اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإدارى > أرشيف المنتدي

أرشيف المنتدي هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-04-2009, 02:19 PM
الصورة الرمزية عبقرى مصرى
عبقرى مصرى عبقرى مصرى غير متواجد حالياً
مدرس لغة فرنسية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 715
معدل تقييم المستوى: 16
عبقرى مصرى is on a distinguished road
افتراضي موضوع رائع يستحق التأمل. لا تفوته

العقاد ومجمع الأحياء
بقلم : رجائي عطية
يحتار الآدمي في كلمة الحوادث‏,‏ حين يتأمل في تصاريف الأيام‏,‏ واختلاف الحظوظ‏,‏ وتباين المقادير‏,‏ ولكنالحكمة التي تعيي الحكماء تأتي أحيانا من أفواه المجانين‏,‏ ويجريهاالأدباء أحيانا علي لسان الطير والحيوان‏.‏ من أكثر من ألف سنة أجريعبدالله بن المقفع حوارا‏(‏ بالعربية‏)‏ علي لسان كليلة ودمنة التي وضعهابيدبا الفيلسوف الهندي‏,‏ وحديثا‏(1946)‏ وضع الكاتب الإنجليزي الساخرإريك بلير المشهور باسم جورج أورويل رواية مزرعة الحيوان‏,‏ أجري فيهاالحوارات علي لسان حيوانات المزرعة‏,‏ ويبدو أن عالم الطير والحيوان عالمجاذب للأدباء والفنانين‏,‏ ينشدون فيه التصوير كما ينشدون التسليةوالمتعة‏,‏ ويتخذونه وسيلة لبث الحكمة التي تعارف القدماء علي أنها تأتيأحيانا علي لسان المجانين‏,‏ فلماذا لا تأتي علي لسان الحيوان؟‏!‏

دخلمفكرنا الكبير عباس العقاد هذا المضمار في كتابه الضافي مجمع الأحياء‏..‏ولكن العقاد لا يكتب للتسلية وإزجاء الفراغ‏,‏ وإنما لإثارة القضاياالإنسانية‏,‏ ودعوة العقل للتأمل والتفكير‏,‏ في تقديمه لهذا العمل يقولالعقاد‏:‏ كتبت هذه الرسالة في النضال بين الأهواء والمبادئ‏,‏ واستكناهوجه الحكمة التي تبدأ منها وتعيد إليها أعمال الناس ومساعيهم في هذهالحياة‏,‏ وفحواها أن الخير والشر في هذه الدنيا لا ينفصلان‏,‏ وأن أشرفما يعرفه الناس من الحق غيرتهم علي ما يعتقدون أنه الحق‏,‏ وأن الحق الذينعرفه ونغار عليه غير الحق الذي تتوخاه حركات الكون المتجلية في تاريخالبشر‏,‏ فليس ما نعتقده حقا إلا أداة موصلة إلي الحق العميق المكنونعنا‏,‏ والذي يرتسم طرف منه في عقائد الطبائع القوية السليمة‏!‏ كان تأليفالعقاد لهذا الكتاب إبان الحرب العالمية الثانية‏(1939‏ ـ‏1945),

تلك الحرب التي اصطرعت فيها الأهواء والمبادئ صراعا لما تبلغه في حربقبلها من حروب العالم قديمها وحديثها‏!‏ في البحث عن حقيقة الوجود‏,‏وطبيعة القوي المسخرة له‏,‏ يبدأ العقاد من حقيقة لا مراء فيها‏,‏ هياختلاف القياس في هذا كله باختلاف النظرة التي ينظر إليه بها‏,‏ وي لاتخلو من تغليب مصلحة هذا أو ذاك‏,‏ أو تقديم صوالح الأمة أو الأمم عليصوالح الأفراد أو العكس‏,‏ إلي هذا وذاك ترجع الصراعات الإنسانية التيتشكل مشاهد الحروب والقتال والتدمير والهلاك‏,‏ لا يترك العقاد هذه القضيةدون أن يعرض فيها وجهات النظر علي أسلوب الفلاسفة وأهل الكلام‏,‏ ولكنه لايترك القارئ دون أن يودعه نظرته هو ورأيه الذي تهيأ له بعد طول نظر وتفكروتأمل ودأب وعناء‏,‏ ساعيا إلي نظرة تدرك من حقائق الكون وحكمتهالشاملة‏,‏ ما لا تدركه البصائر المحدودة‏.‏

