|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() كتاب نائب رئيس الوزراء السابق د.حازم الببلاوى .. أربعة شهور فى قفص الحكومة خلفيات ضرورية بين المهم والعاجل جاءت الفكرة الأولى التى سيطرت على ذهنى حين توليت مهام الوزارة ضرورة التفرقة بين ما هو مهم وما هو عاجل، وعدم الخلط بينهما. فأما عن الأمور المهمة لوطننا فى تحديد الأولويات لتقدم الأمة، فقد كانت هذه الأمور موضع اهتمامى وكتاباتى خلال السنوات الماضية. ولا بأس من إعادة التذكير بها. وقد سبق أن عبرت فى كتابات حديثة وأحاديث تليفزيونية عما أعتبره رؤية إستراتيجية اقتصادية، وهى تقوم على عدة عناصر:
أ ــ سياسية سكانية واعية: فقد عرفت مصر زيادة سكانية مستمرة دون انقطاع منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى الآن، فى حين كانت التنمية الاقتصادية والاجتماعية مترددة وغير مستقرة، مما أدى إلى اختلال اقتصادى واجتماعى غير خافٍ. كذلك لا ننسى أنه برغم أن مساحة أراضى مصر شاسعة نسبيا، فإن أغلب هذه المساحة صحراوية، ومواردها الطبيعية محدودة نسبيا بالمقارنة بالدول الغنية بالثروات الطبيعية مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا أو البرازيل أو كندا أو حتى الهند أو الصين. فموارد الطاقة محدودة فى مصر، فهى تنحصر فى كمية قليلة من البترول والغاز، مع عدم وجود مساقط مياه لتوليد الكهرباء مثل الهند، ومع انعدام للفحم كما الصين مثلا، أو الغابات مثل إندونيسيا أو ماليزيا. وهكذا فإن الضغط السكانى الذى يتضاعف كل ثلاثين سنة تقريبا يمثل عبئا شديدا على مستقبل التنمية. ومن هنا فأى إستراتيجية للمستقبل لا بد أن تتضمن محورا للسياسة السكانية بحيث يمكن ضبط هذا التضخم السكانى فى المستقبل. ب ــ إستراتيجية صناعية : لا يتحقق التقدم لمجرد وجود موارد طبيعية، وإنما هو نتيجة لقدرة الإنسان على استغلال الوسط أو البيئة المحيطة. ومن هنا، فقد كان التقدم البشرى، نتيجة لزيادة كفاءة الإنسان فى التعامل مع هذا الوسط، وهذا هو ما يعرف بالتقدم التكنولوجى. وقد عرفت البشرية ثورتين تكنولوجيتين، الأولى عند اكتشاف الزراعة منذ حوالى عشرة آلاف سنة، عندما استطاع الإنسان ترويض الأرض والنبات والحيوان بالإنتاج الزراعى. فبدأ استقرار الجماعات ونشأة المدن ثم الحضارات الكبرى. ثم جاءت الثروة الصناعية منذ حوالى ثلاثة قرون عندما استطاع الإنسان تسخير قوى الطبيعة ومصادر الطاقة لخدمته فى تطويع المعادن والمواد الطبيعية، ومع ثورة البخار تم اكتشاف الكهرباء وغيرها من مصادر الطاقة. والآن فإننا ندخل فى مرحلة جديدة من الثورة التكنولوجية فى مجالات المعلومات والاتصالات والعلوم البيولوجية. والمجال الرئيسى لهذا التطور التكنولوجى هو الصناعة التحويلية بشكل خاص. ومن هنا، فإن التقدم الاقتصادى أصبح رهنا بمدى القدرة الصناعية وإمكانات تطورها التكنولوجى، الأمر الذى يتطلب إستراتيجية واعية لتطور التكنولوجيا وتطبيقها فى المجالات الصناعية المختلفة. وغنى عن البيان أن الصناعة الحديثة هى بطبيعتها ذات توجه عالمى، ومن ثم فإن الأخذ بإستراتيجية صناعية يتطلب نظرة عالمية واسعة، باختيار الصناعات الأكثر قدرة على التطور مع عقد التحالفات الإستراتيجية مع معظم المراكز الصناعية المتقدمة. فلا تستطيع دولة أن تقيم صناعة متقدمة ومتطورة إذا عزلت نفسها عن التطور العالمى. جـ ــ ثورة تعليمية وقفزة فى ميدان التدريب : إذا كانت الثورة الصناعية الأولى خلال النصف الثانى من القرن الثامن عشر، ثم بداية القرن التاسع عشر تقوم على التجربة والخبرة العملية، فإن أساس التقدم التكنولوجى المعاصر هو العلم والمعرفة. ولذلك فإنه من المستحيل الدخول فى مجالات الصناعة الحديثة والقدرة على استمرار تطويرها دون وجود مؤسسات تعليمية وبحثية متقدمة، مع إمكانات تدريبية قادرة ومتطورة. وهكذا فليس من الممكن تحقيق قفزة صناعية دون ثورة تعليمية وتدريبية. وبالمثل فإن نجاح السياسات السكانية يتطلب، بدوره، توعية وتنمية ثقافية مستمرة. وهكذا فإن تحقيق العنصرين الأولين من سياسة سكانية واعية وإستراتيجية صناعية رهن بتوفير مناخ تعليمى وتدريبى وثقافى مناسب. د ــ عدالة اجتماعية : لا يتحقق التقدم بمجرد تحقيق معدلات عالية للنمو، وإنما لابد أن يصاحب ذلك شعور المواطن بالعدالة والمساواة فى الفرص المتاحة أمامه. ولا شك أن الارتفاع بمستوى التعليم يزيد من الوعى بحقوق المواطن، كما أن التقدم الصناعى يساعد فى معظم الأحوال على اتساع قاعدة المستفيدين من النمو. ولكن الأمر يتطلب فوق كل ذلك سياسة اجتماعية واعية لتحقيق الشعور بالعدل والإنصاف وتوفير العدالة فى الفرص والمزايا. ويرتبط بذلك ضرورة وجود نظام سياسى ديمقراطى يقوم على الشفافية والمساءلة. هـ ــ إطار إقليمى للتعاون العربى: لم يعد من الممكن تحقيق قفزة تنموية قوية فى إطار قطرى أو محلى، وإنما ينبغى أن يتم ذلك فى إطار إقليمى. وترتبط مصر بوسطها العربى ارتباطا عضويا، فضلا عن التكامل الجغرافى والحضارى بين شعوبها. وتواجه المنطقة فى مجموعها تحديات كبيرة تتطلب تعاونا وثيقا وبناء. وبذلك فإن العمل من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية عربية يعتبر أمرا جوهريا لأى نظرة مستقبلية لمصر. آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 09-01-2012 الساعة 04:33 AM |
#2
|
||||
|
||||
![]() ماذا عن العاجل؟ كل ما تقدم صحيح وضرورى، ولكن مصر تواجه الآن ظروفا خطيرة واستثنائية، تتطلب مواجهة سريعة وحاسمة. ومن هنا، فإن العاجل لا يقل أهمية عن المهم، بل يحتاج إلى تركيز الاهتمام به لأنه مرتبط بأمد قريب ويهدد المستقبل نفسه. ولذلك فإنه من الضرورى، مع وجود نظرة شاملة ورؤية متكاملة للمستقبل، عدم إهمال الواقع القائم والمشكلات العاجلة التى تتطلب حلولا سريعة ومباشرة ولا تتحمل التأجيل. والحكومة الانتقالية تتحمل المسئولية الأساسية فى مواجهة هذه القضايا العاجلة التى لا تقبل الانتظار.
