|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
الميكانيزمات النفسية الدفاعية كصوارف عن الحق ..الانغماس في الشهوة
كثيرٌ هم الذين اختاروا المذاهب الفكريّة كمنهجٍ يعيشون في ظلّها، ويسلكون منهجها، ويعتقدون في أفكارها، بالرّغم من أن هاته المذاهب لا تُشبعُ ذاك التشوّف الإنساني في الاعتقاد في خالقٍ للكون والتديّن بدينه، والالتزام بتعاليمه، فيعيش هؤلاء في شكّ وحيرةٍ، لا يهنأ لهم بالٌ، ولا يطيب لهم عيشٌ، مصداقاً لقول الله تعالى : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا } ( طه: 124).
وهذه حقيقةٌ نفسيّةٌ قال بها الباحثون والمختصّون من مختلف ال***يّات قد بينّاها في عددٍ من مقالاتنا على موقع إسلام ويب المبارك. فيضطرّ الملحد Athée، كما اللادينيّ الربوبيّ déiste، كما اللاأدري agnostique، للّجوء إلى مجموعةٍ من المسكّناتِ تردّ عنه بعضاً من هذا الشكّ والضّنك، حتّى يستقيمَ له عيشٌ، كفرارٍ من نداءِ الفطرة، واشتياق النّفس. ولكي يتحقّق له ذلك فإنه يلجأ إلى ميكانيزمٍ دفاعيٍّ يسمّى بالانغماس الشهواني immersion dans les désirs، حتى يتشاغلَ عن إجابة أسئلته الوجوديّة : " هذا اللغز الذي يستحث عقولنا : ما العالم ؟ ما الإنسان ؟ من أين جاءا ؟ من صنعهما ؟ من يدبرهما ؟ ما هدفهما ؟ كيف بدءا ؟ كيف ينتهيان ؟ ما الحياة ؟ ما الموت ؟ ما القانون الذي يجب أن يقود عقولنا في أثناء عبورنا في هذه الدنيا ؟ أي مستقبلٍ ينتظرنا بعد هذه الحياة ؟ هل يوجد شيء بعد هذه الحياة العابرة ؟ وما علاقتنا بهذا الخلود .. ؟ هذه الأسئلة لا توجد أمةٌ، ولا شعبٌ، ولا مجتمعٌ، إلا وضع لها حلولاً جيدةً أو رديئةً، مقبولةً أو سخيفةً، ثابتةً أو متحولةً" -1- فلكي يهرب الشاكّ من كل هاته الأسئلةِ يضعُ برنامجاً لتضييع وقته في الملذّات والشهواتِ، لكي ينساهاَ ولو بشكلٍ مؤقّتٍ، فيحاول قدر الإمكان عدم ترك نفسه في عزلةٍ ووقتِ فراغٍ، بل يصاحب من هم في مثل شقائه وعقيدته، جلسةٌ خمريّةٌ هنا، وسفرٌ إلى هناك، مصاحبة هاته هنا، ومصاحبة تلك هناك ! فيصبح كائناً يعيش من أجل شرب الخمر واقتراف الزّنا، وتتبّع الشهوات، وإعمار وقته بالهواياتِ، يذوق فيها شتّى أنواع المسكرات والمخدّراتِ، يستمتعُ بتضييعِ ماله هنا وهناكَ، وحتّى لو جلسَ جلسةً لا خمر فيها ولا محرّماتٍ، استمتعَ بذكر الماضي والأزليّاتِ، وكم أضاع هنا وكم صاحب هناك، { يقول أهلكت مالا لبدا * أيحسب أن لم يره أحد } ( البلد : 6-7). فيقعُ الضائع عن طريق الحقّ في روتينٍ يوميٍّ كلّ همّه أين سأسهر هاته الليلة، وماذا سأفعل فيها ؟! ويحسب المسكين أنّه بهذا البرنامج اليوميِّ يعيش حياةً سعيدةً، لا شقاءَ فيها ولا ضنكٍ، وهو يدرك تمامَ الإدراك بأنّه أرفعُ كإنسانٍ من أن يعيش حياةً بهيميّة فيها كلّ هذا الانحراف والإسراف ! أضاعَ تديّنه ومعتقده ولا يعلمُ أن الغيَّ موعده ! { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا } ( مريم : 59). فاستغراقك أيها الملحد في الشهواتِ لن يغيّر من الواقع شيئاً، ولن ينفي وجود الله وإن كنت لا تعتقد بوجوده، ولن تتفلّت من يوم الحساب وإن كنت تعتقد بعدم وجوده ! فالنّعامة وإن وضعت رأسها تحت التراب حتّى لا ترى الخطر القادم، لن يشفع لها عدم رؤيته من واقع وجوده ! فأنتَ اتخذت من هواكَ إلهاً وطاغوتاً تعبده بمعاصيك وتركتَ خالقك ورسالته { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليها وكيلا } ( الفرقان :43). إنّك تعيشُ في تسويفٍ دائمٍ وتتمنّى أمانٍ كاذبةٍ والعمر أمامك يمضي في كل ثانيةٍ تقتربُ من لقاءِ الموتِ، وما أدراك ما الموتُ، هادم اللذّات، ومرعب الفلاسفة، يومَ ترىَ عملك وعقيدتك لا تساوي شيئاً في مجموع اختبارك، فتكون من الفاشلين الرّاسبين، ولا فرصة أمامك لاستعطافٍ حتى تردّ إلى الدنيا وتستدرك ما فاتك : { ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون } ( السجدة : 12 )، حينها لن ينفعك ندمك ولا استعطافك، بل سيجيبك خالقك : { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومك هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون } ( السجدة : 14). وما الانغماس الشهواني الذي تعيشه إلا نسيانٌ لمثل هذا اليوم الحسابيّ، فاختر، إما أن تكون ممن سيساق إلى الجنة ويقال له ادخلها بسلام { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم طبتهم فادخلوها خالدين } ( الزمر : 73) فتكون ممن سيقول : {.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } ( فاطر :34-35)، أو ممن سيساق إلى جهنّم في أفواجٍ : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } ( الزمر : 71 ) فتكون ممن سيصرخ : { وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير } ( فاطر : 37). فأنت الآن بين صورتين، لم ينفذ الوقت ولم يحن حسابك بعد، فاختر، إما الصورة الأولى حيث تنفض عنك غبار الشك والإلحاد وتقبل على الله وترتقي في معارج السلوك والإيمان، أو تظلّ تحت براثن الشيطان وآلية الانغماس الشهواني هذه فتكون من أصحاب الصورة الثانية. * هوامش المقال -1- بارتلمي سانت هيلير BARTHELEMY SAINT-HILAIRE مقالة " الميتافيزيقا " منشور في المجلة الفلسفية الفرنسية بتاريخ فبراير 1880 م. أبو عبد الرحمن الإدريسي-
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
أخلاق الإنسان الحديث
بؤرةٌ حديثةٌ موحلةٌ تلك التي غاص فيها إنسان القرن الحديث، شكّلت تقويماتٍ سقيمة وباهتةٍ نتيجة مذاهب فكريّةٍ عزفها على الرّبابة طبقةٌ من المتفلسفة والعلماء التجريبيين ليلَ نهارٍ، حتى دخلت وعي البشريّة بالباطل ! فخرّجت لنا إنساناً يكادُ لا يؤمن بشيءٍ، لا إله ولا ثوابَ ولا عقاب؛ لا خير ولا شرّ؛ لا أخلاق ولا تديّن؛ بل أصبح يشكّ حتى في وجوده كإنسانٍ! وهل هو فعلاً متميّزٌ عن الحيوان !
