|
التنمية البشرية يختص ببناء الانسان و توسيع قدراته التعليمية للارتقاء بنفسه و مجتمه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
مدخل لدراسة الاقتصاد الإسلامي
مدخل لدراسة الاقتصاد الإسلامي 1
عبد الفتاح صلاح مدخل لدراسة الاقتصاد الإسلامي (1) الاقتصاد الإسلامي واقع بين عدم الاعتراف بوجوده عن عمد أو عن جهل من قبل الاقتصاديين غير المسلمين، وبين تقصير الاقتصاديين المسلمين في القيام بواجبهم نحو تقديم حلول عملية مبتكرة للمشاكل الاقتصادية والمالية التي تعصف بالأفراد والهيئات والدول مستمدة من قواعد ومبادئ وأخلاقيات الاقتصاد الإسلامي بشقيه النظرية والتطبيق. هذه المقالة تهدف إلى بيان حقيقة وجود مذهب اقتصادي إسلامي له فلسفة وأيدلوجية وقواعد ومبادئ تتميز بأبعاد أخلاقية واجتماعية تختلف كل الاختلاف عن الاقتصاديات الوضعية، وبذلك تعتبر حجر الأساس الذي يستمد منه النظام الاقتصادي الإسلامي تطبيقاته على مختلف مجالات النشاط الاقتصادي من إنتاج وتوزيع واستهلاك وادخار واستثمار. نقاط يجب الاتفاق عليها قبل البدء في تعريف الاقتصاد الإسلامي، وبيان تميز النظام الاقتصادي الإسلامي عن غيره من الأنظمة الاقتصادية الأخرى هناك عدة نقاط أساسية يجب الاتفاق عليها لأهميتها: 1- الإسلام لا يقتصر على الجانب التعبدي فقط دون الجانب الحياتي أو جانب المعاملات، لأن الإسلام منهاج كامل لتنظيم حياة الناس عبادة ومعاملة لقوله - تعالى-: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) النحل 89، ولقوله - تعالى -: ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ) الأنعام 38، ولقوله - تعالى -: ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) النساء 65. يؤكد ذلك أن آيات العبادات في القرآن جاءت على نحو مجمل كما في قوله - تعالى -: ( وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة 110، أما آيات المعاملات جاءت مفصلة كآية الدين وهي أطول آية في القرآن ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة 282. ليس هذا فحسب فالعبادات التي تمثل علاقة بين الإنسان وخالقة لها آثار بالغة في النفوس تنعكس على التعاملات بين الناس فالصلاة تنهى عن الفواحش والمنكرات، وهو ما يعد حمايه للمجتمع كما جاء في قوله - تعالى -: ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت 45. والزكاة تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية لأنها تمثل إعادة لتوزيع الثروة والدخل بين الأغنياء وفئات المجتمع الثمانية المنصوص عليها في قوله - تعالى-: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة 60. والصوم يهذب النفوس ويجعلها تشعر بمعاناة المساكين من الجوع والعطش لذا من يرخص له بالفطر عليه أن يطعم كل يوم مسكيناً لقوله - تعالى -: ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة 184، وفي نهاية الصوم تكون النفوس قد هيأت لإخراج زكاة الفطر من الطعام عوناً للفقراء والمساكين، وطهرة للصائم مما عسى أن يكون وقع فيه من اللغو والرفث. والحج وهو من أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله والجهاد في سبيله مرتبط بها الهدي لإطعام البائسين الفقراء كما جاء في قوله - تعالى-: ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الحج 28. 2- عند الحديث عن الاقتصاد الإسلامي وقواعده ومبادئه وأساليب تطبيقه فإن هذا يكون من واقع اجتهادنا البشري في الوقوف على مدلولات الآيات والأحاديث على قدر فهمنا وقدرتنا على الاستنباط من النصوص، ولأن القرآن ليس كله قطعي الدلالة فلابد من الإقرار بحقيقة وجود الاختلاف وهذا الاختلاف حال وجوده يكون مع الاجتهاد البشري وليس مع الإسلام ذاته. 3- بناء على النقطتين السابقتين يتبين أن عدم تقديم نظرية اقتصادية إسلامية ونظام اقتصادي إسلامي رغم ثراء القرآن الكريم والسنة النبوية بالآيات والأحاديث التي تنظم الحياة كلها بما فيها الجانب الاقتصادي سببه العجز في الإدراك والفهم، أو تقصير الاقتصاديين المسلمين في البحث وإعمال العقل والفكر في استنباط المبادئ الاقتصادية وتطبيقاتها من النصوص، وليس سببه العجز في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أو نماذج تطبيقاتها على مر الأزمنة. 4- لتقديم نظرية اقتصادية إسلامية ونظام اقتصادي تطبيقي لهذه النظرية أمامنا طريقان: أ- استخراج القواعد والمبادئ الاقتصادية من آيات وأحاديث الأحكام وبذلك يتشكل إطار نظري عام يكون جاهزاً للتطبيق عند ظهور المشكلات. ب- عند ظهور مشكلات اقتصادية تحتاج إلى حلول نعرضها على الآيات والأحاديث فإذا لم تكن متطابقة يكون الاجتهاد وفق القواعد الشرعية من قياس واستحسان ومصالح مرسلة وعرف. تعريف الاقتصاد الإسلامي الاقتصاد في اللغة: مأخوذ من القصد وهو استقامة الطريق والعدل، والقصد في الشيء خلاف الإفراط، وهو ما بين الإسراف والتقتير، أما في الاصطلاح: فهو الأحكام والقواعد الشرعية التي تنظم كسب المال وإنفاقه وأوجه تنميته. الأحكام الشرعية تمتاز بأن منها الثابت ومنها المتغير، الأحكام الثابتة هي ما كانت بآيات ونصوص قطعية الدلالة من الكتاب أو السنة أو الإجماع، وهي على حال واحدة لا تتغير عنها بتغير الأزمنة والأمكنة واجتهاد الأئمة مثل آية تحليل البيع وتحريم الربا: ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) البقرة 275، والعديد من الآيات التي تحدد أنصبة الميراث منها قوله - تعالى -: ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ) النساء 11، وآية