وهكذا بدا لى أن المهمة الرئيسية لدورى فى الوزارة الجديدة هو التركيز على القضايا العاجلة التى تتطلب مواجهة سريعة وحاسمة، على أن يتم ذلك فى إطار نظرة عامة للرؤية الشاملة المستقبلية. وبدأت أتساءل عن عدد من القضايا التى ينبغى التركيز عليها فى فترة الحكومة الانتقالية، والتى لا يمكن تأجيلها لحين الانتهاء من الإعداد لنظام الحكم الدائم بعد الدستور وتكوين المؤسسات السياسية الدائمة. وكانت نقطة البدء هى ضرورة النظر فى أوضاع الاقتصاد المصرى لتحديد نقطة الانطلاق. فهناك وثيقتان لا يمكن إغفالهما عند النظر فى وضع السياسات المالية والنقدية للحكومة. وإذا كانت الموازنة هى الوثيقة الأولى، فإن ميزان المدفوعات هو الوثيقة المكملة، وذلك لتحديد أوضاع الاقتصاد القومى إزاء العالم الخارجى. المعالم الرئيسية للموازنة العامة: ليس الغرض هنا التعرض لتفاصيل الموازنة العامة كافة، وإنما فقط التركيز على الخصائص العامة التى يمكن أن تؤثر على قدرة الاقتصاد المصرى على الانطلاق فى المستقبل القريب.تبلغ جملة الإنفاق فى ميزانية 2011/2012 مبلغ 490.6 مليار جنيه، وجملة الإيرادات حوالى 350 مليار جنيه، بعجز حوالى 140 مليار جنيه يخفض إلى 134 مليارا بعد حساب صافى حيازة الأصول المالية. فالخاصية الأولى للموازنة هى أنها تنطوى على عجز يمثل حوالى 27 % من حجم الإنفاق الإجمالى. وبذلك فأكثر من ربع كل جنيه تنفقه الحكومة لا يأتى من موارد مالية حقيقية للدولة، وإنما يتم تمويله إما بالإقراض وبالتالى تحميل الأجيال القادمة عبء سداد هذه القروض، وإما بنوع من أنواع التضخم الذى يرفع الأسعار ويخفض القيمة الحقيقية للنقود. وعند النظر إلى باقى عناصر الإنفاق، فإننا نجد أن أهم عنصرين هما على التوالى: الدعم ويبلغ حوالى 157 مليار دولار بنسبة تصل إلى 32% من حجم الإنفاق، ثم فوائد خدمة الدين العام وتبلغ حوالى 106 مليارات جنيه بنسبة 22% من حجم الإنفاق. وهكذا يستنفد هذان البندان (الدعم وفوائد خدمة الدين) حوالى 55% من حجم الموازنة، أى إن وزير المالية ليس أمامه لتوزيع الإنفاق على مختلف الحاجات العامة إلا أقل من نصف حجم الإنفاق العام (45%). وفى هذا إخلال بدور الدولة فى القيام بوظائفها الأساسية فى الأمن والدفاع والعدالة وتوفير التعليم والصحة والخدمات العامة وتكوين البنية الأساسية وغيرها من عناصر التقدم. وعند مزيد من التدقيق فى بند الدعم نجد أن أكثر من (60%) من قيمة الدعم يذهب إلى دعم المواد البترولية، والذى بلغ فى ميزانية هذا العام حوالى 95 مليار جنيه، ويتوقع أن يزيد هذا الرقم عند إقفال الحسابات الختامية. والظاهرة المقلقة هى أن دعم المواد البترولية كان فى عام 1990 ــ 1991 حوالى مليار جنيه، ثم ارتفع خلال العقدين الماضيين إلى أكثر من 95 ضعفا، وتعتبر مصر (ربما باستثناء بعض دول الخليج) أرخص بلد فى العالم فى أسعار الطاقة. والسؤال: هل يذهب هذا الدعم كله إلى المستحقين؟ هناك صناعات مربحة (بعضها يحقق أعلى معدلات للأرباح العالمية) حيث تشترى المواد البترولية المدعمة، لكى تبيع إنتاجها فى السوق وفقا للأسعار العالمية. وإذا كان رقم دعم المواد البترولية يصل إلى 95 مليار جنيه، فإن دعم السولار وحده يجاوز نصف هذه القيمة. حقا يستخدم السولار فى معظم وسائل النقل، ولكنه يستخدم أيضا فى اليخوت السياحية، كما فى أرقى الفنادق، والأخطر من ذلك هو أنه يُهرب كذلك إلى الخارج. وماذا عند البند الآخر، وهو الخاص «بفوائد خدمة الدين»؟ والملاحظة الأساسية هنا هى أن هذا البند إنما هو نتيجة لعجز السنوات الماضية. فإذا نظرنا إلى السنة الجارية وحدها، ونقارن الإنفاق والإيرادات لهذه السنة (2011/2012)، فإن العجز الأولى لهذه السنة وحدها لم يتجاوز 28 مليار جنيه. والسؤال: لماذا وصل العجز إلى 134مليار جنيه؟ الإجابة هى أننا ندفع فوائد عن الدين العام المتراكم من السنوات السابقة حوالى 106 مليارات جنيه. ومع ارتفاع أسعار الفائدة، فمن المتوقع أن يزيد هذا الرقم عند نهاية العام الحالى. وهكذا ارتفع هذا العجز الأولى إلى عجز فى الميزانية بلغ 134مليار جنيه بسبب الفوائد المدفوعة عن الدين المتراكم من السنوات السابقة. فمشكلة «بند فوائد خدمة الدين» هو أنه نوع من المرض الوراثى الذى يتنقل من سنة إلى أخرى، ويتضخم بشكل مستمر. فهو أشبه بالمرض الخبيث الذى لا يشفى، وهو مع ذلك يستشرى من عام لآخر حتى يكاد يخنق الموازنة. ولعل أبرز مثال على ذلك هو موازنة الولايات المتحدة الأمريكية حاليا، وهى لا تزال أكبر اقتصاد فى العالم، ومع ذلك فإنها واجهت ما يشبه الإفلاس عند نهاية السنة المالية السابقة، بسبب تزايد عجز الموازنة نتيجة ارتفاع أعباء خدمة الدين الحكومى خلال السنوات السابقة. وعلينا أن نتذكر أن الرئيس كلينتون ترك البيت الأبيض عام 2000، وقد حققت الموازنة فائضا لأول مرة منذ فترة طويلة، ثم جاء الرئيس بوش وحروبه، فبدأ العجز يتزايد حتى كاد يعرض الولايات المتحدة الأمريكية للإفلاس. وتواجه دول أوروبية عديدة مثل هذه المشكلات سواء فى اليونان أو إيطاليا وربما إسبانيا وغيرها. ويرتبط استمرار عجز الموازنة بتزايد الدين العام. ويقدر حجم الدين العام الإجمالى المتوقع فى نهاية العام بحوالى 1.140 تريليون جنيه (أى ألف مائة وأربعون مليار جنيه) أكثر من 85% منها دين محلى، والباقى دين أجنبى. فمصر من أقل دول العالم من حيث المديونية الخارجية، وتكلفتها عادة منخفضة ومع فترات سداد طويلة الأجل. وقد صاحب استمرار العجز الحكومى تناقص فى معدلات فائض السيولة فى القطاع المصرفى، نتيجة لزيادة المطروح من أذون الخزانة والذى تكتتب فيه عادة البنوك المحلية. وكان فائض السيولة فى القطاع المصرفى فى ديسمبر 2010 جاوز 100 مليار جنيه، ثم انخفض إلى ما دون نصف المليار فى سبتمبر 2011. وأخيرا ينبغى التنبيه إلى أن تحديد صافى حجم الدين المحلى الواقعى ليس بالأمر اليسير، فنتيجة للتداخل الشديد بين المراكز المالية للحكومة والعديد من الهيئات الاقتصادية العامة، فإن تحديد صافى الحجم الحقيقى للدين يصبح أكثر صعوبة. فهناك هيئات عامة اقتصادية مدينة للبنوك بمبالغ ليست هينة، فهل تصبح هذه المديونية جزءا من الدين العام أو لا؟ وسوف نشير إلى هذه الظاهرة بصدد مناقشة التشابكات المالية للهيئات الحكومية والعامة. ميزان المدفوعات: ليس المقصود هنا تحليل عناصر ميزان المدفوعات بالتفصيل، وإنما الإشارة فقط إلى أهم المعالم التى تميز هذا الميزان، والتى من شأنها أن تقيد من حرية الحركة لواضع السياسة الاقتصادية. وكان ميزان المدفوعات قد عرف تحسنا ملحوظا فى السنوات الأخيرة قبل قيام ثورة 25 يناير، وجاءت هذه الأحداث فأثرت سلبا على بعض عناصر هذا الميزان مثل السياحة والاستثمارات المباشرة والتوظيفات المالية فى الأسواق المالية. وعلى الرغم من أن عناصر الميزان الأخرى ظلت متماسكة أو حتى تحسنت بعض الشىء، فإن الأثر النهائى على الميزان كان سالبا. فبالرغم من تحسن الصادرات وتحويلات العاملين فى الخارج وعائدات المرور فى قناة السويس، فإن الوضع الإجمالى للميزان قد تراجع خلال الفترة الأخيرة، مما أثر على احتياطيات الأرصدة الأجنبية المتاحة للاقتصاد المصرى. وكانت معاملات الاقتصاد المصرى مع العالم الخارجى خلال السنة المالية 2010/2011 (يونيو 2011) قد أسفرت عن عجز كلى بميزان المدفوعات بلغ نحو 9.8 مليار دولار (مقابل فائض كلى بلغ نحو 3.4 مليار دولار خلال السنة المالية السابقة). وهو ما انعكس فى تناقص صافى الاحتياطيات الدولية للبنك المركزى. ويظهر التحليل أن أسباب هذا العجز ترجع إلى ما ترتب على الأحداث بعد يناير من تأثير، حيث سجل ميزان المدفوعات خلال النصف الثانى من السنة المالية (يناير/ يونيو 2011) عجزا كليا بلغ نحو 10.3 مليار دولار (مقابل فائض كلى خلال النصف الأول من السنة نفسها بلغ 571 مليون دولار). وقد عرف الحساب الرأسمالى عجزا مقابل صافى التدفقات إلى الخارج قدره نحو 4.8 مليار دولار (مقابل صافى تدفق إلى الداخل قدره نحو 