متاهاتٌ مدوّخةٌ؛ وانحدارٌ فكريٌّ سحيقٌ، تلك التي دخلها إنسانُ القرن الواحد والعشرين! لم يعد يستطيع الإنسان فيها أن يقول لك هل هو سيّدٌ في هذا الكوكب أم عبدٌ ؟ زمن القرن الحديث هو زمن انقلاب المفاهيم بامتيازٌ، أصبح فيها هذا الكائن مدجّناً بوسائل الإعلام، متناقض الفكر مضطرب النّفس، حتى أصبح مجهولاً بالنّسبة إلى نفسه! وكيف سيذوق حلاوة العيش من لم يجد حتى نفسه ؟ وكيف له أن يجدها وهو لم يبحث عنها ؟! إنني أقصد بإنسان العصر الحديث الإنسان الغربي بالدرجة الأولى؛ الذي يعيش بيننا على كوكب الأرض، حيث نراه ويرانا، يسوّق لنا سلعةً كاذبةً اسمها : الإلحاد واللاّدينيّة والتطوّريّة، يتبجّح علينا بأفلامه وأغانيه وبرامجه، يصوّر لنا حالةً كاذبةً أنّه من أسعد النّاس ومن أفضلهم حالاً ! وإني أقصد بإنسان العصر الحديث بالدرّجة الثانية؛ ذاك الذي يعيش بيننا في أوطاننا، يحارب فيه ديننا وثقافتنا ويتابع فيه الغربيّ في أيّ شيءٍ، بل في كلّ شيءٍ. إن مفهوم " الإنسان الحديث" الذي أروم إلى إظهاره من خلال هاته المقالة، ليس بمقصوده اللفظيَّ الزّمانيَّ، ولا بمفهومه الحداثيِّ التقني، بل بمفهومه العَقديَّ الفكريّ، فمعظم البشريّة اليوم تتساوى اليوم في استعمالها للتقنيات الحديثة، وفي إطلاق لفظ الحديث الزمانيّ، لكنها مختلفةٌ اختلافاً كبيراً عقديّاً ودينيّاً . والإنسان الحديث اليوم يحاول أن ينشر عدوى المرض الأخير، الذي أخذ ينبيء عن نفسه على نحوٍ بطيءٍ وكئيبٍ، اكتسح فيها عمالقةً في الفلسفة والفكر، فجعلهم مرضى في ثقافةٍ غربيّةٍ سارت مثيرةً للقلق ! أو قل إنّها بوذيّةٌ جديدةٌ، لكنّها أوروبيّة! شعارها عدميّةٌ مهلكةٌ، نذوق نتائجها وآفاتها صباح مساء، في السياسة والاقتصاد والإجتماع، في الحروب والمجاعات، في البؤس الذي أصبح عنوان بشريّة القرن الواحد والعشرين ! وكلّ تلكَ المجالات الفارطة إنما هي تَبَعٌ لعقيدةٍ وتديّنٍ جديد لبوذيّةٍ أوروبيّةٍ مبجّلةٍ للإلحاد athéisme الذي صاحَبته باللاّدينيّةِ déisme، فأخرجت لنا بنتَ سفاحٍ اسمها العَلمانيّةِ laïcité! فكان أوّل ضحيّة لهاته البنتِ الشمطاء هي تلك الأخلاق التي تمتّعت بها البشريّة لحقبٍ سحيقةٍ من الزّمن، فقضت على ذلك الخير القليل الذي كان متبقّياً في وعي الإنسان الحديث ! فلا خير ولا شر بل هي فقط تواضعاتٌ بشريّةٌ – زعموا – يجب عليها أن تخضع لمنطق النفعيّ البراجماتيّ، فالدقيقة التي لا تعود على الإنسان الحديث بنفعٍ ماديٍّ لا يريد عيشها ! بل حتى أعمال الصّدقاتِ والتعاون والهبات التي نراها من حينٍ لآخر عندهم، أصبحت تخضع لمنطق الإشهار الاقتصاديّ والسياسيّ ! والمعونات أصبحت تستغلها الدول الكبرى لفرض سياساتها على الدول الأضعف منها ! فهي مرهونةٌ في خدمتك لأجندتي بامتيازِ، وعلى قدرِ خدمتك لي على قدر ضخامتها وإلا فلن تنال فلساً منها حتى تخضع بذلٍّ ! فأصبحت العلاقات الإنسانية والدوليّة ليست بمنطق التعاون والتصادق والتضامن، بل بمنطق " الآخر هو الجحيم "، وأنّ عدو عدوّي صديقٌ مؤقّتٌ ما إن ننتهي منه حتى نلتفت للقضاء على بعضنا البعض من جديد ! وقد نسي الإنسان الحديث في مسألة ردّه للأخلاق، أنه لا توجد منزلةٌ بين المنزلتين، فلا يمكن أن تختار غير الموت أو الحياة، ولا يوجد خيارٌ ثالثٌ لهما، كما لا يمكن أن تختار بدَلاً ثالثاً عوض الخير