تحريم الغش في الكيل والميزان ( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) المطففين 1- 3، وحرمة دم ومال المسلم للحديث المرفوع: (( ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم)) موسوعة الحديث، إلى غيرها من آيات ونصوص وجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، وهذه الأحكام ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، كما أنها تتصفبالعموم، لتطبق على جميع الناس من غير مشقة، فهي حاكمة لتصرفات الناس لا محكومة بهم. والأحكام المتغيرة هي ما كانت بالأدلة الظنية في سندها أو في دلالتها، وهذه الأحكام قد تتغير وفقاً لاعتبار المصلحة بتغير الزمان والمكان وأحوال الناس، وهي خاضعة لاجتهاد العلماء ولهم أن يختاروا من الأحكام ما يرونه مناسباً لمستجدات الحياة وفق مقاصد الشريعةالمعتبرة من حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ المال. مقارنة بين المذاهب والأنظمة الاقتصادية من المعلوم أن تطور الأفكار والآراء عبر العصور هو الذي أدى إلى ظهور الأنظمة الاقتصادية المعاصرة، وهنا يجب التأكيد على أنه لا يمكن عزل أي نظام اجتماعي أو اقتصادي عن جذوره العقيدية، بمعنى أنه دائماً هناك مذهب عقدي ونظام مبني عليه أو نظرية وتطبيقاتها أو إطار عام وممارسة. والمفروض أن الأنظمة الاقتصادية تهدف إلى تحقيق المصلحة بجلب النفع ودفع الضرر، والمصلحة قد تكون خاصة أو عامة، وقد تتعارضان، ومن هنا تختلف الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية بحسب موقفها من هاتين المصلحتين. 1- المذهب الاقتصادي الفردي والأنظمة المتفرعة عنه كالرأسمالية تجعل الفرد هدفها فتهتم بمصلحته أولاً وتقدمه على المجتمع، ويبرر ذلك بأنه حين يرعى مصلحة الفرد إنما يحقق بطريقة غير مباشرة مصلحة الجماعة، حيث أن المجتمع ليس إلا مجموعة من الأفراد. فلسفة النظام الاقتصادي الفردي تقوم على المبدأ الليبرالي في الحرية، فهم يتصورون الكون آلة حركها الله - سبحانه وتعالى -، ثم تركها تدور بدون تدخل، وبذلك تم تأليه الإنسان على الأرض، وعلى أساس ذلك نما نظام المنافسة الحرة. وإذا كان النظام الرأسمالي قد أدى إلى مزايا أهمها: إطلاق الباعث الشخصي والمبادرة الفردية وبواعث الرقي، إلا أنه أدى إلى مساوئ أهمها: اتجاه النشاط الاقتصادي إلى تحقيق أكبر قدر من الربح بغض النظر عن الحاجات العامة الأساسية، وانتشار البطالة والأزمات الاقتصادية والاحتكار وسوء توزيع الثروة وتفاقم ظاهرة التفاوت والصراع بين الطبقات. 2- المذهب الاقتصادي الجماعي والأنظمة المتفرعة عنه كالاشتراكية، تجعل المجتمع هدفها فتهتم بمصلحته أولاً وتقدمه على الفرد، ويبرر ذلك بأنه حين يرعى مصلحة المجتمع إنما يحقق بطريقة غير مباشرة مصلحة الفرد، إذ الفرد لا يعيش إلا في مجتمع وإن قيمته هي بحسب قيمة مجتمعه، وإن تقدمه وتفتح ملكاته هي بحسب درجة نمو هذا المجتمع وتطوره. فلسفة النظام الاقتصادي الجماعي تقوم على أساس أن هيمنة الفرد وملكيته لوسائل الإنتاج تؤدي إلى استغلال الطبقة العاملة وفقرها مما يثير هذه الطبقة ويدفعها للاتحاد حتى تقضي على مؤسسات النظام الرأسمالي ليحل محله النظام الاشتراكي. لقد استغل " ماركس " الحقد المشتعل في قلوب العمال وشهّر بكل وسيلة باستغلال رجال الأعمال لهم، وبدلاً من أن يدعو إلى العدالة شحـذ أسلحة الصـراع الطبقي ودمر الملاك باسم الاشتراكية ثم استغل ذلك التيه والضلال عند المسيحيين في أوروبا ليشهر بالدين كله واعتبره أفيون الشعوب ووسيلة الاستغلال. وإذا كان النظام الاشتراكي من الناحية النظرية يهدف إلى تحقيق مزايا أهمها: ضمان إشباع الحاجات العامة وتلافي البطالة والأزمات الاقتصادية، فضلاً عن رعاية مصلحة الأغلبية العاملة ومعالجة سوء توزيع الثروة. إلا أنه أدى إلى مساوئ أهمها: ضعف الحوافز الشخصية والمبادرات الفردية وباعث الرقي الاقتصادي فضلاً عن التعقيدات الإدارية وتحكم البيروقراطية وضياع الحرية الشخصية التي هي جوهر الإنسانية. 3- المذهب الاقتصادي الإسلامي ينفرد بعدم ارتكازه أساساً على الفرد شأن المذهب الرأسمالي، ولا على المجتمع شأن المذهب الاشتراكي، وإنما يوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، وأساس ذلك هو أن كلاً من المصلحتين الخاصة والعامة يكمل كلاهما الآخر، وفي حماية أحدهما حماية للآخر. فلسفة النظام الاقتصادي الإسلامي يخطئ البعض حين يتصور أن المذهب الاقتصادي الإسلامي والنظام الاقتصادي النابع منه مزاج مركب بين الرأسمالية والاشتراكية يأخذ من كل منهما جانباً، وحقيقة الأمر أن الاقتصاد الإسلامي له فلسفة اقتصادية متفردة تقـوم على مبـادئ عقـائديـة تنبني على كون الإنسان مستخلف من الله في الأرض كما جاء في قوله - تعالى -: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة 30، والخلافة في الأرض تكون لعمارتها واستثمار خيراتها التي سخرها الله له لقوله - تعالى-: ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) هود 61، وعليه وهو يمارس دوره في عمارة الأرض أن يأتمر بأوامرالله وينتهي عن نواهيه لقوله - تعالى -: ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ) الأعراف 54، وبذلك يتم الجمع بين الروح والمادة في الاقتصاد، فتنشأ خاصية الإحساس بالله - تعالى -ومراقبته في كل نشاط اقتصادي، وذلك بهدف إقامة مجتمع المتقين وتحقيق الغاية الأسمى وهي العبودية لله لقوله - تعالى -: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات 56. تميز النظام الاقتصادي