8.3 مليار دولار فى السنة السابقة). وهكذا أدى تراجع السياحة وانخفاض تدفقات رأس المال للاستثمار المباشر أو التوظيف فى السوق المالية مع خروج بعض هذه الأموال إلى الخارج، أدى كل ذلك إلى تناقص الاحتياطيات من حوالى 36 مليار دولار إلى أقل من عشرين مليار دولار فى نهاية أكتوبر 2011، ويتوقع أن يستمر هذا الاتجاه فى الأشهر القادمة. ومن الواضح أن هذا التأثير السلبى على ميزان المدفوعات لا يرجع إلى اعتبارات اقتصادية بحتة، بقدر ما هو نتيجة للأوضاع الأمنية غير المستقرة وأجواء عدم اليقين التى تحيط بمستقبل الأوضاع السياسية. ولا يخفى أن اختفاء الأمن وغلبة عدم اليقين حول المستقبل السياسى أمام متخذى القرارات الاقتصادية (خاصة من المستثمرين) هما ألد أعداء الاستقرار والتقدم الاقتصادى. |
#3
|
||||
|
||||
![]() ماذا يفعل وزير المالية الجديد؟ يمثل الاستعراض السابق ما دار فى ذهنى عند دخولى وزارة المالية لأول مرة، ليس بالألفاظ نفسها، وربما ليس بالوضوح نفسه، ولكن المشكلة كانت واضحة:
هناك أشياء مهمة يحتاجها الاقتصاد المصرى من خلال رؤية متكاملة للمستقبل، ولكن هناك أيضا مشكلات عاجلة لا تتحمل الانتظار، ونحن بصدد حكومة انتقالية مؤقتة. فكيف يكون الاختيار؟ هذا هو السؤال. حقا لابد لنا من سياسة سكانية واضحة للمستقبل، وكذا إستراتيجية صناعية تعتمد على تطوير التكنولوجيا وتوظيفها، مما يتطلب ثورة تعليمية وإمكانات تدريبية كافية، مع ضرورة توفير الشعور بالعدالة الاجتماعية وتساوى الفرص، وأن يتم ذلك من خلال رؤية قومية تمتد إلى عالمنا العربى فى مجموعه. كل هذا صحيح وضرورى ولا مناص منه. ولكنَ هناك أزمة طاحنة، وعجزا متزايدا فى الموازنة لابد من ضبطه وتمويله، وإلا انفلتت الأسعار ودبت الفوضى المالية وتهددت المؤسسات المالية والمصرفية. وبالمثل هناك ضغط على ميزان المدفوعات، والاحتياطيات تتآكل كل يوم ونحن بلد يستورد نصف غذائه من الخارج، وتعتمد صناعاته على واردات المواد الخام والسلع الوسيطة والآلات والمعدات من الخارج. هذه معضلة الاختيار بين المهام والعاجل. بطبيعة الأحوال، فإن الخيار لا يكون مطلقا بالاهتمام الكامل بأحد الجوانب، والإهمال الكلى للجانب الآخر. هذا غير ممكن وغير حكيم. فلابد من التوازن بين الأمرين، مع ضرورة الترجيح وإعطاء الأولوية لأحدهما دون التضحية الكاملة بالأمر الآخر. فماذا سيكون خيار وزير المالية الجديد، وأين يتم التركيز؟ لم يتطلب الأمر منى وقتا طويلا، فقد شعرت بأننا إزاء اقتصاد وطنى ينزف دما، وأن هناك حاجة عاجلة لإسعافه وبأسرع وقت لتعويضه عما فقده من موارد مالية تمثلت فى عجز الموازنة المتزايد، واختلال ميزان المدفوعات، وبداية تآكل الاحتياطيات من الأرصدة الأجنبية. وكانت مصر قد عرفت وضعا مشابها فى نهاية الثمانينيات حيث كان عجز الموازنة فى حدود 20%، من الناتج الإجمالى، والتضخم بمعدلات قريبة من هذا الرقم، وارتفع الدين الخارجى إلى أكثر من 50 مليار دولار، ثم توقفت مصر عن الوفاء ببعض التزاماتها الخارجية، وأصبح وضعها المالى داخليا وخارجيا مقلقا وغير مستقر. وجاءت حرب الخليج واحتلال العراق لجارتها الكويت، ثم موقف مصر الموفق فى اختيار جانب الصواب أخلاقيا وسياسيا. وترتب على ذلك أن قام المجتمع الدولى بتوفير حزمة من مبادرات الدعم المالى لمصر. وهكذا قامت دول الخليج بإلغاء ديونها على مصر وكانت تبلغ حوالى 7 مليارات دولار، فضلا عما أرسل لمصر آنذاك من دعم فى شكل معونات نقدية، كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء ديونها العسكرية على مصر وكانت تبلغ حوالى 7 مليارات دولار هى الأخرى، ثم قامت دول نادى باريس بإلغاء نصف ديونها العامة مع فترات سماح جديدة للديون الباقية. وهكذا انخفض عبء الدين الخارجى إلى أقل من النصف. واستعادت مصر زمام المبادرة، وبدأ الاقتصاد يتنفس، ونجح فى تحقيق معدلات نمو محترمة واستقطاب رءوس أموال كثيرة، وإن شابه تحيز لصالح طبقات محددة وإهمال تطلعات الغالبية، مع الكثير من مظاهر الفساد والانحراف، فضلا عن الاستخفاف بمستقبل الحياة السياسية، وفرض مشروع التوريث على المجتمع السياسى. وكانت النتيجة، على ما هو معروف، هى الانتفاضة الهائلة لثورة 25 يناير. |
