قراءة للامثال لاحمد رجب

عبد الله الرفاعي · #1 21-05-2010, 03:08 PM

نهق الحمار طلع النهار‏.‏

هنا يحار الانسان حقا في العلاقة بين نهيق الحمار وطلوع النهار‏,‏ ولعلها علاقة فلكية‏,‏ يعني إذا طلع النهار فلابد أن حمارا ما قد نهق في نصف الكرة الأرضية الذي أشرقت عليه الشمس‏,‏ أو يجوز أن الحمار لاينهق إلا مع طلوع النهار لسبب تكنولوجي وهو أنه يستمد قوته النهيقية من الطاقة الشمسية‏,‏ أو من المحتمل أن تكون رابطة الحمير علي مستوي عال من السلوك الحضاري فحرمت علي أعضائها النهيق في الليل منعا لازعاج الناس الذين تكفيهم بلوي مكبرات الصوت البشرية‏..‏

وقد يقصد المثل بطلوع النهار ظهور الحق‏.‏ فهم يشبهون أحيانا ظهور الحق بانبلاج الفجر‏,‏ وقيل في ذلك‏:‏ الحق واضح أبلج‏,‏ فهل معني المثل أن الحمار هو من يقول الحق؟؟

علي أية حال‏,‏ لنقرأ ماذا يقول هذا المثل النهاري الاخر‏:‏

مكتوب علي ورق الخيار من سهر الليل نام النهار‏..‏

هنا تدرك أن ساهر الليل لاينام النهار لحاجته إلي النوم‏,‏ بل امتثالا لذلك الأمر المكتوب علي ورق الخيار‏,‏ والظاهر أن الكتابة علي ورق الخيار كان لها مفعول سحري غامض في توجيه مقدرات الانسان الوجهة التي يريدها الكاتب علي ورق الخيار‏,‏ ولهذا كانت الكتابة علي ورق الخيار سرها باتع في شئون العشق والغرام‏,‏ تشهد بذلك الأغنية القديمة التي تقوم‏:‏ ح عملك حجاب‏..‏ علي ورق الخيار‏..‏ اسهرك الليل واجننك بالنهار‏..‏

وتكشف الأمثال التي ابتدعها أجدادنا أنهم كانوا يميلون الي الكتابة علي أنواع غير مألوفة من الورق‏,‏ إذ يقول مثل آخر‏:‏

مكتوب علي ورق الحلاوة ما محبة إلا بعد عداوة‏.‏

هذا يدل بلاشك علي أنهم كانوا علي درجة عالية من التقدم في صناعة الورق‏,‏ فقد تفردوا ـ دون العالم كله ـ بالكتابة علي ورق الخيار وورق الحلاوة‏,‏ ولعلهم أيضا كانوا يكتبون علي ورق البامية وورق الكوسة‏,‏ ولم يقتصر هذا التقدم علي التكنولوجيا الورقية‏,‏ فقد انتشروا في الأرض وهاجروا وتاجروا واغتربوا‏,‏ ورأوا بلادا ـ كما تدل آثارهم الأمثالية ـ لم يرها ابن بطوطة في رحلاته‏,‏ فهذا مثل يقول‏:‏

مانبنا من غربتنا إلا عوجة ضبتنا‏.‏

هكدا ارتحلوا الي بلاد كل من ذهب اليها عاد منها عوجة‏,‏ ضبته بالذات‏,‏ فما يكاد الصديق يلتقي بصديق قديم له في الشارع حتي يعانقة قائلا‏:‏ أهلا يافلان‏..‏ حمدا لله بالسلامة‏..‏ شايف ضبتك عوجة‏..‏ رجعت امتي؟

وإذا كان من العسير علينا الآن معرفة اسم البلد الذي عوج ضبة كل مغترب فيها‏,‏ فإن الأشد عسرا هو الوقوف علي سر العلاقة بين خراب بيت الحلاق وبين أكله للملوخية بالعيش الطري‏,‏ إذ يقول المثل‏:‏

ملوخية وعيش لين ياخرابك يامزين‏..‏

هنا يراودك شعور بالأسف علي رعونة هذا الأسطي الذي تهور وأكل الملوخية بعيش طري رغم علمه بالعواقب الوخيمة لتناول هذه الوجبة للأسطوات الحلاقين‏,‏ فما كان أغناه عن خراب بيته لو أنه تعقل وأكل الملوخية بعيش ناشف‏,‏ ولكن النفس دائما أمارة بالسوء‏..‏

ولسوف تأتي أجيال وتذهب أجيال إلي يوم الدين دون أن تكتشف البشرية السر في تحريم أكل الملوخية بالعيش اللين علي كل مزين‏!‏

