|
#1
|
||||
|
||||
أبوبكر الصديق نموذجا (١)
أبوبكر الصديق نموذجا (١)
محمد حبيب (١) لا خلاف على أن التحديات التى تواجهنا كثيرة ومتنوعة، معقدة ومتشابكة، داخلية وخارجية، وتسعى إلى تركيعنا وتوهين عزائمنا ومسخ أخلاقنا وتشويه قيمنا ومبادئنا، الأمر الذى يتطلب تضافر جهود المخلصين من العلماء والباحثين والمربين فى كل موقع، للعودة إلى المنهل الصافى للإسلام، الذى يمثل بالنسبة لنا الحياة والوجود، وسبيل النهوض والرقى والسعادة والظفر فى الدنيا والآخرة.. ولاستعادة المنهج الربانى، أو بالأحرى «تجديد الدين»، لابد من الرجوع إلى الأصول التى نزل بها الروح الأمين على قلب الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) والتى تحض على التمسك بالقيم الأخلاقية والإيمانية والإنسانية الرفيعة، وتحترم العقل، وتعظم العلم، وتقيم العدل، وتشيع المودة والرحمة، وتعمل على الوحدة، وتأمر بالشورى، وتدفع إلى التعاون على البر والتقوى، وتتعامل بوعى وفهم مع قضايا العصر، فضلا عن بذل الجهد فى تقوية مؤسسات الدولة.. إلخ. هذه الأصول تضم كل عناصر النهوض والتقدم والرقى، بل هى السبيل لتبديد سحابات العقم والتبلد التى خيمت على عقولنا وأفكارنا ردحا من الزمن، فأورثتنا تخلفا وتقهقرا وترديا واضطرابا.. ولا شك أن الطريق إلى تحقيق النهضة يحتاج - إضافة لما سبق - إلى همة عالية، وعزم قوى، وإرادة صلبة، وقبل ذلك وبعده صدق مع الله، وحسن توكل عليه.. فى مقدمة مؤلفه القيم «السنة النبوية بين أهل الفقه.. وأهل الحديث»، يقول شيخنا الغزالى: «إن البدوى الذى خاطب الفرس أيام الفتح الأول، قال لهم: جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد.. كان هذا البدوى بفطرته الصادقة يعلم ما هى الحقائق الكبرى فى المنهاج الإسلامى، فيفتح البصائر عليها».. (٢) إن اقتفاء أثر النماذج الفذة من صحابة النبى (صلى الله عليه وسلم)، والتى كانت ترجمة حية وواقعية للمنهج الربانى، يمثل أولى الخطوات فى الاتجاه الصحيح.. وقد كان الصديق (رضى الله عنه) أحد هؤلاء الرجال العظام الذين قلما يجود الزمان بمثلهم.. فهو الذى فرح النبى (صلى الله عليه وسلم) بإسلامه فرحا عظيما، إحساسا منه بعظمة الرجل، والشأن الذى سوف يصل إليه، والمكانة التى سوف يتبوأها، والدور العظيم الذى تدخره له الأيام.. واللافت للنظر أن أبا بكر (رضى الله عنه) بعد إسلامه مباشرة مضى لتوه فراح لعثمان وطلحة والزبير وسعد فأسلموا على يديه، ثم جاء فى الغد بعثمان بن مظعون وأبى عبيدة بن الجراح، وعبدالرحمن بن عوف، وأبى سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبى الأرقم (البداية والنهاية لابن كثير).. ما هذا؟ لقد تحول أبو بكر من فوره إلى حركة متوهجة.. إلى قوة ذاتية دافعة.. إلى طاقة روحية هائلة؛ مددها الإيمان، والاعتزاز بهذا الدين العظيم، والأمل فى غد مشرق جميل.. (٣) والحقيقة أن الصديق (رضى الله عنه) لم يكن يفضل المسلمين بكثرة صلاة أو صيام، وإنما بشىء وقر فى صدره.. لقد كان قلبه معلقا بالله، مستشعرا عظمته وجلاله وكماله.. يؤمن عن يقين بأنه واهب الحياة والوجود، ومالك الأرض والسماوات.. يعيش لحظات حياته فى معيته، موصولا به، لا ينفك عنه، ولا تصدر عنه فكرة أو كلمة أو فعل إلا ويسيطر عليه ذلك الإحساس العميق الدائم بمراقبة الله تعالى، وهو ما جعله شديد الحياء منه سبحانه.. يقول (رضى الله عنه): «يا معشر المسلمين: استحيوا من الله، فو الذى نفسى بيده إنى لأظل حين أذهب إلى الغائط فى الفضاء متقنعا بثوبى استحياء من ربى» (حلية الأولياء).. يا الله.. ما هذا النور، والشعور الحى، والروح المتألق؟ إنه مفتاح السعادة، والأنس والرضا، والفلاح والنجاح فى الدنيا والآخرة.. وهو ما نحتاج إليه، بل أشد ما نحتاج إليه هذه الأيام.. إن الحياء خلق وسلوك وآداب تنأى بصاحبها عن إتيان القبيح، وتجعله مترفعا عن السفاسف والدنايا.. ومن ثم، لا عجب إن كان هذا الخلق من أهم ما نبه إليه الأنبياء والرسل الكرام.. يقول النبى (صلى الله عليه وسلم): «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستح فافعل ما شئت» (البخارى: ٥٧٦٩).. والحياء كله خير، فقد روى عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «الحياء خير كله».. أو قال: «الحياء كله خير» (مسلم: ٣٧)؛ لذا كان أهم أخلاق الإسلام، يقول الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم): «لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء» (الموطأ: ١٦١٠).. ولقد كان حياؤه (صلى الله عليه وسلم) شديدا.. «كان أشد حياء من العذراء فى خدرها» (البخارى: ٣٣٦٩).. وقد استلهم الصديق (رضى الله عنه) هذا الخلق من خله وصاحبه (صلى الله عليه وسلم)، وبلغ به - وبغيره - ذروة العظمة والصدارة بين عظماء التاريخ.. (٤) ويأتى السؤال: هل نحن مستعدون حقاً للتحلى بهذا الخلق النبيل، بحيث نتحكم فى أخلاقنا وسلوكنا وعاداتنا فلا نقع فى الحرام أو ننزلق إلى فعل قبيح أو نرتكب شيئا يخل بالمروءة؟ لنسأل أنفسنا كل يوم: كم مرة نظرنا إلى محرم، وكم مرة استمعنا إلى ما يغضب الله، وكم مرة تلوثت ألسنتنا بالكذب أو الغيبة أو النميمة أو بساقط من القول؟ وكم مرة أصابنا رياء أو عجب أو كبر أو زهو، وكم مرة وقعنا فى مصيدة الحقد أو الحسد أو الكراهية، وكم مرة منعنا إنسانا حقه، وكم وكم؟! إن نهضة الأمم وتقدمها ورقيها لها ثمنها من الانضباط الروحى، والالتزام الأخلاقى، ولا يمكن لحضارة أن تقوم دون سند أو رصيد حقيقى من الأخلاق، ولا يمكن لها أن تستمر طويلا إذا فقدت أخلاقها أو جزءا منها؛ وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. |
#2
|
||||
|
||||
موضوع رائع
جزاك الله خيرا وبارك الله بحضرتك تحياتي وتقديري |
#3
|
||||
|
||||
اقتباس:
تشرفت بمرورك الكريم أستاذتنا الفاضلة أم فيصل
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك |
العلامات المرجعية |
|
|