#4
|
||||
|
||||
![]() الأمن والاستقرار الاقتصادى وكان تقديرى للموقف عند دخولى وزارة المالية لأول مرة بعد تشكيل عصام شرف حكومته الثانية، يقوم على العناصر الآتية:
هذه حكومة انتقالية للعبور بمصر إلى مرحلة سياسية جديدة، وإن مسئوليتها هى تحقيق هذا الانتقال بشكل هادئ ومنظم، وإزالة أو التخفيف من المخاطر التى قد تهدد النظام الجديد القادم. إن الشرط الأول للاستقرار والقدرة على التمهيد للنظام القادم هو ضرورة توفير الأمن للمواطن فى حياته وحقوقه الأساسية وأمواله، والأكثر أهمية هو توفير الشعور بالأمن. كما أن هناك حاجة إلى توفير قدر من الوضوح حول شكل النظام السياسى القادم. وهذا أمر ضرورى لاستعادة الاستقرار الاقتصادى. فلا يكفى توفير الأمن والاستقرار فى الحاضر إذا كان المستقبل ملغما بالغموض. فالاقتصاد هو تعامل مع المستقبل، وما لم يكن هذا المستقبل واضحا أو قابلا للتخمين، فالغالب أن تتوقف القرارات الاقتصادية لحين وضوح الصورة. فالاقتصاد، والاستثمار بشكل خاص، يستطيع أن يتعايش مع كل الظروف باستثناء عدم اليقين. فالالتباس وعدم اليقين هما أخطر أعداء الاقتصاد. وأخيرا وليس آخرا، هناك ضرورة حماية الاقتصاد الوطنى من آثار المستجدات التى طرأت على الساحة، وترتب التهديد باختناق الاقتصاد نتيجة لجفاف بعض الموارد المالية مثل إيرادات السياحة أو عزوف الاستثمارات الخارجية، أو هجرة التوظيفات المالية فى الأسواق المالية، بالإضافة إلى الضغوط المالية الجديدة على الخزانة مع الزيادات فى المرتبات والمعاشات والاستجابة إلى العديد من المطالب الفئوية، فضلا عن توقف الإنتاج فى بعض القطاعات نتيجة للإضرابات والاعتصامات. هذه وغيرها، أوضاع أدت إلى ضغوط مالية شديدة يمكن أن تترتب عليها آثار وخيمة على مستقبل الاقتصاد القومى. وإزاء هذا التوصيف العام والسريع للأوضاع، فقد انتهيت إلى أن مهمتى الأساسية سوف تتركز على النقطة الأخيرة عن ضرورة الإسعاف السريع للاقتصاد. فالأمن هو مسئولية الحكومة مجتمعة ووزير الداخلية بوجه خاص، ومستقبل النظام السياسى هو مسئولية المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة مجتمعة فضلا عن مختلف القوى السياسية، أما حماية الاقتصاد الوطنى وضمان الاستقرار للمؤسسات المالية والاقتصادية، فهو المسئولية الأولى لنائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية ووزير المالية. ولكل ذلك فقد حرصت على ضرورة التفكير فى عدد محدود من القضايا الملحة التى ينبغى البدء بها لإعطاء المؤشرات المناسبة لتأكيد حرص الحكومة على استعادة الاستقرار الاقتصادى، وأن تكون الإجراءات المعلنة واضحة ومحددة وليست مجرد كلمات فضفاضة، بل لابد أن ترتبط بإنجازات محددة وملموسة على الأرض، وألا تقتصر آثارها على ما يتحقق لها من نتائج مباشرة، بل بما تتضمنه أيضا من رسائل وإشارات للمجتمع فى الداخل والخارج. |
#5
|
||||
|
||||
![]() المهمة العاجلة وكانت المهمة العاجلة والواضحة هى ضرورة ضمان توفير موارد مالية كافية وسريعة ومناسبة لإيقاف النزيف الذى يتعرض له الاقتصاد. فعجز الموازنة ليس فقط مرتفعا، بل إنه معرض للزيادة، وخاصة أننى اكتشفت مبكرا، أن احتياجات قطاع البترول من موارد الموازنة أكبر بكثير مما يظهر فى أرقام الموازنة المنشورة. كذلك فإن هذا العجز المالى المتزايد لن يقتصر على زيادة الأعباء المالية المحلية للموازنة بما قد يؤدى إلى مزيد من الضغوط التضخمية، بل إنه سوف ينعكس على أوضاع ميزان المدفوعات واستنزاف الاحتياطيات الدولية. وقد بلغ متوسط الاستنزاف من موارد الاحتياطى حوالى مليار ونصف المليار شهريا، حيث فقدت هذه الاحتياطيات ما يزيد على عشرة مليارات دولار بنهاية موازنة 2010/ 2011 فى نهاية شهر يونيو2011.
