|
#1
|
||||
|
||||
الميزان القرآني كأحد البراهين القرآنية
الميزان القرآني كأحد البراهين القرآنية وليد سميح عبدالعال الميزان القرآني: يرى ابن تيمية أن القياس الصحيح هو الميزان المنزل من الله تعالى الذي يستدل به العقل، فإن من أعظم صفات العقل معرفة التماثل والاختلاف، فإذا رأى الشيئين المتماثلين علم أن هذا مثل هذا فجعل حكمها واحدًا، قال الله تعالى: ï´؟ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ï´¾ [الشورى: 17] وقال سبحانه ï´؟ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ï´¾ [الحديد: 25] وفسر السلف الميزان بالعدل وفسره بعضهم بما يوزن به وهما متلازمان وقد أخبر أنه أنزل ذلك مع رسله كما أنزل معهم الكتاب ليقوم الناس بالقسط، ويبين أيضًا في موضع آخر أن القياس الصحيح هو من العدل الذي أنزله الله تعالى، وأنه لا يجوز أن يختلف الكتاب والميزان، فلا يختلف نص ثابت عن الرسل وقياس صحيح - لا قياس شرعي ولا عقلي، ولا يجوز قط أن الأدلة الصحيحة النقلية تخالف الأدلة الصحيحة العقلية، وليس في الشريعة شيء على خلاف القياس الصحيح على خلاف القياس الفاسد[1]. وبعد عرض مسهب مقارن للأقيسة المنطقية والميزان القرآني، يقر ابن تيمية أن الله تعالى يبين الحقائق بالمقاييس العقلية والأمثال المضروبة، ويبن طريق التسوية بين المتماثلين والفرق بين المختلفين[2] وينكر على من يخرج عن ذلك كقوله تعالى: ï´؟ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ï´¾ [الجاثية: 21]. وقوله سبحانه: ï´؟ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ï´¾ [القلم: 35، 36] أي هذا حكم جائر، لا عادل فإن فيه تسوية بين مختلفين. وقال عز وجل: ï´؟ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ï´¾ [ص: 28] وقوله سبحانه: ï´؟ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ï´¾ [البقرة: 214]. وإذا سأل سائل، إذا مما يعرف بالعقل فكيف جعله الله تعالى مما أرسلت به الرسل؟ وهذا السؤال في غير موضعه لأن صاحبه يفترض أن العقل مباين للشرع، وأن ما يعلم قسيمًا - أو مقابلًا - للعلوم النبوية وبعبارة أخرى يجعل الأحكام منفصلة عن العلوم النبوية، فهذه نقلية سمعية وتلك برهانية. والإجابة على هذا السؤال سهلة يسيرة إذا قرأنا القرآن، حيث يتبين منه أن الرسل ضربت للناس الأمثال العقلية التي يعرفون بها الثماثل والاختلاف، فإن الرسل خاطبت الناس بما يعرفونه، ودلت على ما يفهمونه بفطرتهم التي خلقهم الله بها، فليست العلوم النبوية إذن مقصورة على مجرد الخبر كما يظنه أهل الكلام، بل الرسل - صلوات الله عليهم - بينت العلوم العقلية التي بها يتم دين الناس علمًا وعملًا، وضربت الأمثال، وذلك بظهور دور الرسل الذين جاءوا بتكميل الفطرة وإصلاحها، فكملت الفطرة بما نبهتها وأرشدتها عليه مما كانت الفطرة معرضة عنه لأسباب الغفلة، وكذلك تصلح الفطرة وتعيدها إلى طبيعتها إذا قيست الآراء والأهواء الفاسدة، ويكون دور الرسل أيضًا إزالة الفساد وتذكير البشر لما كانت فطرتهم معرضة عنه[3]. وكانت طريقة السلف الصالح تتلخص في الاستدلال بالأدلة العقلية التي يحتاج إليها في العالم بما لا يقدر عليه المتكلمون بإتيانه، بل إن غاية ما يذكرونه قد جاء القرآن بخلاصته على أحسن وجه وذلك كالأمثال المضروبة التي يذكرها الله تعالى في كتابه التي وصفها بقوله: ï´؟ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ï´¾ [الروم: 58]. ولا يمل ابن تيمية من تكرار وإعادة القول بأن الأمثال المضروبة في القرآن الكريم هي الأقيسة العقلية، ويضيف إلى ذلك أنه يدخل فيها ما يسميه المناطقة براهين، وهو القياس المؤلف من المقدمات اليقينية، بل إن لفظ البرهان في اللغة أعم من ذلك كما سمى الله تعالى آيتي موسى – عليه السلام - برهانين فقال سبحانه: ï´؟ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ï´¾ [القصص: 32][4]. [1] الرد على المنطقيين ص 271. [2] نفس المصدر ص 383. [3] ابن تيمية: الرد على المنطقيين ص 282. [4] ابن تيمية: موافقة صحيح المنقول ج 1 ص14. وجاء في (تفسير الجلالين) "أدخل يدك اليمنى بمعنى الكف في جيبك وهو طوق القميص وأخرجها تخرج) خلاف ما كانت عليه من الأدمة (بيضاء من غير سوء) أي: برص، فأدخلها وأخرجها تضيء كشعاع الشمس تغشي البصر (.. فذانك) بالتشديد والتخفيف أي العصا واليد.. والآية كاملة: ï´؟ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ï´¾ [القصص: 32]. يقول الأصفهاني: "فالبرهان أوكد الأدلة، وهو الذي يقتضي الصدق أبدًا، لا محالة.. قال تعالى: ï´؟ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ï´¾ [البقرة: 111]، ï´؟ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ ï´¾ [الأنبياء: 24]، ï´؟ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ï´¾ [النساء: 174]، المفردات في غريب القرآن ص 45. |
العلامات المرجعية |
|
|