والشرّ، أو الكفر والإيمان ! فكان أنّ ما يسوّق على أساسِ أنّه اختيارٌ ثالثٌ هو في حقيقته تغليبٌ لخيارٍ على آخر ! فمثلا : حينما يقول ملحدٌ أنا لن أتبرّع بفلسٍ للفقراء، ولن أتصدّق لأنّه لا منفعة لي في ذلك، فهو يغلّب حينها منطق الأنانيّة والبخل، وإن لم يصرّح بذلك ولم يبح ! لأن مقتضى الإجتماع البشريّ أن تكون هناكَ معاملاتٌ بين سائر أفراد المجتمع، هاته المعاملات تكون خاضعةً لتمثّلات الفرد، فالمتديّن يخالق النّاس بخلقٍ حسنٍ، لما نصّ عليه الدين، يبتغي التقرب إلى الإله لأنه أسمى رمزٍ للخير، وعابد الشيطان Le satanisme – كفلسفةٍ معروفةٍ في الغرب – يتقرّب إلى معبوده بشتى أفعال الشرّ والسحر ويخالق الناس بخلقٍ سيّءٍ لأنّ الشيطان أدنى رمزٍ للشرّ ! وطائفة الإلحاد لن تجد لنفسها موقعاً دقيقاً بين هذين فهم لا يؤمنون بالإله كما لا يؤمنون بالشيطان، لكنّهم يؤمنون بالنّفعيّة الماديّة، يخالقون النّاس بحسب مفهومهم هم، يجاوزون بين أفعال الخير والشرّ مرّةً حسب تربيتهم هم داخل مجتمعٍ دان بدينٍ معيّنٍ، ومرّة بحسب ما يمليه عليهم معتقدهم، لكنّ نزوع الشرّ فيهم أكبر من نزوع الخير، لأنّ أساس مذهبهم النفعي أنانيّ التوجّه، أي أنّه في صلبه مذهب ممثّلٌ للشر لكن بدرجة أخف من عابد الشيطان مثلا .. لهذا فحتى لو رفضوا مسألة الأخلاق جملة وتفصيلاً فستجدهم يتعاملون مع الناس بأخلاق معيّنة، ساميةً كانت أم ساقطةً لأنه مقتضى الاجتماع البشريّ ولا يوجد خيارٌ ثالثٌ لهم ! بمعنى أن تعاملاتهم تكون مقنّعةً بالحياد، لكنّها في حدّ ذاتها مزيجٌ بين بعض قيم الخير الذي تسوّق على أساس أنها معاملات راقيةٌ إنسانيّة، وبين بعض قيم الشر والتي تسوّق على أساس المصلحة والضرورة ! فالمعتقد الإلحادي في حقيقته هو مذهبٌ قائمٌ على البرودة وكيفية جلب النفع للشخصية الملحدة بمنطق " أنا ومن بعدي الطوفان " على عكس الإيمان المبني على تلك العاطفة الجياشة للخير وفعله، وإرادة الخير للبشرية عامة، لهذا تجد الإلحاد مشروعاً فاشلا في الجانب الإجتماعي لأن غاية الملحد في هذه الحياة أن يحقق الرخاء الماديّ لنفسه ويستمتع بماله حوالي سبعين أو ثمانين سنة في مسيرته ! أي يرى نفسه في حلٍّ من كل الإلتزامات التي يفرضها الدين في الإيثار والتعاون والتضامن ومساعدة البشرية والمساهمة في العدالة الإجتماعية ... وهو بهذا الفعل ينضم من حيث يدري أو لا يدري إلى طائفة من يدينون بأخلاق الشر، فكانت أخلاق الإنسان الحديث دونيّةً أنانيّةً في صلبها تقتطف البشرية ثمارها البئيسة المرّة في هذا القرن . أبو عبد الرحمن الإدريسي
__________________
|
#3
|
|||
|
|||
الميكانيزمات النفسية الدفاعية كصوارف عن الحق..النرجسية
هي مرّاتٌ عديدةٌ؛ تلك التي يدخل فيها الملحد مدشّناً لحوارٍ عقديٍّ أو تساؤلاتٍ اشتباهيّةٍ بقوله : " قرأتُ القرآن كاملاً، وكتب التفاسير كلّها، والحديث والعقيدة والفقه " ! ممهّداً بذلك على محاوره، أنه ملحدٌ متمكّنٌ من الإسلام، ينزل منزلته كمنزلة عالمٍ شرعيٍّ كفر عن علمٍ وليس عن جهلٍ، يحاول فيها بذلك التدليس على الطرف الآخر؛ لكي يضفي نوعاً من المصداقيّة والمشروعيّة لتساؤلاته تلك؛ فيتسامى بوهمٍ إمّا للتلبيس على مسلمٍ له حظّ قليلٌ في العلم، أو لكي يستعرض عضلاته على أهل الحقّ، أو لكسبِ منزلةٍ اجتماعيّة داخل طائفته الإلحاديّة!