وفى الوقت نفسه، فإنه لا يكفى البحث عن موارد لسد فجوة العجز، بل لابد أن يصاحبها البدء فى إجراءات عملية لمواجهة أسباب العجز. وفى ضوء القراءة السريعة لخصائص الموازنة، والتى أشرت إلى أهمها، فقد وجدت أن المرض الرئيسى فى الاقتصاد المصرى هو التوسع السرطانى فى بند الدعم وما يرتبط به من تزايد فى مديونية الحكومة، وتضخم بند خدمة الدين من دفع الفوائد والأقساط. وهكذا تستحق هذه القضية بداية المواجهة. ومع ذلك فإن قضية الدعم تثير، جانبا حساسا وهو أن الدعم موجه، فى الأصل، لحماية الطبقات الفقيرة وغير القادرة، ولذلك فإن مواجهة هذه القضية الحساسة لا بد أن تتم مع مراعاة أوضاع مستحقى الدعم من الطبقات الفقيرة والضعيفة اقتصاديا. ولكن لا ننسى أن التطبيق العملى لسياسات الدعم، قد تحول فى العمل، فى كثير من الأحوال، إلى مصدر للكسب السريع لفئات أخرى تستغل الدعم وتحوله لتحقيق أرباح هائلة وغير مشروعة باسم الدعم. وهكذا فإن قضية الدعم لا بد أن تكون فى صلب أى حزمة للإصلاح الاقتصادى السريع، وأن تعالج بكل مسئولية ورؤية لتؤكد جدية المحاولة من ناحية، وتوفير الضمانات لحماية مستحقى الرعاية، وبحيث لا يستخدم الدعم فى غير أغراضه المشروعة من ناحية أخرى. وأخيرا، فإنه ينبغى الاعتراف بأن أى محاولة للإصلاح الاقتصادى لن تكون بلا ثمن وأنها سوف تنطوى على تحمل التضحيات فى المدة القصيرة، وأن هذا الثمن لا بد أن يدفع لضمان تحقيق فوائد جمة على الاقتصاد فى مجموعه فى المدة الطويلة. ولذلك، فإن أى حكومة راغبة فى الإصلاح لابد لها أن تتمتع بقدر كبير من المصداقية والتأييد الشعبى. فالشعوب تقبل التضحيات ــ إذا كانت ضرورية ــ ولكن بشرط الاطمئنان لمصداقية المسئولين ونزاهتهم وصدق نواياهم، فضلا عن كفاءتهم المهنية. ولكل ذلك، فمن الضرورى أن تقدم الحكومات من المبادرات والإجراءات ما يعيد الثقة والمصداقية إلى القائمين على تولى الأمور. ونظرا إلى أن أحد أهم مظاهر رعاية مصالح المجتمع يتطلب الحرص على المال العام وعدم تسخيره لمصالح كبار العاملين فى الحكومة، فإن موضوع ما يحصل عليه هؤلاء من دخول من المال العام تحت مسميات مختلفة من أجور ومرتبات ومكافآت وبدلات وحوافز وغير ذلك، قد أصبح من أكبر مصادر الشكوى. وقد تواترت فى الآونة الأخيرة الأنباء عن دخول ومرتبات مبالغ فيها يتحصل عليها عدد محدود من كبار العاملين وغيرهم من المحظوظين. لذلك فقد أصبح موضوع وضع بعض الضوابط على الحدود القصوى لدخول العاملين فى الحكومة من أهم المطالبات الشعبية، مما يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات فى هذا الصدد. بما يعيد الثقة إلى الشارع فى نزاهة الحكم ومصداقيته. ثلاثة أهداف مرحلية ولكل ما تقدم، فقد حددت لنفسى منذ اليوم الأول لدخولى الوزارة ثلاثة أهداف مرحلية محددة، إلى جانب متابعة السير اليومى للوزارة، وقد حددت لهذه الإجراءات ستة أشهر تنتهى مع بداية عام 2012، وهذه الإجراءات هى على التوالى: أولا : النظر فى وضع ضوابط على الحدود القصوى للمرتبات من المال العام للعاملين فى الحكومة، على أن يطبق ذلك من أول يناير 2012. ثانيا : توفير أكبر قدر من الموارد المالية لدعم الموازنة واستقرار ميزان المدفوعات، وبما لا يعرض الاستقرار المالى والنقدى لأى هزات، وخاصة من الدول العربية الشقيقة والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية. ثالثا : البدء فى برنامج جاد لترشيد الدعم وخاصة فى المواد البترولية والطاقة وتنفيذ المرحلة الأولى منه، بما لا يمس أوضاع الطبقات الفقيرة والضعيفة اقتصاديا. وبطبيعة الأحوال، فإن هذه الملفات الثلاثة لا تعنى إهمال الجوانب العامة الأخرى للإدارة المالية مثل ترشيد الإنفاق بصفة عامة، وإعادة النظر فى مصادر الإيرادات وتحسين مجالات التحصيل. وقد يكون من المفيد هنا أن أشير إلى فهمى لطبيعة «اقتصاد السوق» الذى دافعت عنه خلال وجودى فى الحكومة، والذى أثار ــ تلميحا ــ من بعض الزملاء فى الوزارة ما يفيد أنهم يرفضون مفهوم اقتصاد السوق. وقد حرصت طوال وجودى فى الحكومة على التأكيد على أن الحكومة تؤمن بنظام «اقتصاد السوق»، واحترام الحقوق والحريات وحماية الملكية، مع توفير العدالة الاجتماعية والمساواة فى الفرص. |
#6
|
||||
|
||||
![]() كيف أحيينا فكرة الاقتراض من صندوق النقد؟ فى ضوء قراءتى لأوضاع الموازنة العامة، وما لاحظته من استمرار التناقص فى الاحتياطات الدولية مع بطء الاستجابة من الدول العربية لتفعيل مبادراتهما لمساعدة مصر، أيقنت أن ضرورة البحث عن موارد مالية سائلة من المؤسسات المالية لم يعد أمرا عاجلا فقط، بل أضحى ملحّا أيضا.
