اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم (مكتوب و مسموع و مرئي)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-02-2017, 07:10 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New دواعي ضرب الأمثال في القرآن


تَضرِبُ العربُ الأمثالَ لإيصال فكرةِ الموضوع الذي من أجله يُضرب المثل للناس، بأقربِ طريق، وأقلِّ وقت، وأوضح صورة، وأبلغ مقال، ومن ثمَّ ترسيخ الفحوى، وفهم العبرة منه، واستيعابها واستقرارها في الذهن، وبقاؤها راسخةً في الذاكرة مهما طال الزمن، أو تغيَّر الحال.

وجاءتِ الأمثالُ الصريحة في القرآن الكريم مِن أجل الهداية لمَن لم يهتدِ من الناس، ولزيادة الإيمان لمن كان الله تعالى قد هداهُ؛ قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾ [البقرة: 26].

إلا أنَّ أمثال القرآن الكريم لم تقتصر على ما كان يفهمه ويتداوله العربُ من ضرب الأمثال، بل كان ما عند العرب جزءًا من أمثال القرآن الكريم، وليس كل شيء، فقد ضُربت الأمثالُ في القُرآن الكريم على وجوه؛ فمنها:
أولًا: إخراج الغامض إلى الظاهر: ولِما للأمثال من فوائدَ؛ امتنَّ الله تعالى علينا بقوله: ﴿ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ ﴾ [إبراهيم: 45]، وبقوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43]، وسُمِّي مثلًا؛ لأنه ماثلٌ بخاطر الإنسان أبدًا؛ أي: شاخص، فيتأسى به ويتَّعِظ.

ثانيًا: ويأتي المثل بمعنى الصفة؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾ [النحل: 60]، وقوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ﴾ [الرعد: 35]، وقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ﴾ [الفتح: 29].

ثالثًا: تشبيه المعنوي الخفي بالحسِّي، والغائب بالشاهد؛ كتشبيهِ الإيمان بالنور، والكفر بالظلمة، والكلمة الطيبة بالشجرة.

رابعًا: ويستعمل المثل لبيان الحال؛ كقوله تعالى: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [البقرة: 17][1].

خامسًا: ويضرب المثل كنموذج للإعجاز، أو الأمر العَجيب، أو التحدي، (المثل: النَّموذَج، أو نوع من الأنواع، أو عمل من الأعمال، أو سُنة من سنن الله تعالى)[2].

وكانت الأمثال قد أخذتْ حَيِّزًا لا يُستهان به في لغة العرب، وكانت جزءًا من ثقافتهم؛ قال دُريد بن الصِّمة:
وإلَّا فأنتُم مثلُ مَنْ كانَ قبلَكُمْ *** ومَنْ يعقلُ الأمثالَ غيرُ الأكايسِ
ولأن الخطاب القرآني يُخاطب الناسَ بألسنتهم، فقد كانت الأمثال جزءًا مهمًّا من بين آيات القرآن الكريم، الذي أنزله الله تعالى عربيًّا؛ ليعقله العرب قبل غيرهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله أنزل القرآن آمرًا وزاجرًا، وسُنَّة خالية، ومَثلًا مَضروبًا))[3]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ هذا القرآن ينزلُ من سبعةِ أبوابٍ على سبعة أحرفٍ؛ حلال وحرام، وأمر وزجر، وضرب أمثال، ومحكم ومتشابه، فأحِلَّ حلالَ الله، وحَرِّمْ حرامَه، وافعَلْ ما أمرَ اللهُ، وانتهِ عمَّا نهى اللهُ عنه، واعتَبِرْ بأمثالهِ، واعمَلْ بمُحكَمِه، وآمِنْ بمُتشابهه، وقُلْ: ﴿ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]))[4].

قال الماوَردي رحمه الله: (المَثَلُ بالتحريكِ والتسكين، والمَثَلُ بالتحريك مستعملٌ في الأمثال المضروبة، والمِثْلُ بالتسكين مستعملٌ في الشيء المماثل لغيره)[5].