وتلك الدعوات كلها لا تجد لها تحقيقاً في الواقع؛ فكم من ملحدٍ ادعى ذلك في حوارٍ صوتيّ مباشرٍ، فما إن سألناه حول اسم مؤلّفٍ أو كتابٍ حتى دخلَ في صمتٍ، كأنه أصيبَ بسكتةٍ قلبيّةٍ زهقت بها روحه ! فمثل هذا الادعاء يكون نتيجة ميكانيزمٍ دفاعيٍّ نفسيٍّ يسمّى : النرجسية le Narcissisme، وهي غالباً ما تكون عند أصحاب الشخصيّة النّرجسيّة المغرورةٍ، لكنّها قد تستعمل أيضاً عند أصحاب الشخصيّة العاديّة، نظراً لأحوالَ وظروف مؤقّتةٍ يعيشها الشخص . ونحن لا يعنينا استعمالها في إطارٍ ***يٍّ كما هو مشهورٌ في علم النّفس، بقدر ما تعنينا أشكال استعمالاته في بناءِ فلسفةٍ مذهبيّةٍ عند المخالف، وتمظهراتها في الحوارات العقديّة. هذا الميكانيزم هو نتيجة تصوّراتٍ قبليّة رسخت في ذهن الملحد حول الدين والمتديّنين، باعتبارهم مجموعةٌ من المتخلّفين يعتقدون في دينٍ " أسطوريٍّ " في نظره، أي شعورٍ بالدونيّة infériorité، يسقطه على مخالفه، بالرغم من أنّ هذا المتديّن أو ذاك قد يصل إلى مراكز مرموقةٍ علميّا، وقد يجمع بين تخصصاتٍ عدةٍ لم يبلغها الملحد نفسه ! فيعتبر الملحد نفسه إنساناً فوق البشر، يعتقد بمعتقدٍ لا يعتقده إلا الخاصّة؛ وذاك عبر تمجيد "الأنا" le Moi، وتحقير المجتمع ككلٍّ بدينه وتقاليده وثقافته، وليس هذا مرهوناً بالمجتمع الإسلامي، بل حتى المجتمعات الغربيّة التي تدين بدينٍ معيّن يخالفه المعنيّ، حتى لو كان في الصين أو اليابان أو الولايات المتحدة الأمريكيّة وغيرها ! فيدخل الملحد حواره ظانّاً منه أنه يستطيع إفحامَ مخالفه بسهولةٍ تامّةٍ، ولا يدري أنّه مرتكزٌ على فكرٍ هشّ الأركان، ضعيفِ الأسس، لكنّ الانغلاق على الذّات والاكتفاء بمطالعة فكرٍ وحيدٍ هو السّبب الرئيس في هذا الظنّ القبليّ اللاشعوريّ؛ حتّى إن أفحمَ من كلّ الجهات ردّ السبب في عدم استطاعة ذاك المتديّن فهم ما يقوله هو، وليس إلى هشاشة الطرح ! فكيف له وهو المثقّف في أن يعتقد برسالةٍ نبيٍّ أميٍّ، ودينٍ انتشرَ بين البدو قبل ألف عامٍ ويزيد ؟ وإن كان هذا الدين له قوةٌ حجاجيّة كبرى ويحمل أفكاراً تقدميّةً كثيرةً ! فهو لا ينظر إلى أصل الرسالة على أساس أنها آتية من خالق الكون، بل آتيةٌ عن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم ! -1- في حين أنه يتناسى أن مجملَ أفكاره " المعاصرة" هي آتيةٌ عن أقدم من العصر الرسالي، بل هي أفكارٌ ظهرت عند اليونان قبل الميلاد وتمّ تجميلها ما بين القرن 18 والقرن 20 ! فأول ملحد في التاريخ هو دياغوراس من ميلوس Diagoras de Mélos، عاش 475 قبل الميلاد، ثم ثيودور القوريني Théodore de Cyrène ، 465 قبل الميلاد، وأول "لا أدري" في التاريخ هو بروتاغوراس Protagoras ، 490 قبل الميلاد ! وكلهم عاشوا في اليونان القديمة أو بلاد الإغريق كما يسميها آخرون وقبل التقويم المسيحي بقرون، -2-. ولم يكن مذهبا منتشرا كما هو الحال في عصرنا، ثم جاء جون ميسليي -3-، وشوبنهاور، وماركس وفيورباخ وغيرهم.. ليقدموا أفكار أولئك بصبغةٍ جديدة! إنك أيها الملحد بتساميك الباطل