وكان الأمر الأكثر سهولة هو الالتجاء إلى صندوق النقد العربى، الذى كنت أعمل به قبل التحاقى بالوزارة. وصندوق النقد العربى هو النسخة الإقليمية من صندوق النقد الدولى، وما يميزه عن الصندوق الدولى هو أنه يحصر عمله فى الوطن العربى، ولكنه يتبع ــ بشكل عام ــ الأساليب المتبعة فى صندوق النقد الدولى. ومصر ليست فقط دولة مؤسسة فى هذا الصندوق، بل إنها تمثل أكبر رابع مساهم فى رأسمال الصندوق العربى، بعد السعودية والجزائر والعراق. وبعد الحصول على موافقة مجلس الوزراء، تم الاتصال بالصندوق العربى للنظر فى تقديم تسهيلات لمصر فى ضوء الظروف القائمة، وأن يكون ذلك فى حدود الحصة القصوى المتاحة لمصر. وقد استجاب الصندوق العربى لهذا الطلب، وأرسل فورا بعثة إلى مصر لدراسة الوضع المالى وتقديم توصيات لإدارة الصندوق. وبالفعل قدمت البعثة توصياتها لإدارة الصندوق بمنح مصر تسهيلات فى حدود 470 مليون دولار، منها 200 مليون دولار من خلال القرض التلقائى الذى تم تنفيذه، وتم توقيع العقد بشأنه، وحولت المبالغ إلى مصر، والباقى تمت الموافقة عليه خلال شهر ديسمبر، وقد تم توقيعه هو الآخر (26 سبتمبر). ويعتبر هذا القرض لمصر أكبر قرض يقدمه صندوق النقد العربى لإحدى الدول الأعضاء. والآن، فماذا عن صندوق النقد الدولى؟ وكانت المشكلة هى كيفية إعادة طرح موضوع القرض من صندوق النقد الدولى على الساحة، بعد أن تم رفض التسهيلات التى اتفق عليها فى يونيو الماضى مع هذا الصندوق. ولذلك بدأت فى التمهيد لهذا التغيير على المستويين الرسمى والشعبى. ففى جميع تصريحاتى الصحفية، أكدت أننا فى مصر نتحدث بقلب مفتوح مع جميع المؤسسات المالية، وليس لنا موقف إيديولوجى تجاه الاقتراض، وأن العبرة هى بمدى مناسبة القروض لظروف الاقتصاد المصرى. فالقرض قد يكون مفيدا أو ضارّا حسب الظروف. كذلك حرصت فى اجتماعات مجلس الوزراء، وكذلك مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على التأكيد بأن المشكلة الحالية لمصر هى مشكلة سيولة. وأن هذا الأمر هو الأكثر إلحاحا الآن، وينبغى الا نترك بابا دون أن نحاول أن نفتحه علاجا لهذه المشكلة الوقتية، والتى قد يؤدى إهمالها إلى أوضاع مؤلمة لسنا فى حاجة إليها. بل إننى ذهبت إلى أن مجرد التوقيع على اتفاق مع الصندوق الدولى، دون سحب القرض، سوف يعطى الاقتصاد المصرى نوعا من المناعة؛ لأنه يؤكد للعالم ثقة المؤسسات المالية الدولية فى الأوضاع الاقتصادية فى مصر، فضلا عن أن مجرد التوقيع يعنى أن الأموال يمكن أن تكون تحت تصرفنا فى الوقت الذى نحدده نحن. وذكرت ــ فى هذا الصدد ــ أن التسهيلات المعروضة من الصندوق، ويطلق عليها التسهيلات المتاحة Stand ــ By، هى مجرد تسهيلات متاحة، أى أنه ليس من الضرورى سحبها بالكامل. ولمصر تجربة فى هذا الصدد. فقد عقدت مصر اتفاقات مماثلة مع الصندوق فى سنوات 1991، وفى 1993، وأخيرا فى 1996. وعلى حين سحبت مصر 63% من هذه التسهيلات فى الاتفاق الأول، فإنها لم تسحب أى مبالغ من التسهيلات فى الاتفاقين التاليين. ولذلك فإن توقيع الاتفاق مع الصندوق قد يفيد ولا يضر، وذلك بطبيعة الأحوال إذا كانت الشروط مناسبة. وبدأت أشعر أن هناك نوعا من التفهم، إن لم يكن القبول الضمنى، ولكنى لم أحصل حتى ذلك الوقت، على أى موافقة صريحة على المضى قدما لفتح الباب أمام طلب قرض جديد من صندوق النقد الدولى. وفى ذلك الوقت، كنا نعتمد فى مصر على إصدار أذونات الخزانة بالجنيه المصرى لمواجهة عجز الموازنة، وكانت البنوك المصرية تكتب فى هذه الأذون، بعد أن انسحبت معظم البنوك والمؤسسات الأجنبية من التقدم لمناقصات هذه الأذون. ومع ذلك استمرت بعض هذه المؤسسات الأجنبية فى الاحتفاظ بما لديها مع عدم بيعها فى السوق قبل موعد استحقاقها؛ مما ساعد على عدم التأثير بشدة فى أسعار الفائدة. وقد توقع البنك المركزى أن معظم هذه المؤسسات الأجنبية سوف تحتفظ بهذه الأذون فقط حتى موعد استحقاقها، ثم تنسحب من السوق. وقد تحقق هذا التوقع إلى حد بعيد. وعندما دخلت الوزارة، كانت أسعار الفائدة تزيد قليلا على 13%، ثم ارتفعت عندما تركته الحكومة إلى ما يجاوز 15%. واستمر الاتجاه فى التزايد مع نقص السيولة لدى البنوك واضطرار بعضها إلى خصم أو بيع ما لديها من أذون لدى البنك المركزى للحصول على سيولة. وكان من الواضح أن استمرار الاعتماد على أذون الخزانة من شأنه ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالى زيادة الضغط على الموازنة بارتفاع تكلفة خدمة الدين، فضلا عن مزاحمة القطاع الخاص للحصول على التمويل اللازم من البنوك، والتى بدأت تواجه صعوبات فى السيولة لديها. وفى خلال هذه الفترة، حرصت على التأكيد فى كل مناسبة على أنه من مصلحتنا أن نفتح جميع الأبواب الممكنة، وألا نوصد أى باب بما فى ذلك باب صندوق النقد الدولى. وكان موقف محافظ البنك المركزى داعما بقوة لهذا الاتجاه، وكثيرا ما تحدث، بإصرار، على ضرورة معاودة إحياء