وقال أبو حيان الأندلسي: (المَثَل في أصل كلام العرب بمعنى المِثل والمثيل، كشَبَه وشِبْه وشَبِيه، وهو النظير، ويجمع المَثَل والمِثْل على أمثال، قال اليزيدي: الأمثال: الأشباه، وأصل المثل الوصف؛ هذا مثل كذا؛ أي: وصفُه، مساوٍ لوصفالآخر بوجه من الوجوه، والمثل: القول السائر الذي فيه غرابةٌ من بعض الوجوه، وقيل: المَثلُ ذكرُ وصفٍ ظاهر محسوس وغير محسوس، يُستدلُّ به على وصفٍ مشابه له من بعض الوجوه، فيه نوع من الخفاء؛ ليصير في الذهن مساويًا للأول في الظهور من وجه دون وجه، والمقصود من ذكر المثل أنه يؤثِّر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه؛ لأن الغرض من ضرب المثل تشبيه الخفي بالجلي، والغائب بالشاهد، فيتأكد الوقوف على ماهيته، ويصير الحس مطابقًا للعقل)[6].

وقد كانتِ العرب تستعمل الأمثال في الجاهلية وفي الإسلام قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
فاقرَأْ كتابَ اللهِ جهدَكَ واتلُهُ
فيما يقومُ به هناكَ ويُنصَبُ
بتفكُّرٍ وتَخشُّعٍ وتَقرُّبٍ
إنَّ المقرَّبَ عندَهُ المتقَرِّبُ
واعبُدْ إلهَكَ ذا المعارجِ مُخلصًا
وانصِتْ إلى الأمثالِ فيما تُضرَبُ

وقال الطِّرمَّاح:
قد جاءَ في الأمثالِ قولٌ سائرٌ
لمُهذَّبٍ وَزَنَ الكلامَ وقَوَّمَا
لا خيرَ في رَجُلٍ يُجالسُ عِرْسَهُ
ويبيعُ قُرْطَيْها إذا ما أَعْدَمَا

فمن أمثلة العرب التي تناقلتها الألسن:
قولهم: (على نَفسِها تَجني بَرَاقش).
وقولهم: (وافقَ شَنٌّ طَبَقة).
وقولهم: (أولُ الغَزوِ أَخْرقُ).
ويُضرب الأخير مثلًا لقلَّة التجارب، يُراد إنما الإحكام بعد المعاودة، والتجرِبة رِدْءُ العقل.
وقولهم: (لا ناقَتي فيها ولا جَمَلي).
وهذا (المثل للحارث بن عَبَّاد، قاله حين *** جسَّاسُ كُليبًا، واعتزل الفريقين).
وقولهم: (تَجُوعُ الحُرَّةُ وَلا تَأكُلُ بِثَدْيَيْهَا)، وغيرها من الأمثال.

(ويرى الزَّمخشري أنَّ المَثَل في أصل كلام العرب يعني "المِثل، وهو النظير، يقال: مَثَلٌ ومِثْلٌ ومثيلٌ، كشَبَه وشِبْه وشَبِيه، ثم قيل للقول السائر الممثَّل مضربُه بمَورده: مَثَلٌ، ولم يضربوا مثلًا، ولا رأوه أهلًا للتسيير، ولا جديرًا بالتداول والقَبول، إلا قولًا فيه غرابة من بعض الوجوه، وقد استُعير المثل للقصة أو الصفة، إذا كان لها شأن، وفيها غرابة".

وهذا هو الرأي الذي قال به ابن منظور رحمه الله؛ حيث عَدَّ المَثَل والمِثْل بمعنًى واحد، ويُراد بهما معنى التسوية، فيقول ابن منظور:
"مثل: كلمة تسوية؛ يقال: هذا مِثله ومَثَله، كما يُقال: شِبْهه وشَبَهه؛ بمعنى، والمثل: الشيء الذي يُضرب لشيء مثلًا، فيُجعل مثله."
فالمشابهة في المثل، قد تكون من عدَّة وجوه؛ كما رأى الأصبهاني في رأيه المتقدم، وقد تكون المشابهة مساوية للنظير، كما ذهب إلى ذلك الزمخشري وابن منظور؛ لهذا كان المثل عند عبدالقاهر الجُرجاني يعني التشبيه التمثيلي، وهو نوعان: بسيط، ومركب:
أما التمثيل البسيط، فهو تشبيه مفرد بمفرد؛ كقوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ﴾ [هود: 24].
وأمَّا التمثيل المركب، فهو يعتمد على أمور عدة، يجمع بعضها إلى بعض، ثم يستخرج من مجموعها الشبه، فيكون سبيله سبيل الشيئين يُمزج أحدهما بالآخر؛ حتى تحدُث صورة غير ما كان لهما في حال الإفراد، لا سبيل الشيئين يجمع بينهما وتحفظ صورتهما، ومثال ذلك قوله عز وجل: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾ [الجمعة: 5].

