|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
من بلاغةِ الرسولِ في حديثِ «سَتَكُونُ أُمَرَاء فَتَعْرِفُونَ وتُنْكِرون»
من بلاغةِ الرسولِ في حديثِ
«سَتَكُونُ أُمَرَاء فَتَعْرِفُونَ وتُنْكِرون» الحمدُ للهِ كمَا يَنبَغِي لجلالِ وجْهِهِ وعَظِيمِ سُلْطَانِه، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيدِنَا مُحَمَّدٍ صَاحِبِ المقامِ الأعظمِ، وعلى آلِهِ الطِّيبِينَ الطَّاهِرِينَ، وعَلَى أَصْحَابِهِ ومَنْ تَبِعَهُ بإِحْسَانٍ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَد اشتملَ خِطابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَلى فُنونِ الفَصَاحةِ، وحَازَ قَصَبَ السَّبْقِ في البَلاغَةِ والبَرَاعَةِ، كمَا أَنَّهُ لم يكن خِلْوًا من التَأَييدِ بالخَبَرِ الغَيْبِيِّ المُعْجِزِ، الذي لم يقَعْ في زَمَانِهِ. ولم يَكُنْ خِطَابُهُ صلى الله عليه وسلم مَقْصُورًا عَلَى الوَعْظِ وشُئُونِ الدِّينِ، فَقَدْ عَالَجَ مَا يَعْتَرِي المجتمعاتِ، ومَا يَعْرِضُ للنَّاسِ مِنْ أَزَمَاتٍ. وهاكم حديثًا رواه مسلم في صحيحه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ" قَالُوا: أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لا، مَا صَلَّوْا"[1]. وإذا أنْعَمْنَا النظرَ في خِطَابِ الشَّرعِ جملةً فَسَنَجِدُ أَنَّهُ على نَوْعَيْنِ: خِطَاب الشَّرْع الخَبَرِي، وخِطَاب الشَّرْعِ الطَّلَبِي، أَمَّا خِطَابُ الشَّرْعِ الخَبَرِي فَالواجِبُ تُجَاهَهُ التَّصْدِيقُ والإِيمانُ، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [غافر: 59]، وأمَّا خِطَابُ الشَّرْعِ الطَّلَبِي فَهُوَ مَا يَسْتَدْعِي مَطْلُوبًا، كقوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]، وكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60]، والوَاجِبُ تُجَاهَهُ الامْتِثَالُ والتَّنْفِيذُ. وبتأمل ذلك النص النبوي الشريف نلاحظ جملة من الأمور: أولاً اشتمل هذا الحديث في بدايته على النوع الأول من نوعي الخطاب، وذلك بتضمنه خبرًا مستقبليًّا بدلالة سين الاستقبال في قوله (ستكون)، ولذا قال النووي رحمه الله: "هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم "[2]. ثانيًااشتملَ كذلكَ هذا النصُّ على النوعِ الثَّاني مِنْ نَوْعَيْ الخِطَابِ في قَوْلِه صلى الله عليه وسلم: «ولَكِنْ مَنْ رَضِيَ وتَابَعَ»، فَفِيهِ إِيجَازٌ بِالحَذْفِ، والمحذوفُ هُنَا جملةُ الشرطِ الدالةُ على وُقُوعِ الإثمِ والعُقُوبةِ، والإِثْمُ لا يَقَع إِلا علَى مَا أَمَر الشرعُ باجتِنَابِهِ. قال النووي -رحمه الله-: فـ «مَعْنَاهُ: ولَكِنَّ الْإِثْمَ وَالْعُقُوبَةَ عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ لا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضى به، أو بأن لا يَكْرَهَهُ بِقَلْبِهِ، أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ»[3]. ثالثًا في النصوص النبوية الشريفة التي أخبرت عن الأمراء، تُذْكَرُ كلمة (بعدي) مرةً، ومرةً أُخْرَى لا تذكر، فمن النصوص التي وردت فيها كلمة (بعدي) قوله: «ستكون أمراء بعدي يؤخرون الصلاة عن وقتها»[4]، ومن النصوص التي لم ترد فيها كلمة (بعدي) قوله صلى الله عليه وسلم: «يا كَعْبُ بن عجرة أُعِيذُكَ بِالله من إِمَارةِ السُّفَهَاءِ، إِنَّهَا ستكون أمراء، مَنْ دَخَل عليْهِمْ فأَعَانَهمْ عَلى ظُلْمِهِمْ وصَدَّقَهُمْ بكذِبِهمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، ولَنْ يَرِدَ علي الحوض...