الإسلامي المبادئ العقائدية والأخلاقية والمفاهيم والأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الإسلامي وتحكم نشاطه الاقتصادي تتطلب من الأفراد عند ممارسة النشاط الاقتصادي التزام الصدق والأمانة وحظر الغش وحسن الوفاء، وعدم مضارة الغير، وأن يكون العمل في أساسه مشروعاً، وهذه المبادئ والمفاهيم مختلفة تماماً عن تلك التي تقوم عليها الأنظمة الاقتصادية الأخرى، كما أن الاقتصاد الإسلامي قائم على أيدلوجية الوفرة، ويعتبر أن الندرة سببها سوء استخدام الموارد أو العجز عن اكتشافها لقوله - تعالى -: ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) الحجر19، بل إن نظرة الإسلام إلى التناقضات الاجتماعية والاقتصادية الموجودة في الحياة نظرة تعاون وتكامل، وهي نظرة تختلف تماماً عن نظرة المذاهب والأنظمة الاقتصادية الأخرى التي تنظر إلى هذه التناقضات نظرة تصارع واقتتال. يظهر تميز تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي عن غيره من الأنظمة الاقتصادية الأخرى في ثلاث مجالات رئيسية هي: مجال الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، ومجال الملكية، ومجال التوزيع. أ - في مجال الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة الحرية الاقتصادية للأفراد في الإسلام حرية حقيقية والمنافسة الحرة الشريفة هي أساس الاقتصاد الإسلامي، فالأفراد والشركات لهم حرية العمل في الإنتاج المباح بدافع المصلحة الخاصة، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى الضرر بالآخرين. ولكن حرية الأفراد في ممارسة النشاط الاقتصادي لا تبيح لهم إنتاج المحرمات كالخمور، ولا تجيز لهم التعامل بالربا أو الاحتكار، ولا تخولهم حبس المال عن الإنتاج أو صرفه على غير مقتضى العقل، ولا تسمح لهم بالإضرار بحقوق الآخرين أو المغالاة في تحديد أسعار السلع والخدمات. وإن كانت حرية الأفراد الاقتصادية ستؤهلهم للقيام بكافة أوجه النشاط الاقتصادي الذي يتطلبه المجتمع وذلك بغرض تحقيق الربح " كفرض كفاية "، فإن عجزهم عن القيام ببعض أوجه النشاط الاقتصادي لتكاليفه الباهظة كمد خطوط السكك الحديدية وإقامة الصناعات الثقيلة، أو إعراضهم عن القيام ببعض أوجه النشاط التي لا تحقق لهم أرباح كإنتاج الأسلحة الحربية، أو انحرافهم بمحاولة استغلال المشاريع الخدمية كالمدارس والمستشفيات فإنه في مثل هذه الأحوال يصير شرعاً " فرض عين " على الدولة أن تتدخل وتقوم بأوجه هذا النشاط ليس هذا فحسب بل وتراقب سلامة النشاط الاقتصادي كله بنظام الحسبة. يتحدد السعر العادل للسلعة أو الخدمة بالتفاعل الحر بين قوى العرض والطلب، ويقصد بالسعر العادل السعر الذي ينال رضا أطراف التبادل في السوق بحيث يغطي تكاليف الانتاج ومعدل ربح عادي، ناتج عن حرية منافسة مشروعة بدون اتفاق أو تواطؤ بين فئات المنتجين أو البائعين أو فئات المشترين. تتمتع جميع عمليات التبادل الداخلية أو الخارجية بالشفافية المطلقة، وتعتمد على أسس متينة من الصدق والأمانة وبدون أي غش أو خداع أو تضليل، والالتزام ببيع السلع حسب مواصفاتها الحقيقية وليس المغالاة في الدعاية والإعلان وذلك لمنع الضرر عن المشترين والبائعين. فالحرية الاقتصادية للأفراد، وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وانفرادها ببعض أوجه هذا النشاط، يكمل كل منهما الآخر، فكلاهما يقره الإسلام في وقت واحد، وكلاهما أصل وليس استثناء، وكلاهما مقيد وليس مطلق. ب - في مجال الملكية حرية تملك الأفراد لوسائل الإنتاج مكفولة ومصونة بالشرع وهي الأصل وتدخل الدولة هو الاستثناء، وهو تدخل محدود لضرورات ومصالح شرعية تمنع إلحاق الضرر بباقي أفراد المجتمع أو تصحيح لملكية تم حيازتها أو التصرف فيها بطريق غير شرعي. فالملكية الخاصة مصونة ولكنها ليست مطلقة، بل مقيدة من حيث اكتسابها ومن حيث استعمالها، إذ المالك الحقيقي للمال في الإسلام هو الله - تعالى -والبشر مستخلفون فيه وفقاً لمراد وتوجيهات المالك الحقيقي. والإسلام يقر الملكية الخاصة والعامة في وقت واحد وهما مكملان لبعضهما، وكلاهما ليس مطلقاً بل هو مقيد بالصالح العام. جـ - في مجال التوزيع إن أساس التوزيع في الاقتصاد الإسلامي هو الحاجة في المقام الأول ثم يأتي العمل والملكية والمخاطرة في المقام الثاني، بحيث يضمن الإسلام " حد الكفاية " لكل مواطن، وذلك كحق له كإنسان يكفله له المجتمع أو الدولة بغض النظر عن ***يته أو ديانته لقوله - تعالى -: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) الإسراء 26. ويحرص الإسلام على تحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع والعدالة في توزيع الثروات والدخول كما في قوله - تعالى-: ( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ) الحشر 7. وهذه قاعدة أساسية في النظرية الاقتصادية الإسلامية، فالملكية الفردية معترف بها ولكنها محددة بهذه القاعدة، فكل وضع ينتهي إلى أن يكون المال دولة بين الأغنياء وحدهم هو وضع يخالف النظرية الاقتصادية الإسلامية، كما يخالف هدفاً من أهداف النظام الاجتماعي كله، لذلك حرم الإسلام الربا وحظَر الاحتكار وهما الوسيلتان الرئيسيتان لجعل المال دولة بين الأغنياء. النهوض بالاقتصاد وتنميته واجب الوقت منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 والعالم يخيم عليه شبح الركود الاقتصادي فالولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أكبر اقتصاد في العالم تجاوز دينها العام في أغسطس 2012 حاجز الـ 16 تريليون دولار وفقاً لما