ويرى الجرجاني أن التشبيه كلَّما أوغل في كونه عقليًّا محضًا، كانَتِ الحاجة إلى الجملة أكثر، ويستشهد على ذلك بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ﴾ الآية [يونس: 24]، ويُعقِّب على ذلك بقوله: "ترى في هذه الآية عَشرَ جُمَلٍ إذا فُصِّلتْ".

وقد يعني المثل معانيَ أخرى ذكرها العلماء، منها (الوصف)، وقد ورد هذا المعنى في قول الزمخشري المتقدم، وهو: "وقد استُعير المثل للقصة أو الصفة إذا كان لها شأن وفيها غرابة".

والفيروزابادي أورد للمثل عدَّة معانٍ، هي الحجة، والحديث، والصفة، يقول: "والمَثَل محرَّكة: الحجة، والحديث، والصفة".
وقد فهِم الزركشي من ظاهر كلام اللُّغويين أن المثل هو الصفة، فقوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الرعد: 35]؛ أي: وصف الجنة، وقوله تعالى في الصحابة: ﴿ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ ﴾ [الفتح: 29]؛ أي: وصفهم فيها)[7].

وقال أبو هلال العسكري في جَمهرة الأمثال: (أصل المَثَلِ التماثلُ بين الشيئين في الكلام؛ كقولهم: "كما تَدين تُدان"، وهو مِن قولك: هذا مَثَل الشيء ومِثله؛ كما تقول: شَبَهه وشِبْهه، ثم جُعل كلُّ حكمة سائرة مثلًا، وقد يأتي القائل بما يحسن أن يتمثل به، إلا أنه لا يتفق أن يسير، فلا يكون مثلًا، وضرب المثل: جعله يسير في البلاد؛ مِن قولك: ضرب في الأرض، إذا سار فيها، ومنه سُمِّي المضارب مضاربًا، ويقولون: الأمثالُ تُحكى، يَعْنُون بذلك أنها تُضرب على ما جاءت عن العرب ولا تغير صيغتها).

ويقول: (وأُثنِي عليه بسالف نعمته، وفارط منَّته، في مثل ضربه، ومثال نصبه؛ لينتهي إليه العارف فيرشد، ويهتدي بهديه فيتسدد - ثناءَ المخلصين، ودلَّ على فضيلة ذلك في محكم بيانه، ومنزل فرقانه، فقال جل ثناؤه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ﴾ [الحج: 73]، وقال: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ﴾ [النحل: 112]، وقال: ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 25]، وقال: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا ﴾ [النحل: 75]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ [البقرة: 26]، وقال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ [النحل: 76]، إلى غير ذلك مما أشار به الى منافع الأمثال في متصرفاتها، وحسن مواقعها في جهاتها)[8].

وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: "لم أرَ من أهل الحديث مَن صنَّف فأفرد للأمثال بابًا غير أبي عيسى، وللهِ درُّه، لقد فتح بابًا، وبنَى قصرًا أو دارًا، ولكنَّه اختطَّ خطًّا صغيرًا، فنحن نقنع به ونشكره عليه".

ولكنَّ السيوطي نَقَلَ عنه أنه قال: "مِن أعظم علوم القرآن علمُ أمثاله، والناس في غفلة عنه؛ لاشتغالهم بالأمثال وإغفالهم الممثلات، والمثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام، والناقة بلا زمام".

ولقد صرَّف الله تعالى في القرآن الأمثالَ للناس؛ زيادةً في التأكيد والتفصيل والإيضاح، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54].

وجاء في أضواء البيان للشنقيطي: (﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا ﴾؛ أي: ردَّدنا وكثَّرنا تصريف الأمثال بعبارات مختلفة، وأساليب متنوعة في هذا القرآن للناس؛ ليهتدوا إلى الحق ويتَّعظوا، فعارضوا بالجدل والخصومة، والمثل: هو القول الغريب السائر في الآفاق، وضَربُ الأمثال كثيرٌ في القرآن جدًّا)[9].