بل إن جانبا كبيرا من الأمثال المسجوعة سوف يظل مستعصيا علي الفهم والتفسير‏,‏ إليك مثلا‏..‏ هذا المثل الشائع الذي يقول‏:‏

ياقلبي ياكتاكت ياما انت مليان وساكت‏..‏

هنا يقف الذهن البشري حائرا امام هذا القلب الكتاكيت‏,‏ تري ماهو القلب الكتاكبت؟ لابد أن كتاكت هذه لها علاقة بالامتلاء‏,‏ امتلاء القلب بالهموم‏,‏ فهل كتاكت هذه وحدة مكاييل للسوائل كاللتر والجالون؟ هل يقال مثلا هذه امرأة قلبها كتاكت أي قلبها سعة خمسين لتر هموم؟ وإذا كانت كتاكت وحدة مكاييل‏,‏ فلماذا لم نسمع أن رجلا دخل محطة بنزين بسيارته وقال للعامل‏:‏ كتاكت سوبر من فضلك؟

ان المسألة تزداد تعقيدا عندما نجد أمامنا في الأمثال طرازا آخر من القلوب‏:‏

ياقلبي ياكتكت اسمع الكلام واسكت‏..‏

هذه حيرة جديدة امام ذلك القلب الكتكت‏,‏ ولا حدود لحيرتنا عموما أمام أمثلتنا المسجوعة‏,‏ فهي في حاجة الي مذكرات تفسيرية لنا تكشف غوامضها‏,‏ فأنت إذا سمعت المثل الشائع الذي يقول‏:‏ بيت حانا ومانا ضاعت لحانا‏!‏

استعصي عليك الالمام بالظروف الغامضة التي ضاعت فيها لحية هذا الرجل بين أيدي حانا ومانا‏,‏ وهل حانا ومانا رجلان أم امرأتان؟ وإذا كانا رجلين فهل هما مدرسان خصوصيان؟ وإذا كانتا امرأتين فما الذي أوقع هذا الرجل بين أيدي حانا ومانا وماهي البواعث التي دفعت بهما الي نزع شعر لحيته؟ هل هما ضرتان اتفقتا عليه؟ وهل وجدت كل من حانا ومانا في تقليع شعر لحيته تسلية تعوضهما عن سخف برامج التليفزيون؟

ثم هذا المثل‏:‏

كنت مرتاحة جت لي حاحة‏..‏

نحن هنا امام اسم غريب وغير مألوف لسيدة تخصصت في قلة الراحة‏,‏ ولا أحد يعرف الأسباب والملابسات التي دفعت بوالدها الي أن يقيدها في سجل المواليد باسم حاحة‏,‏ غير أننا يجب أن نطرح كل هذه التساؤلات جانبا لأنها لن تؤدي بنا إلي نتيجة‏,‏ فإن عالم الأمثال يحفل بأسماء غريبة جدا لا وجود لها في عالم الواقع‏,‏ كأسماء هذا الثلاثي المرح في المثل القائل‏:‏

جايب لي زعيط ومعيط ونطاط الحيط‏..‏

وهذا ثلاثي آخر‏:‏

شنح وجنح وحبل غسيل‏,‏ تلاتة مالهمش مثيل‏..‏

هذا الأخ زقزوق الذي زوجوه من ظريفة‏,‏ كذلك من أشهر أخبار الزيجات التي تتردد علي ألسنة الناس جيلا بعد جيل هو خبر زواج مشكاح وريمة ولقد ظلت ريمة موضع اهتمام خاص من النساء‏,‏ فكن يتعقبن اخبارها ويتلصصن علي أسرارها‏,‏ حتي صحت الدنيا ذات صباح وكل امرأة تهمس في أذن الأخري‏.‏

رجعت ريمة لعادتها القديمة

وما أن تهمس المرأة بهذا السر الخطير حتي تدق الأخري صدرها بيدها وهي تشهق‏.‏ ومن هذه الشهقة الممتزجة بالدهشة البالغة نستطيع ان ندرك أهمية ذلك الخبر الخطير الذي لايزال الناس يتناقلونه عن رجوع ريمة لعادتها القديمة كذلك من الشخصيات الشهيرة في دنيا الأمثال ـ ولا مثيل لاسمها في دنيا الواقع ـ السيدة ردا التي أخذوا عليها ـ بعكس ريمة ـ انها لم تغير أبدا عادة من عاداتها لا القديمة ولا الجديدة‏,‏ فكانت تتلقي مكالمات تليفونية في أصوات مجهولة تعيرها قائلة‏:‏