بالمجاز يجد العقادنفسه في ساعة من زمان‏,‏ في غابة من الغابات لا يسميها‏,‏ تحفل بكلالمخلوقات والأجناس‏,‏ وإذ به وهو في وقفتهم المجازية التخيلية مع غيره منكائنات الغابة‏,‏ تهل سيدة تفاجئهم بظهورها تتخايل أمامهم عرف أنهاالحياة‏,‏ وإليها ترمز‏,‏ هذه الحياة التي يعبدها الناسك والعربيد‏,‏ويتمسك بها الأطفال والشيوخ‏,‏ بما عن لها أن تقول لهم‏..‏ قالت الحياة‏,‏كما شاء لها العقاد أن تقول ـ إنها جمعت كل هذه المخلوقات لما شجر بينهممن خلاف وبغضاء‏,‏ وانقطاع أسباب الرحمة بينهم‏,‏ وأنها تروم من جمعهموالحديث إليهم نشر السلام بينهم‏,‏ وحثهم علي التقارب والتراحموالتناصح‏,‏ وطريقها إلي ذلك أن تدعوهم للكلام‏,‏ للإبانة عما في سرائرهمليفهم بعضهم بعضا‏.‏

كانت اليمامة أول من أذنت لها بالكلام لأنهارمز السلم والسلامة‏,‏ قالت اليمامة فيما قالت‏:‏ معشر الأحياء‏..‏ قالتعالي‏:‏ ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهمالوارثين ونمكن لهم في الأرض‏,‏ ومصداق هذه الآية أنكم إذا تأملتم في ملكالله الواسع لوجدتم اليمام والعصافير أكثر من النسور‏,‏ وصغار الأسماكأوفر من كبار التماسيح والحيتان‏,‏ والإبل والأغنام أبقي‏,‏ برغم ال***وال***‏,‏ من الأسود والنمور‏,‏ تدبروا يا إخواني كيف جعل الله الكثرة فيجانب الضعف لتعلموا أنه لم يخلق الكائنات المستضعفة عبثا‏,‏ ووهبها إرادةالبقاء بالكثرة كما وهب غيرها هذه الإرادة بالقوة‏,‏ فتراحموا فيمابينكم‏,‏ وليعلم أصحاب الحول فيكم أنه ليس من غالب بالقوة اليوم إلا وهومغلوب بها غدا‏.‏ ما إن فرغت اليمامة من عرض منطقها‏,‏ حتي وثب الثعلبليأخذ مكانها‏,

‏ ويدلي هو الآخر بدلوه‏,‏ فكان كلامه تعبيرا صادقاعن صفاته وخصاله‏,‏ أخذ علي اليمامة توصيفها لهم بالضعفاء‏,‏ أما هو فيقوللهم إن الله تعالي أكثر من هذه المخلوقات لأنه قدر عليها الفناء في معتركالحياة العصيب‏,‏ وأنهم إذا أرادوا لأحوالهم أن تستقيم فعليهم أن ينبذواهذه الكلماتالفارغة‏:‏ العدل‏,‏ والحق‏,‏ والواجب‏,‏ والضمير‏,‏ فإنهاأوهام يضيع الجهد وراءها هدرا‏,‏ فلا عدل لأنه لا مساواة بين قوي وضعيف‏!‏ولا حق مادام الجهل يغطي علي أبصار الجاهلين‏,‏ والخوف يلجم أفواهالعارفين‏,‏ ومادام العدل مستحيلا‏,‏ والحق معدوما‏,‏ والواجب مجهولا فلاضمير‏!‏ ما الحل إذن في نظر الثعلب المكار؟ إنه يقول إن كل شيء لهوجهان‏,‏ حتي الوجود نفسه له وجه واضح وآخر غامض لا تراه الأنظار‏.‏

ختمالثعلب كلماته هذه بين وجوم الحاضرين‏,‏ وأخلي مكانه للقرد ليقول كلمتهفقال فيما قال‏:‏ لله درك يا ثعالبة‏:‏ ما أدهاك وأعظم كيدك في نصحك وأشدمحاباتك وتدليسك‏,‏ لقليل والله عليك أن يجزيك أبو الحارث علي هذه الخطبةالبليغة بقفص من الدجاج‏,‏ معشر الأحياء‏,‏ ليس بأهل للحظ من لا تلهمهبصيرته إلي شراء الآجل الكبير‏,‏ بالعاجل اليسير‏.‏ إن الحياة وما بعدهالا يستقيمان إلا لمن طلب غاية فوق الحياة‏,‏ ومن تمسك بالقوة وحدها أضاعهاوتدلي إلي الضعف‏,‏ فإذا علمتهم هذا فاعلموا أن العدل والحق والواجبوالضمير لو كانت مجهولة لوجب اختراعها واتباعها‏,‏ لأن العدل فوقالمصلحة‏,‏ والحق فوق القوة‏,‏ والواجب فوق الهوي‏,‏ والضمير فوقالشريعة‏.‏ صحيح أن القوة عماد الحياة‏,‏ وأساس الحق وسنده‏,‏ وبغيةالنفوس‏,‏ لكنها قوتان‏,‏ قوة الخراب الطائشة الطاغية الغشوم‏,‏ وهذهمرفوضة‏,‏ وحق عليها أن تقاوم‏,‏ وقوة العمار الحكيمة الغيورة علي العدلوالحق والواجب‏,‏ فلا بأس بها‏,‏ ومع ذلك يبقي الحق في النهاية هو الملاذالذي يشرف التسليم به الأقوياء كما يشرف الضعفاء‏,‏ فاجعلوه لكم قبلةوإماما‏.‏