وقال برهان الدين البقاعي في "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور": (لَمَّا كان في هذا من البيان ما لا يخفى على لسان ولم يرجعوا، أشار إلى أن لهم أمثال هذا الإعراض عن أمثال هذا البيان، فقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا ﴾؛ أي: طرقنا تطريقًا عظيمًا بأنواع طرق البيان؛ من العِبَر والحكم، والأمثال والأحكام، والحجج والأعلام، في قوالب الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والمحكم والمتشابه، إلى غير ذلك، ﴿ فِي هَذَا الْقُرْآنِ ﴾ من هذه الطرق ما لا غبار عليه، ونوعناه من جهة إلى جهة، ومن مثال إلى مثال، والتصريف لغة: صرف الشيء من جهة إلى أخرى، ثم صار كناية عن التبيين)[10].

وقال ابن تيمية رحمه الله: (الرسلُ ضربَتْ للناس الأمثالَ العقلية التي يعرفون بها التماثل والاختلاف، فإنَّ الرسل دلَّتِ الناسَ وأرشدتهم إلى ما به يعرفون العدل، ويعرفون الأقيسة العقلية الصحيحة التي يستدل بها على المطالب الدينية، فليست العلوم النبوية مقصورةً على مجرد الخبر، كما يظُن ذلك مَن يظنه من أهل الكلام، ويجعلون ما يعلم بالعقل قسيمًا للعلوم النبوية، بل الرسل صلوات الله عليهم بيَّنتِ العلومَ العقلية التي بها يتم دينُ الناس علمًا وعَملًا، وضُرِبت الأمثال، فكملت الفطرة بما نبَّهتها عليه، وأرشدتها مما كانت الفطرة معرِضة عنه، أو كانت الفطرة قد فسدت بما حصل لها من الآراء والأهواء الفاسدة، فأزالت ذلك الفساد، وبيَّنت ما كانت الفطرة معرضة عنه حتى صار عند الفطرة معرفة الميزان التي أنزلها الله وبينها رسله، والقرآنُ والحديث مملوء من هذا يبين الله الحقائق بالمقاييس العقلية والأمثال المضروبة، ويبين طرق التسوية بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين)[11].

وجاءت آيات القرآن الكريم لتؤكد أنَّ الأمثال الصريحة الواردة في القرآن، إنما هي من أجل التفكُّر؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]، ثمَّ بعد كثرة التفكر بالأمثال يحصل للمتفكر أمرٌ آخر هام ضُربَت من أجله الأمثال، وهو التَّذكُّر؛ قال تعالى: ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 25]، فليس ثَمَّ تذكُّرٌ مِن دون سابقة تَفكُّر، وبعد التفكر والتَّذكر يحصل العلم المؤدي للفقه، وهو الفهم الصحيح لمضرب الأمثال؛ قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43].

[1] المعجزة القرآنية حقائق علمية قاطعة، أحمد عمر أبو شوفة، ص 198، (بتصرف).
[2] وظيفة الصورة الفنية في القرآن، عبدالسلام أحمد الراغب، ص 157.
[3] سنن سعيد بن منصور، سعيد بن منصور، ج2، ص271، حديث: 72.
[4] رواه ابن الجوزي في فنون الأفنان ص(202)، ورواه ابن حبان في صحيحه، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، (3 /20، 22)، والحاكم في المستدرك (1 /553) وقال: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (4 / 184 - 185)، وحسنه الألباني في مختصر السلسلة الصحيحة 587.
[5] النكت والعيون، أبو الحسن الماوردي، ج1، ص79.
[6] تفسير البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، ج1، ص 207.
[7] وظيفة الصورة الفنية في القرآن، عبدالسلام أحمد الراغب، ص156-157.
[8] جمهرة الأمثال، أبو هلال العسكري، ج1، ص3.
[9] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الشنقيطي، ج3، ص299.
[10] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، برهان الدين البقاعي، ج4، ص383 - 384.
[11] الرد على المنطقيين، ابن تيمية، ص 382.


عبدالستار المرسومي
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-02-2017, 02:27 PM
هند رؤوف هند رؤوف غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
العمر: 34
المشاركات: 26
معدل تقييم المستوى: 0
هند رؤوف is on a distinguished road
افتراضي


شكرا على موضوع القيم
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17-02-2017, 11:23 PM
particle760 particle760 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 31
معدل تقييم المستوى: 0
particle760 is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:26 AM.