طول عمرك ياردا وانت كده‏..‏

ومن الأسماء التي نلتقي بها في الأمثال مرجانة‏..‏

يبدو انه اسم فني‏.‏ اسم شهرة‏:‏ فاتنة الرقص الشرقي مرجانة‏.‏ يبدو انها أيضا راقصة هرمية الجنسية من شارع الهرم‏,‏ موهوبة في اجتذاب الزبائن وجمع النقوط فوق صدرها المرمر‏,‏ إذ يقول عنها المثل‏:‏

كل من جانا يحب مرجانة‏..‏
‏
..‏ وهذا عبدالله‏..‏ رجل ثقة شديدة والظاهر أنه بياع مزاج‏:‏

خد من عبدالله واتكل علي الله‏..‏

وهذا اسم لرجل ليس محل ثقة‏:‏ بندق السيد الوزير بندق واضح من المثل انه وزير وأنه كثير التصريحات‏:‏

سيدي بندق ماأصدق‏..‏
‏
..‏ وهذا زعرب‏..‏ ولا أحد يعرف علي وجه التحديد ماهي الخطيئة الكبري التي ارتكبها هذا الزعرب حتي ذهب كفره مثلا‏:‏

كفر زعرب

وهذا أبو راضي‏..‏ عميد أسرة يؤمن بالحكمة المأثورة المنقوشة علي التاكسيات‏:‏ ياناس ياشر بطلوا أر‏,‏ فالمثل الحسودي يقول عن أسرته‏:‏

زي عيلة أبوراضي المشنة مليانة والسر هادي‏..‏

وهذه زهرة‏..‏ الظاهر انها من ممثلات الاغراء العاريات ويصعب عليك التعرف عليها اذا صادفتها في الطريق وهي ترتدي فستانا‏:‏

من قلة عقلك يازهرة خليتي لك في البلد شهرة‏..‏
‏
..‏ وهذا بعجر‏:‏

زي بعجر أغا مافيهش إلا شنبات‏..‏
‏
..‏ وهذه أم عامر التي قضت العمر وهي تمسك بين يديها بمنخل‏.‏

ماذا كانت تنخل؟ الله أعلم‏,‏ المهم انها كانت تتلقي من الرائح والغادي هذه العبارة تشجيعا لها مواصلة النخل‏..‏

انخلي ياأم عامر‏..‏

أما الأخ عاشور فمن الصعب الاحاطة بأسباب الألاطة الشديدة التي كان عليها حتي قال فيها المثل‏:‏

طظ ياعاشور‏..‏

وهذا مرزوق‏..‏ والمثل الذي يحمل اسمه يكشف لنا عن طموح الرجل وعظيم صبره وقوة احتماله في طلب المعالي‏,‏ فيعلو فعلا فوق مقعد فريد من نوعه‏:‏

زي مرزوق يحب العلو ولو علي خازوق‏..‏

وهذا اسم جديد جدا اسم أوريجينال‏:‏ شخرم‏..‏

لماذا لانعدله إلي‏:‏ بعد الجوع والقلة بقالك مرسيدس وفيلا‏..‏

كذلك المثل القائل‏:‏ قيراط بخت ولا فدان شطارة‏..‏

ألا يصبح اكثر وقعا لو عدلناه الي‏:‏ قيراط كوسة ولا فدان شطارة‏..‏

فاذا كان التعديل في الأمثال غير جائز لمقتضيات تراثية تتطلب الاحتفاظ بنصوصها التي قيلت بها‏,‏ فلماذا ـ وهذا السؤال هو السؤال الثاني ـ تقتصر أمثالنا علي ماقاله الأجداد؟ أليس من حقنا أن نضيف إليها امثالا عصرية جديدة؟

أعتقد أن هذا من حقنا‏..‏ فلماذا إذن لانجتهد ونبتكر أمثالا مودرن مثل‏:‏

ـ بعد العدس والفريك بقالها بوتيك‏..‏

ـ مالك مهموم دي الهمة قال ابني في الثانوية العامة‏..‏

ـ الكل خدام مطرح ماأروح مادام باشاور باللحلوح‏..‏

ـ إيه عملك حصان أصيل ياجحشي قال مشيت في سكة القرع والمحشي‏..‏

ـ غبت فين سنة ياأبواليسر قال الورق كان ناقصه ختم النسر‏..‏

ـ يابو السر هادي والبال راضي وممنون‏,‏ قال عقبالكم لما تبيعوا التليفزيون‏..‏

ـ أربع ولاد وعشرين درس خصوصي ياخراب بيتك ياخلوصي‏..‏

ـ بعد أكل المدمس ولبس الهلهولة بقالك عمارات وسراية مهولة عقبالنا ياعم يابتاع العمولة‏..‏