أعلنته وزارة الخزانة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي تحول إلى كتله من الديون ودوله على شفا الإفلاس، واليورو مهدد بالزوال، وبقية دول العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية تعاني من مشكلات انخفاض معدلات النمو وارتفاع معدلات البطالة وزيادة نسبة التضخم. هذه الأزمات المالية والاقتصادية العالمية تجعل النهوض بالاقتصاد يتطلب اتباع سياسة الاعتماد على الذات، وعدم الاعتماد على المساعدات الخارجية من دول تعاني هي الأخرى من أزمات وتحتاج إلى مساعدات، لذا يجب البدء في تطبيق أدوات الاقتصاد الإسلامي الداعمة للتنمية الاقتصادية من زكاة ووقف وقرض حسن، ومنع معوقات التنمية الاقتصادية بتحريم الربا والاحتكار ومحاربة الاكتناز، والاستفادة من الموارد المادية والنقدية العاطلة باعتبار أن النهوض بالاقتصاد من أولويات المرحلة وواجب الوقت. إن ثورة المحتجين حول العالم ضد الرأسمالية ومطالبتهم بتطبيق المعاملات المالية الإسلامية تعتبر دعوة للاقتصاديين الذين يوقنون بوجود اقتصاد إسلامي بشقيه النظرية والتطبيق، ويؤمنون أنه صالح لكل زمان ومكان، أن يوحدوا جهودهم ويوجهوها نحو تقديم حلول عملية مبتكرة لمشاكلنا الاقتصادية مستمدة من الاقتصاد الإسلامي ويعملوا على تطبيقها بدلاً من تسول الحلول من النظم الاقتصادية الاشتراكية والرأسمالية التي لم تحقق لنا سوى الأزمات والتأخر. |
#2
|
||||
|
||||
مدخل لدراسة الاقتصاد الإسلامي 2 عبد الفتاح صلاح في المقالة السابقة تم بيان أن الأنظمة الاقتصادية تعتمد في وجودها على مذاهب عقائدية أو فكرية، فالنظام الاقتصادي الرأسمالي يعتمد على المذهب الاقتصادي الفردي الذي يقدم مصلحة الفرد على مصلحة المجتمع، والنظام الاقتصادي الشيوعي أو الاشتراكي يعتمد على المذهب الجماعي الذي يقدم مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد.وأن الأنظمة الاقتصادية تختلف وتتعدد بحسب موقفها من المصلحتين الخاصة والعامة.كما تم بيان خطأ تصور أن المذهب الاقتصادي الإسلامي والنظام الاقتصادي النابع منه مزاج مركب بين الرأسمالية والاشتراكية يأخذ من كل منهما جانباً، أو أنه نظام مختلط يجمع بين آليات اقتصاد السوق كما في النظام الرأسمالي، وآليات تدخل الدولة في الأسواق كما في النظام الشيوعي. هذه المقالة توضح المذهب الاقتصادي الإسلامي والأسس والمبادئ الحاكمة للنظام الاقتصادي الإسلامي باعتباره الجانب التطبيقي الذي يتحقق من خلاله المذهب. الاستخلاف أساس المذهب الاقتصادي الإسلامي ينفرد المذهب الاقتصادي الإسلامي بنظرة اقتصادية عقائدية تنبني على كون الإنسان مستخلف من الله في الأرض كما جاء في قوله - تعالى-: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة 30، والخلافة في الأرض تكون لعمارتها واستثمار خيراتها التي سخرها الله له لقوله - تعالى-: ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) هود 61. والإنسان وهو يمارس دوره في عمارة الأرض عليه أن يأتمر بأوامر الله وينتهي عن نواهيه؛ لقوله - تعالى-: ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) الأعراف 54، وبذلك يتم الجمع بين الروح والمادة في الاقتصاد، فتنشأ خاصية الإحساس بالله - تعالى- ومراقبته في كل نشاط اقتصادي، وذلك بهدف إقامة مجتمع المتقين لتحقيق الغاية الأسمى وهي العبودية لله لقوله - تعالى-: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات 56. من هنا يتبين أن النظام الاقتصادي الإسلامي يعتمد على المذهب الاقتصادي الاستخلافي، وليس على المذهب الاقتصادي الفردي أو الجماعي أو المختلط بينهما، وحتى عندما يوازن النظام الاقتصادي الإسلامي بين تحقيق مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع فإنه يقوم بذلك باعتبار أن المصلحتين الخاصة والعامة وسيلتين لعمارة الأرض لتحقيق الغاية الأسمى وهي عبادة الله. الأسس الحاكمة للنظام الاقتصادي الإسلامي لأن المذهب الاقتصادي الإسلامي مبني على نظرة عقائدية أساسها استخلاف الإنسان من الله في الأرض لعمارتها واستثمار خيراتها تبعاً لأوامره ونواهيه، فإن هذا المذهب الاستخلافي له مجموعة من الأسس تحكم النظام الاقتصادي المنبثق عنه يمكن تحديدها على النحو التالي: 1- تكريم الإنسان: الإنسان ليس ترس في آلة أو عنصر من عناصر الإنتاج تتحدد قيمته بعدد من ساعات العمل، الإنسان خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه، وميزه بالعقل والقدرة على الاختيار بين الخير والشر، وكرمه على جميع مخلوقاته، وأسجد له الملائكة، قال - تعالى-: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء 70. 2- المساواة بين الناس: لأن الملك كله لله الواحد ينظمه كيف يشاء، وجميع البشر خلقه ينحدرون من أصل واحد هو آدم - عليه السلام- لذا فهم سواسية ليس ثمة طبقات، وهم جميعاً متساوون في حق الاستخدام والتصرف في الموارد التي أوجدها الله لهم طبقاً لمشيئته وإرادته، ولا أفضلية على الآخرين إلا بالتقوى قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء 1. 3- التسخير والتذليل: لأن الإنسان مستخلف من الله لعمارة الأرض فقد سخر الله له كل ما في الكون ليقوم بواجب العمارة قال - تعالى-: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم 32- 34. وذلل له الأنعام قال - تعالى-: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) يس 71- 73. 