ لأن المرأة لا تساوي الرجل، لا من حيث الخِلقة، ولا من حيث الخُلُق، ولا من حيث العقل، فلا تساويه بأي حال من الأحوال. لكن أولئك قوم ـ والعياذ بالله ـ تشبَّعوا بما عند أعداء المسلمين، من تقديس المرأة وتسييدها حتى إنهم يقدِّمونها على الرجال حينما تذكر مع الرجل، فصار هؤلاء الجهَّال والسفهاء التابعون لكل ناعق يقلدونهم، ويرون أنهم إنما صنعوا الطائرات والمراكب والدبابات والأسلحة الفتاكة؛ لأنهم ساووا المرأة بالرجل، فظنوا أن انحطاطهم في الأخلاق هو الذي أرقاهم إلى هذا، وأنَّ تأخرنا نحن بسبب أننا تمسَّكنا بهذا الدين، الذي يزعم بعض الملاحدة أنه أفيون الشعوب ـ والعياذ بالله ـ يعني مخدر الشعوب، والحقيقة أن الذي أخَّرنا ليس هو الإسلام ولكن تخلفنا عن الإسلام، وتعطيلنا لتوجيهات الإسلام، وإلا فالرب عزّ وجل يقول: {{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}} [الأنفال: 60] . ولما كانت الأمة الإسلامية من قبل متمسكة بالإسلام صار لها من الظهور والعظمة ما جعل أولئك يقلدونها، حتى إنهم يقولون: إن هارون الرشيد لما أهدى إلى شارلمان ملك فرنسا ساعة، وشُغِّلت عنده نفر وهرب، وقال: إن هذا سحر من العرب! والآن انقلبت المسألة وصارت آلاتهم التي يجلبونها لنا نقول: هذه سحر! هذا كله بسبب تخلفنا عن الإسلام، فلو أننا أنزلنا القرآن في قلوبنا منزلة الشيء المحبوب المرغوب، وفي أعمالنا منزلة المنهاج الذي نسير عليه ما غلبتنا قوة في الأرض، لكن بالتخلف حصل ما حصل. فالمهم أن الواجب علينا نحن طلبة العلم أن نكرس جهودنا ضد هذا السيل الجارف، الذي ينادي بتسوية المرأة بالرجل، والذي حقيقته هدم أخلاق المرأة وفساد الأسرة، وانطلاق المرأة في الشوارع متبرجة متبهية بأحسن جمال وثياب والعياذ بالله، حتى تتفكك الأسرة، وشَرُّ هذا ليس هذا موضع بسطه، إنما نحن طلبة العلم نعرف أن لطالب العلم مقاماً عند العامة، فإذا تكلم في كل مناسبة ضد هذه المبادئ الخبيثة صار في هذا خير كثير ودرء لمفاسد كثيرة. واعلم أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح؛ لأنه حل قيد النكاح، فقبل النكاح لا طلاق، فلو قال رجل لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها، ما تطلق، أو رجل قالت له زوجته: سمعت أنك تريد أن تتزوج وهذا لا يرضيني، وضيقت عليه، فقال لها: ترضين أن أقول: إن تزوجت امرأة فهي طالق؟ قالت: يكفي ورضيت، فقالها، وما تزوج، فلو تزوج لم تطلق؛ لأنه قبل النكاح. ولو قال لرقيق: إن ملكتك فأنت حر، فملكه، لا يقع قياساً على الطلاق، فالطلاق قبل عقد النكاح لا يقع، والعتق قبل الملك لا يقع، وإلى هذا ذهب كثير من العلماء، وقالوا: إن الإنسان ليس عليه عتق فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك. ولكن الإمام أحمد رحمه الله ذهب إلى أن العتق يقع، وفَرَّق بينه وبين الطلاق بأن الملك يراد للعتق، يعني أن الإنسان يشتري العبد ليعتقه، لكن النكاح لا يراد للطلاق ، فلا يمكن أن يقال: إنه نكح فلانة ليطلقها، اللهم إلا في نكاح التحليل، ولا يصح أصلاً. أما حكم الطلاق فإنه تجري فيه الأحكام الخمسة، فيكون واجباً، وحراماً، وسنَّة، ومكروهاً، ومباحاً، وما هو الأصل؟ الأصل الكراهة، والدليل قوله تعالى في الذين يؤلون من نسائهم، يعني يحلف أنه ما يطؤها قال: {{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}} [البقرة] ، ففي الطلاق قال: {{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}}، وهذا فيه شيء من التهديد، لكن في الفيئة قال: {{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}} فدل هذا على أن الطلاق غير محبوب إلى الله عزّ وجل، وأن الأصل الكراهة، وأما حديث: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» [(2)]، فهو ضعيف ولا يصح، حتى من حيث المعنى، يغني عنه قوله تعالى: {{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}} [البقرة]. |
#2
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
|
العلامات المرجعية |
|
|