نتيجة النرجسية، لا تساهم إلا في صدودك عن الحق، فتستمر الغشاوة على عينيك ولا تدري بأن الإلحاد ماهو إلا انتكاس في تاريخ البشرية. فلا تحسب أن في انتشاره خير للفرد والجماعة. بل هو شر نفسيّ ومجتمعيّ إن ساد، كان للبشرية موعد مع العدمية والحيرة والظلم والتقهقر. Haut du formulaire هوامـش المقال -1- يمكن للقارئ مطالعة الأدلة على وجود الله ودلائل النبوة على موقع إسلام ويب. -2- كتاب المؤرخ الروماني - قبل الميلاد - ماركوس تيليوس سيسيرو الموسوم بـ " في طبيعة الآلهة"، كتاب دانييل لويس مونيي " المناظرات الفلسفية الأدبية لدياغوراس "، كتاب جون أوكنور الموسوم "ثيودور القوريني ".- مراجع فرنسية- -3- يخطيء من يظن أن أول ملحدٍ في العصر الحديث هو شوبنهاور، بل هو الفيلسوف الفرنسي جون ميسيلي، في كتابه " مذكرات الأفكار والمشاعر "-مرجع فرنسي- أبو عبد الرحمن الإدريسي *
__________________
|
#4
|
|||
|
|||
الميكانيزمات النفسية الدفاعية كصوارف عن الحق ..اللجوء التخيّلي
كثيرٌ من الآباء والأمّهات يلاحظون في مراحل مبكرةٍ من حياة أحد أبنائهم، أن لهم أصدقاءَ متخيّلين، أو يعيشون في عالمٍ خياليٍّ، يتكلّمون لوحدهم، ويشيدون إمبراطوريّاتٍ وهميّةٍ، يعتبرها الآباء أنها من اللعب الطفوليّ، وأنها مرحلةٌ ستنقضي بالنضج !
لكن ما لا يعرفه الكثير من النّاس، أن هذا آليةٌ نفسيّةٌ دفاعيّةٌ قد يقع فيها أكبر الناضجين، وأعقل العاقلين ! وليس شرطاً أن يكون للإنسان صديقٌ متخيّلٌ أو عالمٌ وهميٌّ كما هو عند الأطفال، بل هي نوعٌ من القناعات التي يبنيها الفرد لا على أدلةٍ، بل على أشياء يتمنّاها هو في نفسه، متخيّلةٌ لا تجد لها ترجمةً واقعيّةً ملموسةً ! هاته الآلية يسميها بعض علماء النفس بالتمنيّ التخيليّ Fantaisie، ويسمّيها آخرون باللجوء التخيّلي Refuge dans la rêverie، وهي آليةٌ كثيرة الاستعمال أيضاً عند الملاحدةِ les athées، و اللادينيين الربوبيين les déistes. حينما يتحوّل الخوف من ذلك المجهول، الغامض بالنسبة لهؤلاء، والذي يدشّنه الموت برهبته وآلامه وسكراته، إلى قلق وقضيّةٍ تشغل باله صباحاً ومساءً، حتى إن انشغل عنها في غمرة مسيرته الحياتيّة بقيت في لاوعيه، قارّةً راسخةً ! حينها تنطلق هاته الآلية الدّفاعية، كمنقذٍ من هذا القلق، وحينها يصبح الإنسان ملحداً، أو ربوبيّاً، يشيّد عالماً من الأفكار والمعتقدات التي لا أساس لها في الواقع، منطلقاً من رغباته هو، وأحساسيه، ومشاعره، وكأنّ معتقده يكيّفه تكييفاً مع ما يريده هو! ولكي نقرّب هذا المفهوم أكثر في ذهن القرّاء نضرب أمثلةً معيّنة بسيطةً تبيّن طريقة اشتغال هاته الآليّة ونتيجتها: فمثلا : حينما يبني اللادينيّ الربوبيّ مجموعة من المعتقدات حول الإله الخالق، ليست عليها براهين وأدلّة، ولا كتاب فيه يدرسون منزّلٌ من خالقهم، فيدّعون مثلا أن الله تعالى " محايدٌ" لا دخل له في تسيير الكون، ولن يعاقب مسيئاً، ولن يجازي صالحاً، فيبني صرحاً من المتخيّل على هذا الأساس، كلما واجهه أحد أهل الأديان بتهافت منطقه، ازداد تعلّقا