4- التكليف بالعمل: إن من تكريم الله للإنسان تكليفه بالعمل وليس أي عمل وإنما العمل الصالح ليقوم بواجب الاستخلاف في عمارة الأرض ليلبي حاجات نفسه ومن يعول فيتحرر من سؤال الناس ولا يكون لأحد سلطان عليه إلا الله، والقرآن الكريم يذخر بالآيات التي تقرن بين الإيمان والعمل الصالح وفي ذلك دلالة واضحة على أن اﻻﺴﺘﺨﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ لا يتأتى إلا ﻟﻤﻥ ﺠﻤﻊ ﺒﻴﻥ ﺍﻹﻴﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ تصديقاً لقوله - تعالى -: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) النور55. 5- الإحسان والرقابة الدائمة: التكليف بالعمل الصالح يشتمل على الأمر بإحسان القيام بالعمل وإتقانه وليس مجرد أداؤه على أي وجه لإسقاط التكليف. والإحسان رقابة دائمة من الله للإنسان في جميع أعماله ففي حديث جبريل - عليه السلام - الذي سأل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان والإحسان، أن جبريل قال: (( فَأَخْبِرْنِي عَنْ الإِحْسَانِ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)) رواه مسلم. 6- الأفق الزمني للنتائج: إن الإيمان بيوم الحساب يؤثر في التصرفات الاقتصادية للإنسان لأنه يوسع الأفق الزمني لنتائج تصرفاته لتشمل ما بعد الحياة فيكون عليه المفاضلة بين المنفعة والتكلفة، ويختار القيمة الحالية التي تحقق أحسن نتيجة في الآخرة لأن الدنيا مهما طالت هي في النهاية مزرعة الآخرة قال - تعالى-: ( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلاَّ بَل لّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ *وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا* كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا* وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى* يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) الفجر 15- 24. مبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي إذا كان الاستخلاف هو أصل المذهب الاقتصادي الإسلامي والأسس الحاكمة تعبير عن فلسفة هذا المذهب فإن المبادئ تمثل الأطر والمحددات للنظام الاقتصادي الإسلامي، وهذه المبادئ تتمثل في الملكية، والحرية الاقتصادية، والوسطية، والعدالة، والتكامل والترابط، والتي تعمل أدوات النظام الاقتصادي الإسلامي على الالتزام بها دوماً عند التطبيق. الملكية حرية تملك الأفراد لوسائل الإنتاج مكفولة ومصونة بالشرع وهي الأصل وتدخل الدولة هو الاستثناء ويكون لضرورات ومصالح شرعية تمنع إلحاق الضرر بباقي أفراد المجتمع أو لتصحيح ملكية تم حيازتها أو التصرف فيها بطريق غير شرعي، والإسلام يقر الملكية الخاصة والعامة في وقت واحد وهما مكملان لبعضهما البعض، وحرية الملكية الخاصة للأفراد في الاقتصاد الإسلامي مقيدة بالصالح العام للمجتمع من خلال تحديد مفهوم تلك الملكية. أ- الملكية في النظام الاقتصادي الإسلامي ليست مطلقة أو كاملة وإن بدا ذلك للعيان من تصرفات بعض الأفراد فيما يملكون أو تردد باللسان في مقولة من حكم في ماله فما ظلم، ولكن الملكية في النظام الاقتصادي الإسلامي في حقيقتها نوعاً من ملكية الانتفاع وهي مكفولة ومصونة طالما ينتفع الأفراد بهذا الشيء المملوك وفقاً لغرض وجود هذا المملوك، وحيازة الشيء المملوك والانتفاع به هو أساس استمرار الملكية. ب- التصرفات في الملكية مقتصرة على حياة المالك ولا تتعداها لما بعد وفاته لأن هذا هو اختصاص الإرث الذي شرعه الله للتصرف في الملكية بعد الوفاة، أما الوصية فهي استثناء من الله بالسماح لعباده بامتداد التصرف لما بعد الممات في جزء من الملكية لا يتجاوز الثلث على أن يكون في أوجه الخير تفضلاً من الله - سبحانه وتعالى - على عباده ليثيبهم عليه ويرحمهم لأنه هو الرحمن الرحيم، وبشرط عدم إخلال الوصية بالتوزيع الذي شرعه الله للوارثين. ج- هناك أنواع من المملوكات لا يحق للأفراد تملكها حتى في فترة حياتهم لأنها مملوكة لجميع الأفراد ويتم استغلالها لصالح المجتمع كله مثل الموارد الطبيعية كالماء والهواء وما لا يتملك بطبيعته كالمساجد والطرق. الحرية الاقتصادية الحرية الاقتصادية للأفراد في النظام الاقتصادي الإسلامي حرية حقيقية فالأفراد أحرار في اختيار المهن والحرف والزراعات والصناعات والتجارات والأعمال التي يرغبون في مزاولتها بدافع تحقيق المصلحة الخاصة ويتحملون نتائج اختياراتهم الاقتصادية. والحرية الاقتصادية للأفراد ليست مطلقة ولكنها مقيدة بعدة ضوابط تحمي الحريات الفردية للآخرين. أ- حرية الأفراد في ممارسة النشاط الاقتصادي لا تبيح لهم إنتاج المحرمات كالخمور، ولا تجيز لهم التعامل بالربا، ولا تسمح لهم بالاحتكار، ولا تخولهم حبس المال عن الإنتاج أو صرفه على غير مقتضى العقل، ولا تسمح لهم بالإضرار بحرية الآخرين. ب- تتحدد الأسعار العادلة للسلع والخدمات بالتفاعل بين قوى العرض والطلب في سوق يسودها منافسة مشروعة بدون اتفاق أو تواطؤ بين فئات المنتجين أو البائعين أو فئات المشترين. ج- حرية الأفراد في ممارسة النشاط الاقتصادي الإنتاجي والخدمي لتحقيق الربح لا يعفيهم من الالتزام ببيان المواصفات الحقيقية للسلع والخدمات المقدمة للأسواق بشفافية ووضوح بعيداً عن المغالاة في المواصفات الخادعة للمستهلك في الدعاية والإعلان. د- مع الحفاظ على الحرية الاقتصادية للأفراد فإن الدولة تختص بالقيام ببعض الأنشطة الاقتصادية التي ترتبط بمصالح المجتمع العليا كإنتاج الأسلحة الحربية ومشاريع الخدمات العامة كالمياة والكهرباء، وللدولة أن تراقب النشاط الاقتصادي للأفراد وتتدخل فيه بقوانين وإجراءات تمنع الأفراد من الاحتكار أو الاستغلال