سارع القرد إلي القفز إلي فرع شجرة لينجو من لطمة نمر لمعجبه كلامه‏,‏ ولكن الجميع سكتوا احتراما للأسد الذي وقف يقول فيما أرادله العقاد أن يقول‏:‏ سواء معشر الأحياء صح قول الثعلب أن العبرة بالنجاحلا بكيفيته‏,‏ لو صح قول القرد إن الحق ظافر بالباطل ولو بعد انهزامه‏,‏فإن أولي وآخر الواجبات عندي علي الحي أن يكون قويا‏,‏ لأنه لا ظفر لحق أولباطل إلا بالقوة‏.‏ عليكم بالقوة لا تنيطوا لكم أملا بغيرها‏.‏ عليكمبقوة الاتحاد إن تخطتكم القوة في الانفراد‏,‏ وعليكم بالحيلة إن أعيتكمقوة الاتحاد‏,‏ أقول لكم جميعا كونوا أقوياء يكن أملكم بأيديكم لا بأيديالأعداء والأصدقاء‏.‏

نقلت المرأة ووراءها الرجل المناظرة كلها إليقضية علاقات الأزواج بالزوجات‏,‏ وحقوق الإناث فيها‏,‏ ولكن الرجل ما إنفرغ من الرد علي ما ساقته المرأة أمام الجمع‏,‏ حتي عاد إلي مجري النقاشالأولي ليدلي فيه بدلوه‏.‏ لقد بدأ فسلم بصدق الأسد حين قال إن الواجبالأول والأخير علي الحي أن يكون قويا‏,‏ فهذه حقيقة لا تتغير‏,‏ سواء أكانالعدل هو الغالب أم الجور‏,‏ وسواء أكانت العاقبة للمتقين أم للظالمين‏,‏وسلم الرجل بصدق القرد فيما قاله من أن الأخلاق قوة فوق القوة‏,‏ وبصدقالثعلب فيما قرره من أن المصالح الخاصة أظهر للحواس‏,‏ وأقرب إلي الأهواءمن المصالح العامة‏,‏ لكن ما ينبغي أن يدرك بعد هذا كله‏,‏ فيما قالالرجل‏,‏ أنه حيثما وجد شيء يسمي أمة فلابد هناك من شيء يسمي مصلحةالأمة‏,‏ ولا قيام لمصلحة أمة من الأمم إلا برعاية أبنائها لها‏,‏ وإذاكان صحيحا في نظر الرجل ما قاله من سبقوه‏,‏ فإن الأولي بالكائنات تحقيقههو العقيدة‏,‏ فهي تقوي الضعيف‏,‏ وتضاعف قوة القوي‏,‏ ولا يأس في أمة مابقي فيها استعداد للعقيدة‏,‏ علي حين لا أمل في أمة قد نضب فيها هذاالمعين السماوي مهما غرت ظواهرها‏.‏

هل يمكن للكائنات أو يمكنللخلق أن يتفقوا؟ الإجابة عن هذا السؤال هي مرام وغاية العقاد‏,‏ تراهبعين خياله‏,‏ أو بحكمة بصيرته يتابع هذه الدراما الفلسفية التي تخيلها‏,‏فيروي كيف مضت كائنات جمع الغاب في خطبها‏,‏ بعضها ينطق بهواه‏,‏ وبعضهابمبادئه‏,‏ وبعضها بخليط من هذا وذاك‏,‏ ولكنهم في مقالاتهم لم يتفقوا عليشيء‏,‏ وما كان لهم أن يتفقوا وقد تعددت بهم المصالح والأهواء والمشارب‏,‏هذه هي الحياة فيما كشفه العقاد‏..‏ نظرات الأحياء مطبوعة غالبا بأهوائهمومصالحهم‏,‏ بعضهم ينطق بالحق‏,‏ والبعض ينطق بغرضه وهواه‏!‏ ومع ذلكفحكمة الوجود واضحة لمن أراد أن يسبرها بلا هوي‏,‏ إن عظمة قوانين الوجودوحكمته لا تدرك بقياسها إلي القانون التي نتخيلها ونروم إعمالها وفقالمصالحنا لو كان الأمر بيدنا‏,‏ ولكن بقياسها إلي الغاية المرجوة منهالسائر الأحياء‏,‏ فإن قانون الوجود ليس قانونا وضع لفرد‏,‏ وإنما هو قانونالأحياء جميعا‏,‏ فالقانون الذي يوضع لبقاء فرد واحد في عصر واحد غيرالقانون الذي يوضع لبقاء جميع الأمم في جميع العصور‏,‏ وليس أحكم ولا أخلدمن نظام يفدي الوجود كله بسعادة واحد منه‏,‏ وهذه هي كلمة الحياة‏.‏
جريدة الأهرام
44705
‏السنة 133-العدد
2009
ابريل
30
‏5 من جمادى الاولى 1430 هـ
الخميس
__________________

فى رعاية الله
"أحمد الصباغ"
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 03:55 PM.