بهذا العالم المتوهّم الذي شيّده في نفسه ! أو كمثل ذاك اللادينيّ الآخر، والذي يؤمن بوجود إله خالقٍ وبعثٍ بعد الموتِ، لكنّه يمنّي نفسه بأن كل البشريّة ستدخل الجنّة ! صالحها وطالحها، مؤمنها وكافرها، موحّدها ومشركها ! -1- كما الملحد حينما يدّعي أنه لو كان هناك إله فسيدخله الجنّة، أو أنه يستطيع إفحام الإله الخالق ببضع كلماتٍ فينجو من العقاب !! -2- كل هاته الآراء وأكثر، في حقيقتها مجرّد نتاج تلك الآلية النفسية الدفاعيّة ذكرها القرآن {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } ( البقرة : 111) وقوله تعالى : { وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور } ( الحديد: 14). فهاته الأمانيّ توقع الإنسان في المحظور وتؤدي به إلى التهلكة، حينما ينقلب الواقع إلى خيالٍ L’inversion du réel et de l’imaginaire، والتي يسميها علماء النفس الانطواء على الذات l'introversion، فيصبح أصل المعتقد ليس ما أنزله الله تعالى وما ثبتت بالدليل صحته، بل الأصل في هاته الحالة هي الذات، أي حينما تصبح النّفس منبعاً لذلك المعتقد أو ذاك، حينها تصبح الأمانيّ أفكاراً، وتصبح التخيلات في درجة الواقع بالنسبة لهؤلاء! ومن هنا ذاك التضارب في المعتقد اللاديني، فهذا يتصور الإله رحيماً، وذاك يتصوره جبّاراً، والآخر يصفه بالوداعة وأنه لن يحاسب أحداً، والآخر يرى فيه العدل والمجازاة، وذاك يقول بوجود حياةٍ بعد الموت، والآخر ينفي،حتى أصبحت اللادينيّة متعددة المذاهب بتعدد الخلائق القائلين بها ! وكذلك الإلحاد بمختلف تناقضاته بين مدارسه، وهلمّ جرا في القضايا التابعة، كنظرة الإنسان للكون، وأسئلته الوجودية، ومصدر أخلاقه، وكيفية عيشه ... فيكون هذا اللجوء التخيّلي من أسباب الإعراض عن الحقّ، لأن الإله في صفاته هو ما شاء هو لا ما شاء البشر، ويفعل سبحانه ما يريده هو لا ما يريده البشر ! ويفرض عليهم ما فرض هو لا ما يفرضه البشر ! لهذا كان المعتقد اللاديني كما الإلحادي هو مجرّد ترجمةٍ لتلك الأحاسيس والأهواء والمشاعر والغرائز عن الانكفاء عن الذات، وجعلها مصدراً للحقيقة زوراً وبهتاناً، حتى إن أعيتهم حجج أهل الإيمان لجؤوا لاشعورياّ إلى التخيّل وأضغات الأحلام، كآليةٍ ناصرةٍ لباطلهم، مسوّغةٍ لتهافتاتهم، لا يُرجى منها الفكاك إلا بإرادة صُلبةٍ قويّةٍ. هوامش المقال 1- الدكتور يوسف شلحت وهو أستاذ علم الإجتماع، ولادينيّ المعتقد في آخر صفحات كتابه " نحو نظرية جديدة في علم الإجتماع الديني" استشهد بقصّةٍ متخيّلةٍ عن قسيسٍ يقول بنحو هذا الفكر، وأقره وأثنى عليه ! 2- ريتشارد داوكنز قال بأنه سيحاجج الإله إن كان موجوداً بعد الموت ! وذاك في مقابلة وثائقية “No Intelligence Allowed” أبو عبد الرحمن الإدريسي
__________________
آخر تعديل بواسطة abomokhtar ، 30-03-2018 الساعة 10:05 AM |
#5
|
|||
|
|||
كل الشكر و التقدير لجهد حضرتك
__________________
Minds, like parachutes, only work when opened
|
#6
|
|||
|
|||
جزاك الله كل خير
|
العلامات المرجعية |
|
|