برفع رسوم المشاريع الخدمية كالمدارس والمستشفيات. الوسطية من أهم مبادئ الاقتصاد الإسلامي وهي وسطية تفرض على الإنسان التوازن بين متطلبات الروح والجسد، وبين إقامة الدين والكسب، وبين الدوافع الفردية والمصلحة العامة، وبين الحقوق والواجبات، وبين الإسراف في الإنفاق والبخل، وبين المنافع الدنيوية والجزاء في الآخرة، فهي وسطية مستمرة تشمل جميع أوجه النشاط الاقتصادي، قال - تعالى-: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة 143. العدالة العدالة قيمة عليا في كل مراحل النشاط الاقتصادي الإسلامي فهي عدالة في توزيع عوائد العملية الإنتاجية على عناصر الإنتاج المشاركة فيها، وعدالة في إعادة توزيع الدخل على غير القادرين على العمل والكسب لأسباب خارجة عن إرادتهم، وهي عدالة مطلوب تحقيقها على الدوام وفي كل شئ، قال - تعالى -: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)النحل 90. التكامل والترابط الاقتصاد الإسلامي كلٌ مترابط تتكامل أحكامه فلا يمكن دراسة حكم اقتصادي دون الربط بينه وبين الأحكام الأخرى، ففرض الزكاة مثلاً يرتبط بإقرار حق الملكية، وتحريم الربا مرتبط بتقديم العديد من عقود المعاملات المالية الإسلامية التي تحقق الربح الحلال، وتحقيق النتائج المرجوة من الاقتصاد الإسلامي يتطلب تطبيق جميع أسس ومبادئ وآليات وأخلاقيات النظام الاقتصادي الإسلامي، قال - تعالى-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً) البقرة 208. نستكمل إن شاء الله - تعالى -في مقالات قادمة إن كان في العمر بقية. |
#3
|
||||
|
||||
مدخل لدراسة الاقتصاد الإسلامي
عبد الفتاح صلاح في المقالتين السابقتين تم بيان أن النظام الاقتصادي الإسلامي يتميز باعتماده على المذهب الاقتصادي الاستخلافي، وليس على المذهب الاقتصادي الفردي أو الجماعي أو المختلط بينهما، وأن النظام الاقتصادي الإسلامي وهو يوازن بين تحقيق مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع يقوم بذلك باعتبار أن المصلحتين الخاصة والعامة وسيلتين لعمارة الأرض لتحقيق الغاية الأسمى وهي عبادة الله. كما أوضحنا أن المذهب الاستخلافي له مجموعة من الأسس التي تعبر عن فلسفة المذهب وتمثل الإطار الحاكم للنظام الاقتصادي الإسلامي التطبيقي، وهي تختلف تماماً عن فلسفات الأنظمة الاقتصادية الأخرى وهذه الأسس هي:تكريم الإنسان، والمساواة بين الناس، والتسخير والتذليل، والتكليف بالعمل، والإحسان والرقابة الدائمة، والأفق الزمني للنتائج. ومن خلال الأسس الفلسفية للمذهب الاقتصادي الاستخلافي تم استخلاص مجموعة مبادئ تمثل أطر ومحددات يجب أن تعمل وسائل أو أدوات " آليات " النظام الاقتصادي الإسلامي التنفيذية على الالتزام بها دوماً عند التطبيق وهذه المبادئ هي: حرية التملك، والحرية الاقتصادية، والوسطية، والعدالة، والتكامل والترابط. وتبين أنه لكي يحقق الاقتصاد الإسلامي النتائج المرجوة منه في واقع الحياة الاقتصادية فإنه يجب الالتزام عند التطبيق بأسس ومبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي بصورة كاملة لقوله - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً) البقرة 208. في هذه المقالة نتناول القيم الأخلاقية للاقتصاد الإسلامي والتي تعتبر من أهم سمات النظام الاقتصادي الإسلامي التي ينفرد بها عن غيره من الأنظمة الأخرى، ثم نبين أثر المذهب الاستخلافي، والأسس والمبادئ، والقيم الأخلاقية على نظرة النظام الاقتصادي الإسلامي للمشكلة الاقتصادية، وتميزه في التعامل معها. القيم الأخلاقية للنظام الاقتصادي الإسلامي: حسن الخلق: هو الوجه الحضاري للإسلام على مر العصور، ويكفي أن الناس كانوا يدخلون في دين الله أفواجاً لما يرون من حسن معاملة المسلمين وجميل أخلاقهم وأسوتهم وقدوتهم في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي أثنى عليه الله - سبحانه وتعالى - بحسن الخلق في قوله - عز وجل -: ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم 4. وترسيخ الأخلاق في المجتمع هي رسالة الإسلام الأساسية، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق )) رواه البخاري. النظام الاقتصادي الإسلامي يحمل ذات القيم الأخلاقية لرسالة الإسلام، فهو نظاماً هادفاً يتبنى مجموعة القيم الأخلاقية التي لها تأثيرها على مختلف جوانب النشاط الاقتصادي ومنها: 1- الصدق: أساس مكارم الأخلاق والبعد عن النفاق، وهو أمر من الله لعباده المؤمنين قال - تعالى-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة 119، ولأهمية الصدق في المعاملات وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس إليه، ليجمعوا المال الحلال في الدنيا ويفوزوا بالجنة في الآخرة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)) رواه الترمذي. 