الخ»[5]، ولعل في هذا إشارة إلى أن بعض الوقائع تحدث حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها الآخر يكون بعده. رابعًا اتكاء ذلك النص البليغ على الإيجاز في أكثر من موضع في قوله (فتعرفون وتنكرون)؛ حيث حذف المفعول به في كل منهما، للقرينة العقلية المستدل عليها من المعنى السياقي للتقابل بين المعرفة والإنكار. وكذلك الإيجاز في قوله صلى الله عليه وسلم: «فمن عرف برئ»، إذ إن «مَعنَاهُ: مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ إِثْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِنْكَارَهُ بِيَدِهِ ولا لِسَانِهِ، فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ وَلْيَبْرَأْ»[6]، وهناك رواية أخرى وهي: «فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ»، ومن معانيه المحتملة -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: «فَمَنْ عَرَفَ الْمُنْكَرَ وَلَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ فَقَدْ صَارَتْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ إِثْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ بِأَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ»[7]. خامسًا التقسيم اللطيف في قوله صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ»، فها هنا ثلاث مراتب؛ الأولى: معرفة المنكر مع عدم الإقرار القلبي به، والثانية: معرفة المنكر والسعي إلى إنكاره قدر الاستطاعة، والثالثة: الرضا والمتابعة على الأفعال الظالمة دون تفريق بين المعروف والمنكر، ومن لطيف الاختصار عدم الإشارة إلى حال الفريق الثالث بالمعرفة من عدمها، للدلالة على عظم التيه والضلال الذي هم عليه. سادسًا أن الإنكار المقصود في الحديث هو في البيان وعدم المتابعة ومحاولة الإزالة قدر المستطاع، ولا يشمل مقاتلتهم، ودليل ذلك أن الصحابة -رضي الله عنهم- أتبعوه بهذا السؤال: «أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ»، فكان الجواب منه صلى الله عليه وسلم: «لا، ما صَلَّوْا»، وهذا الجواب المختصر منه صلى الله عليه وسلم يدل على أنه -كما ذكر النووي- «لا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَى الْخُلَفَاءِ بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام»[8]، فنَهْيُ النبي صلى الله عليه وسلم عن مقاتلتهم مشروط بشرط هو قوله (ما صلَّوْا)، وكلمة (ما) هنا مصدرية ظرفية، أي مدَّة صلاتهم، أي امتنعوا عن قتالهم ما داموا يصلون، وهذا يدل على عظم قدر الصلاة في الإسلام. ومن خلال ذلك كله يتضح لنا أن أمراء الظلم لا يتبعهم إلا من عمي عن الحق، ولم يبصر معروفًا من منكر؛ لأنه حينئذ يرضى بقلبه ثم يتابع بجوارحه وأعماله، وهذه صورة في غاية الفجاجة، في مقابل صورتين أخريين: إحداهما لمن عرف بقلبه ولم يستطع أن ينكر إلا به فذلك من البُرآء، والأخرى لمن عرف بقلبه وحاول أن ينكر قدر استطاعته فذلك ممن كتبت لهم السلامة. والحمد لله رب العالمين تُنشر بالتعاون مع مجلة (أعاريب) المصدر: مجلة أعاريب - العدد الثاني - ربيع الثاني 1435هـ / فبراير 2014م [1] شرح صحيح مسلم للنووي، كتاب الإمارة، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صَلَّوْا ونحو ذلك.حديث رقم 1854. [2] السابق نفسه. [3] السابق نفسه. [4] المعجم الأوسط للطبراني، 1/ 291. [5] صحيح ابن حبان 5/9. [6] شرح صحيح مسلم، للنووي. [7] السابق نفسه. [8] السابق نفسه.
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
جزاك الله كل خير علي هذا الموضوع المفيد
|
العلامات المرجعية |
|
|