فكرة الاقتراض من صندوق النقد الدولى، وأن هذا من شأنه التخفيف من الضغط على ميزان المدفوعات. وبرغم أننى لم أواجه رفضا قاطعا من أى من المسئولين، فلم يحدث أن صدرت موافقة صريحة فى ذلك الوقت. وقبل سفرى إلى واشنطن لحضور اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين فى 21 سبتمبر، أوضحت للسيد رئيس الوزراء أننى لن أوصد بابا، وسوف أؤكد أن مصر ستتحدث مع المؤسسات المالية الدولية بقلب مفتوح، وأن كل شىء رهن بما يحقق مصالح مصر. وفى واشنطن، استقبل كل من رئيس البنك الدولى والمديرة العامة لصندوق النقد الدولى الوفد المصرى بكل ترحاب، وخصص رئيس البنك الدولى جلسة خاصة استمرت لما يقرب من الساعة، أكد فيها اهتمام البنك بتقديم كل أشكال الدعم للاقتصاد المصرى، وأنه يتفهم كل الاعتبارات التى يمكن أن يبديها الوفد المصرى. وبالمثل فإن المديرة العامة للصندوق الدولى ذكرت كلاما شبيها، وإن الصندوق على استعداد دائم لتقديم تسهيلات لمصر إذا رأت مصر ذلك. وفى ردى عليهما فى هذين الاجتماعين، أكدت أن الاقتصاد الحقيقى ما زال متماسكا فى مصر، وأن الإمكانات كبيرة للمستقبل، وأن ما تواجهه مصر حاليا هو أزمة سيولة طارئة لأسباب معروفة، وأن مصر متمسكة باقتصاد السوق واحترام القانون وحماية الحقوق والحريات، مع مزيد من الاهتمام بالطبقات المحرومة وتوفير الظروف والأوضاع اللازمة لتحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية. وبالنسبة إلى الاجتماع مع المسئولين فى الصندوق، أكدت أننا نأتى بقلب مفتوح، وأننا على استعداد لمناقشة صور التعاون كافة. كذلك تم الاتفاق على إرسال بعثة من الصندوق فى إطار عملها الروتينى فى التشاور والنظر فى احتمالات المستقبل، مع التأكيد على أنه فى حالة إعادة فتح موضوع قرض الصندوق فإن مصر لن تقبل أى شروط، وأن يكون القرض الجديد غير مخالف لما تم الاتفاق عليه. ووجدت استجابة من إدارة الصندوق لهذه الأفكار. وفى أثناء وجودى فى واشنطن، جاءنى اتصال تليفونى من الدكتورة نجلاء الأهوانى، مستشار رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية؛ لإفادتى بصدور حكم من مجلس الدولة بإبطال عقود بيع بعض الشركات التى تم خصخصتها، وتم التصرف فى العديد من أصولها لمشترين جدد، وأبلغتنى أن رئيس الوزراء يطلب رأيى فى الموضوع. فقلت لها إن موقف مصر الثابت هو الأخذ باقتصاد السوق واحترام حقوق المستثمرين وعدم المساس بها. لكننا كدولة قانون علينا أن نحترم أيضا أحكام القضاء. ومع ذلك، فإن صدور أحكام من القضاء لا يمنع من استنفاد كل مراحل التقاضى، وإن الغرض من وجود أكثر من درجة للقضاء هو تحقيق العدالة وضمان تنفيذ حكم القانون على الوجه الأكمل، وإن وجود درجات التقاضى العليا يقصد بها توفير الاستقرار القانونى. ولذلك فإننى أقترح، مع احترام حكم المحكمة، أن تقوم الحكومة بالطعن فى الحكم أمام المحكمة الإدارية لعليا. وفى طريق عودتى، أمضيت نصف يوم فى نيويورك، حيث أعدت لى حلقة نقاشية مع عدد من رجال بنوك الاستثمار، والمؤسسات المالية؛ حيث كان المحور الرئيسى هو التساؤل عن الأوضاع الاقتصادية فى مصر. وكان من الطبيعى أن أؤكد استمرار مصر فى الأخذ بنظام اقتصاد السوق، وأحكام دولة القانون، وحماية الحقوق والحريات. وبطبيعة الأحوال، طرح موضوع الحكم القضائى سابق الإشارة، ولم تخرج إجابتى عما سبق. كذلك سئلت عن موقف مصر من الاقتراض من المؤسسات المالية، وخاصة صندوق النقد الدولى. فأكدت من جديد أننا منفتحون وراغبون فى مناقشة كل الاقتراحات ودون أفكار مسبقة، وأن المعيار هو مدى تحقيق مصلحة مصر. كما أعدت التذكير بتماسك الاقتصاد الحقيقى فى مصر، وأن ما تمر به مصر حاليا هو أزمة سيولة، كما هو حال العديد من الدول فى تلك الفترة. وبعد العودة من واشنطن، تم إبلاغ مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للقوات المسلحة بنتائج الزيارة، وأوضحت ما تم من حوار مع كل من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وأن الحاجة أصبحت ملحة لاتخاذ قرار واضح للبدء فى فتح باب المفاوضات مع صندوق النقد الدولى. وكان المشير طنطاوى قد طلب أن يقدم له الرأى بتوقيع من رئيس الوزراء ووزير المالية ومحافظ البنك المركزى فى هذا الشأن. فأعددت مذكرة توضح مبرر فتح باب المفاوضات مع صندوق النقد الدولى، ووقعها معى محافظ البنك المركزى، وعرضت على مجلس الوزراء فى 16 نوفمبر. وبعد المناقشة وتعدد الآراء، تم أخذ الأصوات (لأول مرة منذ دخولى الوزارة) فوافق على المذكرة بأغلبية 17 أو 18 من الحاضرين ــ على ما أذكر ــ وبذلك تمت الموافقة على اتخاذ الإجراءات لبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولى. |
#7
|
||||
|
||||
![]()
جزاك الله خيرا مستر أيمن جعله الله فى ميزان حسناتك
|
#8
|
|||
|
|||
![]()
شكرا جزيلا
__________________
الحمد لله |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|