2- الأمانة: أمرها عظيم وهي ضد الخيانة وبرفعها أي: إذهابها بحيث يكون الأمين معدوما أو شبه المعدوم تشارف الدنيا على الزوال، فقد سأل رجلاً النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الساعة فقال: (( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: " إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) رواه البخاري، بمعنى: أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم فينبغي لهم تولية أهل الدين في مناصب الولاية والقضاء والإفتاء، فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله - تعالى- إياها. والأمانة تعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله - عز وجل - على عباده، من صلاة وزكاة وصيام وحج، وكفارات ونذور، وغير ذلك، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع والكيل والوزن وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك مما أمر الله - عز وجل - بأدائها، قال - تعالى -: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء 58. فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)) رواه مسلم. الجلحاء: التي بدون قرون. 3- التلطف: البر والرفق واللين، و" اللطيف " من أسماء الله الحسنى، وعلى الإنسان أن يقتبس من صفات الكمال والجمال الربانية وهو يتعامل مع الناس، قال - تعالى -: ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ) الكهف 19، المعنى: وليترفق في شرائه ما يشتري. 4- الإيثار: خلق راقي يقدم فيه الإنسان لغيره العطاء وهو في فقر وحاجة لما يعطيه، ومن يقاوم بخل نفسه ويؤثر غيره عليها يكون من المفلحين في الدنيا والآخرة، قال - تعالى -: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) سورة الحشر 9. 5- التسامح: والتساهل في الشراء والبيع، وعند الطلب للحقوق، وعند الإقالة أي: فسخ ما بين المتبايعين، هذا كله وجه إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (( رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى)) رواه البخاري. 6- حسن الوفاء: مبدأ عام في جميع التزامات الإنسان كاملة غير منقوصة وخاصة في المعاملات، والوفاء بالحق يجب أن يكون مصحوباً بالدعاء والشكر على المعروف لصاحب الدين، فعن عبد الله ابن ربيعة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسلف منه حين غزا حنيناً ثلاثين أو أربعين ألفاً، فلما قدم قضاها إياه، ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد )) رواه ابن ماجة. 7- الفضل والإحسان: يحرص كثيراً من الناس أن تكون تعاملاتهم بالحق والعدل، وهذا هو الحد الأدنى من الواجب في التعاملات، وينسون أن التعامل بالفضل والإحسان درجة تفوق الحق والعدل قال - تعالى -: ( وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة 237، لذلك يذكر الله الناس بالفضل ويطلب منهم ألا يهملوه بل ويستعملوه بينهم. 8- كظم الغيظ والعفو: كظم الغيظ خلق مطلوب التحلي به، فلا يجب إعمال الغضب ورد الإساءة بمثلها، وإنما الواجب الارتقاء بالنفس إلى خلق العفو المصاحب لخلق كظم الغيظ، ثم السمو بالنفس إلى درجة مكافئة الإساءة بالإحسان، قال - تعالى -: ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران 134. 9- إمهال المعسر: إمهال المعسر وإقالة عثرته وعلى الأخص إذا كان شريفاً في معاملاته المالية ومستقيماً في سلوكه، قال - تعالى -: ( وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ) البقرة 280. 10- التكافل: بين أفراد المجتمع فيما بينهم، فيكون ضعفائهم في كفالة أقويائهم، وفقرائهم في كفالة أغنيائهم، وهو من التعاون والأخوة المحمودة التي يرتب لها الإسلام حقوقاً على أفراد المجتمع، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكىمنه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) رواه مسلم. النظام الاقتصادي الإسلامي والمشكلة الاقتصادية تفرُد النظام الاقتصادي الإسلامي عن غيره من الأنظمة الاقتصادية الوضعية في المذهب والأسس والمبادئ والقيم الأخلاقية جعل له نظرة مغايرة لمفهوم المشكلة الاقتصادية. فبينما تعتبر الأنظمة الاقتصادية الوضعية أن جوهر المشكلة الاقتصادية هو " الندرة " بمعنى أن الموارد الاقتصادية المتاحة محدودة وأن الرغبات الإنسانية غير محدودة. نجد أن النظام الاقتصادي الإسلامي يدحض فرضية الندرة ويقدم حقيقة " الوفرة "، أي أن الموارد الاقتصادية متوفرة في الطبيعة بالقدر الذي يكفي حاجة الناس جميعاً. الاقتصاد الإسلامي وهو يقدم حقيقة وفرة الموارد الاقتصادية في الطبيعة يستند على الأسس الفلسفية للمذهب الاستخلافي، ويستمد معرفته عن الطبيعة وما فيها من الموارد من الآيات القرآنية المنزلة من رب الكون وموجده ومالكه، والتي تؤكد على توفر الموارد الاقتصادية التي سخرها الله للإنسان المستخلف ليقوم بواجبه في عمارة الكون. ومن هذه الآيات: قوله - تعالى -: ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) سورة هود 6، وقوله - تعالى -: ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ) سورة فصلت 10، وقوله - تعالى -: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) سورة الفرقان 2، يقول الطبري: "( وخلق كل شيء ) بمعنى: أن الأشياء كلها خلقه وملكه، وعلى المماليك إخلاص العبادة له وحده، وقوله: (فقدره تقديرا) بمعنى: فسوى كل ما خلق وهيأه لما يصلح له، فلا خلل فيه ولا تفاوت". وقوله - تعالى -: ( وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) الحجر أية 19، وقوله - تعالى -: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم 32-34، جاء في تفسير الطبري: " ( وآتاكم من كل ما سألتموه ) بمعنى: وآتاكم من كل الذي سألتموه والذي لم تسألوه. الاقتصاد الإسلامي يكشف عن أسباب الندرة السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: إذا كانت الموارد الاقتصادية والأقوات التي سخرها الله للناس في الطبيعة مخلوقة بقدر معلوم وميزان عادل، وأنها متوفرة بالقدر الذي يكفي حاجة الناس جميعاً، فما هي أسباب المشكلة الاقتصادية " الندرة " في الأنظمة الاقتصادية؟. الاقتصاد الإسلامي يكشف أن السبب وراء الندرة هو تصرفات الإنسان المادية والإيمانية تجاه الموارد. فمن الناحية المادية: يتسبب الإنسان في ندرة الموارد بالتقاعس عن البحث لاكتشاف موارد الطبيعة، أو بالإهمال عن استثمارها في المجالات الصحيحة التي تلبي الحاجات، أو استثمارها بطريقة غير سليمة فيها إسراف في الاستخدام، أو استثمارها في أمور غير مشروعة وهو ما يعد إهداراً لها، أو بالظلم في توزيعها بين الناس. ومن الناحية الإيمانية: فإن الإنسان بارتكابه الذنوب والمعاصي يتسبب في الندرة كعقوبة له من الله على المعاصي تصديقاً لقوله - تعالى -: ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم 41. يقول ابن كثير: " يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختباراً منه، ومجازاة على صنيعهم، لعلهم يرجعون عن المعاصي. وفي المقابل فإن إخلاص التوحيد لله والتوبة عن المعاصي والاستغفار يؤدي لزيادة الموارد وإدراك خيري الدنيا والآخرة لقوله - تعالى -: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمبَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ) الأعراف 96، وقوله - تعالى -: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) نوح 10-12. يلاحظ في الآيات السابقة أن وفرة الرزق والخيرات دالة للاستغفار، حيث يعد الله - سبحانه وتعالى - أهل القرى بالرزق الطيب عندما يخرجون من الذنوب بالاستغفار وسلوك طريق الإيمان والتقوى. تميز النظام الاقتصادي الإسلامي في التعامل مع مشكلة الندرة جميع الأنظمة الاقتصادية لديها سلم للأولويات لترتيب الرغبات وتوجيه الموارد الاقتصادية نحو الأهم فيها ثم المهم ثم الأقل أهمية وهكذا، وعن طريق سلم أولويات الرغبات تحدد الأنظمة الاقتصادية ماذا تنتج؟ وكيف تنتج؟ ولمن تنتج؟ والتميز بين الأنظمة الاقتصادية يكون في الطريقة المستخدمة في ترتيب سلم الأولويات. فبينما النظام الرأسمالي يستخدم آلية السوق " تفاعل قوى العرض والطلب " التي يؤدي فيها نظام الأسعار الحر إلى تحديد سعر لكل مورد اقتصادي يعكس الندرة النسبية له، وبذلك يكون الثمن فقط هو الذي يعبر عن الرغبات الحقيقية للأفراد، ويؤدي إلى التوزيع الأمثل للموارد الاقتصادية على مجالات الإنتاج، ويوجه الموارد إلى الرغبات التي تعظم الربح للمنتج وإن كانت متدنية في سلم الأولويات، ويمنع الموارد عن كل رغبة لا تدعمها قوة شرائية بل ويلغيها من سلم الأولويات وإن كانت متقدمة فيه. النظام الاشتراكي لا يعترف بآلية السوق كأداة صالحة لترتيب سلم الأولويات وتوجيه الموارد الاقتصادية المحدودة نحو الاستخدام الأمثل الذي يحقق الرغبات، ويرى أن ترتيب الأولويات يتم بواسطة التخطيط المركزي، ولأن عنصر العمل هو المنتج الحقيقي في ظل الفكر الماركسي أضحى للطبقة العاملة " البلوروتاريا " الكلمة الأولى في ترتيب سلم الأولويات، ولأن عنصر العمل " العامل " ليس له ملكية فردية في الفكر الماركسي، فإن الذي يعبر عن رغبات قوى الشعب العاملة هي الحكومة باعتبارها نائبة عنهم في ملكيتهم الجماعية لكل الموارد. النظام الاقتصادي الإسلامي بما يمتلك من رؤية مغايرة لمفهوم مشكلة الندرة رتب المباح من الرغبات غير المحدودة في سلم الأولويات، وفقاً لمقاصد الشريعة في جلب المنافع ودفع المضار على ثلاث درجات: - ضرورية: إذا لم تراع اختل نظام الحياة وهي تتعلق بحفظ: الدين والعقل والنفس والنسل والمال. حاجية: وجودها يرفع عن الخلق المشقة ويزيل عنهم وجوه الحرج مثل رخص العبادات. تحسينية: وهي الأمور التي تجمل بها الحياة وتكمل، وإذا فقدت لا يختل نظام الحياة ولا يحصل بفقدها مشقة ولا حرج مثل مكارم الأخلاق ومحاسن العادات كأخذ الزينة والتطيب وغيرها، ولا يتم الانتقال من درجة إلى أخرى إلا بعد إشباع رغبات الدرجة التي تسبقها. النظام الاقتصادي الإسلامي وهو يتعامل مع مشكلة الندرة لا يقصر اهتمامه على جانب الموارد كما في الأنظمة الاقتصادية الوضعية، بل تخطى ذلك إلى الجانب الآخر من المشكلة الاقتصادية وهو جانب الرغبات فعمل فيها بالتهذيب والتقويم. فحث أفراد المجتمع على الاقتصاد في استخدام الموارد، قال - تعالى -: ( وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف 31، وتوفير الأموال لصرفها فيما ينبغي أن تصرف فيه، قال - تعالى -: ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) الفرقان 67، وحث على الحفاظ على الأصول الرأسمالية للمجتمع، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( من باع داراً أو عقاراً فلم يجعل ثمنه في مثله كان قمناً أن لا يبارك فيه)) رواه ابن ماجة. وشجع على إحياء الأرض الموات بأن ملكها لمن أحياها حتى ولو كان كافراً لما في ذلك من صيانة للموارد الاقتصادية وعدم إهدارها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( من أحيى أرضاً ميته فهي له وليس لعرق ظالم حق)) رواه أبو داود، ومعنى: (( ليس لعرق ظالم حق )) هو أن يغرس الرجل في غير أرضه بغير إذن صاحبها فيؤمر بقلعه إلا أن يرضى صاحب الأرض بتركه. هكذا يتبين أن النظام الاقتصادي الإسلامي بمذهبه الاقتصادي الاستخلافي، وأسسه الفلسفية ومبادئه وقيمه الأخلاقية، يمتلك رؤية خاصة ومتميزة لمفهوم المشكلة الاقتصادية " الندرة "، هذه الرؤية المتميزة يصاحبها امتلاك أدوات عمل متميزة، لها القدرة على معالجة المشاكل الاقتصادية الجزئية التي تظهر في مجالات الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار والتمويل وكذلك مشاكل الجانب الاجتماعي. نستكمل إن شاء الله - تعالى -في مقالة قادمة أدوات العمل في النظام الاقتصاد الإسلامي. |
العلامات المرجعية |
|
|